"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

شروط النصر في القرآن الكريم

شفقنا :
القرآن الكريم يبيّن لنا شروط الانتصار في الآيات المباركة التالية من سورة الشورى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَاجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ} (الشورى: 38-43).

فالسياق القرآني يوحي الينا في آية {وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} أنَّ هذه هي شروط النصر، فإذا أردنا أن نحقق الانتصار فعلينا أن نطبق ونوفر شروطه بدقة، وهذه هي الشروط كما تبينها الآيات القرآنية السابقة:

1- الاستجابة لنداء الحق:

{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ}، فالله تعالى قد دعانا إلى دار ضيافته وهي الجنة، والداعي إلى هذه الدار هم الرسل.

2- إقامة الصلاة:

{وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ}، فهناك فرق بين إقامة الصلاة ومجرد الصلاة، فإقامتها تعني أداءها بشروطها، وفي آية أخرى من سورة (الروم) يحدد تعالى معنى إقامة الصلاة في قوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم: 31-32).

فمن شروط إقامة الصلاة تحقيق الوحدة، والصلاة هي البوتقة التي تصهر المجتمع، وتحقق الانسجام فيه، فتصوغ شخصية الإنسان الداخلية، وشخصيته الاجتماعية.

وإذا ما دققنا مرة أخرى في الآية الكريمة السابقة اكتشفنا أنَّ إقامتنا للصلاة ستعطينا ضمانة للوحدة التي تبعدنا عن الشرك الذي يتجلى في الاختلاف في الدين، فالصلاة هي معراج المؤمن، وهي التي ترفعه من الماديات الضيقة، والخلافات الجانبية، والأهواء والشهوات والرذائل، وترفعه إلى مقام العبودية لله حيث لا نجد في هذا المقام أي أثر للخلاف والشقاق.

3- الشورى:

{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، فلو كانت العلاقة داخل التجمعات الإسلامية علاقة الشورى، لزالت الاختلافات والنزاعات، والشورى تعني أن تبحث أنت عن آراء الآخرين، ولا تنتظر أن يأتوا لك بها، فالإسلام يقرر أنَّ من واجب كل إنسان أن يبدي رأيه إذا رأى أنه هو الصحيح، لأنَّ الساكت عن الحق شيطان أخرس، كما أنه يؤكد أنَّ من واجب الإنسان المسلم أيضاً أن يرى ما عند الآخرين من آراء، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} (آل عمران: 159).

فإن لم تكن حالة الشورى سائدة على علاقاتنا فلنعمل على خلقها من جديد، فيد الله مع الجماعة، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، وأعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله.

4- الإنفاق:

{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}، إنَّ التجمع الإيماني يفيض بالعطاء لأنَّ كلَّ فرد من أفراده لا يعيش ذاته وأهواءه، فالكل يسعى لكي يعطي ما يملكه للآخرين.

ثم يقول تعالى بعد ذلك: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}.. فالمؤمنون هم الذين يكونون هذا التجمع الذي تسوده الاستجابة لله، وإقامة الصلاة، والشورى، والإنفاق، وهذا التجمع سيصبح كالبنيان المرصوص الذي يقاوم كل معتد وكل باغ، ولا يقر له قرار حتى يحقق النصر النهائي.

هذا هو الوجه المشرق الذي ينبغي أن يتطلع إليه المؤمن في هذه الحياة، فلا موقع لشماتة من نواجه به نتائج الفشل، لأننا إن فعلنا ذلك نظرنا إلى الأمور من زاويتها المظلمة التي تتصل بطريق اليأس من روح الله.

الشيخ حسين المصطفى