راي اليوم :
عبد الباري عطوان :
تجنّبتُ كثيرًا الكتابة عن تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون المُتحدّية للمُقاومة اللبنانيّة مُنذ تولّيه السُّلطة بعد قصف سجّادي صُهيوني دموي، وخاصّة للضّاحية والبقاع والمُدُن والقُرى الجنوبيّة وفي إطارِ صفقةٍ ثُلاثيّةٍ إسرائيليّةٍ- أمريكيّةٍ- فرنسيّة، ولكن تصريحاته الصّادمة التي أدلى بها إلى قناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتيّة أثناء زيارته لأبو ظبي كانت صادمة واستفزازيّة بكُلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وجعلتني أخرج عن هذا الموقف لخُطورتها وما يُمكن أنْ يترتّب عليها مُستقبلًا.
الرئيس عون حرص على التّفاخر بأنّ جيشه اللبناني، وبتوجيهاتٍ منه، تطبيقًا لسياساته في نزع سِلاح المُقاومة، استطاع السّيطرة على أكثر من 85 بالمئة من الجنوب اللبناني، ونجح هذا الجيش في “تنظيفه” من المُقاتلين والأسلحة، في إطار تنفيذ التزاماته ببُنود وقف إطلاق النّار الذي “أنهى” الحرب بين “إسرائيل” والدولة اللبنانيّة، وأكّد الرئيس عون أنّ الجيش يقوم بواجباته دون اعتراض أو أي مشاكل، وأضاف بأنّ “الشعب اللبناني تَعِبَ من الحرب ولذلك نُريد الذّهاب إلى الخِيار الدّبلوماسي فالمُواجهة مع إسرائيل تتطلّب توازنًا عسكريًّا واستراتيجيًّا”.
***
مِثل هذه التّصريحات الصّادمة لا يجب أن تمر دون رد، وإذا كانت المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة تتجنّب الصِّدام، والتّصعيد، بعد إضعافها بسبب الضّربات التي استهدفتها من قِبَل الثّلاثي الإسرائيلي الأمريكي الفرنسي، وبدعمٍ من بعض قِوى الدّاخل اللبناني المُتواطئة معه، وتُركّز حاليًّا على إعادة ترتيب بيتها الدّاخلي، بعد مجزرة البيجرات، واغتيال قائدها التاريخي سيّد الشّهداء حسن نصر الله، وقادة الصّف الأوّل عسكريًّا وسياسيًّا، فإنّنا نجد لِزامًا علينا تفنيد هذه التّصريحات للرئيس عون من مُنطلق إيماننا بوحدة المصير، والوقوف في الخندق المُقابل لمُخطّطات الهيمنة والإذلال الأمريكيّة- الإسرائيليّة، ونُوجز ردّنا في النّقاط التّالية:
-
أوّلًا: الرئيس عون خرج عن كُلّ الأعراف الدبلوماسيّة، ولا نقول أكثر من ذلك، عندما استخدم كلمة “تنظيف” الجنوب اللبناني، فقوّات المُقاومة، وحاضنتها الشعبيّة المُضحّية المِعطاءة هي المُستهدفة بعمليّة التّنظيف هذه، وهؤلاء هُم أحد أبرز أخيار الشعب اللبناني، وهُم الذين حرّروا أرضه، وتصدّوا للعُدوان الإسرائيلي مرّتين، الأولى، انتصارهم الكبير عام 2000 الذي “نظّف” الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، والثانية، إلحاق هزيمة كُبرى غير مسبوقة به تجسّدت في التصدّي لعُدوانه في حرب تمّوز عام 2006.
-
ثانيًا: أن يقول الرئيس عون إنّ الجيش اللبناني لم يُواجه “أيّ مشاكل أو اعتراض” أثناء سيطرته على الجنوب، فهذا صحيح، ويعود الفضل فيه إلى “حزب الله” وأنصاره في الجنوب، الذين تحلّوا بكُلّ قيم ضبْط النّفس، وأرقى مبادئ الحكمة وأُصولها، ورفضوا الصِّدام مع جيشهم، واحترموا اتّفاق وقف إطلاق النّار الذي وقّعته دولتهم ورئاساتها الثّلاثة، لأنّ أكبر طُموحات دولة الاحتلال وداعميها الأمريكان هو إغراق لبنان في حربٍ أهليّةٍ طائفيّة.
-
ثالثًا: نسبة الـ 15 بالمئة التي لم يستطع الجيش اللبناني السّيطرة عليها و”تنظيفها”، هي للأسف التّلال الخمسة التي ما زالت تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولم يستطع الجيش الاقتراب منها، لا عسكريًّا ولا دبلوماسيًّا، ولأجلٍ غير مُسمّى، وربّما ستُوظّفها دولة الاحتلال لعمليّة مُقايضة قادمة، أي الانسحاب مُقابل التّطبيع، وترسيم الحُدود البريّة وِفقَ شُروطها.
-
رابعًا: الجيش اللبناني استولى على أكثر من 90 بالمئة من قواعد المُقاومة والعشَرات من مخازن أسلحتها وصواريخها في الجنوب اللبناني جنوب نهر الليطاني، ولكنّه لم يمنع غارة إسرائيليّة واحدة، على العاصمة اللبنانيّة، أو مناطق لبنانيّة أُخرى، وآخِرها غارة اليوم الخميس حيث استشهد اربعة أشخاص ادّعت “إسرائيل” أنّهم من قيادات “حزب الله”، رُغمَ أنّ الحزب لم يُطلق صاروخًا واحدًا (حتّى الآن) على العُمُق الإسرائيلي ردًّا على أكثر من ثلاثة آلاف غارة وانتهاك إسرائيلي لاتّفاق وقف إطلاق النّار.
-
خامسًا: مَهمّة لجنة مُراقبة تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النّار التي تتزعّمها أمريكا لم تلتزم مُطلقًا بهذه المَهمّة، ووقف الغارات، بل التّأكّد من قيام الجيش اللبناني بوظيفته الجديدة والمُقدّسة (أمريكيًّا وإسرائيليًّا) أي نزع سلاح “حزب الله”، ومِن المُؤسِف أنّها لا تعرف النّوم في فنادقها الفخمة بسبب كسر الطّائرات الإسرائيليّة لحاجز الصّوت بصفةٍ يوميّة في العاصمة اللبنانيّة!