خالد محيي الدين الحليبي :
مركز القلم
سورة الأنعام – الآية :
﴿36﴾ إِنَّمَا يَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسۡمَعُونَۘ وَٱلۡمَوۡتَىٰ يَبۡعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ ﴿36﴾
وهنا :
(إِنَّمَا)
وإنما للحصر وورد في كتاب الله هذا الفظ بمواضع تبين أن الولاية جعلها الله تعالى له ولرسوله صلى الله عليه ثم الإمام علي عليه السلام والمؤمنين قال تعالى في الأمر بعبادته وطاعته { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين – النمل 91 }
فإن أسلمت عليك أن تتولى الله تعالى ورسوله ثم الإمام علي عليه السلام والمؤمنين بعد ذلك لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 }
[جاء في تفسير البحر المديد: وجملة: {وهم راكعون}: حال إن نزلت في عليّ رضي الله عنه
– وفي التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى: )وهم راكعون)؛ قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه)
– وفي تفسير الدر المنثور (3/ 404)
(( أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: « تصدَّق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل » من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
– وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {إنما وليكم الله ورسوله…} الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب.
– وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال « وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».
– وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال « نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته {إنما وليكم الله ورسوله والذين} إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد، جاء والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلا ذاك الراكع – لعلي بن أبي طالب – أعطاني خاتمه».
– وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنما وليكم الله} الآية.
– وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {إنما وليكم الله ورسوله…} الآية. نزلت في علي بن أبي طالب، تصدق وهو راكع.
– وفي الدر المنثور ايضا: (وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم يوحى إليه، فإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها، فأوقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وخفت أن يكون يوحى إليه، فاضطجعت بين الحية وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لئن كان منها سوء كان فيَّ دونه، فمكثت ساعة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الحمد لله الذي أتمَّ لعلي نعمه، وهيأ لعلي بفضل الله اياه ».
– وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائماً يصلي، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية)) ] .
ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } تشير الآية إلى أنه رجل من أهل بيت النبي عليهم السلام من الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهو الإمام علي عليه السلام و له صفة العلم كما في الحديث [ أنا مدينة العلم وعلي بابها .. الحديث ] ولذلك يرد اللفظ في موضع يبين تعالى فيه أنه أشد الأمة خوفاً من الله وأعلمهم بكتاب الله بعد النبي صلى الله عليه وآله لذلك قال تعالى
{ إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور – فاطر28 } أي أنه أكثرهم علماً وأشدهم لله خشية بعد النبي صلى الله عليه وآله ولذلك نزل فيه أنه الهاد المهدي لهذه الأمة بعد نبيها كما قال تعالى { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 }
[ وهنا يقول بن عباس في هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله في هذه الآية:أنا المنذر وعي الهادي من بعدي وضرب بيده غلى صدر علي فقال:أنت الهادي بعدي ياعلي بك يهتدي المهتدون – رواه الطبري في تفسيره ج 13/ص108 وكنز العمال ج6/ص157]
ومن تولى الله تعالى ورسوله ثم الإمام علي عليه السلام وأهل البيت فهم الذين استجابوا لله تعالى ورسوله كما قال تعالى { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون – النور 51 } وهؤلاء هم الذين استجابوا لله تعالى ورسوله كما قال تعالى { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 } وهؤلاء هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله وإذا ذكر الله تعالى وجلت قلوبهم وتوكلوا على الله كما قال عز وجل { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون – الأنفال 2 }
ومن تولى غيرهم فهم من الذين افتروا على الله الكذب لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون – النحل 105 }
وأما :
(يَسۡتَجِيبُ ٱلَّذِينَ)
وهنا يبين تعالى أن الذين استجابوا لله تعالى ورسوله هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال تعالى { ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد – الشورى 26 }
وهؤلاء هم الذين استجابوا الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى هنا { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 }
فإن لم يستجيبوا لله ورسوله فليعلموا أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله قال تعالى { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين – القصص 50 }
والذين استجابوا لله ورسوله لهم الحسنى ومن لم يستجب لله تعالى ورسوله فمأواهم جهم ولن يخرجوا منها ولو افتدوا انفسخك بما في الأرض جميعا قال تعالى { للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد – الرعد 18 } .
وأما :
(يَسۡمَعُونَۘ)
وهنا يبين تعالى أن الذين سمعوا فهم الذين سمعوا دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الله تبارك وتعالى لقوله عز وجل { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار – آل عمران 193 } وهؤلاء هم الذين آمنوا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وقال تعالى فيهم { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير – البقرة 285 }
وما داموا آمنوا وقالوا سمعنا وأطعنا فقد جعلوا الله تعالى ومتابه الكريم حكماً في كل أمورهم بالحياة الدنيا كما قال تعالى { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون – النور 51 } .
وهؤلاء هم الذين استجابوا الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى هنا { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 }
ثم حذر تعالى وأنذر من الذين قالوا سمعنا بالقول ولم يعملوا بما أمر الله تعالى وهؤلاء هم الذين قالوا سمعنا وعصينا قال تعالى { ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون – الأنفال 21 } .
ومن هؤلاء المنافقين طائفة تعمدت الكذب على الله تعالى وورسوله وقال تعالى فيهم { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت 26 } .
وأما :
(والموتى)
والموتى هنا صنفين الأول الذين ماتوا وقبضت أرواحهم والله تعالى يحييهم بعد موتهم للحساب قال تعالى { فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير – الروم 50 } فإذا أحياهم يوم القيامة فقد بعثهم من بعد موتهم كما قال تعالى هنا { والموتى يبعثهم الله – الأنعام 36 } .
والصنف الثاني وهم الكفار والمنافقين وهؤلاء شبههم الله تعالى بالموتى لأنهم لا يسمعوا ولا يطيعوا قال تعالى { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين – النمل 80 }
وهؤلاء لو أن قرآنا سيرت به الجبال أو أحيا الله تعالى به الموتى فكلموهم بما وقع لهم فلن يؤمنوا كما قال تعالى { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد – الرعد 31 } .
فإذا أصابهم الله تعالى بقارعة وجاء وعد الله تعالى أهلكهم ثم بعثهم للحساب كما قال تعالى هنا { والموتى يبعثهم الله – الأنعام 36 }
وأما :
(يبعثهم الله)
البعث بعثين الأول :
حياة ما بعد الموت بالجسد الطيني الأصلي الذي كان يعيش به الإنسان قبل هبوطه للأرض في جنة عدن وقال تعالى فيه { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – هود 7 } وهذا هو البعث الأول من بعد الموت مباشرة بنص الآية وفيه لقاء اول لاه تبارك وتعالى قال فبه عز وجل { من كان يرجوا لقاء الله فإن اجل الله لآت وهو السميع العليم – العنكبوت 5 } .
وقد ضرب الله تعالى مثلاً لذلك البعث في أهل الكهف الذين قال تعالى فيهم { ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا – الكهف 12 } أي أنه تعالى أيقظهم من بعد موتهم في الدنيا ومن بعد الموت للقاء الله تعالى .
ومن هذا البعث في الحياة الدنيا بعث نبي الله عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة والذي قال تعالى فيه { والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا – مريم 33 } أي أن بعثه سيكون آية من الله تعالى كما بعث أهل الكهف ليبلغ الناس رسالة من ربه ثم يموت كما مات أهل الكهف .
وهذا البعث من القبور هو اللقاء الأول من بعد الموت في الحياة البرزخية قبل يوم القيامة حيث يقولون لربهم ( رب ارجعون) قال تعالى { حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون – المؤمنون 99-100 }
وهذا هو البعث الأول يموت فيه الجسد كما ينامون ويبعثون كما يستسقظون قال تعالى { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون – الأنعام 60 } ولذلك يقول صلى الله عليه وآله في الحديث عن هذه السوءة التي نعيش بها في الحياة الدنيا او ما يعرف بالجسد [ والله لموتون كما تنامون ويبعثون كما تستيقظون وإنها لجنة أبدا أو نار أبدا .. الحديث – زهرة التفاسير ل محمد أبو زهرة – محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد ج 5 ص 2526 & بحار الأنوار ج 7 ص 47 ] .
والبعث الثاني :
بالجسد الطيني الذي كان يعيش به الإنسان في جنة عدن قبل هبوطة للأرض وهى نفسه و يبعث معها سوءته (جسده) الذي كان يعيش بها وصاحبته في الحياة الدنيا وهذا البعث كذب به الذين كفروا ونافقوا ولم يؤمنوا و يعملوا الصالحات في دنياهم استعداداً للقاء ربهم في هذا اليوم وهو يوم القيامة الذي قال تعالى فيه { وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقۡسِمُ ٱلۡمُجۡرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيۡرَ سَاعَةٖۚ كَذَٰلِكَ كَانُواْ يُؤۡفَكُونَ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَٱلۡإِيمَٰانَ لَقَدۡ لَبِثۡتُمۡ فِي كِتَٰابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡبَعۡثِۖ فَهَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡبَعۡثِ وَلَٰكِنَّكُمۡ كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ – الروم 55-57 } .
وهذا البعث يوم القيامة حيث يبعث الله تعالى كل من في القبور لقوله تعالى { وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور – الحج 7 }
فإذغ بعثهم قالوا ياويلتنا من بعثنا من مرقدنا قال تعالى { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون – يونس 52 }
وهذا البعث أيضا فيه لقاء قال تعالى فيه { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى – الأنعام 135 } وهذا هو لقاء يوم القيامة وهو يوم الحشر الذي قال تعالى فيه { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين – يونس 45 }
وفي هذا اللفاء الثاني يوم القيامة ينبئهم الله تعالى بما عملوا كما في قوله تعالى { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير – التغابن 7 } وهؤلاء سيحضرهم الله تعالى للعذاب في هذا اللقاء الثاني و الذي قال تعالى فيه { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون – الروم 16 } , وهذا اللقاء يكون من وراء حجاب للمجرمين كما قال تعالى { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون- المطففين 15 } .
وهذين البعثين كلا من لقاء ما بعد الموت ولقاء يوم القيامة كلاهما كذب به الذين كفروا لقوله تعالى في البعث الأول من بعد الموت { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون– الصافات 16-17 }
والبعث الثاني يوم القيامة وقال تعالى فيه { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين – المطففين 4-6 } وكلا البعثين كذبوا به لقوله تعالى هنا { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 }
وأما :
(ثُمَّ إِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ )
والرجوع إلى الله رجوعين الأول من بعد الموت :
وقال تعالى فيه { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون – الأنعام 60 } وقال تعالى فيه { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون – الأنعام 36 }
والثاني يوم القيامة وقال تعالى فيه { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون – الروم 11 } وقال تعالى أيضاً { قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون – الزمر 44 } .
وبالتالي يبين تعالى رحلة الإنسان منذ بداية الخلق الأول إلى قيام الساعة فيقول تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة 28 } أي أننا في قوله تعالى (وكنتم أموات) أي كنا أموات السوءة أحياء بالجسد الطيني في جنة عدن (النفس) قبل الهبوط للإرض في بطون الأمهات وأصلاب الرجال وأما (ثم يحييكم) أي فأحيانا في الدنيا بالجسد الطيني الذي كان في جنة عدن قبل الهبوط وسوءته معا في الحياة الدنيا وأما ( ثم يميتكم) وهو موت السوءة أو الجسد الذي كان يعيش به في الدنيا فماتت ودفنت في الأرض وأما (ثم يحييكم) أي أحيا الله تعالى جسده الطيني الأصلي (نفسه) التي كانت ملتصقة بسوءته لترجع إلى الجنة إن كانت من الصالحين وإن كانت من الكافرين المنافقين سجنت في الأرض ولا تصعد للسماء { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين – الأعراف 40 } وهى مرحلة موت السوءة وحياة النفس فإذا قامت القيامة أحيا الله تعالى السوءات التي هى أجسادهم التي صاحبتهم وعاشوا بها في الحياة الدنيا للحساب وهى مرحلة قوله تعالى في الآية { ثم إليه ترجعون– البقرة 26 } أي بعد يوم القيامة ولذلك قال تعالى هنا { والموتى يبعثهم الله ثم إليه ترجعون – الأنعام 36 } .