كيهان العربي :
حسين شريعتمداري :
1 – كنت قرأت في مصدر ما ولربما سمعت أن “الغدير هو كربلاء العوام وان كربلاء هي غدير الخواص”، ففي الغدير مع انهم بايعوا الا انهم نكثوا العهد وصدر منهم الجفاء، الا انه في كربلاء مع ان الحسين بن علي “ع” قد رفض البيعة، فما انسحبوا والتزموا الوفاء…فكانت كلمة حكيمة تثلج الصدور. وانما اليوم لا تتواصل هذه الفكرة بل لها ملحق كي لا تثلم وهو انه في الثورة الاسلامية تعانقت كربلاء بالغدير وشعب هذه الارض وان لم يحضروا واقعة الغدير او شهدوا كربلاء قد عقدوا بين البيعة المنكوثة في الغدير والمرفوضة في كربلاء، واحكموا العهد الذي قطعوه على ربهم في مشهد “ألست”، وبلغوا الميقات بطلب “أرني”، ورفعوا راية الولاية وهي غاية الغدير غير مبالين بما تعطل على الارض، لينصبوا الاسلام الاصيل الذي ترك في الغدير والذي سلب في كربلاء، وهكذا كان امامنا الراحل يقول: “اقولها بضرس قاطع ان الشعب الايراني بملايينه في هذا العصر افضل من شعب الحجاز في عهد رسول الله “ص”، والكوفة والعراق في عهد امير المؤمنين والحسين بن علي “عليهما السلام”.
2 – ومن امامنا الراحل: “ان الولاية في حديث الغدير هي تعني الحكومة”. وكذلك من توجيهاته: “لا تنحصر واقعة الغدير بذلك الزمان وانما ينبغي ان يتجدد الغدير في جميع العصور، والنهج الذي انتهجه امير المؤمنين “ع” في حكومته لابد ان نهج الشعوب والمعنيين”. وهذا الحديث كذلك من سماحته: “كونوا سنداً لولاية الفقيه كي لا يصيب مملكتكم اي ضرر”. وعن سماحة قائد الثورة: “اولئك الذين جهدوا لفصل الاسلام عن الشؤون الاجتماعية والسياسية ويحصروه في الامور الفردية والمسائل الحياتية الخاصة هم في الحقيقة ينظرون بمنظار علماني للاسلام فان الرد عليهم في قضية الغدير”.
3 – ان الذين يفصلون في الدين مسائل الحكومة والاسلام عن الشؤون السياسية والاجتماعية ينبغي ان يجيبوا على هذا التساؤل انه ما هو رأيكم في الكم الهائل من الاحكام والاوامر السياسية والاجتماعية الاسلامية والتي بنص الايات والروايات الصريحة هي عشرات المرات اكثر من الاحكام المتعلقة بالعبادات الشخصية والاعمال الفردية؟!
وحسب سماحة الامام “من دورة حديثية كاملة والتي تتألف من خمسين كتاباً وتضم جميع احكام الاسلام، منها ثلاثة أو اربعة كتب تتعلق بالعبادات وتكاليف الشخص حيال ربه، وقسم يتعلق بالشؤون الاخلاقية فيما المتبقي يتعلق بالاجتماعيات والاقتصاد والقوانين والسياسة وتدبير المجتمع”. هذا التساؤل له اجابتان:
الف: ان كانوا يرون ان هذه الاحكام ينبغي ان لا تطبق، فهم قد نفوا الاسلام وهو مصداق قول الله تعالى: “يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون ان يتخذوا بين ذلك سبيلا” سوة النساء / 150
بالطبع ان هؤلاء يعانون من سوء الفهم وليس – والعياذ بالله – ينفون الاسلام!
باء: واذا كانوا يرون ان جميع اوامر الاسلام هي للتطبيق، فيثار تساؤل وكيف؟ أليس تشكيل الحكومة هو الطريق لتطبيق هذه الاوامر والاحكام السياسية والاجتماعية في الاسلام؟… وهذا هو بالضبط الماهية الحقيقية للغدير والهوية الاساسية لولاية الفقيه. لنقراً
4 – في ذلك اليوم وصل رسول الله “ص” الى منطقة تعرف بغدير خم بعد عودته من سفر الحج، المحل الذي يفترق فيه اهل مصر والمدينة والعراق والشام، فتوقف رسول الله فجأة وارسل للمتقدمين بالعودة وللمتأخرين ان يعجلوا. فأمر خطير سيخبرهم به. فالله سبحانه وتعالى قد امره بابلاغ خبر: “فان لم تفعل فما بلغت رسالته، وكان الحجيج بعشرات الالاف ليرتقي رسول الله منبراً صنع من ركائب الجمال واخذ بيد علي “ع” قائلاً “من كنت مولاه فهذا علي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله”.
5 – القضية كانت بديهية ومفهومة للجميع، فالاسلام ولاجل ان يتحقق يحتاج الى امام وقائد. والائمة يعنونونه بـ”اولو الامر” فينبغي ان يكون معصوماً وبرئ من الذنب، اذ تم الامر باطاعتهم: “يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم”.
من جهة اخرى فان الله امر بالعدل ولا يأمر بالمنكر، ولذا من خلال رؤية القرآن يمكن التوصل الى ان: أولاً ان أمة بحاجة الى إمام وثانياً ينبغي ان يكون الامام معصوماً، ولما كان معرفة الامام المعصوم بالنسبة للناس متعذراً، وهو يصدر فقط من شخص له اطلاع على حال الشخص باطناً وظاهراً وجميع افكاره وسلوكياته، اي تنحصر القضية بالله اي ينبغي ان يكون التعيين من قبل الله.
6 – وهكذا تنطلق قضية تشكيل الحكومة في زمن الغيبة من هذا المنطلق بالضبط، بهذا الشكل:
اولاً: ان احكام الاسلام لا تقبل التعليق.
ثانياً: ولاجل تطبيق الاحكام السياسية والاجتماعية لابد من حكومة.
ثالثاً: ينبغي ان يكون الحاكم الاسلامي مطلعاً وخبير في الاحكام الاسلامية “فقيه”.
رابعاً: ان يكون عادلاً. اي ايكال الحكومة في الاسلام للفقيه العادل، وهو الاصل العلمي والحكمة الالزامية “ولاية الفقيه”… ونقرأ اجابة السؤال!
7 – لطالما ادرجنا في عمود”عين على الدرب” كل يوم خميس على الصفحة الثالثة، نخاطب امامنا الغائب، نقول: “لقد اسموك غائباً لانك لست ظاهراً، لا لانك لست حاضراً. فالغيبة بمعنى عدم الحضور تهمة لا تليق بساحتك وهؤلاء يظنون ان لا فرق بين الظهور والحضور. فمجيؤك الذي ننتظره يعني الظهور وليس الحضور، ومريدوك الذين يخاطبوك ليل نهار يطلبون من الله ظهورك لا حضورك، وحين تظهر يضع الجميع اناملهم في افواههم عجباً بانهم سبق ان رأوك. وقد صدقوا لانك حاضر بيننا لانك امامنا، وحين يأتي ذكرك يهيم على اهل القلوب لوعة…”.
8 – وهكذا هي الامة في عصر الامام الخميني “قدس سره” فقد شقوا سقف سماء الظلم ليحلوا طريقاً جديداً و…
ونشير الى أمثلة للمناسبة بهذا الخصوص:
* ان الباحث الاجتماعي الاميركي “ايمانوئيل والرشتاين” يقول بقلق “ان الحائل الاساس امامنا هي نظرية ولاية الفقيه للامام الخميني… فجميع النظريات مع مرور الزمن يقل بريقها وتلتحق بالماضي، الا ان نظرية ولاية الفقيه للامام الخميني تزداد تألقاً كل يوم لتجذب الكثير من المسلمين”.
* يقول “الوين تافلر” المنظر الستراتيجي الاميركي ومن الشخصيات المقربة من البيت الابيض: “ان لعبة القوى العالمية للعقود القادمة لا تدرك مع عدم احتساب القدرة المتصاعدة للاسلام باضطراد”.
* وكتب “آنتوني غيدنز” عالم الاجتماع البريطاني بخصوص التحولات الاساسية للقرن الحاضر: “في الماضي كان العمالقة الثلاثة في التفكير الاجتماعي اي: “ماركس، ودوركيم، وماكس وبر مع اختلاف رأي طفيف يقيمون حركة العالم نحو العلمانية وفي تأطير الدين، إلا انه منذ عام 1979 وبروز الثورة الاسلامية في ايران، شهدنا حركة معاكسة لهذه الفرضية، اي حركة العالم عموماً باتجاه الدين بتسارع”.