"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

صعود الإنسان للسماء من علامات الساعة في الآية (وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ) ..من تفسير البينة

مركز القلم :

خالد محيي الدين الحليبي

﴿14 وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ ﴿14

الحجر 14-17

ورد في تفسير الدر المنثور :

[وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله { ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون } يقول: ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلت الملائكة تعرج فيه، يختلفون فيه ذاهبين وجائين لقال أهل الشرك: إنماأخذت أبصارنا وشبه علينا وسحرنا.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج في قوله { ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون } قال: رجع إلى قوله { لو ما تأتينا بالملائكة… } ما بين ذلك قال ابن جريج: قال ابن عباس: لظلت الملائكة تعرج فنظروا إليهم { لقالوا إنما سكرت } سدت { أبصارنا } قال: قريش تقوله. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وهنا :

(ولو فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم)

وهنا يبين تعالى أنه فتح على النبي صلى الله علسه وآله مكة المكرمة فقال عز وجل

{ إنا فتحنا لك فتحا مبينا – الفتح 1 } فلما مات صلى الله عليه وآله انقلبت قريش على أعفابها كما قال تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وهنا بين تعالى أنهم لما نسوا ما  ذكروا به  متعهم في الحياة الدنيا وفتح عليهم أبواب متاع الحياة الدنيا  كما قال تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون – الأنعام 44 }

وهنا يقول تعالى أنهم لو آمنوا لفتح الله عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا كما قال تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – الأعراف 96 } فلما كذبوا فتح الله عليهم باباً ذا عذاب شديد يجعلهم ييئسون من الخلاص قال تعالى فيه { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 } وهذا الباب كان صعود أعداء هذه الأمة لطبقة السماء الأولى بمعارج قال تعالى فيها هنا وفي عروجهم للسماء { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون – الحجر 14 }

وأما :

(بابا من السماء)

وهنا يبين تعالى أن للسماء ابواب  يرفع فيها الدعاء وينزل منها العذاب قال تعالى في منع رفع المجرمين ولا دعائهم ولا عملهم { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين – الأعراف 40 } وفي نزول العذاب يقول تعالى عن هلاك قوم نوح لعنهم الله { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر – القمر 11 }

والفتح هنا لباب عذاب على الناس إن تركوا العمل بكتاب ربهم وكذبوا وعصوا قال تعالى { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 }

وهذا الباب صعود المجرمين آخر الزمان للسماء كما قال تعالى  { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون – الحجر 14 } وهذا هو السلم الذي بين تعالى أنهم يصعدون فيه إلى السماء للتجسس والتنصت كما في قوله تعالى { أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين – الطور 38 } وهذا السلم الذي يدخلون فيه يصعدون فيه للسماء الأولى لورود لفظ سلم في قوله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله { وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين – الأنعام 35 } وهذا السلم معارج يعرجون بها للسماء فيسترقون السمع ويتجسسون على المسلمين ويقذفونهم بشتى أنواع الأسلحة المهلكة فيكون المسلمين في حالة من اليأس والإبلاس قال تعالى فيه هنا { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون – الحجر 14 } . وهنا ييأس المسلمين كما في قوله تعالى { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 }

ويقوم بذلك كفار آخر الزمان بما امتلكوه من ثروات و قصور و معارج ظهروا بها على المسلمين كما قال تعالى{ وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ واحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمۡ أبواٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكِـُٔونَ وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰاع ُ ٱلۡحَيَاة ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ – الزخرف 33-35 }

وعند اقتراب القيامة يفتح الله تعالى على الناس بكفرهم أبواباً من شتى أنواع العذاب كالأعاصير والريح السموم المدمر وحرائق وحروب وابتلاءات وغرق وشتى أنواع الإنتقام الإلهي لعلهم يتوبون من قريب لقوله تعالى { وفتحت السماء فكانت أبوابا – النبأ 19 }

وأما :

(فظلوا)

 و [ ظل فعل ناقص من أخوات كان ويعني : دام واستمر عليه ] قال تعالى {  إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور – الشورى 33 } أي [ إن يشأ الله الذي أجرى هذه السفن في البحر يُسكن الريح, فتَبْقَ السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري، إن في جَرْي هذه السفن ووقوفها في البحر بقدرة الله لَعظات وحججًا بيِّنة على قدرة الله لكل صبار على طاعة الله, شكور لنعمه وأفضاله – التفسير الميسر  ] .

وبالتالي المعنى هنا { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون – الحجر 14 } أي داوموا على العروج في السماء لقالوا { إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون }

ثم يبين تعالى أن هذه المعارج إذا ارتفعت فوق الناس في السماء خطفت أبصارهم فتظل أعناقهم لها خاضين وهم يتابعونها فوقهم لشدة صوتها الذي يتشابه مع الرعد كما قال تعالى { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين – الشعراء 4 }

وهذه المعارج يمكنها تحطيم كل شيئ لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون – الواقعة 65 } أي أنها ستحطمهم ولن يشعر الناس أنها من علامات الساعة وسيظلوا يتفكهون في أحاديثهم وكأن شيئاً لم يحدث لأنهم سيتصرفون بمنطق اليائس العاجز أمام الدجال الذي يفتك بالأمة وهم لا يعلمون .

وهنا يبعث الله تعالى فيهم إماماً من أهل بيت النبي وفي زمانه تنزل ملائكة  ذات ثلاث شعب وكأنه وصف لتلك المعارج (طائرات) شعبة رأسية وشعبتان أفقيتان وهما الأجنحة وذلك لوحدة رسم اللفظ في ظل بفتح الظاء وهى من المداومة وكسر الظاء وهو الظل (الظلام الناتج عن حائل دون مصدر الضوء) وهذا الظل ورد في معارج الرحمن التي ستنزل مع ملائكة قال فيهم عن ملاحم الإمام آخر الزمان قبل القيامة { ٱنطَلِقُوٓاْ إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ٱنطَلِقُوٓاْ إِلَىٰ ظِلّٖ ذِي ثَلَٰثِ شُعَبٖ لَّا ظَلِيلٖ وَلَا يُغۡنِي مِنَ ٱللَّهَبِ  إِنَّهَا تَرۡمِي بِشَرَرٖ كَٱلۡقَصۡرِ كَأَنَّهُۥ جِمَٰلَتٞ صُفۡرٞ وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ  هَٰذَا يَوۡمُ لَا يَنطِقُونَ  وَلَا يُؤۡذَنُ لَهُمۡ فَيَعۡتَذِرُونَ  وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ  هَٰذَا يَوۡمُ ٱلۡفَصۡلِۖ جَمَعۡنَٰكُمۡ وَٱلۡأَوَّلِينَ – المرسلات 29-38 }

 وأما :

(فيه)

 وهنا يقول تعالى { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا – طه 113 }

ومن هذا الوعيد قوله تعالى للمسلمين إن تركوا كتاب ربهم وسنة نبيهم وولاية الأئمة من أهل بيته عليهم السلام فيفتح الله تعالى عليهم باب ذا عذاب شديد قال تعالى { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 }

والإبلاس يأس يقعوا فيه لاستمرار هذا العذاب عليهم إلى أن يشاء الله تعالى أن يرفعه قال تعالى { لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون – الزخرف 75 }

و تكون هذه بداية لملاحم آخر الزمان والساعة لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – غافر 59 } ويكون الله تعالى قد أخر العذاب عن الظالمين لهذه الآيام التي فيها أجلهم بعد أن يبعث الله تعالى فيهم إمامهم قال تعالى { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار – إبراهيم 42 }

والآيات تشير إلى أن الظالمين في ذلك الزمان سيكونوا بني إسرائيل في الإفساد الثاني إذا علوا في الأرض كما قال تعالى { وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓائيلَ فِي ٱلۡكِتَٰابِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰالَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ – الإسراء 4-7 } و في الوعد الآخر آخر الزمان بسبب طلبهم وعملهم للحياة الدنيا كما قال تعالى { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون هود 15 }  .

وكذلك اختلافهم مع القرآن الكريم و النبي صلى الله عليه وآله بعدما عرفوه كما يعرفون أبنائهم وهم أكثر المختلفين مع المسلمين كما قال عز وجل { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون – النمل 76 }

وكذلك قريشاً الأولى والآخرة بعد أن بعث الله تعالى نبيه لينذرهم كما قال تعالى { وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 } وما كانت حربهم للنبي وأهل بيته عليهم السلام إلا حسدا بعدما رفع الله تعالى بيوتهم على بيوت العالمين لقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال – النور 36 } فلما حاربهم الذين كفروا من أهل الكتاب والمنافقون من هذه الأمة فقتلوا أهل بيت النبي وزعموا أنهم مسلمون

فكان حكم الله تعالى فيهم بأن يمتعهم سنين كما قال تعالى { أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون – الشعراء 205-206 }  فإذا اقترب موعد بعثة إمامهم فتح الله تعالى عليهم باباً من السماء فيه يعرجون كما قال تعالى هنا { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون – الحجر 14 } وهذا الباب من السماء فتحه الله تعالى لهؤلاء المجرمين ليكونوا أولاً سيف الله على المنافقين من هذه الأمة ليتوبوا ثم ينتقم الله تعالى من المجرمين من الديانات الأخرى ممن تحولوا إلى معتقدات الدجال الأكبر وفي ذلك عذاب شديد لهذه الأمة حتى تتوب كما قال تعالى { حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 }

وهنا يكون قد جاء أجل هذه الأمم كما قال تعالى { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا – الإسراء 99 }

وهذا الأجل كما بينا مرتهن ببعثة إمام آخر الزمان كما قال تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولٞۖ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمۡ قُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌۚ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ فَلَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ – يونس47-49 } .

ويكون ذلك حكم الله تعاالى في هؤلاء بالحياة الدنيا قبل الآخرة كما قال عز وجل { قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون – الزمر 46 }

وأما :

(من السماء فظلوا فيه يعرجون)

 و[ عرج : أي ارتفع وعلا والمعراج :  السلم والمعارج والمعاريج : المصاعد – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الرراء والجيم ] قال تعالى { يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلۡغَفُورُ – سبأ 2 } وقال تعالى أيضاً   { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاٰوَٰاتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ يَعۡلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا يَخۡرُجُ مِنۡهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعۡرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ -الحديد 4 }

ومما يعرج فيها ملائكة الله تعالى كما قال تعالى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة – المعارج 4 } و قال تعالى أيضاً { يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ يَعۡرُجُ إِلَيۡهِ فِي يَوۡمٖ كَانَ مِقۡدَارُهُۥٓ أَلۡفَ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ – السجدة 5 } .

وممن صعدوا للسماء الأولى بني آدم آخر الزمان و سيكون فيه عذاب شديد على المؤمنين ليرجعوا إلى ولاية أهل  بيت نبيهم عليهم السلام قال تعالى هنا عن هذا العذاب { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون – الحجر14 }

وهذا سيقوم به كفار آخر الزمان حيث يظهر ملكهم على المسلمين بتركهم للعمل بكتاب ربهم وسنة نبيهم وولاية الأئمة من أهل بيته عليهم السلام قال تعالى : { وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ واحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمۡ أبواٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيۡهَا يَتَّكِـُٔونَ وَزُخۡرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰاع ُ ٱلۡحَيَاة ٱلدُّنۡيَاۚ وَٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُتَّقِينَ – الزخرف 33-35 }

 

ثم يقول تعالى عندما يصعدون إلى السماء الأولى من الدنيا :

 ﴿15 لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰارُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ ﴿15

 وهنا :

(لقالوا)

 وهنا يبين تعالى كفر أهل ذلك الزمان لا سيما هؤلاء الذين صعدوا إلى السماء سيكونوا قد انحلوا من كل الديانات والقيم واعتقدوا بأن كتب الله السماوية ما هى إلا سحر ولا ثواب ولا عقاب لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين – يونس 76 }  وبالتالي فتحوا الباب أمام انتشار معتقد الدهريين والكفر بكتاب الله من اللذين قالوا إن هى أرحام تدفع وأرض تبلع قال تعالى { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون – الجاثية 24 } . وكذلك فتحوا الباب نحو عبادة الشيطان فأنساهم ذكر الله تعالى فانتشر الكفر والفسوق والعصيان والفواحش كما فعلت الأمم من قبل قال تعالى {  استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون – المجادلة 19 } وهنا استحقوا العقاب كما بينا من قبل والبداية فتح باب صعودهم إلى اقطار السماء الأولى قال تعالى : { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14-15  } .

وأما :

(إنما)

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كان لديهم معتقدات ومفاهيم مقلوبة فيظنوا أن القتل وسفك الدماء لأمة المسلمين أعمال خير وذلك لافترائهم الكذب ونشر مفتريات عليهم بأنهم أشر أمة أخرجت للناس بعد أن اندس بينهم يهود يسفكون الدماء  باسم الإسلام ولم يضربوهم على أيديهم ويمنعونهم قال تعالى { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون – البقرة 11 } فلما صعدوا إلى السماء قالوا هنا { إنما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 15 } وذلك سيكون من علامات الساعة لقوله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187 } .

 وأما:

(سكرت)

و[ سكر بصره : حبس عن النظر وسدت وغشى عليه بغشاوة – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الكاف والراء ] والسكران الذي حبس عقله وكذلك سكرات الموت بداية غيابه عن الحياة الدنيا قال تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون – الحجر 72 } وبالتالي يبين تعالى أنهم كلما صعدوا للسماء كلما غم عليهم أمرها وسكرت أبصارهم في ظلام دامس قال تعالى { لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 15 }

وأما :

(أبصارنا)

وهنا من خلال هذا اللفظ يبين الله تعالى لنا أنهم على الرغم من صعودهم للسماء إلا أن ذلك لم يبين لهم ويعرفهم قدرة الله تعالى عليهم ويقول تعالى لهؤلاء وغيرهم أفلم يسيروا في الأرض فينظروا بأن الله تعالى أهلك من هم أشد منهم قوة وعلماً من قبل قال تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } فلما عميت قلوبهم قالوا بأنهم مسحورون قال تعالى {  لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 15 } .

وأما :

(بل نحن)

 وهنا لورود هذه الآيات في قوله تعالى { أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغۡرَمُونَ بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ – الواقعة 63-67 }  [ بل نحن محرومون من الرزق ] وقال تعالى أيضاً { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمۡ يَتَخَٰفَتُونَ أَن لَّا يَدۡخُلَنَّهَا ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكُم مِّسكِينٞ وَغَدَوۡاْ عَلَىٰ حَرۡدٖ قَٰادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوۡهَا قَالُوٓاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ – القلم 23-27 }  [ فلما عرفوا أنها هي جنتهم، قالوا: بل نحن محرومون خيرها; بسبب عزمنا على البخل ومنع المساكين

أي أنهم ظنوا أنهم قادرون على حرمان أمم و قرى من رزق الله فيدمرون مدنهم وزراعاتهم وممتلكاتهم بعذاب من السماء ينزلونه بمعارجهم التي توصلوا إليها بعلوم من القدماء والمحدثين سحروا بها أنفسهم و الناس في العالم من حولهم أي أنهم مسحورون وسحروا الناس بعد أن سكرت أبصارهم عن رؤية الحق وأن الله تعالى خالق السماوات والأرض وزين السماء بالبروج قال تعالى { لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ – الحجر 15 }

وأما :

(قوم)

 وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كانوا قوما كافرين لقوله تعلى { والله لا يهدي القوم الكافرين – البقرة 264 } وقوم لا يعقلون لما نسوا خالق السماوات والأرض وسحرهم ما صنعوه بعقول ومواد خلقها الله تعالى قال عز وجل { ذلك بأنهم قوم لا يعقلون – المائدة 58 }

وممن امتلك هذه المعارج أعراب منافقين قال تعالى فيهم { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين – آل عمران 86 }

ومنهم قوم يحكمون بحكم الجاهلية قال تعالى فيهم { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون – المائدة 50 }

والله تعالى لا يرد بأسه عن هؤلاء المجرمين ومن تولاهم قال تعالى { ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 }

فإذا أراد الله تعالى الإنتقام بعث فيهم إماما من أهل بيت النبي كما قال تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 } وهذا الإمام من أهل بيت النبي الذين آتاهم الله تعالى الكتاب الحكم والنبوة بعد أن كفر بها بنوا إسرائيل لقوله تعالى {  أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين – الأنعام 89 } . فيبعث الله تعالى مؤمنين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم كما قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم  – المائدة 54 }

ويكون ذلك الجهاد وذلك البلاء على المسلمين في زمن صعود المجرمين للسماء كما قال تعالى هنا { وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰاَا لِلنَّٰاظرينَ – الحجر 14-16 }

وأما :

(مسحورون)

 و[ السحر : قول أو فعل يترتب عليه أمر خارق للعادة وسحره يسحره سحراً : صرفه عن  وجهه وخدعه – المعجم باب سحر ] قال تعالى { قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم – الأعراف 116 } وبالتالي يمكن أن طلق على الطائرة الآن بالسحر العظيم وذلك لأنهم بصناعاتهم هذه سحروا أعين الناس واسترهبوهم  ولذلك قال البغوي في تفسيره بأن الدجال مذكور في قوله تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر 57 }

قال البغوي في تفسيره عن هذه الآية :

[قال أهل التفسير: نزلت في اليهود، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود – يعنون الدجال – يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، ويرد الملك إلينا، قال الله تعالى: { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } ، من فتنة الدجال، { إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }. { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، مع عظمهما، { أَكْـبَرُ } ، أعظم في الصدور، { مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } ، أي: من إعادتهم بعد الموت، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ } ، يعني الكفار، { لاَ يَعْلَمُونَ } ، حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها. وقال قوم: ” أكبر ” أي: أعظم من خلق الدجال، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، يعني اليهود الذي يخاصمون في أمر الدجال. وروي عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبرُ من خلق الدجال – تفسير البغوي ]

ولذلك هنا لما غرهم الشيطان بصناعاتهم وقالوا هنا { بل نحن قوم مسحورون – الحجر  15 } ذكرهم الله تعالى قائلاَ بأنه خالق هذه السماوات والأرض والتي لا يعلمون عنهما إلا القليل جدا قال تعالى { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين – الحجر 16 } .

ثم يقول تعالى :

﴿16 وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ ﴿16 

وهنا :

(وَلَقَدۡ)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب – ق 38 } وهذه السماوات سبع طرائق قال تعالى فيها { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين – المؤمنون 17 }  وهذه السماء الدنيا زينها الله تعالى بمصابيح قال تعالى فيها { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير – الملك  }

 وأما :

(جعلنَا)

وهنا يبين تعالى أنه جعل السماء سقفاً محفوظا وهم عن هذه الآيات معرضون قال تعالى { جعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون – الأنبياء 32 }

وجعل الليل والنهار آيتين ككما قال تعالى {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا – الإسراء 32 }

ولذلك يقول تعالى هنا أنه لما فتح على مجرمي آخر الزمان باباً ليصعدوا فيه للسماء الأولى فتنوا أنفسهم ومن حولهم بعد أن ظنوا أنهم مسحورون قال تعالى { وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَارُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ – الحجر 14-16 }

وأما :

(في السماء)

 وهنا يقول تعالى عن آياته التي خلقها في السماء وإعراضهم عنها  { وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون – يوسف 105 } و هذه الآيات في سماواته وأرضه ألم ينظروا إليها وعسى أن يكون اقترب موعد موتهم وولقاء ربهم قال تعالى { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون – الأعراف 185 }

وهذا الخلق لسماواته وأرضه لو كانوا يعقلون لعلموا أنهما أشد قوة مما صنعوه كما قال تعالى { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها –  النازعات 27 } فلما سحروا الناس وفتنوا أنفسهم وظنوا أنهم مسحورون هنا وقال تعالى لهم بأنهم هل نظروا في السماء ليروا أنها أكبر مما صنعوه وقد جعلها الله تعالى مصابيح وزينها للناظرين كما قال تعالى { وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ – الحجر 14-16 }

ولذلك قال تعالى عن الدجال ومن تابعه { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر 57 }

قال البغوي في تفسيره عن هذه الآية :

[قال أهل التفسير: نزلت في اليهود، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبنا المسيح بن داود – يعنون الدجال – يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، ويرد الملك إلينا، قال الله تعالى: { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } ، من فتنة الدجال، { إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }. { لَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، مع عظمهما، { أَكْـبَرُ } ، أعظم في الصدور، { مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } ، أي: من إعادتهم بعد الموت، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ } ، يعني الكفار، { لاَ يَعْلَمُونَ } ، حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها. وقال قوم: ” أكبر ” أي: أعظم من خلق الدجال، { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، يعني اليهود الذي يخاصمون في أمر الدجال. وروي عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبرُ من خلق الدجال “. أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، أخبرنا جدي عبدالرحمن البزار، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذُكر الدجال. فقال: ” إنَّ بين يديه ثلاثَ سنين: سنة تمسك السماء ثلث قطرها، والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها، والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله، والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلك، وإنّ من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول: أرأيتَ إن أحييتُ لك إبلك ألستَ تعلم أني ربُّك؟ قال: فيقول: بلى، فيتمثل له نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعاً وأعظمه أسنمة، قال: ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول: أرأيتَ إن أحييت لك أباك وأخاك ألستَ تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى، فيتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه ” قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم رجع والقوم في اهتمام وغمٍّ مما حدثهم، قالت: فأخذ بلحمتي الباب فقال: مهيم أسماء؟ فقلت: يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال، قال: ” إن يخرج وأنا حيٌّ فأنا حجيجه، وإلاّ فإن ربي خليفتي على كل مؤمن، قالت أسماء فقلت: يا رسول الله والله إنا لنعجن عجيناً فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس “. وبهذا الإسناد قال: أخبرنا معمر، عن ابن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة، السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطرام السعفة في النار “.

خبرنا أبو سعيد الطاهري، أخبرنا جدي عبدالصمد بن عبدالرحمن البزار، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق الدبري، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: ” إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذر قومه، لقد أنذر نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور “. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا جويرية عن نافع عن عبدالله قال: ذُكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور، وأشار بيده إلى عينيه، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية “. أخبرنا إسماعيل بن عبدالقاهر الجرجاني، أخبرنا عبدالغافر بن محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا علي بن حجر، حدثنا شعيب ابن صفوان عن عبدالملك بن عُمير عن ربعي بن حراش عن عقبة بن عمرو بن مسعود الأنصاري قال: انطلقت معه إلى حذيفة بن اليمان فقال له عقبة: حدثني ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال؟ قال: ” إن الدجال يخرج وإنَّ معه ماءً وناراً، فأما الذي يراه الناس ماءً فنارٌ تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماءٌ بارد عَذْبٌ، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً فإنه ماء عذب طيب ” فقال عقبة: وأنا قد سمعته تصديقاً لحذيفة. أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثنا ابن الوليد، حدثنا ابن عمرو وهو الأوزاعي، حدثنا إسحاق، حدثني أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس من نِقَابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق “. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبدالله الطيسفوني، أخبرنا عبدالله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة، حتى ينزل دُبُرَ أُحد، ثم تَصرِفُ الملائكة وجهه قَِبَلَ الشام، وهناك يهلك “. أخبرنا أبو سعيد الطاهري، أخبرنا جدي عبد الصمد البزار، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق الدبري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفاً عليهم التِّيجان ” ويرويه أبو أُمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي كلهم ذو تاج وسيف محلى “.- معالم التنزيل للبغوي ] .

وأخيرا هل أمن هؤلاء  من  الله تعالى أن يهلكهم بما صنعوه بأيديهم قال  تعالى { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير – الملك 16-17 }

 وأما :

(بروجاً)

[ والبروج إثنا عشر برجاً : للربيع  والصيف : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهذه اثنا عشرا برجاً ] قال تعالى فيها {والسماء ذات البروج – البروج 1 } وهذه البروج الإثنا عشر بأعدادها رمزاً لأشهر السنة الإثنا عشر كما ق ال تعالى { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين – التوبة 36 } وهى رموز لإثنا عشر إماما على عدة نقباء بني إسرائيل لقوله تعالى { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا – المائدة 12 } .

ويضاف إليهم رسول الله الذي قال تعالى فيه أنه السراج المنير قال تعالى { وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا – الأحزاب 46 } والسراج هى الشمس كما قال تعالى {أَلَمۡ تَرَوۡاْ كَيۡفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبۡعَ سَمَٰاواتٖ طِبَاقٗا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا – نوح 15-16 }

وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقممراً منيرا ككما قال تعالى { تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا – الفرقان 61 }

وفي الحديث كما أن النجوم أمان لأهل السماء فأهل بيت النبي أمان لأهل الأرض [

[ عن علي رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت النجوم ، ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض” ] .

[ عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأمّتي فإذا ذهب النجوم جاء أهل السماء ما يوعدون و إذا ذهب أهل بيتي جاء أهل الأرض ما يوعدون – مناقب الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام  ج2ص142 ] .

وبالتالي من خلال هذا اللفظ هنا يشير المولى تبارك وتعالى أنه من أراد في ذلك الزمان الأمان والنصر وخير الدنيا والآخرة فليتولى الله تعالى ورسوله ثك الأئمة من أهل بيته عليهم السلام .

 وأما :

(وزيناها)

وهذه الزينة يبين تعالى أنها نجوم السماء قد زين الله تعالى بها السماء كم قال تعالى  { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج – ق 6 } وبالتالى هل نظر هؤلاء للسماء وما أودعه الله تعالى فيها وما صنعوه وسحروا به الناس وفتنوا أنفسهم كما قال تعالى هنا { وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَزَيَّنَّٰاها لِلنَّٰاظرينَ – الحجر 14-16 } .

وأما :

(للناظرين)

أي أنها لشدة جمالها تسر الناظرين لورود هذا اللفظ في  قوله تعالى { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين – البقرة 69 }

ثم يقول تعالى :

 ﴿17وَحَفِظۡنَاهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰان رَّجِيمٍ ﴿17 

وهنا :

(وَحَفِظۡنَاهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰان)

 

وهذه الآية يبينها قوله تعالى { وحفظا من كل شيطان مارد – الصافات 7 } أي أن هذه النجوم حفظاً لأهل للمؤمنين في أهل الأرض من كل شيطان مارد أو شيطان رجيم كما قال تعالى هنا { وَحَفِظۡنَاهَا مِن كُلِّ شَيۡطَٰان رَّجِيمٍ – الحجر 17 }

وأما :

( شيطان رجيم)

 والرجيم : المطرود من رحمة الله تعالى كما قال عز وجل { قال فاخرج منها فإنك رجيم – ص77 }  وهنا يبين تعالى أن هذه النجوم نجعلها الله تعالى رجوماً ترجم منها الشياطين كما قال تعالى { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير – الملك 5 } ولذلك قال تعالى هنا { وحفظناها من كل شيطان رجيم – الحجر 17 } .ومن أراد الإستعاذة من الشيطان الرجيم فليقرأ القرآن لأنه قول الله تعالى وليس قول يطان رجيم كما قال تعالى { وما هو بقول شيطان رجيم – التكوير 25 }  .

 ثم يقول تعالى :

 ﴿18  إِلَّا مَنِ ٱسۡتَرَقَ ٱلسَّمۡعَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ مُّبِينٞ ﴿18