صرح رئيس تحرير جريدة “البعث” الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا، بسام هاشم، أن “العدوان على حلب، جاء بعد أسبوع من التقارير التي تفيد بأن الصواريخ الغربية بعيدة المدى ستستخدم في ضربات في عمق الأراضي الروسية، وفي الوقت الذي تقلّب فيه إيران أوراق ملفها النووي غداة فوز ترامب، والتحضير لليوم التالي في كل من جنوب لبنان وغزة”.
وأضاف هاشم، في حوار خاص مع “سبوتنيك”، إن “مفاجأة ما قد وقعت، ما كان ينبغي أن تحدث أصلاً، لأن الحقيقة الثابتة هي أنه لا يمكن الثقة بالأتراك، وكذلك العدوان عرف كيف يستفيد إلى أقصى حدّ من وسائل التواصل الاجتماعي ليوحي بالانهيار السريع، ويكرّس الشعور بسرعة السيطرة على المدينة”، لافتاً إلى أن “المعركة العسكرية ليست “سوشال ميديا”، ولا يمكن تحقيق النصر من خلال إثارة الذعر في الأحياء الآمنة، ولا التقاط الصور في القرى الريفية المتباعدة وسط المناطق المفتوحة، ولا بإغراق الشاشات بالكاميرات الشبحية وبالمشاهد الرقمية المشبعة برسائل كاذبة”.
وأكد هاشم أن “الجيش العربي السوري تصرف بضبط أعصاب ومسؤولية عالية، انطلاقاً من حرصه المسؤول على مقدراته البشرية خاصة، وعلى وحدات ليست أصلاً في أوضاع قتالية عادية على امتداد جبهة عسكرية نظامية”، مشيرًا إلى أن “المناطق التي تسلل إليها الإرهابيون خاضعة أساسًا لاتفاقات خفض التصعيد، ويتحمل الأتراك مسؤولية تطبيق ما جرى التوافق عليه في أستانا فيها، وهو ما نكثوا به مجددًا، موجهين الطعنة في الظهر لروسيا وإيران مرة أخرى”.
وأوضح أن “الجيش العربي السوري كان قد أعطى الأوامر بإعادة الانتشار لاستيعاب الطبيعة القطيعية للعدوان غير المسبوق، والتي ميزت تكتيكات العصابات الإرهابية في سورية في كل مناطق تواجدها سابقاً، ولأن ذلك يوفر، فوق ذلك، الفرصة للقضاء على العصابات بأسرع وقت ممكن، والعودة بالأوضاع داخل المدينة وأريافها المباشرة إلى سابق عهدها”، مشيراً إلى أن “تمسّك الجيش العربي السوري بالأسلوب العملياتي التقليدي لجهة المبادرة الفورية لامتصاص الضربة الأولى وتعزيز جميع النقاط على محاور الاشتباك المختلفة بالعتاد والجنود، والاستفادة من التوزع العشوائي للمجموعات المهاجمة وضرب طرق إمداداتها وفصلها عن داعمها الإقليمي المباشر، وتحويلها إلى مجموعات صغيرة متناثرة ومعزولة عن بعضها، وعدم تمكينها من تثبيت مواقع أو نقاط تمركز ثابتة، هو الاستراتيجية الأكثر عملانية لإحباط مثل هذا الهياج الذي لا يذكّر إلا بتلك الفورات الإرهابية، التي غالباً ما كانت تنقلب إلى كوارث على المجموعات نفسها”.
لعبة في الأدراج.. من العراق إلى لبنان
وقال هاشم: “واضح أن العملية كانت مبيّتة ومعدّ لها مسبقًا، وأن الأوراق والخطط كانت مخبأة في الأدراج، ولربما كانت المفاجأة الأم والأساس تتمثل، قبل كل شيء، بصدمة الإرهابيين والأتراك أنفسهم من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، والتوقعات بقرب الإعلان عن اتفاق مماثل في غزة”، لافتًا إلى أن “السيناريو الأقرب إلى الواقع هو أن أردوغان ومجموعاته المسلحة والإرهابية كانوا يراهنون على هزيمة المقاومة لملاقاة نتنياهو من الشمال في إطار مشروع تفكيك محور المقاومة ومحاولة تقطيع أوصالها، بدءًا من الحدود السورية مع العراق، وصولاً إلى الحدود مع لبنان، كدفعة على الحساب يمكن تقديمها لترامب، قبيل تقلّده منصبه رسمياً في شباط المقبل”.
“سوريا ساحة ولادة النظام العالمي الجديد”
وأضاف هاشم أن “الوضع في هذه المنطقة الممتدة من شمال غرب سوريا إلى شمال شرق سوريا، في حالة جمود ميداني منذ سنوات عدة، لذا كان هذا الهجوم ليدفع بهذه المنطقة إلى الواجهة مجددًا، والتي تعتبر ساحة معركة لولادة النظام العالمي الجديد”.
وتابع: “سوريا لا يمكن أن تقبل أي محاولة للّي ذراعها والمسألة مسألة وطنية قبل أي اعتبار آخر، وإن كان أردوغان يألف توظيف مرتزقة، ويعتبر ذلك عدّة شغل سياسية، فلأنه اعتاد القفز على الحبال منذ عقود طويلة، وليس لأنه يتبنى ما يصفه إصلاحًا أو مطالب إصلاحية، والمعركة كما تراها سوريا ليست مع حفنة من المرتزقة الذين يقاتلون في سوريا، كما قاتلوا ويقاتلون في أوكرانيا وناغورني قره باخ وليبيا، بل هي مع خونة وضعوا أنفسهم في خدمة الأطماع التركية المتشعبة والمتزايدة تعقيدًا”.
هجوم الإرهابيين.. أوراق اعتماد لترامب
وأضاف هاشم: “كل طرف يفكر بضمان مصالحه في المرحلة القادمة وخاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض”، مشيراً إلى أن “أردوغان يقدم عروضًا مسبقة للأميركيين ولترامب خاصة، من خلال ما يعدّه نوعًا من تنظيف الساحة أمامه، قبيل تسلمه منصبه رسميًا في البيت الأبيض”، مشيرًا إلى أن “أردوغان يعتبر أنه يخدم ترامب في الموضوع الإيراني، وأنه ينجز ما عجزت إسرائيل عنه في جنوب لبنان، فهو يدعم حماس لفظيًا في غزة، ويتحدث عن حقوق الفلسطينيين، ولا يقف الموقف نفسه تجاه المقاومة في جنوب لبنان، إذ يراها مدًا شيعياً ينبغي التخلص منه خدمة للأميركيين أولًا ولمصالح تركيا في قطاع التنافس مع إيران في المنطقة”.
“سوريا مستعصية تاريخيا على الأجندات اللاوطنية”
وأوضح رئيس تحرير جريدة “البعث” الناطقة باسم الحزب الحاكم في سوريا، أن “سورية تتحول، بعد قرابة عقد ونصف من الحرب، إلى المشكلة والحل بالنسبة لنظام أردوغان، إنها العقدة المستعصية في كل سياسات أنقرة، ولربما يفسر ذلك كل هذا التخبط التركي في التعاطي مع سورية، بدءًا من الدعم غير المعلن للإرهابيين، مرورًا بالمسارعة للتحدث باسمهم ونيابة عنهم، وصولًا لاستخدامهم كأوراق مساومة، حسب طبيعة الموقف، وتبعًا لجنسياتهم الأصلية”.
وأشار هاشم إلى أنه “كان في غاية الافتضاح أن تلتزم تركيا الغموض الرسمي أو يرسل بعض مسؤوليها التصريحات والتعليقات المتناقضة، من قبيل تقديم الدعم المكشوف للمجموعات الإرهابية أو النأي عن تحمل مسؤولية الأحداث الجارية أو حتى الإيحاء بوجود مسافة بين أنقرة وبين الإرهابيين، في أرياف إدلب وحلب، للتعمية على حقيقة الدور التركي في العملية”.
وتابع هاشم: “إن كل المشاريع والتصورات التركية، السياسية والاقتصادية والثفافية، تجاه المنطقة العربية والعالم الإسلامي، تتوقف في جزء كبير منها عند الحواجز السورية، وأن هذا الجنون العثماني التركي لن تكبح جماحه ولن تعيده إلى جادة الصواب إلا المواقف – الشروط السورية الثابتة، وهنا يكمن جذر الشعور الأردوغاني المزمن بالإحباط والفشل تجاه سوريا”، مبينًا أن “أردوغان لا يستمد قوته إلا من الانخراط في المشاريع الغربية الأطلسية والإسرائيلية المعادية للمنطقة العربية، وأنه يستغل التوترات الإقليمية لتعزيز أطماع تركيا على حساب المصالح الوطنية السورية والقومية العربية والتضامن الإسلامي وفي تحالف مع السياسات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط”.
وبيّن هاشم أن “أردوغان لا يستطيع أن يصل بأي معركة يخوضها إلى النصر النهائي فهو يتخبط بشدة ويقامر، فما جرى في اليومين الماضيين أشبه بمقامرة من العيار الثقيل يمكن أن تضع مستقبل اردوغان، ومستقبل السياسة التركية في الشرق الأوسط على المحك”، لافتًا إلى أن “هناك نوعاً من الاستياء العربي، وقناعة بأن أردوغان يحرّك خيوط اللعب من الخلف، فدوره يعود بالمنطقة إلى نقطة الصفر في المربع الأول”.
إجماع عربي دولي على إدانة الهجوم الإرهابي
وقال هاشم إن “الإيرانيين والروس غير مرتاحين على الإطلاق لما يجري، وكذلك السعوديون، ولا سيما بعد تصريح أردوغان قبل أيام حول مهرجان الرياض وما سماه تدنيس الحرم الشريف في مكة المكرمة”، لافتًا إلى أن “كلا من الإمارات وعُمان والسعودية ومصر، عبّروا عن تضامنهم القوي مع سوريا وتمسكهم بسيادة ووحدة الأراضي السورية، وسنرى المزيد من المواقف المتضامنة مع سوريا في الأيام القادمة”.
وأكد أنه “خلال الأيام القادمة سنسمع عن مقتل مئات المسلحين أمام الجيش السوري، إذ استخدمهم أردوغان وزجّ بهم في معركة خاسرة خدمة لمصالحه، فهو يلعب لعبة مزدوجة زجّ المسلحين لقتال الدولة السورية، وهو ما يخدمه ويخدم المسلحين، وكذلك يستطيع الادعاء أن الزجّ بالمسلحين في مثل هذه المعركة والقضاء على حركتهم على يد الجيش السوري سيخدم أيضًا أهداف السياسة الروسية في مكافحة الإرهاب”.
وتابع أن “المحرضين على ما جرى خلال اليومين الماضيين هما إسرائيل وتركيا، وما فعله أردوغان عربون ولاء أو تقديمة مسبقة يمكن أن تخفف عن ترامب مصائب التدخل لحل المشاكل المستعصية في الشرق الأوسط”، موضحًا أن “أردوغان يريد أن يكون جزءًا من اللعبة الأمريكية في صناعة مستقبل المنطقة، ويعبّر عن رغبته في العودة الكاملة مجددًا إلى الحضن الأمريكي وإلى استراتيجيته في المنطقة”.