"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

من (تفسير البينة) : تصحيح مسألة السجود لآدم و يوسف عليهما السلام في كتاب الله

نسخة بي دي إف :

بيان التفاسير في مسألة السجود لآدم وسجود يعقوب ليوسف عليهم السلام 

يقول تعالى في سورة الأعراف :

(11) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (11)

وهنا :

(ولقد خلقناكم)

أي أنه يقول تعالى عن خلق الإنسان { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإٍ مسنون – الحجر 26 } أي [ ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت , وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر – التفسير الميسر ] .

ثم جعل الله تعالى سلالتة من طين قال تعالى فيه  { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12 } أي [ ولقد خلقنا آدم من طين مأخوذ من جميع الأرض- التفسير الميسر ] . وقد جعله الله تعالى في أحسن تقويم كما في قوله تعالى  { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم – التين 4 } وهذا الخلق لكل بني آدم كان دفعة واحدة قال تعالى فيها هنا { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين  – الأعراف 11 }

وأما :

(خلقناكم)

وهذا الخلق للأجساد كان من طينة الأرض لقوله تعالى { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى – طه 55 } وهذا هو الخلق الأول الذي قال تعالى فيه { وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا – الكهف 48 } وهذا الخلق الأول هنا كان دفعة واحدة قال تعالى فيه { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين  – الأعراف 11 } ثم يأتي الخلق الثاني من ذكر وأنثى بعد الهبوط إلى الأرض كما في قوله تعالى { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير – الحجرات 13 } ثم يعود الإنسان مرة أخرى إلى الله تعالى لقوله عز وجل { الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون – الروم  11 } ثم يخلقه الله تعالى في خلق جديد فيما بعد يوم القيامة كما في قوله تعالى { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد – ق 15 } .

وأما :

(ثم صورناكم ثم )

وثم هنا تبين مراحل خلق الإنسان بيم العيش في الجنة بالجسد الطيني الذي عاش به نبي الله آدم وكل بني آدم قبل بروز السوءة بعدما أكلا من الشجرة ثم مرحلة بروز السوءة والخلق بواسطة التقاء ذكر وأنثى ثم موت السوءة والرجوع إلى الجنة بالجسد الطيني الذي كانوا يعيشون به في الجنة وهى نفسه ثم يوم القيامة الرجوع إلى الله تعالى بالنفس والجسد قال تعالى هنا في هذه المراحل { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون –البقرة 28 } .

وهذه المراحل من الخلق واضحة أكثر في قوله تعالى { وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور – الحج 66 } .

وفي مراحل خلق الإننسان من الخلق الأول حتى الخلق الآخر مروراً بمرحلة الخلق للإنسان بعد الهبوط للأرض بين ذكر وأنثى يقول تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ – المؤمنون 12-16 }

وأما هنا :

(ثم صورناكم)

ثم هنا تشير إلى مرحلة خلق الإنسان بعد الهبوط إلى الأرض من ذكر وأنثى وتصوير الإنسان في مراحل خلق الإنسان في أرحام الأمهات قال تعالى  لذلك { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم  – آل عمران 6 } .

وأما :

(ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس)

بداية لبيان هذه الآية لابد وأن تعلم بأن السجود بوضع الجبهة على الأرض لا يحل ولا يجوز إلا لله تعالى وليس لآدم ولا لغيره إنما بين القرآن الكريم أن الركوع في أمة محمد هو الإنجناء حتى يستوي الظهر فتضع البيضة عليه فلا تسقط والسجود وضع الجبهة على الأرض لقوله تعالى خاصة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وهم آخر الأمم { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون – الحج 77 } وهنا قدم الركوع على السجود لفظاً وبينه النبي صلى الله عليه وآله في تفاصيل أحكام الصلاة وفي الأمم قبلنا كان الركوع يسمى سجود والسجود يسمى ركوع لقوله تعالى في السيدة مريم عليها السلام في الديانات من قبلنا من لدن آدم من قبل قال تعالى :  { يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين – آل عمران 43 } وهنا التقديم والتأخير بين الركوع والسجود تغيير اللفظ فقط والصلاة عند المسلمين مثلها عند أهل الكتاب والأنبياء من قبل من لدون آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهنا يكون القرآن الكريم قد حل لنا إشكالية في فهم موضعين الأول :

عند دخول نبي الله يعقوب وإخوته وسجودهم بين يدي نبي الله يوسف الحاكم قال تعالى { ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم – يوسف 100 } أي أنهم لما دخلوا عليه انحنوا له إنحناءة تحية الملوك التي تأخذ شكل ركوع في دين الإسلام وهو موضع في الديانات من قبلنا إسمه سجود .

والإشكال الثاني :

تحية الملائكة لما قال تعالى لهم { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين – البقرة 34 } أي انحنوا له تحية كتحية الملوك ولم يضعوا جباههم له ي الأرض كما سقط أكثر المفسرين في هذه السقطة لبعدهم عن تفاسير أهل البيت عليهم السلام وعلمهم .

وهذه أول سجدة في خلق الحياة الدنيا وآخر سجدة فيها تكون للمؤمنين والملائكة قال تعالى فيها { إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون – الأعراف 206 } فإن ماتوا على الكفر وولاية إبليس وأتباعه الذين قال تعالى فيهم { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم – يس 60-61 } وهؤلاء هم الذين لن يستطيعوا السجود في الآخرة إذا كشف الله تعالى عنهم الغطاء ليروا الجنة والنار ويدعون إلى آخر سجدة يدعون ليسجدوها لله فلا يستطيعون كما قال تعالى { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون – القلم 42 } وفي كتاب الله يوجد لفظ ساق مفردة والتي أوردنا من قبل ويوجد ساقين في قوله تعالى

{ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين – النمل 44 }

ويوجد جمع ساق وهو سوق كما في قوله تعالى { ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق – ص 33 }

ويوجد لفظ ساق منفردة ستعجز عن السجود لله تعالى بعملهم السيئ في الحياة الدنيا كما قال تعالى

{ يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون – القلم 42 } وهذه الساق المنفردة في

كتاب الله

لأن هؤلاء المجرمين عند موتهم التفت الساق بالساق فأصبحت واحدة منفردة قال تعالى فيها { والتفت الساق بالساق – القيامة 29 } .

ثم يبين تعالى أن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه كما في قوله تعالى { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا – الكهف 50 }

ثم يبين تعالى أن إبليس قد استخدم الرأي والهوى والقياس مع الأمر الإلهي بأنه عنصر خلق من النار وهو أفضل من الطين وهو لايعلم بأن الله تعالى علم ما سيفعله ففتنه بهذه الفتنة واستبدل آدم وذريته بالجن الذين خلقوا من قبل وقال تعالى فيهم { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } ومن هنا ظن إبليس أنه أفضل فقال تعالى فيما ذكره من حجج قائمة على الهوى ولظن والقياس فقال تعالى { وإذ قلنا للملائكةاسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا – الإسراء 61 } وهنا سأله الخلق عز وجل { قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين – الأعراف 12 } وقال أنا خير منه لذلك كما في قوله تعالى { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين – ص 76 } .

وهنا قال تعالى لنبي الله آدم وزوجه { فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى – طه 117 } ثم يبين تعالى أنهما صدقا إبليس لما أقسم لهم بأنهما سيكونا ملكين أو يكونا من الخالدين قال تعالى { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ – الأعراف 20-21 } فأكلا من الشجرة وأخرجهما الله تعالى من الجنة قال تعالى { فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين – البقرة 36 } ثم قال تعالى لهم جميعا ليبدأوا مرحلة جديدة من الخلق والحياة  على الأرض قال تعالى فيها {  قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون  -البقرة 38 } .

وأما :

(لم يكن)

وهنا يقول تعالى { الحمد لله الذذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا – الفرقان 1-2 } ولما خلق الله تعالى كل شيئ ومنا بني آدم من العدم كما في قوله تعالى {   هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا – الإنسان 1 } فلما خلق الله تعالى الخلق وسواه في أحسن صورة أمر إبليس بالسجود لآدم فأبى كما في الآية هنا { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين – الأعراف 11 }

وأما :

(من الساجدين)

وهنا يبين تعالى أن المؤمنون بالله هم الذين يسجدون له مستسلمين لأوامره عز وجل قال تعالى { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون – السجدة 15 } ولذلك قال تعالى لرسوله والمؤمنين { فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين – الحجر 98 } والساجدين هم الأنبياء من قبل الذين تقلب رسول الله صلى الله عليه وآله في نطفهم منذ آدم عليه السلام كما في قووله تعالى {  وتقلبك في الساجدين – الشعراء 219 }

وهؤلاء الساجدين وأولهم نبي الله آدم هنا أمر الله تعالى إبليس بالسجود له فأبى واستكبر ولم يكن من الساجدين كما في قوله تعالى { إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين – الحجر 31 } .

وقال تعالى أيضاً هنا { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين – الأعراف 11 } فلما سأله الله تبارك وتعالى عن إباءه السجود لآدم قال لم أكن

لأسجد لبشر خلقته من طين أي لن أحييه بالتحية التي أمرتني بها لأفضليتي عليه في الخلق فقد خلقت من نار  وخلقته من طين قال تعالى { قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ – الحجر 32-35 } .

 ثم يقول تعالى :

(12) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)