بيروت (لبنان) ـ (أ ف ب) – أعلن حزب الله الأربعاء أنه سيتعامل مع قرار الحكومة اللبنانية تجريده من سلاحه “كأنه غير موجود”، متّهما إياها بارتكاب “خطيئة كبرى” وذلك غداة تكليفها الجيش وضع خطة لنزع سلاحه قبل نهاية العام في خطوة وصفها خصومه بـ”التاريخية”.
وعلى وقع ضغوط أميركية وخشية من توسيع إسرائيل ضرباتها على لبنان، أعلن رئيس الحكومة نواف سلام الثلاثاء “تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تطبيقية لحصر السلاح قبل نهاية العام الحالي بيد الجهات المحدّدة في إعلان الترتيبات الخاصة بوقف الاعمال العدائية وحدها”، على أن يتمّ “عرضها على مجلس الوزراء قبل 31 من الشهر الجاري لنقاشها وإقرارها”.
والأربعاء، اتّهم حزب الله حكومة سلام بأنّها ارتكبت “خطيئة كبرى في اتخاذ قرار يُجرّد لبنان من سلاح مقاومة العدو الإسرائيلي”، معتبرا في بيان أنّ “ما قررته الحكومة هو جزء من استراتيجية الاستسلام، وإسقاط صريح لمقومات سيادة لبنان”.
وأضاف أنّ “هذا القرار يُسقط سيادة لبنان، ويُطلق يد إسرائيل للعبث بأمنه وجغرافيته وسياسته ومستقبل وجوده، وبالتالي سنتعامل مع هذا القرار كأنَّه غير موجود”.
وأدرجت الحكومة الثلاثاء قرارها في إطار تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه بوساطة أميركية وأنهى الحرب بين حزب الله واسرائيل في 27 تشرين الثاني/نوفمبر ونصّ على حصر حمل السلاح بالأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية الشرعية.
لكن على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل تنفيذ غارات في مناطق لبنانية عدة خصوصا الجنوب والبقاع، وتبقي قواتها في خمسة مواقع لبنانية قرب حدودها.
وشنّت إسرائيل الأربعاء سلسلة غارات على جنوب لبنان أوقعت قتيلا وعددا من الجرحى، وفق السلطات اللبنانية.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إنه هاجم أهدافا لحزب الله في جنوب لبنان “من بينها مستودعات أسلحة ومنصة صاروخية وبنى تحتية تابعة لحزب الله والتي استخدمها لتخزين آليات هندسية مخصّصة لإعادة إعمار بنى تحتية إرهابية في المنطقة”.
وينزع القرار الحكومي غير المسبوق الشرعية السياسية عن سلاح حزب الله، الذي شكّل قبل حربه الأخيرة مع إسرائيل، القوة السياسية والعسكرية الأكثر نفوذا في البلاد وحظي بدعم من دمشق وطهران. ولطالما شكّلت مسألة نزع سلاحه قضية شائكة في لبنان منذ عقود، وتسبّبت بأزمات سياسية متتالية وعمّقت الانقسامات الطائفية والسياسية.
وقبل الحرب الأخيرة مع إسرائيل، كان الحزب قادرا على فرض القرارات الحكومية الكبرى أو تعطيل العمل الحكومي. لكنّ التنظيم المدعوم من طهران خرج منهكا من مواجهة مفتوحة خاضها العام الماضي مع إسرائيل، وقُتل خلالها عدد كبير من قادته ودُمّر جزء كبير من ترسانته. وانعكس ذلك أيضا تراجعا لنفوذه في لبنان حيث كان يحتكر القرار السياسي الى حدّ بعيد منذ سنوات.
– “وصاية اميركية” –
ويعقد مجلس الوزراء بعد ظهر الخميس جلسة لاستكمال النقاش في “الورقة التي تقدّم بها الجانب الأميركي”، وفق ما أعلن سلام، في إشارة الى مذكرة حملها المبعوث الأميركي توم باراك الى لبنان وتتضمّن جدولا زمنيا لنزع سلاح حزب الله.
وفي بيانه الأربعاء، قال حزب الله إنّ قرار تجريده من سلاحه جاء “نتيجة إملاءات المبعوث الأميركي”، معتبرا أنّ هذا القرار “يُحقّق مصلحة إسرائيل بالكامل، ويجعل لبنان مكشوفا أمام العدو الإسرائيلي من دون أيّ ردع”.
وانسحب وزير الصحة راكان ناصر الدين المحسوب على حزب الله، ووزيرة البيئة تمارا الزين المحسوبة على حركة أمل، حليفة الحزب، من جلسة الحكومة الثلاثاء، في خطوة قال الحزب إنّها “تعبير عن الرفض” لقرار الحكومة و”لقرار إخضاع لبنان للوصاية الأميركية والاحتلال الإسرائيلي”.
وجدّد حزب الله التمسّك بوقف إسرائيل ضرباتها على لبنان، قبل أيّ نقاش في مصير سلاحه في إطار استراتيجية دفاعية.
وقال الحزب “نحن منفتحون على الحوار، وإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان وتحرير أرضه والإفراج عن الأسرى، والعمل لبناء الدولة، وإعمار ما تهدَّم بفعل العدوان الغاشم، ومستعدّون لمناقشة استراتيجية الأمن الوطني ولكن ليس على وقع العدوان”.
ويتّهم حزب الله إسرائيل بخرق وقف إطلاق النار، في حين تقول الدولة العبرية إنها تستهدف بنى تحتية للحزب ومستودعات أسلحة وقياديين ناشطين ضدّها. وتتوعد بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية في لبنان ما لم تنجح السلطات في نزع سلاح الحزب.
– “قرار تاريخي” –
وقرار الحكومة غير مسبوق منذ اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد (1975- 1990) وسلّمت بموجبه الميليشيات التي شاركت في الحرب أسلحتها الى الدولة، باستثناء حزب الله الذي احتفظ بسلاحه بغرض “مواجهة اسرائيل”.
وأشاد خصوم حزب الله بقرار الحكومة.
وقال حزب القوات اللبنانية، الذي يقوده الزعيم المسيحي سمير جعجع في بيان الأربعاء، إنّ “القرار التاريخي الذي اتّخذه مجلس الوزراء أمس، وجب اتّخاذه منذ 35 عاما”، عندما انتهت الحرب الأهلية.
واعتبر حزب الكتائب اللبنانية المسيحي، المناوئ لحزب الله، أنّ قرار الحكومة “تاريخي يضع لبنان على سكة استعادة السيادة، والدولة على طريق استعادة قرارها الحرّ”.
وحذّر من “أيّ محاولة للتعاطي مع القرار بسلبية أو التمادي في منطق الترهيب والاستقواء، وهو زمن ولّى ولن يُسمح بعودته تحت أيّ ذريعة”.
وأكّد حزب التيار الوطني الحر، الحليف المسيحي السابق لحزب الله، تمسّكه “بحصر السلاح بالجيش اللبناني والأجهزة الأمنية وحصر إمرة استعماله بالدولة على ان يتسلّم الجيش أسلحة المقاومة لتعزيز قوة لبنان الدفاعية”.
في المقابل، انتقدت حركة أمل، التي يقودها رئيس البرلمان نبيه بري، قرار الحكومة التي “تستعجل تقديم المزيد من التنازلات المجانية للعدو الاسرائيلي”، معتبرة أنه “كان أَولى أن تسخر جهودها لتثبيت وقف النار أولا ووضع حدّ لآلة القتل الإسرائيلية”.
ورأت أمل في جلسة الحكومة المقرّرة الخميس “فرصة للتصحيح وعودة للتضامن اللبناني كما كان”.
من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الأربعاء في مقابلة متلفزة إنّ أيّ قرار في ما يتّصل بخطة تجريد التنظيم المدعوم من طهران من سلاحه “سيعود في نهاية المطاف إلى حزب الله”.
وتابع عراقجي “نحن ندعمه عن بُعد، لكنّنا لا نتدخّل في قراراته”، لافتا إلى أنّ الحزب “أعاد بناء” قدراته بعد النكسات التي تعرض لها في الحرب مع إسرائيل العام الماضي.