وقال رئيس الحكومة المصرية وقتها، جمال عبدالناصر، إن مصر قد رسمت سياستها العربية على أساس العروبة والقومية العربية، وإن بلادنا قد قاست كثيرًا من الاستعمار، وما زال البعض يجاهد في التخلص من المستعمر، ونأمل أن توفق جميع البلاد العربية في التحرر حتى يمكن للأمة العربية إعادة بناء مجدها.
وأضاف: “قد شرحت هذا الرأى بشىء من التفصيل عند اجتماعي بوزراء خارجية البلاد العربية؛ فذكرت لهم أن مصر تعتبر نفسها مرتبطة مع بقية البلاد العربية برباط وثيق جدًا، وأن خروج أى بلد عربى عن إجماع شعوبنا يؤذى باقى البلاد العربية، وقد دعانى حرصى على المصلحة العربية إلى دعوة رؤساء الحكومات لمواجهة الموقف الجديد الذى نشأ من الاتفاق العراقى – التركى المزمع عقده، وإننى أعتقد أن لهذا الاجتماع أهمية كبرى، وأرجو أن يوفقنا الله إلى ما فيه خير المجموعة العربية، وأن نستطيع الوصول إلى قرارات تجعل الشعوب العربية تشعر بأننا نعمل لصالحها”.
وتابع عبد الناصر: “أعتقد أن هذه هى سياسة الغرب وليست سياسة تركيا، فعندما فشل الغرب في عام ١٩٥١ في مقترحاته الرباعية أرسل تركيا لتقوم بمحاولة أخرى في ١٩٥٥، والغرب بذلك يعمل على تشتيت قوى البلاد العربية؛ إذ لا يسرهم بقاؤنا كتلة واحدة، وتركيا بهذه الطريقة ستحصل على السيطرة على البلاد العربية، خاصة وأن البلاد المحيطة بها بلاد صغيرة بالنسبة إليها”.
وأضاف: “مصر فلن تتأثر على الإطلاق؛ إذ أنها أقوى بكثير من البلاد المحيطة بها، وإذا وصل الأمر إلى حد انفراط عقد البلاد العربية فإن هذه البلاد ستصبح ذيولًا للأتراك وللغرب، وستضطر مصر حينئذ أن توجه اهتمامها وعنايتها إلى البلاد المحيطة بها في أفريقيا فقط، وهذا أمر لا نوده ولا نرغبه؛ ولذا حرصت على دعوة رؤساء الحكومات العربية لنحدد سياستنا الخارجية سويًا، وقد فاوضت الإنجليز مدة طويلة رافضًا أى عرض خاص بالدخول في حلف، وكان من الممكن أن أوقع اتفاق الجلاء في أيام قليلة لو وافقت على الحلف الذى يعرضونه، ولكننى رفضت كل عروضهم، ونجحت في توقيع الاتفاق بيننا وبينهم دون الإشارة إلى أى حلف كان، إن البلاد العربية يجب أن تحافظ على كيانها وألا يجذب أنظارها العروض البراقة مثل مساعدة تركيا ضد إسرائيل، وإذا لم ننجح في المحافظة على قوميتنا وكياننا فلن نستطيع تحقيق آمالنا وأهدافنا، وإن الشعوب العربية التى ظلت تحت سيطرة أجنبية مئات من السنين ترغب الآن في التحرر وعدم الوقوع مرة أخرى تحت أى سيطرة أجنبية، وإن محافظتنا على كياننا وقوميتنا وسيادتنا لا يعنى معاداة الغرب أو تركيا، بل إننا نود التعاون معهم على أساس الند للند.
واستكمل حديثه: “الذى دفعنا إلى هذه المناقشة ما قيل عن إمكانية تغيير سياسة الحكومات العربية وعدم الالتزام بما يتفق عليه، والآن أعود إلى السؤال الذى طرح أمس، وأود أن أوضح نقطة وأعود بالذاكرة إلى اتفاق سنة ١٩٠٤ بين إنجلترا وفرنسا، فإن آثار هذا الاتفاق لم تظهر في سوريا ولبنان إلا بعد أن قامت الحرب العالمية الأولى، والآن وقد استقلت سوريا ولبنان فإننا نرجو أن تزول آثار هذا الاتفاق من البلاد التى ما زالت تعانى آثار الاستعمار.
وأوضح: “إن بلادنا قسمت وحددت بعد الحرب العالمية الأولى حتى تصبح دويلات صغيرة، ولازال البعض يعانى من وجود قوات أجنبية ويعمل على إخراج هذه القوات.. والآن أرى أن هناك شيئًا جديدًا ظهر في الجو، فإن الغرب رأى أنه لا يمكن أن يستمر في استعمار الشرق الأوسط فحاول في سنة ١٩٥١ أن يخلق سيطرة جديدة في المنطقة عن طريق مشروع معاهدة الدفاع عن الشرق الأوسط.. وتركيا الآن دولة قوية نسبيًا تتعامل مع الغرب وسياستها موحدة مع إنجلترا وأمريكا، وقد حاولت أمريكا أن تنظم اتصالها رأسًا مع العرب، ولكنها وجدت أن هذا متعذر، فأوعزت إلى تركيا لتقوم هى بالعمل على توثيق أحلاف مع العرب.
وتوقع: “إننى أتصور النتيجة أن تركيا ستعود إلى الوصاية على العالم العربى، وبالتالى سيحدث انقسام فىذ البلاد العربية، ولا شك أن البعض يتصل بتركيا والآخر بالغرب رأسًا، وهكذا سيكون كل قسم تابعا لدول مختلفة، ولو أنه في النهاية سنكون مربوطين بالغرب.. والعملية واضحة، والقول بأن تركيا ستعاوننا ضد إسرائيل مسألة غير جدية، إننى أحذر من الخطر الذى قد لا يظهر اليوم وإنما قد يظهر في المستقبل القريب أو البعيد.. إننى لا أنادى بالعزلة، فإننا سنعمل على التعاون مع العالم الخارجى، وسنعمل على تسليح أنفسنا وتقوية بلادنا.
وحذر: “هناك خطران؛ إسرائيل والخطر الخارجى، وبالنسبة إلى إسرائيل فإننا لم نهزم إلا لسوء تدبيرنا وتصرفنا وسوء تقديرنا.. وأستطيع أن أؤكد أن مصر وحدها لديها قوات تفوق قوات إسرائيل، وأن قوات إسرائيل بالنسبة لقواتنا مجتمعة تصبح قوة صغيرة جدًا لا يخشى منها، وإننا لازلنا نعمل على تسليح أنفسنا واستيراد أسلحة من الخارج، وأن الخوف من الخطر الإسرائيلى ما هو إلا خدعة كبيرة يجب ألا تتسلط علينا نتيجة لهزيمتنا السابقة، وإنما من الضرورى تنسيق الخطط بمواجهة أى عدوان إسرائيلى، أما بالنسبة إلى الخطر الخارجى فإن الهجوم الروسى الذى يهددنا به الغرب لا ينتظر أن يحدث حاليًا أو في السنين الخمس المقبلة؛ لذا يجب أن نبحث في الأضرار التى قد تحيق بنا إذا انضممنا إلى الحلف المعروض علينا.. ولا شك أنه إذا حدث عدوان مسلح على هذه المنطقة فكلنا سندافع عن بلادنا، وسنطلب مساعدة المعسكر الغربى، ولكن متى يحدث هذا ؟ إننى لا زلت أعتقد أن هذا الهجوم لن يحدث.. على أى حال فإنه من واجبنا أن نبحث في وسائل تقوية بلادنا، فالموضوع ليس خلافًا بين مصر والعراق إنما هو أعمق من ذلك بكثير؛ فعلينا أن نحافظ على القومية العربية وعلى كيان هذه البلاد.
ونوه: إن السياسة الغربية مرسومة بدقة لتحطيم قوى البلاد العربية، وقد نجح الغرب جزئيًا حتى الآن بفصل مصر عن العالم العربى بواسطة إسرائيل التى أنشأها الغرب، فهل تقبلون هذا الوضع؟ واستمرار نجاح سياسة الغرب في هذه الناحية؟.. من المتوقع أن يحصل في المستقبل أن تنضم إسرائيل في حلف مع تركيا، أو تتفق إنجلترا مع إسرائيل، وبهذا تكون إسرائيل قد دخلت بطريق غير مباشر في الحلف العراقى- التركى، ويجب ألا ننسى أن مقترحات الدفاع عن الشرق الأوسط قدمت عام ١٩٥١ إلى البلاد العربية وإلى إسرائيل في نفس الوقت.

المجد 5 ديسمبر 2024

و الوعي العربي : 30 أغسطس، 2020