شفقنا : في عصر يتبدّل فيه شكل العالم بوتيرة مدهشة، وتعاد فيه صياغة مفاهيم العمل والمهارات من جذورها، تبرز كلمات جِنْسِن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “إنفيديا”، كجرس إنذار: ”لن تخسر وظيفتك لصالح الذكاء الاصطناعي، بل ستخسرها لصالح شخص يعرف كيف يستخدمه”.
جملة تلتقط لبّ الحقيقة دون مواربة، وتطرح السؤال الجوهري: هل الذكاء الاصطناعي حليف الإنسان في معركته من أجل البقاء والتطور؟ أم خصم خفيّ يسلبه وظائفه ويضعه على هامش الحياة الاقتصادية؟
المؤيدون للتكنولوجيا يرون في الذكاء الاصطناعي “رفيقا تكنولوجيا” لا بديل عنه، و “ممحاة للحواجز” التي لطالما كبّلت الطاقات البشرية.
هو “مسرّع للإنتاجية” بامتياز، يمنح من يتقنه أجنحة رقمية تطير به نحو آفاق لم تكن متاحة من قبل. لقد أصبح استخدامه أداة للتميّز المهني، وسلاحا جديدا في ساحة التنافس، بحيث يتحول الموظف أو العامل الذي يمتلك هذه المهارات إلى “فارس هذا العصر الرقمي”، لا يبارى. بل إن الاقتصاد العالمي بدأ يشهد تشكّل وظائف جديدة بالكامل، وقطاعات ولدت من رحم الذكاء الاصطناعي، بدءا من مهندسي التعلّم الآلي، وصولا إلى “مدرّبي النماذج اللغوية”.
لكن في الضفة الأخرى من هذا النهر المتسارع، تلوح تحديات لا يمكن تجاهلها. فالذكاء الاصطناعي، وإن كان أداة للتمكين، قد يتحوّل في لحظة إلى وسيلة للإقصاء.
تتزايد المخاوف من “استبدال صامت” للوظائف، لاسيما تلك التي تعتمد على التكرار والروتين، أو حتى بعض الوظائف الإبداعية التي باتت الخوارزميات تقترب منها. وهناك من يحذّر من “فجوة رقمية محتملة” تتسع يوما بعد يوم، حيث ينعم البعض بفرص التدريب والوصول إلى الأدوات، بينما يترك آخرون خلف الركب، عاجزين عن اللحاق بالمستجدات.
التعليم غير المتكافئ، وضعف البنية التحتية الرقمية في بعض الدول، عوامل قد تؤدي إلى ترسيخ طبقات جديدة من التفاوت المهني.
وسط هذا المشهد المتشابك، يبدو الذكاء الاصطناعي لا كعدو ولا كمنقذ، بل كمرآة لما نحن عليه من استعداد، وتعبير صارخ عن قدرتنا – أو عجزنا – عن التكيّف مع المجهول. إنه ليس خيرا مطلقا، ولا شرا مقيما، بل أداة، تتلوّن بيد من يمسك بها.
الفرصة الآن، وليست غدا. فالعقل البشري هو الاستثمار الحقيقي، والتغيير لا يحتضن إلا بالشجاعة والفضول والاستعداد.