وكان عبد العلي مزاري، قد أبصر النور في 27 أيار/مايو 1947 في قرية “نانوائي” التابعة لمدينة جهاركنت بولاية بلخ شمالي أفغانستان.
وكان والد عبد العلي مزاري، الحاج خداداد، مزارعا ومربيا للماشية، لذلك تعرف مزاري منذ نعومة أظفاره على مشاكل الناس وصعوبات الحياة.
وتلقى عبد العلي مزاري، تعليمه الابتدائي في قرية نانوائي في بلخ، وانضم لاحقا إلى مدرسة جهاركنت لتحصيل العلوم الدينية.
واستمرارا لمسيرته التعليمية، التحق الشهيد مزاري بالحوزة العلمية في قم بايران عام 1972، وواصل دراسة العلوم الدينية وتعرف هناك على رجال دين مناضلين.
وبدأ عبد العلي مزاري، نشاطه السياسي عام 1974، ما أسفر عن تشكيل “منظمة نصر أفغانستان” عام 1978 وبالتالي “حزب الوحدة الاسلامية الأفغاني”.
الداعي للعدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية
وكان الشيعة الهزارة في أفغانستان يواجهون على مدى قرون متمادية، القمع والاضطهاد الممنهجين، على يد حكام أفغانستان الذين سلبوهم حق المواطنة وحقوقهم الانسانية.
وفي ضوء إدراكه المعمق لتاريخ أفغانستان وأزماتها السياسية والاجتماعية، جعل الشهيد مزاري، من العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، أساسا ونبراسا لنضاله السياسي.
وكان يقول دائما في خطاباته أن “الوحدة الوطنية في أفغانستان، هي المبدأ” وأن “العداء بين الإثنيات، كارثة” ويؤكد أن لا أحد يجب أن يكون بصدد شطب وإقصاء الآخر.
كما كان عبد العلي مزاري يؤكد أن “حق المطالبة لا يعني مناصبة أحدا العداء” ويقول أن الهزارة الشيعة في أفغانستان، لا يريدون معاداة أي من الأعراق والإثنيات والمجموعات، بل يدعون لعيش جميع الأعراق جنبا إلى جنب بسلام وأخوة.
وقال الشهيد مزاري في كلمة ألقاها عام 1993 غربي كابل: “نطالب بالعدالة الاجتماعية في المجتمع ونرفض الاستئثار بالسلطة على يد أي كان.”
وفي العام ذاته، قال في مقابلة مع “ميدل ايست”: “إن الشيعة يشكلون 30 بالمائة من السكان في أفغانستان، ونحن نطالب بحكم إسلامي قائم على القانون والعدالة الاجتماعية في أفغانستان، ويكفل حقوق جميع أبناء الشعب الأفغاني بما يتناسب مع تعدادهم ومدى مساهمتهم في الحياة السياسية – الاجتماعية في البلاد.”
وكان الشهيد مزاري، يعارض احتكار السلطة وإمساك مجموعة عرقية ودينية ما، بمفردها بنظام الحكم، ولذلك كان يسلط الضوء دائما على عدم المساواة، وينادي بإزالته.
وبعد انتصار الجهاد في أفغانستان، وإبان رئاسة برهان الدين رباني، قال في مقابلة مع صحفيين فرنسيين عام 1993: “لقد شاركت جميع الإثنيات والأحزاب في الجهاد الذي دام 14 عاما، وهزموا الاتحاد السوفيتي. ويجب أن يكون الجميع شركاء في الحكم. ولا شك أن عددا من عرقية البشتون أمسكوا بالحكم في السابق، ومارسوا الظلم؛ غير أن ظلمهم لا يجب أن يؤدي إلى تولي السيد رباني الذي هو من الطاجيك، السلطة، ويمارس الظلم ضد الشعب. وأن نسانده، كلا! إننا ندعم حكومة تأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية؛ ولا يفرق لنا من تكون.”
لذلك فان عبد العلي مزاري، هو الوجه السياسي الأفغاني الوحيد الذي تشكل العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية، الركيزة الأساسية لفكره ونضاله السياسي، ويرى أن حل الأزمة الأفغانية يكمن في توفير العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.
شهيد الوحدة الوطنية
واعترفت الحكومة الأفغانية السابقة رسميا عام 2016 بنضال الشهيد مزاري في إطار الوحدة الوطنية في أفغانستان، ومنحته لقب “شهيد الوحدة الوطنية”.
وقال الرئيس الأفغاني السابق محمد أشرف غني في حفل رسمي أقيم في 12 اذار/مارس 2016 في القصر الرئاسي: “يتم منح لقب شهيد الوحدة الوطنية، للأستاذ عبد العلي مزاري، كما يتم درج يوم استشهاد عبد العلي مزاري في تقويم أفغانستان.”
وقال في مرسوم رسمي أصدره بهذه المناسبة “تلبية لمطلب الشعب وباقتراح من الشخصيات الوطنية للبلاد وتكريما للخدمات القيمة للأستاذ الشهيد عبد العلي مزاري في سياق تحقيق أهداف جهاد الشعب الأفغاني ومقاومته، والذود عن القيم الاسلامية وترسيخ الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية وتوفير العدالة الاجتماعية” فانه يتم منح الشهيد مزاري هذا اللقب.
وأضاف أشرف غني: “لقد عمل الشهيد مزاري في مجال الوحدة الوطنية وكان يحمل رسالة واضحة لحاضر أفغانستان ومستقبلها. كان ينادي بالمساواة التي وردت بوضوح في دستور البلاد.”
وكان عبد العلي مزاري الشخصية الوحيدة التي حصلت في تاريخ أفغانستان الحافل بالتحولات، على لقب “شهيد الوحدة الوطنية” وضحى بمهجته في هذا السبيل.
وبعد أعوام من النضال على طريق إرساء العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية في أفغانستان، قُتل الشهيد مزاري مع عدد من رفاقه في 13 اذار/مارس 1995 على يد جماعة طالبان الإرهابية.
وحمل الهزارة والشيعة في أفغانستان، جثمانه على أكتافهم لعشرات الكيلومترات، ليوارى الثرى في مدينة مزار شريف شمالي أفغانستان.
ومنذ ذلك الحين وإلى الان، يتم سنويا تكريم ذكرى ميلاد الشهيد مزاري واستشهاده، والتذكير بأفكاره الداعية لحل مشاكل أفغانستان وتوفير العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.