"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

كيف تؤثر تطورات سوريا على القضايا الداخلية لباكستان؟

شفقنا :
في هذه الأيام، جذبت تطورات سوريا انتباه العديد من الأطراف. تشعر العديد من الدول المجاورة لسوريا بالقلق والخوف من تأثير هذه التطورات على أوضاع المنطقة، وبالتالي على أوضاعها الداخلية.

في هذا السياق، وعلى الرغم من البعد الجغرافي الملحوظ بين سوريا وباكستان، فقد أظهرت باكستان رد فعل سريع ومثير للاهتمام. إذ أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية، في الأيام الأولى من التطورات في سوريا، عن قلق الحكومة في إسلام آباد بشأن الأحداث هناك، وأكد الدعم القوي لوحدة الأراضي السورية وسلامتها.

مع استمرار تسارع الأحداث في سوريا، انخرط المسؤولون السياسيون في باكستان في مشاورات واسعة مع مسؤولي الدول الإقليمية، بما في ذلك إيران وتركيا ولبنان، مما أظهر مدى أهمية التطورات السورية بالنسبة لإسلام آباد. وبعد سقوط حكومة بشار الأسد، أبدت باكستان رد فعل حذر للغاية وأكدت مجددا مواقفها المبدئية السابقة تجاه سوريا.

لكن الطريقة التي تتفاعل بها باكستان مع التطورات في سوريا تثير السؤال التالي: لماذا تتابع إسلام آباد التطورات في أرض بعيدة جدا عنها جغرافيا، وتكاد تكون خارج إطارها الإقليمي بمثل هذه الحساسية الخاصة وغير العادية؟

ظاهريا، يبدو من الصعب إيجاد روابط واضحة بين باكستان وسوريا. فباكستان تقع في جنوب آسيا وشبه القارة الهندية، بينما سوريا تقع على بعد آلاف الكيلومترات في قلب الشرق الأوسط. ومن حيث الجغرافيا البشرية، لا توجد قرابة كبيرة بين البلدين؛ إذ إن الباكستانيين ذوي الأصول الهندية لا يمكن مقارنتهم بالسوريين المنتمين إلى المجتمع العربي الكبير. لذا، وللعثور على الروابط المشتركة، يجب البحث في أطر تتجاوز الجغرافيا.

ان انتصار هيئة تحرير الشام والمعارضة المسلحة السورية على حكومة بشار الأسد، كان مصدر فرح كبير للمعارضين المسلحين للحكومة الباكستانية. وفي هذا السياق، أشادت حركة طالبان الباكستانية بإسقاط حكومة الأسد على يد هيئة تحرير الشام واعتبرت انتصارها نموذجًا يحتذى به في باكستان، خاصة من حيث إظهار فشل الجهود غير المسلحة وضرورة الاعتماد على التمرد المسلح ضد الحكومات.

القاعدة في شبه القارة الهندية والتحولات السورية

وصفت القاعدة في شبه القارة الهندية التطورات في سوريا بأنها انتصار تاريخي وربطتها بتحولات أفغانستان وانتصار طالبان في أغسطس 2021. ترى القاعدة أن هذه الأحداث تمثل دليلا على أهمية الاعتماد على الجهاد المسلح كوسيلة وحيدة لتحقيق الحقوق والأهداف. وبالتالي، يظهر التأثير الأول والأهم للتطورات السورية على معارضي الحكومة الباكستانية من خلال هذه التصريحات؛ حيث تعزز هذه التطورات الاعتقاد بفعالية الجهاد المسلح مقارنة بالأنشطة السياسية السلمية، مما يزيد من الدافع لهذه الأنشطة.

في الوقت نفسه، تمتلك التطورات السورية تأثيرا آخر على أنشطة المعارضة في باكستان. فقد كان الحضور الواسع للمقاتلين الأجانب بين قوات هيئة تحرير الشام أثناء معركتها ضد حكومة الأسد محط أنظار الكثيرين. وتشير بعض التقديرات إلى أن هؤلاء المقاتلين شكلوا حوالي ثلث القدرات البشرية لتحرير الشام، وشملوا جنسيات مختلفة مثل الأوزبك، والطاجيك، والإيغور وحتى الباكستانيين.

والآن، مع انتصار تحرير الشام في سوريا، يبدو أن هؤلاء المقاتلين الدوليين بحاجة إلى البحث عن وجهة جديدة للنضال، خصوصا مع عدم ترحيب تحرير الشام أو غيرها من المعارضة السورية باستمرار وجودهم في سوريا. وبالنظر إلى الوضع الحالي في باكستان، وسوابق المقاتلين الدوليين فيها، ليس من المستبعد أن نشهد عودة هؤلاء إلى باكستان. وهذا ما أشار إليه ممثل باكستان في مجلس الأمن، محذرا من احتمال بدء مرحلة جديدة من التعاون بين القاعدة والمعارضة المسلحة الباكستانية.

تأثير التحولات السورية على المعارضة الباكستانية

يمكن أن يكون للتطورات في سوريا تأثير مهم آخر على المعارضة في باكستان. لم يتحقق انتصار هيئة تحرير الشام بشكل مفاجئ، بل جاء نتيجة عملية طويلة من التغييرات والإصلاحات الداخلية بدأت قبل سنوات. سعت الهيئة إلى التحول من فرع تابع للقاعدة إلى جماعة أكثر اعتدالا بل وحتى وطنية، تسعى للتعاون مع بقية المعارضة السورية. وقد أسهمت هذه التغييرات الداخلية في تحقيق انتصارات سريعة وجذب دعم شعبي واسع.

بلا شك، هذه التجربة قابلة للتكرار في باكستان. حتى الآن، ظهرت الجماعات المسلحة المعارضة في باكستان، مثل حركة طالبان الباكستانية، وداعش خراسان أو حتى القاعدة في شبه القارة، كجماعات إما تعمل ضمن نطاق محلي أو تحمل أيديولوجيات متطرفة لا تحظى بدعم شعبي واسع. في هذا السياق، يمكن أن توفر التطورات السورية دروسا بارزة حول ضرورة تعديل بعض العقائد أو رفع مستوى النضال ليشمل المنطقة بأسرها.

قد يؤدي تبني مثل هذه التغييرات إلى تمكين المعارضة المسلحة من التعاون مع المعارضين السياسيين المحبطين من قمع الجيش، وربما إلى تحقيق إجماع بين المعارضة المسلحة والسياسية.

المصدر: موقع مطالعات شرق