الوزير الصالح، ظهر في مقطع مصوّر محاولًا تقييم أبناء الطائفة العلوية من خلال وظائفهم، مما أشعل موجة غضب عارمة بين السوريين.
في الفيديو، حاول الوزير السوري، توزيع “شهادات الشرف” على أبناء الطائفة العلوية، بحسب المهن التي يمارسونها لكسب عيشهم، ملمحًا إلى أن “العلوي الشريف ونظيف اليد” هو فقط فقير الحال، بحسب تعبيره!.
و”استشهد” الصالح بزوجة صف ضابط “علوي” في الجيش السوري السابق، عملت خادمة لدى عائلته، كدليل على أن العلوي الشريف ونظيف اليد هو العلوي الفقير فقط، بحسب زعمه.
ردود فعل غاضبة
منتقدو كلام صالح قالوا إنه يعزز صورة نمطية عن الطائفة العلوية ويصنفهم إما كخدم أو فاسدين.
وأدان “اتحاد المنظمات العلوية العالمي” (IFAO) و”رابطة العلويين السوريين في أوروبا” تصريحات وزير الثقافة السوري، مؤكدين على رفض الخطاب الطائفي.
بدورهم أشار ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن “هذا النوع من الخطاب الرخيص لا يصدر عن شخص مسؤول بل عن عقل مريض ومشحون بكراهية طبقية وطائفية مقيتة”.
وأكد الناشطون أنه “من المعيب أن يتجاهل هذا الوزير حقيقة يعرفها القاصي والداني أن الطائفة العلوية من أكثر المكونات السورية غنى بالعلم والمعرفة وفيها آلاف الكفاءات من أطباء ومهندسين وأكاديميين ومحامين وأدباء ومثقفين صنعوا مجدهم بتعبهم لا بفسادهم”.
وبينوا أن تصريحات الوزير “ليست زلة لسان بل عقدة نفسية وقصور فكري يجب أن يحاسب عليها لا أن يمر مرور الكرام”.
وتعليقًا على تصريحات وزير الثقافة السوري، كتب الإعلامي وحيد يزبك على صفحته على فيسبوك: “إن نساء ورجال الطائفة العلوية لم يكونوا يوماً عبيدًا لأحد كانوا بناة حضارة، لا دعاة دم ولا رعاة مظلوميات مزيفة”، مذكرًا بأن “أول طبيبة في الساحل السوري والثانية في سوريا كانت العلوية جمانة سليمان الأحمد ابنة العلامة سليمان الأحمد، وشقيقة الشاعر الكبير بدوي الجبل”.
وأشار يزبك إلى “المعلمات العلويات اللواتي فرزتهن الدولة السورية منذ الستينيات إلى أقاصي الشرق السوري”، مضيفًا أنهن “درّسن أجيالًا لم تكن تعرف الكتابة، ومنها عائلتك يا وزير الثقافة”.
طائفية وضحالة فكر
الروائي عمر قدور، شارك المقطع المسجّل الذي ظهر فيه وزير الثقافة السوري، وكتب: “الكارثة ليست فقط في طائفية هذا الكائن في التسجيل؛ هي في طائفيته وضحالته معاً، وهذا للتأكيد لا أكثر، لأن الضحالة والطائفية متلازمتان”.
من جهته، الكاتب علي عبد الله سعيد، علّق عبر صفحته على “فيسبوك”: “وزير الثقافة هو لطخة عار في تاريخ وزارة الثقافة السورية”، ونصح: “على المؤسسة الحاكمة أن تحجره في مصح حقيقي”.
الكاتب أنس حمدون، انتقد كلام الوزير: “تصريحاته المريضة بحق العلويين، لا تعكس فقط طائفية متعفّنة وعنصرية وضيعة، بل تؤكّد أن اختياره لم يكن عشوائيًا”.
الناشط عمر البهرا كتب: “في الطائفة العلوية مدرسون وأطباء ومهندسون وعمال ومهنيون، فهل يجب أن تعمل نسائهم في بيوت الناس كي يكونوا شرفاء؟”.
ووسط هذا السجال، حرصت بعض الأصوات على تذكير الوزير بأسماء ورموز أدبية وثقافية من الطائفة التي أهانها، والتذكير بما قدمته للأدب والثقافة السورية من سعدالله ونوس إلى بدوي الجبل وأدونيس وحيدر حيدر وممدوح عدوان الذي كتب نجله تعليقاً بالغ التعبير: «استيقظت اليوم مقرراً أنه قد حان الوقت كي أعرّف عن نفسي أكثر: هل أنا علوي شريف أم لا؟ فكرت: لعلّني مواطن عادي، لكنني للأسف أيضاً لا أحفظ «رسالة الغفران» للمعري».
استرجاع سجل الوزير وسلوكياته
الردود لم تقتصر على النقد، بل امتدت إلى استرجاع سجل الوزير وسلوكياته. حيث اعتبر كثيرون الفيديو مناسبة لتذكير الرأي العام بتصرفاته السابقة، من تعامله الاستعلائي حتى مع الأطفال عندما عبّر عن خذلانه بطفل لم يتجاوز العاشرة لأنه لا يحفظ أبياتاً لأبي العلاء المعري، إلى ظهوره مع شخصيات مالية مرتبطة بالنظام السابق.
التهكم على مظهر الوزير لم يكن غائباً أيضاً، إذ كتب ناشطون أن الصالح يهتم بتسريحة شعره أكثر مما يهتم بمضمون ما يقوله.
وعلّق أحدهم: «لو أنه يفكر بما سيقول مثلما يفكر بتصفيفة شعره، لكانت أموره أفضل من الآن».
وفي هذا الإطار طالبت بعض الحسابات العامة من الوزير مراجعة فقط ضحايا مجازر الساحل ليكتشف أنّ معظمهم من الأطباء والمهندسين، مذكرة بأن فيديو الصالح يأتي بالتزامن مع «انتهاء المهلة التي منحتها رئاسة الجمهورية للجنة تقصي الحقائق، حول ما وقع من مجازر في بعض قرى الساحل السوري».
سقوط متكرر وانتقادات متجددة
تصريحات وزير الثقافة السوري لم تكن الأولى التي تضعه تحت مجهر الانتقادات، فقد سبق أن أثار الجدل عندما ظهر في فيديو يسأل فيه أطفال سوريا عن الشاعر أبو العلاء المعري بأسلوب اعتبره البعض “تهكمي” بالنظر إلى ملامح الفقر التي تبدو ظاهرة على الطفل.
ومنذ توليه المنصب، أثار الصالح موجات من الاستياء الشعبي، خصوصاً بعد تصريحاته ومواقفه التي اعتُبرت طائفية ومسيئة تجاه أحد المكونات السورية الرئيسية.
وكان المذيع السابق في قناة «الجزيرة» قد نشر مقطع فيديو باللغة الإنكليزية ينكر فيه وجود مجازر في الساحل السوري، رغم توثيق آلاف حالات القتل والخطف بالأسماء من قبل أهالي الضحايا ومنظمات دولية وإعلامية مستقلة.
دعوات لإقالة وزير الثقافة السوري
وجاءت هذه الأصوات متناغمة مع دعوات شعبية متكررة لإقالة الصالح، الذي وصفه بعضهم بأنّه «مصرّ على أن يبقى طائفياً وجاهلاً إلى يوم القيامة»، في استعارة مباشرة من الأبيات التي تغنّى بها يوم إعلان تنصيبه.
وقد استُخدمت أبياته تلك في منشورات ناقدة بعد تحوير كلماتها، كرد على تصريحاته الأخيرة.
ورغم أن بعض المصادر أشارت إلى أن الفيديو قد يكون قديماً وقبل تسميته وزيراً، إلا أن مضمونه يعكس صورة نمطية ما زالت حاضرة في الخطاب العام السوري وفق أحد الناشطين الذي اعتبر أنّ في المجتمع السوري «اعتقاداً غير معلن بتفوق عرق على آخر، أو دين على آخر، أو طائفة على أخرى، وهو لا يمثل إلا نوعاً من التخلف الثقافي، ويجب إدانته والتخلص منه».