سبوتنك :
حط رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، رحاله جنوبي العراق وتحديدا محافظة البصرة، حاملًا معه وعدًا جديدًا لأهالي المحافظة، التي أنهكتها ملوحة المياه وتردي البنى التحتية لعقود.
وعلى وقع أزمات صحية ومعيشية خانقة، أطلق السوداني مشروع تحلية المياه بوضع حجر الأساس لأحد أكبر المشاريع المرتقبة جنوبي العراق، في خطوة وصفتها الأوساط الحكومية بـ”التحول الاستراتيجي”، بعد سنوات من الإهمال الذي حوّل مياه البصرة إلى مصدر للأمراض بدلًا من الحياة.
وأُطلق، يوم أمس الخميس 24 تموز/ يوليو 2025، مشروع تحلية مياه البحر في محافظة البصرة، ضمن مسعى حكومي لمواجهة شح المياه وتأمين مصادر مستدامة لها، حيث جاء إطلاق المشروع خلال زيارة أجراها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى المحافظة الواقعة على الخليج أقصى جنوبي البلاد، حيث دشّن عددًا من المشاريع الخدمية والتنموية.
وأشار المكتب الإعلامي للسوداني، في بيان، إلى الشروع بالأعمال التنفيذية لمحطة تحلية مياه البحر في البصرة، والتي تعد من المشاريع الاستراتيجية، بطاقة إنتاجية تصل إلى مليون متر مكعب يوميًا.
بصيص آمال وسط معاناة مستمرة من أزمة المياه
وأثارت الزيارة الحالية التي أجراها رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى محافظة البصرة، موجة من الترقب والآمال لدى أهالي المحافظة، الذين يعانون منذ سنوات من أزمات خدمية متراكمة، وعلى رأسها أزمة المياه الصالحة للشرب.
وقال المراقب السياسي العراقي أسعد رحيم، لـ”سبوتنيك”، إن “أهالي البصرة، بل والعراقيين عمومًا، يتمنون أن تكون الزيارة جادة وتفضي إلى حلول حقيقية”، مؤكدًا أن “البصرة عانت طويلًا من انعدام المياه العذبة، رغم الوعود السابقة بإنشاء محطات لتحلية المياه على ضفاف شط العرب، لكنها بقيت مجرد مشاريع معلقة دون تنفيذ فعلي”.
وانتقد رحيم أداء المحافظين، الذين تعاقبوا على إدارة المحافظة، قائلًا إن “المواطن البصري لم يلمس إنجازات حقيقية على الأرض، وما يُروّج له من إنجازات لا يتجاوز كونه تصريحات إعلامية، فيما الواقع يشير إلى استمرار التدهور الخدمي والصحي”.
وأشار إلى أن “أبناء البصرة دفعوا أثمانًا باهظة، خاصة على الصعيد الصحي، نتيجة تفشي الأمراض المرتبطة بالمياه المالحة والملوثة، وعلى رأسها أمراض الكلى”، محملًا الحكومات المحلية المتعاقبة مسؤولية التقصير والإهمال.
وتفاقمت أزمة ملوحة المياه في محافظة البصرة، منذ أكثر من شهر، وازدادت حدتها مع حلول فصل الصيف، حتى باتت تشكّل تهديدًا بيئيًا واجتماعيًا واسع النطاق، إذ امتدت آثار الملوحة من أقضية شمال المحافظة إلى مركز المدينة وأطرافها الجنوبية، في ظل غياب الحلول الجذرية واستمرار تراجع الإطلاقات المائية.
وباتت المياه التي تصل إلى منازل مئات الآلاف من المواطنين غير صالحة للاستخدام البشري، بل وحتى الحيواني، ما أثار موجة غضب شعبي متصاعدة وتحذيرات من تداعيات كارثية، خصوصًا بعد تسجيل حالات نفوق للماشية نتيجة تلوّث المياه.
خطوة تجاه أزمة مياه البصرة.. “جيدة ولكن متأخرة”
في المقابل، يعتبر الإعلامي العراقي حيدر خضير، أن “الخطوة الحكومية الأخيرة بشأن التوقيع على عقد لتحسين واقع المياه في محافظة البصرة، جيدة لكنها جاءت متأخرة”، مشيرًا إلى أن “معاناة المدينة تمتد لأكثر من عقد ونصف بسبب ملوحة وتلوث المياه”.
وقال خضير، في حديث لـ”سبوتنيك”، إن “البصرة تعاني منذ أكثر من 15 سنة من تدهور كبير في نوعية المياه، ما تسبب بانتشار الأمراض، خصوصًا أمراض الكلى، ومع ذلك، لم نرَ تحركًا جديًا من قبل الحكومات السابقة أو السلطات المحلية، التي ظلت غائبة عن المشهد تمامًا”.
وأضاف الإعلامي العراقي أن “اليوم نرى توقيع عقد لتحسين واقع المياه، لكن هذا الإجراء كان ينبغي أن يتم قبل سنوات”، مستطردًا: “من غير المعقول أن تُهمَل البصرة، وهي تشكل العمود الفقري لاقتصاد العراق، إذ أن 80% من واردات النفط العراقي تصدر عبرها”.
وشدد خضير على “أهمية موقع البصرة الاستراتيجي، لا سيما ميناءها البحري، الذي يُعدّ الشريان الرئيسي للاقتصاد العراقي”، منتقدًا ما وصفه بـ”التركيز الضيق على مشاريع محدودة دون استراتيجية شاملة تعكس مكانة البصرة وأهميتها الاقتصادية”.
وتساءل في ختام حديثه: “أين كانت السلطات المحلية طوال هذه السنوات؟ لماذا لم تبادر لحل الأزمات المتراكمة؟ ما نراه اليوم هو مجرد بداية، ولكنها يجب ألا تكون خطوة وحيدة، بل انطلاقة حقيقية لمعالجة جذور الأزمة”.
وفي بيان سابق صدر خلال الشهر الحالي، حذّر مرصد “العراق الأخضر” البيئي، من خطورة التلوث المتفاقم في مياه محافظة البصرة، واصفًا إياه بأنه “الأشد قسوة منذ عقود”، وأن “المياه التي تصل إلى منازل المواطنين محمّلة بالشوائب والديدان والطحالب، من دون أي معالجة أو تنقية”.
ونقل المرصد عن مهدي التميمي، مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة، قوله إن “ما تشهده المحافظة اليوم ليس حالة طارئة، بل تكرار لمأساة بدأت بالتصاعد منذ عام 2010، وكان عام 2018 الأسوأ من حيث شح المياه وتدهور نوعيتها”.
وظاهرة “اللسان الملحي”، التي عادة ما تتفاقم في شهري أيار/ مايو أو حزيران/ يونيو من كل عام، بدأت هذا العام بشكل مبكر منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وهو ما يعكس حجم الخلل في إدارة ملف المياه، وفقاً للتميمي.
مشروع تحلية مياه البصرة “انتخابي بامتياز”
إلى ذلك، يصف الصحفي العراقي عدنان الفضلي، مشروع تحلية مياه البصرة، الذي أُعلن عنه في الآونة الأخيرة، بأنه “مشروع انتخابي بامتياز”، مشككًا بقدرة الحكومة الحالية على تنفيذه في ظل قرب انتهاء دورتها الدستورية.
وفي حديث لـ”سبوتنيك”، أوضح الفضلي أن “ما تبقى من عمر الحكومة لا يتجاوز 3 إلى 4 أشهر، وهي فترة غير كافية لتنفيذ مشروع استراتيجي ضخم بهذا الحجم، يتطلب ما لا يقل عن 3 إلى 4 سنوات لإنجازه ويُقدّر بمليارات الدولارات”.
وأشار إلى أن “طرح المشروع في هذا التوقيت لا يتعدى كونه دعاية انتخابية”، مبيّنًا أن “أي حكومة جادة في تنفيذ مشروع بهذا المستوى يجب أن تمتلك فترة زمنية مستقرة وتفويضًا شعبيًا طويل الأمد”.
وتابع: “المشروع سينتهي فعليًا بانتهاء الحكومة الحالية، ولن ير النور ما لم تتبناه الحكومة المقبلة ضمن رؤية واضحة وخطة تنفيذية متكاملة”.
ويؤكد أن “أغلب ما يُطرح حاليًا من مشاريع يأتي في إطار محاولة كسب التأييد الشعبي مع اقتراب موعد الانتخابات”، معتبرًا أن “التحركات الحكومية في الوقت الراهن تفتقر إلى الجدية، وتصبّ ضمن إطار الحملات الإعلامية أكثر من كونها خطوات فعلية”.
وختم حديثه بالتأكيد على أن “تحلية مياه البصرة مشروع مصيري ومهم، لكن إنجازه يحتاج إلى استقرار سياسي، ورؤية حكومية بعيدة عن الحسابات الانتخابية الضيقة”.
في حين، تشهد المجتمعات الريفية في العراق، تغيّرًا ديمغرافيًا ملحوظًا وحركة نزوح متزايدة، نتيجة تفاقم موجات الجفاف التي تضرب البلاد، ولا سيما في المحافظات الجنوبية.
وقد أسهم هذا الواقع في تدهور الثروتين الحيوانية والسمكية، وتراجع جودة التربة، ما انعكس سلبًا على الأمن الغذائي وأخلّ بالتوازن البيئي في المناطق الريفية.