العين الإخبارية :
إنذار رسمي لمسجد يكتب فصلا جديدا من معركة فرنسا مع الإخوان الملف الذي يتصدر طاولة المعالجة الفكرية والقانونية درءا لتهديد متنامٍ.
وتخوض فرنسا حربا ضد الجماعة وسط سعي دقيق للتوازن بين أمن الدولة وحماية الحريات، وبين الحفاظ على السلم الاجتماعي ومواجهة التطرف الأيديولوجي.
وفي ظل تصاعد التوترات المرتبطة بالتطرف الديني بالبلاد، يجد أحد المساجد بالضواحي الجنوبية للعاصمة باريس نفسه في قلب عاصفة سياسية وإعلامية جديدة.
إنذار
وجهت السلطات الفرنسية التي زادت من رقابتها على دور العبادة هذا العام، إنذاراً شديد اللهجة لمسجد “عمر الجنوب” في مدينة بانيو، بعد استضافته شخصية مثيرة للجدل تتهم بالترويج لأفكار متطرفة تتقاطع مع أيديولوجيا الإخوان.
وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة الدولة لتجفيف منابع الفكر المتشدد ومراقبة الخطاب الديني الذي تعتبره تهديداً لمبادئ الجمهورية.
فما الذي حدث بالضبط؟ ولماذا يُنظر إلى هذا الحدث على أنه تجاوز للخطوط الحمراء؟
بحسب شبكة «سي نيوز» الفرنسية، تلقى المسجد الواقع بالمدينة التابعة لإقليم «أو دو سين» (أعالي السين) بمنطقة إيل دي فرانس القريبة من باريس، إنذاراً رسمياً من السلطات المحلية.
وجاء الإنذار على خلفية استضافته لواعظ متهم بقربه من الفكر الإسلامي المتشدد، في خطوة تندرج ضمن حملة أوسع تقودها الدولة ضد عدد من دور العبادة التي يُشتبه في علاقتها بأوساط متطرفة.
تحت المجهر
منذ مطلع العام الجاري، وضعت السلطات الفرنسية حوالي عشر مساجد في فرنسا تحت المراقبة أو خضعت لإجراءات عقابية بسبب ارتباطها المحتمل بحركات متطرفة.
وآخر هذه الإجراءات طالت مسجد “عمر الجنوب” في بانيو، حيث أصدر محافظ “أو دو سين” قراراً بإنذاره، حسب ما كشفت عنه إذاعة “يورب 1” الفرنسية أيضا.
من جهتها، قالت صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية، إن الإنذار جاء على خلفية الخطب التي ألقاها محمد مهدوي، والذي يعتقد أنه يدير دار النشر “مدرس أنيميه”، المتهمة بإصدار كتب تعتبرها الجهات القضائية الفرنسية خطيرة، وأظهر مضمون تلك الكتب رؤية عقائدية يتبناها الإخوان.
ووفقاً للصحيفة الفرنسية، فإن هذا الربط دفع الدولة الفرنسية إلى تصعيد موقفها، إذ ترى في استضافة هذا النوع من الخطاب داخل دور العبادة محاولة لفرض أجندة تتعارض مع قيم العلمانية والتعايش.
وفي أوائل يوليو/تموز الماضي، حكمت محكمة نانتير الجزائية على مهدوي بغرامة مالية قدرها 2000 يورو، لنشره نصوصاً تحرض على العنف، لتضمنها مشاهد تعذيب صريحة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الكتب التي تم التحفظ عليها، ومنها “أبطال الإسلام: صحابة النبي”، اتهمت بالترويج لـ«الجهاد المسلح ونشر رؤية سلفية للإسلام»، من خلال استخدام أسلوب تصوير الشخصيات بشكل مجهول، وهو أسلوب شائع في الخطاب المتطرف.
«تجاوز واضح»
من وجهة نظر السلطات، فإن قرار المسجد بدعوة شخص بمثل هذا السجل يمثل تجاوزاً واضحاً، وأكد محافظ “أو دو سين”، ألكسندر بروجيير، قائلاً: “منح منبر لشخص لا يحترم قوانين الجمهورية يعد خرقاً صريحاً للقانون من قبل المسجد”.
وفي تصعيد للموقف، أضاف بروجيير: “لن أتردد في اتخاذ كافة الإجراءات والعقوبات التي يتيحها لي القانون إذا تكررت هذه الوقائع”.
وتابع: “إنها معركة نخوضها دفاعاً عن جمهوريتنا، ولن نسمح بأي خطاب أو منبر ينتهك قوانيننا”.
ويأتي هذا الإنذار في وقت سبق فيه استبعاد مسجد بانيو من الاجتماعات المحلية الخاصة بالإسلام في فرنسا، والمنعقدة مطلع الشهر الماضي، وهو ما يظهر انعدام الثقة المتزايد من قبل السلطات تجاه هذه المؤسسة الدينية.
وقضية مسجد بانيو ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات المتصاعدة منذ إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطة “مكافحة الانفصالية الإسلاموية”، والتي تستهدف بشكل رئيسي الجماعات المرتبطة بالإخوان.
وتتهم باريس هذه الجماعات بالسعي لبناء مجتمع موازٍ داخل الدولة.
فيما يرى مراقبون في استبعاد المسجد من الاجتماعات المحلية تراجعا في ثقة الدولة بالمؤسسات التي يُشتبه في اختراقها من قبل هذه الجماعات، وهو ما يعزز توجه فرنسا نحو فرض رقابة أوسع على تمويل وخطاب المساجد.