يقف العراق أمام تحدّي جديد، يضع استقلال قراره السياسي السيادي أمام تساؤلات حول قُدرة الحكومة العراقية على اتخاذ قرارها بيدها، أم السقوط في حفرة الإملاءات الأمريكية، والحديث عن مشروع قانون جديد، ينص على إعادة تنظيم بنية هيئة الحشد الشعبي، من خلال إنشاء أكاديمية عسكرية خاصة لتدريب العناصر، وتحديد شروط جديدة للانتساب والرتب، بينها تحديد عمر المتقدمين بين 18 و35 عامًا، ومنح درجات وظيفية مباشرة للحاصلين على شهادات في الاختصاصات الأمنية والعسكرية.
ويُعد مشروع القانون الجديد تعديلًا لقانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40 لسنة 2016، ويهدف إلى دمج الحشد الشعبي ضمن المنظومة العسكرية الرسمية، مع منحه صلاحيات تنظيمية وأمنية واسعة.
ويمنح المشروع الحشد الشعبي استقلالًا ماليًّا من خلال تخصيصات من الموازنة العامة والتبرعات، ويستثنيها من قانون الخدمة والتقاعد العسكري، الأمر الذي تخشى الولايات المتحدة الأمريكية بأن يمنح الحشد الشعبي العراقي مزيدًا من النفوذ، وتفكيك ارتباطه بالقوات المسلحة العراقية.
وفي اتصال صريح وواضح، عبّر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عن مخاوف بلاده بشأن مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي الذي ما يزال قيد المناقشة في البرلمان.
وتحجّج الوزير الأمريكي خلال بيان رسمي على أن “تشريع هذا النوع من القوانين سيؤدي إلى ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق”.
وكتب روبيو في منصة “إكس” “إن واشنطن تدعم العراق بلداً مزدهراً، خالياً من النفوذ الإيراني”.
ويتناسى الوزير الأمريكي وفقًا لمراقبين، أن تشكّل الحشد الشعبي جاء على إثر اجتياح تنظيم الدولة (داعش) للعراق وسيطرته على ثلث مساحته في عام 2014.
ومن غير المعلوم كيف ستتعامل الحكومة العراقية مع مشروع قانون الحشد، حيث أصدر مكتب السوداني بيانًا، أكد فيه أنه جرى التطرّق إلى قانون الحشد الشعبي، حيث أشار الأخير إلى أن طرح هذا القانون أمام البرلمان يأتي ضمن مسار الإصلاح الأمني الذي انتهجته الحكومة، وهو جزء من البرنامج الحكومي المُعتمد من مجلس النواب.
ومع التحذير الأمريكي الصريح الرافض لقانون الحشد، تساؤلات مطروحة حول ما إذا كان يُمكن تمرير القانون خلال المدة المتبقية من عمر البرلمان العراقي، رغم وجود أنباء حول التصويت عليه خلال الجلسات المقبلة، وقبل الوصول إلى موعد الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني المقبل.
العراق الرسمي ينظر للحشد الشعبي بأنه مؤسسة رسمية تحت إمرة القيادة العامة للقوات المسلحة وتأمر بأوامر داخلية وليست خارجية، لكن للإدارة الأمريكية رأيٌ آخر يرى بأن بعض الفصائل لا تنتمي للجيش العراقي، وتمتلك قرارًا على عكس الرغبات الأمريكية.
وتتحدّث الأوساط العراقية، عن مخاوف من صدامات محلية، إذا أصرّت الكتل الشيعية على تمرير قانون الحشد الشعبي، ودون إبرامها اتفاقات وتفاهمات، فيما يجري الحديث من القوى السياسية المُوالية لواشنطن (الكتل السنية والكردية) عن تعديلات يُمكن أن تُوافق عليها واشنطن، لتمرير القانون، وهو ما يعني السير في طريق التبعية، بالنسبة لأنصار الحشد الشعبي.
تجدر الإشارة إلى أنه بعد الفشل في تمرير قانون الحشد منذ شباط/ فبراير الماضي، كشف رئيس البرلمان محمود المشهداني، منتصف الشهر الجاري عن رسائل أمريكية وصلت إلى جميع القادة السياسيين ترفض إقرار القانون، وكان نصها: “نحن نتفهّم تمسككم بالحشد الشعبي، لكن أصحاب القرار الأعلى في أمريكا لا يتفهّمون ذلك”.
ومن أبرز النقاط الجدلية، بأن هيئة الحشد الشعبي سترتبط وفق القانون الجديد بالقائد العام للقوات المسلحة ولا علاقة لها إداريًّا بوزارتي الدفاع والداخلية، ويكون رئيس هيئة الحشد بدرجة وزير.
وبطبيعة الحال ستُلوّح واشنطن بالعقوبات، لمنع تمرير القانون، حال إصرار القوى المُناوئة لها على تمريره، فيما يصل الحديث لمرحلة اعتبار الحشد الشعبي بمثابة الحرس الثوري العراقي الذي سيُهدّد المصالح الأمريكية في المنطقة، والبالغ عددهم نحو 238 ألف عنصر، فهل تتحدّى بغداد واشنطن؟