شفقنا العراق :
في مشهد يشبه فصول مسلسل سياسي مشحون، تعود إدارة ترامب لتفرض شروطها الصارمة على بغداد، مطلقة إنذارًا صارخًا بحسم ملف حصر السلاح المنفلت تحت طائلة تدخل دولي لا يمكن التراجع عنه. هل يستسلم العراق أم يدخل مواجهة كبرى على مشهد السلاح؟
يعود إلى الواجهة مجددا عقدة السلاح “غير القانوني” الذي تحتفظ به الفصائل في العراق، مع تصاعد الدعوات حول ضرورة حصر السلاح المنفلت بيد الدولة، في ظل طلب أمريكي بنزعه من جهة، وإصرار الفصائل على التمسك به من جهة أخرى، تحت ذريعة أن سلاحها وبقاءها يعدان الضامن لأمن العراق من المخاطر الأمريكية والإسرائيلية.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة، اليوم الأحد، عن رسائل أمريكية حملها القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق، ستيفن فاجن، إلى رئيس الوزراء، محمد السوداني بشأن سلاح الفصائل في العراق.
وقالت المصادر “القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق ستيفن فاجن أكد خلال لقائه اليوم، رئيس الوزراء، محمد السوداني ضرورة حصر سلاح الفصائل”.
وأضاف، أن “فاجن أوصل للسوداني موقف الرئاسة الأمريكية من استمرار سلاح تلك الفصائل، وسط تحذيرات من تدخل دولي يحسم مصير هذا السلاح في حال فشل السوداني في حسمه”.
دوامة الحروب
وكان المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، ذكر في بيان اليوم الأحد، أن “رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، استقبل القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق ستيفن فاجن، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، واستعراض أبرز ملفات التعاون المشترك في مختلف المجالات”.
وأضاف البيان، أن “اللقاء شهد مناقشة مجمل الأوضاع في المنطقة، والتأكيد على ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات مباشرة لمنع انزلاق المنطقة إلى دوامة الحروب”، دون الإشارة إلى تفاصيل إضافية فيما تم تداوله خلال اللقاء.
ويأتي هذا اللقاء بعد يوم واحد من تصريح رسمي للخارجية الأمريكية، أعربت فيه عن قلقها المستمر من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والتي تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي في العراق، مشيرة إلى أن بعض تلك الجماعات والأفراد مرتبطين بمنظمات مصنفة “إرهابية”.
وكان المحلل السياسي، المقرب من الإطار، حسين الكناني، أكد في 8 تموز يوليو الجاري، أن الحراك من أجل حصر السلاح بيد الدولة، يعود لرغبة أمريكية لتهيئة الأرضية من أجل إزاحة الإطار التنسيقي الحاكم من السلطة، مبينا أن 70% من الإطار مع إبقاء السلاح.
وكانت الفصائل المسلحة العراقية، أعلنت في 5 تموز يونيو الجاري، أنها لن تتخلى عن السلاح، واصفتا إياه بأنه “خيار استراتيجي لا مساومة عليه”، كما قالت إن “سلاحنا باقٍ حتى زوال التبعية”.
مقاطعة الانتخابات
جاء ذلك، بعدما جدّد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، 4 تموز يونيو الجاري، تأكيده على مقاطعة الانتخابات المقبلة، مطالبا بحل الميليشيات ونزع السلاح واقتصاره على قوات الجيش والشرطة.
واستغل المتحدث الأمني لكتائب حزب الله العراقي، أبو علي العسكري، مراسم زيارة عاشوراء في كربلاء، لشن هجوم لاذع على دعوات نزع سلاح الفصائل، حيث قال في تدوينة عبر منصة “إكس”، إن “نعيق المتخاذلين ينساق إلى صيحات الإجرام الصهيوأميركي للتخلي عن سلاح المقاومة في المنطقة، ومنه سلاح المقاومة في العراق الذي حمى الدولة والمقدّسات حينما انهزم الجمع، وكادت بغداد تسقط”،
مضيفا “ليسمع العالم ومَن به صمم أن سلاح المقامة هو وديعة الإمام المهدي عند المجاهدين لحماية العراق ومقدّساته وقرار التخلي عنه لا يكون إلا بيدِ الإمام”.
وعقب تدوينة العسكري، نشر الأمين العام لكتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي تدوينة مماثلة يقول فيها: إن “إلقاء السلاح في مواقف الكرامة لن ينتج عنه، فيما بعد، إلا الذل والهوان والحسرة والندم”.
جاء ذلك بعد نحو أسبوع من كلام واضح لممثل المرجعية الدينية العليا، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، شدد فيه على “ضرورة تصحيح المسار وتدارُك ما فات” في إشارةٍ للأوضاع السياسية العامة في البلاد، مع توجيهه دعوة واضحة إلى “حصر السلاح بيدِ الدولة ومكافحة الفساد ومنع التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها”.
القوات الأمنية الرسمية
وكان رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، قال في تصريحات نشرتها الرئاسة، مؤخرا، إن سياسة الحكومة واضحة في أن يكون السلاح بيد الدولة عبر القوات الأمنية الرسمية بمختلف تشكيلاتها.
وكانت طائرات مسيرة استهدفت، فجر الثلاثاء (24 حزيران يونيو الماضي)، عدة مواقع وقواعد عسكرية عراقية، مما تسبب بأضرار كبيرة لأنظمة الرادارات في عدة قواعد، دون وقوع قتلى أو مصابين.
وكان المحلل السياسي، والمقرب من الإطار والفصائل المسلحة، عباس العرداوي، قد ألمح ، إلى أن استهداف رادار معسكر التاجي كان من قبل بعض الفصائل، لمساعدته بالحرب ضد إيران مع إسرائيل، الأمر الذي أدى الى اعتقاله بتهمة التحريض والإساءة والتشهير بالمؤسسة الأمنية والإضرار بالأمن القومي، فيما لاتزال الحكومة ملتزمة الصمت حيال ما جرى حيث لم يتم الكشف عن الجهة التي تسببت بذلك حتى الآن .
ويثير تصاعد هذا النوع من الهجمات تساؤلات حول قدرة الدولة على تأمين منشآتها الحيوية، خاصة في ظل تكرار الاستهدافات وفشل منظومة الدفاع الجوي في التصدي للطائرات المسيّرة منخفضة الارتفاع، ما يشير إلى وجود ثغرات جدّية في البنية الأمنية، بحسب مختصين.
ويجري ذلك في ظل تصاعد الأصوات المطالبة بتطوير منظومة الدفاع الجوي، وسط انتقادات للحكومة واتهامات لها بإهمال الملف، وهو ما أثر على عدم قدرة البلاد على حماية الأجواء من الخروقات.
يذكر أن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أكد في شباط فبراير الماضي، أن حكومته تعمل على دمج الفصائل ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، مشيرا إلى عزم حكومته بناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري العربي.