"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

سلامة القرآن من التحريف (2)

وهذا يشهد بأنّ هذه الروايات ـ رغم ورودها في صحاح الجمهور ـ من عبث الرواة أو دسائس المحرّفين والطغاة. وأنّ عجزهم عن مجاراة القرآن الكريم مضموناً وأسلوباً خير شاهد على تميزه وإعجازه (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (2).

وقد تنبّه بعض المحققين منهم، فرفض هذه النصوص جملةً وتفصيلاً، معترفاً بعدم جدوى تأويلها بنسخ القرآن مثل السرخسي ـ بالنسبة لنسخ الحكم والتلاوة ـ والجزيري والسايس والعريض.

قال السرخسي: لا يجوز هذا النوع من النسخ ـ نسخ الحكم والتلاوة ـ عند المسلمين، وقال بعض الملحدين ممّن يتستّر بإظهار الإسلام ـ وهو قاصد إلى افساده ـ هذا جائز بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً، واستدلّ في ذلك بما روي أن أبا بكر الصديق كان يقرأ “لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم” وأنس كان يقول: قرأنا في القرآن “بلغوا عنّا قومنا أنّا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا” وقال عمر: قرأنا آية الرجم في كتاب الله ووعيناها. وقال أبي بن كعب: “إنّ سورة الأحزاب كانت مثل سورة البقرة أو أطول منها”.. والشافعي لا يُظن به موافقة هؤلاء في هذا القول، ولكنه استدلّ بما هو قريب من هذا في عدد الرضعات، فإنّه صحّح ما يروى عن عائشة: وإنّ مما أنزل في القرآن “عشر رضعات معلومات يحرمن”، فنُسخن بـ”خمس رضعات معلومات”، وكان ذلك مما يتلى في القرآن بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).

قال: والدليل على بطلان هذا القول قوله تعالى (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون) (3).. وقد ثبت أنه لا ناسخ لهذه الشريعة بوحي ينزل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ولو جوّزنا هذا في بعض ما أوحي إليه لوجب القول بتجويز ذلك في جميعه، فيؤدي إلى القول بأن لا يبقى شيء مما ثبت بالوحي بين الناس في حال بقاء التكليف. وأي قول أقبح من هذا؟! (4).

وقال الجزيري.. فمن المشكل الواضح ما يذكره المحدّثون من روايات الآحاد المشتملة على أنّ آية كذا كانت قرآناً ونسخت، على أنّ مثل هذه الروايات قد مهّدت لأعداء الإسلام إدخال ما يوجب الشك في كتاب الله من الروايات الفاسدة، فهذه وأمثاله من الروايات التي فيها الحكم على القرآن المتواتر بأخبار الآحاد ـ فضلاً عن كونه ضاراً بالدين ـ فيه تناقض ظاهر(5).

الشبهة الثانية:

مجموعة من الروايات المروية عن بعض الصحابة أو أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التي توحي بوقوع التحريف، وهي مختلفة في دلالاتها، لذلك نذكرها بأقسامها:

القسم الأول: الروايات التي تستخدم لفظة التحريف، وهي عشرون رواية (6)، منها:

1 ـ ما عن علي بن إبراهيم القمي، بإسناده عن أبي ذر قال: “لما نزلت هذه الآية (يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه) (7) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): ترد أمتي عليّ يوم القيامة على خمس رايات ـ ثم ذكر أن رسول الل ه(صلى الله عليه وآله وسلّم) يسأل الرايات عمّا فعلوا بالثقلين ـ فتقول الراية الأولى: أما الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه. وتقول الراية الثانية: أمّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه.

2 ـ ما عن ابن طاووس والسيد المحدّث الجزائري بإسنادهما عن الحسن بن الساهري في حديث طويل أن رسول ا لله(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لحذيفة فيما قاله في من يهتك الحرم: “إنّه يضلّ الناس عن سبيل الله ويحرّف كتابه، ويغيّر سنّتي”.

3 ـ ما عن سعد بن عبدالله القمي، بإسناده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: “دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: “أيها الناس إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي، والكعبة البيت الحرام” ثم قال أبو جعفر(عليه السلام): أمّا الكتاب فحرّفوا، وأمّا الكعبة فهدموا، وأما العترة فقتلوا، وكل ودائع الله قد نبذوا منها قد تبروا”.

4 ـ ما عن الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، قال: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عزّ وجلّ: المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف يا ربّ حرّقوني ومزقوني، ويقول المسجد يا رب عطلوني وضيّعوني، وتقول العترة يا رب قتلونا وطردونا وشرّدونا.

5 ـ ما عن الكافي والصدوق بإسنادهما عن علي بن سويد قال كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) وهو في الحبس كتاباً… إلى أن ذكر جوابه (عليه السلام) بتمامه، وفيه قوله (عليه السلام): أؤتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه.

6 ـ ما عن ابن شهرآشوب بإسناده عن عبدالله في خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء وفيها: إنّما أنتم من طواغيت الأمّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام، ومحرّفي الكتاب.

7 ـ ما عن الحجال عن قطبة بن ميمون عن عبدالأعلى، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): أصحاب العربية يحرّفون كلام الله عزّوجل عن مواضعه.

ـــــــــــــــــــــ

(1) تفسير القرطبي: 10 / 165، تفسير ابن كثير: 4 / 472.

(2) سورة الإسراء: 88.

(3) سورة الحجر: 9.

(4) أصول السرخسي: 2 / 78 ـ 79.

(5) الفقه على المذاهب الأربعة: 3 / 257.

(6) راجع البيان: 242.

(7) سورة آل عمران: 106.

السيد رياض الحكيم