"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ترامب يعيد رسم خريطة التحالفات.. أوروبا تتخبط وآسيا تترقب

من منظور القادة الأوروبيين، حملت التصريحات التي طُرحت في مؤتمر ميونيخ للأمن (14-16 فبراير) نبرة خيانة وتنازلات. فقد أثار قرار ترامب الوشيك بالتخلي عن دعم أوكرانيا مخاوف من تراجع واشنطن عن دورها كضامن للأمن الأوروبي.

وفي 15 فبراير، واجه القادة الأوروبيون السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب، حيث طالب الرئيس الأوكراني بتشكيل “قوة مسلحة أوروبية”، بينما أدان المستشار الألماني أي تدخل أجنبي في الديمقراطية الأوروبية.

ورغم هذه التوترات العابرة للأطلسي، لم ينعكس هذا الزلزال الدبلوماسي بقوة على علاقات واشنطن مع حلفائها في المحيط الهادئ، حيث ناقش الجنرالات والمسؤولون الأمنيون الأمريكيون في منتدى هونولولو الدفاعي (12-14 فبراير) أهمية تعزيز التعاون مع الحلفاء الآسيويين. وأشار أحد المشاركين الكوريين إلى أن اتفاقًا أمريكيًا مع موسكو قد يمنح واشنطن فرصة أكبر للتركيز على ردع الصين.

إن هذا الهدوء الظاهري هو نتيجة جزئية للسياسات المتشددة التي تنتهجها الحكومات الآسيوية التي إما تتجاهل مشاكل أوروبا أو تأمل في جذب انتباه ترامب وتجنب غضبه، ولا تزال تتوقع منه ضمان أمن آسيا.

قلق تايوان من تصاعد النفوذ الصيني

الدول الأكثر عرضة لتهديدات الصين لديها أسباب متزايدة للقلق من أن انتصار روسيا في أوكرانيا قد يعزز النزعة العدائية لبكين. في تايوان، هناك قناعة بأن منع روسيا من تحقيق نصر في أوكرانيا ضروري لردع الصين عن مهاجمة الجزيرة.

وباتت الفكرة القائلة بأن “مصير تايوان يعكس وضع أوكرانيا اليوم” أكثر إلحاحًا. وحذرت صحيفة “يو.دي.إن” المعارضة في تايوان من أن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة قد يجعل الجزيرة مجرد “بيادق مهجورة” في لعبة الشطرنج بين واشنطن وبكين.

وفي اليابان، دعت صحيفة “نيكي” في افتتاحيتها إلى عدم السماح لأمريكا بتحديد مصير أوكرانيا، منتقدة نهج ترامب الذي “يقوض الثقة العالمية بواشنطن”.

الهند.. نموذج للتوازن الجيوسياسي

على عكس القلق الياباني والتايواني، تبنت الهند سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، حيث عززت علاقاتها مع الولايات المتحدة، وحافظت على روابطها مع روسيا، وحسنت علاقاتها مؤخرًا مع الصين. وترى نيودلهي في المشهد الدولي المتغير فرصة لتعزيز نفوذها، ليس فقط بسبب سهولة حصولها على النفط الروسي، ولكن لأن تفكك النظام العالمي قد يمنحها تأثيرًا أكبر.

أما دول جنوب شرق آسيا، فهي تتأرجح بين الحذر من الولايات المتحدة والميل إلى الصين، لكنها لا تعارض نهج ترامب القائم على “الصفقات”. ووفقًا لوزير دفاع سنغافورة، فإن أمريكا تحولت من “قوة أخلاقية” إلى مجرد “مالك عقار يطالب بدفع الإيجار”.

منتدى هونولولو.. التهديدات الصينية ومخاوف واشنطن

هيمنت الأجواء القاتمة على منتدى هونولولو، لكن الأسباب كانت مختلفة عن مؤتمر ميونيخ. فبينما يرى الأمريكيون أن على أوروبا مواجهة روسيا بنفسها، فإن الصين تُعتبر تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن التصدي له إلا عبر تحالف دولي واسع.

وحذر الأميرال صامويل بابارو، قائد القوات الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، من أن الصين تتبع “مسارًا خطيرًا”، مشيرًا إلى أن تدريباتها العسكرية المتزايدة حول تايوان ليست مجرد مناورات، بل استعدادات فعلية لهجوم محتمل.

وأضاف أن القدرات العسكرية الأمريكية تتعرض لضغط هائل، حيث تتضاءل مخزونات الذخائر بسرعة، وتتأخر الصيانة التقنية، وتتآكل المعدات الجوية والبحرية والصاروخية والفضائية بمعدل أسرع من القدرة على استبدالها.

كما أشار إلى أن التعاون المتزايد بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية يشكل مثلث تهديدات خطيرًا يهدد الاستقرار في المنطقة، مؤكدًا أن واشنطن ليست ساذجة فيما يخص أمن آسيا، في إشارة إلى أن أمريكا قد لا تتخلى بسهولة عن دورها في مواجهة النفوذ الصيني.

ترامب بين الانسحاب من أوروبا والتركيز على آسيا: هل يخسر الجميع؟

في كلمة ألقاها في بروكسل، دعا وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغست الحلفاء الأوروبيين إلى تحمل المسؤولية الرئيسية عن أمنهم، مؤكدًا أن واشنطن ستركز أولويتها على مواجهة الصين، باعتبارها “تمتلك القدرة والإرادة لتهديد الوطن والمصالح الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ”. وأضاف أن ترامب “لن يسمح لأحد بأن يعتبر أمريكا ساذجة”.

أوروبا تحاول التكيف مع اللحظة الجديدة

مع إدراك أن هذه اللحظة قد تأتي، سعى حلفاء الناتو في السنوات الأخيرة إلى إثبات قدرتهم على مساعدة واشنطن في تحقيق التوازن العسكري في المحيط الهادئ.

لكن يبدو أن إدارة ترامب تنظر إلى هذه الجهود باعتبارها تحركات رمزية غير مجدية. وأبلغ هيغست حلفاءه الأوروبيين بشكل غير رسمي أنهم يجب أن يركزوا على الدفاع عن منطقتهم فقط.

التوترات العسكرية تتصاعد في المحيط الهادئ

في 16 فبراير، عبرت مدمرة كندية مضيق تايوان، مما أثار غضب الصين، بينما تجري حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول مناورات مشتركة مع البحرية الأمريكية وشركاء إقليميين. كما عبرت مدمرة إيطالية المضيق العام الماضي، ومن المتوقع أن تنضم سفينة بريطانية أخرى إلى المنطقة في وقت لاحق هذا العام.

ويبدو أن إدارة ترامب تنظر إلى هذه الجهود على أنها غير مثمرة واستعراضية وتتخلى عنها. وقال هيغست لحلفائه الأوروبيين بشكل خاص إن عليهم أن يقتصروا على الدفاع عن منطقتهم.

خلافات داخل واشنطن حول الانسحاب من أوروبا

في منتدى هونولولو، انقسم السياسيون المؤيدون لمواجهة الصين بشأن النهج الجديد لإدارة ترامب في أوروبا. فريق يرى أن “الردع لا يمكن تقسيمه”، بمعنى أن التخلي عن أوروبا سيؤدي إلى فقدان الثقة في الالتزامات الأمريكية تجاه آسيا أيضًا. 

ولكن آخرين اعتقدوا أن بذل جهود أقل في أوروبا من شأنه أن يؤدي إلى بذل جهود أكبر في آسيا، بحيث يتحقق أخيرا “التحول نحو آسيا” الذي طال انتظاره. وفي الوقت نفسه، كان البعض يخشى من أن تتوقف أميركا في نهاية المطاف عن التصرف في كل مكان وتصبح أقل مشاركة.

المواجهة مع الصين أو الحفاظ على علاقات تجارية معها

حتى الآن، لم يقدّم ترامب استراتيجية واضحة في المحيطين الهندي والهادئ. فرض رسومًا جمركية على الصين لكنه في الوقت نفسه سعى للتقرب من الرئيس الصيني شي جين بينغ على أمل عقد صفقة تجارية كبرى.

وكان رئيس الوزراء الياباني إيشيبا شيغيرو، ثم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، من بين الضيوف الأوائل لترامب في البيت الأبيض. ومن هنا، يمكن الاستدلال على أن تركيز واشنطن على منطقة المحيطين الهندي والهادئ سوف يستمر، خاصة وأن اللغة الأميركية الناعمة والدبلوماسية بشأن القوة القسرية التي تمارسها الصين ضد تايوان أصبحت أكثر وضوحا.

وجاء في البيان المشترك للسيد ترامب والسيد إيشيبا أنهما “يرفضان أي محاولة لتغيير الوضع الراهن في المنطقة من جانب واحد من خلال “القوة أو الإكراه”، في حين أن الإشارة إلى كلمة “الإكراه” هي ابتكار جديد في مثل هذه التصريحات.

كما أن تغييرًا طفيفًا في موقع وزارة الخارجية الأمريكية حذف الإشارة إلى رفض واشنطن لاستقلال تايوان، وهو ما يعكس تعديلًا دبلوماسيًا حذرًا في موقف الولايات المتحدة تجاه هذه القضية الحساسة.

إشارات متناقضة: مواجهة الصين أم الانسحاب العالمي؟

في المقابل، فإن تقليص ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، ووقف تمويل العديد من المشاريع الإنسانية، يشير إلى أن ترامب لا ينوي منافسة الصين بجدية على النفوذ العالمي.

قد يتحدث الاستراتيجيون عن “تداخل” المسارح الأوروبية والآسيوية، ولكن مع تضاؤل ​​مخزونات الأسلحة الأميركية، أصبحت الخيارات العسكرية أكثر وضوحا. ويعود النقص في الذخيرة الأميركية في آسيا جزئيا إلى دعمها لأوروبا، وخاصة في أنظمة الدفاع الجوي.

إرسال هذه الأنظمة إلى أوروبا يعني أن عددًا أقل منها متاح لحماية القواعد الأمريكية في المحيط الهادئ. وإذا اضطرت الولايات المتحدة إلى اختيار ساحة معركة واحدة، فإن الأولوية أصبحت واضحة اذ أكد الأميرال صامويل بابارو، قائد القوات الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ، أن المعركة الحاسمة في القرن الحادي والعشرين لن تكون في أوروبا، بل في آسيا. وقال بوضوح: “قبل 100 عام، كان مركز الثقل العالمي يقع في وسط أوروبا. أما اليوم، فهو بلا شك في المحيطين الهندي والهادئ.”

المصدر: موقع جماران