"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

تاريخ منطقة القرافة فيما حول مسجد السيدة نفيسة (ع) من كتاب خطط المقريزي التي طمست معالمها بدلاً من رعايتها

مركز القلم : 

تاريخ منطقة القرافة فيما حول السيدة نفيسة من كتاب خطط المقريزي

يقول الإمام المقريزي في كتابه المواعظ والإعتبار عن الإمام زيد ابن الحسن المدفون قريب من مسجد السيدة نفيسة والمفروف باسم (الحسن الأنور) وهو ضريح للإمام زيد بن الإمام الحسن ابن علي ابن أبي طالب وابنه الحسن ابن زين (عليهم السلام)

فيقول :

[ وأما والد نفيسة وهو الحسن بن زيد، فهو الذي كان والي المدينة النبوية من قبل أبي جعفر عبد الله بن محمد المنصور، وكان فاضلا أديبا عالما، وأمّه أمّ ولد. توفي أبوه وهو غلام، وترك عليه دينا أربعة آلاف دينار، فحلّف الحسن ولده أن لا يظل رأسه سقف إلّا سقف مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو بيت رجل يكلمه في حاجة حتى يقضي دين أبيه، فوفاه وقضاه بعد ذلك. ومن كرمه أنه أتى بشاب شارب متأدّب، وهو عامل على المدينة فقال: يا ابن رسول الله لا أعود وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم» وأنا ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، وقد كان أبي مع أبيك، كما قد علمت. قال: صدقت، فهل أنت عائد؟ قال: لا والله. فأقاله وأمر له بخمسين دينارا وقال له: تزوّج بها وعد إليّ. فتاب الشاب وكان الحسن بن زيد يجري عليه النفقة.

وكانت نفيسة من الصلاح والزهد على الحدّ الذي لا مزيد عليه، فيقال أنها حجت ثلاثين حجة، وكانت كثيرة البكاء، تديم قيام الليل وصيام النهار، فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلّا الفائزون. وكانت تحفظ القرآن وتفسيره، وكانت لا تأكل إلا في كلّ ثلاث ليال أكلة واحدة، ولا تأكل من غير زوجها شيئا، وقد ذكر أنّ الإمام الشافعيّ محمد بن إدريس كان زارها وهي من وراء الحجاب وقال لها: ادعي لي، وكان صحبته عبد الله بن عبد الحكم. وماتت رضي الله عنها بعد موت الإمام الشافعيّ رحمة الله عليه بأربع سنين، لأنّ الشافعيّ توفي سلخ شهر رجب سنة أربع ومائتين.

وقيل أنها كانت فيمن صلّى على الإمام الشافعيّ. وتوفيت السيدة نفيسة في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين، ودفنت في منزلها، وهو الموضع الذي به قبرها الآن، ويعرف بخط درب السباع، ودرب بزرب. وأراد إسحاق بن الصادق وهو زوجها أن يحملها ليدفنها بالمدينة، فسأله أهل مصر أن يتركها ويدفنها عندهم لأجل البركة، وقبر السيدة نفيسة أحد المواضع

 

. المعروفة بإجابة الدعاء بمصر، وهي أربعة مواضع:

سجن نبيّ الله يوسف الصدّيق عليه السلام، ومسجد موسى صلوات الله عليه، وهو الذي بطرا، ومشهد السيدة نفيسة رضي الله عنها، والمخدع الذي على يسار المصلّى في قبلة مسجد الإقدام بالقرافة. فهذه المواضع لم يزل المصريون ممن أصابته مصيبة أو لحقته فاقة أو جائحة يمضون إلى أحدها، فيدعون الله تعالى فيستجيب لهم، مجرّب ذلك. انتهى.

ويقال أنها حفرت قبرها هذا وقرأت فيه تسعين ومائة ختمة، وأنها لما احتضرت خرجت من الدنيا وقد انتهت في حزبها إلى قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ

[الأنعام/ ١٢] ففاضت نفسها رحمها الله تعالى مع قوله الرحمة، ويقال أن الحسن بن زيد والد السيدة نفيسة كان مجاب الدعوة ممدوحا، وأن شخصا وشى به إلى أبي جعفر المنصور أنه يريد الخلافة لنفسه، فإنه كان قد انتهت إليه رياسة بني حسن، فأحضره من المدينة وسلبه ماله، ثم إنه ظهر له كذب الناقل عنه، فمنّ عليه وردّه إلى المدينة مكرّما، فلما قدمها بعث إلى الذي وشى به بهدية ولم يعتبه على ما كان منه. ويقال أنه كان مجاب الدعوة، فمرّت به امرأة وهو في الأبطح، ومعها ابن لها على يدها فاختطفه عقاب، فسألت الحسن بن زيد أن يدعو الله لها بردّه، فرفع يديه إلى السماء ودعا ربه، فإذا بالعقاب قد ألقى الصغير من غير أن يضرّه بشيء، فأخذته أمّه. وكان يعدّ بألف من الكرام.

ولما قدمت السيدة نفيسة إلى مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر نزلت بالمنصوصة، وكان بجوارها دار فيها قوم من أهل الذمّة، ولهم ابنة مقعدة لم تمش قط، فلما كان في يوم من الأيام ذهب أهلها في حاجة من حوائجهم وتركوا المقعدة عند السيدة نفيسة، فتوضأت وصبت من فضل وضوئها على الصبية المقعدة وسمت الله تعالى، فقامت تسعى على قدميها ليس بها بأس البتة، فلما قدم أهلها وعاينوها تمشى أتوا إلى السيدة نفيسة وقد تيقنوا أنّ مشي ابنتهم كان ببركة دعائها، وأسلموا بأجمعهم على يديها، فاشتهر ذلك بمصر وعرف أنه من بركاتها. وتوقف النيل عن الزيادة في زمنها فحضر الناس إليها وشكوا إليها ما حصل من توقف النيل، فدفعت قناعها إليهم وقالت لهم: ألقوه في النيل، فألقوه فيه، فزاد حتى بلغ الله به المنافع. وأسر ابن لامرأة ذمّية في بلاد الروم، فأتت إلى السيدة نفيسة وسألتها الدعاء أن يردّ الله ابنها عليها، فلما كان الليل لم تشعر الذمّية إلّا بابنها وقد هجم عليها دارها، فسألته عن خبره فقال: يا أمّاه لم أشعر إلّا ويد قد وقعت على القيد الذي كان في رجليّ وقائل يقول: أطلقوه قد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن. فو الذي يحلف به يا أمّاه لقد كسر قيدي وما شعرت بنفسي إلّا وأنا واقف بباب هذه الدار. فلما أصبحت الذمّية أتت إلى السيدة

 

نفيسة وقصت عليها الخبر وأسلمت هي وابنها وحسن إسلامهما

وذكر غير واحد من علماء الأخبار بمصر أن هذا قبر السيدة نفيسة بلا خلاف، وقد زار قبرها من العلماء والصالحين خلق لا يحصى عددهم. ويقال أن أوّل من بنى على قبر السيدة نفيسة عبيد الله بن السري بن الحكم أمير مصر، ومكتوب في اللوح الرخام الذي على باب ضريحها، وهو الذي كان مصفحا بالحديد بعد البسملة ما نصه، نصر من الله وفتح قريب، لعبد الله ووليه معدّ أبي تميم الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المكرّمين، أمر بعمارة هذا الباب السيد الأجل أمير الجيوش سيف الإسلام ناصر الأنام كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين عضّد الله به الدين وأمتع بطول بقائه المؤمنين وأدام قدرته وأعلى كلمته، وشدّ عضده بولده الأجل الأفضل سيف الإمام جلال الإسلام شرف الأنام ناصر الدين خليل أمير المؤمنين، زاد الله في علائه وأمتع المؤمنين بطول بقائه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، والقبة التي على الضريح جدّدها الخليفة الحافظ لدين الله في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وأمر بعمل الرخام الذي بالمحراب.

[مشهد السيدة كلثوم]

هي كلثوم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، موضعه بمقابر قريش بمصر بجوار الخندق، وهي أمّ جعفر بن موسى بن إسماعيل بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق، كانت من الزاهدات العابدات.

[سنا وثنا]

يقال أنهما من أولاد جعفر بن محمد الصادق، كانتا تتلوان القرآن الكريم في كلّ ليلة، فماتت إحداهما، فصارت الأخرى تتلو وتهدي ثواب قراءتها لأختها حتى ماتت.

[ذكر مقابر مصر والقاهرة المشهورة]

القبر مدفن الإنسان، وجمعه قبور، والمقبرة موضع القبر. قال سيبويه: المقبرة ليس على الفعل، ولكنه اسم، وقبره يقبره: دفنه. وأقبره جعل له قبرا. واعلم أنّ لأهل مدينة مصر ولأهل القاهرة عدّة مقابر وهي: القرافة، فما كان منها في سفح الجبل يقال له القرافة الصغرى، وما كان منها في شرقيّ مصر بجوار المساكن يقال له القرافة الكبرى، وفي القرافة الكبرى كانت مدافن أموات المسلمين منذ افتتحت أرض مصر واختط العرب مدينة الفسطاط، ولم يكن لهم مقبرة سواها، فلما قدم القائد جوهر من قبل المعز لدين الله وبنى

القاهرة وسكنها الخلفاء، اتخذوا بها تربة عرفت بتربة الزعفران، قبروا فيها أمواتهم، ودفن رعيتهم من مات منهم في القرافة إلى أن اختطت الحارات خارج باب زويلة، فقبر سكانها موتاهم خارج باب زويلة مما يلي الجامع، فيما بين جامع الصالح وقلعة الجبل، وكثرت المقابر بها عند حدوث الشدّة العظمى أيام الخليفة المستنصر، ثم لما مات أمير الجيوش بدر الجماليّ دفن خارج باب النصر، فاتخذ الناس هنالك مقابر موتاهم، وكثرت مقابر أهل الحسينية في هذه الجهة، ثم دفن الناس الأموات خارج القاهرة في الموضع الذي عرف بميدان القبق، فيما بين قلعة الجبل وقبة النصر، وبنوا هناك الترب الجليلة، ودفن الناس أيضا خارج القاهرة فيما بين باب الفتوح والخندق، ولكل مقبرة من هذه المقابر أخبار سوف أقص عليك من أنبائها ما انتهت إلى معرفته قدرتي إن شاء الله تعالى. ويذكر أهل العناية بالأمور المتقادمة أن الناس في الدهر الأوّل لم يكونوا يدفنون موتاهم إلى أن كان زمن دوناي الذي يدعى سيد البشر لكثرة ما علّم الناس من المنافع، فشكا إليه أهل زمانه ما يأتذون به من خبث موتاهم، فأمرهم أن يدفنوهم في خوابي ويسدّوا رؤسها، ففعلوا ذلك، فكان دوناي أوّل من دفن الموتى، وذكر أن دوناي هذا كان قبل آدم بدهر طويل مبلغه عشرون ألف سنة، وهي دعوى لا تصح، وفي القرآن الكريم ما يقتضي أن قابيل ابن آدم أوّل من دفن الموتى، والله أصدق القائلين. وقد قال الشافعيّ رحمه الله: وأكره أن يعظّم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده.

[ذكر القرافة]

روى الترمذيّ من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رفعه: من مات من أصحابي بأرض بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة. قال: وهذا حديث غريب. وقد روي عن أبي طيبة، عن ابن بريدة مرسلا، وهذا أصح، قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتاب فتوح مصر: حدّثنا عبد الله بن صالح، حدّثنا الليث ابن سعد قال: سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار، فعجب عمرو من ذلك وقال: أكتب في ذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزدرع ولا يستنبط بها ماء. ولا ينتفع بها. فسأله فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أنّ فيها غراس الجنة، فكتب بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر إنّا لا نعلم غراس الجنة إلّا المؤمنين، فأقبر فيها من مات قبلك من المسلمين ولا تبعه بشيء. فكان أوّل من دفن فيها رجل من المغافر يقال له عامر، فقيل عمرت. فقال المقوقس لعمرو: وما ذلك، ولا على هذا عاهدتنا، فقطع لهم الحدّ الذي بين المقبرة وبينهم.

وعن ابن لهيعة أن المقوقس قال لعمرو: إنا لنجد في كتابنا أن ما بين هذا الجبل

وحيث نزلتم ينبت فيه شجر الجنة. فكتب بقوله إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:

صدق، فاجعلها مقبرة للمسلمين، فقبر فيها ممن عرف من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسة نفر، عمرو بن العاص السهميّ، وعبد الله بن حذافة السهميّ، وعبد الله بن جزء الزبيديّ، وأبو بصيرة الغفاريّ، وعقبة بن عامر الجهنيّ. ويقال ومسلمة بن مخلد الأنصاريّ انتهى.

ويقال أن عامرا هو الذي كان أوّل من دفن بالقرافة، قبره الآن تحت حائط مسجد الفتح الشرقيّ. وقالت فيه امرأة من العرب:

قامت بواكيه على قبره … من لي من بعدك يا عامر

تركتني في الدار ذا غربة … قد ذلّ من ليس له ناصر

وروى أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس في تاريخ مصر من حديث حرملة بن عمران قال: حدّثني عمير بن أبي مدرك الخولانيّ عن سفيان بن وهب الخولانيّ قال: بينما نحن نسير مع عمرو بن العاص في سفح هذا الجبل ومعنا المقوقس، فقال له عمرو: يا مقوقس ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات ولا شجر على نحو بلاد الشام؟ فقال: لا أدري، ولكنّ الله أغنى أهله بهذا النيل عن ذلك، ولكنه نجد تحته ما هو خير من ذلك.

قال: وما هو؟ قال ليدفنن تحته أو ليقبرنّ تحته قوم يبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم، قال عمرو: اللهمّ اجعلني منهم. قال حرملة بن عمران: فرأيت قبر عمرو بن العاص، وقبر أبي بصيرة، وقبر عقبة بن عامر فيه. وخرّج أبو عيسى الترمذيّ من حديث أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رفعه: «من مات من أصحابي بأرض بعث قائدا لهم ونورا يوم القيامة» ، وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعيّ: القرافة هم بنو غض بن سيف بن وائل بن المغافر، وفي نسخة بنو غصن. وقال أبو عمرو الكنديّ:

بنو جحض بن سيف بن وائل بن الجيزيّ بن شراحيل بن المغافر بن يغفر. وقيل أن قرافة اسم أمّ عزافر، وجحض ابني سيف بن وائل بن الجيزيّ. قد صحف القضاعيّ في قوله غصن بالغين المعجمة، والأقرب ما قاله الكنديّ، لأنه أقعد بذلك. وقال ياقوت والقرافة- بفتح القاف وراء مخففة وألف خفيفة وفاء- الأوّل مقبرة بمصر مشهورة مسماة بقبيلة من المغافر يقال لهم بنو قرافة، الثاني القرافة محلة بالإسكندرية منسوبة إلى القبيلة أيضا. وقال الشريف محمد بن أسعد الجوانيّ في كتاب النقط: وقد ذكر جامع القرافة الذي يقال له اليوم جامع الأولياء، وكان جماعة من الرؤساء يلزمون النوم بهذا الجامع ويجلسون في ليالي الصيف يتحدّثون في القمر، في صحنه، وفي الشتاء ينامون عند المنبر، وكان يحصل لقيمه الأشربة والحلوى والجرايات، وكان الناس يحبون هذا الموضع ويلزمونه لأجل من يحضر من الرؤساء، وكانت الطفيلية يلزمون المبيت فيه ليالي الجمع، وكذلك أكثر المساجد التي بالقرافة والجبل والمشاهد لأجل ما يحمل إليها ويعمل فيها من الحلاوات واللحومات والأطعمة، وقال موسى بن محمد بن سعيد في كتاب المعرب عن أخبار المغرب: وبت

ليالي كثيرة بقرافة الفسطاط، وهي في شرقيها بها منازل الأعيان بالفسطاط والقاهرة، وقبور عليها مبان معتنى بها، وفيها القبة العالية العظيمة المزخرفة التي فيها قبر الإمام الشافعيّ رضي الله عنه، وبها مسجد جامع وترب كثيرة عليها أوقاف للقرّاء، ومدرسة كبيرة للشافعية، ولا تكاد تخلو من طرب، ولا سيما في الليالي المقمرة، وهي معظم مجتمعات أهل مصر، وأشهر منتزهاتهم وفيها أقول:

إنّ القرافة قد حوت ضدّين من … دنيا وأخرى فهي نعم المنزل

يغشى الخليع بها السماع مواصلا … ويطوف حول قبورها المتبتل

كم ليلة بتنا بها ونديمنا … لحن يكاد يذوب منه الجندل

والبدر قد ملأ البسيطة نوره … فكأنما قد فاض منه جدول

وبدا يضاحك أوجها حاكينه … لما تكامل وجهه المتهلل

وفوق القرافة من شرقيها جبل المقطم، وليس له علوّ ولا عليه اخضرار، وإنما يقصد للبركة، وهو نبيه الذكر في الكتب، وفي سفحه مقابر أهل الفسطاط والقاهرة، والإجماع على أنه ليس في الدنيا مقبرة أعجب منها ولا أبهى ولا أعظم ولا أنظف من أبنيتها وقبابها وحجرها، ولا أعجب تربة منها، كأنها الكافور والزعفران مقدّسة في جميع الكتب، وحين تشرف عليها تراها كأنها مدينة بيضاء، والمقطم عال عليها كأنه حائط من ورائها، وقال شافع بن عليّ:

تعجبت من أمر القرافة إذ غدت … على وحشة الموتى لها قلبنا يصبو

فألفيتها مأوى الأحبة كلهم … ومستوطن الأحباب يصبو له القلب

وقال الأديب أبو سعيد محمد بن أحمد العميديّ:

إذا ما ضاق صدري لم أجد لي … مقرّ عبادة إلّا القرافه

لئن لم يرحم المولى اجتهادي … وقلة ناصري لم ألف رأفه

واعلم أن الناس في القديم إنما كانوا يقبرون موتاهم فيما بين مسجد الفتح وسفح المقطم، واتخذوا الترب الجليلة أيضا فيما بين مصلّى خولان وخط المغافر التي موضعها الآن كيمان تراب، وتعرف الآن بالقرافة الكبرى. فلما دفن الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ابنه في سنة ثمان وستمائة بجوار قبر الإمام محمد بن إدريس الشافعيّ، وبنى القبة العظيمة على قبر الشافعيّ، وأجرى لها الماء من بركة الحبش بقناطر متصلة منها، نقل الناس الأبنية من القرافة الكبرى إلى ما حول الشافعيّ، وأنشأوا هناك الترب، فعرفت بالقرافة الصغرى، وأخذت عمائرها في الزيادة وتلاشى أمر تلك، وأما القطعة التي تلي قلعة الجبل فتجدّدت بعد السبعمائة من سني الهجرة، وكان ما بين قبة الإمام الشافعيّ، رحمة الله – من كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بخطط المقريزي  ج 4 ص  325-330