يشكّل العالم الإسلامي، لا سيما في مناطق غرب آسيا، والخليج، وآسيا الوسطى وشمال أفريقيا، جزءا مهما من هذه الاستراتيجية. فالموقع الجيوسياسي لتلك الدول، ووصولها إلى مصادر الطاقة الحيوية، ووقوعها على ممرات النقل الاستراتيجية، وأسواقها الاستهلاكية الكبيرة، وحاجتها الشديدة إلى الاستثمار الأجنبي، جعلت من هذه المنطقة حلقة استراتيجية في سلسلة الهيمنة الصينية.
دخلت الصين، من خلال مبادرة “الحزام والطريق” منذ عام 2013، بشكل منسّق إلى الساحة الجيو-اقتصادية العالمية. وتتكوّن هذه المبادرة من ستة ممرات رئيسية برية وثلاثة طرق بحرية، وتهدف إلى ربط الصين بأوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب آسيا عبر مسارات عبور، وموانئ، وخطوط أنابيب، ومناطق اقتصادية خاصة. وتتمتّع الدول الإسلامية في هذه الهندسة بموقع متميز، ليس فقط بسبب مساراتها الجغرافية، بل بسبب مصادر الطاقة، وحجم التجارة، وحاجتها إلى البنى التحتية الجديدة.
أحد أبرز أبعاد الهيمنة الصينية في العالم الإسلامي هو السيطرة التدريجية على الممرات والاختناقات الاستراتيجية للنقل والطاقة. فميناء جوادر في باكستان يسهل الوصول إلى بحر العرب ويمثّل بديلا لمضيق ملقا. أما مضيق هرمز، فهو شريان تصدير النفط للسعودية والإمارات وإيران والعراق، وقد ضمنت الصين لنفسها وصولا طويل الأمد من خلال علاقاتها المتزامنة مع جميع هذه الدول.
وفي الجنوب الغربي، يقع مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي ضمن المدار الجيو-استراتيجي الصيني من خلال المشاركة في تطوير موانئ السودان وجيبوتي والعلاقات التجارية مع اليمن ومصر.
كذلك أنشأت الصين في ميناء دوراليه بجيبوتي قاعدة لوجستية توفر الدعم التجاري والأمني في آن واحد. ورغم تقديم هذه القاعدة على أنها مدنية، إلا أنها تعبّر عن تداخل المصالح التجارية واستعراض القوة في هذا المضيق الحيوي.
وبهذا الشكل، عزّزت الصين مناورتها الجيوسياسية بربط بنيتها التحتية بهذه المضائق والمسارات الاستراتيجية، وحصلت على شكل من أشكال السيطرة الاقتصادية غير المباشرة على الخطوط الحيوية في العالم الإسلامي.
تقف الدول الإسلامية في وضع بنيوي يتمثل في الحاجة الشديدة إلى الاستثمار في البنية التحتية، والتكنولوجيا، والصناعات الرئيسية، وفرص العمل، بينما تواجه في الغالب قيوداً مالية وسياسية وضغوطاً غربية.
في هذه الظروف، أصبحت الصين الشريك المفضّل للعديد من الحكومات الإسلامية، عبر تقديم تمويل بلا شروط سياسية، ونقل تقنيات تطبيقية، وسرعة في تنفيذ المشاريع، وكلفة إجمالية منخفضة.
في المقابل، تعتمد الصين على مصادر الطاقة في العالم الإسلامي؛ إذ يتمّ تأمين أكثر من 40% من واردات الصين من النفط الخام من الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسواق الإسلامية المكتظة بالسكان في آسيا وأفريقيا تعدّ وجهة لصادرات السلع الصينية، وخدماتها، ومشاريعها التعاقدية.
وهكذا نشأ توازن استراتيجي بين اعتماد الصين على الطاقة والأسواق، وحاجة الدول الإسلامية إلى رأس المال والبنية التحتية، وهو ما يمنح هيمنة الصين الاقتصادية في العالم الإسلامي خصائص تميّزها عن التجربة الغربية.
أولا، لا تستخدم الصين أدوات أيديولوجية أو قيمية أو تدخّلية؛ لذلك فإن قبولها أسهل لدى الحكومات الإسلامية غير الليبرالية.
ثانيا، تحافظ الصين على علاقاتها مع جميع اللاعبين الإسلاميين، بغض النظر عن خلافاتهم وتتبع نهجا استراتيجيا متوازنا.
ثالثا، بدلا من التدخل العسكري أو السياسي، تنتج الصين تبعية طويلة الأمد من خلال إنشاء البنية التحتية، ما يجعل أدواتها الاقتصادية مستقبلاً أكثر فاعلية من الأدوات الصلبة الغربية.
رابعا، سعت الصين إلى تنويع أدواتها المالية، من استخدام اليوان في المبادلات الثنائية مع الدول الإسلامية، إلى محاولات الاستغناء عن الدولار في تسويات النفط. وقد يؤدي هذا المسار مستقبلا إلى إضعاف هيمنة العملة الغربية وتعزيز البنية المالية الآسيوية–الإسلامية.
إن العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية بين الصين والدول الإسلامية لم تعد مقتصرة على التعاون الثنائي، بل بلغت مستوى بنيويا من التفاعلات الطويلة الأمد.
ومن خلال مشاريع نقل كبرى، واستثمارات واسعة، وهيمنة على الممرات والمضائق، وتطوير المناطق الصناعية الحرة، نجحت الصين في بناء منظومة من الروابط الجيو-اقتصادية مع الدول الإسلامية، تكرّس أسس هيمنتها الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
وقد تحقّقت هذه الهيمنة لا من خلال الإكراه، بل عبر الحاجة المتبادلة، والفراغات التي خلفها الغرب، وكفاءة البنية التحتية الصينية. وفي هذه العملية، انتقل العالم الإسلامي من موقع التبعية في النظام العالمي الغربي إلى لاعب فعّال في النظام الآسيوي الناشئ.
إن مستقبل هذا المسار رهن باستمرار النمو الاقتصادي الصيني، وإدارة التنافس مع الغرب، وقدرة الدول على استثمار هذه الفرصة الاستراتيجية بذكاء. وعلى المدى البعيد، يمكن أن تتحوّل الصين إلى الشريك التجاري الأول، والمموّل البنيوي، ومهندس التعاونات الاستراتيجية في العالم الإسلامي؛ وهو موقع كان حتى وقت قريب حكرا على القوى الغربية.
المصدر: موقع ديبلماسي إيراني