مركز القلم :
خالد محيي الدين الحليبي
السورة بصيغة ملفات بي دي إف :
سورة ص
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في تفسير البرهان عن هذه السورة الكريمة :
[{ ص وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } – إلى قوله تعالى- { عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ }
– علي بن إبراهيم: { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } ، قال: هو قسم، و جوابه: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } يعني في كفر.
– ابن بابويه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلي على يدي علي بن أحمد البغدادي الوراق، قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري، قال: حدثنا عبد الله بن أسماء، قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت: لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) :
يا ابن رسول الله، ما معنى قول الله عز و جل: { صۤ }؟ قال: ” ص عين تنبع من تحت العرش، و هي التي توضأ منها النبي (صلى الله عليه و آله) لما عرج به، و يدخلها جبرئيل (عليه السلام) كل يوم دخلة، فينغمس فيها، ثم يخرج منها فينفض أجنحته، فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك و تعالى منها ملكا يسبح الله، و يقدسه، و يكبره، و يحمده إلى يوم القيامة “.
– وعنه، قال: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)- و ذكر صلاة النبي (صلى الله عليه و آله) ليلة المعراج- إلى أن قال: قلت: جعلت فداك، و ما (ص) الذي أمر أن يغتسل منه؟ قال: ” عين تنفجر من ركن من أركان العرش، يقال له ماء الحياة، و هو ما قال الله عز و جل: { صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } إنما أمره أن يتوضأ، و يقرأ، و يصلي “.
– محمد بن يعقوب: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)- و ذكر حديث الإسراء- إلى أن قال : ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ثم أوحى الله إلي: يا محمد، ادن من صاد، فاغسل مساجدك، و طهرها، و صل لربك. فدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) من صاد، و هو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ”
– وعنه: عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ” أقبل أبو جهل بن هشام و معه قوم من قريش، فدخلوا على أبي طالب فقالوا:
إن ابن أخيك قد أذانا، و أذى آلهتنا، فادعه و مره فليكف عن آلهتنا، و نكف عن إلهه. قال: فبعث أبو طالب إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فدعاه، فلما دخل النبي (صلى الله عليه و آله) لم ير في البيت إلا مشركا، فقال: السلام على من اتبع الهدى. ثم جلس، فخبره أبو طالب بما جاءوا له، فقال: فهل لهم في كلمة خير لهم من هذا، يسودون بها العرب و يطؤون أعناقهم؟ فقال أبو جهل: نعم، و ما هذه الكلمة؟ فقال: تقولون: لا إله إلا الله. قال: فوضعوا أصابعهم في آذانهم، و خرجوا هرابا، و هم يقولون: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق. فأنزل الله تعالى في قولهم: { ص وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } إلى قوله: { إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ} – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
و في تفسير الدر المنثور :
[ أخرج عبد بن حميد عن أبي صالح قال: سئل جابر بن عبدالله وابن عباس رضي الله عنهما عن {صۤ} فقالا: ما ندري ما هو .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله {صۤ} قال : حادث القرآن.
وأخرج ابن جرير عن الحسن ْرضي الله عنه في قوله أنه كان يقرأ { صۤ، والقرآن } بخفض الدال، وكان يجعلها من المصاداة يقول عارض القرآن قال عبد الوهاب: أعرضه على عملك فأنظر أين عملك من القرآن.
وأخرج ابن مردويه عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {صۤ} يقول: إني أنا الله الصادق.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {صۤ} قال: صدق الله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { صۤ } محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {صۤ والقرآن ذي الذكر} قال: نزلت في مجالسهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {صۤ والقرآن ذي الذكر} قال: ذي الشرف – تفسير الدر المنثور للسيوطي ]
وورد في تفسير البحر المحيط :
[ قال: فنزل فيهم القرآن: { ص والقرآن ذي الذكر } ، حتى بلغ، { إن هذا إلا اختلاق }.
قرأ الجمهور: صْ، بسكون الدال. وقرأ أبي، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وابن أبي عبلة، ونصر بن عاصم: صاد، بكسر الدال، والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين. وهو حرف من حروف المعجم نحو: ق ونون. وقال الحسن: هو أمر من صادى، أي عارض، ومنه الصدى، وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الصلبة الخالية من الأجسام، أي عارض بعملك القرآن. وعنه أيضاً: صاديت: حادثت، أي حادث، وهو قريب من القول الأول. وقرأ عيسى، ومحبوب عن أبي عمرو، وفرقة: صاد، بفتح الدال، وكذا قرأ: قاف ونون، بفتح الفاء والنون، فقيل: الفتح لالتقاء الساكنين طلباً للتخفيف؛ وقيل: انتصب على أنه مقسم به، حذف منه حرف القسم نحو قوله: ألله لأفعلن، وهو اسم للسورة، وامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد صرفها من قرأ صاد بالجر والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل، وهو ابن أبي إسحاق في رواية. وقرأ الحسن أيضاً: صاد، بضم الدال، فإن كان اسماً للسورة، فخبر مبتدأ محذوف، أي هذه ص، وهي قراءة ابن السميفع وهارون الأعور؛ وقرأ قاف ونون، بضم الفاء والنون. وقيل: هو حرف دال على معنى من فعل أو من اسم، فقال الضحاك: معناه صدق الله. وقال محمد بن كعب: مفتاح أسماء الله محمد صادق الوعد صانع المصنوعات. وقيل: معناه صدق محمد.
قال ابن عباس، وابن جبير، والسدّي: ذي الذكر: ذي الشرف الباقي المخلد. وقال قتادة: ذي التذكرة، للناس والهداية لهم. وقيل: ذي الذكر، للأمم والقصص والغيوب والشرائع وجواب القسم، قيل: مذكور، فقال الكوفيون والزجاج: هو قوله:{ إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ص: 64]. وقال الفراء: لا نجده مستقيماً في العربية لتأخره جداً عن قوله: { والقرآن }. وقال الأخفش: هو { إن كل إلا كذّب الرسل } ، وقال قوم: { كم أهلكنا } ، وحذف اللام أي لكم، لما طال الكلام؛ كما حذفت في { والشمس } [الشمس: 1]، ثم قال:{ قد أفلح } [المؤمنون: 1]، حكاه الفراء وثعلب، وهذه الأقوال يجب اطراحها. وقيل: هو صاد، إذ معناه: صدق محمد وصدق الله. وكون صاد جواب القسم، قاله الفراء وثعلب، وهذا مبني على تقدم جواب القسم، واعتقاد أن الصاد يدل على ما ذكروه. وقيل: الجواب محذوف، فقدره الحوفي: لقد جاءكم الحق ونحوه، والزمخشري: إنه لمعجز، وابن عطية: ما الأمر كما تزعمون، ونحو هذا من التقدير. ونقل أن قتادة والطبري قالا: هو محذوف قبل { بل } ، قال: وهو الصحيح، وقدره ما ذكرنا عنه، وينبغي أن يقدر ما أثبت هنا جواباً للقرآن حين أقسم به، وذلك في قوله تعالى:
قال: فنزل فيهم القرآن: {ص والقرآن ذي الذكر} ، حتى بلغ، {إن هذا إلا اختلاق}
قرأ الجمهور: صْ، بسكون الدال. وقرأ أبي، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وابن أبي عبلة، ونصر بن عاصم: صاد، بكسر الدال، والظاهر أنه كسر لالتقاء الساكنين. وهو حرف من حروف المعجم نحو: ق ونون. وقال الحسن: هو أمر من صادى، أي عارض، ومنه الصدى، وهو ما يعارض الصوت في الأماكن الصلبة الخالية من الأجسام، أي عارض بعملك القرآن. وعنه أيضاً: صاديت: حادثت، أي حادث، وهو قريب من القول الأول. وقرأ عيسى، ومحبوب عن أبي عمرو، وفرقة: صاد، بفتح الدال، وكذا قرأ: قاف ونون، بفتح الفاء والنون، فقيل: الفتح لالتقاء الساكنين طلباً للتخفيف؛ وقيل: انتصب على أنه مقسم به، حذف منه حرف القسم نحو قوله: ألله لأفعلن، وهو اسم للسورة، وامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقد صرفها من قرأ صاد بالجر والتنوين على تأويل الكتاب والتنزيل، وهو ابن أبي إسحاق في رواية. وقرأ الحسن أيضاً: صاد، بضم الدال، فإن كان اسماً للسورة، فخبر مبتدأ محذوف، أي هذه ص، وهي قراءة ابن السميفع وهارون الأعور؛ وقرأ قاف ونون، بضم الفاء والنون. وقيل: هو حرف دال على معنى من فعل أو من اسم، فقال الضحاك: معناه صدق الله. وقال محمد بن كعب: مفتاح أسماء الله محمد صادق الوعد صانع المصنوعات. وقيل: معناه صدق محمد.
قال ابن عباس، وابن جبير، والسدّي: ذي الذكر: ذي الشرف الباقي المخلد. وقال قتادة: ذي التذكرة، للناس والهداية لهم. وقيل: ذي الذكر، للأمم والقصص والغيوب والشرائع وجواب القسم، قيل: مذكور، فقال الكوفيون والزجاج: هو قوله:{ إن ذلك لحق تخاصم أهل النار } [ص: 64]. وقال الفراء: لا نجده مستقيماً في العربية لتأخره جداً عن قوله: { والقرآن }. وقال الأخفش: هو { إن كل إلا كذّب الرسل } ، وقال قوم: { كم أهلكنا } ، وحذف اللام أي لكم، لما طال الكلام؛ كما حذفت في{ والشمس } [الشمس: 1]، ثم قال:{ قد أفلح } [المؤمنون: 1]، حكاه الفراء وثعلب، وهذه الأقوال يجب اطراحها. وقيل: هو صاد، إذ معناه: صدق محمد وصدق الله. وكون صاد جواب القسم، قاله الفراء وثعلب، وهذا مبني على تقدم جواب القسم، واعتقاد أن الصاد يدل على ما ذكروه. وقيل: الجواب محذوف، فقدره الحوفي: لقد جاءكم الحق ونحوه، والزمخشري: إنه لمعجز، وابن عطية: ما الأمر كما تزعمون، ونحو هذا من التقدير. ونقل أن قتادة والطبري قالا: هو محذوف قبل { بل } ، قال: وهو الصحيح، وقدره ما ذكرنا عنه، وينبغي أن يقدر ما أثبت هنا جواباً للقرآن حين أقسم به، وذلك في قوله تعالى:
{ يس والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين } يس: 1ـ3] ويقوي هذا التقدير ذكر النذارة هنا في قوله: { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم } ، وقال هناك :{ لتنذر قوماً } [يس: 6] ، فالرسالة تتضمن النذارة والبشارة، وبل للانتقال من هذا القسم والمقسم عليه إلى حالة تعزز الكفار ومشاقهم في قبول رسالتك وامتثال ما جئت به، واعتراف بالحق.
وقرأ حماد بن الزبرقان، وسورة عن الكسائي، وميمون عن أبي جعفر، والجحدري من طريق العقيلي: في غرة، بالغين المعجمة والراء، أي في غفلة ومشاقة. { قبلهم }: أي قبل هؤلاء ذوي المنعة الشديدة والشقاق، وهذا وعيد لهم. { فنادوا }: أي استغاثوا ونادوا بالتوبة، قاله الحسن؛ أو رفعوا أصواتهم، يقال: فلان أندى صوتاً: أي أرفع، وذلك بعد معاينة العذاب، فلم يك وقت نفع. وقرأ الجمهور: { ولات حين } ، بفتح التاء ونصب النون، فعلى قول سيبويه، عملت عمل ليس، واسمها محذوف تقديره: ولات الحين حين فوات ولا فرار. – تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيدي ] .
وفي تفسير معالم التنزيل : [{صۤ} قيل: هو قسم، وقيل: اسم السورة كما ذكرنا في سائر حروف التهجي في أوائل السور. وقال محمد بن كعب القرظي: ” صۤ ” مفتاح اسم الصمد، وصادق الوعد. وقال الضحاك: معناه صدق الله. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: صدق محمد صلى الله عليه وسلم. { وَٱلْقُرْءَانِ ذِى } ، أي ذي البيان، قال ابن عباس ومقاتل. وقال الضحاك: ذي الشرف، دليله قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44]، وهو قسم. واختلفوا في جواب القسم، قيل: جوابه قد تقدم، وهو قوله ” صۤ ” أقسم الله تعالى بالقرآن أن محمداً قد صدق. وقال الفراء: ” صۤ ” معناها: وجب وحق، وهو جواب قوله: ” والقرآن ” ، كما تقول: نزل الله. وقيل: جواب القسم محذوف تقديره: والقرآن ذي الذكر ما الأمر كما يقول الكفار، ودلّ على هذا المحذوف. قوله تعالى: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }. قال قتادة: موضع القسم قوله: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، كما قال: { وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ } ق: 1-2].
وقيل: فيه تقديم وتأخير، تقديره: بل الذين كفروا، { فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } ، والقرآن ذي الذكر. وقال الأخفش: جوابه قوله تعالى: { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ } [ص: 14]، كقوله: { تَٱللهِ إِن كُنَّا } [الشعراء: 97]، وقوله:{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ… إِن كُلُّ نَفْسٍ } [الطارق:1-4] وقيل: جوابه قوله: { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا } ] ص: 54 . – معالم التنزيل للبغوي ]
وفي تفسير الكشف والبيان للثعلبي :
[ {صۤ} قرأ العامة بالجزم، واختلفوا في معناه.فقال الكلبي: عن أبي صالح، سُئل جابر بن عبد الله وابن عباس عن { صۤ } فقالا: لا ندري.
وقال عكرمة: سأل نافع الأزرق عبد الله بن عباس عن { صۤ } فقال: كان بحراً بمكّة وكان عليه عرش الرّحمن، إذ لا ليل ولا نهار.
سعيد بن جبير: {صۤ} بحر يُحيي الله به الموتى بين [النفختين].
الضحّاك: صدق الله. مجاهد: فاتحة السّورة. قتادة: اسم من أسماء القرآن. السدّي: قسم أقسم الله سبحانه وتعالى به، وهو اسم من أسماء الله عزّ وجلّ. وهي رواية الوالبي عن ابن عبّاس.
محمد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله، صمد، وصانع المصنوعات، وصادق الوعد.
وقيل: هو اسم السّورة، وقيل: هو إشارة إلى صدود الكفّار من القرآن. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق: صاد بخفض الدّال، من المصادّاة، أي عارض القرآن بعملك وقابله به، واعمل بأوامره، وانته عن نواهيه.
وقرأ عيسى بن عمر صاد بفتح الدّال، ومثلهُ قاف ونون، لإجتماع السّاكنين، حرّكها إلى أخف الحركات.
وقيل: على الإغراء.وقيل في { صۤ }: إنّ معناه صاد محمّد قلوبَ الخلق واستمالها حتّى آمنوا به.{ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } قال ابن عباس ومقاتل: ذي البيان.
الضحاك: ذي الشرف، دليله قوله عزّ وجل:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] .وقيل: ذي ذكر الله عزّ وجلّ. واختلفوا في جواب القسم، فقال قتادة: موضع القسم قوله: { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } كما قال سبحانه:{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ } [ق: 1 – 2]. وقال الأخفش جوابه قوله: { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } كقوله عزّ وجل:{ تَٱللَّهِ إِن كُنَّا… } [الشعراء: 97] وقوله:{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } [الطارق: 1]{ إِن كُلُّ نَفْسٍ } [الطارق: 4]. وقيل: قوله: { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }.وقال الكسائي: قوله: { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ }.
وقيل: مقدم ومؤخر تقديره {بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} { وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ }.
وقال الفراء: {صۤ} معناها وجب وحقّ، فهي جواب لقوله { وَٱلْقُرْآنِ } كما تقول: [نزل] والله. – تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) ] .
التفسير :
نعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ص والقرآن ذي الذكر (1)
وهنا :
(ص )
وهنا حرف ال ( ص ) ورد فيها معاني عديدة منها أن قول الله تعالى الصدق وذلك لقوله تعالى { قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين – آل عمران 95 } وقال تعالى أيضاً { ومن أصدق من الله حديثا – النساء 87 } وقيل ( ص ) تعني محمداً صلى الله عليه وآله وهو الصادق الأمين ولسان صدق الآخرين قال تعالى { واجعل لي لسان صدق في الآخرين – الشعراء 84 } جاء بالحق وصدق المرسلين كما في قوله تعالى { { بل جاء بالحق وصدق المرسلين –الصافات37 } والذي صدق به بعد النبي صلى الله عليه وآله الإمام علي عليه السلام لقوله تعالى وما نزل فيه { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون – الزمر 33 }
[عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه﴾ قال: (الذي جاء بالصدق: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصدَّق به: عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)) – تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة – السيد شرف الدين علي الحسيني الأستر آبادي -ج2 ص517 ] .
ومنه ما أورده في كتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة نقلا من تفسير محمد بن العباس بن ماهيار بسنده الصحيح عن عبد الله بن سليمان قال : [ (شهدتُ جابر الجعفي عند أبي جعفر (عليه السلام) وهو يُحدِّث أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليَّاً (عليه السلام) الوالدان، قال عبد الله بن سليمان: وسمعتُ أبا جعفرٍ (عليه السلام) يقول : منَّا الذي أُحلَّ له الخمس، ومنَّا الذي جاء بالصدق، ومنَّا الذي صدَّق به، ولنا المودةُ في كتاب الله عزَّ وجل.. – تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة – السيد شرف الدين علي الحسيني الأستر آبادي – ج1 ص426، ولاحظ مرآة العقول- العلامة المجلسي- ج8 ص410 ] .
ومنه ما أورده ابن شهر آشوب عن علماء أهل البيت (عليهم السلام عن الباقر والصادق والكاظم والرض، وزيد بن علي (عليهم السلام) في قوله تعالى : [ ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ قالوا: (هو عليٌّ (عليه السلام)) – مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب- ج2 ص288 ] .
ومنه ما أورده في روضة الواعظين، قال ابن عباس : [ والذي جاء بالصدق محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصدَّق به عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) – روضة الواعظين – الفتال النيسابوري- ص104]
و عن مجاهد في قوله عز وجل : [ ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ قال: (الذي جاء بالصدق رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدَّق به عليُّ بن أبي طالب)
وكذلك أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل من أكثر من طريق عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ قال: (هو النبي جاء بالصدق، والذي صدَّق به عليُّ بن أبي طالب) – شواهد التنزيل لقواعد التفضيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 ص181]
وأخرج من طريقٍ عن أبي الطُّفيل عن عليٍّ قال: [ (والذي جاء بالصدق رسولُ الله. وصدَّق به أنا، والناس كلُّهم مكذِّبون كافرون غيري وغيره) – شواهد التنزيل لقواعد التفضيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 ص181 ] .
وفي الدرِّ المنثور للسيوطي قال : [ (وأخرج ابنُ مردويه عن أبي هريرة: والذي جاء بالصدق قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدَّق به قال عليُّ بن أبي طالب) – الدر المنثور في التفسير بالمأثور – جلال الدين السيوطي – ج 5 ص328.]
وذكر الآلوسي في تفسيره روح المعاني [ قال : (قال أبو الأسود ومجاهد في روايةٍ وجماعة من أهل البيت وغيرهم، الذي صدَّق به هو عليٌّ كرم الله تعالى وجهه. وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) – تفسير الآلوسي – الآلوسي – ج 24 ص3 ] .
وأما :
(والقرآن )
و قيل: هو قسم وقيل: اسم السورة وقيل أنه مفتاح اسم الصمد، وصادق الوعد وقيل (ص) كان بحراً بمكّة وكان عليه عرش الرّحمن، إذ لا ليل ولا نهار. وقيل (ص) عين تنبع من تحت العرش، و هي التي توضأ منها النبي (صلى الله عليه و آله) لما عرج به، و يدخلها جبرئيل (عليه السلام) كل يوم دخلة، فينغمس فيها، ثم يخرج منها فينفض أجنحته، فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك و تعالى منها ملكا يسبح الله، و يقدسه، و يكبره، و يحمده إلى يوم القيامة “.
وفي كل الأحوال هو حرف من الحروف المقطعة في اللغة العربية التي وردت في كتاب الله تعالى وفي هذا الحرب في كل سوره به مراد الله تعالى من كل السورة لأهل السماء حيث لا لغو فيها ولا كذابا ولا جدال كما قال تعالى { لا لغو فيها ولا كذابا} ولأهل الأرض حيث الجدل والمراء تأت السورة مفصلة لكل مراد الله تعالى من الحرف الوارد في أول السور المكية وهى كقوله تعالى في القسم ب { ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ – ق 1-2} وكما تعجبوا من القرآن المجيد كذلك يبين تعالى من الآيات هنا أنهم تعجبوا من قصصالقرآن وحديثه عن الأمم البائدة متهمين النبي صلى الله عليه وآله بالسحر والكذب تعززاً وشقاقاً كما في الآيات هنا { ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ – ص1-4 } .
وأما :
(ذي)
[ وذو وذي بمعنى صاحب وهو إسم يتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس والأنواع ويضاف إلى الظاهر دون المضكر – معجم ألفاظ القرآن باب الذال فصل الواو ] . قال تعالى ويأت هذا اللفظ على مكة المكرمة كما في قوله تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون- إبراهيم 37 }
وبهذا الوادي غير ذي زرع بعث الله تعالى نبيه الصادق الأمين صلى الله عليه وآله قال تعالى فيه : { إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون – التكوير 19-22 }
وورد هذا اللفظ على قربى النبي عليهم السلام في قوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ول ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير – الأنفال 41 }
وبالتالي الآية هنا بسورة ص تنزه النبي صلى الله عليه والإمام علي الذي صدق به وأهل البيت عليهم السلام من الجنون والسحر والكذب على الله تعالى كما في قوله عز وجل { ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ – ص1-4 } .
وأما :
(الذكر)
الذكر هو القرآن الكريم لقوله تعالى { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون –الحجر 9 } والذكر هو الرسول صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا – الطلاق 10-11 }
وهذا الذكر مكلف رسول الله صلى الله عليه وآله من الله تعالى ببيانه وتفصيله للناس لقوله تعالى {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون- النحل 44 } .
وبعد رسول الله صلى الله عليه أهل بيته عليهم السلام هم هم الموكول لهم هذه المهمة في بيان كتاب الله الكريم قال تعالى فيهم { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – النحل 43 } .
وهنا نكون قد فصلنا مراد الله تعالى من كلمة (ص) والتي تعني الله تعالى ورسوله وأهل بيته وولايتهم وقد أمر الله تعالى رسوله بإبلاغ رسالة ربه تعالى هذه للناس بغير حرج قال تعالى { كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين – الأعراف 2 }
أي أن هذا الذكر هو القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام من بعده يذكرون الناس بالله تعالى ويبينون لهم كتاب ربهم و هذا الذكر سيسئلون عنه يوم القيامة لقوله تعالى { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون – الزخرف 44 } وهذا الذكر يقوم به كل من آمن به تعالى وأسلم وجهه له عز وجل قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم كما قال تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار – آل عمران 191 }
ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله قومه تعجبوا كما في الآية هنا { ص ۚ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ – ص1-4 } .
ولما تعجبوا قال تعالى لهم { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون – الأعراف 63 } .
ثم يقول تعالى :
- بل الذين كفروا في عزة وشقاق (2)
وهنا :
(بل)
[ (بل) : حرف عطف للإضراب عما سبق، وإثبات الحكم للتالي سواء كان ذلك الحكم إيجابًا أو سلبًا و الإضراب يكون عادة بسبب الغلط أو النسيان أو لمجرد التغيير في المعنى ] . قال تعالى : { كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ – القيامة 11-15 } أي أن الإنسان إذا رجع إلى الله تعالى فلا عذر له بعد ما أودعه من بصيرة في نفسه يعرف بها الخير والشر وقال تعالى أيضاً : { وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون – البقرة 116 }
وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ تعجب كفار قريش من دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وما نزل عليه من قرآن قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق2 } وهنا يبين تعالى أن العجب هو من قولهم قال تعالى { وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد – الرعد 5 } ولذلك تعجب أيضاً منهم النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { بل عجبت ويسخرون – الصافات 22} ويبين تعالى أنه ماكان تعجبهم إلا من شرح وتفصيل القرآن الكريم لقضية البعث والنشور من بعد الموت كما في قوله تعالى { بل قالوا مثل ما قال الأولون قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ – المؤمنون 81-83} وهؤلاء يبين تعالى أنهم ساروا على نهج آبائهم الكفار الأوائل قال تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون – البقرة 170 }
وهؤلاء لم يكونوا يخافون الآخرة كما قال تعالى { كلا بل لا يخافون الآخرة – المدثر 53 } و قد كذبوا بها كما في قوله تعالى { بل الذين كفروا في تكذيب – البروج 19 } .
ثم يبين تعالى ماذا لو نزل عليهم هذا القرآن فيهم وفي قبائلهم وهنا كانوا سيؤمنون به لأنهم يريدون الحياة الدنيا ولو على حساب الآخرة قال تعالى { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة – المدثر 52 } .
ثم يبين تعالى أن كل الأنبياء من قبل كانو على هدى وآباء هؤلاء كانوا عبدة أوثان على ضلال فكيف يقولون ( حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا) وقد جائهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالحق مصدقاً لآباءه وأجداده الأنبياء والمرسلين وهو وخاتمهم وإمامهم وسيد الخلق صلى الله عليه وآله لذلك قال تعالى { بل جاء بالحق وصدق المرسلين – الصافات37 } واذلك يقول تعالى أن هؤلاء كذبة في تكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله بعدما جاءهم بالحق وأعلن هؤلاء تقليدهم لآبائهم أعداء الأنبياء من قبل لذلك هم كذبة لأنهم ليسوا على هدى ولا آبائهم قال تعالى { بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون – المؤمنون 90 }
ثم يبين تعالى من خلال هذا اللفظ مكيدة قريش وأهل الكتاب بالنبي وأهل بيته فقد كذبوا على الله تعالى ورسوله وأشاعوا وروجوا بين الناس أن من رجال قبائلهم من هم أفضل وأعلى مقاماً من النبي نفسه الذي قالوا فيه أنه يخطئ ويصحح له عمر بن الخطاب أخطاءة بنزول الوحي مصدقاً له مخطئاً للنبي صلى الله عليه وآله في قضية الأسرى والحجاب وآية النطفة والعلقة في سورة المؤمنين { ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا – الكهف 5-6 } .
ولذلك قال تعالى في هذه المكيدة التي جاءت في قسم من الأحاديث وهو الخاص بمناقب الرجال والقبائل والبلدان قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا – النساء 49 } .
ثم يبين تعالى أن من هذه الطوائف المحاربة للنبي صلى الله عليه وآله في مهد الدعوة وإلى أن يشاء الله تعالى صهاينة أهل الكتاب الذين توحدت معتقداتهم نحو الحرب مع المسلمين فبعدما خطئ بعضهم بعضا وكفر بعضهم بعضا في قوله تعالى { وقالت اليهود ليست النصارى على شيئ وقالت النصارى ليست اليهود على شيئ – البقرة 113 } ومع ظهور دين الإسلام قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه قال تعالى { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير- المائدة 18 }
وهؤلاء يبين تعالى أنهم ما فعلوا ذلك إلا ابتغاء الحياة الدنيا وزينتها ولا يريدون ما عند الله تعالى قال عز وجل { كلا بل تحبون العاجلة – القيامة 20 } وقال تعالى أيضاً في إيثار هؤلاء الدنيا على الآخرة
{ بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى – الأعلى 16-17 } .
وهؤلاء الذين آثروا الحياة الدنيا سواء كاننوا كفاراً أم نافقين باسم الإسلام يفعلون كل شيئ مدعين أنهم على هذا الدين الحنيف وما هم إلا منافقون كانوا يتمنون هلاك رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا – الفتح 12 }
ثم يبين تعالى نصره لرسوله صلى الله عليه وآله على هؤلاء الكفار والمنافقين كما في قوله تعالى { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون – الأنبياء 18 } وهذا الحق قال تعالى فيه { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا – الإسراء } ثم يبين تعالى انقلاب طائفة من هذه الأمة بعد موته صلى الله عليه وآله بالإنقلاب على منهاج الوصية المأمور بها في كتاب الله تعالى قال عز وجل {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 }
ثم يبين تعالى أنه قد مد لهؤلاء في متاع الحياة الدنيا إلى حين حلول أجلهم آخر الزمان قال تعالى { بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون – الأنبياء 44 }.
وهذا المتاع فتنة قد فتنهم الله تعالى بها لقوله تعالى { فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون – الزمر 49 }
ولما عملوا وفتنوا بالدنيا وكذبوا على الله تعالى ورسوله لتكون لهم الصدارة والإمامة زوراً بالكذب على الله تعالى ورسوله فأخروا من قدمهم الله تعالى على الخلق وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وقدموا من أخرهم الله تعالى باتباع أهوائهم بعدما كذب آبائهم رسول الله صلى الله عليه وآله في دعوته إلى الله تعالى بالقرآن الكريم ثم جاء خلفهم من بعدهم ليكذبوا أهل بيت النبي في دعوتهم الإمامة المنصوص عليها في القرآن الكريم بالهوى في مقابل نصوص القرآن والسنة قال تعالى { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين – الروم 29 }
وهؤلاء قوم وصفهم الله تعالى بأنهم منافقون لا يرجعون لأحكام القرآن إلا إذا كانت لهم فإذا كانت عليهم رفضوها وأبوا الحكم بها قال تعالى {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ– النور 47-51} وهؤلاء المنافقين كانوا يحسبون أنهم على شيئ لذلك كانوا يكذبون بنزول العذاب عليهم بحجة أنهم أـمة موحدة وأنهم خير الأمم وأيديهم ملطخة بدماء أهل بيت النبي عليهم السلام لذلك كذبوا بنزول العذاب عليهم قال تعالى { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 11 } وهم في شك من ذلك العذاب لظنهم أنهم على حق بعد أن زين لهم الشيطان أعمالهم قال تعالى { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون – النمل 66 } ويقول تعالى لهم بأنه قد اقترب فقال تعالى { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين – الأنبياء 97 } وهذا الإقتراب لما سألوا عن موعده قال تعالى لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله { قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا – الجن 25 } ولو يؤاخذهم الله تعالى لعجل لهم العذاب ولكن لهم موعد قال تعالى فيه { وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا – الكهف 58 }
فإذا جاء هذا الموعد بعث الله تعالى فيهم إماما آخر الزمان ويكون أجلهم مرهوناً ببعثته قال تعالى
{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ – يونس 46-51 } وهنا الآن لأن الله تعالى ليس عنده زمن ولذلك قال تعالى { أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ –النحل 2 }
أي أن ملك هؤلاء الظالمين المجرمين المنافقين ممتداً حتى يبعث الله تعالى فيهم إماماً منهم لا يعذبهم الله تعالى حتى يبعث فيهم لذلك قال تعالى {بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين – الزخرف 29 }
وهنا الرسول إمام لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } وقال تعالى أيضا{ وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 } والرسول هنا إمام آخر الزمان يأتي بعلم لم يحيطون به من قبل فيكذبونه لقوله تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 }
وهو تأويل يقوم على بيان آيات بينات في صدورالذين أوتوا العلم قال تعالى { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون – العنكبوت 49 } وهؤلاء الظالمون لهم علامات في زمان زوال ملكهم وعلاماته :
- صعود الإنسان بمعارج يصعد بها إلى السماء الأولى قال تعالى {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14-15 } .
- تناقص الأرض على حساب البحر من طرفي الأرض شرقاً وغرباً عند طرفي الليل والنهار ويكون ذلك بالأعاصير والأمواج وتناحر اليابسة بتمدد البحر و يأتي تناقص الأرض أيضاً من جهة السماء وتمددها على حساب الأرض بمعاصي بني آدم خاصة عمل قوم لوط لورود هذا اللفظ في قوله تعالى{ أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون – النمل 55} .
- ويكون هذا التناقص من أطراف الأرض الأربعة (الشرق والغرب والجنوب والشمال) وذلك مع اقتراب الساعة وكثرة ذنوب العباد وانتشار الكفر والفسوق والعصيان ومع اقتراب القيامة قال تعالى { بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون – الأنبياء 44 }. ونقصان الأرض على حساب السماء يكون باقترابها من الأرض لذلك يقول تعالى عن الساعة { ثقلت في السماوات والأرض } أي أن السماء لها ثقل تكاد تنطبق على الأرض وعلامة ذلك تناقص الأرض كما بينا وسرعة دورانها كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله فيكون في هذا الزمان السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كإحراق السعفة … الحديث ] وتكثر الزلازل وفوران المياه في كل مكان لضغط السماء على الأرض وذلك واضح من قوله تعالى { قل أعوذ برب الفلق } وقول النبي صلى الله عليه وآله [ استعيذوا بالله من هذا الغاسق إذا وقب ] ومعروف أن القمر مسؤول عن حركة المد والجذر في البحار ونقول إنها حركة السماء واقترابها من الأرض بفساد العباد على الأرض وكفرهم بالله تعالى فتستمر السماء في الإقتراب من الأرض حتى تنطبق عليها وهو يوم القيامة و لو راجع علماء الفلك المسافة بين الأرض والغلاف الجوي في السماء سيكتشفون الحالة المرعبة التي يمر بها العالم و سيجدونه أن المسافة بين سطح الأرض وغلاف السماء في حالة من النقصان المستمر وهذا من إعجاز القرآن الكريم كتاب رب العالمين الذي بين نقصان الأرض ولأن الأرض عكسها البحر فيكون نقصانها على حساب البحر ولأن الأرض عكسها سماء أيضاً يكون نقصانها على حساب تمدد السماء واقترابها من الأرض والتي تحدث الزلازل والفيضانات والأعاصير خاصة في أطراف الأرض الأربعة .ثم تأتي بغتة كما في قوله تعالى { بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون – الأنبياء 40 }
- وعلامة ذلك جمع كل كفار الأرض للحرب مع المسلمين وإمامهم آخر الزمان فيهزمهم الله تعالى {سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر 45-46 }.
- ثم يأت دخان مبين مع اقتراب القيامة فيه عذاب أليم قال تعالى فيه : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ ۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ– الدخان 9-11 }
وهؤلاء يقول تعالى فيهم يوم القيامة عند عرضهم على النار { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا – الكهف48 }
وهنا يرجع بعضهم إلى بعض القول فيلعن بعضهم بعضا بعد هلاكهم في الموعد الذي حدده الله تبارك وتعالى لآجالهم في الحياة الدنيا قال تعالى { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون – سبأ 30-33}
وأما :
(بل الذين كفروا)
أي أن هؤلاء المجرمين كانوا يكذبون بالله تعالى ورسوله واليوم الآخر قال تعالى { بل الذين كفروا يكذبون – الإنشقاق 22 } وقال تعالى أيضاً مبيناً انهم مكروا برسل الله تعالى والمؤمنين وصدوا عن سبيل الله كما في قوله تعالى { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد – الرعد 33 } ثم يبين تعالى أنه من ورائهم محيط كما في قوله تعالى { بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط – البروج 20-19 } .
وما هذا التكذيب وهذه الحر على الله تعالى ورسوله والمؤمنين إلا تعززاً منهم وتكبراً وشقاقاً معالله تعالى ورسوله قال فيه تعالى { بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 2 } .
وأما :
(في ِعِزة)
والعزة : الترفع عن آيات الله تعالى كما في قوله عز وجل { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد – البقرة 206 } وهؤلاء يبين تعالى أنهم تعززوا بآلهتهم وقبائلهم وجندهم كما في قوله تعالى هنا { بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 2 } وكذلك كل من تعزز بسلطته وحكمه ورجاله فقد اتخذهم آلهة سواء كانت آلهة حجرية أم بشرية من حكام وقادة جند وكهنة معابد ومسؤولين بالدولة في كل زمان ومكان قال تعالى { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم وكونون عليهم ضدا – مريم 81-82 } وخلف هؤلاء دائماً يتولون الذين كفروا في كا زمان ومكان فيما يغضب الله تعالى كما في قوله عز وجل عن هؤلاء المنافقين { بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا -النساء 138-139 }
ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه واله لا يحزنك قولهم قال تعالى { ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم – يونس 65 }
و من أراد العزة فليتعزز بالله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام هى الولاية لله الحق قال تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور – فاطر 10 }
وأما :
(وشقاق)
[ والشقاق : شقه : فلقه وتشقق الشيئ تفلق صدوعاً وشاقه مشاقة وشقاقاً : خالفه – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل القاف والقاف ] وحالفه حتى يصبح هو في شق والآخر في شق آخر قال تعالى { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا – النساء35 } والشقاق مع الله تعالى ورسوله مخالفته تعالى لقوله عز وجل { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب – الانفال 12-13 }
وشقاق الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام يودي إلى جهنم لقوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115 } وبالتالي الشقاق تولي عن العمل بكتاب الله كما في قوله تعالى { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم -البقرة 137 } .
ثم يقول تعالى :
- كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوا وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
وهنا :
(كم أهلكنا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ )
[ و القرن : أهل الزمان الواحد وجمعه قرون – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والنون ] .
وهذه القرون أمماً من بعد نوح عليه السلام قال تعالى { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا – الإسراء 17}
وهذه الأمم وهذه القرون كانت أقوى ممن جاءوا بعدهم قال تعالى { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا – مريم 74 } وقال تعالى أيضاً { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص – ق36 } وهذه الأمم مكنهم الله تعالى مالم يمكن لمن جاءوا بعدهم قال تعالى { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – الأنعام 6 }
وهؤلاء أمم قد ظلموا لقوله تعالى { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين – يونس 13 } فلكا ظلموا
بطروا معيشتهم وكفروا بالله تعالى فأهلكهم الله عز وجل كما في قوله تعالى { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين – القصص 58 } فلما أهلكهم الله تعالى نادوا بالنجاة والخلاص ووالرجوع إلى الأرض مرة أخرى ليعملوا صالحاً فيما تركوا ولكن لم يجدوا من يجيبهم قال تعالى {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص – ص 3 }
فلما أهلكهم الله تعالى قال هل تحس منهم أحد قال تعالى { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا – مريم 98 } وبالتالي لما أهلكهم الله تعالى فلم يرجعوا مرة أخرى { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون – يس 31 }
وبالتالي لما أهلكهم الله تعالى أصبح الذين ورثوا مساكنهم يمشون فيها ونسوا أن الله تعالى قد أهلك من قبلهم هؤلاء بكفرهم وفي ذلك آية لمن كان له عقل قال تعالى { أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى – طه 128 } ثم يقول تعالى أفلا تسمعون قال تعالى { أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون – السجدة 26 }
وأما :
(فنادوا)
وأول من نادى للإيمان بالله تعالى هو رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار – آل عمران 193 } فإذا عصوا ربهم نادى نوحاً به عز وجل فأجابه الله تعالى كما في قوله عز وجل {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون – الصافات 75 } فلما أجابه الله تعالى نجاه عز وجل وأهله من الكرب العظيم ثم أهلك زوجته مع الظالمين قال تعالى { ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم – الأنبياء 76 } وبالتالي لما كفرت الأمم بالله تعالى نادوا يوم القيامة فلم يجبهم أحد لأنهم لم يجيبوا رسل الله تعالى في الدنيا قال تعالى { كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص – ص 3 } أي أستغاثوا فلم يجدوا لهم مغيثاً
ويوم القيامة ينادى المنادي على خلقه تعالى للحساب قال تعالى { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين – القصص 65 } ثم يقول لهم الله عز وجل أين شركائي قال تعالى { ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون – القصص 62 } فلما لم يجبهم أحد نادوا على أهل بيت النبي عليهم السلام أصحاب الأعراف الذين يعرفون أهل الجنة وأهل النار بسيماهم قال تعالى { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ – الأعراف 46 } وطلبوا منهم بأن يفيضوا عليهم من الماء او مما رزقهم الله قال تعالى {و نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين –الأعراف 50 } فلما يأسوا نادوا بأن يقضي عليهم الله تعالى ليستريحوا من عذاب يوم القيامة قال تعالى { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ – الزخرف 77 } وذلك معنى { فنادوا ولات حين مناص } .
وأما :
(ولات حين مناص)
[ ولات حرف نفي يختص بالدخول على كلمة حين وقيل تعمل فيه وفيما رادفه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الواو والتاء ] قال تعالى { ولات حين مناص } أي ليس الحين حين مناص والغرض ليس وقت استغاثة الكفار حين ينزل بهم العذاب حيث لا مفر فيه من عذاب الله .
وأما :
(حين)
وهنا يبن تعالى أن الدنيا دار اختبار قال تعالى فيه { قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين – الأعراف 24 } ثم يبين تعالى أن قريشاً كفروا بالله تعالى وكانوا يستغشون ثيابهم على رؤوسهم ووجوههم لكي لا يسمعون كلام الله قال تعالى { ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور – هود 5 } وهؤلاء مأواهم جهنم حين لا يستطيعون دفع عذاب الله تعالى عن وجوههم وظهورهم قال تعالى { لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون – الأنبياء 39 } وهنا كأن يقول تعالى في عدم إفلات هؤلاء من العذاب ولا نجاة لهم بعد اليوم قال تعالى { فنادوا ولات حين مناص} ذلك {حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون – الأنبياء 39 }
ثم يقول تعالى :
- وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4)
وهنا :
(وعجبوا أن جاءهم منذر منهم)
[ والعجب : النظر إلى شيئ غير مألوف ولا معتاد بمعنى لم يُعهد به من قبل ومن معانيها أيضاً عجب كل شيئ مؤخرته كالعصعص في الإنسان – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الجيم والباء ] وهذا هو الفارق بين الشيئ الغريب والعجيب فالعجيب هو آخر العجائب التي لم تأت من قبل قال تعالى { قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب – هود 72 }
والتعجب هنا كان من القرآن الكريم لقوله تعالى على لسان الجن { قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا – الجن 1 } .
وكذلك التعجب من بعثة نبي فيهم منذراً فقالوا هذا شيئ عجيب اي غير معهود من قبل قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } ولذلك قال تعالى أن العجب في مقالتهم هذه قال تعالى { وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – الرعد 5 } ولذلك قال تعالى في تفصيل هذا التعجب مبيناً كفرهم بالله تعالى قال عز وجل { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين – يونس 2 } وقال تعالى أيضاً { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون – الأعراف 63} وكما تعجب هؤلاء تعجبت الأمم من قبل ببعثة كل نبي فيهم فقال تعالى عن قوم عاد { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – الأعراف 69 }
والتعجب الأكبر بعد ذلك من أئمة أهل بيت النبي الهداة المهديين من بعده (صلى الله عليه وآله) والذي وصل إلى درجة التكذيب وسفك دماء أهل بيت النبي وتكفير أتباعهم ورميهم بشتى التهم من التكفير والتفسيق والتبديع لاستباحة دمائهم وذلك لورود لفظ منذر على النبي صلى الله عليه وآله والهادي من بعده هو الإمام علي عليه السلام وذلك لقوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } وهنا ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله :
[عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ – الرعد 7 } قال علي : رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر ، وأنا الهادي ، هذا حديث صحيح الاسناد ، ولم يخرجاه.- الحاكم النيسابوري – المستدرك على الصحيحين كتاب معرفة الصحابة (ر) – كان علي (عليه السلام) امام البررة ج 3 – ص 130 ) ]
[سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية : وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدره ، وقال : أنا المنذر وأومأ إلى علي ، وقال : أنت الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي ، فإن ثبت هذا فالمراد بالقوم أخص من الذي قبله أي بني هاشم- ابن حجر العسقلاني – فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن – سورة إبراهيم : 24 – باب قوله :{ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ } ج 8 ص 284 ] .
وأما :
(وقال الكافرون هذا ساحر )
أي أنه يقول تعالى أنهم لما جائهم الحق من عند الله تعالى قالوا فيه أنه سحر هم به كافرون قال تعالى { ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون – الزخرف 30 } ثم يبين تعالى أن هذا الحق عبارة عن تلاوة لآيات القرآن الكريم التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين – الأحقاف 7 }
ثم يبين تعالى أنه ماكانت حجتهم إلا أن النبي صلى الله عليه وآله يريد أن يصرفهم عما كاوا عليه وكأن آبائهم كانوا رسل وأنبياء لعنهم الله فقال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ 43 } ثم يبين تعالى أن كل الأمم من قبل كذبت رسلهم ورموهم إما بالسحر أو الجنون قال تعالى { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون – الذاريات 52 }
ثم يبين تعالى أنه قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله بأن يستفتهم أهم اشد خلقاً أمن خلقهم وخلق السماوات والأرض الذي سيميتهم ثم يحييهم و يبعثهم ليوم الحساب قال تعالى { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ – الصافات 11-21 }
وأما :
(كذاب)
وهنا يقول تعالى أن كل الأمم فعلت ذلك من قبل فقال تعالى في قوم ثمود وقتلهم للناقة من شر الأولين وكذلك ستفعل هذه الأمة بالإمام علي عليه السلام من شر الآخرين كما في الحديث [ ياعلي أتدري من شر الأولين وشر الآخرين قال الا قال شر الأولين قاتل ناقة صالح وشر الآخرين قاتلك ياعلي .. الحديث ] وعن هؤلاء يقول تعالى : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ – القمر 22-27 } وكذلك فعلت الأمم من قبل كما في قوله تعالى { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير – آل عمران 184} . وكما كذبت الأمم من قبل كذبت قريش قوم رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 } والذي كذبوا به هو الحق الذي جحدوا به واستيقنته أنفسهم ظلماً وعلواً كما قال تعالى عن فرعون { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } وكما جحد فرعون كذلك جحد هؤلاء آيات الله تعالى والحق المنزل عليه قال تعالى { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ – الأنعام 33-34 } ولذلك توعدهم الله تعالى بعقاب ناتج عن استهزاءهم بالله تعالى ورسوله في الدنيا فقال تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 } .
ثم يبين تعالى أن هؤلاء لما عفا رسول الله الله صلى الله عليه وىله عنهم في فتح مكة وقال لهم [ ماذا تظنون أني فاعل بكم قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال فاذهبوا أنتم الطلقاء –سيرة ابن هشام ] .
ثم حنثوا أيمانهم ونقضوا عهودهم وقاتلوا وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله في ذريته وحتى الآن وإلى أن يشاء الله فخرج منهم الكذب على الله تعالى ورسوله وهم يزعمون الإسلام قال تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين – الصف 7 } وهؤلاء الكذابون قسمهم الله تعالى لثلاثة أصناف الأول افتروا على الله الكذب وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله خاصة في مناقب الرجال ومفضائل القبائل والبلدان والثاني قالوا فيه القرآن ينزل موافقاً لهواه مخالفاً لرسول الله ومنهم عبد الله بن أبي السرح أخو عثمان في الرضعة والذي ولاه على مصر وفي أسباب النزول [ كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له اكتب “غفور رحيم” فيكتب “عزيز حكيم” ثم يخرج فيقول محمد لا يعلم شيئا – راجع التفاسير بن كثير والقرطبي والدر المنثور وغيرهم ] والثالث مدعوا نبوة زاعمين بأنهم يمكنهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن قال تعالى في هؤلاء الثلاثة من ذرية أعراب الجزيرة و قريش المحاربة للنبي لأن منهم من آمن أيضاً بالنبي ونصره إذ ليست كل قريش محاربة للنبي صلى الله عليه وآله { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون – الأنعام 93} .
وهؤلاء توعدهم الله تعالى في الدنيا بالهلاك كما أهلك الأمم من قبل قال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 } وقال تعالى مبيناً أنها السنن في الأمم من قبل وكل من تقلد بهم فهو واقع في سنة الله تعالى التي سنها فيهم قال تعالى
{ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – آل عمران 137 } ثم يدعوهم الله تعالى للسير في الأرض لينظروا كيف كان عاقبة المكذبين قال تعالى { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين – الأنعام 11 } ويبين تعالى أنه كان عاقبتهم انتقام الله تعالى منهم فقال تعالى{ فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين – الزخرف 25 }
يوم القيامة توعدهم الله تعالى بالجحيم فقال تعالى {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم – المائدة 86} . ثم يبين تعالى ندمهم لما فعلوه بالحياة الدنيا حينما وقفوا على النار فقال تعالى { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين – الانعام 27 } .
ثم يقول تعالى عن تعجبهم :
- أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
وهنا : وهنا :
يبين تعالى أنهم لما قالوا عن الوحي الرسالة المنزلة على رسوله صلى الله عليه وآله وقولهم إن هذا لشيئ عجيب ورموه صلى الله عليه وآله بالسحر وهنا قال تعالى فيهم باستنكار على تلك المقولة العجيبة . { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين –يونس 2}
وأما :
(أجعل الآلهة إلهاً)
وهنا يبين تعالى أنه لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا قال تعالى { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ – الأنبياء 22 } ولو كان فيها آلهة إلا الله لاختلفا وتعالى واستكبر بعضهم على بعض قال تعالى { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ -المؤمنون 91 } ولو كان فيها آلهة إلا الله لذهب كل إله بما خلق قال تعالى { قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا – الإسراء 42-43 } وبالتالي العقل والمنطق لا يقبل أن يكون مع الله ولداً أو إلاهاً آخر وبالتالي تعجبهم هنا دال على بطلان حجتهم وعدم منطقيتها لما قال تعالى هنا { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب – ص 5 } قال تعالى له صلى الله عليه وآله { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون – الزخرف 45 }
ثم أمره تعالى بأن يصدع بما يؤمر فقد كفاه الله تعالى المستهزئين قال تعالى { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ –الحجر 94-99 } .
وهؤلاء كما اتخذوا آلهة عبارة عن أصنام بين تعالى أنهم قد عملوا هذا العمل بالهوى وهو إله آخر مع الله تعالى حذر تعالى منه مبيناً أن ترك النص القرآني والعمل بالهوى إلهاَ آخر قال تعالى فيه { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ – الجاثية 23 } وهذا الإله هو الإله الثاني الذي قال تعالى فيه { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد – النحل }
ومن اتخذ إلهاً آخر غير الله تعالى فسيدخله الله تعالى في العذاب الشديد كما في قوله تعالى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد – ق 24-26 } .
وأما :
(واحداً)
والإله الواحد هو الله تبارك وتعالى كما في قوله عز وجل{ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم – البقرة 163 } وهذا الإله الواحد الأحد سبحانه وتعالى هو خالق السماوات والأرض كما في قوله تعالى { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار – الرعد 16 }
وهذا الإله الخالق أمر تعالى بالإسلام له والإستسلام لأوامره تعالى كما في قوله عز وجل { فإلهكم إله واحد فله اسلموا – الحج 34 } وهذا الإسلام بعث الله تعالى به رسل الله كما قال تعالى في سيدنا إبراهيم وبنيه { أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون – البقرة 133 } وهؤلاء الأنبياء والمرسلين ثم أئمة أهل بيت النبي هم الذين اصطفاهم الله تعالى لهداية البشر ذرية بعضها من بعض كما في قوله تعالى { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران 33-34 } وبالتالي تعجبهم هنا في قوله تعالى { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } تعجب من وحدانية الخالق عز وجل كفر به وبرسله ثم أئمة أهل بيت النبي في كل زمن حتى يإذن الله تعالى في الفصل بينهم آخر الزمان .
وأما :
(إن هذا)
{ إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم – آل عمرا ن62 } وبالتالي لا عجب في ذلك كما قالوا هنا { إن هذا لشيئ عجاب – ص }
إن هذا لشيئ عجاب)
والتعجب هنا كان ببعثة نبياً منهم كما في قوله تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 }
وتعجبوا أيضاً من النبوة و القرآن الكريم المنزل عليه وما فيه من وحدانية الإله الخالق لكل شيئ الذي أمر بعبادته تعالى كما في الآية هنا { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب – ص 4-5 }
(6) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
وهنا :
(وَانطَلَقَ)
[ والطلق بالتحريك : قيد من أدم أو من جلود والحبل الشديد الفتل ورفع هذا الطلق : إطلاق وتطليق والهمزة والتفعيل للسلب فقيل أطلق الناقة وطلقها بالتشديد : حل عقالها فطلقت فهى طالق لا قيد عليها وكذلك نعجة طالق وكل معنى من التخلية والإرسال للحيوان والإنسان هو طالق ومنه طلق الرجل امرأته أطلقها فلا قيد عليها وانطلق : ذهب ومن هنا يجيئ المطلق من القول وزالحكم لما لا قيد فيه ولا استثناء والذي من المادة في القرآن الكريم الطلاق والإنطلاق – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل اللام والقاف ] .
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى : {فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين – القلم 23-24 } وفي الآية إشارة إلى تدبير كفار قريش أمراً فيه منع أي منفعة تعود على بني هاشم وحصارهم في شعب الهواشم سنة 3 من بدأ الدعوة المكية وليس أي أيضاً مصادفة ورود هذا اللفظ أيضا على منع أهل القرية إطعام نبي الله موسى وصاحبه في قوله تعالى { فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا – الكهف 77 } أي أن قريشاً أبت إطعام رسول الله صلى الله عليه وآله وبني هاشم لذلك ذكرهم الله تعالى بأنهم ما ينبغي لهم فعل ذلك وقد من الله تعالى عليهم بالأمن وما يحتاجونه من طعام ببركة بيت الله الحرام وسيدنا إبراهيم والأنبياء من ذريته وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله قال تعالى { لإِيلافِ قُرَيْشٍ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف – قريش } وفي الآية إشارة إلى أن نزول آية { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء 214 } كانت ما بين السنة الثانية والثالثة من بدأ الدعوة قبل الحصار .
وهذا المبدأ الإبليسي الشيطاني في حصار المؤمنين من قرييش الأولى هو المعمول به منذ بدأ الخليقة وصراع ابن آدم لتجريد أخيه من نعم أنعمها الله تعالى عليه وكذلك نفس المعتقد سار عليه أهل النفاق في تجريد رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته من بعده منذ حادث فدك ومنع خمس أهل بيت النبي حتى حصار دولاً بعينها لانتهاجها نهج أهل البيت والولاية لهم وهو نفس فعل المنافقين لما قال تعالى عنهم في قولهم ( لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ) فقال تعالى { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون – المنافقون 7 } .
وهؤلاء منهم المخلفون الذين دائماً يسعون لنيل الدني ومغانمها لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ ۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ ۖ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا – الفتح 15 }
ويظل هذا المبدأ معمول به من حزب إبليس طوائف من أهل الكتاب ومعهم قريشا الآخرة التي تنفق أموالها على الغانيات والقمار والمنكرات وتمنعها عن أولياء الله حتى تبدأ علامات الساعة في الظهور مع حرباً كبرى تنزل فيها معارج من الله تعالى بواسطة ملائكة لضرب معارج شيطانية صنعها الإنسان تكبراً على الله تعالى ورسله في المؤمنين من خلقه قال تعالى هنا عن نهايتهم السوداء { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر ويل يومئذِ للمكذبين – المرسلات 29-34 }
وانطلقوا هنا أي اذهبوا في سرعة وخفة لتدبير المؤامرات وإعلان الحرب الخفية الإقتصادية والعلنية على المؤمنين وتمتعوا حتى حين حلول أجلكم وبعثة إمام آخر الزمان فيكم وهنا يكون قد حان أجل زوال ملككم قال تعالى {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ – يونس 46-51} .
وأما :
(الْمَلَأُ مِنْهُمْ)
[ والملاء : أشراف القوم ووجوههم وسموا بالملاء لأنهم يملئون العيون لمكانتهم أو لامتلائهم بما يُحتاَج إليه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل اللام والهمزة ] .
والملاء هنا دائما يكون منهم أعوان للحكام الظلمة فقال تعالى عن قوم نوح وتكذيب ملئهم بدعوته عليه السلام قال تعالى { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ – الأعراف 59-64 }
وقال تعالى عن قوم فرعون { وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم -يونس 88 } وهذا الدعاء عليهم لأنهم دائماً يفتنون المؤمنين عن دينهم قال تعالى { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين – يونس 83 }
وبني إسرائيل لما بدأوا الإنحراف عن شريعتهم قال تعالى فيهم لما علم الله تعالى ما في قلوبهم { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين – البقرة 246 } ونقول أن منهم أي بعضهم لقوله تعالى هنا { وانطلق الملاء منهم } أي بعضهم و ليسوا جميعاً وذلك المعنى أن ليس كل الملاء يكون راضياً عن السياسة الفرعونية لورود لفظ ملاء عن المؤمنين من كسان السماء في قوله تعالى { لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب – الصافات 8 } وقوله تعالى {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون – ص 69 } .
وأما :
(منهم)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى عن قريش والناس في زمن النبي صلى الله عليه وآله { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين – يونس 40 } .
أي أن الملاء الذين انطلقوا منهم هم الذين كذبوا بآيات الله تعالى وقال تعالى فيهم هنا {وانطلق الملاء منهم } .
وهذا اللفظ ووروده في قوله تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78 } يثبت أن الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله من ذرية قريشاً الأولى و هؤلاء هم الذين حسدوا رسول الله صلى الله عليه على نبوته وقالوا { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم – الزخرف 31} وقالوا أيضاً { أؤنزل عليه الذكر من بيننا – ص 8 } و كما حسدوا رسول الله صلى الله عليه وآله في نبوته كذلك حسدوا أهل بيته عليهم السلام من بعده على إمامتهم كما حسدت الأمم من قبل أنبيائهم فقتلوهم عليهم السلام قال تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا – النساء 54-55 }
وأما :
(أَنِ)
وهذا اللفظ يبين تعججبهم أولاً من رسول الله وما نزل عليه من قرآن لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون – الأعراف 63 } فلما أظهر لهم رسول الله صلى الله عليه وآله آيات الله تعالى البينات ووفيها إعجاز كذبوه و قالوا ساحر كما في قوله تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص 4 } ثم يبين تعالى أنهم قالوا هذا شيئ عجيب قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب –ق 2 }
ثم يبين تعالى بعد ذلك أنهم حاولوا إثناء رسول الله صلى الله عليه وآله عن دعوته وصرفه عنها إلى وإضلاله فقال تعالى { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما – النساء 113 }.
ويبين تعالى أن هؤلاء هم صناديد قريش لقوله تعالى {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ -القلم 10-15 } وهؤلاء قيل فيهم أن هذه الآية نزلت في [ الوليد بن المغيرة، وقيل: في الأخنس بن شريق، وقيل: نزلت في الأسود بن عبد يغوث ] .
ثم يبين تعالى أنه قد أمر باجتناب مجالسة هؤلاء المجرمين إن خاضوا في آيات الله تعالى كما في قوله عز وجل { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا – النساء 140 } .
فلما فشلوا في إثناء رسول الله صلى الله عليه وآله على ترك دين الله تعالى قالوا { أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيئ يراد – ص } ثم يبين تعالى أنهم حاولوا صرف النبي صلى الله عليه وآله عن ولاية الإمام علي عليه السلام وأهل بيته من بعده وهذا بعضاً مما أنزله الله تعالى في كتابه الكريم وقال فيه عز وجل { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل – هود 12 }
ثم يبين تعالى أن هؤلاء هم الذين تعاونوا على الإثم والعدوان وصدوا رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين عن البيت الحرام قال تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب – المائدة 2 } .
ثم يبين تعالى أن هؤلاء هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين لولا أن منعهم وكف الله تعالى أيديهم عنهم كما في قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون – المائدة 11 }
ولما أرادوا خداع رسول الله صلى الله عليه وآله فيستأذنون في النوازل كما قال تعالى { وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين –التوبة 86 } .
ومن الخداع التي فعلوها مسجد الضرار الذي شيدوه ليكون حرباً وتفرقة بين المؤمنين وكل مسجد حمل صفة تكفير المسلمين وتفسيقهم وتفريقهم فهو كمسجد الضرار الأول في صدر الإسلام و الذي حاولوا من خلاله خداع النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين وقال تعالى فيه { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ -التوبة 107-110 }
ومع ذلك نصره الله تعالى كما في قوله عز وجل { وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين –الأنفال 62 }
تحول هؤلاء وذرية منهم لمنافقين يتولون الذين كفروا ويقتلون أهل بيت النبي عليهم السلام وقد نهى الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا – النساء 144 } .
وذلك النهي لأن كثيراً منهم لا يبتغي لأمة محمد صلى الله عليه وآله أي خير قال تعالى {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم – البقرة 105 } لذلك نهى الله تعالى عن ولايتهم وأمر فقط بمودتهم والبر إليهم والقسط معهم أي حسن معاملتهم كما أنر الله تبارك وتعالى .
ولذلك بشر الله تعالى من تولاهم من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام بالعذاب الأليم فقال تعالى { بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين – النساء 138-139 } ثم يبين تعالى أنهم بنفاقهم وعملهم السيئات منها رووا مكذوبات على النبي صلى الله عليه وآله أرادوا بها إطفاء نور الله تعالى وهو ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما قال تعالى { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون – التوبة 32 }
ومن هذه الخدع افترائهم على الله الكذب فقال تعالى أنهم لا يستطيعون الوصول إللى ذلك فقال عز وجل { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين – يونس 37 }
فلما عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن الكريم كذبوا على الله تعالى في سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وآله ومن هذه المكذوبات الحكم بوثنية بيوت الله تعالى في الأرض ذات الضرحة و المقامات على أنها أوثان وأصنام تعبد تمهيداً لهدمها وأولها مسجد النبي صلى الله عليه وآله في مخالفة صريحة لكتاب الله تعالى القائل { وقال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا – الكهف } وهنا جاءوا بما خالف كتاب الله تمعيداً لهدمها كما يحدث الآن وقتل أهلها باستحلال دمائهم على أنهم عبدة أصنام محاولين هدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أو إخراج جسده الطاهر الشريف من مسجده كما صرح أحدهم بذلك على الرغم من سعي الكثير منهم للشهوات فلا يأمر ولا ينهي عن ذلك تاركين عمارة بيوت الله تعالى بالصلاة و الذكر و الإنفاق على الفقراء من خلالها و في هذا تخريب لبيوت الله تعالى كما قال عز وجل {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – البقرة 114 } وهؤلاء شاهدين على أنفسهم بالكفر كما قال تعالى { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون – التوبة 17 } .
كما أنهم بعدما حكموا بوثنية بيوت الله ذات الأضرحة والمقامات وأولهم مسجد النبي صلى الله عليه وآله قتلوا كل أهل بيت النبي وسجنوهم وأوليائهم حتى هاجروا من الحجاز إلى شتى البلاد المعمورة وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئا كما في قوله تعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما – النساء 92 }
وهنا تحولوا إلى مكذبين بآيات الله قال تعالى { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون – الروم 10 } والتكذيب منه ترك العمل بما أنزل الله كما في قوله تعالى { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 }
وهنا وقعوا وأوقعوا كل الأمة في دائرة السوء ودائرة عقاب الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى
{ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 }
ويظل هذا العذاب في هذه الأمة حتى ترجع إلى ربها وهذا لن يكون إلا بظهور إمام آخر الزمان وظهور بعض آيات الله تعالى لقوله عز وجل { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأنعام 158 } .
وأما :
(امْشُوا)
وهنا اختيار الخالق عز وجل لهذا اللفظ في هذا الموضع فيه دلالة على تكبرهم وفرحهم ومرحهم بالدنيا واستعلائهم على المؤمنين ولذلك نهى الله تعالى عن المشي في الأرض مرحاً في قوله تعالى { ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا – الإسراء 37 } وهؤلاء هم الذين كانوا يمشون حيلاء بين الناس لقوله تعالى { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور – لقمان 18 } . ومن هؤلاء الذين نزل فيهم قوله تعالى {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ -القلم 10-15 } . وهؤلاء قيل أن هذه الآية نزلت في [ الوليد بن المغيرة، وقيل: في الأخنس بن شريق، وقيل: نزلت في الأسود بن عبد يغوث ] وفي هذا اللفظ إثبات أن هؤلاء ممن حاصروا بني هاشم في شعب مكة .
وأما :
(واصبروا على آلهتكم)
أي أنه أنهم قالوا في رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كاد أن يضلهم عن آلهتهم قال تعالى {إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا – الفرقان 42} .
وأما :
(اصبروا على)
وهنا لما قالوا { أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص6 } وهنتا صبرهم على قتال النبي والحرب مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله {
ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين – الأنعام 34 }
وأما :
(آلهتكم)
وهنا يبين تعالى أم الأمم من قبل حاربوا وقاتلوا من أجل آلهتهم وحكامهم وكهنتهم القائمون عليها فقال تعالى { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ – الأحقاف 21-22 } وقال تعالى في قوم فرعون {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ – الزخرف 53-58 }
ثم يقول تعالى في قوم رسول الله صلى الله عليه وآله أنهم استكبروا على الله تعالى فقال تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ – الصافات 35-40 } .
وأما :
(إن هذا)
أي أنه يقول تعالى في كتابه الكريم { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 } وهذا القرآن الكريم فيه صحف وعقائد الأنبياء من قبل ومنهم إبراهيم وموسى لقوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ إِنَّ هَٰذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَىٰ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ – الأعلى 14-19 } وكما قالت الأمم من قبل كذلك قالت قريش أنه شيئ عجيب قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } فلما تعجبوا قالوا فيه بالظنة كفراً بالله واستكباراً أنه أساطير الأولين قال تعالى { لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين – النمل 68 } و قالوا فيه أيضاً أنه إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرين قال تعالى { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا – الفرقان 4 }
وأما :
(لشيء)
أي أنهم بعد أن قالوا فيه أنه عجيب { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } قالوا فيه أنه شيئ أو كيد ومكر يراد بهم قال تعالى فيما قالوه {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص 6 } .
وأما :
(يراد)
ويراد من المراودة وهو الخداع قال تعالى { قالوا سنراود عنه أخاه وإنا لفاعلون – يوسف 61 } والمراودة الجهد في طلب الشيئ ولو باستخدام الأساليب الخادعة قال تعالى { قال ماخطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه – يوسف 51 } وقال تعالى أيضا{ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم – القمر 37 } وبالتالي المعنى هنا في قولهم { إن هذا لشيئ يراد } أي أنها خدعة خدعنا بها بنو هاشم لترك آلهتنا اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى .
ثم يقول تعالى :
- ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق (7)
وهنا :
(ما سمعنا بهذا في)
أي أنهم قالوا ماسمعنا بهذا في آبائنا الأولين كقول قوم نوح عليه السلام { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين –المؤمنون 23-24 }
ونفس القوله قالها فرعون ملئه كما في قوله عز وجل { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين – القصص 36 }
وكما قالت الأمم من قبل قالت قريش هنا { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق – ص 7 }
وبالتالي هؤلاء وكفار كل زمان ما يقولون ولا يفعلون إلا نفس فعال آبائهم الكافرين من قبل والله تعالى موفيهم نصيبهم في الدنيا غير منقوص قال تعالى لذلك لرسوله صلى الله عليه وآله {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص – هود 109 } .
وأما :
(الملة)
و [ الملة حقاً كان أو باطلاً وأصل ذلك أن يقال في الملة الطريقة المسلوكة والسنة ويرى بعضهم أن ذلك من إملال الكتاب لأن السنة تُمل وتكتب ليعمل بها – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل اللام واللام ] ومن الإملال هو الأصوب لقوله تعالى { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى – البقرة 282 } وما يمليه ويكتبه هنا من شرائع وأحكام هى الديانة المكتوبة التي تجتمع عليها الملة الواحدة قال تعالى في الشريعة الإبراهيمية { ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين – الحج 78 } وبالتالي الملة والإملال الفرق بينه وبين الكتابه أن أهل الملة الواحدة ليس بشرط أن يكونوا على صواب إلا إذا كانوا مسلمين على ملة إبراهيم حنيفاً وذلك لأنه قال تعالى في اليهود والنصارى على الرغم من تكفير وتفسيق وقتال بعضهم بعضا إلا أن كثيراً منهم اتفقوا على الرغم من اختلافهم على عداوة المسلمين والحرب ومعهم قال تعال لذلك { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير – البقرة 120 } وقال تعالى أيضاً في ملة الكفر زمن أهل الكهف وقولهم { إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا – الكهف 20 } وهنا كأن قولهم { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة} أي أنهم لم يسمعوا بهذا القرآن وهذه الدعوة من قبل في أهل الديانات الأخرى من قبل سواء كانت سماوية أوأرضية على حد زعمهم .
وأما :
(الآخرة)
والآخرة مقابل الأولى في القرآن الكريم لقوله تعالى { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى –النازعات 25 } أي أنهم زعموا أنهم لم يسمعوا بذلك في آخر ديانة سمعوا بها .
وأما :
(إن هذا)
أي أنهم اعتبروا أن هذا مكر ومكيدة دبرها لهم رسول الله صلى الله عليه وآله لورود هذه الآيات عن فرعون وقوله في دعوة نبي الله موسى أنها مكر مكروه بالمدينة قال تعالى { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون – الأعراف 123 } وقالوا أيضاً في آيات الله التي جائهم بها نبي الله موسى عليه السلام أنها سحر مبين قال تعالى { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين – يونس 76 }
وأما :
(إن هذا إلا)
و هنا أيضاً يبين تعالى نفس الأقوال التي قالتها الأمم من قبل قالتها قريشاً الأولى بوحي من الشيطان للنبي صلى الله عليه وآله حيث كذبوه وقالوا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون كما في قوله تعالى { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا – الفرقان 4 } وقال تعالى أيضا فيما قالوه لعنهم الله بعد أن فكر و قدر كبراؤهم ثم قالوا أنه سحر مبين قال تعالى { إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر – المدثر 18-27 } فقال لهم الله تبارك وتعالى ما هو إفك ولا سحر بل هو قرآن كريم يهدي للتي هى أقوم قال تعالى { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 }
وأما :
(اختلاق)
[ واختلق القوا اختلاقاً :افتراه وهو افتعال من خلق بمعنى كذب – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل اللام والقاف ] وهذا اللفظ لم يرد في كتاب الله إلا مرة واحدة { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق – ص 7 } .
ثم يقول تعالى :
- أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لَّمَّا يذوقوا عذاب (8)
وهنا :
(أؤنزل عليه)
وهنا يبين تعالى حسد هؤلاء نزول النبوة في رسول الله وبني هاشم متمنين أن يكون هذا القرآن نزل على رجل من رجالهم فقال تعالى { وقالوا لولا نُزِل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم – الزخرف 31 } وكذلك فعل بعض أهل الكتاب معترضين على الله تعالى أن ينزل عليه خير يختصه الله تعالى دونهم قال تعالى {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم – البقرة 105 } وقال أهل الكتاب أيضاً نؤمن بما أنزل علينا ونكفر بما عداه كما في قوله تعالى {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين – البقرة 91 } .
وقلنا أن هؤلاء المحاربين بعضهم أو بالضبط أكثرهم وذلك لأن أهل النار أكثرية في كل الديانات والطوائف وبين كل الناس وهنا يبين تعالى أن منهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله لقوله عز وجل { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب – آل عمران 199 }
ثم حاربوا دين الإسلام بنشر الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله ومنه ما يعرف بالإسرائيليات ولذلك قال تعالى فيما فعلوه { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون – آل عمران 72 }
وهنا لما قال الله تعالى أن يحكم النبي بينهم بكتاب الله كما في قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة } نقموا من النبي صلى الله عليه وآهله المؤمنين وهنا قال تعالى { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون –ا لمائدة 59 }
وكما تفرق أهل الكتاب على رسول الله كذلك تفرقت قريشاً على النبي صلى الله عليه وآله قائلين حسبنا ما ألفينا عليه آبائنا كما في قوله تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون – البقرة 170 } وقالوا أيضاً لما رأوا آيات الله المعجزات { وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون – الأنعام 8} ولما رأوا آيات الله الباهرات قالوا نريد أن نرى الله تعالى عما يشركون قال تعالى{ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا – الفرقان 21 }
وهؤلاء أيضاً لما عتوا هذا العتو الكبير أعلنوا الحرب على دين الإسلام والنبي صلى الله عليه وآله بترويج المكذوبات عليه افتراءاً على الله تعالى ورسوله و لذلك قال تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون – الأنعام 93 } ثم ازدادت كرهيتهم للنبي وأهل بيته عليهم السلام لما أبلغهم بالوصية للإمام علي عليه السلام من بعده ونزل في ذلك آية البلاغ في قوله تعالى{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين – المائدة 67 } ولما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله لتلك الولاية عملاً بقوله تعالى { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون – الأعراف 3 } وهنا رأيت المنافقين يصدون عن تلك الولاية لله الحق كما في قوله تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا –النساء 61 }
ولذلك كانوا يتخلفون عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولو الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين – التوبة 86 } ولذلك ورد في روايات الصحابة [ كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ببغضهم لعلي .. الحديث ] .
وأما :
(عليه الذكر من بيننا)
اي أنه يبين تعالى أنهم قالوا { أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر – القمر 25 } وهنا يبين تعالى أن هذا القول ناتج عن شكهم في آيات الله تعالى لقوله عز وجل { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب – ص7 }
وأما :
(من بيننا)
وهنا يبين تعالى أنهم لما استكبروا واتهموه بالكذب في قوله تعالى { أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر – القمر 25 } وهنا بين تعالى أنهم في شك من ذكر الله لقوله تعالى هنا { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب – ص 8 } وذلك العذاب لأنه تعالى قد فتن بعضهم ببعض ليعلم الله تعالى من آمن به وشكره عز وجل كما في قوله تعالى { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين – الأنعام 53 } وأما الكافرين الذين قالاو بيننا وبينك حجاب فاعممل إننا عاملون توعدهم الله تعالى بصاعقة مثل صاعقة قوم عاد وثمود فقال تعالى { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون – فصلت 5 } وهنا قال تعالى لهم { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13 } .
وأما :
(بل هم)
وهنا يبين تعالى أنهم في شك من ذكر الله قال تعالى { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب -ص 8 }
وهم أيضاً في شك من الآخرة وما وعده الله تعالى فيها لقوله تعالى { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون –النمل 66 }
وأيضاً هم في شك من البعث من بعد الموت والنشور قال تعالى{ وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون – السجدة 10 } ثم يبين تعالى أن كل هذا التشكيك جدل قال تعالى فيه { وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون – الزخرف 58 } ثم تأتي أجيال وأمم من ذريتهم تعرض عن ذكر الله تعالى إلا قليلا وقال فيهم { عن ذكر الله تعالى معرضون قال تعالى{ قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون – الأنبياء 42 }
و هؤلاء آخر الزمان سيكونون في لبس من خلق سيظهر آخر الزمان وبعث من بعد الموت في خلق جديد ولاحظ هنا أن القرآن الكريم لم يستخدم لفظ تكذيب بل هم في لبس أي أمر ملتبس عليهم ليسوا على يقين منه ووهو خلق إمام آخر الزمان ثم اللبس في وعد ووعيد ما بعد الموت وهو حال المنافقين ومنهم المكذبين بعذاب القبر وما بعد الموت من انتقام إلهي للمجرمين قال تعالى { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد – ق 15 } وفي زمان هذا الخلق الجديد آخر الزمان يكون قد حل زمان عذاب أكثر أهل الأرض بكفرهم وفسوقهم وعصيانهم بالدخان الذي قال تعالى فيه { بل هم في شك يلعبون فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم – الدخان 9-11 }
ويوم القيامة هؤلاء سيكونون مستسلمين لما سيقضيه الله تعالى فيهم كما في قوله تعالى { بل هم اليوم مستسلمون – الصافات 26 }
وأما :
(في شك)
أي أنهم قالوا كما قالت الأمم من قبل أنهم في شك من دعوة أنبيائهم ورسلهم قال تعالى { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – إبراهيم 9} .
وكذلك فعل هؤلاء كما فعلت الأمم من قبل قال تعالى { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب – الشورى 14 } وهؤلاء لهم أجل آخرالزمان ولولا هذا الأجل لقضى فقال تعالى في المحاربين للإسلام والنبي وأهل بيته من أهل الكتاب { ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب – هود 110 } وكذلك نفس الوعيد للذين تفرقوا على أهل بيت نبيهم عليهم السلام كما في قوله تعالى { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب –الشورى 14 }
وأما :
(من ذكري)
وهنا أيضاً يبين شك هؤلاء في الآخرة وما وعدهم الله تعالى فيها فقال عز وجل { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا -النازعات 42-26 } وهذا هو شكهم في ذكر الله كما قال تعالى هنا { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب – ص 8 }
وهنا يبين تعالى أن هذا إعراض منهم عن ذكر الله تعالى قال تعالى فيه { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ – الشعراء 4-6 } ثم يبن تعالى خروج أجيال ستعرض عن ذكر الله كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون –السجدة 22 } وهؤلاء يقول تعالى الويل لهم من ذكر الله كما قال تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين – الزمر 22 } .
وهؤلاء كانوا في غطاء عن ذكر الله وما كانوا يسمعوا ولا يطيعوا أمر الله فأدخلهم الله تعالى جهنم كما في قوله تعالى : { وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا – الكهف 100-106 } .
وأما :
(بل)
أي أنه يقول تعالى { بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب –ص8 } ومع هذا الشك اتهموه صلى الله عليه وآله بالجنون كراهية للحق المنزل عليه من الله تعالى الحق المبين حاشا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فقال تعالى { أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون – المؤمون 70 } ثم يبين تعالى أنهم اتهموه صلوات الله وسلامه عليه بالإفتراء قال تعالى {
{ أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون – السجدة 3 } وكما تعجبوا وسخروا وشكوا في دين الله والنبي صلى الله عليه وآله وشاقوا الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ – ص 2 } ثم كذبوه قائلين لعنهم الله { مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ۚ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي ۖ بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ص 7-8 } وهنا تعجب منهم النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى عن تعجبه صلى الله عليه وآله وسخريتهم منه لعنهم الله { بل عجبت ويسخرون – الصافات 12 } ثم يقول تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وىله أتاهم بالحق وأنهم كاذبون { بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون – المؤمنون 90 } ثم يأمره تعالى بأن يعبد الله تعالى ويكون من الشاكرين قال تعالى { بل الله فاعبد وكن من الشاكرين – الزمر 66 } ومن الشاكرين أي من الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وعملوا بالوصية وتولوا الإمام علي ولم ينقلبوا على نهج الوصية التي أمر بها الله تعالى ووصى بها نبي الله نوح وإبراهيم والأنبياء من ذريتهم عليهم السلام قال تعالى في هؤلاء الشاكرين أنه سيجزيهم الله تعالى في قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين –آل عمران 144 } .
ومما كذبوا به أيضاً الآخرة والساعة و منها وعيد آخر الزمان لذلك قال تعالى { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 11 } وهم منها في شك وعنها عمون عما أعده الله تعالى لهم من عذاب إن ماتوا على كفرهم قال تعالى { بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون – النمل 66 } ومن هؤلاء منافقين سيفعلون الكبائر ويقولون أنهم خير أمة أخرجت للناس وقال تعالى فيهم { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 } .
وهؤلاء ماداموا قول بلا عمل أو قول يخالف العمل فهم منافقون إن كان لهم الحق حكموا به وإن خالف القرآن مصلحتهم رفضوه وأبوا حكمه وقال تعالى في هؤلاء { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – النور 48-51 } وهؤلاء المنافقون بين تعالى أنه سيمدد لهم في دولتهم حتى يوفيهم الله تعالى نصيبهم في الدنيا غير منقوص فإذا تسارعت حركة الليل والنهار وبدأت سواحل الأرض في الإنقراض من أقصى الشرق والغرب وانتشرت الزلازل ووانفجرت البراكين وعلت الأمواج فتلك علامات حلول زمن هلاكهم قال تعالى { بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون – الأنبياء 44 } وبداية هلاكهم ببروز إمام آخر الزمان وتأويل للقرآن تكون الأمة قد نسته بفعل انتشار إفتراءات الكذب على الله تعالى وروسوله آخر الزمان ويكون هلاكهم فيه قال تعالى : { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وهذا التأويل بين تعالى أنهم لم يحيطوا بعلمه من قبل في قوله تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 }
وأما :
(لَّمَّا)
و لما ورد في معجم المعاني أنها :
[حَرْفُ جَزْمٍ تَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ وَتَخْتَصُّ بِهِ، تَنْفِيهِ وَتَقْلِبُهُ مَاضِياً كَلَمْ إِلاَّ أَنَّهَا تُفَارِقُهَا فِي خَمْسِ حَالاَتٍ أ- لاَ تَقْتَرِنُ بِأَدَاةِ شَرْطٍ، فَلاَ يُقَالُ : : (إِنْ لَمَّا تَقُمْ ):- بَلْ :- (إِنْ لَمْ تَقُمْ ) .
ب- إِنَّ مَنْفِيَّهَا مُسْتَمِرُّ النَّفْيِ إِلَى الْحَالِ : :- لَمَّا يَكُنْ وَقَدْ يَكُونُ.
ج- إِنَّ مَنْفِيَّ لَمَّا لاَ يَكُونُ إِلاَّ قَرِيباً مِنَ الْحَالِ.
د- إِنَّ مَنْفِيَّ لَمَّا مُتَوَقَّعٌ ثُبُوتُهُ :{ بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ – ص8 }….- معجم المعاني ] .
وهنا يبين تعالى أنه لما بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله كذبه قومه كما في قوله تعالى { فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ – الأنعام 5 } وقالوا هذا سحر مبين كما في قوله تعالى { فلَمَّا جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين – يس 76 }
وفي أهل الكتاب يبين تعالى أنهم قد أنكروا نبوة النبي صلى الله عليه وآله بعدما كانوا يستفتحون في حروبهم به على الذين كفروا فينصرهم الله تعالى قال عز وجل { وَلَمَّا جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين – البقرة 89 } ثم يبين تعالى أنهم بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله فقد نبذوا كتاب الله تعالى وراء ظهورهم قال تعالى { وَلَمَّا جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون – البقرة 101 } ثم يبين تعالى أن تكذيب قريشاً الأولى هذا لأنهم مازالوا لم يذوقوا عذاب لأن لهم أجل لا ريب فيه فهم بين عذابين قال تعالى فيهما { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } ولذلك قال تعالى هنا عن الفترة بين العذابين بسبب كفر الآباء السلف ونفاق الأبناء الخلف قال تعالى { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بللَمَّا يذوقوا عذاب – ص 8 } .
وأما :
(يذوقوا عذاب)
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء المجرمين ما كانت صلاتهم عند البيتإلا التصفيق والصفير قال تعالى { وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – الأنفال 35 } فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وىله بديناً قيماُ ملة إبراهيم حنيفاً كذبوه و:ان صلاتهم بالصفير والتصفيق وهم عراة أفضل من كتاب الله المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله فكذبوه بكفرهم كما في قوله تعالى هنا { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب – ص 8 }
وهذا العذاب يبين تعالى أنهم بين عذابين في الدنيا الأدنى والأكبر وهو في الآخرة قال تعالى { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون –السجدة 21 } وهذا العذاب فصله تعالى انه سيحل بهم بتفرقهم على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وإمامة أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – آل عمران 103-107 } فلما تفرقوا على كتاب ربهم وسنة نبيهم وولايةأهل بيته عليهم السلام ضرب الله تعالى قلوبهم ببعض فتفرقوا واختلفوا حتى سفك بعضهم دماء بعض كما في الحديث الذي قاله النبي صلى الله عليه وآله لبعضاً من صحابته ب لترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض – رواه البخاري ] وهنا قال تعالى لذلك محذراً ومنذراً { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 } وهذا العذاب آخر الزمان يكون على يد إمام آخر الزمان الذي سيقاتلهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن جهاد الكفار والمنافقين { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين – التوبة 14 } وذلك العذاب سيأتي بعد فترة طويلة من متاعهم بالحياة الدنيا حتى تكثر وتفيض قال أموالهم وأولادهم فقال تعالى فيهم كما قال في آبائهم { فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون – التوبة 55 } وهذا العذاب له جذور أن سلفهم وآبائهم كفروا بكلمة لا إلا إلا الله محمد رسول الله وجاء خلفهم لم يحقق أيضاً شروط لا إله إلا الله من النفي و إثبات الألوهية لله تعالى بالطاعة والعمل بما أنزل الله قال تعالى { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ الصافات 35-39 }
وبعدما كفروا أعلنوا إسلامهم نفاقاً ثم هموا بقتل النبي صلى الله عليه وآله فخرجت ذرياتهم تميل إلى سفك دماء المسلمين باريحية وبلا وازع من دين أو ضمير قال تعالى في سلف هؤلاء الذين يتسمون بالخسة والنذالة ونقض العهد وسفك الدماء و الشهوانية و التبذير و بغض شرع الله تعالى والعاملين به خاصة أولياء أهل بيت النبي ومحبيهم عليهم السلام يكرهون العفة ويحبون الفجور ويقبلون الكذب ويعملون به ويكرهون الأمانة و الصدق والصادقين وكل هذه الصفات الملعونة التي ابتلى بها رسول الله صلى الله عليه وىله ابتلى بها أهل بيته من بعده وإلى أن يشاء الله تعالى في الفصل بينهم وبين المؤمنين قال تعالى فيما فعله منافقي قريشاً الأولى من محاولة قتل النبي صلى الله عليه وآله { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير – التوبة 74 } .
وهؤلاء لهم عذاب كبير آخر الزمان مازالوا في انتظار نزوله عليهم وهى صاعقة فقال تعالى عن كفرهم في أوائل سورة فصلت { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ – فصلت 5 } ثم ذكر الله تعالى ىياته في خلق سبع سماوات في ستة أيام ثم قال تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ – فصلت 13-18 } .
وهذا العذاب سيكون من خلال حرب كبرى ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى بعد انتشار جرائم الأمم من قبل كعمل قوم لوط بينهم وانتهاج النهج الفرعوي حيث قال تعالى { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ -القمر38-43}.
وهؤلاء بين قريشاً الأولى والآخرة التي سيهلكها الله تعالى بهذه الصاعقة في ملاحم آخر الزمان وذلك بدعاء النبي عليهم صلى الله عليه وآله [ عن ابن عباس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا» – رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب ] .
ولذلك بين تعالى أن هذه الأمم التي كفرت بالله تعالى في كل زمان ومكان منذ أول أمة آخر الأمم . وبالتوالي عند قذفهم في النار سيلعن ويتبرأ بعضهم من بعض كما في قوله تعالى{ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ – الأعراف 38-39 } .
وهؤلاء في الآخرة لهم عذاب أليم وهو العذاب الأكبر قال تعالى فيه { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما – النساء 56 } . وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها كما في قوله تعالى { كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق – الحج 22 }
ثم يقول تعالى :
- أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
وهنا :
(أم)
و أم ترد في وهذا استفهام استنكاري عند قوله تعالى { أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون – البقرة 140 } وكأن الله تعالى يستنكر عليهم ادعاء أن نبي الله إبراهيم كان يهوديا أو نصراننيا ولم يك حنيفاً مسلماً وكأن الله تعالى يصحح معتقد من خلال هذا الإستفهام الإستنكاري على أعمال سيقع فيها الناس كحسدهم أهل بيت النبي عليهم السلام في قوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 }
ولذلك يقول تعالى في استفهام استنكاري في كل ما تقولوه على النبي صلى الله عليه وآله وكتاب الله تعالى افتراءاً وكذباً على الله تعالى ورسوله : { فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون كما زعم هؤلاء المفترين ثم ينكر تعالى عليهم كل معتقدهم الباطل ويفصله في قوله تعالى : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ – الطور 29-43 }
وأما :
(أم عندهم)
أي أنه يقول تعالى في كفرهم بنبوته صلى الله عليه وآله والبعث من بعد الموت والنشور وهذا غيب لا يعلمون عنه شيئ لذلك قال تعالى {أم عندهم الغيب فهم يكتبون – الطور 41 & القلم47}
ثم يستفهم عليهم مستنكراً هل عندهم خزائن الله تعالى وهم المسيطرون عليها قال تعالى { أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين – الطور -37-39 }
وأما :
(خزائن)
هنا يبين تعالى أن لله تعالى خزائن السماوات والأرض قال تعالى { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون –المنافقون 7 } وقالت تعالى { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم – الحجر 21 }
ثم يبين تعالى أن هؤلاء المجرمين حتى و لو كانوا يملكون خزائن رحمة الله التي لا تنفد فسيمسكونها بخلاً وشحاً قال تعالى { قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا – الإسراء } .وهنا يبين تعالى أن هؤلاء حتى لو ملكوا خزائن رحمة الله تعالى التي لا تنفد لوزوعوها طبقاً لأهوائهم ومنعوها عمن يشاؤون بأهوائهم ولو عاملهم الله تعالى بعدله فلا يستحقون شربة ماء كما في الحديث الشريف [ ” لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة فما سقى منها كافر شربة ماء “… الحديث ] .
وأما :
(رحمة ربك)
وهنا يقول تعالى مبيناً عدله تعالى ومن عدله تعالى أنه يطعم ويسقي ويرزق من كفروا به عز وجل قال تعالى مستنكراً : { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون – الزخرف 32} .
وأما :
(العزيز)
والعزيز أي الذي لا يغلب لقوله تعالى { وعزني في الخطاب – ص 23} و قال تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا – فاطر 10 } أي من أراد الغلبة والنصرة فليتعزز بالله تبارك وتعالى و بالتالي بيده سبحانه وتعالى الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء كما قال تعالى : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير – آل عمران 26 } .
وأما :
(الوهاب)
[ ووهبه الشيئ : أعطاه إياه بلا عوض ] فهو يهب المال والولد للخق مؤمنهم وكافرهم بلا مقابل قال تعالى { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين – الحج 37 } ولذلك يقول تعالى أنه يهب الذكور والإناث لكل الخلق في قوله تعالى { لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير – الشورى 49-50 } وقال تعالى أيضاً في وهبة الذرية الصالحة لنبي الله إبراهيم عليه السلام { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء – إبراهيم 39 }
وهو الذي يهب الملك لمن يشاء كقول نبي الله سليمان في دعائه { قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب – ص 35 } وهو الذي يهب الحكم أيضاً كدعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام { رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين – الشعراء 83 }
والرحمة بكافة أشكالها وأنواعها في الدنيا والآخرة من الله تعالى لقوله عز وجل في دعاء المؤمنين { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب – آل عمران 8 } والرحمة هنا قد تكون الذرية والقناعة والرضا والبركة ومن هذه الرحمة أيضاً الحكم بما أنزل الله بأن يورث الله تعالى المؤمنين بعد هلاك الظالمين .
وهنا يستنكر الله تعالى على هؤلاء المجرمين هل يقدرون على ذلك لجميع خلقة بين سماواته وأرضه إنسهم وجنهم وبهائمهم ومالا نعلمه من خلق آخر ولذلك قال تعالى هنا { أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب – ص 9 } .
ثم يقول تعالى :
- أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب (10)
وهنا :
(أم لهم)
أي أنه يقول تعالى في هؤلاء مستنكراً عليهم كفرهم بالله تعالى وتكذيبهم رسولهم { أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون – الطور43 } وهل هذه الآلهة ستمنع الموت عنهم وتدفعه عنهم قال تعالى { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون – الأنبياء 43 }
ثم يسأل عز وجل مستنكراً عليهم في سؤال لن يجدوا له إجابة ماذا خلقوا من الأرض أم هم شركاء للخالق عز وجل شاركوه في خلقتها وصناعتها قال تعالى { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا – فاطر 40 }.
ثم يسأل عزوجل هل لهم نصيب في هذا الكون حتى ولوكان لهم نصيب فلن يؤتوا المؤمنين نقيراً لشدة كراهيتهم لكل ما هو على صراط مستقيم قال تعالى { أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا – النساء 53 } أي [ بل ألهم حظ من الملك, ولو أوتوه لما أعطوا أحدًا منه شيئًا, ولو كان مقدار النقرة التي تكون في ظهر النَّواة ؟.- التفسير الميسر ]
ثم يبين تعالى أنه سميع لدعاء المؤمنين مجيباً لهم يرى أعمال العباد ويحصيها عليهم ويدافع عن المؤمنين فهل هذه الآلهة تسمع أم ترى كما قال نبي الله إبراهيم لهم { هل يسمعونكم إذا تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون – الشعراء 72-74 } ولذلك قال تعالى لهؤلاء وآلهتهم الصماء البكماء وشركائهم الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراص ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون – الأعراف 195 } أي [ ألهذه الآلهة والأصنام أرجل يسعَوْن بها معكم في حوائجكم ؟ أم لهم أيدٍ يدفعون بها عنكم وينصرونكم على من يريد بكم شرًا ومكروهًا؟ أم لهم أعين ينظرون بها فيعرِّفونكم ما عاينوا وأبصروا مما يغيب عنكم فلا ترونه؟ أم لهم آذان يسمعون بها فيخبرونكم بما لم تسمعوه؟ فإذا كانت آلهتكم التي تعبدونها ليس فيها شيء من هذه الآلات, فما وجه عبادتكم إياها, وهي خالية من هذه الأشياء التي بها يتوصل إلى جلب النفع أو دفع الضر؟ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين من عبدة الأوثان : ادعوا آلهتكم الذين جعلتموهم لله شركاء في العبادة, ثم اجتمعوا على إيقاع السوء والمكروه بي فلا تؤخروني وعجِّلوا بذلك, فإني لا أبالي بآلهتكم; لاعتمادي على حفظ الله وحده.- التفسير الميسر ] .
ثم يسأل الله تعالى هؤلاء المجرمين بالعقل قائلاً ماذا خلقوا من الأرض أي ما خلقوه من العدم ولم ولا يفعل ذلك إلا الله تبارك وتعالى لذلك قال { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين – الأحقاف 4 }
ثم يتكلم عز وجل عن جيل آخر من ذرية هؤلاء الكفار المجرمين الأوائل سيعمل بمكذوبات شرعها سلفهم قال تعالى فيها { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشوورى 21 } ثم يبين تعالى لو أن لهم شركاء سموهم وبينوا من هم الذين شاركوا الخالق في خلقه قال تعالى : { أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين – القلم 41 }
وفي زمن هؤلاء آخر الزمان بين تعالى أنهم سيرون بأعينهم صناعات بشرية سيفتنون بها كثير من الناس لذلك بين تعالى لهم ذلك قبل اكثر من ربعمائة سنة وألف ذلك العمل أنهم سيصعدون إلى السماء الأولى بمعارج قال تعالى فيها { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14-15 } ولذلك قال تعالى { أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب – ص 10 } والإرتقاء في السباب صعود في السماء بأعلى ما يمتلكه افنسان من علم كما قال فرعون لهامان { وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب – غافر 36-37 } وهذه الأسباب آخر الزمان كما بين الله تعالى معارج سيعرجون بها للسماء الأولى يتجسسون ويتلصصون بها على خصومهم ولذلك قال تعالى فيها بموضع آخر من كتاب الله أنها سلم يدخل فيه الإنسان ولا يصعد فوقه كما هو معروف ومعتاد ولكن القرآن بين أنه جسم سيسمح بدخول بني ىدم داخله للتجسس من فوق السحاب قال تعالى { أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين – الطور38 } , ولذلك يقول تعالى هنا { أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب – ص 10 } .
وأما :
(ملك السماوات والأرض)
وهنا كأنه يقول تعالى { له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير – الحديد 2 } فهل من شركائهم من يحيي ويميت .
وأما :
(السماوات والأرض)
أي أنه يقول تعالى هنا هل هم من خلق السماوات والأرض قال تعالى { أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون – الطور 36 } ثم يستنكر الله تعالى عليهم ما صنعوه من صناعات بأشياء خلقها الله تعالى ومواد في أرضه فهل خلقوا خلقاً كخلق الله فتشابه عليهم قال تعالى { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار – الرعد 16 } .
وأما :
(فليرتقوا)
[ ورقى في السلم ورقيه ورقى إلى الشيئ رُقياً : على وصعد – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل القاف والياء ] قال تعالى { وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا – الإسراء 90-94 } وبالتالي قوله تعالى هنا { أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ – ص 10 } أي [ أم لهؤلاء المشركين مُلْك السموات والأرض وما بينهما فعلموا أسبابها و كيفيه بناءها وما قدره تعالى فيها للعباد فهل يقدرون على ذلك ؟ ] .
وأما :
( في الأسباب)
[ الأسباب : الوسيلة وكل ما يتوصل به إلى الشيئ أو نتائج – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الباء والباء ] قال تعالى { فآتيناه من كل شيئ سببا فأتبع سببا – الكهف } أي كل ما يريده من مادة لتحقيق ما يصبوا إليه وهذه المواد لن تخرج عن كونها حجارة أو حيداً قال تعالى مبيناً أن أكبر ما سيصنعه ابن آدم لن يخرج عن الحديد والمعادن قال تعالى { قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا – الإسراء 50-51 } وقد استخدم فرعون هذه المواد وهذه الأسباب ليصنع بها بنيان شاهق في السماء ليطلع إلى إله موسى عليه السلام فقال تعالى { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ – غافر 36-37 } .
ولذلك قال تعالى هنا لهؤلاء المجرمين في كل زمان ومكان حتى قيام الساعة { أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب – ص 10 } .
ثم يقول تعالى في هؤلاء المجرمين آخر الزمان الذين هم على نفس نهج سلفهم ولكن باستخدام الدين كما قال تعالى { وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون – المائدة 61 } .
وهؤلاء الأحزاب من كفار ومنافقين محاربين لله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام آخر الزمان باستخدام الدين وما شرعوه من الدين بمالم يأذن به الله أيضا سيحاربون الله تعالى ورسوله وسيقتلون أهل بيته عليهم السلام وشيعتهم وأنصارهم كما فعل سلفهم والأمم من قبل حتى يقضي الله تعالى فيهم آخر الزمان وهؤلاء هم الأحزاب وسيهزمهم الله تعالى كما في قوله تعالى هنا :
- جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب (11)
وهنا :
(جند)
وهؤلاء الجنود هنا هم الذين يقولون في كل الأرض بنظرية الطاعة العمياء للقادة والكبراء والمفترض أن لا طاعة إلا في معروف وليست مطلقة لأنها لله تعالى اإله الخالق ومن فعل ذلك فقد نصب نفسه إلهاً مع الله تعالى المفترض الطاعة قال تعالى {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون – يس 74-75 }
وهؤلاء هم جنود إبليس لأنهم بالطاعة العمياء للقادة كل قيادات جيوشهم وقعت ضحية الطاعة العمياء للدول الأكبر والأقوى منها وعلى رأسهم قوى كبرى من أهل الكتاب محكومة بواسطة عدة عائلات صهيونية تحكم العالم فوقعوا جيعاً تحت سيطرة بني إسرائيل يهود وهنا كما قال تعالى { ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا – الإسراء } والنفير كثرة الأتباع الذين ينفرون للدفاع عنهم والقتال من أجلهم و هؤلاء جنود إبليس لقوله تعالى فيهم : { فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون قالوا تلالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين – الشعراء 94-97 } .
وهؤلاء سيمد لهم الله تعالى في متاع الحياة الدنيا والضلال وظلم واستضعاف كل شعوب الأرض وفي الحديث [ لا يظهر المهدي إلا عندما تملئ الأرض ظلماً وجوراً فيملؤها قسطاً وعدلا .. الحديث ] وهنا يكون قد مد الله تعالى لهم الظلم والضلال ولا يشعرون بما أعده الله تعالى لهم في الدنيا والآخرة قال تعالى { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا – مريم 75 } وأضعف جنداً لأن الله تعالى سيمد حزبه المؤمنين بجنود عندما يأذن عز وجل بتسليط بعضهم على بعض قال تعالى { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } وقال تعالى ايضاً { ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم } وهنا إذا تسلط بعضهم على بعض بإذن الله ليحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين سيعلمون منهم أضعف جندا { حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا – الجن 24 } أي قل جندا { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا – مريم 75 } وهؤلاء مهزومين بإذن الله كما في الآية هنا { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص 11 }
ويكون الغالب هنا جند الله تعالى كما في قوله عز وجل {إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون – الصافات 172-173 } ويكون النصر بجنود تنزل على المؤمنين من السماء ولا يعلم جنود ربك إلا هو قال تعالى { وما يعلم جنود ربك إلا هو – المدثر } ولذلك قال نبي الله سليمان عن ملكة سبأ { وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون – النمل 17 } .
وكما قال تعالى في مؤمن ياسين { وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين – يس 28}
وقوله تعالى في بيعة الرضوان { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين – التوبة 26 }
وفي آخر الزمان وعد الله تعالى المؤمنين وعداً بالإستخلاف في الأرض وإهلاك كل من آمن بالنهج الفرعوني في إدارة شؤون البلاد على الأرض قال تعالى { طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ – القصص 1-6 } وذلك آخر الزمان في أمم اتخذت فرعون إماماً لهم في إدارة البلاد قال تعالى فيهم { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون –القصص 41 } . وهنا يقول تعالى في هؤلاء { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص } ثم يقول تعالى من يقدر على الله تعالى و جنوداً أرسلها لهلاك الظالمين قال تعالى : { أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور – الملك 20 } .
وأما :
(ما)
وهنا يقول تعالى مبيناً أن هذه الجنود لا تنزل إلا بعد سفك جنود إبليس للدماء وفعلهم أفعال أبشع مما فعله سلفهم في مؤمن ياسين قال تعالى { وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كانوا منزلين – يس } . ويقتلون المؤمنين وهذا بين تعالىأنه لا يفعله إلا كافراً بالله تعالى كما في قوله عز وجل { سورةالنساء – وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ – النساء 93}
وهؤلاء طائفة من محاربي المسلمين من أهل الكتاب الذين قال تعالى فيهم { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم – البقرة105} وهم باستمرار يحاولون إضلال المسلمين عن دينهم لقوله تعالى في الطائفة المحاربة منهم { ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم و ما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون –آل عمران 69 }
وقال تعالى في استمرارية حربهم للمسلمين { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردونكم عن دينكم إن استطاعوا –البقرة 217 } وهؤلاء كلا منهما يدعي أنه على حق والباقي على باطل فقال تعالى لهم { ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين –آل عمران 67 } ثم يبين تعالى أن من هؤلاء المحاربين طائفة زعمت الإسلام وانقلبت على النبي وقتلت أهل بيته عليهم السلام وقالتعالى هنا { و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمرا ن144} وهؤلاء هم الأحزاب وسيمتعهم الله تعالى إلى حين قال تعالى { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا ب ما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون – الأنعام 44 } فإذا جاء موعد هلاكهم سلط الله تعالى عليهم المؤمنين وتكون هزيمتهم كما قال تعالى { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص }
وهذه وعود وعدها الله تبارك وتعالى للمؤمنين في الدنيا والآخرة وقال تعالى أن المؤمنين يدعون ربهم بها كما في قوله تعالى { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد – آل عمران 194 }. وما وعدهم الله تعالى هو النصر إذا نصروا دين الله تعالى والمستضعفين كما قال تعالى { و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا – النساء 75 } وهنا يهزمهم الله تعالى كما في الآية .
وأما :
(هنالك)
[( هنا ) للقريب من المكان و ( هنالك ) للبعيد و ( هناك ) للوسط . ويشار به إلى الوقت – القرطبي عن قوله تعالى { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا – الأحزاب 11 } وهنالك تعني عند ذلك – تفسير البغوي سورة الأحزاب 11 } ]
وهذه الوقائع التي سيهزمون بها ههؤلاء مصر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن سحرة فرعون { فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين قالوا آمنا برب العالمين – الأعراف 119-120 } ويقول تعالى في هذا الحزب آخر الزمان { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص 11 } ويكون ذلك في زمن بعثة إمام آخر الزمان لقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء } وقال تعالى أيضاً { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون -القصص 59 } وهنا يكون هلاك الظالمين ببعثة إمام آخر الزمان يحق الحق ويبطل الباطل كما في قوله تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون – غافر 78 }
ويكون هذا النصر والغلبة للمؤمنين الذين تولوا الله حق ولايته أي تولوه تعالى ورسوله صلى الله عليه وآهل بيته عليهم السلام قال تعالى { هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا – الكهف 44 } وذلك النصر على الذين خرجوا على ولاية الله الحق كما قال تعالى هنا { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص } وهنا يبتلى المؤمنون كما ابتلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته في غزوة الأحزاب وقال تعالى فيهم { هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا – الأحزاب 11 }
وهنا ينزل الله تعالى عليهم ملائكة بالنصر فلا ينفعهم إيمانهم وسيخسر هنا الكافرون قال تعالى { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون – غافر 85 } وسيخسر هنا أهل الباطل لقوله تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون – غافر 78 }
وهنا تبلوا كل نفس ما أسلفت وسيضل عنهم من كانوا يطيعونهم وويتولونهم من دون الله كما قال تعالى { هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون – يونس 30 } وبعد مماتهم يدخلون النار ويلقون فيها من مكان ضيق قال تعالى فيه { وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا – الفرقان 13 } .
وأما :
(مهزوم)
[و انهزم الجيشُ مُطاوع هزَمَ: انكسرت شوكته، غُلب وقُهِر ] وهذه الهزيمة تكون آخر الزمان عندما يقع العالم في كل ما فعلته الأمم من قبل من كفر بالله تعالى وسفك دماء الأنبياء والصالحين و اتخاذ بعضهم بعضاً آلهة مطاعة من دون الله بحجة السمع والطعة للقيادات والساسة والظلم وسفك الدماء والزنا وعمل قوم لوط وبخس الميزان والربا وهنا قال تعالى في هؤلاء أنهم سيهلكهم الله تعالى وما هم خيراً من سلفهم الذين فعلوا تلك الجرائم وهنا يقول تعالى بعد ذكر قوه نوح وعاد وثمود ولوط وفرعون { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعةأدهى وأمر – القمر 43 – 46} . وهؤلاء قال تعالى فيهم { جند ماهنالك مهزوم من الأحزاب – ص } .
وأما :
(من الأحزاب)
[ والحزب : كل طائفة جمعهم الإتجاه إلى غرض واحد وجمعه أحزاب – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الزاي والباء ] قال تعالى أن الأمم التي كفرت من قبل من الأحزاب وهؤلاء ينتظرون صيحة مثل صيحة هؤلاء الذين أهلكهم الله تعالى قال تعالى { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ ۚ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ وَمَا يَنظُرُ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ -ص 12-15 }. وهؤلاء قال تعالى فيهم { كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب – غافر 5} . وآخر هؤلاء الأحزب المختلفين على نبي الله عيسى عليهم السلام وقال تعالى فيهم { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ الزخرف 63-65 }
ومن الأحزاب من أمة محمد صلى الله عليه وآله قوم اختلفوا على كتاب ربهم وسنة نبيهم وولاية الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – هود 17 } [ وفي الحديث [ عن الإمام علي (عليه السلام ) رسول الله (صلى الله عليه وآله) على البينة وأنا الشاهد منه … الحديث الدر المنثور وشواهد التنزيل ] والمختلفين عليه هم الأحزاب قال تعالى { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم – مريم 37 } . وهؤلاء الأحزاب المختلفين على الإمام علي عليه السلام هم الذين قال تعالى فيهم { ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون – الروم 31-32} وكان اختلافهم عبارة عن إنكار بعض ما نزل من الكتاب وهذا هو ولاية الإمام علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام من بعده قال تعالى { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك و من الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب – الرعد 36 } وهؤلاء استحوذعليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله كما في قوله تعالى { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون –المجادلة 19 } .
وهذا الحزب كما قلنا هم الذين أنكروا ولاية الإمام علي عليه السلام واختلفوا عليه لصالح آبائهم وأجدادهم وقبائلهم لذلك قال تعالى مبيناً أن من تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهو المؤمن ومن تولى غيرهم ليس بمؤمن قال تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون – المجادلة 22 } أي أن هذا الحزب هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وهم المفلحون وهم الغالبون كما في قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة 55-56}
والويل لهؤلاء المختلفين على ولاية الله الحق آخر الزمان كما في الآية هنا { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص } وفي الآخرة الويل لهم من مشهد يوم عظيم قال تعالى { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم –الزخرف 65 }.
ثم يقول تعالى :
- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (13) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ ۚ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
وهذه الأحزاب من الأمم السابقة والمختلفين مع النبي وأهل بيته عليهم السلام يبين تعالى أنه قد أملى لهم ليتوبوا فلما لم يتوبوا وأصروا على كفرهم ونفاقهم أهلكهم الله تعالى ونصر المؤمنين كما في قوله تعالى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ – الحج 39-46 } وهنا يبين تعالى أن هؤلاء هم امتداداً لهذه الأمم التي أهلكها الله تعالى من قبل ولذلك قال فيهم الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وآله : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ – الحج 45-46 }. أي هلا ساروا في الأرض لينظروا كيف أهلك الله تعالى هذه المكذبين من قبل بظلمهم فلما كفروا حق عليهم الوعيد كما قال تعالى { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ – ق 12-15 } .وهؤلاء هم الأحزاب كما قال تعالى هنا { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ – ص 12-13 }
وأما :
(ذو الأوتاد)
[ الكلمة (ذو)، وكيف تُصاغ في الإفراد والتثنية والجمع تذكيرًا وتأنيثًا:
ذو – تأتي بمعنى صاحب، وهي تستعمل للمذكر، وهي من الأسماء الستة (أو الخمسة) التي تلازم الإضافة لغير ياء المتكلم، فترفع بالواو= جاء ذو المُروءة، وتنصب بالألف = احترمت ذا المروءة، وتجر بالياء= سلمت على ذي المروءة.
مثنى (ذو) = (ذَوا) في الرفع و (ذوَيْ) في النصب والجرّ، جاء ذَوا المُلك، ورأيت ذَويِ الملك…
(كان أصل المثنى ذوان أو ذوَين لكن النون حذفت بسبب الإضافة).
جمع (ذو)= ذَوو في الرفع و (ذوِي) في النصب والجر، أي أن الجمع يلحق بجمع المذكر السالم، فنقول: هم ذوو خبرة، وكانوا ذوِي أملاك. (كان أصل الجمع ذوون أو ذوِين، لكن النون حذفت للإضافة).
أما المؤنث فهو (ذات) بمعنى صاحبة، فهي ذاتُ جمالٍ وأدب، ورأيت ذاتَ..، وسلمت على ذاتِ…
مثنى (ذات) هو (ذواتا) في الرفع، كقوله تعالى “ذواتا أفنان”- (الرحمن 48) و (ذواتَي) في النصب والجر، كقوله تعالى: “وبدّلناهم بجنتين ذواتي أكُلٍ خَمْط”- (سبأ 16) (انظر كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة، باب تثنية المبهم وجمعه، ص 277) .و جمع (ذات) = ذوات، فترفع بالضمة وتنصب وتجر بالكسرة. (كجمع المؤنث السالم) ]
وذو بمعنى صاحب والأوتاد وردت في كتاب الله أنها الجبال في قوله تعالى { ألم نجعل الأرض مهاداَ والجبال أوتادا – النبأ 6-7 } ومهادا انبساطها والجبل حيث أن له قاعدى عريضة وقمة مدببة فهو وصف للإهرامات كأنه يقول تعالى وفرعون صاحب الإهرامات وهذه الأوتاد كان يستخدمها كمراصد للسماء وذلك واضح في قوله تعالى عن قول فرعون لهامان { وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين – القصص 38 } وهذا الصرح هنا هى الأوتاد التي صنعها من طين وهى أقل في الحجم من أهرامات قوم عاد التي قال تعالى فيها { أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون – الشعراء } وهذه المباني الشاهقة هى التي قال تعالى فيها أنه قد استخدمت أمم من قبل الحجارة الضخمة في بنائها قال تعالى { هل في ذلك قسم لذي حجر ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر } أي أنها مباني عاليه في السماء من حجارة جلبت إلى الوادي وأقلها حجماً أوتاد فرعون التي بنيت من طين وليس حجارة ضخمة بناها قوم لم يخلق مثلهم في البلاد ولذلك أرفق قوم عاد بقوم فرعون والترتيب يقول بأن القرآن دائما يرفق هلاك قوم عاد بثمود قال تعالى { وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود – الحج 42 } وهذا هو الترتيب التاريخي والرسالي الطبيعي ولكن هنا حدث استثناء لوجود مسألة الأوتاد فهى خاصة بقوم عاد الأولى وهى الأهرامات الحجرية التي قال تعالى فيها أنها {ذات العماد} وذات مؤنئة لأنه يتكلم عن مدينة أي المدينة صاحبة العماد التي بناها قوم لم يخلق مثلهم في البلاد ولما تكلم عن فرعون وهوذكر وأمر ببناء الصرح قال لذلك هنا { ذو الأوتاد} أي صاحب الأوتاد التي بناها من طين وهؤلاء من الأحزاب الذين قال تعالى فيهم هنا {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَٰئِكَ الْأَحْزَابُ – ص 12-13 } .
وأما :
(وأصحاب الأيكة)
هم قوم شعب لقوله تعالى { كذب أصحاب الأيكة المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ– الشعراء 176-183 } و : [ الأيكة: الشجر الملتفّ, وهي واحدة الأيك, وكل شجر ملتفّ فهو عند العرب أيكة – تفسير الطبري ] .
وأما :
(أولائك)
أي أن هؤلاء أصحاب الجحيم قال تعالى { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم – المائدة 10 } ومن هؤلاء الهالكين المنافقين الذين قال تعالى فيهم { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ – النور 47-51 }
ولقد وعد الله تعالى المؤمنين الذين تولوا الله تعالى حق ولايته وعملوا الصالحات بالإستخلاف في الأرض بعد إهلاك الظالمين قال تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور 55 }
وأما :
(الأحزاب)
وهؤلاء الأحزاب هم الأمم السالفة والذين ذككرهم الله تعالى في قوله عز وجل { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ – غافر 5-6 } وهؤلاء لهم موعد آخر الزمان مع بعثة إمام آخر الزمان سيكررون معه نفس أفعال الأمم من قبل وهنا يكون تدمميرهم في تدبيرهم وهلاكهم وهزيمتهم وجنود إبليس كما بينا من قبل في قوله تعالى : { جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب – ص 11 } .
ثم يقول تعالى :
(14) إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
وهنا :
(إِن كُلٌّ إِلَّا)
وهنا يقول تعالى أنه بعدما أهلك الأمم من قبل أحضرهم إلى جهنم قال تعالى { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ – يس 31 -32 } ومحضرون أي في جهنم للعذاب لقوله تعالى { وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون – الروم 16 }
ثم يبين تعالى أنه لولا كلمة سبقت في بني إسرائيل ووعدهم الآخر لقضى بينهم فأهلكك ظالميهم ثم يامر تعالى رسوله والمؤمنين بافستقامة على أمر الله تعالى وعدم الركون إلى الذين ظلموا حتى يقضى الله تعالى بينهم بخكمه قال تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ ۚ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ- هود 110-113 } ثم يبين تعالى أنه إذا جاء زمان هلاكهم كان له أمارة وهى صعود الظالمين من بني آدم بمعارج إلى السماء الأولى قال تعالى { وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – الزخرف 33-35 }
وهؤلاء جميعاً من أولاهم حتى أخراهم كذبوا الرسل فحق عقاب قال تعالى { إِن كُلٌّ إِلَّا إلا كذب الرسل فحق عقاب – ص 14 }
وفي الآخرة كل من في السماوات والأرض سأتون لله تعالى عبيداً مستسلمين لأمر الله تعالى كما في قوله عز وجل { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا – مريم 93 } فإذا رجعوا إلى الله تعالى وفاهم حقوقهم سواء كان مؤمن بالجنة أو كافر ومنافق بالنار قال تعالى { وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير – هود 111 } .
وأما :
(إلا كذب)
أي كذبوا رسلهم كما قال تعالى في قوم فرعون والذين من قبله {كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب – آل عمران 11 } . ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير – آل عمران 184 } . وهؤلاء أيضاً كذبوا بالحق لما جاءهم كما في قوله تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 } ثم يقول تعالى لرسوله أن ما بعثه به هو الحق وهؤلاء لا يكذبونك ولكنهم يجحدون الحق مع علمهم ويقينهم في أنفسهم بالحقيقة قال تعالى { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون – الأنعام 33 } وهؤلاء المكذبين فعلوا كما فعلت الأمم من قبل كما في قوله تعالى { وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ – الحج 42-26 }
وهؤلاء يبين تعالى أنه سيخرج منهم منافقون يكذبون على الله تعالى ورسوله ولا يوجد أظلم منن هؤلاء الكذبة الذين قال تعالى فيهم { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون – الأنعام 93 } وهؤلاء لا يوجد أظلم منهم لافتراءهم الكذب وهم يزعمون الإسلام قال تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام – الصف 9 } وهؤلاء سيستدرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون قال تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وألي لهم إن كيدي متين – القلم 44-45 } وقال تعالى أيضاً { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون – الأعراف 182 } وهؤلاء هم قوم رسول الله صلى الله عليه وآله من تقلد بهم وسار على نهجهم في تكذيبهم أو نفاق ذرياتهم من بعدهم قال تعالى لرسوله لذلك { وهؤلاء كذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله عز وجل { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 }
هؤلاء سيستدرجهم الله تعالى للعذاب في الدنيا والآخرة لأنهم كذبوا بآيات الله تعالى وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسفكوا الدماء في سبيل تلك المكذوبات التي ظنوا ا،ها من عند الله وما هى من عند الله بغير تحري للدقة في النصوص ومدى توافقها مع كتاب الله تعالى وقد فعلت بنو إسرائيل ذلك من قبل حيث قال تعالى في جريمتهم التي كررتها أمتنا وهى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله ” أنتم اشبه الأمم ببني إسرائيل” قال تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78 } .ثم جاءت أجيال ورثت هذه المكذوبات التي كذبوها على الله تعالى ورسوله وهم يعلمون وقال تعالى فيهم {فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 } وهؤلاء لهم موعد ووعيد قال تعالى فيه { إن كل إلا كذب الرسل فحق وعيد – ق } وقال تعالى أيضاً فيهم أنهم يستحقون العقاب قال تعالى هنا { إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب } .
وأما :
(الرسل)
وهنا يبين تعالى أن الأمم كذبت من قبل فقال تعالى في قوم نوح عليه السلام { كذبت قوم نوح المرسلين – الشعراء 105 } وقال تعالى في قوم عاد { كذبت عاد المرسلين – الشعراء 123 } وقال تعالى في قوم ثمود { كذبت ثمود المرسلين – الشعراء 141 } وقال تعالى في قوم لوط { كذبت قوم لوط المرسلين – الشعراء 160 } وقال تعالى في قوم شعيب {كذب أصحاب الأيكة المرسلين – الشعراء 176 } وقال تعالى في قوم فرعون وبعثه نبي الله موسى وهارون حيث قال تعالى{ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فقال إني رسول رب العالمين – الزخرف 46 } فلما كذبوه أهلكهم الله تعالى وأخذهم أخذ عزيز مقتدر قال تعالى { وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ – القمر 41-43 }
ثم يقول تعالى في الأمم التي ورثت هؤلاء وسكنت في مساكنهم بعد هلاكهم { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ – إبراهيم 44-47 } .
فلما كذبوه صلى الله عليه وآله قال تعالى له { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون – الأحقاف 35 } ثم يقول تعالى له أن الرسل من قبل صبروا على ما كذبوا به وأوذوا قال تعالى { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين – الأنعام 34 } ولا حظ هنا قوله تعالى أوذو ولم يقل يقتلوا كما قال تعالى في الأنبياء عليهم السلام { ويقتلون الأنبياء بغير الحق –البقرة 66 } وقال تعالى ايضا { إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم – آل عمران 21 } وذلك لأن الرسول يغلب وينتصر والنبي قد يقتل قال تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز – المجادلة 21 }
وقال تعالى لرسوله أيضا بأن قصص الأنبياء من قبل قد قصها الله تعالى عليه ليثبت فؤاده وأفئدة المؤمنين من بعده قال تعالى { وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين – هود 120 }
ثم يبين تعالى أن هؤلاء بعد كفرهم سينقلب ذرية منهم على منهاج القرآن الكريم في الوصية بإمامة أهل بيته من بعده لانقطاع النبوة حتى تقوم القيامة وهنا قال تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وهؤلاء قد اشتكاهم النبي للخالق عز وجل بأنهم سيهجرون القرآن ولا يهجر القرآن إلا من انتسبوا له من أمة عفا النبي عنهم في فتح مكة بعدما مكنه الله تعالى من رقابهم ثم زعموا الإسلام وقتلوا كل أهل بيت النبي ومن انتصر لهم وأحبهم من بعده بعدما زعموا الإسلام وهجروا القرآن الكريم لذلك قال تعالى { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 30 } .
وأجل هذه الأمة يكون مرتهناً ببعثة إمام آخر الزمان لذلك يقول تعالى في هؤلاء بالتحديد وما وعدهم الله تعالى من عذاب { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ – يونس 46 -49 }
ثم يبين تعالى أن من سننه تعالى أنه لا يهلك قرية إلا بعدا يرسل إليهم منذراً قال تعالى { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون -القصص 59 } وقال تعالى أيضاً { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } .
وأما :
(فحق عقاب)
أي حق هذا العقاب بوعيد توعدهم الله تعالى به في قوله تعالى { وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد -ق 14 }
وهذا الوعيد بين تعالى أن من أماراته تولي مترفيهم أمرهم بعد استبعاد أهل بيت نبيهم عليهم السلام ومن أئتم بهم عن كل شيئ من أعمال الدولة قال تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا – الإسراء 16 }
وهنا يبين تعالى إذا أراد الله تعالى هلاك هؤلاء المترفين من المنافقين والكافرين بعث فيهم إماماً يعلمهم مالا يعلموه هم ولا آبائهم حيث لا يعلمون إلا من بعضهم بعضا باستثناء أئمة أهل البيت وآخرهم من يعلم الناس مالا يعلموه وقال تعالى هنا { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون – يونس 35 } .
فإذا بعث فيهم حق الله تعالى الحق وأزوهق الباطل كما في قوله تعالى { ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون – الأنفال 8 } وقال تعالى {ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون – يونس 82 }
وهنا يقطع الله تعالى دابرهم كما قطع دابر الذين من قبلهم وقال تعالى فيهم { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين –الأنفال 7 } وكل هؤلاء استحقوا العقاب كما في قوله تعالى هنا { إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب – ص 14 } .
وأما :
(عقاب)
[ والعقب مؤخر الرجل وجمعه أعقاب ورجع على عقبه ك ارتد وانثنى راجعا وعقب الرجل ولده الذين يتلونه ويعقبونه والعقاب الذي ينال فاعل الفعل غير الحسي إنما هو أثر أعقب الفعل والإسم العقوبة واختصت العقوبة والعقاب بالعذاب – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل القاف والباء ] قال تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به – الحج 60 } وعقاب الله تعالى للأمم على ظلمها وكفرها قال تعالى { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ 32 } . وقال تعالى في هذا العقاب أنه وقع عليهم بتكذيبهم الله تعالى ورسله كما في قوله تعالى { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ – غافر 5 } .
ويبدأ هذا العقاب ببعثة ولد من ذرية نبي الله إبراهيم عليه السلام من عقبه وهو نبي آخر الزمان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ثم يمتع الله تعالى ذرية هؤلاء فترة من الزمن حتى بعثة إمام آخر الزمان في زمن صعود الإنسان بالمعارج للسماء الأولى وهنا يكون قد حل بهم زمن العقاب الإلهي وذلك بوصية أوصى بها نبي الله إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ – الزخرف 26-33 }.ثم يقول تعالى بعد هلاك الظالمين أن العاقبة بعد ذلك في الدنيا والآخرة للمتقين قال تعالى { والعاقبة للمتقين – الأعراف 128 } .
ثم يقول تعالى عن كفار ومنافقي آخر الزمان :
(15) وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق (15)
وهنا :
(ماينظر)
أي أنه يقول تعالى فيما قاله سلفهم من قبل { ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق – ص 7 } وقد قال نفس المقولة من قبل قوم فرعون كما قال تعالى { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين – القصص 36 }
وهنا يقول تعالى لهؤلاء هل ينتظرون إلا صيحة تهلكهم وهم يختصمون ويجادلون ويفتئتون ويفترون قال تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون – يس 49 } ويخصمون بمعنى يختصمون [ …واختلفت القراء في قراءة قوله ( وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة : (وَهُمْ يَخْصّمُون) بسكون الخاء وتشديد الصاد، فجمع بين الساكنين، بمعنى: يختصمون، ثم أدغم التاء في الصاد فجعلها صادا مشددة، وترك الخاء على سكونها في الأصل. وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: (وَهُمْ يَخَصّمُون) بفتح الخاء وتشديد الصاد بمعنى: يختصمون، غير أنهم نقلوا حركة التاء وهي الفتحة التي في يفتعلون إلى الخاء منها، فحرّكوها بتحريكها، وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة: ( يَخِصِّمُونَ ) بكسر الخاء وتشديد الصاد، فكسروا الخاء بكسر الصاد وأدغموا التاء في الصاد وشددوها. وقرأ ذلك آخرون منهم: (يَخْصِمُون) بسكون الخاء وتخفيف الصاد، بمعنى (يَفْعِلُون) من الخصومة، وكأن معنى قارئ ذلك كذلك: كأنهم يتكلمون، أو يكون معناه عنده: كان وهم عند أنفسهم يَخْصِمُون مَن وعدهم مجيء الساعة، وقيام القيامة، ويغلبونه بالجدل في ذلك.- تفسير الطبري ]
وأما :
(ينظرون)
وهنا يقول تعالى هل ينتظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة قال تعالى { هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون – الزخرف 66 }
وهذه الساعة فيها هلاك الأمم كما حدث من قبل وهى سنة من سنن الله تعالى في الأولين قال تعالى { استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا – فاطر 43 } و هذه المرة ليست نفخة هلاك ليرث الأرض أمة آخرى بل هو آخر كتاب منزل على آخر نبي خاتم ويكون في زمان آخر أئمة أهل البيت عليهم السلام إذا فعلت هذه الأمة العالم نفس أفعال الأمم من قبل وهنا تقوم الساعة ثم القيامة قال تعالى { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 }
وهذه الساعة لها أشراط قال تعالى فيها { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم – محمد 18 }
ومن أشراطها تأويل آخر الزمان لكتاب الله يأتي به إمام آخر الزمان قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وهو تأويل لم يأت به أحداً من قبل قال تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 } .
وهنا يكون فتحاً للمسلمين قال تعالى فيه { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ – السجدة 28-30 } .
وأما :
(هؤلاء)
وهؤلاء هم الذين عبدوا عير الله تعالى ومنهم الذين أطاعوا سادتهم وكبرائهم وقال تعالى فيهم { وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب } وهؤلاء سيسألهم الله تعالى يوم القيامة كما قال عز وجل : { ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل – الفران 17 }
ومن هؤلاء الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله وقال تعالى فيهم {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين – هود 18 } وهؤلاء منهم منافقون قال تعالى فيهم { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا – النساء 143 }
وهؤلاء سيمتعهم الله تعالى حتى يطول بهم العمر فتقسى قلوبهم ويزداد طفرهم وطغيانهم قال تعالى { بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون – الأنبياء 44 } .
فإذا نقصت الأرض من أطرافها وبدأت اليابسة تقل من شرق الأرض وغربها بزحف الأمواج والأعاصير على الأرض من جهة ونقصان المسافة بين غلاف السماء والأرض كبداية للساعو وثقل السماء على الأرض فتزداد الزلازل والأعاصير و الفيضانات وظواهر غريبة تحدث بين الأرض والسماء هنا يبعث الله تعالى فيهم إمام آخر الزمان لقوله تعالى { بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين – الزخرف 29 } وهنا يكون قد جاء زمان صيحة يلقيها الله تعالى عليهم مالها من فواق قال تعالى { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 }
وأما :
(إلا صيحة)
[ والصياح صوت كل شيئ إذا اشتد والصيحة الغارة إذا فوجئ الحي بها ويقال : صيح في أهل فلان إذا هلكوا ومن هنا يقال الصيحة : العذاب – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الياء والحاء ] .
قال تعالى { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون – المنافقون 4 } وهذه الصيحة أخذها قوم لوط في الصباح الباكر كما قال تعالى { فأخذتهم الصيحة مصبحين – الحجر 83 } ولقد أهلك الأمم من قبل بأنواع مختلفة من العذاب قال تعالى : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ ۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ – العنكبوت 36-40 } .
والصيحة أخذها قوم ثمود لما قتلوا الناقة وقال تعالى في ذلك { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ – هود 66-68 } .
وهذه الصيحة صاعقة من السماء قال تعالى فيها مبيناً أنه سيهلك بها قوماً آخر الزمان سيكونون على نهج قوم عاد وقوم ثمود قال تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ – فصلت 13-18 } .
وهذه الصاعقة والصيحة مالها من فواق كما قال تعالى { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 } أي أن هذه الصيحة أخمدتهم فماتوا كما في قوله تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون – يس 29 } وهنا أصبحوا كهشيم المحتظر أي كالزرع اليابس المتكسر كما قال تعالى { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر – القمر 31 }
فلما ماتوا أحياهم الله تعالى بصيحة الخروج أو نفخة البعث قال تعالى { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج – ق42 } فغذا خرجوا من قبورهم أحضرهم الله تعالى حول جهنم لقوله تعالى { إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ – يس 53 }
وأما :
(واحدة)
أي أنه يقول تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون – يس 49 } وهذه الصيحة ستنزل عليها فإذا هم خامدون قال تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون – يس 29 }
فلا يستفيقون بعدها في الحياة الدنيا فلا فواق بعدها بالحياة الدنيا قال تعالى { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 } وهنا يستفيقون فيجدوا أنفسهم حول جهنم محضرون قال تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون – يس 53 } .
وأما :
(مالها من)
وهنا يبين تعالى أن الزلزلة جزءاً من هذه الصيحة قال تعالى { إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذٍ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها – الزلزلة } . يعقب هذه الزلزة انشقاق السماء لفروج قال تعالى { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج – ق 6 } فإذا اقتربت الساعة فرجت كما قال تعالى { وإذا السما فرجت – المرسلات 9} .ثم تنزل عليهم صيحة مالها من فواق قال تعالى { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 } .
وأما :
(من فواق)
[ ومالها من فواق : أي لا رجوع فيها ولا ارتداد وقرئت بفتح الفاء وضمها ومن هذا تكون إفاقة النائك والسكران والمغشي عليه – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الواو والقاف ] .قال تعالى { ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين – الأعراف 143 } . وصعقا بمعنى مات أو غشى عليه وذلك لأن لفظ صاعقة وصعق عبارة عن صعقة مميتة ولكن بإرادة الله تعالى أفاق بعدها كما يستفيق النائم من نومته والميت لا يستفيق قال تعالى { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون –الزمر42 } وهنا أخذت هؤلاء الصيحة فلم يستفيقوا بعدها قال تعالى { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 } . فإذا أفاقوا قبل يوم القيامة وجدوا أنفسهم أمام زبانية جهنم وإذا كان يوم القيامة وجدوا أنفسهم حول جهنم جثياً يقول تعالى :{ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون – يس 52 } .
ثم يقول تعالى :
(16) وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب (16)
وهنا :
(وقالوا ربنا عجل لنا)
وهنا يبين تعالى أنهم لما قالوا ربنا عجل لنا قطنا قال تعالى { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب – ص 16 } فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ – الأنعام 57-58 }
وأما :
(عجل لنا)
و هنا يقول تعالى عن استعجالهم نزول العذاب : { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون – الحج 47 } ثم يبين تعالى أن رسول الله تعالى شهيداً عليهم و لولا أجل مسمى لنزل بهم العذاب قال تعالى : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ۚ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – العنكبوت 51-55 } وهذا الأجل متاع سيمتهم الله تعالى فيه سنين ثم ينزل بهم ما توعدهم الله تعالى به قال تعالى { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ – الشعراء 204-209 }
ثم يبين تعالى أنه لا يستعجل بها إلا من لا يؤمنون بها قال تعالى : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد – الشورى 18 } . ثم يبين تعالى أن هؤلاء لهم عذاباً مثل عذاب سلفهم فلا يستعجلون { فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون – الذاريات 59 } .
ثم يبين تعالى ما فعله بسلفهم من صاعقة نزلت بقوم عاد قال تعالى فيها بعدما كفروا وكذبوا رسول ربهم : {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم – الأحقاف 21-24 }. ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله بأن لا يستعجل لهم قال تعالى { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون – الأحقاف 35 } ويقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله بأن لا يستعجل لهم لأنه تعالى يعد لهم عدا قال تعالى فيهم وما توعدهم الله تعالى به : { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا -مريم 77-84 } .
وأما :
(قطنا)
[ وقطنا : نصيبنا من العذاب قبل يوم القيامة – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الطاء والطاء ] . وهذا اللفظ ليس له مرادف قال تعالى { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب – ص 16 } .
وأما :
(قبل يوم)
أي أنهم لما استعجلوا العذاب هنا وقالوا { وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب – ص 16 } . فقال لهم الله تبارك وتعالى{ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – آل عمران 137 } .
وهنا قال تعالى أن ماستعجلتم به سيكون آخر الزمان وسيهلك الله تعالى أو يعذب قرية بعد أخرى كما في قوله تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } .
وأما :
(الحساب)
وهنا يبين تعالى أن يوم الحساب قريب منهم وهم لا يشعرون قال تعالى { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون– الأنبياء 1-3 } .
ومن هذا الحساب عذاب قريب وآخر آخر الزمان قال تعالى فيه لرسوله صلى الله عليه وآله : { وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب – الرعد 40 } .
وهذا الحساب يبدأ بعلامات نقصان الأرض من أطرافها كما بينا من قبل ويؤكد ذلك ربنا تبارك وتعالى مراراً قال تعالى { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب – الرعد 41} .
ثم يقول تعالى :
(17) اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب (17)
وهنا :
(واصبر على ما يقولون)
أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فاصبر على يقولون ما وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب – ق 39 } وهذا التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب معاون للنفس حتى ترضى بقضاء الله تعالى كما في قوله تعالى { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى – طه 130 } ثم يأمره تعالى بعد التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب بأن يهجر من خالفه هجراً دون عداوة وهو الهجر الجميل قاال تعالى { واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا – المزمل 10 }
ثم يذكره الله تعالى بنبي الله داوود قال تعالى { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب – ص 17 }
وأما :
(على مايقولون)
وهنا يبين تعالى ما قالوه أن الله تعالى له البنات ولهم البنون وأن الله تعالى معه آلهة أخرى تعالى الله عما يشركون قال تعالى { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا ۚ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَىٰ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا – الإسراء 40-43 } وهذه الأقوال كانت تغضب النبي صلى الله عليه وآله فيضيق صدره بها فقال تعالى لرسوله وللمؤمنين من بعده صلى الله عليه وآله { ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين – الحجر 97-99 } ثم قال تعالى له صلى الله عليه وآله { نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد – ق 45 } ثم يأمره تعالى بالتسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب قال تعالى {فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب – ق 39 } .
وأما :
(واذكر عبدنا)
وهنا يذكر الله تعالى المؤمنين في صورة موعظة للنبي صلى الله عليه وآله فيذكره بأنبياء الله من قبل وأعمالهم التي أدت إلى رضا الله تعالى قال تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصارإنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ – ص 44-50 } .
وهنا كأنه يقول تعالى أنه من أراد الله تعالى ورضاه فليعمل بما عمل به هؤلاء الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وليعلم أن خاتمهم سيدنا محمد وماأنزله عليه من ذكر ومن اراد رضا الله تعالى فليعمل بهذا الذكر .
وما أمر الله تعالى فيه من ولاية هؤلاء الأنبياء وذريتهم من أهل بيت النبي عليهم السلام و الدعاء والتضرع إلى الله تعالى كما قال تعالى في نبي الله أيوب عليه السلام : { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب – ص 41 } وهنا يذكره الله تعالى أيضاً المؤمنين بنبي الله داود وكرمه وكثرة دعاءه وتوبته واستغفاره أي إيابه إلى الله تعالى في كل أمور حياته في قوله تعالى { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب – ص 17 } .
ثم يقول تعالى في موعظة لرسوله صلى الله عليه وآله وللمؤمنين بذكر الله تعالى في الصباح والمساء { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين – الأعراف 205 } ويقول تعالى للمؤمنين { واذكر ربك إذا نسيت – الكهف }
وأما :
(عبدنا داوود ذا الأيدي)
وذا الأيدي بمعنى ذو القوة على عبادة الله تعالى قال تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص 45 }
ورد في تفسير البرهان [ قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: { أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } :” يعني أولي القوة في العبادة، و البصر فيها، و قوله: { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } يقول: إن الله اصطفاهم بذكر الآخرة، و اختصهم بها “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
ومثله ورد في تفسير الطبري [عن ابن عباس, قوله ( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: فضِّلوا بالقوّة والعبادة. – تفسير الطبري ] .
ومن هؤلاء أولي الأيدي نبي الله داوود عليه السلام لقوله تعالى هنا { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب – ص 17 } . واليد ورد ذكرها في قوله تعالى { ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون – يس 35 } والأنبياء عملوا في طاعة الله تعالى الكثير و ذلك لأن ما قدمت أيديهم وردت في القرآن الكريم أنها أعمال العباد قال تعالى { ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين – البقرة 95 } وقال تعالى أيضاً { فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا – النساء 62 } وما قدمت أيدي الأنبياء أعمالهم الصالحة وقوتهم على طاعة الله تعالى كما في قوله تعالى عنهم عليهم الصلاة والسلام : { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ – ص 44-50 } .
وأما :
(داوود)
وهنا بين تعالى بالذات هذا الإسم ورد على آل داوود في قوله تعالى { إعملوا آل داوود شكرا – سبأ13 } وكأنه تعالى يقول للنبي وآل بيته بأن لا تضيق صدورهم وليعملوا في طاعة الله تعالى كما كان الأنبياء من قبل واختيار لفظ آل هنا يعني الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام قال تعالى لذلك هنا {اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 17} .
وأما :
(إنه أواب)
وأواب أي تواب رجاع يرجع إلى الله تعالى في كل شيئ قال تعالى { ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا – النبأ39 } أي من شاء النجاة فليتخذ طريقاً في طاعة الله تعالى .ومن عمل في طاعة الله تعالى فله القربى أو الزلفى وحسن مآب أي مكانة حسنة عند الله تعالى إذا رجع إليه تعالى قال عز وجل في ابنه سليمان عليه السلام { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ -ص 40 } وهذا الولد الصالح من ذريته عليه السلام حسنة من الله تعالى كافئ بها نبي الله داوود عليه السلام في الدنيا لقوله تعالى { ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب – ص 30 } .
وكذلك المؤمنين ممن تولوا الله تعالى تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام طوبى لهم في الجنة و حسن مآب قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ – الرعد 29 } .
ثم يقول تعالى :
(18) إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق(18)
وهنا :
(إنا سخرنا معه الجبال يسبحن)
[ وسخره تسخيراً : ساقه قهراً إلى غرض معين وإسم لمفعول مسخر وهى مسخرة وجمعها مسخرات – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الخاء والراء ] قال تعالى { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين – الأنبياء 79 } .
وأما :
(بالعشي)
قال تعالى هنا { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار – غافر 55 } والعشي آخر النهار و أول إقبال الليل والإبكار هو الصبح مع شروق الشمس هنا لقوله تعالى { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق – ص 18 } .
وأما :
(والإشراق)
مع شروق الشمس في الصباح الباكر لقوله تعالى { فأخذتهم الصيحة مشرقين – الحجر 73 } ومشرقين أي في الصباح لقوله تعالى{ فأخذتهم الصيحة مصبحين – الحجر 83 } وبالتالي الإشراق في الصباح الباكر أول النهار كما في قوله تعالى هنا { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق – ص 18 } .
ثم يقول تعالى :
(19) والطير محشورة كل له أواب (19)
وهنا :
(والطير محشورة كل له أواب)
وهنا يبين تعالى أن كل خلقه يسبح بحمده ومنهم الطير قال تعالى { ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون – النور 41 } وهذه الطيور حشرت بأمر الله لنبي الله داوود عليه السلام لتسبح معه قال تعالى { ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد – سبا 10 } .
وأما :
(محشورة)
[الحشر : جمع ] قال تعالى { وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون – النمل 17 } والحشر مع داوود عليه السلام كان للتسبيح كما في قوله تعالى { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب – ص 18-19 } .
وأما :
(كل له)
وهنا قال تعالى { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ – الروم 26 } وبالتالي هذه الطيور والجبال تسبح مع داوود عليه السلام قانتة لله تعالى لقوله تعالى هنا { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق والطير محشورة كل له أواب – ص 18-19 } .
وأما :
(أواب)
والأوابين هم التائبين الذين يرجعون إلى الله تعالى كما في قوله عز وجل { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا – الإسراء 25 } وسيدنا داوود عليه السلام كان من الأوابين لقوله تعالى { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 17 } ولأنه رسول من الله تعالى فقد أمر الناس بما أراد الله تعالى من توحيده حق ولايته والتوبة والإستغفار والتسبيح لله عزو جل لذلك قال تعالى { كل له أواب – ص 19}
ولذلك جعل الله تعالى الجبال والطير تأوب معه له عز وجل كما في قوله تعالى { ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد – سباً 10 } .
ثم يقول تعالى :
(20) وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20)
وهنا :
(وشددنا)
وهنا شدده بمعنى قواه على ملكه وتقوية ملكه بوزيراً له من أهله وهو سليمان ابنه عليهما السلام قال تعالى في موسى وهارن وعليهما السلام { واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيراً ونذكرك كثيراً إنك كنت بنا بصيرا – طه } ثم يأتي تشديد الملك بالمؤمنين الذين هم جنوداً لله تبارك وتعالى كما قال تعالى في رسول الله صلى الله عليه وآله وصحابته الكرام { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما – الفتح 29 } وهنا تشديد ملكه كال بالمؤمنين من الجن والإنس والطير .
وأما :
(ملكه)
والملك عند بني إسرائيل يقوم به أنبياء لذلك قال تعالى في نبي الله سليمان ودعاءه بملكاً لم يؤتاه أحداً غيره قال تعالى { قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب – ص 35 } ويبين تعالى أنه قد آتي آل إبراهيم الملك والحكمة كما في قوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 } .
ولذلك قال تعالى في بني إسرائيل أن منهم أنبياء و منهم أنبياء ملوك ملكوا وحكموا العالم قال تعالى لذلك { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين – المائدة 20 } وفي آل بيت رسول الله أئمة ملوكاً منهم إمام آخر الزمان الذي [ قال فيه صلى الله عليه وآله يملئ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .. الحديث ] .
وأما :
(وآتيناه الحكمة)
وهنا يبين تعالى أن هذه الحكمة أتاها الله تعالى لسيدنا إبراهيم والأنبياء من بعده وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وهؤلاء هم المحسودون في كل ومن كما قال تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 }
وأما :
(وفصل)
[ الفصل : تمييز الشيئ من الشيئ وإبانته عنه – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الصاد واللام ] قال تعالى { ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف – يوسف 49 } والفصل بالحق و القضاء العادل في كتاب الله تعالى لقوله عز وجل { قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين – الأنعام 57 } ولما كان نبي الله داوود يقضي بين الناس بكتاب الله (الزبور) قال تعالى أن فيه فصل الخطاب قال تعالى { وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب – ص 20 }
وأما :
(الخطاب)
[ الخطب : الشأن الذي تقع فيه المخاطبة قال تعالى { فما خطبك ياسامري – طه 95 }
ذلك قال تعالى لنبي الله داوود عليه السلام : { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 } .
وعلى ذلك الخطاب قضية مطلوب الفصل فيها كما في قوله تعالى { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ – ص 21-24 }
وهذه القضية فيها مخاطبة ومظلمة فصلها صاحب الخطب لنبي الله داوود عليه السلام ومن هنا الخطاب حديث وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما – الفرقان 63 } فإذا كان الخطاب يخص قضية والفصل فيها لذلك قال تعالى في نبي الله داوود عليه السلام هنا {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب – ص 20 }
ثم يقول تعالى :
(21) وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب (21)
ورد في التفاسير عن هذه القصة ما يلي :
[ورد في تفسير القرطبي عن تفسير تسور الملائكة للمحراب ومثله في تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني :
[ ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به هاهنا ملكان . وقيل : تسوروا ، وإن كان اثنين حملا على الخصم ، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعا له ، مثل الركب والصحب . تقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصم . ومعنى : تسوروا المحراب أتوه من أعلى سوره . يقال : تسور الحائط تسلقه ، والسور حائط المدينة ، وهو بغير همز ، وكذلك السور جمع سورة ، مثل بسرة وبسر ، وهي كل منزلة من البناء . ومنه سورة القرآن ; لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى . وقد مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا .
يريد شرفا ومنزلة .…
… وقال أبو جعفر النحاس : فأما قول العلماء الذين لا يدفع قولهم ، منهم عبد الله بن مسعود وابن عباس ، فإنهم قالوا : ما زاد داود صلى الله على نبينا وعليه على أن قال للرجل انزل لي عن امرأتك . قال أبو جعفر : فعاتبه الله – عز وجل – على ذلك ونبهه عليه ، وليس هذا بكبير من المعاصي ، ومن تخطى إلى غير هذا فإنما يأتي بما لا يصح عن عالم ، ويلحقه فيه إثم عظيم . كذا قال : في كتاب إعراب القرآن . وقال : في كتاب معاني القرآن له بمثله . قال – رضي الله عنه – : قد جاءت أخبار وقصص في أمر داود – عليه السلام – وأوريا ، وأكثرها لا يصح ولا يتصل إسناده ، ولا ينبغي أن يجترأ على مثلها إلا بعد المعرفة بصحتها . وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : ما زاد داود – عليه السلام – على أن قال : أكفلنيها أي : انزل لي عنها .
وروى المنهال عن سعيد بن جبير قال : ما زاد داود – صلى الله عليه وسلم – على أن قال : أكفلنيها أي : تحول لي عنها وضمها إلي . قال أبو جعفر : فهذا أجل ما روي في هذا ، والمعنى عليه أن داود – عليه السلام – سأل أوريا أن يطلق امرأته ، كما يسأل الرجل الرجل أن يبيعه جاريته ، فنبهه الله – عز وجل – على ذلك ، وعاتبه لما كان نبيا وكان له تسع وتسعون ، أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا بالتزيد منها ، فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه ….
الثانية عشرة : قوله تعالى : قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فيه الفتوى في النازلة بعد السماع من أحد الخصمين ، وقبل أن يسمع من الآخر بظاهر هذا القول . قال ابن العربي : وهذا مما لا يجوز عند أحد ، ولا في ملة من الملل ، ولا يمكن ذلك للبشر . وإنما تقدير الكلام : أن أحد الخصمين ادعى والآخر سلم في الدعوى ، فوقعت بعد ذلك الفتوى . وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر وقيل : إن داود لم يقض للآخر حتى اعترف صاحبه بذلك . وقيل : تقديره : لقد ظلمك إن كان كذلك . والله أعلم بتعيين ما يمكن من هذه الوجوه .
[ ص: 160 ] قلت : ذكر هذين الوجهين القشيري والماوردي وغيرهما . قال القشيري : وقوله : لقد ظلمك بسؤال نعجتك من غير أن يسمع كلام الخصم مشكل ، فيمكن أن يقال : إنما قال هذا بعد مراجعة الخصم الآخر وبعد اعترافه . وقد روي هذا وإن لم تثبت روايته ، فهذا معلوم من قرائن الحال ، أو أراد لقد ظلمك إن كان الأمر على ما تقول ، فسكته بهذا وصبره إلى أن يسأل خصمه . قال ويحتمل أن يقال : كان من شرعهم التعويل على قول المدعي عند سكوت المدعى عليه ، إذا لم يظهر منه إنكار بالقول . وقال الحليمي أبو عبد الله في كتاب منهاج الدين له : ومما جاء في شكر النعمة المنتظرة إذا حضرت ، أو كانت خافية فظهرت : السجود لله عز وجل . قال : والأصل في ذلك قوله – عز وجل – : وهل أتاك نبأ الخصم إلى قوله : وحسن مآب . أخبر الله – عز وجل – عن داود – عليه السلام – : أنه سمع قول المتظلم من الخصمين ، ولم يخبر عنه أنه سأل الآخر ، إنما حكى أنه ظلمه ، فكان ظاهر ذلك أنه رأى في المتكلم مخائل الضعف والهضيمة ، فحمل أمره على أنه مظلوم كما يقول ، ودعاه ذلك إلى ألا يسأل الخصم ، فقال له مستعجلا : لقد ظلمك مع إمكان أنه لو سأله لكان يقول : كانت لي مائة نعجة ولا شيء لهذا ، فسرق مني هذه النعجة ، فلما وجدتها عنده قلت له ارددها ، وما قلت له أكفلنيها ، وعلم أني مرافعه إليك ، فجرني قبل أن أجره ، وجاءك متظلما من قبل أن أحضره ، لتظن أنه هو المحق وأني أنا الظالم . ولما تكلم داود بما حملته العجلة عليه ، علم أن الله – عز وجل – خلاه ونفسه في ذلك الوقت ، وهو الفتنة التي ذكرناها ، وأن ذلك لم يكن إلا عن تقصير منه ، فاستغفر ربه وخر راكعا لله تعالى شكرا على أن عصمه ، بأن اقتصر على تظليم المشكو ، ولم يزده على ذلك شيئا من انتهار أو ضرب أو غيرهما ، مما يليق بمن تصور في القلب أنه ظالم ، فغفر الله له ثم أقبل عليه يعاتبه ، فقال : ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله فبان بما قصه الله تعالى من هذه الموعظة ، التي توخاه بها بعد المغفرة ، أن خطيئته إنما كانت التقصير في الحكم ، والمبادرة إلى تظليم من لم يثبت عنده ظلمه . ثم جاء عن ابن عباس أنه قال : سجدها داود شكرا ، وسجدها النبي – صلى الله عليه وسلم – اتباعا ، فثبت أن السجود للشكر سنة متواترة عن الأنبياء صلوات الله عليهم . بسؤال نعجتك أي : بسؤاله نعجتك ، فأضاف المصدر إلى المفعول ، وألقى الهاء من السؤال ، وهو كقوله تعالى : لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي من دعائه الخير . – تفسير القرطبي ج15 ص 149-160 ] .
وفي تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني :
[ {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ}
[ عن علي بن إبراهيم: في قوله: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } يعني نزلوا من المحراب { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ } إلى قوله: { وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }.
– ثم قال علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن الصادق (عليه السلام)، قال: ” إن داود (عليه السلام) لما جعله الله عز و جل خليفة في الأرض، و أنزل عليه الزبور، أوحى الله عز و جل إلى الجبال و الطير أن يسبحن معه، و كان سببه أنه إذا صلى ببني إسرائيل قام وزيره بعد ما يفرغ من الصلاة فيحمد الله، و يسبحه، و يكبره، و يهلله، ثم يمدح الأنبياء (عليهم السلام) نبيا نبيا، و يذكر من فضلهم، و أفعالهم، و شكرهم، و عبادتهم لله سبحانه و تعالى، و الصبر على بلائه، و لا يذكر داود (عليه السلام)، فنادى داود ربه، فقال: يا رب، قد أنعمت على الأنبياء بما أثنيت عليهم، و لم تثن علي.
فأوحى الله عز و جل إليه: هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا، و أنا أثني عليهم بذلك. فقال: يا رب، فابتلني حتى أصبر. فقال: يا داود، تختار البلاء على العافية؟ إني ابتليت هؤلاء و لم أعلمهم، و أنا أبتليك و أعلمك أن بلائي في سنة كذا، و شهر كذا، و يوم كذا.
و كان داود (عليه السلام) يفرغ نفسه لعبادته يوما، و يقعد في محرابه، و يوما يقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلما كان في اليوم الذي وعده الله عز و جل اشتدت عبادته، و خلا في محرابه، و حجب الناس عن نفسه، و هو في محرابه يصلي فإذا بطائر قد وقع بين يديه، جناحاه من زبرجد أخضر، و رجلاه من ياقوت أحمر، و رأسه و منقاره من لؤلؤ و زبرجد، فأعجبه جدا، و نسي ما كان فيه، فقام ليأخذه، فطار الطائر فوقع على حائط بين داود و بين أوريا ابن حنان، و كان داود قد بعث أوريا في بعث، فصعد داود (عليه السلام) الحائط ليأخذ الطائر و إذا امرأة أوريا جالسة تغتسل، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها، و غطت به بدنها، فنظر إليها داود. فافتتن بها، و رجع إلى محرابه، و نسي ما كان فيه، و كتب إلى صاحبه في ذلك البعث: لما أن تصير إلى موضع كيت و كيت، يوضع التابوت بينهم و بين عدوهم.
و كان التابوت في بني إسرائيل، كما قال الله عز و جل: { فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ البقرة: 248]، و قد كان رفع بعد موسى (عليه السلام) إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل المعاصي، فلما غلبهم جالوت، و سألوا النبي أن يبعث إليهم ملكا يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت، و أنزل عليهم التابوت، و كان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل و بين أعدائهم و رجع عن التابوت إنسان كفر و قتل، و لا يرجع أحد عنه إلا و يقتل.
فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه: أن ضع التابوت بينك و بين عدوك، و قدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت. فقدمه، فقتل أوريا، فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان، و لم يكن تزوج امرأة أوريا، و كانت في عدتها، و داود في محرابه يوم عبادته، فدخل عليه الملكان من سقف البيت، و قعدا بين يديه، ففزع داود منهما، فقالا: لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق و لا تشطط، و اهدنا إلى سواء الصراط، و لداود حينئذ تسع و تسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية، فقال أحدهما لداود: إن هذا أخي له تسع و تسعون نعجة، و لي نعجة واحدة، فقال: أكفلنيها و عزني في الخطاب.
أي ظلمني و قهرني، فقال داود كما حكى الله عز و جل: { لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ } إلى قوله: { وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } ، قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة و قال:
قد حكم الرجل على نفسه. فقال داود: أ تضحك و قد عصيت! لقد هممت أن أهشم فاك. قال: فعرجا، و قال الملك المستعدى عليه: لو علم داود لكان أحق بهشم فيه مني. ففهم داود الأمر، و ذكر الخطيئة، فبقي أربعين يوما ساجدا يبكي، ليله، و نهاره، و لا يقوم إلا وقت الصلاة، حتى انخرق جبينه، و سال الدم من عينيه.
فلما كان بعد أربعين يوما، نودي: يا داود، مالك، أ جائع أنت فنشبعك، أو ظمآن فنسقيك، أو عريان فنكسوك، أم خائف فنؤمنك؟ فقال: أي رب، و كيف لا أخاف و قد عملت ما عملت، و أنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم؟ فأوحى الله إليه: تب، يا داود. فقال: أي رب، و أني لي بالتوبة؟ قال: صر إلى قبر أوريا حتى أبعثه إليك، و اسأله أن يغفر لك، فإن غفر لك غفرت لك. قال: يا رب، فإن لم يفعل؟ قال: أستوهبك منه.
قال: فخرج داود (عليه السلام) يمشي على قدميه و يقرأ الزبور، و كان إذا قرأ الزبور لا يبقي حجر، و لا شجر، و لا جبل، و لا طائر، و لا سبع إلا يجاوبه، حتى انتهى إلى جبل، فإذا عليه نبي عابد، يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال، و أصوات السباع علم أنه داود (عليه السلام)، فقال: هذا النبي الخاطئ. فقال له داود : يا حزقيل، أ تأذن لي أن أصعد إليك؟ قال: لا، فإنك مذنب. فبكى داود (عليه السلام)، فأوحى الله عز و جل إلى حزقيل: يا حزقيل، لا تعير داود بخطيئته، و سلني العافية. فنزل حزقيل، و أخذ بيد داود فأصعده إليه، فقال له داود : يا حزقيل، هل هممت بخطيئة قط ؟ قال: لا. قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عز و جل؟ قال: لا. قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها و لذاتها؟ قال: بلى، ربما عرض ذلك بقلبي. قال: فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشعب ، فأعتبر بما فيه.
قال: فدخل داود (عليه السلام) الشعب، فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية، و عظام نخرة، و إذا لوح من حديد و فيه مكتوب، فقرأه داود (عليه السلام)، فإذا فيه: أنا أروى بن سلم ، ملكت ألف سنة، و بنيت ألف مدينة، و افتضضت ألف جارية، و كان آخر أمري أن صار التراب فراشي، و الحجارة و سادي، و الحيات و الديدان جيراني، فمن رآني فلا يغتر بالدنيا.
و مضى داود حتى أتى قبر أوريا، فناداه، فلم يجبه، ثم ناداه ثانية، فلم يجبه، ثم ناداه ثالثة، فقال أوريا: مالك- يا نبي الله- قد شغلتني عن سروري و قرة عيني؟ فقال داود: يا أوريا، اغفر لي، و هب لي خطيئتي. فأوحى الله عز و جل إليه: يا داود، بين له ما كان منك. فناداه داود (عليه السلام)، فأجابه في الثالثة، فقال: يا أوريا، فعلت كذا و كذا، و كيت و كيت. فقال أوريا: أ يفعل الأنبياء مثل هذا؟ فقال: لا ، فناداه فلم يجبه، فوقع داود على الأرض باكيا، فأوحى الله إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه، فكشف عنه، فقال أوريا: لمن هذا؟ فقال: لمن غفر لداود خطيئته.
فقال: يا رب، قد وهبت له خطيئته.
فرجع داود (عليه السلام) إلى بني إسرائيل، و كان إذا صلى وزيره يحمد الله و يثني على الأنبياء (عليهم السلام)، ثم يقول: كان من فضل نبي الله داود قبل الخطيئة كيت و كيت. فاغتم داود (عليه السلام)، فأوحى الله عز و جل إليه: يا داود، قد وهبت لك خطيئتك، و ألزمت عار ذنبك بني إسرائيل. فقال: و كيف، و أنت الحكم العدل الذي لا يجوز؟ قال:
لأنه لم يعاجلوك بالنكير. قال: و تزوج داود (عليه السلام) بعد ذلك بامرأة أوريا، فولدت له سليمان (عليه السلام). ثم قال عز و جل: { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ } “.
– ثم قال علي بن إبراهيم: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: { وَظَنَّ دَاوُودُ }: ” أي علم، { وَأَنَابَ } أي تاب “. و ذكر أن داود كتب إلى صاحبه: أن لا تقدم أوريا بين يدي التابوت، ورده.فلما رجع أوريا إلى أهله مكث ثمانية أيام ثم مات. – تفسير البرهان ] .
وهنا :
(وهل أتاك)
[ وأتى بمعنى مر عليه أو جاءه – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل التاء والياء ] .
أي أنه يقول تعالى هل مر عليك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب كقووله تعالى عندما يريد الله تبارك وتعالى أن يقص القصص على نبيه والمؤمنين من بعده فقال تعالى في نبي الله موسى عليه السلام {
{ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى – طه 9-12 }
ومن هذا الحديث حديث الجنود فرعون وثمود الذين قال تعالى فيهم { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ – البروج 17-22 } .
وقال تعالى عن الملائكة التي ابتعثها الله تبارك وتعالى لهلاك قوم لوط { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ – الذاريات 24-30 }
وهؤلاء ستغاشهم آخر الزمان غاشية من عذاب الله تعالى قال تعالى {هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذٍ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراَ حامية – الغاشية } .
وبالتالي القصة هنا سيقصها الله تعالى علينا هى قصة الخصم الذين تسوروا المحراب كما في قوله تعالى هنا { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب – ص 21 } .
وأما :
(النبأ)
[ ونبأه بالشيء أخبره به والنبأ الخبر ذو الشأن والقصة ذات البال والجمع أنباء وقد يكون عن الماضي أو الآتي والنبوة منصب النبي وجماع مميزاته التي بها يصير نبياً وجمع على النبيين والأنبياء – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الباء والهمزة ] قال تعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ – المائدة 27-30 } .
قال تعالى عن قصص الأنبياء مع قومهم { تلك القرى نقص عليك من أنبائها منها – الاعراف 101 } ومن هذه الأنباء هنا نبأ نبي الله داوود مع الخصم إذ تسوروا المحراب قال تعالى { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ص 20-23} ثم يبين تعالى أن هناك أنباء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد نبأ تكذيب قومه له قال تعالى .
{ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ – الانعام 66-67 } .
ولذلك قال تعالى أنهم سيعلمون هذا النبأ بعد حين وهو نبأ يخص من كفروا بالله تعالى وكذبوا بآياته وعملوا بالهوى في مقابل القرآن الكريم وحربهم مع الله تعالى ورسوله و أهل بيت النبي ومودتهم عليهم السلام قال تعالى لذلك { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ – ص 84-88} .
وأما :
(الخصم)
[ وخاصمه خصاماً : نازعه وجادله فهو مخاصم وهو خصيم ] .
هنا : [ عن أمير المؤمنين مجيباً عن بعض الزنادقة وقد قال وأجده قد شهر هفوات أنبيائه إلى قووله وببعثه على داوود جبريا وميكائيل حيث تسوروا المحراب إلى آخر القصة : وأما هفوات الأنبياء عليهم السلام وما بينه في كتابه فإن ذلك من أول الدلائل على حكمة الله تعالى الباهرة وقدرته القاهرة وعزته الظاهرة لأنه علم أن براهين الأنبياء تكبر في صدور أممهم وأن بعضهم من يتخذ بعضاً إلهاً كالذي كان من النصارى في ابن مريم فذكرها دلالة على تخلفهم عن الكمال الذي انفرد به عز وجل ألم تسمع إلى قةله في صفة عيسى حيث قال تعالى فيه وفي أمه {كانا يأكلان الطعام } يعني أن من أكل الطعام كان له ثقل وكل من كان له ثقل فهو بعيد مما ادعته النصارى في ابن مريم – تفسير نور الثقلين ج4 ص 446-447 ] .
[ ويقول الإمام الرضا عليه السلام إن المرأة في زمن نبي الله داوود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبداً فأول من أباح الله عز وجل أن يتزوج بامرأة قتل بعلها نبي الله داوود عليه السلام فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها فذلك الذي شق على الناس من قبل أوريا – تفسير نور الثقلين – ج 4 ص 446 ] .
ولذلك أمر الإمام علي عليه السلام بالجلد على من زعم أن نبي الله داوود أرسل أوريا ليقتل حتى يتزوج زوجته .
[ روى عن أمير المؤمنين أنه قال لا أوتى برجل يزعم أن داوود تزوج بامرأة أوريا إلا جلدته حدين حداً للنبوة وحداً للإسلام – تفسير نور الثقلين – ج 4 ص 446 ] .
والخصومة هنا قال تعالى فيها مبيناً أنها بين خصمان بغى أحدهما على الآخر قال تعالى فيهما {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ – ص 21-24 } .
ولورود لفظ الخصومة على الإناث من بنات آدم في قوله تعالى { أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين – الزخرف 18 } تشير إلى أن الخصوة بالفعل كان طرفها امرأة وذلكلأنه لم يكن معهوداً في ذلك الزمان أن يتزوج أحداً بأرملة سواء نات زوجها أوقتل وللتخفيف عليهم من الله تعالى كانت هذه الخصومة .
وهذا الإختصام في ومن البي الخاتم صلى الله عليه وآله بدأ بنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله واختصام قومه معه صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون – الزخرف 58 }
ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله : { إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا – النساء 105 } وقال تعالى في الخصومة بين بني هاشم وبني أمية يوم بدر { هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ – الخح 19 } [- عن علي بن أبي طالب أنه قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة . قال قيس : وفيهم نزلت : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) ، قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة وعبيدة ، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة . انفرد به البخاري . – تفسير بن كثير ] .
والتأكيد على أنها خصومة بين أهل بيت النبي وخصومهم ورود هذا اللفظ على المنافقين من خصومهم في قوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد – البقرة 204-205}
وهذه الخصومات بين الأنبياء وقومهم في كل زمن فقال تعالى في قوم ثمود { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون – النمل 45 }
وهذه الخصومات ستكثر وتنتشر بين الناس قبل القيامة حتى تأتيهم الصيحة بغتة وهم يختصمون كما في قوله تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون – يس 49 }.
وأما :
(إذ)
{ وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون – البقرة 84 } .
وهنا يبين تعالى أن هذان الخصمان كانا ملكين يختصمان في قضية قال تعالى فيها { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ – ص 21-25 } .
وأما :
(تسوروا)
[ و السور : الجدار المحيط المرتفع وتسوره تسوراً : تسلقه – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والراء ] .قال تعالى { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب –الحديد 13 } والسور هنا كان لمحراب نبي الله داوود حيث تسلقوه قال تعالى { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب – ص 21 } .
وأما :
(المحراب)
[ المحراب : مكان التعبد والإنقطاع للعبادة والصلاة –معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الراء والباء ] قال تعالى مبيناً أن المحراب مكان هبوط الملائكة في قوله تعالى { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين – آل عمران 39 } وقال تعالى أيضاً في بيان أن العبادة سبباً في الرزق والبركة وإجابة الدعاء { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب – آل عمران 37 }
و بعد هبوط الملائكة في المحاريب تكون إجابة الدعاء ونزول الأحكام على الأنبياء ولذلك قال تعالى في زكريا عليه السلام قال تعالى {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا – مريم 11 } ولذلك هنا يصح حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام أن الله تعالى أراد أن يخفف عنهم في أمر زواج الأرملة سواء مات زوجها أو قتل .
ثم يقول تعالى :
(22) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
وهنا :
(إذ دخلوا)
يبينن تعالى من خلال هذه الآيات أن الذين دخلوا عليه بالفعل كانوا ملائكة لقوله تعالى { وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ – الحجر52-59 } وقال تعالى فيهم أيضاً مبيناً أنهم قوم منكرون لا يعرفهم نبي الله إبراهيم عليه السلام { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ – الذاريات 24-28 } . وحيث أنهما ملكين جاءاَ ببشارة لسيدنا إبراهيم فهنا أيضاً هذه الملائكة جاء له عليه السلام ملكين قال تعالى فيهما (خصمان بغى بعضنا على بعض) وما جاءاً إلا ببشارة لأمة بني إسرائيل لتخفيف حكم عليهم في صورة حكم قضائي سيقضي فيه نبي الله داوود عليه السلام وهو تخفيف حكم منع زواج الأرملة قال تعالى هنا { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط – ص 22 } .
وأما :
(على داوود)
وهنا دخولهم على داوود كان للقضاء بينهم كما في قوله تعالى { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 } فلما قضى فيهم وخفف الله تعالى خكم زواج الأرملة بعد وفاة زوجها أو قتله واضح أن بني إسرائيل خالفوا ذلك الحكم وروجوا فرية أن نبي الله داوود أرسل أوريا للحرب كي يقتل ويتزوج زوجته لذلك لعنهم نبي الله داوود ونبي الله عيسى عليهما السلام بعد أن فصلوا لهم هذه القضية
[.. جاء في كتب الإسرائيليات من وقوع نبي الله داود عليه والسلام في الزنا فهو من القبائح المنكرة ، وهي من جملة افتراءات الكذبة على رسل الله المحرِّفين لدينهم ، فقد جاء في ” العهد القديم ” صموئيل الثاني ، الإصحاح الحادي عشر ( ص 498 ) ما نصُّه : ” وأما داود فأقام في أورشليم ، وكان وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم ، وكانت المرأة جميلة المنظر جدّاً ، فأرسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : أليست هذه ” بَثْشَبَعَ بنت أَلبِعَام ” امرأة أُوريا الحثي ، فأرسل داود رسلاً وأخذها ، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مُطهرة من طمثها ، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة ، فأرسلت وأخبرت داود وقالت : إني حبلى !! … .
إلى أن قالوا – كاذبين – :
كتب داود مكتوبًا إلى ” يواب ” وأرسله بيد ” أوريا ” ، وكتب في المكتوب يقول : ” اجعلوا ” أوريا ” في وجه الحرب الشديدة وأرجعوا مَن وراءه ، فيُضرب ويموت ، وكان في محاصرة ” يواب ” المدينة : أنه جعل أوريا في الموضع الذي علم أن رجال البائس فيه ، فخرج رجال المدينة وحاربوا ” يواب ” فسقط بعض الشعب من عبيد ” داود ” ، ومات ” أوريا ” الحثي أيضاً .
إلى أن قالوا – مفترين – :
فلما سمعت امرأة ” أوريا ” أنه قد مات ” أوريا ” رجلها ندبت بعلها ، ولما مضت المناحة أرسل ” داود ” وضمها إلى بيته ، وصارت له امرأة ، وولدت له ابناً ، وأما الأمر الذي فعله داود فَقَبح في عيني الرب ! ” أ.هـ .
وقد تسرَّبت هذه القصة إلى بعض كتب التفسير التي لا يُعنى أصحابها بالتحقيق ، ولم ينزهوا تفاسيرهم عن الإسرائيليات ، فذكروها عند قوله تعالى ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ . إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ . قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ . فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) ص/ 21 – 25 – ” الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل ” ( 4 / 14 ) ..]
ولذلك لعنهم نبي الله داوود وعيسى عليهما السلام قال تعالى { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون – المائدة 78 }. و روى أيضاً عن الإمام علي (عليه السلام) [أنه قال لا أوتى برجل يزعم أن داوود تزوج بامرأة أوريا إلا جلدته حدين حداً للنبوة وحداً للإسلام – تفسير نور الثقلين – ج 4 ص 446 ] .
وأما :
(ففزع منهم)
[ وفزع منه : هب ومنه الفزع كالجزع : انقباض ونفار يعتري الإنسان من المخيف ويفترق الفزع عن الخوف لما فيه من نفور – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الزاي والعين ] . قال تعالى { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين – النما 87 } وقال تعالى أيضاً { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب – سبأ 51 } ولا يأمن من فزع الله تعالى إلا من عمل صالحاً لقوله تعالى { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون -النمل 89 } .وحيث أن الملائكة هنا أمنته بقولهم ( لا تخف) فهم قد بعثهم الله تعالى بحكمإلهي فيه الخير لهم قال تعالى فيما قالوه له { إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ – ص 22 } . وهنا لا تخف أي أن أمر ليس فيه فزع بل قضاء بحكم إلهي .
[ ورد عن الإمام الصادق عليه السلام …. فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان وقعدا ولم يكن تزوج بامرأة أوريا وكانت في عدتها وداوود في محرابه يوم عبادته فدخل الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داوود منهما فقالا ( لا تخف خصمان بغى بعضهما على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) ولداوود حينئذٍ تسعة وتسعون بين مهيرة ( الحرة الغالية المهر) إلى جارية فقال أحدهما لنبي الله داوود ( إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 ) أي ظلمني وقهرني فقال داود كما حكى الله عز وجل ( قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 ) قال فضحك المستعدى عليه من اللائكة وقال : حكم الرجل على نفسه فقال داوود : أتضحك وقد عصيت ؟ لقد هممت أن أهشم فاك قال: فعرجا وقال الملك المستعدى عليه : لو يعلم داوود أنه أحق بأن يهشم فاه مني ففهم داوود الأمر وذكر الخطيئة فبقى أربعود يوماً ساجداً يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينية … – نور الثقلين ج4 ص 448 ] .
وأما :
(قالوا لا تخف)
وهنا يبين تعالى أن الملائكة طمئنته وقالوا لا تخف كما قالوا لنبي الله لوط عليه السلام لما فزع منهم { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط – هود 70 } وقال تعالى أيضاً { ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين – العنكبوت 3 } وكذلك لما دخلوا على نبي الله إبراهم قالوا له أيضاً لا تخف قال تعالى { فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم -الذاريات 28 } .
وهنا يبين تعالى أن داوود فزع منهم قال تعالى { ففزع مهم قالوا لا تخف } ولاحظ هنا كل نبي في استقبال الملائكة درجة خوفه منهم على قدر درجته ومكانته عند الله تعالى فنبي الله إبراهيم لأنه أبو الأنبياء وخليل الرحمن نكرهم و أوجس منهم ونبي الله داوود فزع منهم وأما نبي الله لوط عليه وعليهم السلام خاف وحزن مما يفعله قومه لعنهم الله .وهذه درجات نبوة عند الله تعالى قال فيها { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد – البقرة 253 } .
وأما :
(خصمان)
وهذان الخصمان الذين اختصما في خصومة قال تعالى فيها { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب – 21 } وهذه الخصومة هى التي قال تعالى فيها هنا { خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط – ص 22 }
والإختصام هنا في حكم لقوله تعالى {هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم – الحج 19 } والإختصام هنا كان في شأن ضم نعجة إلى نعاج الخصم الآخر قال تعالى { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص23 } .
وأما :
(بغى بعضنا على بععض)
[ وبغى عليه بغياً : ظلمه وعداه عن الحق واستطال ] قال تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين – الحجرات 9 } وهنا البغي بين تعالى أنه بين طائفين من المؤمنين لذلك لا يحدث هذا البغي من الظلمة إلا بعد نزول الحق لذلك يقول تعالى { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب –الشورى 14 } والحق المنزل هنا حكما جديداً منزل من عند الله لم يعهده الناس من قبل قال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا – النساء 34 }
والآية فيها إشارة إلى حكم بين الزوج وزوجته حال النشوذ وفيها إشارة لصلاح المؤمنات القانتات ولا ينبغي رميهن بما يشير إلى عفة زوجة أوريا وقوامة نبي الله داوود عليه السلام وحكم الله تعالى في هذه القضية وما حدث للنبي داوود وزوجته أم نبي الله سليمان عليهم السلام جميعا وما حدث من بغي عليهم لذلك قال تعالى هنا في هذه القضية { خصمان بغى بعضنا على بعض – ص 22 } .
وأما :
(بعضنا على بعض)
وهنا يقول تعالى فيما قاله نبي الله داوود من حكم في هذه القضية { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } ولورود هذه الآيات في قوله تعالى عن الرجال والنساء أو الرجل وزوجته والجهاد في سبيل الله والهجرة والشهادة في سبيل الله وفي الآية دلالة على أن أوريا مات شهيداً وليس قتيلاً بمكيدة من نبي الله داوود ليتزوج زوجته ولم يكن احكم الله قد نزل بما يؤكد فعلا أنه أمر تمني نزول حكم من الله في هذه المشكلة وليس كما افترى المجرمون هذا الإفتراء قال تعالى :{ فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب – آل عمران 195 } .
ولذلك قال تعالى هنا في هذه القضية بين الخصمين { إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط – ص 22 } فقال له نبي الله داوود عليه السلام { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 }
والقضية فيها تمني أمراً أي أنه لم يخرج عن هذا التمني من نبي الله داوود برفع هذا الحكم وهو حكم زواج الأرملة وذلك لورود هذه الآيات في قوله تعالى { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما – النساء 32 } ولذلك قال الملكين { خصمان بغى بعضنا على بعض – ص 22 } .
وأما :
(فاحكم بيننا بالحق)
والحكم بالحق يكون بكتب الله المنزلة على أنبياء الله تعالى كما في قوله عز وجل { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – البقرة 213 } أي أن قول الملائكة هنا { فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط } أي أحكم بيننا بكتاب الله وفيه الحق .
وأما :
(ولا تشطط)
[ وشط يشط شطوطاً : بعد وأفرط في البعد وشط عليه في الحكم وجار وتجاوز القدر – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الطاء والطاء ] . قال تعالى { وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا -الجن 4 } وهذا الشطط اتخذا إلهاً غير الله تعالى ووالعمل بالتالي بغير ما أنزل الله لذلك قال تعالى عن أهل الكهف { وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا – الكهف 14 } .
وأما :
(واهدنا إلى سواء الصراط)
[ سواء : تدل على التوسط والتعادل وسواء الشيء وسطه وسواء السبيل واقصده – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والياء ] أي أهدنا الصراط المستقيم قال تعالى { أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم -الملك 22 } أي أن {اهدنا إلى سواء الصراط} أي اهدنا إلى صرط الله المستقيم .
ثم يقول تعالى :
(23) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب (23)
وهنا :
(إن هذا)
ووهنا من خلال هذه الآيات وذلك لأن كل حرف في كتاب الله آيه يقول تعالى {إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم – آل عمران 62 } وهذا القصص في الصحف الأولى كما قال تعالى { إن هذا لفي الصحف الأولى – الأعلى 18 } وهذا هو حق اليقين لقوله تعالى { إن هذا لهو حق اليقين – الواقعة 95 } وهذا الحق أكثرأمة اختلفت فيه أمة بني إسرائيل بما يشير إلى ما فعلوه وما رموا به نبي الله داوود وأرملة أوريا أم نبي الله سليمان عليه وعلى أبيه الصلاة والسلام لذلك قال تعالى {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون – النمل 76 } وهنا يين تعالى بداية تفاصيل هذه الخصومة في قوله تعالى {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 } .
وأما :
(أخي)
والأخوة هنا إما أن تكون أخوة نسب كما في قوله تعالى { وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين – يونس 87 } أو أخوة في الدين قال تعالى فيها { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون – الحجرات 10 } . وهنا يبين تعالى أن الملكين جاءا ليبينوا للمؤمنين إشكالية حكم في صورة خصومة قال تعالى {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 } .
وأما :
(له تسع وتسعون)
هنا يبين تعالى من خلال رقم تسعه أن هذا الموضوع آية من آيات الله تعالى في زمن نبي الله داوود لقوله تعالى في الآيات التي دعم بها نبي الله موسى عليه السلام في حجته { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا – الإسراء 101 } أي أن هذه الآية هنا دعماً وتقوية لحجة نبي الله داوود في هذا الحكم لأنه لم يكن معهوداً فأتى الله تعالى بها في صورة قضية وخصومة وحكم قضائي ليس معهوداَ به في هذا الزمن يقضي به نبي الله تعالى وفقاً لحكم الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 } ولورود هذا العدد على مفسدين في الأرض في قوله تعالى { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون – النمل 48 } يبين تعالى من خلاله أن من بني إسرائيل تسعة هم الذين رموا نبي الله داوود بهذه التهمة وهؤلاء سيدخلهم الله تعالى جهنم وعليها ممن الزبانية تسعة عشر قال تعالى {عليها تسعة عشر – المدثر 30 } .
وأما :
(نعجة ولي نعجة واحدة)
أي أنه هنا لما جاء المشتكي ليشرح مظلمته قال { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 } وهنا أجابه عليه السلام بحكم الله تعالى قائلا { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب –ص 24 } .
وأما :
(واحدة)
ورد لفظ واحد وواحدة في قوله تعالى { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا – النساء 1} والآية تشير هنا إلى أن أرملة أوريا مقدرة عند الله زوجة لنبي الله داوود لذلك جاء لفظ واحد هنا في الآية { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 } فقد كان يمكن الإستغناء عن لفظ واحد فيقول { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة فقال أكفلنيها) وبالتالي لفظظ واحدة هنا ليؤكد لنا القرآن الكريم أنها زوجة لنبي عند الله تعالى واراد الله تعالى أن يعلم أمة المسلمين وقتها وهم بنو إسرائيل حكم الله تعالى في زواج الأرملة وهنا هذه القضية بتمامها كقصة زواج خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وزواجة من السيدة زينب بنت جحش وما رموه به من أنه قد أعجبته لما رآها بنفس طريقة افتراء جهلة المفسرين عند قوله تعالى { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } فقالو أنه اخفى حبه وإعجابه بها ونسوا أنه نبي ورسول ويعلم من الله مالا يعلمه الناس وقد كان يعلم أنها زوجة له عند الله وليست زوجة لزيد وهذا ما أخفاه وبنفس الطريقة وردت هذه القضية في صورة خصومة لتعليم بني إسرائيل حكماً مخففاً من الله تعالى عليهم ولفظ واحد هو الذي دلل لنا على ذلك أيضاً لوروده في قوله تعالى { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين – الأعراف 189 } وصالحاً هنا كان نبي الله سليمان عليه السلام ومن هنا بعض المفسرين الحاذقين من السلف الصالح ربط بين قصة زواج نبي الله داوود بأرملة أوريا مثل زواج النبي من السيدة زينب بنت جحش .
أورد القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن :
[ قال ابن العربي : وأما قولهم إنها لما أعجبته أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله فهذا باطل قطعا ، فإن داود – صلى الله عليه وسلم – لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه ، وإنما كان من الأمر أن داود قال لبعض أصحابه : انزل لي عن أهلك ، وعزم عليه في ذلك ، كما يطلب الرجل من الرجل الحاجة برغبة صادقة ، كانت في الأهل أو في المال . وقد قال سعد بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف حين آخى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بينهما : إن لي زوجتين أنزل لك عن أحسنهما ، فقال له : بارك الله لك في أهلك . وما يجوز فعله ابتداء يجوز طلبه ، وليس في القرآن أن ذلك كان ، ولا أنه تزوجها بعد زوال عصمة الرجل عنها ، ولا ولادتها لسليمان ، فعمن يروى هذا ويسند ؟ ! وعلى من في نقله يعتمد ، وليس يأثره عن الثقات الأثبات أحد . أما أن في سورة [ الأحزاب ] نكتة تدل على أن داود قد صارت له المرأة زوجة ، وذلك ] قوله : ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل يعني في أحد الأقوال : تزويج داود المرأة التي نظر إليها ، كما تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – زينب بنت جحش ، إلا أن تزويج زينب كان من غير سؤال الزوج في فراق ، بل أمره بالتمسك بزوجته ، وكان تزويج داود للمرأة بسؤال زوجها فراقها . فكانت هذه المنقبة لمحمد – صلى الله عليه وسلم – على داود مضافة إلى مناقبه العلية صلى الله عليه وسلم . ولكن قد قيل : إن معنى سنة الله في الذين خلوا من قبل تزويج الأنبياء بغير صداق من وهبت نفسها لهم من النساء بغير صداق . وقيل : أراد بقوله : سنة الله في الذين خلوا من قبل أن الأنبياء صلوات الله عليهم فرض لهم ما يمتثلونه في النكاح وغيره . وهذا أصح الأقوال . وقد روى المفسرون أن داود – عليه السلام – نكح مائة امرأة ، وهذا نص القرآن . وروي أن سليمان كانت له ثلاثمائة امرأة وسبعمائة جارية ، وربك أعلم . وذكر الكيا الطبري في أحكامه في قول الله – عز وجل – : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب الآية : ذكر المحققون الذين يرون تنزيه الأنبياء عليهم السلام عن الكبائر ، أن داود – عليه السلام – كان قد أقدم على خطبة امرأة قد خطبها غيره ، يقال : هو أوريا ، فمال القوم إلى تزويجها من داود راغبين فيه ، وزاهدين في الخاطب الأول ، ولم يكن بذلك داود عارفا ، وقد كان يمكنه أن يعرف ذلك فيعدل عن هذه الرغبة ، وعن الخطبة بها ، فلم يفعل ذلك ، من حيث أعجب بها إما وصفا أو مشاهدة على غير تعمد ، وقد كان لداود – عليه السلام – من النساء العدد الكثير ، وذلك الخاطب لا امرأة له ، فنبهه الله تعالى على ما فعل بما كان من تسور الملكين ، وما أورداه من التمثيل على وجه التعريض ، لكي يفهم من ذلك موقع العتب فيعدل عن هذه الطريقة ، ويستغفر ربه من هذه الصغيرة .- الجامع لأحكام القرآن للقطبي ج 15 ص 159-160]
وأما :
(فقال أكفلنيها)
[ وكفله يكفله كفلاً وكفالة : عاله ورعاه ] قال تعالى في السيدة مريم عليها السلام { وكفلها زكريا – مريم 37 } .
وقال تعالى في نبي الله موسى عليه السلام وهو رضيع { وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون – القصص 12 } . والكفالة هنا لا تشير إلى زواج بل إعالة نبي الله داوود لزوجة أوريا بأنه كان كفيلها ومتولي أمرها في قوله تعالى هنا { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب – ص 23 } .
وأما :
(وعزني في الخطاب)
و[ عزني : بمعنة غلبني ] قال تعالى { قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون – النمل 34 } وهنا قول ملكة سبأ هذا ثم زواج نبي الله سليمان منها بعد ذلك تؤكد نفس ما ذكرناه من قبل أن القضية كانت في قصة زواج نبي وتعليم الأمة أحكام دينها بواسطة ملك حاكم والملك هنا كان نبي الله داوود عليه السلام { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ – ص 17-20 } وبالتالي {عزني في الخطاب } غلبني بالملك والنبوة فكان الخطب كبيراً .
وأما :
(في الخطاب)
[ وخاطبه مخاطبة وخطاباً : تكلم معه والخطاب : الذي يفصل بين الححق والباطل و الخَطب : الشأن الذي تقع فيه المخاطبة – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الطاء والباء ] . قال تعالى { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون – هود 37 } ولورود هذا اللفظ في خِطبة النساء في قووله تعالى { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم – البقرة 235 } والآية هنا فيه إشارة بعلم نبي الله داوود أمر أرملة أوريا فلم يقل لها إلا قولاً معروفاً كما في الآية هنا { ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } وكان أجله بنزول الملكين وتفصيل هذه القضية ليحكم الله تعالى فيها يوتوب الله تعالى على داوود عليه السلام كما في قوله تعالى { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } .
وأما :
(24) قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب (24)
وهنا :
(قال لقد)
وهنا يقول تعالى { ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون – الحديد 26 } ومن هؤلاء نبي الله موسى عليه السلام و قصتة مع وفرعون في قوله تعالى { قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا – الإسراء 102 } وفي ذلك إشارة إلى أن حكم نبي الله داوود هو حكم الله تعالى الذي أنزل عليه كتاباً وهو الزبور ولقد حكم بما أنزل الله فيه فقال له { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – ص 24 }
وأما :
(ظلمك)
والظلم مجاوزة الحق ومن الظلم وضع الشيء في غير موضعه قال تعالى { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون – البقرة 59 } والظلم هنا بأن استبدلوا الحق بالباطل وقال تعالى مبيناً أنه تعالى لا يظلم مثقال ذرة قال تعالى { إن الله لا يظلم مثقال ذرة – النساء 40 } وكذلك أنبياء الله تعالى لا يظلمون كما أمرهم الله تعالى ولذلك قال له هنا نبي الله داوود هنا { قال لقد ظلمك بسؤال نعجيتك إلى نعاجه – ص 24 } .
وأما :
(بسؤال)
والسؤال ورد في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم – الممتحنة 10 }
وهنا أيضاً اللفظ فيه براءة لنبي الله داوود حيث تشير الآيات إلى بداية نزول حكم للتخيف عن بني إسرائيل وذلك أن بعثة الأنبياء دائماً تكون رحمة بالناس ورفع الإصر عنهم والأغلال وذلك أن السؤال هنا طلب وفيه إشارة هنا في قوله تعالى { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى تعاجه } أي أنه لم يفعل بل طلب إما خطبتها أو فكر في الزواج منها لعلمه بأحكام الله قبل نشرها على الناس وفي ذلك كلفظ هم في قوله تعالى { ولقد همت به وهم بها } ولكنه لم يفعل والعياذ بالله لكنه كان على علم بحكم جديد وهو زواج الأرملة وفي ذلك تخفيف من الله تعالى كما قال نبي الله عيسى عليه السلام لهم { ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون – آل عمران 50 } .
ثم بعث الله تعالى نبيه الخاتم ليخفف عنهم إصرهم والأعلال التي كانت عليهم كما في قوله تعالى :
{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون – الأعراف 157 } .
وبالتالي كان حكم الله تعالى هنا هو حكم رفع الإصر والأغلال عن زواج الأرملة بعد وفاة زوجها وقد كان أمراً جديداً بالنسبة للناس بما فتح باب المنافقين للطعن على نبي الله داوود عليه السلام .
وأما :
(نعجتك إلى نعاجه)
وهنا يقول صاحب المظلمة في عرض قضيته { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب -ص 23 } فأجابه نبي الله داوود عليه السلام بحكم الله قائلا { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } .
وأما :
(وإن كثيراً)
أي كثيراً من الناس عن آيات الله لغافلون { وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين -الأنعام 119 } وكثيراً منهم فاسقون كما في قوله تعالى { وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 } وكثيراً منهم بلقاء ربهم كافرون قال تعالى { وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون – الروم 8 } ولذلك قال نبي لله داوود هنا { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 }
وأما :
(من الخلطاء)
[ وخلط الشيئ بالشيئ يخلطه خلطاً : ضمهما ومزجهما ويستعمل في الحسيت والمعنويات وخالط فلان عاشره وداخله والخليط الشريك – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل اللام ولطاء ] قال تعالى { وإن تخالطوهم فإخونكم – البقرة 220 } وهؤلاء ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً كثيرون قال تعالى فيهم {وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم -التوبة 102 } وهؤلاء كثيرون كما قال فيهم نبي الله داوود هنا { وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم – ص 24 }
وأما :
(ليبغي)
وبغى عليه يبغي بغياً : ظلم وعدى عن الحق واستطال فهو باغ والبغي الكبر والظلم والفساد أو كل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيئ وقد يطلق البغي على الحسد – معجم الأفاظ القرآن باب الباء فصل الغين والياء ] قال تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين – الحجرات 9 } . ويبين تعالى أنه بالغي ينال الظالمون متاع الحياة الدنيا قال تعالى { الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون – يونس 23 } لذلك يبين نبي الله داوود عليه السلام أن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ابتغاء متاع الحياة الدنيا .
وأما :
(بعضهم على بعض)
وهنا يبين تعالى أن الخصمان قد دخلوا على نبي الله داوود قائلين { إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط – ص 22 } وهنا قال لهم نبي الله داوود عليه السلام { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } .
وأما :
(إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم)
وهنا حكم نبي الله داوود فيهم قائلاً بأن المؤمنين لا يبغون على أحد ويوم القيامة كل الناس في خسر إلا هؤلاء قال تعالى { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – العصر } وهؤلاء لهم يوم القيامة أجر غير ممنون لقوله تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون – الإنشقاق 25 } وهؤلاء قلة في الدنيا كما في قوله تعالى هنا { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم } .
وأما :
(وقليل )
وهنا ورد هذا اللفظ فيمن اشتروا الدنيا وباعوا أخراهم بدنياهم { اشتروا بآيات الله ثمناً قليلا – التوبة 29 } وهؤلاء المؤمنين دائماً قلة في كل زمان كما قال تعالى { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين الواقعة 13-14} وذلك لأن المؤمنين الشاكرين لله تعالى الذين تولوه حق ولايته قليلون قال تعالى فيهم { وقليل من عبادى الشكور – سبأ13 } .
وأما :
(ما هم)
وهنا يقول تعالى أن من الناس من يقولون آمنا وما هم بمؤمنين أي منافقين قال تعالى فيهم { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين –البقرة 8 } وهؤلاء كثرة قال تعالى فيهم { وإن كثيراً من الناس لفاسقون } وقليل من الناس مؤمنين كما في الآية هنا { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } . وهؤلاء الخلطاء الله تعالى يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون قال تعالى { إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار – الزمر 3 } .
وأما :
(وظن داوود)
والظن هنا ظنين الأول لا يقوم على علم فهو ظن سوء يودي إلى جهنم وقال تعالى فيه { وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا – النجم 28 } وظن آخر يقوم على نص من كتاب الله تعالى وفيه حكم الله فهو ظن يقوم على علم ويدخل الجنة يوم القيامة قال تعالى { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون –البقرة 46 } ولأن داوود ممتثلاً لأمر الله علم أن الله تعالى قد اختبره وفتنه فتاب وأناب قال تعالى { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 }
وأما :
(داوود)
هنا يبين تعالى أنه قد أتاه علما قال فيه { ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين – النمل 15 } أي أنه بهذا العلم الذي علمه الله تعالى إياه علم أنه قد فتن فتاب وأناب كما في قوله تعالى { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } .
وأما :
(أنما فتناه)
الفتنة اختبار قال تعالى فيه { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين –العنكبوت 2-3 } وهنا لما علم داوود أن الله تعالى قد فتنه استغفر ربه و خر راكعاً وأناب قال تعالى { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } .
وأما :
(فاستغفر ربه)
أي ظلب الغفران من الله تعالى لقوله عز وجل { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } ومن استغفر ربه عز وجل يتوب عليه ويمتعه متاعاً حسناً قال تعالى فيه { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 } ومن استغفر ربه زاده الله تعالى بركة وقوتة إلى قوته قال تعالى { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين – هود 52 } .وهذا االإستغفار فعلها نبي الله داوود وأناب كما في قوله تعالى هنا { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 }
وأما :
( وخر)
أي وقع على الأرض لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون –النحل 26 }
وبالتالي الركوع عند بني إسرائيل هو السجود في أمة محمد لقوله تعالى { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون – السجدة 15} وهذا السجود ركوع عند بني إسرائيل فلما دخل نبي الله يعقوب على يوسف وإخوته ركعوا له في انحناءة الشعوبأمام ملكهم ولذلك قال تعالى في نبي الله يعقوب { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم – يوسف 100 } وهل انتبه أحد بأن يعقوب لو سجد له فيكون قد اتخذه إلهاً من دون الله وهذا لايجوز أن يفعله مؤمن بالله تعالى .
وأما :
(راكعا)
وهنا هذا اللفظ أيضاً يؤدي لنفس المعنى السابق لأن الله تعالى قال للمسلمين مبيناً ركوعهم قبل سجودهم بالكيفية التي يعرفها كل المسلمين { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون – الحج 77 } ولما تكلم الله تعالى عن بني إسرائيل وكانت منهم السيدة مريم عليها وعلى ابنها سلام الله قال لها { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين – آلأ عمران43 }
وهنا حتى المسلمين لما أمرهم الله تعالى في سياق الأمر لأهل الكتاب بالإيمان بالله تعالى ورسوله قال للمسلمين واركعوا مع الراكعين أي تولوهم ماداموا آمنوا بما أنول في كتبهم وآمنوا بالنبي الخاتم قال تعالى { وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ – البقرة 41-43} ولاحظ هنا لم يقلواسجدوا مع الساجدين بل مع الراكعين أي مع الذين عملوا بكتابهم والبشارة التي بشرت بها هذه الكتب في شأن النبي الخاتم والأئمة من بعده والواردة في كتبهم وهنا قال تعالى { واركعوا مع الراكعين } وهى ولاية المؤمنين من أهل الكتاب لقوله تعالى في السيدة مريم { واركعي مع الراكعين } أيضاً .
وبالتالي صلاة اليهود مثلها مثل صلاة المسلمين ولكن السجود عندهم ركوع عندنا والركوع سجود على الأرض وهذا ما فعله نبي الله داوود في قوله تعالى { وخر راكعاً وأناب} أي سجد على الأرض .
وأما :
(وأناب)
و أناب أي رجع إلى الله تعالى مستسلماً لأمره عز وجل كما في قوله تعالى { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون – الزمر 54 } ومن أنابإلى الله تعالى عمل بوصية الأنبياء من قبل وتولى خاتم النبيين والأئمة من ذريته عليهم السلام قال تعالى { شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب – الشورى 13 } ولما قال تعالى هنا {خر راكعاً وأناب} أي استشفع بنبي الله الخاتم وأهل بيته عليهم السلام لورود لفظ الإنابة مقترناً بآية الوصية لمن اراد الإنابة إلى الله تعالى وكأنه يقول تعالى من اراد أن ينيب إلى الله فليتولى سيدنا محمد وأهل بيته الذين اوصى بهم أنبياء الله تعالى بأمر من الله ومن هنا نقول بأن داوود عليه السلام دعا ربه متوسلاً بهم كما دعا آدم ربه متوسلاً بهم أيضاً في قوله تعالى {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ – البقرة } فورد أن هذه الكلمات قوله تعالى { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وهذه الكلمات كما هو وارد في التفسير [” لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و أنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فاغفر لي و ارحمني و أنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم . قال الكليني: و في رواية أخرى: في قوله عز و جل: { فَتَلَقَّىٰ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَٰت } قال: ” سأله بحق محمد و علي و الحسن و الحسين و فاطمة (صلى الله عليهم) “. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وفي الحديث : [ أنبأ عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي . فقال الله : يا آدم ، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه ؟ قال : يا رب ، لأنك لما خلقتني بيدك ، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي ، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك . فقال الله : صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق إلي ، ادعني بحقه ، فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك . وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ] .
وأسماء النبي وأصحاب الكساء ورد أن نبي الله نوحاً كان قد كتبها على مقدمة السفينة ليتحصن بها بإذن الله .وهذه كلها إشارات على دعاء نبي الله داوود متوسلاً بسيدنا محمد صلى الله عليه وآل البيت عليهم السلام .
ثم يقول تعالى :
(25) فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب (25)
وهنا :
كما قال تعالى في نبي الله داوود له زلفى وحسن مآب كذلك قال في ابنه نبي الله سليمان في قوله تعالى { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص 40 }
وأما :
(فغفرنا له ذلك)
أي أنه يقول تعالى عن نبي الله داوود أنه لما استغفر ربه وأناب في قوله تعالى { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } وهنا يبين تعالى أنه لما استغفر ربه غفر الله تعالى له فقال تعالى هنا { فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب –ص 25 } وذلك لأن الله تعالى قال ومن يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما قال تعالى { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما – النساء 110 } .
وأما :
(وإن له عندنا)
أي أنه يقول تعالى عن أنبيائه عليهم السلام : { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار – ص 47 } وهنا نبي الله داوود منهم وله زلفى كما قال تعالى {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } .
وأما :
(لزلفى)
[ والزلفى : القربي ] قال تعالى { ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار – الزمر 3 } وكما غفر الله تعالى لداوود عليه السلام وقال له عندنا زلفى كذلك قال تعالى في نبي الله سليمان فقال تعالى أيضاً : { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص 40 } .
وأما :
(وحسن مآب)
[ وآب يؤوب أوباً : رجع وحسن المآب حسن المآل والرجعة ] قال عز وجل { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب – الرعد 29 } وهؤلاء هم المتقين ولهم حسن مآب لقوله تعالى { هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب – ص 40 } . ومن هؤلاء المتقين نبي الله داوود كما في الآية هنا { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } وكذلك نبي الله سليمان قال تعال { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص 40 } .
ثم يقول تعالى لنبي الله داوود لما نجح في الإختبار الإلهي وتاب الله تعالى عليه وقربه تعالى والتقرب رفع درجة له عند الله تعالى وهنا قال تعالى :
(26) يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26)
وهنا :
(ياداوود)
ووهنا يقول تعالى في نبي الله داوود { ولقد آتينا داوود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد – ص 10 } وهذا الفضل امتد من الله تعالى لذريته من بعده وهم آل داوود فقال تعالى لهم { اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور -سبأ 13 } .
وأما :
(إنا جعلناك خليفة)
أي أنه تعالى جاعله للناس خليفة كما قال تعالى في نبي الله آدم { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون – البقرة 30 } والخليفة يحكم في الناس بما أمر الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { يادوود إنا جعلناك خليفة فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله – ص26 }
وكما أن النبوة جعليه كذلك الإمامة قال تعالى في نبي الله إبراهيم وإمامته للأنبياء من بعده قال تعالى له { إني جاعلك للناس إماما قالومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين – البقرة 124 } وقال تعالى في الإمامة { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين – الأنبياء 73 } وخاتم هؤلاء النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ووزيره الإمام علي الذي قال فيه صلى الله عليه وآله في حديث المنزلة أنت مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .. الحديث ] وتلك الوزراة كوزارة هارون من نبي الله موسى عليهما السلام كما في قوله تعالى { واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي – طه 29} ولذلك قال صلى الله عليه ” ولكن لا نبي بعدي” وآخر هؤلاء الأئمة إمام آخر الزمان الذي دعا له نبي الله إبراهيم في قوله تعالى { واجعل لي لسان صدق في الآخرين – الشعراء }
وأما :
(خليفة في الأرض)
وهنا اول خليفة لله في الأرض هو نبي الله آدم لقوله { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون – البقرة 30 }
وكل أمة يجعل الله تعالى فيها خليفة له تعال فقال في قوم نوح عليه السلام وخلافته في قومه { فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين – يونس 73 }
وقال تعالى في أمة ثمود { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين – الأعراف74 }
وقال تعالى في استخلاف نبي الله موسى لهارون عليهما السلام { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين – الاعراف 142 }
وقال تعالى في أمة محمد الذين جعلهم الله خلائف الأمم من قبل وجعل فيهم خليفة لله تعالى وهو رسول الله الخاتم للنبيين والذي أممره تعالى أن يحكم بينهم بكتاب الله : { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ – يونس 13-14 } .
وقال تعالى أيضاً { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم – الأنعام 165 } أي أن الله تعالى لا يترك الأمة بغير خليفة لله تعالى يحكم بينهم كما قال تعالى لنبي الله داوود هنا { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 } .
وأما :
(فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى)
والحكم بالحق يكون بكتاب الله تعالى لقوله عز وجل { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون – المائدة 48 } وهنا يحذر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله لأنه خاتم النبيين ولا نبي بعده لذلك يحذر من التفريط في إمامة أهل بيت النبي وهى بعض ما أنزل الله تعالى كما في قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 } .
وأما :
(فاحكم بين الناس بالحق)
يقول تعالى هنا في النبيين عليهم السلام أنه أرسلهم للحكم بين الناس بما أنزل الله فقال تعالى { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم -البقرة 213}
ولذلك يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما – النساء 105 } والحكم بما أنزل الله تعالى فيه العدل كما قال تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا – النساء 58 } وأول أمانة يجب أن تؤدى إلى أهلها أمانة الإمامة لأهل بيت النبي لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا -الأحزاب 72 } .
وأما :
(بالحق)
أي بكتاب الله تعالى وفيه الحق كما في قوله تعالى { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – النساء 170 } وهذا الحق قال تعالى فيه أيضاً { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا – لإسراء 105 }
وآخر الزمان يبشر الله تعالى بتأويل للقرآن الكريم مع إمام آخر الزمان قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 }
وهذا التأويل يبين تعالى أنه لم يؤتاه أحداً من قبل فقال تعالى { بل كذبوا بمالم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله – يونس } ولذلك قال تعالى عن هذا التأويل للناس في استفهام استنكاري للمكذبين { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ – يونس 35-36 } .
وأما :
(ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)
وهنا يبين تعالى أن الهوى هو مخالفة كتاب الله تعالى وترك العمل به لقوله عز وجل { فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين – القصص 50 } وبالتالي من عمل بهواه اعتبر الله تعالى أنه قد اتخذ إلهاً غيره تعالى فقال عز وجل فيه { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون – الجاثية 23 } وهؤلاء كالأنعام بل هم أضل من الأنعام قال تعالى { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا – الفرقان 43-44} .
وأما :
(فيضلك عن سبيل الله)
وهنا يبين تعالى أن الذين كفروا بالله تعالى ونافقوا فقد ضلوا سواء السبيل قال تعالى { فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل – النساء 12 } ومن ترك العمل بكتاب الله قيض الله تعالى له شيطاناً قريناً يضله ويكون مقترناً به قال تعالى { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ – الزخرف 36-37 }
ويبين تعالى هنا الأمر الإلهي لنبي الله داوود ولكل مؤمن ويبين الله تعالى أن طاعة السادة والكبراء في غير ما أنزل الله وبغير نص من كتاب الله هو الضلال كما في قوله تعالى عن هؤلاء يوم القيامة { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67 } . وهؤلاء لهم عذاب شديد قال تعالى فيه هنا { إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد } .
وأما :
(إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد)
وهؤلاء الذين ضلوا عن سبيل الله هم الذين كفروا وصدوا عن سبيل وقال تعالى فيهم { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم –محمد 1 } وهؤلاء ضلوا ضلالاَ بعيدا لقوله تعالى { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا – النساء 167 } وهؤلاء هم الذين أطاعوا سادتهم وكبراءهم ولم يطيعوا الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67 } وهؤلاء كما في الاية هنا لهم عذاب شديد قا تعالى فيه { إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد} .
وأما :
(لهم عذاب شديد)
وهنا يبين تعالى أن العذاب الشديد لكل من كفر بالله تعالى كما في قوله عز وجل { الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير فاطر 7 } وهؤلاء هم الذين عملوا بالهوى واتخذه إلهاً من دون الله كما في قوله تعالى { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيد – ق 24-26 } والويل لهؤلاء الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وهؤلاء قال تعالى فيهم لهم عذاب شديد قال تعالى { وويل للكافرين من عذاب شديد الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ– إبراهيم 2-3 } ولقد وعظهم الله تعالى وعظاً بليغاً وأنذرهم من عذاب شديد في الآخرة فقال عز وجل { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – الحديد 20 } .وهؤلاء لهم عذاب شديد هنا بما نسوا يوم الحساب قال تعالى { إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} .
وأما :
(بما نسوا )
وهنا يبين تعالى أن عذابهم كان بنسيانهم لقاء الله تعالى كما في قوله تعالى { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون – السجدة 14 } وهؤلاء مأواهم النار ومالهم من ناصرين كما في قوله تعالى { وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين -الجاثية 34 } وهنا يبين تعالى أن لقاء الله هذا يكون في يوم الحساب كما في قوله تعالى هنا { إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} .
وأما :
(يوم الحساب)
وهنا بعد أن بين بأن هؤلاء لهم عذاب شديد في الآخرة بين تعالى أن هذا وعد وعدهم الله تعالى به وقال تعالى فيه { هذا ما توعدون ليوم الحساب – ص 53 } ومن نسى الله تعالى ولقاء الله تعالى فله عذاب شديد وهذه هى الموعظة التي وعظ الله تعالى بها نبي الله داوود والمؤمنين من بعده إلى يوم القيامة و قال تعالى فيها هنا { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 }
ثم يقول تعال :
(27) وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (27)
وهنا :
(وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا)
وهنا :
(باطلا)
باطلا : [ بطل الشيئ بطولاً وبطلاناً : ذهب ضياعاً وأبطل الشيئ يبطله : جعله يذهب ضياعاً والباطل هو العبث الذي لا فائدة منه كما يطلق الباطل على نقيض الحق – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الطاء واللام ] .قال تعالى { إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون – الأعراف 139 } وقال تعالى في المؤمنين أنهم الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض كما في قوله تعالى : { الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار – آل عمران 191 } [ وباطلا بمعنى عبثاً لا فائدة منه ] وهنا يقول تعالى الويل لمن كفروا بالله تعالى كما في الآية {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار – ص27 } ويريد الله أن يحق الحق برسله وأنبيائه ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون – الأنفال 7-8 } .
وأما :
(وما خلقنا السماء والأرض)
وهنا يبين تعالى أنه ماخلق السماوات والأرض إلا بالحق ولكن أكثر الناس لا يعلمون قال تعالى { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ – الدخان 38-39 } وهنا لا يعلمون لفظظ منقول عن معناه بمعنى لا يعملون في طاعة الله كقوله تعالى في السماوات والأرض وهى أكبر من كل صناعات الخلق التي صنعوها { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر 57 } وهل يوجد شخص واحد يقر بأن صناعات الخلق أكبر من السماء ؟! بالقطع لا يوجد ولكن لأنهم أطاعوا المخلوق وعصوا الخالق قال تعالى ولكن أكثرهم لا يعلمون بأن الله أكبر وخلقه أكبر من خلق الناس وذلكلأنهم وضعوا الطاعة والولاء في المخلوق وتركوا الخالق فنفى الله تعالى عنهم العلم .
ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وإن الساعة آتية فاصفح الصفح الجميل قال تعالى { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل – الحجر 85 } وبالتالي لم يخلقهما الله تعالى لهواً ولعباً قال تعالى { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين –الأنبياء 16 } وذلك ظلن الذين كفروا لذلم لم يعملوا عقولهم ولم يتفكروا في خلق السماوات والأرض قال تعالى { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار- ص 27 }
وأما :
(ذلك)
وهذا اللفظ هنا يشير إلى كتاب الله كما في قوله تعالى { ذلك الكتاب لا ريب فيه -البقرة } وهذه هى الآيات المتلوة التي نزلت على رسل الله تعالى وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ومن هذه الآيات المشاهدة بالعين خلق السماوات والأرض فيهما آيات لمن ارد أن يهتدي إلى الله تعالى قال عز وجل { إن في خلق السماوات والأرض لآيات لأولي الألباب – آل عمران } وهذه الآيات هنا لم يتفكر فيها من كفر بالله تعالى لذلك قال تعالى هنا { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار – ص 27 }
وهذا الكتاب الخاتم الذي أنزله الله تعالى على النبي الخاتم صلى الله عليه وآله أنزله الله تعالى بالحق كما في قوله تعالى { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد – البقرة 176 } وهذا الكتاب فيه هدى يهدي به من يشاء كما في قوله تعالى { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون – الأنعام 88 } وهذا الكتاب المتلو وآياته المشاهدة بالعين كما بينا يوعظ الله تعالى بهما من آمن بالله تعالى واليوم الآخر كما في قوله تعالى { ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم – البقرة 232 } ثم يبين تعالى من تولى بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون قال تعالى { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – آل عمران 82 } وهؤلاء جزاؤهم جهنم لكفرهم وفسوقهم وتوليهم عن ذكر الله تعالى المنزل ولم يتفكروا في خلق السماوات والأرض فقال تعالى { ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا – الكهف 106 } وذلك جزاؤهم لكفرهم بالله تعالى ورسله كما في قوله تعالى : { ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب – غافر 22 } كما أنه بين تعالى أن عذبهم كان لإنكارهم البعث والنشور وكفرهم بآيات الله كما في قوله تعالى { ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا – الإسراء 98 }
وكذلك لأنهم استحبوا الحياة الدنيا وعلى الآخرة قال تعالى { ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين – النحل 107 }
وأما :
(ظن)
وهنا ظنهم كان عملاً بالهوى اتباعاً لإبليس كما في قوله تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين – سبأ 20 } وبالتالي طنوا بالله غير الحق كما في قوله تعالى { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية – آل عمران 154} وهنا غير الحق لأنه ظن لا يقوم على نص من كتاب الله فهو ظن سوء قال تعالى فيه { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا – الفتحح 6 }
إذا أقيم الظن على نص من كتاب الله تعالى فهو ظن حق آمن به المؤمنون وهو يؤدي إلى الجنة ورضا الله تعالى وذلكلأن النية تسبق العمل حتى ولو أخطأ بغير قصد وبغير عمد وهنا يقول تعالى في هؤلاء المؤمنين { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون – البقرة 46 }
وأما :
(الذين كفروا)
والذين كفروا صنفين صنف كافر محض لا يحكم بما أنزل الله ولا يريد تحكيم القرآن في حياته ودنياه على مستوى الفرد والجماعة والكبراء والسمتضعفين وهؤلاء قال تعالى فيهم على العموم { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة } وصنف آخر منافق زعم الإسلام ورفض التحاكم إلى كتاب الله وهؤلاء قال تعالى فيهم أيضاً { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم – المائدة 41 } وهؤلاء الويل لهم بنص الآية هنا { فويل للذين كفروا من النار } .
وأما :
(فويل للذين كفرو)
[ الويل : كلمة عذاب ودعاء بالشر تقال لمن يستحق الهلكة لسوء فعله تقول ويل لمن يعصي الله – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الياء واللام ] . قال تعالى { ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها – الكهف 49 } .
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء سواء كانوا كفاراً أو منافقين لم يكفروا بالله تعالى ورسله إلا ابتغاء دنيا استحبوها على الآخرة و ما عند الله تعالى كما في قوله تعالى { وويل للكافرين من عذاب شديد الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ – إبراهيم 2-3 }
وهنا يبين تعالى أن من هؤلاء طائفة أسلمت زوراً وبهتاناً ثم كذبت على الله تعالى ورسوله كما فعلت بنوا إسرائيل من قبل وهنا قال تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون – البقرة 79 } وهنا اختلفت الأمة لأحزاب كما اختلف أهل الديانات من قبل وقال تعالى فيهم { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم -مريم 37 } والويل لهم من يومهم الذي توعدهم الله تعالى به كما في قوله عز وجل { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون – الذاريات 60 } وهذا الوعد هو النار كما في قوله تعالى هنا { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار – ص 27 } .
وأما :
(من النار)
وهنا يبين تعالى أن هذه النار وعدها الله عز وجل للكفار والمنافقين فقال تعالى {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم – التوبة 68 } وهذه النار ستكون من فوقهم ومن تحتهم والعياذ بالله قال تعالى { لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون – الزمر 16 }
وهذه النار لمن اتبع بعضهم بعضاً من دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته وولايتهم عليهم السلام لذلم سيتبرأ بعضهم من بعض في قوله تعالى { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار – البقرة 167 } وهؤلاء مثلهم كان في الأمم الغابرة لذلك سيتداركون فيها جميعا حتى يلعن بعضهم بعضاً أولاهم وأخراهم كما قال تعالى { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون – الأعراف 38 } ويبين تعالى هنا أن اشد هؤلاء عذاباً هم المنافقون وذلك لأن أمامهم القرآن الكريم فهجروه ونافقوا وزعموا أنهم خير أمة وقد استبدلوا كتاب الله نتعالى بأراء وأهواء علماء وقالوا فيهم جميعا أنهم سلف صالح وهم بالفعل سلف ولكن ليسوا كلهم صالحين ففي كل زمان الصالح والطالح وفيهم من يعمل بالظاهر خلاف الباطن وهؤلاء منافقون قال تعالى فيهم هنا { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا – النساء 145 } وهؤلاء جميعا أولاهم وأخرهم الويل لهم كما في الآية هنا { فويل للذين كفروا من النار – ص 27 } .
ثم يقول تعالى :
(28) أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (28)
[ قال بن عباس نزلت الآية في الثلاثة الذين قاتلوا في بدر وهم علي وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وقتلوا الفجار من بني أمية الوليد وعتبة وشيبة – شواهد التنزيل ج 2 ص 171 ] .
[ عن ابن عباس وأما قوله ( نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية قال نزلت هذه الآية في ثلاثة من المسلمين وهم المتقون الذين عملوا الصالحات وفي ثلاثة من المشركين وهم المفسدون الفجار فأما الثلاثة من المسلمين فعلي بن ابي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهم الذين بارزوا يوم بدر فقتل علي الوليد وقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة – شواهد التنزيل للحاكم ج 2 ص 171 ] .
وهنا :
(أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات أم نجعل المتقين كالفجار)
أي أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستوون بالمفسدين في الأرض المجرمين ممن اجترحوا السيئات قال تعالى { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون – الجاثية 21 } وهؤلاء الذين المؤمنين الذين عملوا الصالحات هم المسلمين و الذين اجترحوا السيئات هم المجرمين كما في قوله تعالى { أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون – القلم 35-36 } . وهما لا يستويان أيضاً لقوله تعالى { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون – غافر 58 }
وأول من آمن بالله تعالى ورسوله من هذه الأمة وأسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله هو الإمام علي الذي أمر الله تعالى بولايته لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما وليكم االله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة وتؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون -المائدة 55-56}
وبالتالي عليا وأهل بيت النبي والمؤمنين معهم لا يستوون بغيرهم لقوله تعالى { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون – السجدة 18 } وهذه الآية أيضاً : [ نزلت في علي عليه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط حيث قال له أنا أحد منك سناناً وأبسط منك لساناً وأملأ للكتيبة منك فقال لهأمير المؤمنين : اسكت فإنك فاسق فنزلت الآية – أسباب النزول للواحدي ص 227] .
وبالتالي الآية هنا عامة على كل المؤمنين لا يستوون بغيرهم من الفاسقين وخاصة أيضاً في أهل بيت النبي عليهم السلام .
وأما :
(كالمفسدين في الأرض)
الفساد في الأرض في كتاب الله أولاً يعني العمل بالهوى : لقوله تعالى { ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون – المؤمنون 71 }. ولذلك الفساد لفظ جامع لكل الكبائر من كفر وفسوق وعصيان وقتل وزنا وسرقة وخيانة ولذلك يأتي على جرائم كل الأمم من قبل في قوله تعالى { فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين – هود 116 } وآخر الزمان يظهر هذا الفساد الذي فعلته الأمم من قبل وأكثر ويكون هذا سبباً في هلاكهم ومنهم من تقلدوا بفرعون وهامان وقارون وملئهم ونشروا الفساد في البلاد وسيكون ذلك قبل قيام الساعة لقوله { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر } ومن هؤلاء قارون لعنه الله الذين قال له المؤمنون من قومه { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين – القصص 77 }
ويكون خلف هذا الفساد الكبير في العالم طائفة من بني إسرائيل لذلك قال تعالى فيهم وفي سفكهم لدماء المؤمنين { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون – المائدة 32 } وهذا الفساد سفكهم لدماء المؤمنين ويكون ذلك من أهم أسباب هلاكهم معاً دولة بعد أخرى في دول ما حول الحجاز لقوله تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 }
وذلك يحدث إذا ظهر فساد هؤلاء في الأرض لقوله تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون – الروم 41 } .
وكل من زعم الإسلام ثم قتل أهل بيت النبي عليهم السلام ومحبيهم فهو من المنافقين المفسدين في الأرض وقال تعالى في الإمام علي لما باع نفسه لله تعالى ونام مكان رسول الله صلى الله عليه وآله ليفتديه في هجرته ومن ناوءه وعاداه من بني أمية : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ –البقرة 204-207 }
وبالتالي لا يستوي الككفار والمنافقين مع المؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام في الدنيا والآخرة كما في الآية هنا { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } .
وأما :
(المتقين كالفجار)
التقوى كما قال الإمام علي عليه السلام [ هى العمل بالتنزيل والخوف من الجليل والإستعدادا ليوم الرحيل ] ولذلك ورد تعريفها في قوله تعالى { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب –البقرة 197 } .
والفجار : [ والفجر : أصله الشق ومن ذلك قيل في الاتساع ثم يجيئ في المعنوي فالفجور : انبعاث وفتح في المعاصي والفاجر : العاصي والكافر – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الجيم والراء ] قال تعالى : { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا – نوح 26-27 } وهؤلاء في الآخرة سيصلون في الجحيم لقوله تعالى { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ –الإنفطار 13-15 } . والفجار والمتقين لا يستوون عند الله تعالى في الدنيا والآخرة وذلك لأن الله تعالى عندما خلق النفس ألهمها الخير والشر ألهمها التقوى والفجور فهى تعرفه بغير نبي ولا رسول بالفطرة التي فطرهم الله تعالى عليها قال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس } ولذلك قال تعالى هنا في الاية أنهما لا يستويان في قوله تعالى { { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص28 } .
ثم يقول تعالى في القرآن الكريم :
(29) كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب (29)
وهنا :
(كتاب أنزلناه)
وهذا الكتاب نزل بالحق من عند الله تعالى قال تعالى { ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد –البقرة 176 } وهذا الكتاب نزل به الروح الأمين كما في قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين – الشعراء 192-193}
أي أنه كتاب أنززله الله تعالى مصدق الذي بين يديه من كتب لينذر أم القرى ومن حولها {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون – الأنعام 92 } وهذا الكتاب أمر الله تعالى بدراسته والعمل بما فيه من أحكام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور قال تعالى { الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد – إبراهيم 1 } وقد أمر الله تعالى بتدبره كما في قوله تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 } وهذا الكتاب مبارك لمن عمل به في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى : { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون – الأنعام 155 } وقد أمر الله تعالى بالتحاكم إليه كما في قوله تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما –النساء 105 }
ولذلك أمر الله تعالى رسوله بأن ينذر به و لا يكن في صدره حرج منه ومما فيه من أحكام وولاية كما في قوله تعالى { كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين – الأعراف 2 }. وقد أمر الله تعالى رسوله ببيان هذا الكتاب إلى الناس كما في قوله تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – النحل 64 } وقال تعالى أيضاً في بيان مرجعية الكتاب لأهل بيت النبي عليهم السلام من بعده لأن لفظ أهل مشترك بين أهل البيت وأهل الذكر فهم أهل البيت وهم أهل الذكر والمكلفون ببيانه كما في قوله تعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون –النحل 44 } .
وأما :
(إليك)
أي أنه يقول تعالى هنا لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163 }
وأما :
(مبارك)
[ والبركة : الخير والنماء وجمعها بركات وبارك الله في الشيئ وعليه وحوله جعل فيه الخير والنماء وإسم المفعول مبارك ومؤمنثه مباركة – معجم ألفاظ القرآن باب البار فصل الراء والكاف ] .قال تعالى مبيناً أن البركة تنزل على الناس لإيمانها بالله تعالى وعملها بكتابه الكريم وولايته الحق قال تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – الأعراف 96 } وهذه البركة جعلها الله تعالى في كتابه الكريم كما في قوله تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون – الأنعام 155 } وبين تعالى بعد ذلك بأن البركة قد جعلها في أهل بيت النبي إبراهيم عليهم السلام ثم ذريته من النبي الخاتم وأهل بيته لذلك يقول تعالى { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد -هود 73 } وهذه البركة على أهل بيت النبي التي بينها عز وجل بعض الناس ينكرونها لذلك قال تعالى عن كتابه الكريم { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون – الأنبياء 50 } والإنكار فيه ببعض ما أنزله الله تعالى فيه وهو ولاية أهل بيت النبي على الناس لذلك يقول تعالى في هؤلاء وإنكارهم لهذه الولاية { ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب – الرعد 36} وهذه البركة في كتابه الكريم وأهل بيته عليهم السلام جعل لها أماكن يستخلفون فيها وهى التي قال تعالى فيها أنها من العراق حتى مصر واليمن فيما حول بيت الله الحرام قال تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير – الإسراء 1 } .
وأما :
(ليدبروا آياته)
[ وتدبر تدبراً : تأمل في أدبار الأمور لأن أصلها دبر وتدبر الأمر نظر عواقبه – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الباء والراء ] قال تعالى { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون – يونس 3 } وتدبر القول هنا تدبير عواقب آيات الله تعالى وأحكامه قال تعالى { أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين – المؤمنون 68 } وتدبر القول هنا تدبر آيات الله تعالى كما في قوله تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 } وهذا الأمر هنا بتدبر آيات الله تعالى ينكره عز وجل لمن لم يتدبر آياته ولم يفكر في عواقب عصيان الله تعالى والكفر به قال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها – محمد } ولو تدبروا القرآن لوجدوا أنه لا خلاف فيه من أول كلمة لآخر كلمة تدعوا إلى ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه ثم ولاية أهل بيته عليهم السلام ولا خلاف فيه قال تعالى لذلك { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا – النساء 82 } .
وأما :
(آياته)
الآيات في كتاب الله سبع أنواع في كتاب لله تعالى كما بينها الله عز وجل كما يلي :
1) النوع الأول من الآيات وهى الآيات المتلوة في القرآن الكريم والتي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله :
وهذا النوع من الآيات في كتاب الله تعالى الدالة على طريق الله و صراطه المستقيم قال تعالى فيها { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ –البقرة99} . وقال تعالى أيضاً : {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ – الجاثية6} وقال تعالى أيضاً : {تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ البقرة252} أي أن كل مانتلوه من قرآن آيات دالة على ألوهيته تعالى ووحدانيته وهى موجودة نتلوها آناء الليل وأطراف النهار. وهذا النوع من آيات الله تعالى أمر بالتدبر فيها ودراستها لليقين بعواقب عصيان الله تعالى والكفر به لذلك قال تعالى هنا { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 }
2) النوع الثاني من الآيات وهى الآيات المشاهدة بين السماء والأرض :
وهذه هى الآيات المشاهدة بالعين بين السماء والأرض وهى آيات دالة على وجوده تعالى وأن لها خالق خلقها وهو يحركها بقدرته ووفق مشيئته تعالى قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ – آل عمران190 } . وهذه آيات دالة على خلقه وملكه وعظمته وحسن صنعته وعلى ألوهيته ودالة على ربوبيته والنظر إليها يهدي إلى الله تعالى ويجعل النفس مؤهلة لطاعة الله تعالى و الإيمان به وبرسوله الذي يهدي إلى طاعته تعالى . . وهنا أيضاً في هذا النوع الثاني من آيات الله المشاهدة بالعين أمر بالتدبر فيها والتفكر لليقين بعواقب عصيان الله تعالى والكفر به لذلك قال تعالى هنا { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 }
3) النوع الثالث من الآيات وهى آيات التخويف من آثار الأمم البائدة :
والآيات المرسلة تخويفًا هنا هي الآيات التي تركها الله عز وجل كبقية من آثار هلاك الأمم الغابرة كما في قوله تعالى بعد هلاك قرية سدوم الملعونة : { وتركنا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فيها -الذريات 37 }. وقال تعالى في هلاك عاد وثمود ولوط ومدين وفرعون : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ-الشعراء الشعراء67 } و الآية تكررت مع الأمم بعد ذلك في قول أهل النار (الشعراء103) و تتكرر مع قوم نوح عليه السلام ( الشعراء121) وقوم لوط عليه السلام (الشعراء174) وقوم شعيب عليه السلام (الشعراء 190) ثم يقول تعالى في عذاب تلك الأمم : { فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِين َ- الشعراء158} .
وهذا أيضاً في هذا النوع الثالث من آيات الله المشاهدة بالعين في آثار الأمم البائدة تركها الله تعالى للفكر و بالتدبر فيها لليقين بعواقب عصيان الله تعالى والكفر به لذلك قال تعالى هنا { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 }
4) النوع الرابع من الآيات وهى آيات النصرة و التأييد من الله تعالى بملائكة :
وهى آيات مستمرة إلى يوم القيامة لا تنقطع كنزول الملائكة في غزوة بدر وقال تعال فيها هنا أن فيها آية في فئتين التقتا أنزل الله على أحدهما الملائكة وهم حزبه عز وجل كما في قوله تعالى { قد كانت لكم آية في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين – آل عمران13} وهذه الفئة المؤيدة بالنصر من الله تعالى وهم حزبه كما قلنا إنه سبحانه وتعالى أيدهم بالملائكة كما في قوله عز وجل هنا { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين – آل عمران 125} .
وفى معارك الإمام آخر الزمان بين تعالى أنه سينزل ملك معه لهلاك الظالمين قال تعالى في ذلك { ولو أنزلنا ملكاً لقضى الأمر ثم لا ينظرون-الأنعام8 } والنوع الرابع هو آيات النصرة هنا وهذه ستظهر بظهور الإمام لقوله تعالى { يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِين – آل عمران 124} ولقوله تعالى : { وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ – الأنعام8}
5) النوع الخامس من الآيات وهى آيات مستقبلية يأتي بها الله تعالى آخر الزمان
والآيات المستقبلية تفيد ظهور آيات من علامات الساعة منها هلاك الظالمين كقوله تعالى : { خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ – الأنبياء 37 -40 } أو آيات تظهر في السماء آخر الزمان كعلامة أو دلالة على ظهور إمام آخر الزمان أو علامة من العلامات الكبرى قال تعالى هنا { إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ – الشعراء4} وهذه هي آية النجم ذو الذنب كما هو وارد في السنة وهى آية على خروج إمام آخر الزمان .
. وقال تعالى في الأمم الأولى والآخرة { أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ- المرسلات17-18 } ويقول تعالى { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا-محمد10} .
وهذه آيات مستقبلية تخص نهاية الظالمين في آخر الزمان واستخلاف المسلمين الصالحين كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ– الأنبياء105 }
وآيات أخرى كثيرة تبين مستقبل العالم كله وحيث إن كتاب الله آخر الكتب فلن ينزل بعده كتاب آخر ولن يكون هناك نبوة إنما هي الإمامة ولن تنزل آيات داله عليها كما حدث مع المرسلين من قبل إنما تأييد بآيات نصره سواء التي يراها الناس أو آيات نزول الملائكة التي يراها المسلمون في الحروب كما في قوله تعالى{ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ -الأنعام 8 } .
كظهور النجم ذو الذنب آيةً على خروج الإمام كما في قوله تعالى { إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ –الشعراء4} وظهور آيات لنصرة الإمام في الآفاق وفى الأنفس قد بيناها كما في قوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ – فصلت }
6) النوع السادس من الآيات وهي آيات يصنعها الدجال في كل زمان لفتنة الناس عن دينهم وتطويع الناس له من دون حكم الله تعالى :
وهذا نوع يخلقه الدجال آية على إبداعه وصناعته حرباً لله تعالى كما فعل قوم عاد في قوله تعالى { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ –الشعراء128- 129 } أو كقوله تعالى : {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ –الرعد16} .
وهذه الآيات ستكثر في آخر الزمان عندما يصنعون الطائرات والصواريخ والغواصات ويظنون أنهم قادرون على مقدرات الأرض فيصبح الناس كل أيامهم أعياد وتأخذ الأرض زخرفها ويظهر الإمام فيجعل الله تعالى ما عليها صعيداً جرزاً كما في قوله تعالى { حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ-يونس24 } . وقال تعالى { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً – الكهف8 }
[ والجرز أي بلا نبات ولا حياة قال تعالى { أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فتخرج به زرعاً-السجدة27 } ]
ويبين تعالى أنهم كذبوا بالله تعالى ورسله بعد هذه الآيات التي خلقوها باستخدام خلق خلقه الله تعالى وبعقولهم التي خلقها الله عز وجل ليحاربونه بها وبمخلوقاته وكذبوا بوعده تعالى ووعيده ولم تزدهم آيات الله المشاهدة بالعين في السماء والأرض أو المتلوة في كتب الله السماوية وآخرها وخاتمها القرآن الكريم فقال تعالى مبيناً أنه عندما يأتي أجلهم بعث إمامهم ليقيم الحجة عليهم { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ – يونس 47-49 } .
هنا تنزل ملائكة لعذابهم بعد إقامة الحجة عليهم كما في قوله تعالى { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا – الإسراء 15 } وهنا تنزل ملائكة من عند الله تعالى تدمر ماصنعوه حرباً لله تعالى ورسوله والمؤمنين قال تعالى { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لاظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفرـ المرسلات29-33 } .
وهنا انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ أي أنها ملائكة لها ثلاث شعب أي شعبة رئيسية وشعبتين على الجانبين ومنها ملائكة رباعية الشعب وخماسية قال تعالى فيها : { الحمد لله خالق السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع – فاطر } وأما لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ أي ليس لها ظل فيتظللون به من الحرارة والشمس ولا تغنى من اللهب أى لاتمنعه عنهم لأنها هي القاذفة لهذا اللهب ولذلك يقول تعالى إنها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جمالة صُفْرٌ أي أن الشرارة الواحد في حجم القصر وأنها شرارات في حجم الجمال الضخام الصفر وهذا عن شررها وليس نارها فنارها أعظم بكثير وهذا التدمير سيكون ببعثة الإمام كما بينا وبيان القرآن لأنه لن يكون معه آية تؤيده بل معه آيات نصرة بجنود الله التي نراها والتي لا نراها و علمنا بها أم لم نعلم لقوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك إلا هو- المدثر} .
ويتوعد الله تعالى الكفار والمنافقين قائلاً عز وجل { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رسول من الله يتلو صحفاً مطهره فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ – البينة2-3} .
البينة يتم هلاك الظالمين لقوله تعالى { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّه –الزمر22} أي أنه تعالى ببعثه الإمام سيكون هلاكهم بآيات الله المتلوة وبيانها لأن الظالمين هم الذين صنعوا الإمام بإخفائهم لبيان رسول الله صلى الله عليه وآله للقرآن حتى تخلفت الأمة وتناحرت وتقاتلت وكادت تتلاشى مما سيكون حافزاً وتكون هذه الأحداث مدرسة لتخريج قادة عظام أشداء ويحين أجلهم ببعثة إمامهم فإذا جاء أجلهم بعث الله تعالى لهم البيان الذي أخفوه بينهم وتكون النصرة بالآيات المتلوة وهو القرآن وتنزل النصرة من الله تعالى وذلك لأنه إمام لا يحتاج لتأييد وقد كفرت الأمم من قبل بهذه الآيات وفيها التخويف والتهديد والوعيد قال تعالى هنا { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً- الإسراء59 } وهذا التخويف هو النوع الخامس من الآيات .
و هذا النوع من الآيات دائماً يروج الدجالون لقدراتهم ولإقناع الناس بأن طاعتهم واجبة ويتجاهلون تعبيد الناس لله تعالى وهؤلاء هم الطواغيت لذلط أمر الله تعالى بالرجوع إلى كتابه الكريم للعظة والعبرة والتفكر والتدبر فيمت فعله الله تعالى بهؤلاء من قبل لذلك قال تعالى هنا { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 }
7) النوع السابع من الآيات وهى آيات التأييد بالمعجزات الخارقة للمرسلين من قبل وهذه الآيات انتفت ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله ونزول القرآن الكريم ولن ينزلها الله تعالى مرة أخرى لكفر الأمم السالفة بها :
ومن هذه الآيات النار التي تتحول برداً وسلاماً فابالعم آخر الزمان سيتمكن الإنسان من ذلك وخوارق نبي الله سليمان ومن بساط طائر أو مرآة يرى بها ما يحدث في آخر الدنيا أو خواتم يسمع بها أو يرى بها دون أن يشعر به أحد سيصل إليها بني آدم بالعلم وحتى إلقاء الصيحة على الأمم من سيدنا جبريل سيصل الإنسان لما يشبه هذه الصيحة لذلك قال تعالى في سكان الجزيرة إن خرجوا على طاعة الله تعالى { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13 } .
وهنا لا حظ قوله تعالى مثل وليست هى وذلك كقوله تعالى في اكتشاف الإنسان للسفن العملاقة والغواصات { وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ – يس 41-42 } . وهنا مثله أي ليست هى بل مثلها ومن هنا بين تعالى أن نزول سيدنا جبريل لن ينزل مرة أخرى ويأتي بخوارق لكفر الأمم بها من قبل وسيسلط الله تعالى الناس بعضهم على بعض بكفرهم ولن يتبقى من الآيات إلا آيات النصرة التي تنزل بها الملائكة مع قائم آل محمد آخر الزمان لإهلاك الذين كفروا بآيات الله تعالى المتلوة والمشاهدة وآيات التخويف ولم يؤمنوا بأي شيئ سوى الماديات هنا لن يردعهم سوى آيات النصرة التي تنزل بها الملائكة ليؤمن البشر بأن قدرته فوق علم بني آدو من هنا جاءت سورة المرسلات تتحدى البشر بخلق إلهي عبارة عن ملائكة تقذف بقذائف كالقصر كما في قوله تعالى { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 24-40} .
و هذا هو المقصود من الآية هنا والتي منعها الله عز وجل في قوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}
والآية هي العلامة قال تعالى عن طالوت : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَة –البقرة248} وقال تعالى في ناقة صالح وهى آية تأييد له عليه السلام : { وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُم آية– هود6} .
أي علامة دالة على صدق نبوته لهم ورسالته وقد مد الله تعالى موسى عليه السلام بتسع آيات وهى اليد البيضاء والعصا والجراد والضفادع والقمل والدم … الخ وهى آيات تسعة قال تعالى فيها { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مسحورا الإسراء101 } وعندما بين آياته لفرعون قال موسى عليه السلام { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى -طـه47} وكذلك المعجزات التي حدثت لمريم وابنها عليهما السلام آية قال تعالى فيها : { وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ -المؤمنون50} وهذة الآيات إمتنعت ليوم القيامة كما في الآية : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } .
وهنا في الآية التي نحن بصددها يقول تعالى (آتينا ثمود الناقة مبصرة) أي أنها عظيمة الخلق تهدى إلى الرشد كآية من آيات خلق الله تعالى قال فيها { وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً – هود64 } ولكنهم عقروها كما في قوله تعالى { فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَ – الشمس 14-15} أي أنهم بعد أن هداهم الله تعالى خيروا فاختاروا العمى على الهدى والكفر على الإيمان وعقروا الناقة وظلموا كما بينا وفي استحبابهم للكفر بلا ضغوط ولا مبرر عقلي لتلك الحرب التي شنوها على رسول الله وأهل بيته عليهم السلام حتى الآن قال تعالى في قتلهم الناقة بغير مبرر عقلي حقيقي : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ- فصلت 17 } .
ولذلك ثمود بالذات يتم اختيارها هنا بالذات لأنها أكثر الأمم شبهًا بالعرب وما ستفعله مع آل بيت نبيهم ولذلك يقول صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين [ ” أتدرى يا على من هو شر الأولين ومن هو شر الآخرين قال من يا رسول الله قال شر الأولين قاتل ناقة صالح وشر الآخرين قاتلك يا على ” .. الحديث ]
و من آيات التأييد إبطال خواص النار مع نبي الله إبراهيم عليه السلام و ناقة صالح وتسع آيات مع سيدنا موسى قال تعالى فيها : { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك ياموسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء 101-104 }
وهذه الآيات المعجزات كلها لن يرسلها الله تبارك وتعالى مرة أخرى لكفر الأولين بها كما في قوله تعالى هنا{ وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً- الإسراء59 } .
وتدبر الآيات هنا والنظر في عواقبها في الآيات المتلوه والمشاهدة بالعين وهذه الآيات يتلوها الله تعالى على الناس بالحق فبأي حديث بعده يؤمنون قال تعالى { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون – الجاثية 6 }
وأما :
(وليتذكر أولوا الألباب)
وأولوا الألباب في كل زمان هم العاملون بكتاب الله تعالى لذلك يقول تعالى عن التوراة { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدًى وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ – غافر 53-54 }
وفي كتاب الله الخاتم يقول تعالى { هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب – إبراهيم 52 } وفيه الحكمة قد آتاها عز وجل لأهل بيته الذين قالتعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا –الأحزاب } وهؤلاء آتاهم الله تعالى الحكمة قال تعالى { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب –البقرة 269 }
وهؤلاء والمؤمنون الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام فهم الذين كفروا بالطاغوت وأطاعوا الله تعالى ورسوله وأنابوا إليه عز وجل كما في قوله تعالى تعالى { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب – الزمر 17-18 } وهنا لما اتبعوا أحسنه وهو كتاب الله تعالى بين عز وجل أن هؤلاء هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله ثم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب – الزمر 9 } .
[ روى الحاكم الحسكاني باسناده عن ابن عباس في قوله: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) قال: «يعني بالذين يعلمون علياً وأهل بيته من بني هاشم (وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) بني امية (أُوْلُوا الاْلْبَابِ)شيعتهم» .وروى باسناده عن أبي جعفر في قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ)الآية، قال: (الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) نحن (وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) عدّونا (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاْلبَابِ) شيعتنا – شواهد التنزيل ج23 ص117 ص116، رقم /806/805 ] .
وأولوا الألباب هم الراسخون في العلم وهؤلاء همأهل بيت النبي أيضاً عليهم السلام قال تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب – ىل عمران 7 } .
ثم يقول تعالى :
(30) ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب (30)
وفي تفسير البرهان :
[.. عن علي بن إبراهيم: في قوله: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } و ذلك أن سليمان كان يحب الخيل و يستعرضها، فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس، و فاتته صلاة العصر، فاغتم من ذلك غما شديدا، فدعا الله عز و جل أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر، فرد الله سبحانه عليه الشمس إلى وقت العصر حتى صلاها، فدعا بالخيل، فأقبل يضرب أعناقها و سوقها بالسيف حتى قتلها كلها، و هو قوله عز و جل: { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } “.
– ابن بابويه في (الفقيه): بإسناده، قال زرارة و الفضيل: قلنا لأبي جعفر (عليه السلام): أ رأيت قول الله عز و جل:{ إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ كِتَٰباً مَّوْقُوتاً } [النساء: 103]؟. قال: ” يعني كتابا مفروضا، و ليس يعني وقت فوتها، إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاة مؤداة، و لو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود (عليه السلام) حين صلاها لغير وقتها، و لكن متى ذكرها صلاها “.
ثم قال ابن بابويه : إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان (عليه السلام) اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى توارت الشمس بالحجاب، ثم أمر برد الخيل، و أمر بضرب سوقها و أعناقها، و قتلها، و قال: إنها شغلتني عن ذكر ربي عز و جل. و ليس كما يقولون، جل نبي الله سليمان (عليه السلام) عن مثل هذا الفعل، لأنه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها و أعناقها، لأنها لم تعرض نفسها عليه، و لم تشغله، و إنما عرضت عليه، و هي بهائم غير مكلفة.
و الصحيح في ذلك ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: ” إن سليمان بن داود (عليه السلام) عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب، فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها. فردوها، فقام فمسح ساقيه و عنقه، و أمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك، و كان ذلك وضوءهم للصلاة، ثم قام فصلى، فلما فرغ غابت الشمس، و طلعت النجوم: و ذلك قول الله عز و جل:
{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ} “.
الطبرسي، قال: قال ابن عباس: سألت عليا (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: ” ما بلغك فيها، يا بن عباس؟ “. قلت: سمعت كعبا يقول: اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة، فقال: ردوها علي- يعني الأفراس، و كانت أربعة عشر فرسا- فضرب سوقها و أعناقها بالسيف، فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما، لأنه ظلم الخيل بقتلها.
– فقال علي (عليه السلام): ” كذب كعب، لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم، لأنه أراد جهاد العدو، حتى توارت الشمس بالحجاب، فقال، بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس: ردوها علي. فردت، فصلى العصر في وقتها . و إن أنبياء الله لا يظلمون، و لا يأمرون بالظلم، لأنهم معصومون، مطهرون “.
– الطبرسي: و قيل: معناه أنه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه، فردها عليه حتى صلى العصر، فالهاء في { رُدُّوهَا } كناية عن الشمس . عن علي بن أبي طالب (عليه السلام). – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وهنا :
(ووهبنا)
[ ووهبه إياه : أعطاه إياه بلا عوض أو أجر ] قال تعالى في دعم نبي الله موسى بأن وهب له أخاه هارون { ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا – مريم 53 } .
قد بين تعالى أن الوهبة من الله تكون بالذرية الصالحة كإجابة لدعوة يدعوها العبد في قوله تعالى { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما- الفرقان }
وهذه الوهبة وهبها الله تعالى للأنبياء والمرسلين قال تعالى { ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا – مريم 50 } وقال تعالى في نبي الله إبراهيم عليه السلام { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا – مريم 49 } وبوهبة من الله تعالى جعل في ذريته النبوة والكتاب كما في قوله تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين – العنكبوت 27 }
وقال تعالى في نبي الله زكريا بعد دعاءه { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين – الأنبياء 90 } وقال تعالى في أيوب عليه السلام حيث وهبة الله تعالى زوجته الصالحة ومعها زوجة أخرى { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب – ص 41-43 } .
وهنا كذلك كما وهب للأنبياء من قبل الذرية الصالحة وهب لنبي الله داوود سليما نعم العبد إنه أواب مثل أبيه عليهما السلام قال تعالى { ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب – ص30 }
وأما :
(لداوود سليمان)
وهنا يبين تعالى أن داوود وسليمان من ذرية نبي الله نوح قال تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين – الأنعام 84 }
وهنا يبين تعالى أنه بعد أو وهب لداوود سليمان ورث منه العلم والتقوى فقال تعالى { وورث سليمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين – النمل 16} .
وهذا الميراث ميراث علم وحكم قال تعالى فيه { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين – الأنبياء79 } وقال تعالى في العلم الذي وهباه الله تعالى لهما عليهما السلام { ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين – النمل 15} .
وبهذا العلم كانا يحكمان بين الخلائق لقوله تعالى : { وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين – الأنبياء78} ولذلك قال تعالى هنا { ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب – ص30 } .
وأما :
(نعم العبد إنه أواب)
وأواب أي رجاع إلى الله تعالى {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب – ص 17 } وكما كان داوود أوب إلى الله تعالى كذلك كان سليمان عليه السلام في الآية هنا { ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب – ص 30} وهو هنا يقول تعالى فيه نعم العبد لأنه كان صابراً على طاعة الله تعالى كنبي الله أيوب الذي قال تعالى فيه {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب – ص 44 } .
ثم يقول تعالى :
(31) إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد (31)
وهنا :
(إذ عرض)
والعرض : مايعرض له من أحداث قال تعالى { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين – البقرة 31 } ويكون المعنى هنا { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد – ص31 } أي أنه شاهد العرض من صفوف الخيل الجياد .
وأما :
(عليه)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير – الحشر 6 } وبالتالي القصة هنا فيها عرض خيل جياد قال تعالى فيها { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد} .
وأما :
(بالعشي)
وهنا يبين تعالى أن هذا الوقت وقت تسبيح في قوله تعالى { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق – ص 8 } وقال تعالى أيضاً في هذا الوقت { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار – غافر55 } .
ولما عرض عليه الصافنات الجياد هنا شغلته عن ذكر الله لقوله تعالى { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 31-32 } .
وأما :
(الصافنات)
[ والصافنات جمع صفن وتستعمل في معنى الصف لإلتقاء المعنيين فيقال صِفن كضرب صفونا : صف قدميه ومن هذا قيل صفنت الدابة : كضربت قامت على ثلاث وثنت سنبك الرابعة – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الفاء والنون ] قال تعالى { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد – ص31 } .
وأما :
(الجياد)
[ والجياد : من جاد الفرس أي صار رائعاً بين الجودةِ فهو جواد للذكر والأنثى والجمع جياد – معجم ألفاظ القرآ، باب الجيم فصل الواو والدال ] قال تعالى { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد – ص31 } .
ثم يقول تعالى :
(32) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب (32)
وهنا :
(فقال إني أحببت حب الخير)
والخير هو كل ما يحبه الإنسان ويعتقد أن فيه الخير والمنفعة لنفسه قال تعالى { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون – يونس 11 } وقال تعالى { لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط – فصلت 49 } وقال تعالى أيضاً عن هذا الخير إذا مسه وأصابه منع منه حق الفقراء قال تعالى { وإذا مسه الخير منوعا – المعارج 21 }
و يبين الله تعالى ان عامة الناس يبحون هذا الخير حباً شديداً إلا الذين آمنوا قال تعالى { إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ –الشمس 6-11 } ولذلك خشى نبي الله سليمان عليه السلام على دينه ونفسه من هذه الفتنة في قوله تعالى عندما أدرك خطأ انشغاله عن ذكر الله تعالى { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 } .
وأما :
(عن ذكر ربي)
وهنا يقول تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا – الأحزاب 41-42 } أي بالعشي والإبكار فلما عرض عليه الصافنات الجياد شغلته عن ذكر الله وتسبيحه عن ذكر الله قال تعالى { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 } .
وأما :
(حتى)
وهنا حتى ورد على مواقيت صلاة وصيام قال تعالى فيها { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل– البقرة 187 } أي أن حب الخيل شغلته عن ذكر الله تعالى حتى وقت العشاء لذلك قال تعالى { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 } .
وأما :
(توارت)
[ وتوارت : بمعنى استترت واختفت – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الراء والياء ] قال تعالى { يتوارى من القوم من سوء ما بشر به – النحل 95 } . أي أنه بشر هنا بأنه انشغل عن ذكر الله كما في الآية هنا { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 } .
وأما :
(بالحجاب)
أي حتى اختفت وحجبت عن الأنظار لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا – مريم 17 } وهنا الآية تشير إلى أن الله تعالى أرسل إليه من يذكره بأنه قد انشغل عن ذكر الله تعالى وهذه الرسالة إما برسول أو بوحي وإلهام من الله تعالى له أو من وراء حجاب كما قال تعالى في رسالته لرسله عليهم السلام لا تكون إلا بهذه الطرق الثلاث قال تعالى { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم – الشورى 51 } . وأما قوله تعالى { فاتخذت من دونهم حجابا– مريم 17 } تشير إلى أنه قد اعتزل هذا المجلس ودخل في عبادة الله تعالى وذكره واستغفاره .
ثم يقول تعالى :
(33) ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق (33)
في تفسير هذه الآية أنه مسح أعنقاها بيديه [ رُدُّوا عليَّ الخيل التي عُرضت من قبل، فشرع يمسح سوقها وأعناقها – التفسير المميسر ]
وورد أنه قتلها في التفاسير أيضاً ورد في تفسير الطبري [ عن السديّ( رُدُّوهَا عَلَيَّ ) قال : الخيل.وقوله ( فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ ) يقول: فجعل يمسح منها السوق, وهي جمع الساق, والأعناق.واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها, فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها, – الطبري ]
وفي تفاسير أهل البيت عليهم السلام تكذيب من أن ينسب الظلم لأياً من أنبياء الله :
[قال ابن عباس: سألت عليا (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: ” ما بلغك فيها، يا بن عباس؟ “. قلت: سمعت كعبا يقول: اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فاتته الصلاة، فقال: ردوها علي- يعني الأفراس، و كانت أربعة عشر فرسا- فضرب سوقها و أعناقها بالسيف، فقتلها، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما، لأنه ظلم الخيل بقتلها.
– فقال علي (عليه السلام): ” كذب كعب، لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم، لأنه أراد جهاد العدو، حتى توارت الشمس بالحجاب، فقال، بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس: ردوها علي. فردت، فصلى العصر في وقتها . و إن أنبياء الله لا يظلمون، و لا يأمرون بالظلم، لأنهم معصومون، مطهرون “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وهنا :
(ردوها علي)
والرد : رجوع كقول إخوة يوسف { يا أبانا هذه بضاعتنا ردت إلينا – يوسف 69 }ورودوها بلفظ الجمع وذلك لأن الله تعالى سخر له جنوداً من الإنس والجن والطير فهم يوزعون قال تعالى { وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون – النمل 17 } و لورود هذا اللفظ على التحية برد السلام في قوله تعالى { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا – النساء 86 } لا تشير إلى قتل بل تنتصر لقولة الإمام علي عليه السلام من أن القول بقتل سليمان للخيل ظلم ولا ينبغي نسبة الظلم إليهم ولذلك لما قال هنا { ردوها علي } أي أرجعوها فسلمها وأمنها من غضب الله تعالى لأنها التي شغلته عن ذكر الله وتأمينه لها لأنها أحد جنوده كما بينا أن له جنوداً من الإنس والجن والوحوش والطير .
وورد أيضاً [ عن الإمام علي (عليه السلام) أن الرد للشمس فردت حتى يصلي – نور الثقلين ج4 ص 455 ]
وأما :
(فطفق)
و [ طفق : بمعنى أخذ يفعل كذا وجعل يفعله ولزمه – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الفاء والقاف ] قال تعالى في نبي الله آدم لما أكل وزوجه من الشجرة وبدت لهما سوءاتهما قال تعالى { فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى – طه 121 } وقال تعالى أيضاً { فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين – الأعراف 22 }
والطفق هنا كان بالمسح على السوق والأعناق قال تعالى { فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } أي أن نبي الله آـدم وزوجه غطيا ساقيهما حتى أعناقهما وبالنسبة لنبي الله سليمان مسح على أعناقها وسوقها ليغطيهما ويدرعهما حماية لسوقها وأعناقها استعداداً للقتال في سبيل الله . وهنا أيضاً من خلال هذا اللفظ لا يوجد إشارة لقتل بل تغطية حماية للخيل .
وأما :
(مسحا)
المسح ورد في كتاب الله تعالى على الوضوء ومسح الرأس واليدين فقال عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا – النساء 43 } ويد الخيل هنا أرجله الأمامية لقوله تعالى هنا { فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } أي مسح سوقهم الأمامية تطهيراً لها وإعداداً ونظافة كما أن ورود المسح على الرؤوس والأرجل في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين – المائدة 6 } فيها إشارة على أنه عليه السلام أيضاً مسح أرجلهم الخلفية كما فعل في الأمامية وكأنه بارك سوقها وغطاها بتدريع وظهرها كما بينا ولا دليل على أنه قتلها عليه السلام .
وأما :
(بالسوق)
و السوق جمع ساق قال تعالى { والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذٍ المساق– القيامة 29-30 } والمسح عليها كما في الآية هنا { فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } غسلها بالماء وطهرها وباركها .
وأما :
(الأعناق)
والأعناق جمع عنق قال تعالى { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان – الأنفال 12} وهنا الضرب فوقالأعناق وليس الأعناق وهذا يعني أنه كان يعد هذه الخيل للقتال في سبيل الله والضرب فوق اعناق أعداء الله تعالى إذ لو كان القرآن يقول ضرب العنق لكان قطعياً بأنه قتلها ولكنه قال تعالى فوق الأعناق أي أنه كما قال تعالى { فطفق مسحاً بالسوق والأعناق} .
ليضرب المؤمن أعداء الله تعالى من فوق أعناق الخيل التي أعدت وحبست وسلسلها بأغلال لتلك المهمة قال تعالى في إشارة لذلك { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون – غافر 71 }.
ثم يقول تعالى :
(34) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
ورد في تفسير الطبري عن هذه الآية :
[حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: هو صخر الجنيّ تمثَّل على كرسيه جسدا.
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثنى أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) قال: الجسد: الشيطان الذي كان دفع إليه سليمان خاتمه، فقذفه في البحر، وكان مُلك سليمان في خاتمه، وكان اسم الجنيّ صخرا.
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا مبارك، عن الحسن ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: شيطانا.
⁕ حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: شيطانا يقال له آصر.
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: شيطانا يقال له آصف، فقال له سليمان: كيف تفتنون الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك. فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر، فساح سليمان وذهب مُلكه، وقعد آصف على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وأنكرنه؛ قال: فكان سليمان يستطعم فيقول: أتعرفوني أطعموني أنا سليمان، فيكذّبونه، حتى أعطته امرأة يوما حوتا يطيب بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه مُلكه، وفر آصف فدخل البحر فارّا.
⁕ حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه، غير أنه قال في حديثه: فيقول: لو تعرفوني أطعمتموني.
⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾ قال: حدثنا قتادة أن سلمان أمر ببناء بيت المقدس، فقيل له: ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد، قال: فطلب ذلك فلم يقدر عليه، فقيل له: إن شيطانا في البحر يقال له صخر شبه المارد، قال: فطلبه، وكانت عين في البحر يردها في كلّ سبعة أيام مرّة، فنزح ماؤها وجعل فيها خمر، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر، فقال: إنك لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا، ثم أتاها فقال: إنك لشراب طيب، إلا أنك تصبين الحليم، وتزيدين الجاهل جهلا قال: ثم شربها حتى غلبت على عقله، قال: فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه، فذلّ، قال: فكان مُلكه في خاتمه، فأتى به سليمان، فقال: إنا قد أمرنا ببناء هذا البيت. وقيل لنا: لا يسمعنّ فيه صوت حديد، قال: فأتى ببيض الهدهد، فجعل عليه زجاجة، فجاء الهدهد، فدار حولها، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه، فذهب فجاء بالماس، فوضعه عليه، فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه، فأخذ الماس، فجعلوا يقطعون به الحجارة، فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء أو الحمام لم يدخلها بخاتمه؛ فانطلق يوما إلى الحمام، وذلك الشيطان صخر معه، وذلك عند مقارفة ذنب قارف فيه بعض نسائه، قال: فدخل الحمام، وأعطى الشيطان خاتمه، فألقاه في البحر، فالتقمته سمكة، ونزع مُلك سليمان منه، وألقي على الشيطان شبه سليمان؛ قال: فجاء فقعد على كرسيه وسريره، وسلِّط على ملك سليمان كله غير نسائه؛ قال: فجعل يقضي بينهم، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا: لقد فُتِن نبيّ الله؛ وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطَّاب في القوّة، فقال: والله لأجربنه؛ قال: فقال له: يا نبيّ الله، وهو يرى إلا أنه نبيّ الله، أحدنا تصيبه الجَنابة في الليلة الباردة، فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس، أترى عليه بأسا؟ قال: لا قال: فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة، فأقبل فجعل لا يستقبله جنيّ ولا طير إلا سجد له، حتى انتهى إليهم ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: هو الشيطان صخر.
⁕ حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ﴾ قال: لقد ابتلينا ﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا﴾ قال: الشيطان حين جلس على كرسيه أربعين يوما؛ قال: كان لسليمان مئة امرأة، وكانت امرأة منهنّ يقال لها جرادة، وهي آثر نسائه عنده، وآمنهن عنده، وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه، ولم يأتمن عليه أحد من الناس غيرها؛ فجاءته يوما من الأيام، فقالت: إن أخي بينه وبين فلان خصومة، وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك، فقال لها: نعم، ولم يفعل، فابتُلي وأعطاها خاتمه، ودخل المخرج، فخرج الشيطان في صورته، فقال لها: هاتي الخاتم، فأعطته، فجاء حتى جلس على مجلس سليمان، وخرج سليمان بعد، فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت: ألم تأخذه قبل؟ قال: لا وخرج مكانه تائها؛ قال: ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما. قال: فأنكر الناس أحكامه، فاجتمع قرّاء بني إسرائيل وعلماؤهم، فجاءو احتى دخلوا على نسائه، فقالوا: إنا قد أنكرنا هذا، فإن كان سليمان فقد ذهب عقله، وأنكرنا أحكامه. قال: فبكى النساء عند ذلك، قال: فأقبلوا يمشون حتى أتوه، فأحدقوا به، ثم نشروا التوراة، فقرءوا؛ قال: فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه، ثم طار حتى ذهب إلى البحر، فوقع الخاتم منه في البحر، فابتلعه حوت من حيتان البحر. قال: وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع، وقد اشتدّ جوعه، فاستطعمهم من صيدهم، قال: إني أنا سليمان، فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجَّه، فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر، فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه، فقالوا: بئس ما صنعت حيث ضربته، قال: إنه زعم أنه سليمان، قال: فأعطوه سمكتين مما قد مَذِر عندهم، ولم يشغله ما كان به من الضرر، حتى قام إلى شطّ البحر، فشقّ بطونهما، فجعل يغسل … ، فوجد خاتمه في بطن إحداهما، فأخذه فلبسه، فرد الله عليه بهاءه وملكه، وجاءت الطير حتى حامت عليه، فعرف القوم أنه سليمان، فقام القوم يعتذرون مما صنعوا، فقال: ما أحمدكم على عذركم، ولا ألومكم على ما كان منكم، كان هذا الأمر لا بُدّ منه، قال: فجاء حتى أتى ملكه، فأرسل إلى الشيطان فجيء به، وسخر له الريح والشياطين يومئذ، ولم تكن سخرت له قبل ذلك، وهو قوله ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ قال: وبعث إلى الشيطان، فأتي به، فأمر به فجعل في صندوق من حديد، ثم أطبق عليه فأقفل عليه بقفل، وختم عليه بخاتمه، ثم أمر به، فألقي في البحر، فهو فيه حتى تقوم الساعة، وكان اسمه حبقيق – جامع البيان للطبري ] .
وورد في تفسير البرهان :
[الطبرسي: روي أن الجن و الشياطين لما ولد لسليمان ابن، قال بعضهم لبعض: إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء. فأشفق (عليه السلام) منهم عليه فاسترضعه المزن- و هو السحاب- فلم يشعر إلا و قد وضع على كرسيه ميتا، تنبيها على أن الحذر لا ينفع من القدر، و إنما عوقب (عليه السلام) على خوفه من الشياطين. قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).
– قال الطبرسي: و من الأقوال : أن سليمان قال يوما في مجلسه: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله. و لم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق ولد- رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه و آله). قال: ثم قال: ” فو الذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا “.
– ابن بابويه، قال: حدثنا أحمد بن يحيى المكتب، قال: حدثنا أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق، قال: حدثنا علي بن هارون الحميري، قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي، قال: حدثنا أبي، عن علي بن يقطين، قال: قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): أ يجوز أن يكون نبي الله عز و جل بخيلا؟ فقال: ” لا “. فقلت له: فقول سليمان (عليه السلام): { رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } ما وجهه و ما معناه؟
فقال: ” الملك ملكان: ملك مأخوذ بالغلبة، و الجور، و اختيار الناس، و ملك مأخوذ من قبل الله تبارك و تعالى، كملك إبراهيم، و ملك طالوت، و ملك ذي القرنين. فقال سليمان (عليه السلام): هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، أن يقول: إنه مأخوذ بالغلبة، و الجور، و اختيار الناس، فسخر الله تبارك و تعالى له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، و جعل غدوها شهرا، و رواحها شهرا، و سخر له الشياطين كل بناء و غواص، و علم منطق الطير، و مكن في الأرض، فعلم الناس في وقته و بعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس، و المالكين بالغلبة و الجور “.
قال: فقلت له: فقول رسول الله (صلى الله عليه و آله): ” رحم الله أخي سليمان، ما كان أبخله! ” فقال (عليه السلام) : ” لقوله وجهان : أحدهما : ما كان أبخله بعرضه، و سوء القول فيه! و الوجه الآخر: يقول: ما كان أبخله إن كان أراد ما يذهب إليه الجهال! ثم قال (عليه السلام): ” قد- و الله- أوتينا ما اوتي سليمان، و ما لم يؤت سليمان، و ما لم يؤت أحد من العالمين، قال الله عز و جل في قصة سليمان: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ، و قال عز و جل في قصة محمد (صلى الله عليه و آله: { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [الحشر: 7] ..
- وعن علي بن إبراهيم : إن سليمان لما تزوج باليمانية ولد منها ابن، و كان يحبه، فنزل ملك الموت على سليمان، و كان كثيرا ما ينزل عليه، فنظر إلى ابنه نظرا حديدا ففزع سليمان من ذلك، فقال لامه: ” إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه قد امر بقبض روحه “. فقال للجن و الشياطين: ” هل لكم حيلة في أن تفروه من الموت؟ “. فقال واحد منهم: أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق. فقال سليمان: ” إن ملك الموت يخرج ما بين المشرق و المغرب ” فقال واحد منهم: أنا أضعه في الأرض السابعة. فقال: ” إن ملك الموت يبلغ ذلك “. فقال آخر: أنا أضعه في السحاب و الهواء. فرفعه، و وضعه في السحاب، فجاء ملك الموت، فقبض روحه في السحاب، فوقع جسده ميتا على كرسي سليمان، فعلم أنه قد أخطأ. فحكى الله ذلك في قوله: { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } ، و الرخاء: اللينة { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } يعني مقيدين، قد شد بعضهم إلى بعض، و هم الذين عصوا سليمان (عليه السلام) حين سلبه الله عز و جل ملكه.
… – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وهنا :
(ولقد فتنا سليمان)
والفتنة اختبار للمؤمنين قال تعالى فيه { أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين – العنكبوت 2-3 }
وهنا يبين تعالى أنه كما فتن أبيه داوود عليه السلام في قوله تعالى { قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } كذلك فتن الله سليمان عليه السللام في قوله تعالى هنا { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } .
وهنا الفتنة على أقوال [ .. أن سليمان قال يوما في مجلسه: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله. و لم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق ولد- رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه و آله). قال: ثم قال: ” فو الذي نفس محمد بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا – نور الثقلين للحويزي ج 4 ص 457 ] .
وأما :
(سليمان)
﴿ وَدَاوُۥدَ وَسُلَیۡمَانَ إِذۡ یَحۡكُمَانِ فِی ٱلۡحَرۡثِ إِذۡ نَفَشَتۡ فِیهِ غَنَمُ ٱلۡقَوۡمِ وَكُنَّا لِحُكۡمِهِمۡ شَـٰهِدِینَ فَفَهَّمۡنَـٰهَا سُلَیۡمَـٰاَۚن وَكُلًّا ءَاتَیۡنَا حُكۡمࣰا وَعِلۡمࣰاۚ وَسَخَّرۡنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلۡجِبَالَ یُسَبِّحۡنَ وَٱلطَّیۡرَۚ وَكُنَّا فَـٰعِلِینَ – الأنبياء-78-79 ﴾
وهنا يبين تعالى أننه قد فتن نبي الله سليمان كما فتن أبه من قبل قال تعالى { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } .
وأما :
(وألقينا)
ورد هذا اللفظ على ما فعله السامري حيث قال تعالى { قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ – طه87-88 } ويرد أيضاً في آيات الله التي وهبها الله تعالى لنبي الله موسى وأبطل بها السحر ومنها العصى في قوله تعالى { فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين – الشعراء 32 } وهذا يوحي بأن ماحدث له كان مكيدة من عالمم الجن وسحر من إلقاء الشيطان قال تعالى فيه { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم – الحج 52 } وهنا لما تمنى نبي الله سليمان الأولاد المقاتلين في سبيل الله حدثت الفتنة لأنه لم يقل إن شاء الله كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله الذي زكرناه من قبل .
ولقد علم الله تعالى نبيه سليمان لغة الإنس والجن والوحوش والطير وبالتالي السحر ومكائده كان على علم به فما رأى الجسد على الكرسي علم أنها فتنة له قال تعالى { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً } والإلقاء يرد على نبي الله موسى عليه السلام لما ألقته أمه في اليم فألقاه اليم بالساحل قال تعالى {أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني – طه 39 } وهنا قد تكون إشارة من أن نبي الله سليمان عليه السلام ألقى هذا الجسد في البحر كما فعل نبي الله موسى من قبل وقال تعالى فيه { وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا }
ثم تاب وأناب إلى الله تعالى في قوله تعالى هنا { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ – ص } وهذه الأعمال الشاقة للجن كانت عقوبة لهم على ما فعلوه مع نبي الله سليمان عليه السلام .
وأما :
(عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ)
[ والكرسي : مايجلس عليه معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الراء والسين ] قال تعالى { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب – ص34 } وقيل في الكرسي أنه العظمة لأن الله تعالى { ليس كمثله شيء } قال تعالى { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم – البقرة 255 } . وإذا كان الكرسي رمز الحكم للدولة فيكون رمز دولة الخالق عز وجل هذا الكون ولذلك ورد في الحديث [عن أبو ذر الغفاري قال رسول الله صلى الله عليه وآله : والَّذي نفسي بيدِهِ ، ما السَّماواتُ السَّبعُ والأرَضينُ السَّبعُ عندَ الكُرسِيِّ إلا كحَلقَةٍ مُلقاةٍ في أرضِ فلاةٍ ، وإنَّ فضلَ العرشِ على الكُرسِيِّ كفَضلِ الفلاةِ على تِلكَ الحَلقَةِ – تحفة النبلاء ابن حجر ] .
وأما :
(جسدا)
[ والجسد : الجسم الجامد لا يأكل ولا يشرب – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل السين والدال ] .
قال تعالى { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا له خوار – الأعراف 148 } أي جامداً لا حركة فيه وقال تعالى { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ – الأنبياء 8 } أي وما جعلناهم أجساماً جامدة لا تأكل ولا تشرب بل أناساً يتغذون وهنا { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب – ص34 } أي جسداً لا حراك فيه .
وأما :
(ثم أناب)
وأناب أي رجع إلى الله تعالى كما في قوله تعالى { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد – الزمر 17 } ويبين تعالى أنه كما تاب أناب أبيه نبي الله داوود في قوله تعالى { وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب – ص 24 } وكذلك فعل نبي الله سليمان هنا في قوله تعالى { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب – ص34 } .
ثم قال تعالى :
(35) قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب (35)
…..( سننشر تفسيرها في الوقت الذي يشاءه تعالى إن شاء الله )
ثم يقول تعالى :
(36) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
الفاء هنا فاء السببية :أي بسبب دعاوة بملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فسخر الله تعالى له الريح تجري بأمره رخاءاً حيث أصاب كما في الآية هنا { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ }
وهنا :
(ف)
والفاء هنا سببية أي بسبب دعاؤه استجاب الله تعالى له لورود هذه الفاء في قوله تعالى عن دعاء نبي الله يونس عليه السلام في قوله تعالى { وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين – الأنبياء } .
وأما :
(سخرنا له)
[ وسخره يسخره سخرياً بضم السين وكسرها : ذلله وأخضعه واتخذه سخريا قهره وأخضعه – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الخاء والراء ] قال تعالى { وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار – إبراهيم 33 } وقال تعالى أيضاً { وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون – النحل 12 } وكما سخر الله تعالى الجبال يسبحن مع نبي الله داوود بالعشي والإشراق في قوله تعالى { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق – ص 18 } كذلك سخر الله تعالى الريح لنبي الله سليمان بدعاء دعاه قال تعالى فيه { قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } فاستجاب الله تعالى دعاءه قائلا { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب – ص 36 }
وأما :
(له الريح تجري بأمره )
وهذه الريح يبين تعالى أن هناك ملائكة موكولة بها وبعد دعاء نبي الله سليمان أوكل أمرها إليه عز وجل فقال تعالى { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب – ص 36 } ولذلك قال تعالى { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين – الأنبياء 81 } وطالما جرت الريح مباركة إلى الأرض المباركة فهى تجري قاصفة من الأرض المباركة أيضاً على الظالمين ومدة غدوها ورواحها شهر لقوله تعالى { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير –سبأ 12 } وهنا أمرنا هو أمر الله تعالى وملائكته ورسله ومنهم نبي الله سليمان الموكول له هذه المهام بأمر الله تعالى لذلك ورد بصيغة الجمع بما يعني حكم سليمان في الريح والجن والإنس هو حكم الله تبارك وتعالى لذلك قال تعالى عن الجن { ومن يزغ منهم عن أمرنا} والريح أمرها إليه يجعلها رخاءاً أو عاصفاً قاصفاً بأمره عليه السلام وهو أمر الله تعالى كما بينا .
وأما :
(رخاءاً)
ورخاء [ ورخوا يرخوا ورخى رخاءاً :كان في نعمة وسعة عيش وريح رخاء لينة : سريعة لا تزعزع شيئاً – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الخاء والواو ] قال تعالى { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب – ص 36 } .
وأما :
(حيث)
[ ظرف مكان مبهم يبينه ما بعده يأتي مسبوقاً بمن ومجرداً عنها – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الياء و الثاء ] قال تعالى { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين – الزمر 74 } وقال تعالى أيضاً { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين -يوسف56 } أي أن الريح هنا ككان يوجهها عليه السلام حيث يشاء كما أنها يمكن أن تكون قاتلة لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين – البقرة 191 } ولذلك قال تعالى سواءاً كانت هذه الريح رحمة ورخاءاً أولعنة وعذاب تجري بأمره عليه السلام لقوله تعالى هنا { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب – ص 36 } وهذا الهلاك من الأمور التي لا يعلم عنها المجرمين شيئاً لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون – القلم 44 } .
وأما :
(أصاب)
[ وكل نازل من أعلى إلى أسفل فقد صاب يصوب فالمادة على أصل في نزول شيئ واستقراره في قراره فيقال صاب يصوب :أي نزل لازماً صاب المطر ويتعدى فيقال : صاب الماء أي صبه وصابه المطر – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الواو والباء ] قال تعالى { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير- البقرة 265 } وهذه هى الريح الطيبة التي فيها رخاءاً حيث أصاب فإن أتت على قوم ظالمين أهلكتهم قال تعالى { مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون – آل عمران 117 } وهذه من الريح العاصف المهلك وكلاهما كما بينا موكول بها نبي الله سليمان كما في الآية هنا حيث قال تعالى { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب – ص 36 } .
ثم يقول تعالى :
(37) والشياطين كل بناء وغواص (37) وآخرين مقرنين بالأصفاد (38)
[ .. ( وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِط ) يعني مقيدين ، قد شد بعضهم إلى بعض ، و هم الذين عصوا سليمان (عليه السلام) حين سلبه الله عز و جل ملكه. علي بن إبراهيم: و قال الصادق (عليه السلام): جعل الله عز و جل ملك سليمان في خاتمه، فكان إذا لبسه حضرته الجن و الإنس و الشياطين، و جميع الطير، و الوحوش و أطاعوه، فيقعد على كرسيه، و يبعث الله ريحا تحمل الكرسي بجميع ما عليه من الشياطين، و الطير، و الإنس، و الدواب، و الخيل، فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان (عليه السلام)، و كان يصلي الغداة بالشام، و يصلي الظهر بفارس، و كان يأمر الشياطين أن تحمل الحجارة من فارس يبيعونها بالشام، فلما مسح أعناق الخيل و سوقها بالسيف سلبه الله ملكه، و كان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه، فجاء شيطان فخدع خادمه، و أخذ منه الخاتم و لبسه، فخرت عليه الشياطين، و الإنس، و الجن، و الطيور، و الوحوش، و خرج سليمان في طلب الخاتم فلم يجده، فهرب، و مر على ساحل البحر، و أنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان، و صاروا إلى امه، فقالوا لها، أ تنكرين من سليمان شيئا؟ فقالت: كان أبر الناس بي، و هو اليوم يبغضني! و صاروا إلى جواريه و نسائه، فقالوا: أ تنكرن من سليمان شيئا؟ قلن: كان لم يكن يأتينا في الحيض، و هو الآن يأتينا في الحيض! فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر، فبعث الله سمكة فالتقمته، و هرب الشيطان، فبقي بنو إسرائيل يطلبون سليمان أربعين يوما، و كان سليمان يمر على ساحل البحر، يبكي، و يستغفر الله، تائبا إلى الله مما كان منه، فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمك، فقال له: أعينك على أن تعطيني من السمك شيئا؟ قال: نعم.
فأعانه سليمان، فلما اصطاد دفع إلى سليمان سمكة، فأخذها، فشق بطنها، و ذهب يغسلها، فوجد الخاتم في بطنها، فلبسه، فخرت عليه الشياطين، و الجن، و الإنس، و الطير، و الوحش، و رجع إلى ما كان، و طلب ذلك الشيطان و جنوده الذين كانوا معه، فقيدهم، و حبس بعضهم في جوف الماء، و بعضهم في جوف الصخر بأسماء الله، فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.
قال: و لما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا، و كان آصف كاتب سليمان، و هو الذي كان عنده علم من الكتاب: قد عذرت الناس بجهالتهم، فكيف أعذرك؟ قال: لا تعذرني، فقد عرفت الشيطان الذي أخذ خاتمك، و أباه، و أمه، و عمه، و خاله، و لقد قال لي: اكتب لي. فقلت له: إن قلمي لا يجري بالجور. فقال: اجلس، و لا تكتب. فكنت أجلس و لا أكتب شيئا، و لكن أخبرني عنك يا سليمان، صرت تحب الهدهد و هو أخس الطير منبتا، و أنتنهن ريحا. قال: إنه يبصر الماء من وراء الصفا الأصم. قال: و كيف يبصر الماء من وراء الصفا، و إنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يؤخذ بعنقه؟ فقال سليمان: قف يا وقاف، إنه إذا جاء القدر حال دون البصر “.
– ثم قال علي بن إبراهيم: و حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن القاسم، عن أبي خالد القماط، أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” قال بنو إسرائيل لسليمان: استخلف علينا ابنك. فقال لهم: إنه لا يصلح لذلك.
فلجوا عليه، فقال: إني أسأله عن مسائل، فإن أحسن الجواب فيها استخلفته. ثم سأله، فقال:
يا بني، ما طعم الماء، و طعم الخبز، و من أي شيء ضعف الصوت و شدته، و أين موضع العقل من البدن، و من أي شيء القساوة و الرقة، و مم تعب البدن و دعته، و مم تكسب البدن و حرمانه؟ فلم يجبه بشيء منها “.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ” طعم الماء: الحياة، و طعم الخبز القوة، و ضعف الصوت و شدته من شحم الكليتين، و موضع العقل الدماغ، ألا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له: ما أخف دماغك! و القسوة و الرقة من القلب، و هو قوله:{ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الزمر: 22]، و تعب البدن و دعته من القدمين، إذا تعبا في المشي تعب البدن، و إذا و دعا و دع البدن، و تكسب البدن و حرمانه من اليدين، إذا عمل بهما ردتا على البدن، و إذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا “.
– محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن صندل الخياط، عن زيد الشحام، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، قال: ” اعطي سليمان ملكا عظيما، ثم جرت هذه الآية في رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و كان له أن يعطي ما يشاء من يشاء، و يمنع من يشاء، و أعطاه الله أفضل مما أعطى سليمان، لقوله تعالى:{ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [الحشر: 7] “.
– وعنه: عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، أو غيره، عن سعد بن سعد، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: ” من أخلاق الأنبياء: التنظف، و التطيب، و حلق الشعر، و كثرة الطروقة، ثم قال: كان لسليمان بن داود (عليه السلام) ألف امرأة في قصر واحد، ثلاث مائة مهيرة، و سبع مائة سرية، و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) له بضع أربعين رجلا، و كان عنده تسع نسوة، و كان يطوف عليهن في كل يوم و ليلة “.
- علي بن إبراهيم، قال: حدثني أبي، عن ابن أبي نصر، عن أبان، عن أبي حمزة، عن أصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ” خرج سليمان بن داود (عليه السلام) من بيت المقدس، و معه ثلاث مائة ألف كرسي عن يمينه عليها الإنس، و ثلاث مائة ألف كرسي عن يساره عليها الجن، و أمر الطير فأظلتهم، و أمر الريح فحملتهم حتى وردوا إيوان كسرى في المدائن، ثم رجع و بات بإصطخر ، ثم غدا فانتهى إلى مدينة بركاوان ، ثم أمر الريح فحملتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء، و سليمان على عمود منها، فقال بعضهم لبعض: هل رأيتم ملكا قط أعظم من هذا، و سمعتم به؟ فقالوا: ما رأينا، و لا سمعنا بمثله.
فنادى ملك من السماء: ثواب تسبيحة واحدة في الله أعظم مما رأيتم “.
– البرسي ، قال: ورد عن سليمان أن طعامه كان في كل يوم ملحه سبعة أكرار ، فخرجت دابة من دواب البحر يوما، و قالت: يا سليمان، أضفني اليوم. فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا، فلما اجتمع ذلك على ساحل البحر، و صار كالجبل العظيم، أخرجت الحوت رأسها و ابتلعته، و قالت: يا سليمان، أين تمام قوتي اليوم، فإن هذا بعض طعامي؟ فأعجبت سليمان، و قال لها: ” هل في البحر دابة مثلك؟ ” فقالت: ألف دابة.
فقال سليمان: ” سبحان الله الملك العظيم في قدرته! يخلق ما لا تعلمون “.
و أما نعمة الله تعالى الواسعة، فقد قال لداود (عليه السلام): ” يا داود، و عزتي و جلالي، لو أن أهل سماواتي و أرضي أملوني فأعطيت كل مؤمل أمله، و بقدر دنياكم سبعين ضعفا، لم يكن ذلك إلا كما يغمس أحدكم إبرة في البحر و يرفعها، فكيف ينقص شيء أنا قيمه “….- تفسير البرهان للسيد هاشمم البحراني ] .
التفسير :
وهذه الآية يبينها قوله تعالى { ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين – الأنبياء 82 } ومن هذه الأعمال هنا البناء لقوله تعالى { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور – سبأ 13 } وهذه المحاريب استخدم فيها حلياً وأحجاراً كريمة من البحر لقوله تعالى { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون – النحل 14 } . وهذه الحلي منها اللؤلؤ والمرجان لقوله تعالى { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان – الرحمن } .
وأما :
(كل)
وهنا لفظ كل ورد في قوله تعالى { والله على كل شيء قدير – آل عمران 189 } أي أن الله تعالى وهب هذه القدرة من تسخير الجن يعملون بأمره كما في الآية هنا { والشياطين كل بناء وغواص } أي بقدرة الله تعالى التي وهبها لنبيه عليه السلام .
وأما :
(بناء)
لفظ البناء يأتي على بيوت الله تعالى التي أسست على التقوى كما في قوله تعالى { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين –التوبة 109 } وأيضاً مما وهبه الله تعالى القدرة القتالية على قتال وهدم بيوت وحكومات ودول اسست بلادهم وبنيانهم على الكفر والنفاق لإضلال الناس وإخراجهم عن ولايته الحق لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون – النحل 26 } .
ولذلك قال تعالى {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور – سبأ 13 } .
ثم يقول تعالى عن صنف آخر من الشياطين :
(38) وآخرين مقرنين بالأصفاد (38)
وهنا :
(وآخرين)
ولفظ آخرين يأتي في كتاب الله تعالى على أمم مستخلفة من بعد هلاك قوم قبلهم فقال تعالى { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – الأنعام 6 } وقال تعالى أيضاً { ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – المؤمنون 31 }
وبالتالي الآخرين صنفاً آخر قال تعالى فيه هنا {وآخرين مقرنين بالأصفاد – ص 38 }
وهؤلاء الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون يزينون للناس باطلهم وكفرهم ونفاقهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين – فصلت 25 } وهؤلاء القرناء لذلك ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله أنهم شياطين كان قد سجنهم نبي الله سليمان في بعض جزائر البحر سيطلق عقالها آخر الزمان بعد موت النبي الخاتم صلى الله عليه وآله فيبدلون الدين ويكذبون على رسول رب العالمين في مناقب الرجال ليصرفوا الناس عن ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام لتنشق الأمة لفريقيين مسلم موالي لأهل بيت النبي عليهم السلام وكافر محارب لهم ومنافق مداهن قال تعالى فيهم { مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء – النساء } .
[ والبداية كانت بالكذب على الله تعالى ورسوله صلى لله عليه وآله ثم الكذب على الناس وتعليمهم القرآن بالهوى والرأي ومن ثم بروز فكرة السلف الصالح وهم بالفعل سلف ولكن الله أعلم بصلاحهم أحدهم أو فساده لقوله تعالى { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم م بمن اتقى- النجم 32 } وبتباعد الزمان مع ذلك السلف قدمو رأيهم على القرآن والحديث النبوي الشريف فدمروا حقيقة دين الإسلام بمدرسة الرأي والقياس فكانوا في الجاهلية يقولون {حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا} وبعد ظهور الإسلام ونزع بيان رسول الله صلى الله عليه وآله عن بيان كتاب الله ثم رفض بيان علي ابن ابي طالب ترجمان القرآن لكتاب الله بما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وهنا كأنهم يكررون أفعال أهل الجاهلية ولكن باسم الإسلام حيث قالوا [… حسبنا كتاب الله ما حله استحللناه وما حرمه حرمناه] ليفهموا القرآن الكريم بأهوائهم وآرائهم ثم منعوا رسول الله صلى اله عليه وآله من كتابة وصيته وقالوا إنه يهجر ثم منعوا كتابة سنتة كاليهود والنصارى من قبل قرابة مائة عام ففهموا القرآن بأهوائهم واختلفت الأمة لأنهم لم يفهموا القرآن بفهم رسول الله صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام ثم لم يلبثوا إلا أن قالوا بأراء رجالهم نابذين كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون تماماً كما فعل اليهود بكتابهم وأنبيائهم من قتل وهدم للدين وتبديل للإحكام.وما كان ذلك إلا بفعل شياطين خرجت على الناس بأعمالهم بعد موت النبي صلى الله عليه وآله قال صلى الله عليه وآله في شياطين في خارجه آخر الزمان: [ لا تنقض الدنيا حتى تخرج شياطين من البحر يعلمون القرآن – منتخب كنز العمال ج4/ص48].
وبداية هؤلاء كما بينا كانت خارجة من الجن سنة 35 للهجرة النبوية المباركة فإذا جاءت سنة خمس وثلاثون ومائة في العصر العباسي خرجت مردة الشياطين وبداية وضع أصول المذاهب و التمذهب والتفرق وعلوم الكلام والفلسفات والزندقة والقول بخلق القرآن و الإرجاء والقدر والرأي والقياس والاستحسان والإجماع على غير نص من كتاب الله والمصالح المرسلة أي العمل بكل ما يرون فيه مصلحة بالتحايل على شرع الله الكريم باستخدام الحيل التي فعلها قوم السبت : [ قال صلى الله عليه وآله هنا إذا كان سنة خمس وثلاثون ومائة خرج مردة الشياطين الذين حبسهم سليمان بن داوود في جزائر البحر منهم تسعة أعشار إلى العراق يجادلون بالقرآن ويبقى عشرهم بالشام – منتخب كنز العمال ج4/ص48].
وحيث ان شياطين الإنس والجن بالمرصاد للأنبياء والمرسلين وذريتهم من أهل بيت النبي عليهم السلام وشيعتهم كما قال تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – الأنعام 112}
وبالتالي مشى إبليس في الأسواق وأخذ يعلم الناس ديناً مشتق من دين الإسلام قائم على مكذوبات وهوى واراء [قال صلى الله عليه وآله لا تقوم الساعة حتى يمشي إبليس في الطرق والأسواق يتشبه بالعلماء يقول حدثنى فلان ابن فلان عن رسول الله بكذا وكذا – منتخب كنز العمال ج4/ص48-49]. ولذلك قال تعالى في هذه الوهبة التي وهبها الله تعالى لنبي الله سليمان وهى التحكم في الريح و السيطرة على عالم الجن يعملون بأمره وآخر ين منهم كان قد غلغلهم وسجنهم في بعض جزائر البحر { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ – ص 35-39 } وهذا العطاء هنا يمنه الله على من يشاء ويمسكه عمن يشاء بأمر من نبي الله سليمان والميزان هنا ولاية النبي محمد وآل بيته عليهم السلام كما بينا في لفظ أحد أنه مستثنى مضمر غير اصطلاحي يعني إلا محمد أول خلق الله وصاحب الميثاث والنبي الخاتم وصاحب الشافعةة العظى يوم القيامة
فيسلط الله تعالى هذه الشياطين والقرناء آخر الزمان على من خرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته وقتلوهم فينشرون الكفر والفسوق والعصيان والتفرق والإقتتال حتى يأتى ةعد الله آخر الزمان .
وأما :
(مقرنين في لأصفاد)
[ وقرن الأشياء شد بعضها إلى بعض وكل منها مقرن وجمعه مقرنين – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والنون ]
و[ الأصفاد : جمع صفد وهو ما يوثق به ويقيد وجمعه أصفاد – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الفاء والدال ] قال تعالى { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ -إبراهيم 49-52 } وهذه الأصفاد صفد بها نبي الله سليمان الجن بعصيانهم لله تعالى و لا تنفك هذه الأصفاد عنهم إلا بكفر الناس وخروجهم على كتاب ربهم وفيه التذكرة لأولي الألباب كما في آيات سورة إبراهيم السابقة الذكر { هَٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ -إبراهيم 51-52 } .
ثم يقول تعالى لنبيه سليمان عليه السلام :
(39) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
وهنا :
(هذا)
والعطاء والإمساك يكون العططاء فيه لمن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام والمنع والحرب على خصومهم ولذلك ورد لفظ هذان على بني هاشم وخصومهم حيث نزل قوله تعالى { هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم – الحج 19 } [ عن علي بن أبي طالب أنه قال : أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة . قال قيس : وفيهم نزلت : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) ، قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : علي وحمزة وعبيدة ، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة . انفرد به البخاري . – تفسير الطبري ] .
ويبين تعالى أن هذا القصص الذي ذكره تعالى عن أنبياءه وا وعد الله تعالى به المؤمنين وتوعد به الظالمين
حق لقوله تعالى { إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم – آل عمران 62 }
وأولى الناس بالولاية هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين – آل عمران 68 } وهذا يؤكد أيضا ستثناء ملك النبي محمد صلى الله عليه وآله بأنه أكبر من ملك سليمان عليه السلام ولذلك تولاه عليه السلام كما بينا ومما وهبه الله تعالى أيضا التحكم في الريح فتكون رخاءاً طيبة للبقاع المباركة من الحجاز الشام ومصر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد – البلد 1-2 } كما أن قوله تعالى { وهذا البلد الأمين – التين 3 } وتأمين البلد الحرام دعوة دعاها نبي الله إبراهيم عليه السلام قال تعالى { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام – إبراهيم 35 } فإذا كفر أهلها كما حدث في زمن النبي فهو سبب لخروج الشياطين بعد كفرهم وقتالهم لأهل بيت النبي عليهم السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا – الفرقان 4 } وقولهم { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا – الفرقان 7 } وكذلك استهزائهم بالنبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا – الفرقان 41 } فلما أسلموا عملوا بمكذوبات وهجروا كتاب ربهم كما في قوله تعالى { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 30 } .
وهنا يتسلط عليهم شياطين أوكلها الله تعالىى لنبيه عليه السلام حيث قال تعالى له { هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب – ص } فلما أنذرهم النبي صلى الله عليه وآله وعاقبة كفرهم ونفاقهم قالوا { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين -يونس 48 } وفي آخر الزمان تكون معركة يشترك فيها الإنس والجن بأحدث المعدات والأسلحة والمخترعات وتنزل فيها ملائكة وذا وارد في سورة المرسلات وبعدها سيجمعهم الله تعالى في جهنم جميعا لقوله تعالى { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين – المرسلات 38 } وفي هذه المعركة بأمر من الله تعالى موكول لنبي الله سليمان سيمن على المؤمنين بالنصر وسيمسك الرحمة عن الظالمين كما في الآية هنا { هذا عطاؤنا فامنن او أمسك بغير حساب – ص }
وأما :
(عطاؤنا)
والعطاء من الله تعالى لمن أراد الدنيا ومن أراد الآخرة قال تعالى { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا – الإسراء 20 } وهنا هذا العطاء من شر أو خير لطالبي الدنيا أو الآخرة أوكله لنبي الله سليمان عليه السلام فقال تعالى له عز وجل { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب – ص 39 } ولورود هذا اللفظ حصرياً عن الكوثر وما أعطاه الله تعالى لرسوله وأهل بيته عليهم السلام من نهر في الجنة أو الخير الكثير والذرية البركة في قوله تعالى { إنا أعطيناك الكوثر } لتؤكد بأن الله تعالى قد أجاب دعاء نبي الله سليمان مع استثناءه للنبي محمد صلى الله عليه وآله إمام النبيين والمرسلين وفقاً لآية الميثاق كما بينا من قبل .
وأما :
(فامنن)
[ المن : من الشيئ يمنه مناً : قطعه تقول مننت الحبل : ومن عليه أنعم كأن المنعم يقطع بإحسانه حاجة المحتاج ومن المحسن على من أحسن إليه بإحسانه أو من عليه بإحسانه ذكره له وعده عليه وقرعه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل النون والنون ] قال تعالى في عدد المنن التي منها على نبي الله موسى عليه السلام { ولقد مننا عليك مرة أخرى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي– طه 37-41 }
وأول منة منها الله تعالى على العالم بعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله عز وجل { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ– آل عمران 164 } ومن تولى الله تعالى و خاتم النبيين صلى الله عليه وأهل بيته من بعده فهؤلاء هم ميزان المنة من الله تعالى ومنعها لمن اراد الله تعالى والدار الآخرة فقال تعالى هنا لنبيه سليمان عليه السلام { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب – ص 39 }
وبهذه المنة من الله تعالى على رسوله والمؤمنين سيظهر دين الله تعالى آخر الزمان إذا ظهر النظام الفرعوني الأخير في العالم وطغى وتجبر وتقلد بفرعونه الأول متخذاُ إياه رمزاً وإماماً وهنا يكون قد حل زمان هلاكهم فقال تعالى { طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ – القصص 1-5 } . وهنا يبين تعالى أن نبي الله سليمان وجنوده من الإنس والجن سكونون أولياء لهؤلاء آخر الزمان ناصرين لهم منتقمون من أعدائهم لقوله تعالى { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب }
وأما :
(أو أمسك)
والمسك منع لرحمة الله تعالى عن الظالمين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم -فاطر 2 } وهذه الرحمة من خزائن الله تعالى التي لا تنفد ولو تحكم بها الظالمون لمنعوها على الرغم من أنها لا تنفد لسوء أنفسهم وماجبلت عليه من شر قال تعالى { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا – الإسراء 100 }
وهذه الرحمة هنا ومنعها وهبها الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام وجعلها الله تعالى ورسوله وفقاً لأوامر الله تعالى وحكمه وفيه أن ولاية نبي الله محمد إمام المرسلين وخاتم النبيين وإمامة أهل بيته عليهم السلام من بعده هى ميزان رحمة الله تعالى أو إمساكها وهذه وهبة وهبها الله تعالى له عليه السلام وقال تعالى فيها { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } ..
وأما :
(بغير حساب)
أي أن الله تعالى يرزق من يشاء بغير حساب قال تعالى { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب – البقرة 212 } ومن هذا الرزق وهبة وهبها الله تعالى نبيه سليمان قال تعالى فيها { وحشر لسليمان جنوده من الإنس والجن والطير فهم يوزعون } ومن هذه الوهبة تسخير الريح له والشياطين للثواب والعقاب كما بينا في قوله تعالى عن هذه الوهبة { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ – ص 35-39 }
ومن الحساب عقاب في آخر الزمان وقريب من الساعة للظالمين قال تعالى فيه { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون -الأنبياء 1} وهذا الحساب فيه هلاك قرى بريح نبي الله سليمان العاصف القاصف بإذن الله تعالى قال في قوله عز وجل { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا – الطلاق 8 } وعلامات نزول هذا الحساب العقاب الشديد على القرى سرعة دوران الرض حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم كما في الحديث وتوغل البحار على اليابسة وكثرة الزلازل والفيضانات والبراكين بفعل استمرارية اقتراب السماء وهبوطها التدريجي الغير ملحوظ من الأرض ونقصان اليابسة من الأرض على حساب البحروكأن الض تضيق على ساكنيها ويتم ضغطها من الشرق والغرب ومن أعلى إلى اسفل مصداقاً لقوله تعالى أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب – الرعد 41 }
وأما المؤمنون في هذا الأيام فسيجازيهم الله تعالى بالبركة والقناعة والرضا والنجاة من المهالك بسنة بعامة والنصر بإيمانهم ووصلهم ما أمر الله تعالى به أن يوصل من بر الوالدين وصلات الرحام ومودة أهل بيت الننبي عليهم السلام وهؤلاء هم الذين يخافون سوء الحساب وقال تعالى فيهم { والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب – الرعد 21 } .
ثم يقول تعالى :
(40) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
والزلفى : القربى وحسن المآب المكانة الحسنة عن رجوعه إلى الله تعالى كأبيه الذي قال تعالى فيه أيضاً { سورة ص – فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص25 } ويبين تعالى أن الزلفى عند الله ليس بالمال ولا بالولد ولكنها بالإيمان بالله والعمل الصالح و لذلك سيكافئهم الله تعالى بالجنة قال تعالى { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون – سبأ 37 } .
وأما :
(حسن مآب)
أي مكانة حسنة عند إيابهم ورجوعهم إلى الله تعالى وهذا يكون للذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى { الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب – الرعد 29 } وكذلك سيدنا سليمان هنا في الآية عليه السلام له عند الله تبارك وتعالى الزلفى وهى القربى حسن مآب قال تعالى { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص 40 } .
ثم يقول تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام :
(41) واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب (41)
ورد في تفسير البرهان :
[.. قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” إن أيوب ابتلي من غير ذنب “.
– وعنه، بهذا الإسناد: عن الحسن بن علي الوشاء، عن فضل الأشعري، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” ابتلي أيوب (عليه السلام) سبع سنين بلا ذنب “.
– عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام)، قال: إن أيوب (عليه السلام) ابتلي من غير ذنب، و إن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون، لا يذنبون، و لا يزيغون، و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا “.
و قال (عليه السلام): ” إن أيوب (عليه السلام) مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، و لا قبحت له صورة، و لا خرجت منه مدة من دم، و لا قيح، و لا استقذره أحد رآه، و لا استوحش منه أحد شاهده، و لا تدود شيء من جسده، و هكذا يصنع الله عز و جل بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه.
و إنما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد و الفرج، و قد قال النبي (صلى الله عليه و آله): أعظم الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، و إنما ابتلاه الله عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس، لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، و ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين : استحقاق، و اختصاص. و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه، و لا فقيرا لفقره، و لا مريضا لمرضه، و ليعلموا أنه يسقم من شاء، و يشفي من شاء متى شاء، كيف شاء بأى سبب ، شاء و يجعل ذلك عبرة لمن شاء، و شقاوة لمن شاء، و سعادة لمن شاء، و هو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه، و حكيم في أفعاله، لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم، و لا قوة لهم إلا به “.
- محمد بن يعقوب: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عثمان النواء، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” إن الله عز و جل يبتلي المؤمن بكل بلية، و يميته بكل ميتة، و لا يبتليه بذهاب عقله، أما ترى أيوب كيف سلط إبليس على ماله و على ولده، و على أهله، و على كل شيء منه، و لم يسلطه على عقله، تركه له ليوحد الله به “.– تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
التفسير :
وهنا :
(واذكر عبدنا)
وهنا يبين تعالى أن التذكرة في كتاب الله وكأنه الحفيظ عليها من النسيان في عالم الدنيا قال تعالى في كتاب الله { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } والذكر يطلق على رسول الله صلى الله عليه وآله المذكر بآيات الله كما في قوله تعالى في سورة الطلاق { أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا – الطلاق 10-11 } وبالتالي واذكر عبدنا أي بلغهم ذكر الله في أممر نبي الله أيوب عليه السلام قال تعالى { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب -ص 41 } أو كقوله تعالى في نبي الله داوود عليه السلام { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب – ص 17 } وقال تعالى في إبراهيم وإسحاق عليهما السلام { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص 45 } .
وأما :
(أيوب)
وهنا يقول تعالى عن نبي الله أيوب وما أصابه { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين -الأنبياء 83 } .
وأما :
(أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب)
أي أنه مسه الضر كما في قوله تعالى { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين – الأنبياء 83 } وهذا الضر بسبب مس شيطاني قال تعالى فيه هنا { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب – ص 41 } فلما دعا ربه تبارك وتعالى استجاب له كما في قوله تعالى { فاستجبنا له فكشفنا مما به من ضر وآتيناه أهله مثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين – الأنبياء 84 } وهذا الضر كان بتسلط إبليس عليه حسداً كما يلي :
ورد في تفسير الدر المنثور :
[ أخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } قال: ذهاب الأهل والمال والضر الذي أصابه في جسده. قال: ابتلى سبع سنين وأشهراً، فألقى على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { بنصب وعذاب } قال { بنصب } الضر في الجسد، { وعذاب } قال: في المال.
وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن الشيطان عرج إلى السماء قال: يا رب سلطني على أيوب عليه السلام قال الله: قد سلطتك على ماله وولده، ولم أسلطك على جسده. فنزل فجمع جنوده فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام، فأروني سلطانكم، فصاروا نيراناً، ثم صاروا ماء، فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف. فأتوه بالمصائب بعضها على بعض. فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك عدوّاً، فذهب به. وجاء صاحب الإِبل فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدواً، فذهب بها؟ ثم جاءه صاحب البقر فقال: ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدواً، فذهب بها؟ وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم.
فبينما هم يأكلون ويشربون اذهبت ريح، فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم؟ فبينما هم يأكلون ويشربون اذهبت ريح، فأخذت باركان البيت، فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم. فقال له أيوب: أنت الشيطان، ثم قال له أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام فحلق رأسه، وقام يصلي، فرن إبليس رنة سمع بها أهل السماء، وأهل الأرض، ثم خرج إلى السماء فقال: أي رب انه قد اعتصم، فسلطني عليه، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك قال: قد سلطتك على جسده، ولم أسلطك على قلبه.
فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدميه إلى قرنه، فصار قرحة واحدة، وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعى إليه حتى قالت له: أما ترى يا أيوب نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف. فأطعمك، فادع الله أن يشفيك ويريحك قال: ويحك..! كنا في النعيم سبعين عاماً، فأصبري حتى نكون في الضر سبعين عاماً، فكان في البلاء سبع سنين، ودعا فجاء جبريل عليه السلام يوماً، فأخذ بيده، ثم قال: قم.
فقام فنحاه عن مكانه وقال { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } فركض برجله، فنبعت عين فقال: اغتسل. فاغتسل منها، ثم جاء أيضاً فقال { اركض برجلك } فنبعت عين أخرى. فقال له: اشرب منها، وهو قوله { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } وألبسه الله تعالى حلة من الجنة، فتنحى أيوب، فجلس في ناحية، وجاءت امرأته، فلم تعرفه فقالت: يا عبدالله أين المبتلي الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به، والذئاب؟ وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك..! أنا أيوب قد رد الله عليّ جسدي، ورد الله عليه ماله وولده عياناً { ومثلهم معهم } وأمطر عليهم جراداً من ذهب، فجعل يأخذ الجراد بيده، ثم يجعله في ثوبه، وينشر كساءه، فيجعل فيه فأوحى الله إليه: يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك .
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن إبليس قعد على الطريق، فاتخذ تابوتاً يداوي الناس فقالت امرأة أيوب: يا عبدالله إن ههنا مبتلي من أمره كذا وكذا.. فهل لك أن تداويه؟ قال: نعم. بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجراً غيره. فأتت أيوب عليه السلام فذكرت ذلك له فقال: ويحك..! ذاك الشيطان لله عليَّ إن شفاني الله تعالى أن أجلدك مائة جلدة، فلما شفاه الله تعالى أمره أن يأخذ ضغثاً فأخذ عذقاً فيه مائة شمراخ، فضرب بها ضربة واحدة.
وأخرج ابن أبي حاتم قال: الشيطان الذي مس أيوب يقال له مسوط. فقالت امرأة أيوب ادع الله يشفيك، فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض: ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فعند ذلك قال:{ ربِ أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } [الأنبياء: 83].
وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه في قوله { اركض برجلك هذا } الماء { مغتسل بارد وشراب } قال: ركض رجله اليمنى فنبعت عين، وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين، فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال : ضرب برجله أرضاً يقال لها الحمامة، فإذا عينان ينبعان فشرب من إحداهما واغتسل من الأخرى .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه أن نبي الله أيوب عليه السلام لما اشتد به البلاء إما دعا وإما عرض بالدعاء، فأوحى الله تعالى إليه { أن اركض برجلك } فنبعت عين، فاغتسل منها فذهب ما به، ثم مشى أربعين ذراعاً، ثم ضرب برجله فنبعت عين فشرب منها .
وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال : إن نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه الذي أصابه قال إبليس: يا رب ما يبالي أيوب أن تعطيه أهله ومثلهم معهم وتخلف له ماله وسلطانه سلطني على جسده قال: اذهب فقد سلطتك على جسده، وإياك يا خبيث ونفسه قال فنفخ فيه نفخة سقط لحمه، فلما أعياه صرخ صرخة اجتمعت إليه جنوده قالوا يا سيدنا ما أغضبك؟ فقال الا أغضب إني أخرجت آدم من الجنة وإن ولده هذا الضعيف قد غلبني فقالوا: يا سيدنا ما فعلت امرأته؟ فقال: حية فقال: أما هي فقد كفيك أمرها فقال له: فإن أطلقتها فقد أصبت وإلا فأعطه فجاء إليها فاستبرأها، فأتت أيوب فقالت له: يا أيوب إلى متى هذا البلاء؟ كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك فقال لها: فعلتها أنت أيضاً. ثم قال لها أما والله لئن الله تعالى عافاني لأجلدنك مائة جلدة فقال { رب أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } قأتاه جبريل عليه السلام فقال { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب } فرجع إليه حسنه وشبابه، ثم جلس على تل من التراب فجاءته امرأته بطعامه فلم تر له أثراً فقالت لأيوب عليه السلام وهو على التل: يا عبدالله هل رأيت مبتلي كان ههنا؟ فقال لها: إن رأيتيه تعرفينه؟ فقالت له لعلك أنت هو؟ قال: نعم. فأوحى الله إليه أن { خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } قال: والضغث أن يأخذ الحزمة من السياط فيضرب بها الضربة الواحدة.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال : ابتلى أيوب عليه السلام بماله وولده وجسده وطرح في المزبلة، فجعلت امرأته تخرج فتكتسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان بذلك فكان يأتي أصحاب الخير والغنى الذين كانوا يتصدقوا عليها فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها انها تأتيكم وتغشاكم، فجعلوا لا يدنونها منهم ويقولون: تباعدي عنا ونحن نطعمك ولا تقربينا، فأخبرت بذلك أيوب عليه السلام، فحمد الله تعالى على ذلك وكان يلقاها إذا خرجت كالمتحزن بما لقي أيوب فيقول: لج صاحبك وأبى إلا ما أبى الله، ولو تكلم بكلمة واحدة تكشف عنه كل ضر، ولرجع إليه ماله وولده. فتجيء فتخبر أيوب فيقول لها: لقيك عدوّ الله فلقنك هذا الكلام لئن أقامني الله من مرضي لأجلدنك مائة. فلذلك قال الله تعالى { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } يعني بالضغث القبضة من الكبائس.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { وخذ بيدك ضغثاً } قال: الضغث القبضة من المرعى الطيب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما { وخذ بيدك ضغثاً } قال : حزمة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وخذ بيدك ضغثا } قال: عود فيه تسعة وتسعون عوداً، والأصل تمام المائة. وذلك أن امرأته قال لها الشيطان: قولي لزوجك يقول كذا وكذا..! فقالت له… فحلف أن يضربها مائة، فضربها تلك الضربة فكانت تحلة ليمينه وتخفيف عن امرأته.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه بلغه أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مائة في أن جاءته في زيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه وخشي أن تكون قارفت من الخيانة، فلما رحمه الله وكشف عنه الضر علم براءة امرأته مما اتهمها به، فقال الله عز وجل { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } فأخذ ضغثاً من ثمام وهو مائة عود، فضرب به كما أمره الله تعالى.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وخذ بيدك ضغثاً } قال: هي لأيوب عليه السلام خاصة وقال عطاء: هي للناس عامة.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه { وخذ بيدك ضغثاً } قال: جماعة من الشجر وكانت لأيوب عليه السلام خاصة، وهي لنا عامة.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { وخذ بيدك ضغثاً.. }. وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثاً فيه مائة طاق من عيدان القت، فيضرب به امرأته لليمين التي كان يحلف عليها قال: ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: ” حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها: ممن حملك؟ قالت: من فلان المقعد، فسأل المقعد فقال صدقت، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” خذوا له عثكولاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه به ضربة واحدة ” ففعلوا “.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: ” كان في أبياتنا إنسان ضعيف مجدع، فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء أهل الدار يعبث بها، وكان مسلماً فرفع سعد رضي الله عنه شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” اضربوه حده فقالوا يا رسول الله: إنه أضعف من ذلك ان ضربناه مائة قتلناه قال: فخذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ، فاضربوه ضربة واحدة وخلوا سبيله “.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان رضي الله عنه، أن رجلاً أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت، فأخبر أهله بما صنع، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ، فضربه ضربة واحدة .
وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة، فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة .
أما قوله تعالى: { إنا وجدناه صابراً نعم العبد}
أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أيوب عليه السلام رأس الصابرين يوم القيامة.
وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن العاصي رضي الله عنه قال: نودي أيوب عليه السلام يا أيوب لولا أفرغت مكان كل شعرة منك صبراً ما صبرت .
وأخرج ابن عساكر عن ليث بن أبي سليمان رضي الله عنه قال : قيل لأيوب عليه السلام لا تعجب بصبرك، فلولا أني أعطيت موضع كل شعرة منك صبراً ما صبرت .
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أيوب قالت : يا أيوب إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك فقال: ويحك..! كنا في النعماء سبعين عاماً، فدعينا نكون في البلاء سبع سنين .
وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : زوجة أيوب عليه السلام رحمة رضي الله عنها بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان أيوب عليه السلام كلما أصابه مصيبة قال: اللهم أنت أخذت، وأنت أعطيت مهما تبقى نفسك أحمدك على حسن بلائك – الدر المنثور للسيوطي ] والروايات هنا تؤكد على أن هناك حسد من عالم الجن وهو حسد غيير مرئي ولا مسموع ولا يدرؤه إلا الدعاء والذكر .
وأما :
(مسنى الشيطان)
[ ومسه يمسه مساً : على زنة فهمه يفهمه فهماً : أخرى يده عليه بغير حائل ويقال مسه : باشره ولاقى بعض أجزاءه ببعض جسمه ويأتي هذا في غير ذي العقل والإختيار فيقال : مسته النار ومسته الريح وقد توسع في معنى المس كثيراً فيقال مسه الشيئ : عرض له وأصابه ويقال مسه المرض وأكثر ما يستعمل في الشر يقال مسه السوء ويقال مس المرأة وطئها – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل السين والسين ] .
قال تعالى { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون – الاعراف 201 } أي [إن الذين اتقوا الله مِن خلقه, فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه, إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته, والتوبة إليه, فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة , آخذون بأمر الله, عاصون للشيطان- التفسير الميسر ] . وبالتالي لما أصاب أيوب عليه السلام مس الشيطان تاب إلى ربه وأناب إليه داعياً إياه في قوله تعالى { وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين – الأنبياء 83 } وهذا الضر وقع عليه من إبليس فأصابه بنصب أي تعب شديد وعذاب قال تعالى فيه هنا { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب – ص 41 } فلنما دعا ربه تبارك وتعالى تاب عليه ونجاه وكذلك ينجي المتقين في الدنيا بإجابة الدعاء وفي الآخرة بالنجاة من النار قال تعالى { وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ – الزمر 61 }
وأما :
(بنصب)
[ النصب : ونصب ينصب نصباً فهو ناصب وهى ناصبة : أي أعيا من عناء وتعب – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الصاد والباء ] قال تعالى { فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا – الكهف 62 } وهذا النصب كان من مس الشيطان أعاذنا الله تعالى والمؤمنين من شره .
وأما :
(وعذاب)
والعذاب يأت على الهرم وما فيه من ضعف وأمراض شيخوخة تتسلط على العبد كما في قوله تعالى { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون –البقرة 96 } أي أن العذاب الذي تسلط على أيوب هنا الضعف الشديد والمرض كما في الآية هنا { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب – ص 41 }
ولورود هذا اللفظ على دحر الشاطين وتعذبهم من الله تعالى في قوله عز وجل {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا لا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دحورا ولهم عذاب واصب – الصافات 9 } وهذه الآيات تشير إلى كذب رواية صعود إبليس للسماء وحديث إلى الخالق بأن يسلطه على أيوب عليه السلام و تشير أيضاً إلى أن الله تعالى قد دحره عليه السلام بعد أن حسد نبي الله أيوب عليه السلام ثم توبته إلى الله ودعاؤه فاستجاب الله تعالى له الدعاء وأكرمه عليه السلام وأتاه زوجة مع زوجته رحمة من عنده تعالى كما في قوله عز وجل { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى لأوولي الألباب – ص 41-43 } .
ثم يقول تعالى :
(42) أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب (42)
وهنا :
(أركض)
[ الركض : الضرب بالأرجل والعدو ] قال تعالى { فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون – الأنبياء 12 } وهنا أمره تعالى بأن يضرب برجله في قوله تعالى { اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب – ص 42 } أي [فقلنا له : اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد، فاشرب منه, واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والأذى. – التفسير الميسر ]
وأما :
(برجلك)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ومنهم من يمشي على رجلين – النور45} وهذه الرجلين تدخل ضمن حركات الوضوء والتطهر في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون- المائدة 6 } أي أنه بعدما ركض برجله تطهر للصلاة إلى الله تعالى .
وأما :
(هذا)
ورد لفظ هذا في قوله تعالى { إن هذا لرزقنا ما له من نفاد – ص54 } ومن هذا الرزق هنا شفاءوه وزواجه من زوجة ثانية قال تعالى { أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى لأوولي الألباب – ص 42-43 } .
وأما :
(مغتسل)
ومغتسل اسم فعل غسل يغسل غسلاً من الجنابة قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا – النساء 43 } وقال تعالى أيضاً بعد الإغتسال يكون الوضوء لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين .. الآية – المائدة 6 } .
وأما :
(بارد)
والبرد ضد الحر والبارد برودة ليس فيها أذى قال تعالى { لا يذوقون فيها برداً ولا شرابا – النبأ 24 } [ أي لا يذوقون فيها ما يتبرد به ظاهر أجسامهم ولا شراباً يطفئ حرارة باطنهم – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الراء والدال ] قال تعالى { لا بارد ولا كريم – الواقعة 44 } .
[ والبرد : مايبرد من المطر في الهواء فيصلب قال تعالى { ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء و يصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار – النور 43 } .
وفي الآية إشارة على أنه قد اغتسل ببرد ومطر نازل من السماء فيه مغتسل بارد وشراب فيه شفاء من الحمى وأمراض الجلد ويبركة من الله تعالى كما في قوله تعالى { أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب – ص } أي .
وأما :
(وشراب)
والشراب يطلق في كتاب الله تعالى هنا في بعض مواضع من كتاب الله تعالى على الماء المنزل من السماء قال تعالى { هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون – النحل 10 } أي أنه اعتسل وتوضأ للصلاة وشرب من هذا الماء الطهور قال تعالى هنا { أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب – ص } .
ثم يقول تعالى :
(43) ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب (43)
وهنا :
(ووهبنا)
[ ووهبه إياه : أعطاه إياه بلا عوض أو أجر ] قد بين تعالى أن الوهبة من الله تكون بالذرية الصالحة كإجابة لدعوة يدعوها العبد في قوله تعالى { والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما- الفرقان } وبالتالي الوهبة من الله تعالى هنا لنبي الله أيوب بأن أصلح له زوجه كما في قوله تعالى عن نبي الله زكريا بعد دعاءه { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين – الأنبياء 90 } باالتالي هنا الوهبة برحمة من الله تعالى لقوله تعالى{ ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا – مريم 50 } وكانت بزوجة صالحة ثانية لقوله تعالى هنا وقال تعالى { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب – ص43 }
ورزقه الله بالولد الصالح { ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين – العنكبوت 27 }
وأما :
(أهله)
الأهل يطلق على الزوجة والولد في قوله تعالى { وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا – مريم 55 } وقوله تعالى { إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى – طه 10 } ويطلق على الولد في قوله تعالى { رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين } أي أن الله تعالى بارك له في أهله فرزقه بزوجته ومعها أخرى وبارك له وزاد له في الولد قال تعالى {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب – ص 43 }
وأما :
(ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب)
أي أنه قال تعالى { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين – الأنبياء 84 } .
وأما :
(ذكرى )
والذكرى تكون بكتاب الله تعالى كما في قوله تعالى {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا }ومن اتخذ إلى ربه سبيلا فيتأسى بأنبياء الله تعالى ورسله وخاتمهم سيدنا محمد وأهل بيته الأئمة من بعده عليهم السلام ومن هذه القصص هنا عبرة للعابدين قال تعالى { فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين – الأنبياء 84 } وهؤلاء هم أولي الألباب كما في قوله تعالى { ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب – ص 43 }
وأما :
(لأولي الألباب)
وهنا يبين تعالى أن أولي الألباب أي أولي العقول السليمة هم الذين عملوا بكتاب الله تعالى وفيه التذكرة قال تعالى { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب – ص 29 }
و هذه القصص فيها عبرة لأولي الألباب قال تعالى { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – يوسف 111}
ثم يقول تعالى :
(44) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وهنا :
(خذ بيدك)
لفظ خذ ورد في قوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم – التوبة 103 } أي أن الله تعالى أمره بتطهير نفسه من حنث اليمين بأن يضرب بحزمة من الحطب ضربة واحدة كما قال تعالى { وَخُذْ بيدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 44 } .
وأما :
(بيدك)
واليد وردت في قوله تعالى { فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين – البقرة 249 } وبالتالي اليد هنا أمره الله تعالى بأن يأخذ بها حزمة من شماريخ فيضرب بها ضربة واحدة قال تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 44 } وفي ذلك خير له من الله تعالى لأنه تعالى بيده الخير قال تعالى { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير – آل عمران 26 } .
وأما :
(ضغثا)
وضغثاً [ الضغث : قبضة من قبضات مختلفة يجمعهاأصل واحد ويدخل بعضها في بعض – معجمم ألفاظ القرآن باب الضاد فصل الغين والثاء ] قال تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 44 } .
وأما :
(فاضرب به)
والضرب خفق كقوله تعالى في ضرب النساء بأرجلهن { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ايخفين من زينتهن – النور 31 } اي أن الضرب كان على هذه المنطقة من جسد زوجته عليها سلام الله ضربة خفيفة حتى لا يحنث كما في قوله تعالى هنا { فاضرب به ولا تحنث } .أي [ وقلنا له: خذ بيدك حُزمة شماريخ، فاضرب بها زوجك إبرارًا بيمينك، فلا تحنث؛ إذ أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لـمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى. إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء، نِعم العبد – التفسير الميسر ]
وأما :
(ولاتحنث)
[ وحنث : يحنث حنثاً : لم يف بها ] قال تعالى في الحنث العظيم وهو عدم الوفاء بالعهد العظيم أو البيعة للإمام { وكانوا يصرون على الحنث العظيم – الواقعة 46 } والحنث هنا عدم الوفاء فخفف الله تعالى عنه يمينه بأن يضرب بحزمة شماريخ ضربة واحدة خفيفة قال تعالى فيها هنا{ فاضرب به ولا تحنث } .
وأما :
(إنا وجدناه صابرا)
أي أنه كان تائباً أواباً صابراً على طاعة الله تعالى لقوله عز وجل { قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا – الكهف 49 } وهذا ما أقره الله عز وجل لنبيه أيوب عليه السلام { إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب }
وأما :
(صابرا)
والصبر بيكون على البلاء وفتنة إبليس وحزبه لقوله تعالى { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا – الفرقان 20 } وهذا يؤكد بالفعل حسد إبليس لنبي الله أيوب فابتلاه الله تعالى ليرفع درجته كما في وقوله تعالى { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم – محمد 31 } ولما تاب وأناب وصبر على البلاء قال تعالى فيه هنا { إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب } .
وأما :
(نعم العبد إنه أواب)
أي أنه كان تائباً طائعاً لله تعالى أواباً إليه كالأنبياء من قبل ومنهم نبي الله داوود الذي قال فيه عليه السلام { ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب – ص30 } وقال تعالى أيضاً للمؤمنين { اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب – ص 17 } وكذلك أيوب كان كآباءه الأنبياء من قبل في قوله تعالى هنا { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – ص 44 } .
ثم يقول تعالى :
(45) واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار (45)
وهنا :
(واذكر(
وهنا يقول تعالى { واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياَ – مريم 41 }وهنا يبين تعالى أنه كان من عباد الله تعالى أولي الأيدي والأبصار قال تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص 45 }
وأما :
(عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب)
وهنا يقول تعالى في البلاء الذي امتحن الله تعالى به نبي الله إبراهيم وذريته عليهم السلام { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ – الصافات 103-122 }
وهؤلاء الأنبياء هنا كانوا عباداً لله تعالى وأهل بصيرة وكرم قال تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص 45 }
وأما :
(إبراهيم و إسحاق ويعقوب)
هنا يبين تعالى أنه قد وهب لإبراهيم إسحاق ويعقوب كما في قوله تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين – الأنبياء 72 } وقد جعل الله تعالى في ذريتهما النبوة والكتاب قال تعالى { ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين – العنكبوت 27 } . وهؤلاء كانوا أولي أيدي وأبصار كما في قوله تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص 45 }
فإذا جاء زمن نبي الله الخاتم فهنا أمر رسوله بأن يؤمن به وما أنزل من قبل قال تعالى { قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون – آل عمران 84 } وهؤلاء كانوا مسلمين كما قال تعالى { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون – البقرة 136 } أي أنهم ليسوا يهوداً ولا نصارى كما قال تعالى { أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون – البقرة 140 }
وبالتالي كما أوحى الله تعالى لهؤلاء الأنبياء أوحى إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله قال تعالى { أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163 }
ثم أوصى نبي الله إبراهيم عليه السلام بأن تكون النبوة والإمامة في ذريتة إبراهيم عليه السلام والإمامة في أهل بيته ثم في خاتم النبيين وأهل بيته عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأمر بمودتهم وهم قوماً ليسوا بها بكافرين كما قال تعالى فيهم وفي آبائهم الأنبياء عليهم السلام : { ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الأنعام 84- 90 } .
ولما أكدت الآية على أن الله تعالى أوكل بالإمامة قوماً ليسوا بها بكافرين وهم أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً } أي كما في آية شورة الشورى { إلا المودة في القربى } ولذلك فرقت الآيات هنا بسورة ص بين نبي الله إبراهيم وذريته من فرع إسحاق ويعقوب عليهم السلام وبين تعالى أنهم من المصطفين الأخيار ثم أفرد إسماعيل واليسع وذا الكفل كفرع آخر من أولاد نبي الله إبراهيم ومنه النبي الخاتم صلى الله عليه والأئمة من ذريته عليهم السلام قال تعالى هنا : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ – ص 45-49 }
وهذه النبوة كانت لا تنقطع في بني إسرائيل كلما مات نبياً بعث الله نبياً آخر وبعد النبي محمد صلى الله عليه وآله الوصية بإمامة أهل بيته عليهم السلام وهذه الإمامة وصية أوصى الله تعالى وعمل بها نبي الله نوحاً و إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فقال تعالى {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه – الشورى 13-14 }
والوصية بالإسلام الحنيفي والبراءة من أعداء هذا الدين والخارجين على ولاية الله الحق وصية أوصى بها نبي الله إبراهيم عليه السلام قال تعالى فيها { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون – البقرة 132 } وقد كان نبي الله يوسف على هذه الملة الحنيفية حيث قال فيه تعالى { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون – يوسف 38 } .
وأما :
(أولي)
وأولي بمعنى أصحاب قال تعالى { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب – الزمر 21 } وأولي الألباب هنا هم إبراهيم وإسحاق ويعقوب الذين وصفهم الله تعالى قائلا فيهم بأنهم أولي أيدي وأبصار قال تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص 45 } ومن ذريتهم الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام الذين همأويل الأمر قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59 } وهؤلاء هم أولي الأمر و أولي الألباب وأولي الأيدي و الأبصار وأولي النهى وأولي البأس الشديد إن قاتلوا عدواً لله تعالى وهؤلاء أولي قربى النبي عليهم السلام الذين قال تعالى فيهم { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم – التوبة 113 } .
وأما :
(الأيدي)
واليد : الجارحة المعروفة وتجمع على أيدي والمعنى هنا على أنهم أولي نعم وكرم وسخاء على من حولهم لورود هذا اللفظ بين الوسطية بين الإنفاق والتقتير قال تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا – الإسراء 29 } وهنا يبين تعالى أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا أولي أيدي أي أنهم بيت كرم وسخاء وجود وما فعله مع الغرباء وهم الملائكة الذين أهلكوا قرى قوم لوط لخير دليل على هذا الكرم والجود قال تعالى { ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ – هود 69 } وبالتالي أولي أيدي [كقولك له علي يد] .
أي أن هؤلاء آباء أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام ليس من طبائعم البخل و الشح و الغلول الذي اتصفت به بنوا إسرائيل فيما بعد لما كفروا برسالة رسلهم وقتلوا أنبيائهم قال تعالى فيهم { ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون – البقرة 87 } فلما قتلوا أنبيائهم وكفروا برسالة ربهم وقالوا { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك – المائدة 64 } فقال تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وهم آباء أنبياء بني إسرائيل كانوا { أولي الأيدي والأبصار}
وأما :
(والأبصار)
والنظر يكون بالعين والبصر بما وراء النظر من اعتبار وتفكر وتدبر لذلك قال تعالى { يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار – النور 44} وذلك لأنه تعالى لم يخلق الحواس إلا لمعرفة الله تعالى كما في قوله تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78 } أي أن هؤلاء الأنبياء كانوا شاكرين لله تعالى لا يعملون بصرهم إلا فيما يرضي الله تبارك وتعالى .
والبصر لا يكون إلا لمن عملوا بكتاب ربهم فهم على بصيرة من ربهم ولذلك يقول تعالى في كتب الله تعالى وآخرها وخاتمها القرآن الكريم { هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون – الجاثية 20 } وقال تعالى أيضاً { قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ – الأنعام 104 } .
ولذلك يبين تعالى أن البشر ممكن أن يعمى نظره ولا تعمى بصيرته قال تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } .
وأبصار جمع بصر وبصيره وهذه الأبصار كان قد وهبها الله تبارك وتعالى لههؤلاء الذين هم آباء أنبياء بني إسرائيل كما في قوله تعالى هنا { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار – ص45 } .
ثم يقول تعالى :
(46) إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار (46)
وهنا :
(إنا)
أي أنه يقول تعالى { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163 } وهؤلاء الأنبياء قد استخلصهم الله تعالى كما في الآية هنا { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار – ص 46 } .
وأما :
(أخلصناهم بخالصة)
أي [ إنا خصصناهم بخاصة عظيمة , حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم ، فعملوا لها بطاعتنا, ودعوا الناس – التفسير الميسر ]
أي ان الله تعالى قد استخلصهم عز وجل لنفسه كقوله تعالى في سورة يوسف عن عزيز مصر وقوله عن نبي الله يوسف عليه السلام { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف 54 } فلما استخلصهم لله تعالى ورسله وأنبيائه والمؤمنين قال فيهم إبليس مستثنياً القدرة على إغواء هؤلاء فقال تعالى { إلا عباد الله المخلصين – الصافات 40 } وقال تعالى أيضا{ إلا عبادك منهم المخلصين – ص 83 }
و هءلاء هم الذين عبدوا الله تعالى مخلصين له الدين كما في قوله عز وجل { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين – الزمر 2 } وإخلاص الدين بأن يجعل العبد العمل لله تعالى والدار الآخرة هما ميزان تعاملاته مع بقية البشر لذلك قال تعالى هنا عن هذه الخاصية التي اختصهم الله تعالى بها { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } أي أنهم لا ينسون الله أبداً والعمل للدار الآخرة متمنيين لقاء الله تعالى وهذا عكس ما عملت له بنو إسرائيل من بعدهم حيث عملوا للدنيا وكرهوا لقاء الله تعالى وفروا من الموت وأصبحوا يودون لو يعمرون في الأرض ألف سنة وهنا قال تعالى لهم { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين – البقرة 94 }
وأما :
(ذكرى)
الذكرى في كتاب الله تعالى وهو عصمة من نسيان الآخرة قال تعالى { واذكر ربك إذا نسيت – الكهف 24} وهذه الذكرى تنفع المؤمنين كما في قوله تعالى { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين – الذاريات 55 } وهذه الذكرى كان يؤمن بها أنبياء الله تعالى ورسله ويعملون بما أنزل الله تعالى فيها من كتب وصحف قال تعالى فيها { إن هذه تذكره فمن شاء التخذ إلى ربه سبيلاً – الإنسان 29} وهذا السبيل هنا قال تعالى فيه { إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار – ص 46-47 }
وأما :
(الدار)
وهنا يقول تعالى في هذه الدار الآخرة { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار – الرعد 22-24 } وهذه الدار هى الحياة الأبدية التي قال تعالى فيها { وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون – العنكبوت 64 } وهذه الدار الآخرة كانوا يعملون لها لذلك قال تعالى فيهم هنا {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } .
ثم يقول تعالى :
(47) وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47)
وهنا :
(وإنهم)
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء هم المصطفين الأخيار قال تعالى { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ص 47 } ومن خرج على ولاية هؤلاء فهو من الكاذبين لقوله تعالى { بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون – المؤمنون 90 } ومن عصى هؤلاء الأنبياء ث خاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله قيض الله تعالى له شيطاناً فهو له قرين قال تعالى { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ – الزخرف 36-37 }
وأما :
(عندنا)
أي لهم عند الله تعالى زلفى وحسن مآب إذا رجعوا إلى الله تعالى لورود هذه الآيات عن نبي الله داوود عليه السلام في قوله تعالى { فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص 25 } وكذلك نبي الله سليمان عليه السلام في قوله تعالى{ وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب – ص 40} .
وأما :
(لمن المصطفين)
وهنا يبين الله تعالى بياناً جلياً بأن نبي الله إبراهيم والإنبياء من بعده وخاتمهم كانوا على الحنيفية السمحاء ومن خرج على هذه الحنيفية فقد خرج إلى النار قال تعالى { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين – البقرة 130 } وقد كان سيدنا محمد نبياً على هذه الملة الحنيفية لذلك قال تعالى { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين – البقرة 252} .
وأما :
(المصطفين)
{ إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران 33 } [ وفي مصحف أبي ابن كعب وابن مسعود [ ( وآل محمد على العالمين ) – تفسير البحر لمحيط لأبو حيان التوحيدي ج 2 ص 435 ] أي أنها كلها ذرية من نبي الله إبراهيم اصطفاهم الله تعالى عليهم السلام حتى آخر إمام من ذريتة كما أن قوله تعالى { ذرية بعضها من بعض} تؤدي لنفس المعنى وهؤلاء عند الله تعالى هم المصطفين الأخيار قال تعالى { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار – ص 47} .
وأما :
(الأخيار)
والأخيار أي خيار خلق الله تعالى الذين قال تعالى فيهم { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ – ص 48 } ومن تولى الله تعالى وآمن به تعالى ثم هؤلاء الأنبياء وخاتمهم سيدنا محمد والأئمة من أهل بيته عليهم السلام وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو على خير قال تعالى { يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين – آل عمران 114 } وهذه هى خير أمة أخرجت للناس والتي قال تعالى فيهم { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون – آل عمران 104 } .
وقال تعالى أيضاً { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون – آل عمران 110 } وهذه الخيرية التي جعلها الله تعالى في هؤلاء المؤمنين لأنهم آمنوا واستسلموا لإرادة الله تعالى واختياره حيث اختار للناس رسلهم وأنبيائهم وأئمتهم من بعد رسول الله النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وذلك مصداقاً لقوله تعالى { وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيره سبحان الله وتعالى عما يشركون –القصص 68 }.
ثم يقول تعالى :
(48) واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار (48)
وهنا :
(واذكر إسماعيل)
أي أنه يقول تعالى لرسوله الكريم صلى الله عليه وآله { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا – مريم 54 } وهنا يبين تعالى كذلك كان من المصطفين الأخيار اليسع وذا الكفل كل من الأخيار قال تعالى { واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار – ص 45-48 } .
وأما :
(واليسع)
وهنا اليسع ورد ضمن أنبياء الله تعالى الذين فضلهم الله تعالى على العالمين وورد ذكره رديف نبي الله إسماعيل في قوله تعالى { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الأنعام 83-90 } وهنا يرد اسم اليسع وذا الكفل رديف نبي الله إسماعيل كما في قوله تعالى هنا { واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار – ص 45-48 }
وأما :
(وذا الكفل)
وهنا أيضا ذا الكفل يرد دائماً رديف ومرفق بني الله إسماعيل في قوله تعالى { وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين – الأنبياء 85 } أي أن اليسع وذا الكفل يرفقان دائماً بنبي الله إسماعيل كما في الآية هنا {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار – ص 45-48 } وهنا ذكر اليسع وذا الكفل ضمن أنبياء الله فلا ينبغي لأحد أن يقول بأنهم ليسوا أنبياء لأن الله تعالى لم يخلط في أنبيائه من هم غير أنبياء .
والكفل والكفيل والكفالة وردت على السيدة مريم ونبي الله زكريا في قوله تعالى { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب –آل عمران 37 } وفي ذلك إشارة إلى أنه من أولاد نبي الله زكريا أو كما قيل أنه نبي الله زكريا نفسه لأنه تكفل بالسيدة مريم ولكن إرفاق إسمه بنبي الله إسماعيل يقول بأنه واليسع كانا أنبياء من فرع نبي الله إسماعيل .
وأما :
(كلٌ)
هنا يبين تعالى أن كل هؤلاء آمنوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير – البقرة 285 } وكلهم آمنوا به وذلك لآية الميثاق التي قال تعالى فيها { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } وهؤلاء كلهم من الصالحين الأخيار كما قال تعالى هنا { واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌ من الأخيار –ص 48 }
وأما :
(من الأخيار)
أي أن هؤلاء الأنبياء والمرسلين عند الله تعالى من المصطفين الأخيار قال تعالى { وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار – ص 47 } .
ثم يقول تعالى عن القرآن وما فيه من أحكام :
(49) هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب (49)
وهنا :
(هذا)
وهنا هذا الذكر قال تعالى فيه { هذا هدى – الجاثية } وهذا الهدى فيه بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين قال تعالى { هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين آل عمران 183 } . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يذكر ويدعوا به كما في قوله تعالى { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون – الأنعام 19 } وهذا الذكر كتاب منزل من عند الله تعالى مصدق الذي بين يديه من كتاب لينذر أم القرى ومن حوولها قال تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون – الأنعام 92 }
والطاغين لهم شر مآب قال تعالى فيه { هذا وإن للطاغين لشر مآب – ص55 } .
وأما :
(هذا ذكر)
وهنا يبين تعالى أن هذا الذكر مبارك كما في قوله تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون – الأنبياء 50 } ثم يبين تعالى بأن عليهم أن يأتوا ببرهان من كتاب الله تعالى على اتخاذهم إلهاً يعبدونه من دون الله ورائد هذا العمل هو الهوى ومخالفة كتاب الله تعالى وهذا الهوى إله يعبد من دون الله تعالى قال فيه { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ – الأنبياء 24 } والمتقين الذين آمنوا بالله تعالى وملوا الصالحات واجتنبوا مانهى الله تعالى عنه لهم حسن مآب قال تعالى فيه هنا { هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب – ص 49 }
وأما :
(وإن للمتقين)
والتقوى اجتناب ماحرم الله تعالى والعمل بما أنزل الله تعالى لقوله عز وجل { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197 } وهؤلاء لهم الآخرة عند الله تعالى كما في قوله تعالى { والآخرة عند ربك للمتقين – الزخرف 67 } وهؤلاء في الآخرة لهم عند الله تعالى حسن مآب قال تعالى فيه هنا { هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب – ص 49 } و هذا المآب هو الجنة لقوله تعالى { إن المتقين في جنات وعيون – لحجر 45 } .
وأما :
(حسن مآب)
وحسن المآب والرجعة إلى الله تعالى تكون بالعمل الصالح لقوله تعالى{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب – آل عمران 14 } . وهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم المتقون في قوله تعالى هنا { هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب – ص 49 } .وهؤلاء هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام آخر ذرية لأنبياء الله وبعدهم القيامة لما نزل في الإمام علي عليه السلام من قوله تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه – البينة 7-8 } وهنا [ قال رسول الله صلى الله عليه وآله علي وشيعته هم الفائزون .. يأتون يوم القيامة غرا محجلون – الدر المنثور للسيوطي ]
[ .. عن أبي الجارود عن محمد بن علي : (أولئك هم خير البرية) فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : “أنت يا علي ! وشيعتك”. – ابن جرير الطبري في “التفسير” (30/ 171) ] .
ثم يقول تعالى :
(50) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب (50)
وهنا :
(جنات عدن)
وهذه الجنة وعد وعده الله تعالى للمؤمنين قال تعالى فيه { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم – التوبة 72 } وهؤلاء الممؤمنين أئمتهم الأنبياء والمرسلين ثم أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام الذين هم ذرية خاتم النبيين ولا نبوة بعده قال تعالى { جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب – الرعد 23 } والملائكة يدعون لمن تولى هؤلاء بدخول هذه الجنة كما في قوله تعالى{ ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم – غافر 8 }
وهذه الجنة في الحياة الدنيا فقط لقوله تعالى { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا ا يسمعون فيها لغواً إلا سلاما ولهم فيها رزقهم بكرة وعشيا – مريم 61-62 } وهنا غدواً وعشيا تثبت أنها جنة الحياة الدنيا لقوله تعالى عن فرعون { النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب – غافر 46} فإذا قامت القيامة وقال تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات – إبراهيم 48 } وهنا يكون الفردوس الأعلى بعد ميراث الله تبارك وتعالى للسماوات والأرض قال تعالى { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون –المؤمنون 11}
وأما :
(مفتحة لهم الأبواب)
وهذه الأبواب للجنة في السماء ولا يصعد فيها كافر أو منافق ولا يرفع له فيها عملاُ لقوله تعالى { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين – الأعراف 40 } وهؤلاء هم سكان السماء هنا الذين قال تعالى فيهم { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب -50 } وهؤلاء هم المتقين الذين تولوا الله تعالى ورسوله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام الذين إن ماتوا رحبت بهم الملائكة وسلمت عليهم كما في قوله تعالى { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين – الزمر73 } .
ثم يقول تعالى :
(51) متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب (51)
وهنا :
(متكئين)
و[ توكأ على الشيئ اعتمد عليه واستند إليه – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الكاف والهمزة ] قال تعالى { قال هى عصاي أتوكأ عليه وأهش بها على غنمي – طه18 } و [ اتكأ جلس متمكناً مستقراً والوصف متكئ – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الكاف والهمزة ] قال تعالى { ولبيوتهم أبواباً و سرراً عليها يتكئون – الزخرف 34 } وقال تعالى { هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون – يس 56 } .
وأما :
(متكئين فيها يدعون فيها)
أي أنه يقول تعالى أن هذه الجنة للمتقين قال تعالى { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد آل عمران 15 } وهؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة خالدون قال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون – البقرة 82 } ولهم فيها من كل فاكهة من كل الثمرات وأزواج مطهرة قال تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا –النساء 57 } .
وأما :
(يدعون فيها بفاكهة)
أي أن هؤلاء لهم فيها ما يدعون أي ما يطلبونه يجدونه حاضراً قال تعالى { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون – فصلت 31 } وهؤلاء هم المتقين الذين قال تعالى فيهم { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – الدخان 51-57 }
وأما :
(بفاكهة كثيرة)
أي أن هذه الفاكهة لا تنقطع أبداً قال تعالى { وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة – الواقعة 32 }
وأما :
(وشراب)
وهذا الشراب هو الشراب الطهور الذي قال تعالى فيه { عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا – الإنسان 21 } .
ثم يقول تعالى :
(52) وعندهم قاصرات الطرف أتراب (52)
وهنا :
(وعندهم قاصرات الطرف)
[ وقصر الطرف يقصره : غضه أو حبسه عن النظر وهو قاصر الطرف وهى قاصرة الطرف وهن قاصرات الطرف من إضافة إسم الفاعل إلى مفعوله – معجم ألأفاظ القرآن باب القاف فصل الصاد و الراء ] قال تعالى { وعندهم قاصرات الطرف عين – الصافات 48 } أي [ وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين – التفسير الميسر ] .
وأما :
(الطرف)
ورد لفظ الطرف في قوله تعالى { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ – الشورى 45 } أي أن هؤلاء النسوة المؤمنات يغضون من أبصارهن فلا يرفعن بصرهن في وجه أحد وهؤلاء هم الذين قال تعالى فيهم أنهن عملوا بقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون – النور 30-31 } وهؤلاء المؤمنين من الرجال والنساء هم المتقون الذين وعدهم الله تعالى هنا بالجنة وقال تعالى فيها { هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ – ص 49-53 }
وأما :
(أتراب)
[ وأتراب : جمع ترب وهو المساوي في السن ولم تستعمل في القرآن إلا في الإناث – معجم ألفاظ القرآن باب التاء فصل الراء والباء ] قال تعالى مبيناً أن هذا ما وعده الله تعالىلأصحاب اليمين وهم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين في آخر الزمان قال تعالى فيهم { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ- الواقعة 27-40 } وهؤلاء أصحاب اليمين هم الذين اتقوا ربهم وعملوا بالصالحات قال تعالى { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا – النبأ 31-36 } [ .. قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد “كواعب” أي نواهد يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عرب أتراب أي في سن واحد – تفسير ابن كثير ] وفي تفسير الطبري [عن ابن عباس، قوله: (وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) يعني: النساء المستويات.- تفسير الطبري ] .
ثم يقول تعالى :
(53) هذا ما توعدون ليوم الحساب (53)
وهنا :
(هذا ما توعدون)
أي أن هذا وعد من الله تعالى بأن لا يحزنهم الفزع الأكبر قال تعالى { لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون – الأنبياء 103 } وهذا وعد وعده الله تعالى لكل أواب حفبظ قال تعالى { هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ – ق 32 } .
وأما :
(ليوم الحساب)
وهذا اليوم لا ظلم فيه قال تعالى { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب – غافر 17 } والويل والعذاب الشديد لمن نسوا هذا اليوم قال تعالى { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 } ولذلك كل مؤمن يدعوا الله تعالى أن يغفر الله تعالى في هذا اليوم قال تعالى { ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب – إبراهيم 41 } وبين العذاب والرحمة في هذا اليوم وعود وعدها الله تعالى للناس قال تعالى فيها هنا { هذا ما توعدون ليوم الحساب – ص 53 } .
ثم يقول تعالى :
(54) إن هذا لرزقنا ماله من نفاد (54)
وهنا :
(إن هذا)
أي أنه يقول تعالى { إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا – الإنسان 22 } وهذا الجزاء هنا هو الجنة كما في قوله تعالى هنا { إن هذا لرزقنا ماله من نفاد } .
وأما :
(لرزقنا)
وهذا الرزق عند الله تعالى وفيه الخير كما قال تعالى { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين – الجمعة 11 } وما عند الله تعالى هو الجنة وما أعده فيها للمؤمنين العاملين الصالحات من نعيم مقيم قال تعالى فيه وما سيقوله المؤمنين بعدما يدخلونها { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون – البقرة 25 } وهذا الرزق ماله من نفاد أي ناق دائم لا يفنى ولا ينتهي قال تعالى { إن هذا لرزقنا ماله من نفاد –ص 54 } .
وأما :
(ماله)
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء أهل مشيئته ورحمته كما في قوله تعالى { ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير – الشورى 8 }وهؤلاء هم الذين طلبوا من الله تعالى حسنة الدنيا وحسنة الدار الآخرة كما في دعائهم في الحياة الدنيا وأعمالهم الصالحة التي عملوها استعداداً للقاء الله تعالى وهنا يقول تعالى { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار – البقرة 200-201 } وهؤلاء أعد الله تعالى لهم جنات فيها نعيم مقيم ورزق ماله من نفاد قال تعالى { إن هذا لرزقنا ماله من نفاد } .
وأما :
(من نفاد)
و [ النفاد : نفد الشيئ نفداً ونفاداً فنى وانقطع – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الفاء والدال ] قال تعالى { ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون – النحل 96} وهذا الجزاء جنات النعيم وما فيها من رزق ماله من نفاد قال تعالى فيه { هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ إِنَّ هَٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ – ص 49-54 } .
ثم يقول تعالى :
(55) هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
وهنا :
(هذا)
وهنا هذا يرد هذا اللفظ في قوله تعالى { هذا فلذوقوه حميم وغساق } وهذا الحميم والغساق جعله الله تعالى للطغاة كما في الآية هنا { هذا وإن للطاغين لشر مآب – ص 55} وهؤلاء الطغاة هم الذين هجروا القرآن الكريم فلم يعملوا بما فيه من أحكام قال تعالى{ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 30 }. وهؤلاء يوم القيامة سيقولون { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين – الصافات 20 } .
وأما :
(وإن للطاغين)
وكل من زاد عن حده فقد طغى فقال تعالى عن الريح إذا تحولت لما فوق الإعصار فهى طاغية قال تعالى { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية – الحاقة 5 } وقال تعالى في الماء بعدما تحول لما فوق الموج بأن يكون كالجبال في قوله تعالى { وهى تجري بهم في موج كالجبال – هود 42 } هذا المشهد هنا بين تعالى أنه طغيان للماء فقال تعالى { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية – الحاقة 11} وهكذا كل من طغى وسفك الدماء أي ما فوق الظلم وسفك الدماء فهو طاغية وطاغوت قال تعالى { اذهب إلى فرعون إنه طغى – طه 24 } ومن آثر الحياة الدنيا وأمعن في الشهوات والملذات وعمل للدنيا دون الآخرة فقد طغى قال تعالى { فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى – النازعات 37-39 } وهؤلاء الطغاة جعل الله تعالى لهم جهنم مرصاداً قال تعالى فيه { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِّلطَّاغِينَ مَآبًا لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا – النبأ 21-28 } .
وأما :
(لشر)
وهؤلاء هم عبدة الطاغوت قال تعالى { قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل – المائدة 60 } وهذا الشر الذي أعده الله تعالى عند إيابهم ورجوعهم إلى الله تعالى كما في قوله تعالى{ هذا وإن للطاغين لشر مآب – ص 55 } وهنا إذا رجعوا إلى الله تعالى حشرهم على وجوههم إلى جهنم قال تعالى { الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا – الفرقان 34 } .
وأما :
(مآب)
أي رجوع قال تعالى { إن إلينا إيابهم ثم إنا علينا حسابهم- الغاشية 25-26 } فإذا رجعوا إلى الله تعالى فلهم شر مآب قال تعالى فيه { هذا وإن للطاغين لشر مآب – ص 55 } .
ثم يقول تعالى :
(56) جهنم يصلونها فبئس المهاد (56)
وهنا :
(جهنم يصلونها فبئس)
أي بئس القرار لقوله تعالى فيمن بدلوا نعمة الله كفراً { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ – إبراهيم 29-30} وبئس المصير لمن تناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير -المجادلة 8 } وهؤلاء هم الذين عصوا الله تعالى وشاقوا الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115 } وهؤلاء هم الطغاة الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة كما بينا في قوله تعالى هنا { هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ – ص55-58 }
وأما :
(المهاد)
[ والمهاد : المهد : الفراش يهيئ للصبي ليضجع فيه وينام وهو في الأصل مصدر سمى به الفراش لأنه يمهد – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الهاء والدال ] قال تعالى { فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا – مريم 29 } أي بئس المهاد وهو نار من تحتهم ونار تغشاهم من فوقهم قال تعالى فيها { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين – الأعراف41 } .
ثم يقول تعالى :
(57) هذا فليذوقوه حميم وغساق (57)
وهنا :
(هذا)
أي أنه يقول تعالى { هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار – ص 59 } فإذا دخلوها قال تعالى هنا { هذا فليذوقوه حميم وغساق – ص 57 } .
وأما :
(فليذوقوه حميم وغساق)
[ والحميم : الماء الشديد الحرارة ] [والغساق : من غسق ككتان بالتخفيف كسحاب : وهو المنتن الذي يسيل من قيح أو دموع أهل النار ] قال تعالى { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِّلطَّاغِينَ مَآبًا لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا – النبأ 21-28 } .
ثم يقول تعالى :
(58) وآخر من شكله أزواج (58)
وهنا :
(آخر)
وهنا يقول تعالى { لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا – الإسراء 22 } وقال تعالى أيضاً
{ ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا – الإسراء 39 } ومن فعل ذلك فله عذاب في الآخرة قا تعالى فيه { هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج – ص 56-57 } .
وأما :
(من)
ورد لفظ من في قوله تعالى { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين – الأعراف 41 } اي لهم من فوقهم ومن تحتهم عذاباً أزاوج أي الشيئ وضده قال تعالى هنا { وآخر من شكله أزواج } .
وأما :
(شكله)
[ والشكل : الصورة الحية المعنوية وشكل الشيئ ماكلن على صورته قال تعالى { قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا – الإسراء 84 } وعلى ذلك قوله تعالى هنا { وآخر من شكله أزواج} أي على شكل عذاب الدنيا ولكن أزواج أي الشيئ وضده قال تعالى هنا { وآخر من شكله أوزواج } .
وأما :
(أزواج)
[ وأزواج بمعنى الشيئ وضده أو نقيضه ] قال تعالى في مثال على الذكر والأنثى { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى } . و قال تعالى { والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون – الزخرف 12 } ومن هذه الأزواج التي خلقها الله تعالى أزواجاً من العذاب لمن كفر وظلم وكذبو نافق وخرج على شرع الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { وآخر من شكله أزواج} .
ثم يقول تعالى :
(59) هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار (59)
وهنا :
(هذا)
أي أنه يقول تعالى { هذا وإن للطاغين لشر مآب – ص 55 } فإذا ما قدموا في فوج ليقتحموا النار لم يرخب بهم سلفهم كما في قوله تعالى هنا { هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار- ص59 } وهذا مما وعدهم الله تعالى يوم الحساب كما في قوله تعالى { هذا ما توعدون ليوم الحساب – ص 53}
وأما :
(فوج)
[ والفوج متسع بين كل مرتفعين الفوج والفائج : القطيع من الناس والفيج مثله وأصله الواو والجمع أفواج وأفاويج وأفاوج – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الواو والجيم ] قال تعالى { ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون – النمل 83 } فإذا قدم هذا الفوج لم يرحب بهم أحد لقوله تعالى هنا { هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار – ص59 } فإذا دخلوها سألتهم الملائكة تقريعاً واستنكاراً عليهم قال تعالى { تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير– الملك 8-9 }.
وأما :
(مقتحم)
[ واقتحم المكان : رمى بنفسه على شدة ومشقة ويقال اقتحم الأمر ألقى بجهة فيه في شدة يريد التغلب عليه فهو مقتحم – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الحاء والميم ] قال تعالى { فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطاعم في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناَ ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولائك أصحاب الميمنة – البلد } وهنا قوله تعالى ( ذا مقربة ) يقدم فيها قرابات النبي على بقية القرابات لقوله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } وبالتالي الذين اقتحموا جهنم في أفواج قوماً كفروا بالله تعالى وكذبوا رسله وخرجوا على ولايته تعالى وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام .فإذا دخلوها لم يرحب بهم كما في الآية هنا
{ هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار – ص59 } .
وأما :
(معكم)
هذا اللفظ يبين تعالى من خلاله أن هذه الأفواج المقتحمة للنار هم الكفار والمنافقين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون – الحشر } والمنافقون منهم عندما يرون أهل الجنة سينادونهم قائلين لهم ألم نكن معكم قال تعالى { ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور – الحديد 14 } . وهؤلاء كما في الآية هنا لن يرحب بهم أحد ممن سبقهم في اقتحام جهنم والعياذ بالله .
وأما :
(لا مرحباً بهم )
[ ورحب الشيئ يرحب رحباً : اتسع فهو رحب ورحيب ومرحباً في تحية الخير للقادم ومرحباً : أي أتيت أو صادفت سعة فاستأنس ولا تستوحش – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الحاء والباء ] قال تعالى { وضاقت عليكم الأرض بما رحبت – التوبة 25 } وعلى ذلك ( لا مرحباً بكم) أي ضاق بكم المكان ولا يسعكم فيه إلا ما تكرهون في جهنم قال تعالى { هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار – ص59 } . فقالوا مجيبين في الرد عليهم (بل أنتم لا مرحباً بكم ) قال تعالى { قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار –ص 60 }
وأما :
(إنهم صالوا النار)
[ والصلي والصلاء : النار والصلاء ما تزكى به – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل اللام والياء ] قال تعالى { إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون – النمل 7 } وما تصطلي به النار هنا الناس والحجار لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون – التحريم 6 } وهؤلاء هم الذين كفروا بالله تعالى ورسوله لقوله تعالى { إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما –النساء 56 } وهؤلاء هم الأشقياء الذين قال تعالى فيهم { ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيا – الأعلى} ومن هؤلاء أبو لهب الذي قال تعالى فيه { تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد – المسد } ومنهم منافقين قال تعالى فيهم { هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذٍ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية – الغاشية }
وهنا يبين تعالى لنا أنواعاً من الصلي فهناك { النار} و{ ناراً حامية }و{ يصلى سعيرا – الإنشقاق 12 } و { ناراً ذات لهب} و{ الذي يصلى النار الكبرى } وهذه كلها دركات في جهنم كل على قدر جريمته قال تعالى { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون – الأعراف 38 } .
ثم يقول تعالى :
(60) قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار (60)
وهنا :
(قالوا بل أنتم)
قال تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون -البقرة 170 } وهؤلاء مقلدة الآباء ممن قالوا بفكرة السلف الصالح للصد عن سبيل الله وولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام سيدخلون جهنم مقتحمين في أفواج
ومن هؤلاء المحاربين للإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى الذين قالوا نحن أنبناء الله وأحباؤه لقوله تعالى {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير – المائدة 18 } ومن هؤلاء الأفواج فوج قوم لوط لقوله تعالى فيهم لعنهم الله { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون – الأعراف 80-81 } ومن هذه الأفواج قوم كفروا بالله تعالى ورسوله واطيروا بالنبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين في كل زمن قال تعالى { قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون –النمل 47 } وهذه الأفواج ستدخل جهنم مقتحمين كما في قوله تعالى { هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار – ص 59-60 } .
وأما :
(لا مرحباً بكم)
وهذا رد القادمين إلى جهنم على من سبقهم حيث قالوا لهم { هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار – ص 59 }
[ وقوله ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ) يعني تعالى ذكره بقوله ( هَذَا فَوْجٌ ) هذا فرقة وجماعة مقتحمة معكم أيها الطاغون النار, وذلك دخول أمة من الأمم الكافرة بعد أمة;( لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) وهذا خبر من الله عن قيلِ الطاغين الذين كانوا قد دخلوا النار قبل هذا الفوج المقتحِم للفوج المقتَحم فيها عليهم, لا مرحبا بهم, ولكن الكلام اتصل فصار كأنه قول واحد, كما قيل: يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ فاتصل قول فرعون بقول ملئه, وهذا كما قال تعالى ذكره مخبرا عن أهل النار: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ويعني بقولهم: ( لا مَرْحَبًا بِهِمْ ) لا اتسعت بهم مداخلهم, كما قال أبو الأسود: لا مرْحَب وَاديكَ غيرُ مُضَيَّقِ وبنحو الذي قلنا فى ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ) في النار ( لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ .- تفسير الطبري ] .
وهنا يبين تعالى أنهم قالوا لهم { بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدمتوه لنا فبئس القرار – ص 60 }
أي :
[(قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) .. حتى بلغ: ( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) قال: هؤلاء التباع يقولون للرءوس. حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ ) قال: الفوج: القوم الذين يدخلون فوجا بعد فوج, وقرأ: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا التي كانت قبلها. وقوله ( إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ) يقول: إنهم واردو النار وداخلوها.( قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ ) يقول: قال الفوج الواردون جهنم على الطاغين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم لهم: بل أنتم أيها القوم لا مرحبا بكم: أي لا اتسعت بكم أماكنكم,( أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ) يعنون: أنتم قدمتم لنا سُكنى هذا المكان, وصِليّ النار بإضلالكم إيانا, ودعائكم لنا إلى الكفر بالله, وتكذيب رسله, حتى ضللنا باتباعكم, فاستوجبنا سكنى جهنم اليوم, فذلك تقديمهم لهم ما قدموا في الدنيا من عذاب الله لهم في الآخرة ( فَبِئْسَ الْقَرَارُ ) يقول: فبئس المكان يُسْتَقَرُّ فيه جهنم. – الطبري ] .
وأما :
(أنتم)
وأنتم هنا يبين تعالى أنهم قوم كبراء كانوا يجادلون عنهم في الحياة الدنيا ويحاربون ويقاتلون في سبيلهم وهم ليسوا أنبياء ولا مرسلين ولا أئمة قال تعالى في هؤلاء الضالين { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا – النساء 109 } وهؤلاء سيقول بعضهم لبعض في النار { أنتم قدمتوه لنا فبئس القرار – ص 60 }
وأما :
( قدمتموه)
وقدمه بمعنى سبق به غيره وتقدم به لقوله تعالى في العمل الذي يعمله العبد ويقدم به على الله تعالى { إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين – يس 12 } وما تقدم به العبد من أعمال صالحة يجدها العبد عند الله تعالى لقوله عز وجل { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير –البقرة 110 } وأما الذين اتبعوا ماألفوا عليه آبائهم وخرجوا على ولاية الله الحق فسيجعل الله تعالى عملهم هباءاً منثورا لا قيمة له قال تعالى { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا – الفرقان 23 } .ولذلك هؤلاء من الأفواح التي ستقتحم جهنم كما في قوله تعالى هنا { هَٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ – ص 59-61 } .
وأما :
(لنا)
هنا يبين تعالى أن له عز وجل الآخرة والأولى قال تعالى { وإن لنا للآخرة والأولى }
وفي هذا اليوم بعد هلاكهم في الدنيا بخروجهم على ولاية الله تعالى ورسوله وعلم أهل البيت وتأويلهم لكتاب الله ويكون في هذا هلاكهم فإذا هلكوا قالوا ( هل لنا من شفعاء) قال تعالى : { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 }
وأما :
(فبئس القرار)
[ والقرار : مكان الإستقرار والثبات ] قال تعالى في كلمة الكفر { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ – إبراهيم 26 } وقد جعل الله تعالى الأرض قرار للإنسان في الدنيا في قوله تعالى { أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ – النمل 61 } والآخرة هى دار القرار وهناك فرق بين قرار بلا دار في الدنيا والآخرة قرار في دار أي أنها خير وأبقى وفيها الخلود والقرار الأبدي قال تعالى { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار – غافر 39 } وهذه الدار الآخرة والقرار فيها ليست للذين بدلوا نعمة الله كفراً وتركوا العمل بما أنزل الله وخرجوا على ولايته الحق قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ – إبراهيم 28-30 } وهؤلاء لن يرحب بهم سواء كانوا تبعين أو متبوعين قال تعالى هنا { هَٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ – ص 59-61 } .
ثم يقول تعالى :
(61) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ(61)
وهنا :
(قالوا)
وهنا قال التابعين للمتبعوين { قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار – ص 60 } وهذا كقوله تعالى عن الكفار الأوائل وتابعيهم الأواخر { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ – الأعراف 37-39 } وهنا أخذ بعضهم يرجع إلى بعضهم القول ملقياً عليه تهمة وجريمة إضلاله قال تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – سبأ 31-33 } .
وبالتالي هنا قال المستضعفون التابعون للمستكبرين { وقالو رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ- ص 61 }أي [ قال فوج الأتباع : ربنا مَن أضلَّنا في الدنيا عن الهدى فضاعِف عذابه في النار.- التفسير الميسر ] .
وأما :
(ربنا)
وهنا يبين تعالى أنهم قالوا رب ارجعون قال تعالى { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ – المؤمنون 99-108 } .
وأما :
(أما :
أما أماا
من قدم لنا هذا)
وأول من سيتقدم هؤلاء المجرمين هنا هو فرعون لعنه الله لقوله تعالى فيه { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود – هود98 }
ومن هؤلاء من قدموا أراء وأهواء الرجال على نصوص القرآن والسنة النبوية المطهرة في مخالفة لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم – الحجرات 1 }
وكل من قلد الآباء والأجداد فهم عدو لله تعالى ورسوله كما قال تعالى على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ – الشعراء 69-77 } وهنا سيدعوا هؤلاء على من أضلهم قائلين { قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ – ص 61 } وهؤلاء هم السلف الذي قدموا الخلف إلى النار قال تعالى في دعاء الخلف عليهم { قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار – ص 60 }
وهنا في يوم الحساب سيقول هؤلاء نادمين { يقول يا ليتني قدمت لحياتي – الفجر24 } فتقول لهم الملائكة { ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد – الحج 10 } .
وأما :
(لنا)
وهنا يبين تعالى لنا تبروء بعضهم من بعض قال تعالى { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار – البقرة 167} ومن هؤلاء أئمتهم في الكفر وهو فرعون وملئه لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عنهم لعنهم الله وقولهم { فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون – المؤمنون 47 } .
وأما :
(هذا)
وهنا يبين تعالى أنه من أراد النجاة يوم القيامة فليتبع ملة إبراهيم حنيفاً ثم خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين- آل عمروان 68 } وقد أنذر الناس بالقرآن الكريم قال تعالى{ و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون – الأنعام 92 }
ومن خرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله وآل بيته عليهم السلام فهؤلاء الذين كفروا برسالة ربهم كما قال تعالى في فرعون وملئه { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم – الأعراف 109 } وقد توعد المؤمنين كما في قوله تعالى { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون – الأعراف 123 }
ومن هؤلاء قوم اتخذوا دينهم لهواً ولعباً على خطى فرعون والأمم من قبل وهؤلاء الذين نسوا لقاء يوم القيامة قال تعالى فيهم {الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون –الأعراف 51 } وأمم جاءت من بعدهم قال تعالى فيهم { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 } وهؤلاء قال تعالى فيهم هنا من الأولين إلى الآخرين { هَٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ – ص 59-61 } .
وأما :
(فزده عذابا)
وهنا قال تعالى في هؤلاء الكفار والمنافقين {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون – النحل 88 } . وهؤلاء يحشرهم الله تعالى يوم القيامة إلى جهنم عمياً وبكماً وصما قال تعالى { ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا – الإسراء 97 } .
وأما :
(فزده عذاباً ضعفاً في النار)
وهذا العذاب المضاعف لهؤلاء باتخاذهم إلهاً غير الله تعالى وبابه العمل بالهوى ومخالفة نصوص القرآن الكريم قال تعالى { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا – الفرقان 68-69 } وهؤلاء بالهوى أطاعوا سادتهم وكبرائهم وكذبوا بآيات الله تعالى ولم يعملوا بها بل وقدموا طاعة سادتهم وكبرائهم على طاعة الله فأدخلهم النار وضاعف لهم العذاب كما في قوله تعالى{ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا – الأحزاب 67-68 }
ويبين تعالى أن لكل ضعف من التابع والمتبوع ولكن لا يعلم أحد عن عذاب الآخر شيئا قال تعالى { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون – الأعراف 38 } .
وأما :
(في النار)
وهنا يبين تعالى أنهم حين يعذبهم الله تعالى سيقولون ياليتنا أطعنا الله والرسول قال تعالى {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا – الأحزاب 66 } ثم يسحبون على وجوههم كما في قوله تعالى { يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر – القمر 48 } وهنا يدعون ربهم بأن يخفف عنهم يوماً من العذاب قال تعالى { وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ – غافر 49-50 } .
وما كان ذلك إلا بطاعتهم للشيطان وكفرهم بآيات الرحمن وولايته الحق قال تعالى { كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ – الحشر 16-17 } .
ثم يقول تعالى :
(62) وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار (62)
وهنا :
الآية تبين حال أقوام كانوا يعرفون بعضهم بعضاً في الدنيا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه أو يقولون نحن الموحدون وأهل الجنة دون العمل لها والولاية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام وبالتالي هؤلاء قوم في الدنيا ادعوا وزعموا ولكن زين لهم الشيطان أعمالهم فاستجابوا له قال تعالى { تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم – النحل 63 } . ومما زين لهم لشيطان أعمالهم فرعون ومن تقلد به حيث حكم بكفر خير خلق الله ديناً وأدباً وعلما وهو نبي الله موسى عليه السلام حيث قال له { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين – الشعراء 19 }
وأما :
(وقالوا)
وهنا الواضح من سياق الآيات أن هذا الحوار وحوارات أخرى كانت تدور بين أهل النار في يوم البعث كقوله تعالى في ظنهم أنهم مالبثوا في الدنيا غير ساعة قال تعالى { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ – الروم 55-57 } .
وقال تعالى أيضاً في تهامسهم وتخافتهم : { مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ ۖ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا – طه 100-104 } .
وفي أثناء تخافتهم وتهامسهم قالوا أين الذين كنا نحكم عليهم بالكفر في الدنيا وظننا أنهم من أهل النار قال تعالى { و قالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار – طه 62 } .
وأما :
(مالنا)
وهنا مالنا تثبت أن هذا الحديث كان في فترة إعداد الجنة للمؤمنين والنار للمجرمين أثناء المحاكمة الإلهية الكبرى قال تعالى { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – الشعراء 90-102 } .
وهنا قال المستضعفين للمستكبرين إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار قال تعالى { وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص – إبراهيم 21 } وهنا بعدما تهامسوا وتخافتوا لهذا الحديث نظروا فإذا بهم لم يجدوا بينهم قوماً من المسلمين حكموا عليهم بالكفر ززوراً وبهتاناً وسيراً وراء أهواء رجال بلا نص قرآني وبمكذوبات على النبي تتعارض صراحة مع كتاب الله فلم يعيروا لها بالاً فقاتلوا هؤلاء المسملين وقتلوا وسفكوا منهم دماءاً ظناً منهم أنهم على صواب اتباعاً لكل ناعق لذلك قال تعالى لهم في الدنيا { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون – يونس 35 } وهنا يبين تعالى أن المؤمنين قد هداهم الله تعالى سبلهم ولذلك قاتلهم وآذاهم هؤلاء الكفار والمنافقون قال تعالى { وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون – إبراهيم 12 } .
لذلك قال تعالى في تخافتهم وعلم الله تعالى بهذا التخافت وهو السميع البصير { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار – ص 62 } .
وأما :
(لانرى)
وهنا يبين تعالى أن دخولهم النار كان باستكبارهم على أنبياء الله تعالى وكفرهم بآيات الله تعالى كما في قوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ – هود 25-27 }
وبالتالي سبب دخولهم النار اتباعهم غير الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و ولاية أهل بيته عليهم السلام ولذلك سيتبرأ بعضهم من بعض وسيلعن بعضهم بعضاً يوم القيامة قال تعالى { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار – البقرة 166-167 } وهنا قالوا { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار – ص 62 } .
وأما :
(رجالاً)
وهنا مادام قال تعالى رجال فالله تعالى يبين أنهم كانوا رجالاً صادقي العهد والوعد لا يكذبون لقوله تعالى { المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا – الأحزاب 23 } وهنا في تفسير الآية [ عن ابن عباس قال في هذه الآية (صدقوا ماعاهدوا الله عليه) قال يعني علياً وحمزة وجعفر ( فمنهم من قضى نحبه) يعني حمزة وجعفر ومنهم من ينتظر يعني علياً عليه السلام ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة في سبيل الله – شواهد التنزيل ج 2 ص 6 وفضائل الخمسة للفيروز أبادي ج1 ص 332 ] وهؤلاء هم أهل الذكر لقوله تعالى { وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – الأنبياء 7 }
أي أن هؤلاء الذين دخلوا النار لم يجدوا معهم أتباع الأنبياء والمرسلين ثم أئمة أهل بيت النبي ولا أولياؤهم عليهم السلام بعد أن لعنوا الإمام علي ألف شهر على المنابر وسار على هذا النهج خوارج كل عصر وهؤلاء الرجال الصادقون وآخرهم أئمة أهل البيت عليهم السلام فهم الذين يعرفون كلاً بسيماهم سواء كانوا أهل الجنة أو أهل النار قال تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف46 }
وهنا يبين تعالى أن تخافت أهل النار كان في هؤلاء المرسلين وأتباعهم وأئمة أهل بيت النبي عليهم السلام وأتباعهم قال تعالى فيما سيقولونه في تخافتهم فيما بينهم وهو أعلم بهم سبحانه وتعالى { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار – ص 62 } .
وأما :
(كنا)
وهذا اللفظ أيضاً يبين من خلاه تعالى تخافت وتهامس هؤلاء بين المستكبرين والمستضعفين قال تعالى { وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص – إبراهيم 21 } وهؤلاء هم جنود إبليس الذين استضعفوا الشعوب في كل زمان ومكان وقال تعالى فيهم { فكبكبوا هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إذ نسويكم برب العالمين – الشعراء 94-98 } ثم قالوا لبعضهم بعضاً { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار – ص 62 } .
وأما :
(نعدهم)
[ والعد يأتي بمعنى العد والإحتساب وبمعنى الإعداد والإحضار ونعدهم هنا بمعنى نحتسبهم ونعدهم في الحياة الدنيا كفارا ] .قال تعالى في إعداده لهؤلاء المجرمين { فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا – مريم 84 } . وهذا لأنهم سفكوا دماء المؤمنين عن عمد لقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما – النساء 93 } وهؤلاء أعد الله تعالى لهم عذاباً عظيما قال تعالى { أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون – المجادلة 15 } .
وأما :
(من الأشرار)
والأشرار عكس الأخيار كما أن الخير عكس الشر ومن عمل مقال ذرة خير اً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره كما في قوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره – الزلزلة 7-8 } .
وهنا يبين تعالى أن هؤلاء كانوا يعملون في الدنيا ويسيرون فيها بالشر ويعملون له ولو يعجل الله تعالى لهم العقوبة على هذا الشر لانتهى أجلهم قال تعالى { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون – يونس 11 }
و هذا الشر كانوا يفعلوه ويقتلون المؤمنين وهم خير البرية ثم يحسبون أنهم على خير وهؤلاء المؤمنين هم الذين قال تعالى فيهم { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولائك هم خير البرية – البينة } وهنا [ قال صلى الله عليه وآله هم شيعتك ياعلي – تفسير الدر المنثور ] .
وبالتالي لما حكموا بكفر هؤلاء الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهم خير البرية وقتلوهم فإذا كان يوم القيامة لم يجدوهم معهم في جهنم وهنا قالوا { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار – ص 62 } .
ثم يقول تعالى في بقية ما تخافتوه فيما بينهم يوم القيامة :
(63) أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار (63)
وهنا :
(أتخذناهم)
واتخذناهم الهمزة للإستفهام كقوله تعالى { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون – البقرة 80 }
وأما :
(أتخذناهم سخريا)
[ وسخر منه : هزئ به واحتقره ] قال تعالى { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون – الزخرف 32 } .
وهنا يبين تعالى سخرية الكفار والمنافقين طلاب الدنيا والعاملين لها من المؤمنين في الدنيا لذلك بين تعالى أن هؤلاء المؤمنين المستضعفين في الآخرة هم الفائزون قال تعالى { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ المؤمنون 105-111 } . وهنا لما حكم الله تعالى بفوز هؤلاء المؤمنين أبعدهم عن النار وأهلها يوم القيامة حتى أخذخ هؤلاء المجريمين يبحثون عنهم فلم يجدوهم في حزبهم الشيطاني كما في قوله تعالى هنا {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار – ص62-63 } .
وأما :
(أم)
وهنا يقول تعالى { أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون -التوبة 116 } وبالتالي من توولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين فهم الذين جاهدوا في سبيل الله وصبروا على أمر الله تعالى والإبتلاء قال تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين – آل غمران 142 }
وأما غيرهم ممن أشركوا و كفروا بالله تعالى ورسوله ممن حاربوا الله تعالى في رسله وانبيائه والمؤمنين قال تعالى فيهم { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون – الأعراف 191 -195 } . وهؤلاء الذين عبدوا بعضهم بعضا وخرجوا على ولاية الله الحق يوم القيامة لن يجدوا معهم في جهنم من حكموا عليهم بالكفر والضلال وقتلوهم أو سجنوهم أو ظلموهم فيقول بعضهمم لبعض يوم القيامة {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار – ص62-63 } .
وأما :
(زاغت عنهم الأبصار)
و[ الزيغ : الميل عن القصد أو انحراف عن قصد المرئي ] قال تعالى مبيناً أن زيغ البصر يكون عن حالة من الرعب يمر بها العبد لقووله تعالى { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا – الأحزاب 10 }
وأما :
(زاغت)
ورد هذا اللفظ في دعاء المؤمنين بالدنيا حيث قال تعالى عن دعائهم { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب – آل عمران 8 } وهؤلاء هم المؤمنين والعكس عن الكافرين والمنافقين زاغت قلوبهم في الدنيا فتركوا المحكم وعملوا بالهوى والمتشابه قال تعالى {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب – آل عمران 7 } وهؤلاء من مات منهم فهو في النار بعد أن تحذلق وعمل بالهوى وحكم بكفر المؤمنين ممن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهؤلاء هم الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وىله في ساعة العسرة فلم يفروا ولم تزيغ قلوبهم والله تعالى هو المطلع عليها وقال تعالى لذلك { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم – التوبة 117 } والمنافقين ممن زاغت قلوبهم والكافرون .
قال تعالى هنا في هؤلاء وقولهم عند الحساب يوم القيامة {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار – ص62-63 } .
وأما :
(عنهم)
وهؤلاء هم الذين اشتروا الحياة الدنيا وباعوا أخراهم بدنياهم كما في قوله تعالى { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون – البقرة 86 } ومن هؤلاء قوماً عبدوا الرجال وجادلوا عن أسماء قال تعالى فيها { إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان – النجم } وهذه الأسماء جادلوا عنها منذ أمة نوح وجدالهم عن { ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا – نوح } وحتى أمتنا آخر الأمم ممن جادلوا عن رجال صالحين ليسوا أنبياء ولا مرسلين وليسوا من أئمة أهل بيت النبي وقال تعالى لهؤلاء المجادلين عن رجالهم { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا –النساء 109 } ولأن هؤلاء حكموا بكفر مخالفيهم كما فعل فرعون في تكفير نبي الله موسى عليه السلام وقال له { وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } فهؤلاء لخطأ حكمهم القائم على زيغ قلوبهم لم يروا مخالفيهم معهم في النار كما قال تعالى هنا {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار – ص62-63 } .
وهؤلاء هم أصحاب النار ولن يغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا من عذاب الله قال تعالى { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – آل عمران 116 } .
وأما :
(الأبصار)
وهنا يبين تعالى أن العمى في النظر وليس البصر وهو بالقلب وحكمه لا يخطى قال تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور –الحج 46 } فإذا عمى القلب عمل بكل ما يخالف كتاب الله تعالى وهنا يكون في الآخرة من أهل النار حيث تشخص أبصارهم كما في قوله تعالى { وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ – إبراهيم 42 } أي [ لا تحسبن -أيها الرسول- أن الله غافل عما يعمله الظالمون : من التكذيب بك وبغيرك من الرسل, وإيذاء المؤمنين وغير ذلك من المعاصي, إنما يؤخِّرُ عقابهم ليوم شديد ترتفع فيه عيونهم ولا تَغْمَض; مِن هول ما تراه. وفي هذا تسلية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.- التفسير الميسر ] .
وأما المؤمنون فهم رجال بين تعالى أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله يخافون يوماً تشخص فيه الأبصار قال تعالى { رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ – النور 37 } أي [ رجال لا تشغلهم تجارة ولا بيع عن ذِكْرِ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة لمستحقيها, يخافون يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب بين الرجاء في النجاة والخوف من الهلاك، وتتقلب فيه الأبصار تنظر إلى أي مصير تكون؟ -التفسير الميسر ] . وهنا يبين تعالى أنهم لما تسلطوا على هؤلاء المؤمنين في الدنيا عذبهم الله تعالى ونجا المؤمنين وأدخلهم جنته فأخذ هؤلاء يبحثون عن خصومهم المؤمنين فلم يجدوهم وذلك لقوة الفكرة وترسيخ الشيطان في اذهانهم أن المؤمنين على باطل بولايتهم لله تعالى ورسوله وأهل بيته قال تعالى لذلك في الحوار الدائر همساً وتخافتاً بينهم {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار – ص62-63 } .
ثم يقول تعالى :
(64) إن ذلك لحق تخاصم أهل النار (64)
وهنا :
(إن ذلك)
أي أنه يقول تعالى أنه أمر المؤمنين بإقام الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى قال تعالى { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور – لقمان 17 } وبين تعالى أن هؤلاء المؤمنين سيبتليهم الله تعالى في أموالهم وأنفسهم وسيسمعون من أهل الككتاب أذى كثيرا قال تعالى { لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور – آل عمران 186 } وهؤلاء المجرمين سيدخلهم الله تعالى النار يختصمون فيها كما في الآيات هنا {وقالوا مالنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ص62-64) } وذلك على الله يسير كما في قوله تعالى { إن ذلك على الله يسير – الحديد 22 } .
وأما :
(لحق)
وهنا يبين تعالى أنه قد بعث النبيين مبشرين ومنذرين في قوله تعالى { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – البقرة213 } وأول الذين اختلفوا وقتل بعضهم بعضا ابني آدم لقووله تعالى { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين – المائدة 27 }
والذين اختلفوا على كتاب ربهم ورسله من بعد هم أهل النار ومنهم الكثير ممن ألبسوا الباطل ثوب الحق و منهم من كتم حق رسول الله صلى الله عليه وآله في الرسالة وأهل بيته في الإمامة قال تعالى { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون- آل عمران 71 } وما حدث ذلك إلا باتباعهم قوماً قد ضلوا من قبل وقال تعالى فيهم { قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل –المائدة 77 } وهؤلاء كيف يهديهم الله تعالى كما في قوله تعالى { كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين – آل عمران 86 } .
والذين فرقوا بين الله تعالى ورسله أولائك هم الكافرون حقا قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا – النساء 150-151 }
وآخر الأمم المكذبة قوم رسول الله صلى الله عليه وآله الذين قال تعالى فيهم { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 } وقال تعالى فيهم { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5}
وهؤلاء تولوا الشياطين من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون – الأعراف 30 }
وهؤلاء عند الحساب ونصب ميزان الأعمال كما في قوله تعالى { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون- الأعراف8 } وهنا بين تعالى أنهم سيختصمون ويتخافتون فيما بينهم عندما تيقنوا من أنهم أصحاب النار فقالوا : {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار – ص62-64 } .
وأما :
(تخاصم)
[ وخاصمه : نازعه وجادله ] قال تعالى { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – الشعراء 94-102 } وهنا يبين اختصامهم في قوم حكموا عليهم بالكفر وقاتلوهم قال تعالى { وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ – الشعراء 62-64 } وهذا من تخاصم أهل النار ييوم القيامة كما قال تعالى { ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون – الزمر 31 } .
وأما :
(أهل النار)
وأهل النار هنا هم المحاربين من أهل الكتاب والمشركين الذين قدموا أراء وأهواء الرجال على نصوص القرآن كما في قوله تعالى فيهم { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } وهؤلاء هم أهل النار لقوله تعالى فيهم { إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية – البينة 6 } , وماكان دهخولهم النار إلا لخرجهم على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قال تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب } وقد جعل الله تعالى الرحمة والبركة في ولايتهم كما في قوله تعالى { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 } وقد أمر الله تعالى المسلمين بالرجوع إليهم في فهم الشريعة دين الله تعالى لقوله عز وجل { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – النحل 43 }
ولذلك بين تعالى أن الخارجين على أهل بيت النبي عليهم السلام هم أهل النار سيتخاصمون فيها كما في قوله تعالى هنا {وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار – ص62-64 } .
وأما :
(النار)
وهنا يبين تعالى أن هذه النار قد أعدها الله تعالى للكافرين قال تعالى { واتقوا النار التي أعدت للكافرين – آل عمران 131 } وجعلها أيضاً للمنافقين وهم أشد أنواع أهل النار عذاباً لأنهم يطعنون في دين الإسلام خفية ويكيدون لأهله دونأن يشعر بهم أحد لقوله تعالى { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا – النساء 145 } .
وقد جعلها الله تعالى للمرتدين عن دين الإسلام الذين يصدون عن سبيل الله كما في قوله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } فإذا دخلوا النار قالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات الله تعالى كما في قوله عز وجل { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين – الأنعام 27 } .
وعلى الأعراف رجال هم أهل بيت النبي الذين يعرفون أهل الجنة والنار بسيماهم وقال تعالى فيهم وفي خصومهم الذين سيطلبون منهم الماء أو الرزق لينجوا من عذاب الله قال تعالى { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 44-51 } .
وهنا هؤلاء الذين أقسموا في الدنيا أنهم لن ينالهم الله برحمة فهم الذين في الآخرة لن يجدوا هؤلاء المؤمنين معهم في جهنم وسيقولون { وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار – ص62-64 } .
ثم يتداركون في جهنم أمة بعد أخرى لقوله تعالى { قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون – الأعراف 38 }
ثم يقول تعالى :
(65) قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار (65)
وهنا :
(قل إنما أنا)
أي أنه يقول تعالى {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا – الكهف 110} وقال تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين – فصلت 6 }
وأما :
(قل إنما أنا منذر)
أي أنه يقول تعالىأنه تعالى أمره بأن يعلن للناس أنه من المنذرين فقال تعالى { قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار – ص 65 } ولذلك عملاً بأمر الله تعالى قال لهم { إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين – النمل 91-92 } وكما أنه منذر فلكل قوم هاد مهدي من أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 }
جاء في الدر المنثور ج4 ص45 :
[ (وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال لما نزلت انما أنت منذر ولكل قوم هاد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال أنا المنذر وأوما بيده إلى منكب علي رضي الله عنه فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدي * وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما أنت منذر ووضع يده على صدر نفسه ثم وضعها على صدر علي ويقول لكل قوم هاد * وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر والهادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه * وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله انما أنت منذر ولكل قوم هاد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر وانا الهادي ) . الثاني: الهادي في زماننا بلا شك هو الامام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ويكمن اتباعه في اتباع الفقهاء الذين تجتمع فيهم شرائط خاصة . اذ ان الامام (عليه السلام) اوكل الامر من بعده الى اولئك الفقهاء في الغيبة الكبرى . فقد ورد في التوقيع الشريف الصادر منه (عجل الله فرجه الشريف) (( واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم )) (كمال الدين واتمام النعمة ص484 الباب 45 ذكر التوقيعات, وسائل الشيعة ج27 ص140 الباب 11 حديث 33424 من ابواب صفات القاضي ) ].
وهنا تعجب كفار قريش كما قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } وقالوا ساحر كذاب كما في قوله تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص4 } .
وأما :
(وما من إله إلا الله)
أي أنه يقول تعالى { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم – محمد 19 } وقال تعالى أيضاً { إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم – آل عمران 62 } وهنا لما سمع كفار قريش هذه الكلمة استكبروا على الله تعالى ورسوله ما في قوله تعالى { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون – الصافات 35 } .
وأما :
(الواحد القهار)
[ وقهر غيره يقهره قهراً : غلبه وأذله فهو قاهر وجمعه قاهرون والقهار مبالغة في القهر لا ينبغي أن تطلق إلا على الله تعالى والقاهر صفة من صفات الله تعالى لما له على عباده من غلبة وسلطان – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الهاء والراء ] . قال تعالى { سنقتل أبنائهم ونستحيي نسائهم وإنا فوقهم قاهرون – الاعراف 127 } قال تعالى ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون أم الله الواحد القهار – يوسف 39 }
والقهار دائماً في كتاب الله يرفق بصفة الواحد كدليل على أنه لا يقهر خلقه إلا هو وحده خالقهم لا شريك له قال تعالى { لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار – الزمر 4 }
وفي آخر الزمان عندما سيصنع الدجال صناعات سيفتن بها أكثر أهل الأرض قال تعالى لهؤلاء المجرمين
{ قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار – الرعد 16 } ثم يؤكد تعالى لهؤلاء المجرمين الذين سيحاربون الله تعالى ورسوله والمؤمنين وكل ديانات الله السماوية أن الله تعالى سيهلك العالم ويرث الأرض ومن عليها ثم يحييهم للحساب قال تعالى { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار – غافر 16 } فهل يقدر هؤلاء الدجاجلة في آخر الزمان على فعل ذلك بعد أن تبدل الأرض غير الأرض ويحيي أجسادهم مرة أخرى وسوءاتهم للشهادة عليى أنفسهم و الحساب كما في قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار – إبراهيم 48 } وذلك معنى قوله تعالى هنا { قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار – ص 65 }
ثم يقول تعالى :
(66) رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار (66)
وهنا :
(رب السماوات والأرض وما بينهما )
أي أنه يقول تعالى { رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا – مريم 65 } .
وأما :
(العزيز)
أي الذي لا يغلب ومن أراد العزة فليتعزز بالله تعالى لأنه المعز المذل قال تعالى { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور – فاطر 10 } وبالتالي الله تعالى العزيز الذي لا يغلب يعز من يشاء ويذل من يشاء قال تعالى { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير – آل عمران 26 }
وأما :
(العزيز الغفار)
والغفار الذي يغفر الذنوب جميعا قال تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى – طه 82 } ويبين تعالى أنه ماخلق الموت والحياة إلا ليبتلي الناس أيهم أحسن عملا قال تعالى {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور – الملك 2 }
وكما هو الخالق سبحانه وتعالى للدنيا والآخرة أو الموت والحياة فهو العزيز الغفار أيضاً لقوله تعالى { خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار – الزمر 5 } .
ثم يقول تعالى :
(67) قل هو نبأ عظيم (67)
وهنا :
(قل)
وهنا كأنه يقول تعالى للناس عن هذا النبأ العظيم أنه كان هلاك قوماً ظالمين من قبل فقال تعالى { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين – الأنعام 11 } وهؤلاء كانوا مجرمين فأهلكهم الله تعالى كما في قوله تعالى { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين – النمل 69 } حتى يأتي زمن رسول الله النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وكفرهم وتكذيبهم بدين الإسلام فبشرهم الله تعالى بالغلبة والهلاك في بعض ما وعدهم الله تعالى به وهنا قالوا { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين – يونس 48 } فقال تعالى لهم في وعد قريب لهم { قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد – آل عمران 12 } ثم يقول لهم النبي صلى الله عليه وآله ماذكره الله تعالى لما استعجلوا نزول العذال فقال تعالى { قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين – الأنعام 58 } فلما انقلبوا على منهاج الوصية وشهادة الإمام علي على الأمة من بعد موت النبي كما في قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 }
[ روي عن الشعبي أنّه قال : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد النبيّ من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام .- شواهد التنزيل ، ّالحاكم الحسكاني ، ج 1 ، ص 402 ] .
[ عن أبی سعيد الخدري فی تفسير آية « من عنده علم الكتاب » ان المراد من هذه الآية هو علي عليه السلام عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية « الذين عنده علم من الكتاب » قال : ذاك أخي سليمان بن داود عليهما السلام . وسألته عن قوله الله عز وجل « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب صاحب المناقب .
.. وعن سلمان الفارسي ، وعن أبي سعيد الخدري وإسماعيل السدي أنهم قالوا في قوله تعالي : « قل كفي بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب » هو علي بن أبي طالب عليه السلام . – ينابيع المودة ، القندوزي ، ج 1 ، ص307 ] .
وهنا حدث الإنقلاب على منهاج الوصية الذي ذكره الله عز وجل في قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } .
فلما حدث ذلك الإنقلاب حكم الله تعالى على هذه الأمة برفع البركة و نزول السخط و الإختلاف و الإقتتال على الرغم من وجود صالحين حدثت في زمانهم الفتوحات قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون -الأنعام 65 } .
ويظل هذا الإقتتال والإختلاف حتى قريب من الساعة قال تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون- الأعراف 187 } فإذا أظلتهم الساعة بشرهم الله تعالى بفتح آخر الزمان قال تعالى فيه { ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين – السجدة 28 } وفي زمان هذا الفتح وهو من علامات الساعة لا ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل قال تعالى { قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون – السجدة 29 } وهنا يظهر الله حق أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أمر الله تعالى بمودتهم في قوله تعالى { ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور – الشورى 23 }
ويزهق الله تعالى الباطل كما في قوله تعالى { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا – الإسراء 81 } ولذلك بشر الله تعالى المخلفين من الأعراب ممن قاتلوا أهل بيت النبي عليهم السلام وحكموا بكفر أوليائهم بإبادتهم أو تعذيبهم عذاباً شديداً آخر الزمان على يد قوم أولي بأس شديد قال تعالى فيهم { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما – الفتح 16 } ويكون هنا هلاكهم كالأمم الظالمة من قبل لقوله تعالى { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر 43-46 } وهذا هو النبأ العظيم الذي قال تعالى فيه هنا { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص 67-68 } .
وأما :
(هو)
وهنا يبين تعالى إنزال عذابه تعالى على هذه الأمة باختلافها على كتاب ربها وسنة نبيها وولاية أهل بيته عليهم السلام قال عز وجل { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون –الأنعام 65 }
ثم يظهر دين الله تعالى الحق آخر الزمان لقوله تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – التوبة 33 } ويكون الله تعالى شهيداً على هذا الفتح ورسوله ,اهل بيته والمؤمنين قال تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا – الفتح 28 } وهذا هو النبأ العظيم الذي ذكره هنا الله تعالى في قوله وسيعرضون عنه ولن يصدقوه قال تعالى {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص 66-67 } ثم تكون بعده الساعة وجمع الناس في علامات الساعة الكبرى قال تعالى { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – النساء 78 } .
وأما :
(نبأ)
[ والنبأ : خبر الأمم الأولى من قبل ] قال تعالى { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين – المائدة 27 } وقال تعالى أيضاً { ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون –التوبة 70 } وهذه الأنباء هلاك الأمم الظالمة من قبل قال تعالى { ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم –التغابن 5 }
ويأتي النبأ على حدث مستقبلي فيه هلاكاَ للظالمين على يد وفي زمن إمام من أهل بيت النبي كما كان هلاك الأولين ببعثة رسول فيهم ينذرهم قال تعالى في هذا النبأ المستقبلي { ولتعلمن نبأه بعد حين – ص 88 } .
وبين هذه الأنباء السالفة والنبأ المستقبلي نبأ عليه اختلاف بين الناس قال تعالى فيه { عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون – النبأ } وهذا النبأ العظيم هو الإمام علي عليه السلام .
[ عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي، أنت حجة الله وأنت باب الله وأنت الطريق الى الله وأنت النبأ العظيم وأنت الصراط المستقيم وأنت المثل الاعلى). عن السدي، قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد هذا الأمر من بعدك لنا أم لمن، قال: (يا صخر الإمرة من بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى) فانزل الله (( عم يتساءلون عن النبأ العظيم )) منهم المصدق بولايته وخلافته ومنهم المكذب بها. وفي رواية الاصبغ بن نباتة ان علياً (عليه السلام) قال: (والله أنا النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون حتى اقف بين الجنة والنار وأقول هذا لي وهذا لك) (مناقب ابن شهرآشوب ج3 ص80) ] .
و [ أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد: هذا الامر لنا من بعدك أم لمن قال: يا صخر الامر من بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى، فأنزل الله تعالى ” عم يتساءلون ” يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب ” عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ” منهم المصدق بولايته وخلافته ” كلا ” ردع ورد عليهم ” سيعلمون ” سيعرفون خلافته بعدك أنها حق يكون ” ثم كلا سيعلمون ” سيعرفون خلافته وولايته إذ يسألون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق ولا في غرب ولا في بر ولا في بحر إ ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين بعد الموت، يقولان للميت: من ربك؟ومن نبيك ومن إمامك – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج2 ص 418 ] .
ولكل نبأ مستقر قال تعالى فيه { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون – الأنعام 67 } وآخر هذه الأنباء نبأ إماماً من أهل بيت النبي عليهم السلام يكون في زمانه النبأ العظيم وهو الفتح والهلاك الكبير للظالمين ولن يصدقه هؤلاء لقوله تعالى هنا { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص 66-67 }.
وأما :
(عظيم)
والعظيم هو الله تعالى كما في قوله تعالى { فسبح باسم ربك العظيم – الحاقة 52 } والعظيم بعد الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وآله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم – القلم 4 } والعظيم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله والمختلف على إمامته الإمام علي عليه السلام لقوله تعالى فيه { عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون – النبأ1-2 }
ولفظ عظيم يأتي على قوم بعد ذلك اختلفوا على كتاب ربهم العظيم ورسوله العظيم والإمام علي صاحب النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون وقد حذر الله تعالى من الإختلاف على تلك الولاية كما في قوله تعالى { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم – آل عمران 105 }
وكذلك العذاب آخر الزمان على قوم كفروا بالله تعالى ورسوله لقوله تعالى { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم – آل عمران 176 }
و يكون العذاب أيضاً آخر الزمان على منافقين ويهود محاربين للإسلام والمسلمين آخر الزمان لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 41 }
وأيضاً يكون العذاب على قوم حاربوا أهل بيت النبي عليهم السلام والمؤمنين لقوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم – المائدة 33 } وهذا العذاب آخر الزمان هنا هو النبأ العظيم الذي قال تعالى فيه { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص 66-67 } والإعراض هنا عن هذا التفصيل الذي حكاه لهم النبي صلى الله عليه وآله وفسره لهم وحذرهم من وقوعه فلم يصدقوه ولذلك قال تعالى عنه أنهم عنه معرضون . وقالوا { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين – يونس 48 } .
ثم يقول تعالى :
(67) أنتم عنه معرضون (67)
وهنا :
(أنتـم عنه)
أي أنهم عنه غافلون لقوله تعالى { وأنتم عنه غافلون – يوسف 13 } وهذه الغفلة إعراض هنا قال تعالى فيه { أنتم عنه معرضون }
وأما :
(معرضون)
[ وأعرض: ولى مبدياً عرضه ] قال تعالى { يوسف أعرض عن هذا – يوسف 29} والإعراض يبدأ بترك العلم والعمل بأحكام القرآن الكريم لقوله تعالى { بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون – الأنبياء 24 } والإعراض هنا من هؤلاء تركهم العمل بكتاب الله تعالى ولا يوجد أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها قال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون – السجدة 22 } ومن هذه الآيات التي اعرضوا عنها ولاية الإمام علي عليه السلام التي قال تعالى فيها { سورةالمائدة – إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 } .
وكذلك تكذيبهم وعدم تصديقهم نزول عذاب الله تعالى عليهم آخر الزمان قال تعالى فيه متوعداً هؤلاء الذين خرجوا على ولاية الله الحق بصاعقة تشبه صاععقة عاد وثمود أو مثلها قال تعالى { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13 } وهذه الصاعقة مازالت لم تقع حتى الآن وهى النبأ العظيم هنا الذي قال تعالى فيه { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون – ص 66-67 } فلما بين لهم النبي صلى الله عليه وآله عاقبة كفرهم ونفاقهم وحربهم لأهل بيته والمؤمنين أعرضوا فقال تعالى له صلى الله عليه وآله { فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون – السجدة 30 } .
ثم يقول تعالى :
(69) ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون (69)
[ وهنا ورد الإختصام على الكفارات والدرجات عن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله : أتدي فيم يختصم الملاء الأعلى : فقلت لا قال : اختصموا في الكفارات والدرجات … الحديث نور الثقلين ج4 ص 470 ] . وهذا الحديث لا يصح مع مضمون القرآن لأن الكفارات معلومة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله والدرجات قال تعالى فيها { درجات منه ومغفرة وفضلا } والله أعلم بهذه الدرجات ولا علم لأحد بها إلا بعد موازين يوم القيامة كما أن الإختصام على ولاية الأنبياء وأئمة أهل البيت عليهم السلام وليست الكفارات .
والدليل هنا في هذا البيان
وهنا :
(ماكان)
أي أصبح يعلم بإذن الله فيما يختصمون قال تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب – الرعد 38 } وقال تعالى أيضاً { قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون – إبراهيم 11 }
أي ماكان له من علم بالملاء الأعلى حتى يوحي إليه ربه تبارك وتعالى فيخبره بما أراد قال تعالى لذلك قال تعالى هنا { ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون – ص 69}
وأما :
(لي)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون – البقرة 152 } وقال تعالى {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون – البقرة 186 } وبالتالي لا علم للنبي إلا بما أوحاه إليه ربه تبارك وتعالى ولا يقدر على تبديل كلام الله تعالى كما في قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم –يونس 15 } وبالتالي معنى قوله تعالى هنا { ماكان لي من علم بالملاء الأعلى إذ يختصمون } أي لا يعلم لي إلا ما أوحاه إلي ربي .
كما أن الآيات تشير بعد ذلك إلى علم الإمام علي بعد النبي بهذا الأمر الذي أوحاه الله تعالى لنبيه ثم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام لقوله تعالى { قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي – طه 25-30 } وهنا حديث المنزلة [ أنت مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ] يشير إلى علم علي بهذا الإختصام للملاء الأعلى حيث قال [ ” سلوني قبل أن تفقدوني فإني أعلم بطرق السماء أكثر من طرق الأرض ” ] .
وأما :
(من علم)
وهنا يبين تعالى أنه يعلم ولا يعلم أحد غيره تعالى فقال عز وجل { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون – البقرة 30 }. ولذلك قالت الملائكة { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا – البقرة 32}
وبالتالي { إنما العلم عند الله – الملك} و يقول تعالى أيضاً : { وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ –البقرة 255 } أي أن النبي صلى الله عليه وآله لا يقول شيئاً من عند نفسه إلا بوحي من الله تعالى وعلم منه عز وجل قال تعالى في المتقولين على الله تعالى { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ – الأنعام 148 } والعلم عند الله تعالى لقوله عز وجل { قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين – الملك 26 } وبالتالي { ماكان لي من علم } أي لا علم للنبي إلا ما أعلمه الله تعالى به وأوحاه له من عن اختصام الملاء الأعلى و ذلك لأن العلم عند الله تعالى لقوله تعالى { قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون – الأحقاف23 }
والذي يعلم بعد النبي الإمام علي باب مدينة العلم لقوله تعالىفيما نزل فيه عليه السلام { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } وقوله تعالى أيضا { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب – الزمر 9 } وهنا [ عن ابي جعفر في هذه الاية قال (الذين يعلمون) نحن و(الذين لايعلمون) عدونا و(إنما يتذكر أولوا الألباب) قال شيعتنا – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج2 ص 175 ] ولذلك روى عن النبي صلى الله عليه وآله قوله أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها .. الحديث ] .
وأما :
(بالملاء الأعلى)
[ الملاء اشراف القوم ووجوههم ] قال تعالى { قالت يا أيها الملاء أفتوني في أمري – النمل 32 } وقال تعالى أيضاً { قال يا أيها الملاء أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين – النمل 38 } والملاء الأعلى في السماء الدنيا لقوله تعالى { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ – الصافات 1-10 } وهذا الملاء الأعلى في الحياة الدنيا يختصمون كما في قوله تعالى { ماكان لي من علم بالملاء الأعلى إذ يختصمون – 69ص }
والملاء الأعلى هنا سماء الدنيا وهى غير الأفق الأعلى الذي قال تعالى فيه { وهو بالأفق الأعلى – النجم 7 } .
وأما :
(إذ يختصمون)
و [ خاصمه : نازعه وجادله فهو مخاصم وخصيم ] قال تعالى مبيناً ان الإختصام يكون بين الأنبياء والمرسلين ومن ناوءهم واختلف معهم قال تعالى { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون – النمل 45 } ونزل في بني هاشم والإمام علي عليه السلام : { هذان خصمان اختصموا في ربهم – الحج 19 } [ عن أبي ذر وابي سعيد الخدري نزلت هذه الآية في علي وصاحبيه (حمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب) وعتبة وصاحبيه ( شيبة ابن أبي ربيعه والوليد بن عتبة) يوم بدر ” هذان حصمان – إلى قوله تعالى صراط الحميد – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص 504-505 ] وبالتالي محارب هؤلاء وهم أهل بيت النبي سيدخلهم الله تعالى النار يختصمون فيها بعدما حكموا بكفرهم وأتباعهم ومحبيهم وأنهم خوارج فهم في النار يختصمون كما في قوله تعالى {ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون – ص 69} وهذا الإختصام قال تعالى فيه { وقالوا مالنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار – ص } وذلك تخاصم أهل النار كما في قوله تعالى { إن ذلك لحق تخاصم أهل النار – ص 64 } .
وهؤلاء يوم القيامة تأخذهم نفخة الصعق وهم يختصمون في الأسواق كما في قوله تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون – يس 49 }
ورد في تفسير الطبري :
[ يقول تعالى ذكره: ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم، إلا صيحة واحدة تأخذهم، وذلك نفخة الفَزَع عند قيام الساعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الآثار.
… عن عبد الله بن عمرو، قال: ليُنْفَخَنّ في الصور، والناس في طرقهم وأسواقهم ومجالسهم، حتى إن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يُرسله أحدهما من يده حتى يُنفَخ في الصور، وحتى إن الرجل ليغدو من بيته فلا يرجع حتى ينفخ في الصُّور، وهي التي قال الله ( مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ) … الآية ” . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ) ذُكر لنا أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول: ” تَهِيجُ السَّاعَةُ بالنَّاسِ وَالرَّجُلُ يَسْقِي ماشِيَتَهُ، والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ، والرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ والرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَهِيجُ بِهِمْ وَهُمْ كَذلكَ، فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولا إلى أهْلِهِمْ يَرْجِعُونِ ” .- تفسير الطبري ] .
وهذه الأمور الغيبية فصلها الله تعالى في كتابه الكريم وما كان لرسول الله صلى الله عليه وىله لعم بها إلا بعدما أوخى الله تعالى له بهذا في القرآن الكريم .
ثم يقول تعالى :
(70) إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين (70)
وهنا :
(إن يوحى إلى)
أي أن الله تعالى يقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله متبع لما أمره الله تعالى وليس بمبتدع شيئاً من عند نفسه قال تعالى { قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف203 } وهذا الكتاب الذي فيه بصائر من ربهم وحي من الله تعالى أمر باتباعه وما كان بدعاً من الرسل كما في قووله تعالى { قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين – الأحقاف 9 } وفي هذه البصائر المنزلة عليه صلى الله عليه وآله أنه تعالى لا إله إلا هو ومن كان يرجوا لقاء الله تعالى فليعمل عملاً صالحاً لا يشرك أو يطيع أحداً إلا في معروف غير الله تعالى كما قال عز وجل { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا – الكهف 110 }
وهذا هو الإتباع والعمل الصالح وعدم الشرك بالله وهو طاعة المخلوق في معصية الخالق هذا هو الإستقامة على أمر الله تعالى كما في قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين –فصلت 6 } .
وأما :
(إنما أنا نذير مبين)
وهنا ينذرهم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله فيقول {ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين – الذاريات 51 } ثم يعظهم الله تعالى قائلاً { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين – الذاريات 50 } وينهاهم عن العمل بالهوى وهو الإله الآخر في قوله تعالى { ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين – الذاريات 51 }
ثم يبين تعالى كما أنه منذر فإن الهادي المهدي بعده هو الإمام علي عليه السلام ثم الأئمة من بعده قال تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 }
[ (وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال لما نزلت انما أنت منذر ولكل قوم هاد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال أنا المنذر وأوما بيده إلى منكب علي رضي الله عنه فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدي * وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انما أنت منذر ووضع يده على صدر نفسه ثم وضعها على صدر علي ويقول لكل قوم هاد * وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر والهادي علي بن أبي طالب رضي الله عنه * وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله انما أنت منذر ولكل قوم هاد قال رسول الله صلى الله عليه وآله – الدر المنثور ج4 ص45 ] .
ثم يقول تعالى :
(71) إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين (71)
وهنا :
(إذ قال ربك للملائكةإني خالق)
أي أنه قال تعالى سيخلق بشراً من طين قال تعالى { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ– الحجر 28-31 }
وهذا البشر سيكون خليفة الله تعالى على الأرض قال تعالى { وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون – البقرة 30 }
وأما :
(بشر)
و[ بشر : الخلق ويقع على الذكر والأنثى والواحد والإثنين والجمع والبشرة : ظاهر الجلد وجمعها بشر – مععجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الشين والراء ] قال تعالى { قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا – مريم 20 } وهذا البشر خلقه الله تعالى من طين قال تعالى فيه { إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين – ص 71 } وهذا الطين في أحد مراحل الخلق بعد ذلك تحول إلى صلصال له صوت { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 28 } أي أنه يقول تعالى[ ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت, وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر لونه وريحه; مِن طول مكثه.- التفسير الميسر ] . فلما أمر الله تعالى بالسجود لآدم أبى إبليس كما في قوله تعالى { قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 33 }
وأما :
(من طين)
[ والطين مخلوط الطين والتراب ] قال تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12 } ثم قضى أجل مسمى لهذا البشر كما في قوله تعالى { هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون – الأنعام 2 } وهنا يبين تعالى أيضاأنه تعالى لما خلق آدم أمر بالسجود له فأبى إبليس زاعماً خيريته على مخلوق خلقه الله تعالى من طين قال تعالى { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين – الأعراف 12 }
ثم يقول تعالى :
(72) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (72)
والآية مكررة بتمامها في سورة الحجر { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – الحجر 29 }
وهنا :
(فإذا سويته)
وسواه : جعله على كمال واستعداد لما أنشئ من أجله وسوى الشيئ بالشيئ جعله مثله سواء فكانا مثلين- معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والياء ] قال تعالى { ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات – البقرة 29 } وعن تسوية الشيئ بالشيئ في المعنى المثلين هنا الجسد الطيني والنفس والروح التي تسري فيهما بالفخ قال تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 72 } وهنا قال تعالى له { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ص- 75 } أي قال الله لإبليس : ما الذي منعك من السجود لمن أمرت بالسجود له بعد أن خلقته بيدي أستكبرت على آدم أم كنت من المتكبرين العالين على الله تعالى ؟
وأما :
(ونفخت فيه من روحي)
وهنا يبين تعالى أنه بهذه النفخة جعله سميعاً بصيرا قال تعالى : { ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – السجدة 9 } وهكذا المعنى هنا أنه تعالى بهذه النفخة دبت في جسده الحواس فجعله الله تعالى سميعاً بصيراً قال تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 72 }
ولما نفخ الله تعالى في السيدة مريم عليها السلام خلق منها نبي الله عيسى عليه السلام قال تعالى { والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين – الأنبياء 91 } . والنافخ هنا ملك من قبل الله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا – مريم 17 } وهذا الملك يعمل بأمر الله تعالى وأمره بين الكاف والنون كما قال تعالى { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } وهذا الأمر وهو الذي قام كل الكون والبشر بأمره وهذا الأمر هو الروح لذلك يقول تعالى أوامره المنزلة في القرآن الكريم { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ماكنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء – الشوري }
ويوم القيامة يقوم هذا الملك الموكول له روح الكون والعالم والبشر لنفخ الصور نفخة البعث الوارد ذكرها في قوله تعالى { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا – النبأ 38 } . وهذا الملك روح الموكل له بعث الحياة في النفوس والكون والعالم فقد بدى وظهر بعد أن أرسله الله تعالى للسيدة مريم عليها السلام كما في قوله تعالى { فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا – مريم 17 } وبعد أن تمثل لها نفخ في فرجها لخلق نبي الله عيسى كما قال تعالى { والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين – الأنبياء 91 } وبالتالي يكون المعنى هنا أن روح الله ملك مكول له نفخ الروح في الكون و بقية الخلق كما في قوله تعالى { فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 71 }. ويوم القيامة يقوم هذا الملك متقدماً صفوف الملائكة قال تعالى { يوم يقوم الروح و الملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا – النبأ 38 } .
وأما :
(فقعوا)
والوقوع [ وقع يقع وقوعاً : سقط من علو ويقال وقع الأمر ثبت وحق ووجب وهو استعارة في المعنى – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل القاف والعين ] .قال تعالى { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه – الحج 65 } قال تعالى { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ -الحجر 29 } ومن عمل بما أمر الله تعالى فقد وقع أجره على الله تعالى كما قال في المهاجرين في سبيل الله { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما – النساء 100 }
وأما :
(ساجدين)
وهنا { فقعوا له ساجدين } لما أمر الله تعالى بهذا الأمر أبى إبليس أن يكون مع الساجدين فقال تعالى { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين – اأعراف 12 } وبالتالي إبليس لم يسجد مع الساجدين كما في قوله تعالى { إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين – الحجر 31 } والسجود إيمان بالله تعالى كتصديق على قدرته تعالى وعظمته وجلاله عز وجل كما فعل السحرة مع نبي الله موسى وهارون لما رأوا قدرة الله تعالى فخروا له تعالى ساجدين كما في قوله تعالى { وألقي السحرة ساجدين قالواآمنا برب العالمين رب موسى وهارون – الأعراف } . والسجود يكون بوضع الجبهة على الأرض لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون – الحج 77 }
ثم يقول تعالى :
(73) فسجد الملائكة كلهم أجمعون (73) إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين (74)
وهنا يبين تعالى أن إبليس كان من الجن لما أبى السجود لنبي الله آدم عليه السلام قال تعالى { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا – الكهف 50 } ويبين تعالى أنه أبى واستكبر وكان من الكافرين قال تعالى {إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ -البقرة 34 } وفي هذه المرحلة يبين تعالى أنه خلق كل بني آدم دفعة واحدة فسجد من سجد وأبى من أبى قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ – الأعراف 11-12 }
وأما :
(أجمعون)
أي فسجد الملائكة كلهلم أجمعون إلا لإبليس لم يكن من الساجدين قال تعالى { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ– الحجر 28-31 } ومن تولى إبليس وخرج على ولاية الله الحق التي هى ولاية لكتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وإمامة أهل بيته فهو من جنود إبليس الذي سيجمعهم الله تعالى في جهنم أجمعين قال تعالى { وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ – الشعراء 91-101 } .
وهؤلاء هم الذين زين لهم إبليس في الأرض وأغواهم كما في قوله تعالى : { قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ – الحجر 39-44} .
ثم يقول تعالى :
(75) قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين (75)
وهنا :
(قال يا إبليس)
أي أنه يقول تعالى { قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ– الحجر 32-34 }
وأما :
(مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي)
أي أنه يقول تعالى { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين – الأعراف 12 } . وبالتالي الذي منع الناس أن يؤمنوا هو إبليس وجنوده لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا – الكهف 55 }
وأما :
(لما خلقت)
أي أنه يقول تعالى عن خلق آدم وبني آدم آية من آياته تعالى في قوله عز وجل { ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون – الروم 20 } والسؤال هنا لماذا لم يسجد إجلالً وتعظيماً للقدرة الإلهية كما أمر الله تعالى في قوله تعالى { إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين – ص 71 } ثم أمر بالسجود له كما في قوله تعالى {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين – ص 72-74 } فلما أبى السجود قال تعالى له { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين- ص 75 } .
وأما :
(بيدي)
ويد الله تعالى هنا قدرته لقوله تعالى { يد الله فوق أيديهم – الفتح 10 } . وبقدرته تعالى هنا خلق آدم عليه السلام قال تعالى هنا { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين – ص 75 }
وأما :
(أستكبرت)
[ وكبر الأمر : أي عظم وثقل على النفس – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الباء و الراء ] قال تعالى { قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا – الإسراء 50-51} فإن كان هذا التعظم على الله تعالى والعمل بكتابه الكريم فهو استكبار و [ استكبر يستكبر : تعاظم فلم يخضع عناداً ويقال استكبر عن الأمر : ترفع عنه ولم يقبله عناداً منه – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الباء و الراء ] وأول من استكبر على أمر الله تعالى إبليس لعنه الله كما في قوله تعالى { إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين – ص 74 } . ولذلك قال تعالى له في الهبوط الأول من الفردوس الأعلى { قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين – الأعراف 13 } ثم قال تعالى له ولآدم وزوجه في الهبوط الثاني { قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 38 }
ثم جاءت أمم كثيرة تترا تقلد إبليس دون أن يدروا أنها قد اتخذوه إلهاً و إماماً من دون الله تعالى بأهواءهم بعد أن أغواهم وأنساهم ذكر الله .
قال تعالى في ترك العمل بما أنزل الله و الإستكبار على آيات الله تعالى { وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين – الجاثية 31 }
ولقد استكبرت الأمم من قبل سيراً على نهج إبليس فقال تعالى في استكبار قوم عاد { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون – فصلت 15 }
وقال تعالى في ثمود واستكبارهم على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون – الأعراف 75 } .
وقال تعالى في قوم نوح { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا – نوح 7 }
وقال تعالى في فرعون لعنه الله تعالى وجنوده { ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين – يونس 75 } وقال تعالى أيضاً { إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين – المؤمنون 46 }
وقال تعالى في استكبار قوم شعيب {قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين – الأعراف 88 }
وقال تعالى أيضاً فيما فعلته بنوا إسرائيل في رسلهم وأنبيائهم { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون – البقرة 87 } .
وقال تعالى فيما فعلته قريش مع النبي صل ىالله عليه وآله { قال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا – الفرقان 21 }.
وأما :
(أم كنت من العالين)
والعالين ليسوا ملائكة كما زعم البعض وذلك لأنه لا يعلوا على الله أحد وهكذا كانت دعوة الأنبياء فقال تعالى على لسان نبي الله موسى لفرعون وملئة { أن لا تعلوا على الله إن آتيكم بسلطان مبين – الدخان 19 } والتعالي على الله تعالى عملاً بغير شريعته واتخاذ آلهة غيره عز وجل عملاً بالهوى كما قال تعالى في فرعون وملئه { إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين –المؤمنون 46 }
وهنا كأنه يقول تعالى لإبليس هل استكبرت فتدخل النار مع المستكبرين أم تعاليت على الله فتدخلها مع الذين تعالوا على الله تعالى في سياق أنواع وأصناف كفرت بالله تعالى ومنهم من استكبر ومنهم من تعالوا عليه تعالى .
وأما المؤمنين فالله تعالى سيعلي قدرهم في جنة عالية وهؤلاء هم الأتقياء الأبرار الذين قال تعالى فيهم { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ– المطففين 18-21} وهؤلاء هم ديوان عليين الذين أدخلهم الله تعالى في جنة عالية وقال تعالى في ديوان أهل الجنة والتي قال تعالى فيها أنهم { في جنة عالية قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ – الحاقة 22-24} .
ثم يقول تعالى :
(76) قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (76)
وهذه الآية يبينها قوله تعالى { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين – الأعراف 12 } وهنا كان بداية الإنحراف الديني عملاً بالقياس والرأي والإجماع على غير نص قال صلى الله عليه وآله [ لا تقيسوا الدين ،فإن الدين لا يقاس و أول من قاس إبليس – ] .
ولقد قال تعالى في الرد على هؤلاء { مافرطنا في الكتاب من شيء –الأنعام 38} وقال تعالى { وكل شيئ فصلناه تفصيلا –الإسراء 12} وقال تعالى أيضاً { وقد فصل عليكم ما حرم – الأنعام 119 } وبالتالي المسكوت عنه على الإباحة ولا مجال للقياس هنا في الدين كما قاس إبليس وقال { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } .
ثم قال تعالى :
(77) قال فاخرج منها فإنك رجيم (77)
وهنا :
(قال فاخرج منها)
أي أنه يقول تعالى { قال فاخرج منها فإنك رجيم وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين – الحجر 34-35 } فأخرجه الله تعالى رجيما مدحوراً كما في قوله تعالى { قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين – الأعراف 18 } وخرج منها من الصاغرين كما في قوله تعالى { قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين – الأعراف 13 } وهذه الصفات من الدحر واللوم والصغار والرجم فيها دلالة على أنه :
- قد عمى عن روية مافي الجنة من الفردوس الأعلى لقوله تعالى في أهل النار { ونحشره يوم القيامة أعمى } وإبليس أول الكافرين فيكون هو أول من عمر وطرد من الجنة .
- نزعت ثيابه الناعمة وأبدلت بثياب القطران الخاصة بأهل النار { سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار –إبراهيم 50 } .
- أسود وجهه لقوله تعالى { ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين – الزمر 60 } .
- سحبته الملائكة من أقدامه بالسلاسل ليطرد من الجنة في الهبوط الأول من الفردوس إلى جنة عدن وهى جنة الحياة الدنيا قال تعالى { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون – غافر 71 }
وذلك معنى قوله تعالى { فاخرج منها إنك رجيم }
وأما :
(رجيم)
ورجيم تعني ملعون مطرود والرجم أصلها القذف بالحجارة قال تعالى { وجعلناها رجوماً للشياطين –الملك 5 } بمعنى عندما فعل ذلك رجمته الملائكة وطرد من الجنة مذؤماً مدحورا والرجم بالغيب من إلقاء الشياطين على سبيل الظنة وبغير نص كقوله تعالى { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا – الكهف 22 } وهكذا قال إبليس بالظن ورجماً بالغيب أنه خيراً من نبي الله آدم عليه السلام فقال تعالى له { قال فاخرج منها فإنك رجيم – ص77 } وهذا الظن دائماً يغويهم به إبليس فيوقع فيه أتباعه فيه كما في قوله تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين -سبأ 20 } والمؤمنين لا يتبعون الظن بل يعملون بما أمر الله تعالى لذلك أمرهم بالإستعاذة من الشيطان الرجيم حتى لا يتقولوا على الله رجماً بالغيب قال تعالى { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون –النحل 98-99 } . وقد نزه الله تعالى قرآنه عن الظن والرجم بالغيب قال تعالى فيه { وما هو بقول شيطان رجيم – التكوير 25 } ولذلك بين تعالى أن القرآن الكريم حاجز بين الوهم والحقيقة وحجاب من شياطين الإنس والجن قال تعالى فيه { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا -الإسراء 45 } ومن قرأه فهو لذلك في حفظ الله تعالى كما قال تعالى { وحفظناها من كل شيطان رجيم – الحجر 17 } .
وكل من عمل بالهوى وترك العمل بكتاب الله فهو مرجوم في الدنيا وفي الآخرة من أهل النار مع إبليس الذي قال تعالى فيه هنا { فاخرج منها فإنك رجيم -77 } .
ثم يقول تعالى :
(78) وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين (78)
وهنا :
(وإن عليك لعنتي)
[ ولعنه الله سخط عليه وطرده من رحمته ] واللعن هنا لإبليس كما في قوله تعالى { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين –الحجر 35 } وقال تعالى أيضاً { لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا – النساء 118 } وكذلك كل من كفر ونافق فهو ملعون كإبليس لقوله تعالى{ إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا – الاحزاب 64 } وهؤلاء هم حزب إبليس يوم القيامة لا ينفعهم المعذرة قال تعالى { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار – غافر 52 }
وأما :
(إلى يوم)
وهو يوم القيامة لقوله تعالى { قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الجاثيى 26 } وهذا هو يوم البعث للحساب والذي قال تعالى فيه { قال أنظرني إلى يوم يبعثون – الأعراف 14 } وهذا هو يوم الوقت المعلوم الذي قال تعالى فيه { فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم – ص 89-81 }
وأما :
( إلى يوم الدين)
ويوم الدين الله تعالى مالكه لقوله تعالى { مالك يوم الدين – الفاتحة } هو يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين بعد فناء السماء والأرض والحساب على دين الإسلام الذي أمر الله تعالى به والذي كذب به الكثير من الناس قال تعالى:{ إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ – الإنفطار 1-12 }
وفي هذا اليوم يبعث الله تعالى فيه الخلق للحساب والفصل الذي كذبوا به وقالوا أيان يوم الدين قال تعالى { يسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ- الذاريات 12-14 }
وهذا يوم الفصل الذي أنكره الكفار ولم يعمل له المنافقون فحشرهم الله تعالى وأزواجهم وماكانوا يعبدون إلى جهنم قال تعالى : { وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ الصافات 15-24 } .
وفي هذا اليوم يكافئ الله تعالى المؤمنين الأبرار ويعاقب الفجار الكافرين قال تعالى { إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ – الإنفطار 13-19 } . وهذا هو اليوم الذي طلب إبليس أن ينظره إلى هذا اليوم قال تعالى {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون – ص 79 } وهذا هو يوم الدين يوم يقوم الناس فيه لرب العالمين .
ثم يقول تعالى :
(80) فإنك من المنظرين (80) إلى يوم الوقت المعلوم (81)
وهنا :
(فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم )
جواب على طلب إبليس أن ينظره ويؤجله إلى يوم يبعثون حيث قال { قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين – الأعارف 14-15 } وقال تعالى { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيم وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ – الحجر 34-38 } .
وأما :
(إلى يوم)
أي إلى يوم القيامة ويوم الدين ويوم البعث كما بينا في قوله تعالى { قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين – ص } .
وأما :
(الوقت)
وبداية هذا الوقت خروج الدجال وكشف أسراره وهو اتحاد بين المحاربين اليهود والنصارى الذي قال تعالى فيه {ولا يزالون يقالتونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا – البقرة } وفي آخر الزمان عندما يصعد الإنسان للطبقة الأولى من سماء الدنيا وقال تعالى في ذلك { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14 } ويكون الصعود للسماء بهده المعارج والتي وصفها الله تعالى أنها سلم يدخل فيه بني آدم في قوله تعالى { أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين – الطور 38 } وهنا سيستخدم هؤلاء أشد وأقسى أنواع أسلحة الفناء لإفناء أمة الإسلام ويكون ذلك زمن الدجال الأكبر بل هم الدجال الأكبر ثم تتابع علامات الساعة الكبرى بسيطرة يأجوج ومأجوج على العالم ليفتكوا به أكثر مما فعله هؤلاء حتى يفنيهم الله تعالى وتكون القيامة وعلمها عند الله لا يجليها لوقتها إلا هو قال تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187 } .وتلك الأحداث بدايو يوم الوقت المعلوم الذي قال تعالى فيه هنا فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم – ص 81} .
وأما :
(المعلوم)
ويوم الوقت المعلوم بدايته هلاك العالم لأن كل قرية كفرت بالله تعالى وكذبت رسله قال تعالى أن هلاكها له وقت معلوم قال تعالى { وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم – الحجر 4 } ويوم القيامة يوجد كتاب للقوم الظالمين معلوم قال تعالى فيه من أماراته هلاك دولة بعد أخرى من مركز الأرض وهى مكة المكرمة والحجاز قال تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } ولوقوله تعالى { لتنذرأم القرى ومن حولها } أي دولة بعد أخرى شرقا وغربا وجنوبا وشمالا حتىيصل الهلاك إلى الحجاز والشام ومصر بانتشار الككفر والفسوق والعصيان في هلاك وعذاب أمة بعد أخرى لذلك قال تعالى بعد ذكر هلاك الأمم السالفة { أكفاركم خير من أولائكم أم لكمم براءة في الزبر أم يقولون نحنن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر } وهذه الساعة يوم الوقت الملعوم وبدايتها ملاحم آخر الزمان قال تعالى { قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم -الواقعة 49-50 } .
ثم يقول تعالى :
(82) قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين (82) إلا عبادك منهم المخلصين (83)
وهنا :
وهنا
(قال فبعزتك)
وأما :
(لأغوينهم أجمعين إلا عبدك منهم المخلصين)
[ لأغوينهم : غوى الصبي بمعنى فسد جوفه والمغواه بشد الواو حفرة كالزبية تحتفر للأسد وكل مهلكة مغواة ومن هذا يجيئ المعنى من فساد العيش أوالإعتقاد أو الضلال والخيبة والخسران –معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الواو والياء ] قال تعالى { وعصى آدم ربه فغوى– طه 12 } أي أن إبليس بعدما وعده الله تعالى بأن يكون من المنظرين أقسم بعزة الله ليغوي كل بني آدم إلا المخلصين منهم قال تعالى { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ – الحجر 39-44 } وقال تعالى أيضاً في إغواءه لهم أنه سيأتيهم من بين أيديهم وهعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا يجد أكثرهم شاكرين قال تعالى
{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ – الأعراف16-18 } . وهنا قال تعالى له { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين – الحجر42 }
وهؤلاء الذين تولوا الشيطان وخرجوا على ولاية الله الحق بأن أضل وأغوى بعضهم بعضاً سيعذبهم الله تعالى في جهنم لقوله تعالى { مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ – الصافات 25-34 }
وأما :
(عبادك منهم المخلصين)
والمخلصين هم الذين استخلصهم الله تعالى واصطفاهم لنفسه لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف 54 }
وعباد الله المخلصين هم أنبياء الله تعالى ورسله الذين قال تعالى فيهم مثلاً عن سيدنا يوسف عليه السلام { كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين – يوسف 24 }
وهؤلاء المخلصين هم أتباع الأنبياء من أمة محمد صلى الله عليه وآله ممن عملوا بكلمة الإخلاص وتولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ – الصافات 35-40 } وهؤلاء هم الذين عملوا بكتاب الله تعالى لقوله عز وجل { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ – الصافات 156-160 }
والذين خرجوا على هذا الولاية لله الحق فهم الذين قلدوا آبائهم وقال تعالى فيهم { إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ (72) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ – الصافات 69-74 }
وقال تعالى في إلياس { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ – الصافات 123-128 }
وبالتالي الذين استثناهم إبليس من الغواية والإضلال هم عباد الله المخلصين قال تعالى هنا {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين – ص 82-38 } .
ثم يقول تعالى :
(84) قال فالحق والحق أقول (84)
أي أنه يقول تعالى { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير – الأنعام 73 } وقوله الحق هنا بوعد وعده الله تعالى له ولكل من كفر به وكذب رسله وخرج على ولاية أهل بيته عليهم السلام بأن يملئ بهم جهنم قال تعالى { قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين – ص 84-86 } وهنا إرفاق آية { قل ما أسألكم عليه من أجر } تؤكد بأن مودة أهل البيت عليهم السلام مرفقة بولاية الله تعالى ورسله ومن خرج على إمامتهم وولايتهم فقد خرج إلى ولاية إبليس وحزبه .
ثم يقول تعالى :
(85) لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين (85)
أي أنه قال تعالى لإبليس هنا { قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ -الأعراف 18 } أي من إبليس ومن تبعه كما في قوله تعالى هنا { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين – ص85 } . ويوم القيامة ستقول الملائكة لجهنم هل امتلئتي تقول هل من مظيد قال تعالى { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد – ق 30 } .
ثم يقول تعالى مبيناً أن ولاية اهل بيت النبي هى طريق النجاة من عذاب الله تعالى فيقول عز وجل :
(86) قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (86)
وهنا :
(قل ما أسألكم عليه من أجر)
وهنا يؤكد الله تبارك وتعالى على أم ولاية أهل بيت النبي محمد ومودتهم هى طريق النجاة حيث أن كل أنبياء الله تعالى قالوا { لا نسألكم عليه أجرا} (ولا نسألكم عليه مالا)
فقال نبي الله نوح عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 109 }
وقال نبي الله هود عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 127 }
وقال تعالى عن نبي الله صالح عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 145 }
وقال نبي الله لوط عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين –الشعراء 164 }
وقال نبي الله شعيب عليه السلام { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 180 }
وأما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد طلب مودة أهل البيت عليهم السلام بما يشير إلى أن كل أنبياء الله تعالى دعوا وبشروا بولاية أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أمر الله تعالى بمودتهم وولايتهم لأنه لا النبي الخاتم وليس بعده صلى الله عليه وآله إلا الإمامة التي هى إكمالا لولاية المصطفين الأخيار ولكنها إمامة وليست رسالة ولا نبوة قال تعالى لذلك { ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ – الشورى 23 }
وأما :
(وما أنا)
أي أن الله تعالى عادل ولا يظلم أحد قال تعالى { ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد – ق 29 } ورسول الله صلى الله عليه وآله ما كان بدعاً من الرسل وما هو إلا نذير مبين قال تعالى { قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين –الأحقاف 9 } وهذا هو سبيل الله تعالى ورسوله وهو ولاية الله الحق قال تعالى { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين – يوسف 108 }
وأما :
(من المتكلفين)
أي أنه تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها قال تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت – البقرة 286 } ولايكلف الله نفساً إلا ما كلفها الله تعالى به وأتاها إياه وما آتاها فقد ـأمر به في كتابه الكريم كما في قوله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها – الطلاق 7 } . لذلك قال تعالى هنا { وما أنا من المتكلفين – ص 86 } أي [ قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين من قومك : لا أطلب منكم أجرًا أو جزاءً على دعوتكم وهدايتكم, ولا أدَّعي أمرًا ليس لي, بل أتبع ما يوحى إليَّ، ولا أتكلف تخرُّصًا وافتراءً.- التفسير الميسر ] .
ثم يقول تعالى :
(87) إن هو إلا ذكر للعالمين (87)
أي أنه يقول تعالى { فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – التكوير 26-29 }
ومن شاء أن يستقيم فيتولى أل بيت النبي ويودهم عليهم السلام كما بينا من قبل ولذلك قال نبي الله يوسف عليه السلام { وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين – يوسف 104 } أي كأنه يقول للمسلمين سيأتي نبي الله الخاتم وهو المأمور بمودة أهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى – الشورى 23 } وهنا يبين تعالى أنهم كفروا بالله تعالى وكذبوه وكادوا يوقعونه بأبصارهم غضباً منه كما في قوله تعالى { وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ – القلم 51-52 }
وأهل بيت النبي عليهم السلام لهم نبأ عظيم آخر الزمان سيعلمه الناس جميعاً قال تعالى فيه هنا { إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعدحين – ص 87-88}
وهذا الذكر للنبي وقومه خاصة وللناس عامة وسوف يسألون قال تعالى { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون – الزخرف 44 } .
ثم يقول تعالى :
(88) ولتعلمن نبأه بعد حين (88)
وهنا :
(ولتعلمن)
ورد لفظ العلم عن علم الساعة في قوله تعالى { وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم – الزخرف 61 } .
ومن علامات الساعة قتل وسفك دماء المؤمنين في كل مكان سيراً على نعج فرعون الذي قال تعالى فيه وي ملئه { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون – القصص 41} ولذلك يرد لفظ لتعلمن في وعيد مستقبلي وعده فرعون للمؤمنين وسيقع فيه حكام آخر الزمان من بعد موت النبي صلى الله عليه وآله كما قال فرعون متوعداً المؤمنين { قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى – طه 71 } ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله [ لترجعن بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقباب بعض – البخاري ] .
فإذا ظهرت علامات الساعة ظهر إمام من ذرية الإمام علي عليه السلام صاحب علم الكتاب لما نزل فيه من قوله تعالى { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد } . وهذا العلم له نبأ سيعلمه هؤلاء بعد حين كما في الآية هنا { ولتعلمن نبأه بعد حين – ص 88 } .
وأما :
(نبأه)
وهذا النبأ هو الذي اختلفوا فيه على إمامة الإمام علي وأهل البيت من بعده عليهم السلام لقوله تعالى { عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون – النبأ} وهذا النبأ هم عنه معرضون لقوله تعالى { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون –ص 66-67 } وقد ذلك من قبل أنه نبأ عظيم سيقع آخر الزمان قال تعالى فيه هنا { ولتعلمن نبأه بعد حين – ص 88 } .
وأما :
(بعد )
وهنا يبين تعالى أنه قد أنزل الكتاب على موسى من بعد ما ÷لك القرون الأولى قال تعالى { ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون- القصص 43 } وقد أنشأ الله تعالى من بعدهم قروناً آخرين قال تعالى فيها { ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين –المؤمنون 42 }
ثم ظهر نبي آخر الزمان وما أنزله الله تعالى عليه من كتاب وهنا تفرق أهل الكتاب كما في قوله تعالى
{ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة – البينة 4 } وقال تعالى { وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب – الشورى 14 }
ثم يبن تعالى أن من أمته من كفروا و شاقوه وخالفوه صلى الله عليه وآله { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم – محمد 32 }
ثم يبين تعالى أن من الأمة من ارتدوا بعد موته صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم – محمد 25 } ثم يبين تعالى أنه ظههرت أجيالاً بعد ذلك ورثت ما كذبه هؤلاء على الله تعالى ورسوله واستمتعوا بالدنيا وتقولوا على الله زوراً انهم سيغفر لهم قال تعالى { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 } وهؤلاء قال تعالى أن لهم نبأ هم مختلفون فيه سيعلمونه بعد حين قال تعالى { ولتعلمن نبأه بعد حين – ص 88 }
فغذا جاء نبأ الله تعالى بين عز وجل انه سيهلك الظالمين ويورث الرض لعباده الصالحين قال تعالى {
ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون – الأنبياء 105 } وهؤلاء هم الذين آننوا بالله تعالى وتولوه تعالى وتولوا رسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ودعوا لمن سبقهم بالإيمان قال تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم – الحشر 10 }
(حين)
و[ الحين يراد به الوقت والمدة من غير تحديد في معناه بقلة أو كثرة فيكون إسماُ مستقلاً – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الياء والنون ] قال تعالى لما تربصوا بالنبي صلى الله عليه وآله { إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين – المؤمنون 25 } .
وبعد حين أي موعدد محدد عند الله تعالى في موعد حدده تعالى لهلاك الظالمين لذلك قال تعالى { فذرهم في غمرتهم حتى حين – المؤمنون 54 } .
والموعد محدد عند الله تعالى لذلك قال تعالى في أمة ثمود { وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين – الذاريات 43 } ولذلك يأمر الله تعالى رسوله بالإعراض والتولي عنهم حتى حين قال تعالى { وتول عنهم حتى حين وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ – الصافات 178 -179} .فإذا نزل بهم عذاب الله تعالى فلن يفلتوا منه حينئذٍ قال تعالى { وكم أهلكنا من قبلهم من قرن ونادوا ولات حين مناص – 3 } .
هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
إنتهى العمل من هذه السورة الكريمة في
1 سبتمبر عام 2000 للميلاد الموافق 1 جماد الأول سنة 1420هـ