(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ) آيات من تفسير ” البينة” في مستقبل الأمة و تصحيح خطأ بمعاجم ألفاظ القرآن الكريم
PDF :
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ
يقول تعالى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)- الزخرف}
هذه الآيات الكريمة تحكي قصة صراع قريشاً الأولى والآخرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تتبع قريشاً الآخرة لأهل البيت وأتباعهم ونقول قريشاً الأولى والآخرة ليس مصطلحاً من عند أنفسنا بل هو حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله قال فيه [ ” اللهم كما أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالاَ – أمالي الشجري ] .
ولذلك نقول قريشاً الأولى والآخرة وتبين لنا في ثالث خطأ بمعاجم ألفاظ القرآن للسلف ومنهم هنا لفظ (منتقمون) فقالوا فيه هو العقوبة على ذنب وهذا تعريف ليس دقيقاً بل وجانبه الصواب لأن العقوبة تكون جزاء ذنب كقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به – النحل } فإذا تكرر الذنب دون التوبة وإصراراً على المعصية فقد انتقل عند الله من العقاب إلى الإنتقام سواء أكان فرد أم جماعة أم قبيلة أو دولة بدليل قوله تعالى عن فرعون لعنه الله { فلما آسفونا انتقمنا منهم – } ولذلك قررنا نشر هذه الآيات لمعرفة ما فعله كفار قريشاً الأوائل بالنبي صلى الله عليه وآله وما ستفعله الأمة من بعده حتى سنة الإنتقام ثم الإستبدال وهو القادم على العالم .
هذا وبالله التوفيق
خالد محيي الدين الحليبي
(من تفسير البينه أو النبأ العظيم)
(41) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ (41)
(فَإِمَّا)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 38 } وإن لم يتبعوه تعالى وروسوله وانقلبوا على أعقابهم كما في قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم … الآية }
وهنا نبوءة قرآنية بما ستفعله الأمة بعد موته صلى الله عليه وآله ولذلك نبأه الله تعالى أنهم إن فعلوا ذلك الإنقلاب وخرجوا على أوامر الله تعالى وروسوله في شأن الوصية لأمير المؤمنين علي عليه السلام فالله تعالى سينتقم منهم انتقاماً ممتداً حتى يرجعوا إلى حكم الله تعالى و يعودوا إلى ولاية الإمام على وأئمة أهل البيت ( عليهم السلام) من بعده .
وهذا الإنتقام مقسم على قسمين بعضه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وقريباً من موته بأبي وأمي صلى الله علي وآله وذلك لقوله تعالى { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ – غافر 77 }
وهنا بعض الذي نعدهم بين حياته صلى الله عليه وآله وموته كما أخبرت الآية الكريمة وبعد الإنقلاب العظيم على الوصية القرآنية النبوية المأمور بها في القرآن الكريم تكون الأمة قد دخلت في بداية العذاب الثاني والذي سيستمر إلى زمن العذاب الثاني والأخير وهما عذابان تكلم عنهما القرآن الكريم في قوله تعالى { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبه 126 } ولذلك قال تعالى عن بعض العذاب في زمانه صلى الله عليه وآله
{ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ يونس 46 } وهذا انتقام قال تعالى فيه هنا { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 41-44 } .
وأما :
(نذهبن )
[ وذهب به سار به واستصحبه وأزاله قال تعالى { فلما ذهبوا به – يوسف 15 } أي استصحبوه و { إنا ذهبنا نستبق – يوسف 17 } أي سرنا ومضينا و{ يكاد سنا برقه يذهب بالابصار – النور 43 } أي يزيلها كقوله تعالى { ويذهبا بطريقتكم المثلى – طه 63 } أي يزيلها – معجم الفاظ القرآن باب الذال فصل الهاء والباء ] .
ولفظ يذهبن وذهب هنا يحكي قصة الصراع القرشي الإعرابي مع رسول الله صلى الله عليه وآله بيته عليهم السلام منذ بداية الدعوة بدليل ورود هذا القول في قوله تعالى في ابو جهل أوقيل رجل من قريش :
{ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ – القيامة 26-33 }
وهؤلاء القرشيون كانوا يقاتلون رسول الله صلى الله عليه وآله عملاً بالنهج الفرعوني الذي قال تعالى فيه { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة هم من المقبوحين } وهذا النهج يقوم على عبادة الأصنام وتقليد الآباء كما قالوا { حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا } أو قوله تعالى { ويذهبا بطريقتكم المثلى طه 63} وهذا النهج في حكم الفرد والخروج على ولاية الله الحق منهج أصله إبليس أول من عمل بالهوى واستخدم القياس ولذلك طرده الله تعالى وأخرجه من الجنة مذئوما مدحورا وجزاؤه ومن تبعه جهنم والعياذ بالله كمافي قوله تعالى { قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جزاؤكم جزاءا موفورا – الاسراء 63}
وبعد موت النبي صلى الله عليه وآله يحذر الله تعالى هذه الأمة من الإختلاف على أوامر الله تعالى بين قائل بالوصية المأمور بها من الله تعالى ورسوله وقائلين بالشورى وهنا حذرهم الله تعالى من الخروج على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته فليس أمامهم إلا الفشل في أول عقوبة من الله تعالى حتى يرجعوا يقول تعالى هنا { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا – الأنفال 46 } ثم يبين تعالى أن المؤمنين الحق لا يتركون رسول الله صلى الله عليه وآله ويذهبوا كما في قوله تعالى { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – النور 62} .
فلما تفرقت هذه الأمة على أوامر الله تعالى توعدهم الله تعالى بعذاب قبل الإستأصال فقد توعدهم الله تبارك وتعالى بنزول ثلاثة أنواع عليهم من العذاب وهو عذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ثم يلبثهم شيعا حتى يذيق بعضهم بأس بعض وهو ما تعانيه هذه الآمة حتى الآن كما في قوله تعالى { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ – الأنعام 65} .
فإن اصروا على الحرب مع الله تعالى ورسوله قتلاً وتشريداً في أهل بيت النبي وذراريهم وشيعتهم ومحبيهم فقد توعدهم الله تعالى بالمرحلة النهائية من العذاب في الدنيا وهو الهلاك واستبدال غيرهم من أمم أخرى ستؤمن بالله وتنصر الدين كما في قوله تعالى { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين – النساء 133} وقوله تعالى أيضاً { إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء – الأنعام 133}
وفي سنة الإستبدال يكون هلاك هؤلاء المنافقين المجرمين المحاربين لله تعالى ورسوله في أهل بيته وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم
وفي نفس الوقت لا يأمر الله تعالى أولياء أهل البيت إلا أن يقاتلوا من يقاتلهم عملاً بقوله تعالى { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين – البقرة } وذلك طلباً للنصر وإحدى الحسنيين وإذهاب غيظ قلوب هؤلاء والذي لا يذهب إلا بقتلهم أو عذابهم العذاب الأليم حتى تخرج الشياطين من أجساد تلبثتها وأصبحت تسير في دمائهم ويأتمرون بأمرهم في تفجير بيوت الله تعالى وسفك دماء المسلمين بغير حق إسقاطاً لحرمة بيوت الله ودماء الناس ولا يذهب غيظ قلوب هؤلاء إلا بقتالهم وليس التقريب معهم فلا يؤمنون بتلك القاعدة وإن تظاهروا بذلك { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون – البقرة } ولذلك قال تعالى هنا }
{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ – التوبة 14- 18} .
وأما :
(بك)
هذا اللفظ ورد في قصة مكر قوم فرعون بنبي الله موسى ومحاولة قتله عليه السلام كما في قوله تعالى { وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ -القصص 20 } وكذلك فعلوا برسول الله صلى الله عليع وآله كما في قوله تعالى { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ – الأنفال 30 } .
وهنا يبين تعالى في الآية حتى وإن ذهب الله به فسينتقم منهم بفعالهم وجرائمهم مع الله تعالى ورسوله وأهل بيته والمؤمنين كما في قوله تعالى هنا : {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 41-44} .
وأما :
(فإنا)
وهذا اللفظ جاء في موضع يبين كفر الامم برسلهم في كل زمن حتى زمن قريش الآخرة والوارد فيهم قوله تعالى { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ – فصلت 13-14 } ثم يبين تعالى في أمة بني إسرائيل أن الله تعالى قد فتنها بعد ذهاب نبيها فعبدوا العجل في قوله تعالى
فيقوله تعالى { قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري – طه 85} ولذلك يقول صلى الله عليه وآله في الحديث انتم أشبه الأمم ببني إسرائيل … ولو فيهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك … الحديث ] .
فلما عاندوه صلى الله عليه وآله وحاربوه وجادلوا بالباطل قال لهم الله تعالى على لسان رسوله { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – سبأ 24 } .
وأما :
( منهم)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لَّا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ – يونس 40} ويبين تعالى أن الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات وعدهم الله تعالى بالنصر والجنة لقوله تعالى { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا – الفتح 29 } وهؤلاء هم الذين اتبعوا الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – الجمعه 2 }
وهؤلاء هم الذين قالوا في دعائهم واعتقدوا في معتقدهم { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار – البقرة 20}
وأما الذين كفروا منهم ونافقوا فقد توعدهم الله تعالى بالإنتقام كما في قوله تعالى هنا { {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ – الزخرف } .
ومن هؤلاء المحرفون للكلم من بعد مواضعه ممن كذبوا على الله تعالى ورسوله لقوله تعالى { أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – البقرة 75 }
ومنهؤلاء فريقا من أهل الكتاب ممن يعرفون رسول الله بالوصف والسمة كما يعرفون أبنائهم ثم أنكروا دعوته وصفته ونعته لديهم قال تعالى { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – القرة 146} ومن هؤلاء المختلفين الذين قال تعالى فيهم { ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر – البقرة 253 } ومنهم المحرفين لكتب ربهم وسنة نبيهم وفعلوا فعل طائفة من اهل الكتاب الوارد ذكرهم في قوله تعالى { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ – آل عمران 78 }
وهؤلاء هم الاكثرية الفاسقة أمام القلة المؤمنة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما في قوله تعالى { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ – آل عمران 110 }
وهذه الأكثرية سينتقم الله تعالى منهم كما بينا في الاية الكريمة هنا { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ – الزخرف 41 } ولذلك يقول تعالى فيهم آخر الزمان { أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبربل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر } .
وأما :
(منتقمون)
[ وانتقم منه : عاقبه على ذنب صدر منه ويأت الإنتقام في كتاب الله مضافاَ إلى الله سبحانه وتعالى – معجم الفاظ القرآن باب النون فصل القاف والميم – ج2 ص 723-724 ]
وأما ماذكره الراغب الأصفهاني في معجم كلمات القرآن نفس المعنى المنقوص في تعريف الكلمة حيث قال في كتابه مفردات ألفاظ القرآن مادة نقم :
[ نقمت الشيئ ونقمته : إذا أنكرته إما باللسان وإما بالعقوبة قال تعالى ( ومانقموا منهم إلا أن أغناهم الله – التوبة 74 ) & ( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله – البروج 8 ) &(هل تنقمون منا- المائدة 59) . والنقمة : العقوبة قال تعالى ( فنتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم– الأعراف 136 ) &(فانتقمنا من الذين أجرموا- الروم 47) & ( فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين – الزخرف 25 ) .أهـ – مفردات كلمات القرآن للراغب الأصفهاني مادة نقم ]
وفي لسان العرب لابن منظور مادة نقم : [ … وانتَقَمْت إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. ابن الأَعرابي : النِّقْمةُ العقوبة، … و ونَقِمُوا قال ابن بري: يقال نَقَمْتُ نَقْماً ونُقوماً ونَقِمةً ونِقْمةً، ونَقِمْتُ: بالَغْتُ في كراهة الشيء.
وفي أَسماء الله عز وجل: المُنْتَقِم، هو البالغ في العقوبة لمنْ شاءَ،وهو مُفْتَعِل مِنْ نَقَمَ يَنْقِم إذا بَلَغَتْ به الكراهةُ حدَّ السَّخَطِ. وضرَبه ضَرْبة نَقَمٍ إذا ضرَبه عَدُوٌّ له. وفي التنزيل العزيز: (قل يا أَهلَ الكتاب هل تَنْقمون منّا إلاَّ أَن آمَنّا بالله)؛ … لسان العرب لابن منظور ]
وهذا التعريفات غير دقيقه وجانبها الدقة في البيان لأن هذا تعريف العقاب الذي قال تعالى فيه { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ – النحل 126 }.
فإن تكررت الذنوب والمعاصي يتحول العقاب لمرحلة أخرى من تدرج اللغة إلى لفظ انتقام و هو الإنتقام الإلهي والذي يأت على بني آدم سواء فرد أو جماعة بلدة أوقبيلة بعد زمن طويل من الذنوب و الكبائر والكفر والفسوق والعصيان و سفك الدماء وليس ذنباً واحداً مع عدم الإستغفار أو التوبة والرجوع إلى الله تعالى لذلك يقول تعالى { ومن عاد فينتقم الله منه – المائدة 95} وفي قوم فرعون يقول تعالى { وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ – الزخرف – 49- 56 } وهنا فلما آسفونا تؤكد أن الانتقام نزل بعد استنفاد كل الطرق لتوبتهم ورجوعهم إلى الله تعالى ولذلك قال عز وجل :
{ فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم – الأعراف 126 } وقال تعالى في المجرمين الذن اعتادوا على ذلك { إنا من المجرمين منتقمون – السجدة 22} وفي آخر الزمان توعد الله تعالى إبليس وحزبه ببطشة كبرى قال تعالى فيها { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون – الدخان 16 } وهذا الإنتقام بعد إمهال الناس فترة طويلة من الزمن إلأى أجل هم بالغوه فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قال تعالى { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – يونس } .
ومن هنا نقول بأن التعريف الدقيق للفظ الإنتقام في القرآن الكريم ليس على ذنب كما ذكر أصحاب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن رحمهم الله وغفر الله تعالى لنا ولهم بل تعريفه : [ أنه عقوبه إلهية عادلة على فرد أو جماعة أو أمة بعد إمهال الله لهم زمناً وأجلاً هم بالغوه فإذ لم يتوبوا ويرجعوا وأصروا على ماهم فيه من كفر وفسوق وعصيان حل بهم الإنتقام – وهذا التعريف لنا هو الأدق والأصوب ] .
ثم يقول تعالى :
(42) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ (42)
وهنا :
(أو)
ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ –آل عمران 144 } يؤكد أن نزول العقاب على هذه الأمة قريباً من موته ثم يمتعد بعد ذلك إلى أجلهم بالغوه قال تعالى هنا{ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ – الزخرف 41-42 } بدليل قوله تعالى أيضاً :
{ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَو تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ – الرعد 31 }
[ قال أبو داود الطيالسي : حدثنا المسعودي ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ) قال : سرية ، ( أو تحل قريبا من دارهم ) قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، ( حتى يأتي وعد الله ) قال : فتح مكة .
وهكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، في رواية . وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( تصيبهم بما صنعوا قارعة ) قال : عذاب من السماء ينزل عليهم ( أو تحل قريبا من دارهم ) يعني : نزول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بهم وقتاله إياهم . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، وقال عكرمة في رواية عنه ، عن ابن عباس : ( قارعة ) أي : نكبة . وكلهم قال : ( حتى يأتي وعد الله ) يعني : فتح مكة . وقال الحسن البصري : يوم القيامة .- تفسير ابن كثير ]
وهذا التفسير خطأ لعدة أسباب منها
أولا : لا يزال تفيد استمرارية العذاب بين وعدين قريباً من موته ووعد النصر والتمكين للمؤمنين آخر الزمان .
ثانياً : (تحل قريباً من دارهم) رحيله عنهم من ديارهم صلى الله عليه وآله .
ثالثاً : الذين قالوا عن وعد الله هو القيامة أستحي أن أقول عليهم جهال لأن القيامة لا تأت في القرآن بلفظ وعد لأن الوعد يكون بين الخالق وعبد من عباده أو رسول من الرسل عليهم السلام أو مؤمنين لقوله تعالى : { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم – الأنبياء }
وفي تفاسير أهل البيت عليهم السلام التفسير الأدق :
]عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة } وهي النقمة { أو تحل قريباً من دارهم } فتحل بقوم غيرهم فيرون ذلك ويسمعون به والذين حلت بهم عصاة كفار مثلهم، ولا يتعظ بعضهم ببعض ولن يزالوا كذلك { حتى يأتي وعد الله } الذي وعد المؤمنين من النصر ويخزي الله الكافرين- تفسير القمي ] .
وأما :
( نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ)
وهنا يبين تعالى أن هذا الوعد مجزءإلى جزئين الأول مرحلة الدعوة والبلاغ للناس وهى مرحلة تنتهى بوفاته صلى الله عليه وآله كما في الآية هنا : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ – الزخرف 41-42 } وذهاب رسول الله صلى الله عليه وآله هنا وفاته وإتمام المهمة الموكولة إليه وهى إبلاغ الناس دعوة الله تعالى كما في قوله عز وجل { وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ – يونس 40 }
وهنا يأمر الله تعالى بالصبر على وعد الله تعالى و هما وعدان قال تعالى : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ – غافر 77 } والله تعالى قادر على ذلك كما في قووله تعالى { أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ – غافر 42 } وبعد هلاكهم وانتقام الله تعالى منهم الله تعالى شهيد وسيحاسبهم على مافعلوه لقوله تعالى { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ – يونس 46 } وبعد هلاك الظالمين وعد الله تعالى المؤمنين بالإستخلاف في الأرض لقوله تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ – النور 55 } وهو وعد قال تعالى فيه { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ – يونس 29-30 } وهذا الوعد فيه فتح قال فيه الله تعالى { ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين – السجدة } وهذا الوعد والفتح في آخر الزمان فيه وعد آخر لبني إسرائيل قال فيه تعالى { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الاسراء 104 } فلما سعمت قريش ذلك الوعد في الدنيا قالوا متى يكون ذلك ؟ كما في قوله تعالى { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صداقين- يونس 48 } وهنا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم { وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون – الانبياء 109}
وأما :
(فإنا)
ورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ – الحج 5 }
دليل على القدرة الإلهية والتي قال تعالى فيها هنا { أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ – غافر 42 } فالخالق عز وجل قادر على الخلق والفناء فهو يحى ويميت وهو على كل شيئ قدير قال تعالى { أليس ذلك بقادر على أن يحى الموتى – القيامة 40 } وبالتالي قد أعد الله تعالى للكافرين سعيرا كما في قوله تعالى { ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا – الفتح 13 } .
وأما :
(عليهم)
وهنا يبين تعالى أنه قادرعلى تسليط عبادا له لقتل هؤلاء الظلمة انتقاما في الدنيا حتى ولو كانوا في مضاجعهم قال تعالى { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ– آل عمران 154 }
ويبدأ غضب الله تعالى عليهم بولايتهم غير الله تعالى ةرسوله صلى الله عليه وآله عليهم السلام وهنا دخلوا في ولاية الظالمين فسخط الله تعالى عليهم كمافي قوله تعالى { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ – المائدة 78-80 }
وهؤلاء يبين تعالى انه يمهلهم ويمتعهم حتى يرى هل يتوبون من قريب أم لا وهى فتنة قال تعالى فيها { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ – الأنعام 44 } وهذا هو الإنتقام الإلهي بغضبه عز وجل عنهم ثم يبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما عليه إلا البلاغ وعلى الله الحساب وهو ليس عليهم حفيظاً كما في قوله تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا- النساء 80 } .
وأما :
(مقتدرون)
أي أنه تعالى قادر على كل شيئ كما في قوله تعالى { والله على كل شيئ قدير – المائدة 40 } وهو سبجانه وتعالى قادر على الخلق والموت والحياة كما في قوله تعالى :
{ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ – القيامة 36-40 }
ثم يبين تعالى أنه قادر على إنزال بعضاً من عذابه عز وجل على قريش الأولى لقوله تعالى { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ – المؤمنون 95 }
فإن انقلبوا كما في قوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ – آل 144 } وهنا يبدأ نزول عذابه تعالى امتدادا للعذاب الأول القريب من موته كما في الآية هنا { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ – الزخرف 41-42 } وهى مرحلة عذاب ممتد عبارة عن ثلاث انواع من العذاب قال تعالى فيه حال خروجهم على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام في انقلاب ذكره الله عز وجل على نظام الحكم القائم على الوصية في آل إبراهيم وذريته من أهل بيته عليهم السلام هنا يقول تعالى في أنواع العذاب التي سينزلها الله تعالى عليهم إلى أجل هم بالغوه قال عز وجل :
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ – الأنعام 65-67 } فإن لم يتوبوا هنا تبدأ مرحلة الثورة الصناعية وصعود السماء بالعلوم الحديثة والتحكم في الخلق والتسلط عليهم والتحكم في كل موارد الكرة الرضية وثرواتها وهنا يبشر الله تعالى العالم بما فيهم قريشاَ الآخرة بعذاب قال تعالى فيه :
{ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 } .
وهذا ليس إفناءاً للبشرية بقدر ما هو إفناء للظلمةوانتقاماً إلهياً عاما للعالم وأولهم قريشاً ألاخرة ثم توريث الأرض للصالحين الذين قال تعالى فيهم { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ – الأنبياء 105 }
ثم يلاقوا يومهم الذي يوعدون فيدخلهم الله تعالى فيه جهنم التي وعدهم بها في الحياة الدنيا ولكنهم كذبوا وأعرضوا واستكبروا قال تعالى
{ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ – القيامة 38 -44 } .
ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين :
- (43) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43)
وهنا :
( فاستمسك)
[ مسك بالشيئ هنا قبضه وأخذه ويقال مسك بالدين : حافظ عليه فأتمر بأمره وانتهى بنهيه – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل السين والكاف ] قال تعالى { ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه – الحج65 } [ واستمسك بالشيئ : اعتصم به وتعلق به لينجو من الهلكة أو مما يفر منه تقول استمسك الغريق بالحبل واستمسك بحجة قوية : احتج بها وظفر على خصمه ويقال استمسك بالشيء حفظه ولم يضيعه – – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل السين والكاف ]
قال تعالى أولا : عن الإسلام وهو الكفر بالطاغوت { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم – البقرة 256 }
ثانيا :
الإسلام بعد الكفر بالطاغوت هو الإستمساك بتعاليمه من أوامر ونواهي في القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله عز وجل حيث بين تعالى وفصل أن هذه هى العروة الوثقى التي قال تعالى فيها { ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها – لقمان 22 } . وهذا هو الوحي الذي أوحاه تعالى لرسوله وهو الصراط المستقيم الذي قال تعالى فيه هنا : { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ – الزخرف 43 }
وأما :
(بالذي أوحى إليك)
هنا يقول تعالى عن هذا الوحى { كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ – الرعد 30 } وهذا الوحي هو القرآن الكريم بلسان عربي مبين قال تعالى فيه { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَأُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ – الشورى 7 } وهذا الوحي يقوم على الحيفية الإبراهيمية التي كان عليها الأنبياء من قبل لقوله تعالى { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ – النحل 119- 122}
وهذا الوحي القاءم على الحنيفية الإبراهيمية كان عليه أنبياء الله من قبل لقوله تعالى { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا – النساء 163 }
وتقوم هذه الملة الحنيفة أيضاً على الوصية وآخرها تأت مع سيدنا محمد خاتم الأنبياء أي الوصية بإمامة أهل بيته عليهم السلام وبهذه الوصية أوصى سيدنا نوحا وإبراهيم كل الأنبياء من ذريتهم لقوله تعالى { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورى 13-15 }
وهنا هبت قريش لتوقف هذه الوصية داعين رسول الله صلى الله عليه وآله بالتوقف عن الدعوة لولاية أهل بيته (عليهم السلام) من بعده وهنا حاولوا فتنة رسول الله صلى الله عليه وأله وإثناؤه عن إبلاغ الناس أمر الله تعالى في تلك الوصية كما في قوله تعالى { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلا – الإسراء 121 }
وهنا ضاق صدر رسول الله صلى الله عليه وآله من حرب قريش من جهة وخوف فتنتهم بأن يكفروا بالنبوة فأخر أمر إبلاغهم ولاية أهل بيته من بعده وهى الوصية و بعض ما أنزل الله الذي حذر من تركها عز وجل في قوله تعالى { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } وقال تعالى أيضاً { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ – هود 12 }
وهذه الوصية هنا هى بعض ما أنزل الله إليه الذي رفضته قريشاً وإلى الآن ترفضه و حذر لله تبارك وتعالى من تركها في قوله عز وجل { وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ – المائدة 49 } .
وأما :
(إنك)
ورد هذا اللفظ في قوله تعالى {إنك لمن المرسلين – البقرة 252 } وهو على الحق المبين لقوله تعالى { فتوكل على الله إنك على الحق المبين – النمل 79 } وهذا الحق هنا هو الصراط المستقيم لقوله تعالى {فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم } .
وأما :
(على صراط مستقيم)
الصراط المستقيم يأت على القرآن الكريم في قوله تعالى { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه – الأنعام153 } والرسول على صراط مستقيم كما في قوله تعالى { إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم – يس 4 } وقال تعالى أيضاً في طاعة الله تعالى ورسوله { ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم – آل عمران 101 } وهذا الإسلام قائم على الملة الحنيفية كما بينا وهى الحنيفية والميل عن الشرك والوصية كما بينا وهذا هو الصراط المستقيم الذي قال فيه تعالى عن رسوله صلى الله عليه وآله { قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين – الأنعام 161} .
وعبادة الله تعالى وطاعته فيما أمر بناءاً على ماذكرناه من قبل هو الصراط المستقيم قال تعالى { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ – يس 60 -61}
وهنا يبين تعالى أن الداعي إلى الله تعالى وهذه الولاية لله الحق على صراط مستقيم قال تعالى فيه { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ – الشورى 52 – 53 } .
ثم يقول تعالى :
- (44) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
وهنا :
(وإنه)
هنا هذه الحروف أو الآيات لأن كل حرف في كتاب الله أية جاءت بمواضع من كتاب الله تعالى لتبين أن المقصود منه القرآن الكريم المنزل من عند الله تبارك وتعالى لقوله عز وجل { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ – الشعراء 191-197 } وهذا الكتاب فيه هدى ورحمة للمؤمنين كما في قوله تعالى{ وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين– النمل 77 }
وهو تذكرة للمتقين الذين يريدون أن يتقوا غضب الله تعالى عليهم ويرغبون في رضاه تعالى وهو أيضاً حسرة على الكافرين عندما يرون يوم القيامة المتقين وما أعده الله تعالى لهم في الآخرة ولذلك يقول تعالى { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ – الحاقة 48- 52 } ثم يبين تعالى أنه من أراد الله تعالى والدار الآخرة فليستمسك بالصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام كما بينا ولقوله تعالى هنا { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ – الزخرف 43-44} .
وأما :
{ لذكر لك ولقومك وسوف تسألون– الزخرف 44}
[ وذكر الله : استحضره في قلبه مع تدبر صحبه اللسان أو لم يصحبه والله يذكر عبده يجازيه بالخير ويثني عليه في الملاءالأعلى – – معجم الفاظ القرآن باب الذال فصل الكاف والراء ]
قال تعالى { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون – البقرة 152}
و [ الذكر : الاستحضار في القلب مع التدبر والذكر الحديث والقصة وهو الكتب
أوالكتاب المنزل أو النبي الذي جاء بالذكر – معجم الفاظ القرآن باب الذال فصل الكاف والراء ]
[ وذكره تذكيرا: بعثه على ال ذكر والاستحضار والتدبر فهو مذكر – معجم الفاظ القرآن باب الذال فصل الكاف والراء ] قال تعالى { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى – البقرة 282 } وقال تعالى { واذكر بك إذا نسيت – الكهف }
قال تعالى { واذكر ربك كثيراً – آل عمران 41 } وقال تعالى { الذين يذكرون الله قياماً وقعودا وعلى جنوبهم – آل عمران 191} و الذكر هو الكتاب المنزل لقوله تعالى { أوعجبتم أن جائكم ذكر من ربكم على رجل منكم – وقال تعالى { هذا ذكر – ص 49 } وقال تعالى { قد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم – الأنبياء 10 }
والذكر كتاب الله المنزل وفيه ىيات الله تعالى المتلوة لقوله تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها – الكهف 57 } ولذلك يقول تعالى عن كتابه الكريم واصفاً إياه بالتذكره في قوله تعالى { إن هذه تذكره فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } وقال تعالى { فمالهم عن التذكرة معرضين – المدثر 49 } وكما أن العرب آخر الأمم لهم كتاب فيه ذكرهم أنزل الله من قبل كتبا فيها تذكرة كالتوراة التي قال تعالى فيها { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءاً وذكراً للمتقين – الأنبياء 48 } وفي امة محمد صلى الله عليه وآله يقول تعالى { لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون – الأنبياء 10 }
ويبين تعالى أن قريشاً الأولى ستنكر هذا الوحي لقوله تعالى { أئنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب – ص 8-9 } .
والذكر رسول الله الذي أنزل عليه الذكر لقوله تعالى { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ – الطلاق 10-11 }
ومن سيأتوا من بعدهم أكثرهم سيعرض عن ذكر تعالى كما في قوله تعالى { بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون – المؤمنون 71 } والويل لهم من هذا الذكر كما في قوله تعالى { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله – الزمر }
وأما :
(لك)
ورد هذ اللفظ في قوله تعالى { ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنكأنت التواب الرحين – البقرة 128 } وهذه الأمة المسلمة التي دعا لها نبي الله إبراهيم هم العرب ونبيهم سيندنا محمد خاتم النبيين الذي أنزل عليه الله تعالى ذكره في القرآن الكريم خاتم كتب الله تعالى على خاتم النبيين في قوله تعالى هنا { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون – الزخرف 44 }
وأما :
(ولقومك)
[ والقوم جماعة الرجال دون النساء قال الراغب : وحقيقته للرجال لما نبه عليه قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء )- معجم ]
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء مننساء عسى أن يكن خيرا منهن – الحجرات 11 } وقوم رسول الله عشيرته ورهطه وأقاربه قال تعالى { ولقد ارسلنا نوحاً إلى قومه ياقوم اعبدوا الله – الاعراف 59 } وقال تعالى {وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم – المائدة 20 } وقال تعالى { وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه – الانعام 83 } وعن قوم رسول الله صلى الله عليه وآله يبين تعالى أنهم سيكذبونه كما كذبت الأمم من قبل كما في قوله تعالى { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 } .
ويبين تعالى أن طائفة من الجن آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وهذا يبين أن هناك صحابة لرسول الله صلى الله عليه وآله من الجن قال تعالى فيهم { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ – الأحقاف 29-32 }
وفي نفس الوقت بعد تكذيب قوم رسول الله صلى الله عليه وآله اشتكاهم إلى الله لهجرهم كتاب الله تعالى كما في قوله عز وجل { وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – الفرقان 30 } .
وهنا يبين تعالى أنهم سوف يسئلون عن هذا الذكر من كتاب ورسول والأئمة من أهل بيته عليهم السلام قتلوهم وابادوا شيعتهم وتتبعووا أنصارهم حتى يومنا هذا قال تعالى { وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون – الزخرف 44 } والويل لهم ومن تولاههم من ذكر الله تعالى الذي هجروه ونبذوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون كما فعلت طائفة من بنو إسرائيل من قبل والويل لهم من ذكر الله تعالى لقوله عز وجل { فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله – الزمر } .
والبداية تكون سنة الإستبدال من الله تعالى كما في قوله تعالى { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم – محمد 38 } ثم يورث الله تعالى الأرض قوماً آخرين يؤمنون بالله تعالى ورسوله ويتولون أهل بيته عليهم السلام قال تعالى في هلاك فرعون وميراث الأرض لنبي الله موسى عليه السلام والصالحين من بني إسرائيل { كذلك وأورثناها قوماً آخرين فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ – الدخان 28-29 } .
وفي آخر الزمان يورث الله تعالى الأرض للصالحين كما أخبرت الكتب السماوية من قبل قال تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ ۗ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ – الأنبياء 105- 112 } .
وأما :
(وسوف )
وهنا هذا اللفظ ينبئ بأحداث مستقبلية ووقائع فيهاأنباء قال تعالى فيها { لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون – الانعام 67 }
ومن هذه الأنباء ردة عارمة تعتري الأمة فيرسل على أثرها الله تبارك وتعالى جنوداَ يقاتلون في سبيل الله لإعلاء كلمته عز وجل وكلمته هو حكم القرآن الكريم وليس مدرسة الرأي التي تقدم آراء الرجال على القرآن الكريم بحجة أنهم أكثر فهما فإن تعارض الحكم وأهوائهم وثبوا لرأي عالماَ آخر ليستمر الخلاف والشقاق بيهم وهؤلاء قال تعالى فيهم { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا – الكهف 103-104 }
فإذا انتشرت الردة والكفر والفسووق والعصيان والشقاق والنفاق قال تعالى محذراً : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ – المائدة 54 -57 }
وهنا بين الله تعالى أنه لتحقيق ولاية الله تعالى الحق فلابد من ولاية الإمام علي (عليه السلام) الذي تصدق بخاتمه وهو راكع فنزل قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}
[ أسباب نزول قوله تعالى {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} أنها نزلت في الإمام علي (عليه السلام) في كل تفاسير السلف (رضى) :
-جاء في تفسير البحر المديد: وجملة: {وهم راكعون}: حال إن نزلت في عليّ رضي الله عنه
– وفي التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى: (وهم راكعون)؛ قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه)
– وفي تفسير الدر المنثور (3/ 404(
(( أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: « تصدَّق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل » من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
– وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {إنما وليكم الله ورسوله…} الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب.
– وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال « وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».
– وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال « نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته {إنما وليكم الله ورسوله والذين} إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد، جاء والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلا ذاك الراكع – لعلي بن أبي طالب – أعطاني خاتمه».
– وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنما وليكم الله} الآية.
– وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {إنما وليكم الله ورسوله…} الآية. نزلت في علي بن أبي طالب، تصدق وهو راكع.
– وفي الدر المنثور ايضا: (وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم يوحى إليه، فإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها، فأوقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وخفت أن يكون يوحى إليه، فاضطجعت بين الحية وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لئن كان منها سوء كان فيَّ دونه، فمكثت ساعة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الحمد لله الذي أتمَّ لعلي نعمه، وهيأ لعلي بفضل الله اياه ».
– وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائماً يصلي، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية))
– وفي تفسير الكشاف للزمخشري:
( أنها نزلت في عليٍّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه)
- وفي تفسير المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي:
– وعنِ إبنِ عطيّةَ الأندلسي فِي (المحرّرُ الوجيزُ فِي تفسيرِ الكتابِ العزيزِ) عندَ تفسيرهِ للآيةِ الكريمةِ: ((إتّفقَ أنَّ عليّاً أعطى صدقةً وهوَ راكعٌ)).
( وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة، وأعطانيه وهو راكع، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، الله أكبر وتلا الآية على الناس. قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقال مجاهد: نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع)
– وفي تفسير بحر العلوم للسمرقندي:
( قال ابن عباس: وذلك أن بلالاً لما أذّن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس في المسجد يصلون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً؟» قال: نعم. قال: «مَاذَا»؟ قال: خاتم فضة. قال: «وَمَنْ أَعْطَاكَ»؟. قال: ذلك المصلي. قال: «فِي أيِّ حَالٍ أعْطَاكَ»؟ قال: أعطاني وهو راكع. فنظر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على «عبد الله بن سلام» {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ} يعني: يتصدقون في حال ركوعهم حيث أشار بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه، وهو في ركوعه)
– تفسير ابن أبي حاتم :
( حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ أَبُو نُعَيْمٍ الأَحْوَلُ، ثنا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ:”تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ: ” إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)
– وفي تفسير ابن كثير:
(وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب: أن هذه الآية نزلت فيه: [ذلك] أنه مر به سائل في حال ركوعه، فأعطاه خاتمه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سُوَيْد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب )
( وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا الفضل بن دُكَيْن أبو نعيم الأحول، حدثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كُهَيْل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} .
– وقال ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا غالب بن عبيد الله، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب، تَصَّدَق وهو راكع )
– وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب.
ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية.
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي – وهو متروك – عن أبي صالح، عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “أعطاك أحد شيئًا؟” قال: نعم. قال: “من؟” قال: ذلك الرجل القائم. قال: “على أي حال أعطاكه؟” قال: وهو راكع، قال: “وذلك علي بن أبي طالب”. قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}
– وفي تفسير أبي السعود:
) ورُوي أنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكعٌ فطرح إليه خاتمه كأنه كان مرجاً في خِنْصَرِه غيرَ محتاجٍ في إخراجه إلى كثير عمل يؤدِّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعلِه رضي الله عنه، وفيه دلالة على أن صدقة التطوُّع تسمّى زكاةً {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين ءامَنُواْ} أُوثرَ الإظهارُ على أن يقال: ومن يتولَّهم رعايةً لما مر من نُكتةِ بيانِ أصالتِه تعالى في الولاية كما ينبىء عنه قوله تعالى: {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} حيث أضيفَ الحِزبُ إليه تعالى خاصة وهو أيضاً من باب وضْعِ الظاهِرِ موضعَ الضمير العائد إلى (من)، أي فإنهم الغالبون لكنهم جُعِلوا حزبَ الله تعالى تعظيماً لهم وإثباتاً لغَلَبتهم بالطريق البرهاني، كأنه قيل: ومن يتولَّ هؤلاء فإنهم حزبُ الله وحزبُ الله هم الغالبون(
– وفي تفسير الألوسي:
( وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال : ” أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وأن قومنا لما رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم خاتم من فضة، فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم، وأومأ إلى علي كرم الله تعالى وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أي حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية)
– وفي تفسير البغوي:
) قال السدي: قوله: “والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون”، أراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ( وقال جوبير عن الضحاك في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} نزلت في المؤمنين، فقيل له: إن أناسا يقولون إنها نزلت في علي رضي الله عنه، فقال: هو من المؤمنين(
وقول الامام الباقر عليه السلام هو من المؤمنين اي من كاملي الايمان وهم اهل البيت المطهرين صلوات الله عليه وفيه تورية ربما تقية.
– وفي تفسير الخازن:
( قيل إن هذه الآية نزلت وهم ركوع. وقيل: نزلت في شخص معين وهو علي بن أبي طالب. قال السدي: مر بعلي سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، فعلى هذا قال العلماء: العمل القليل في الصلاة لا يفسدها والقول بالعموم أولى وإن كان قد وافق وقت نزولها صدقة علي بن أبي طالب وهو راكع. ويدل على ذلك ما روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} من هم؟ فقال: المؤمنون، فقلت: إن ناساً يقولون هو علي، فقال: علي من الذين آمنوا )
– [ وعنِ السّيوطيِّ فِي (أسبابِ النّزولِ) بعدَ ذكرهِ لمجموعةٍ منَ الرّواياتِ فِي الحادثةِ، قالَ: ((فهذهِ شواهدُ يقوّي بعضُهَا بعضاً)). – أسبابُ النّزولِ:104]. ٍ
أمَّا أنّهُ كيفَ تصدّقَ عليٌّ (عليهِ السّلامُ) وهوَ فقيرٌ والزّكاةُ ليسَتْ واجبةً عليهِ؟
يُجيبُنَا العلّامةُ القرطبيُّ – وهوَ مِن أكابرِ علماءِ أهلِ السّنّةِ ومفسّريهِم – على هذا السّؤالِ وأنَّ مَا قامَ بهِ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السّلامُ) هوَ صدقةُ تطوّعٍ وليسَ زكاةً واجبةً، فقالَ:
((المسألةُ الثّانيةُ: وذلكَ أنَّ سائلاً سألَ فِي مسجدِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ فلَم يُعطِهِ أحدٌ شيئاً، وكانَ عليٌّ فِي الصّلاةِ فِي الرّكوعِ وفِي يمينهِ خاتمٌ، فأشارَ إلى السّائلِ بيدهِ حتّى أخذهُ. قالَ إلكِيا الطّبري: وهذا يدلُّ على أنَّ العملَ القليلَ لا يبطِلُ الصّلاةَ، فإنَّ التّصدُّقَ بالخاتمِ فِي الرّكوع ِعملٌ جاءَ بهِ فِي الصّلاةِ ولم تبطُلْ بهِ الصّلاةُ. وقولهُ: “ويؤتونَ الزّكاةَ وهُم راكعونَ” يدلُّ على أنَّ صدقةَ التّطوّعِ تُسمَّى زكاةً؛ فإنَّ عليّاً تصدّقَ بخاتمهِ في الرّكوعِ، وهوَ نظيرُ قولهِ تعالى: “وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ”. [الرّومُ:39]. وقَد انتظمَ الفرضُ والنّفلُ، فصارَ إسمُ الزّكاةِ شاملاً للفرضِ والنّفلِ، كإسمِ الصّدقةِ وكإسمِ الصّلاةِ ينتظمُ الأمرانِ)). إنتهى – تفسيرُ الجامعِ لأحكامِ القرآنِ للقرطبيِّ 8:55].
وعلى ذلك ولاية الإمام علي (عليه السلام) أهم أسباب رضا الله تعالى والنصر في الدنيا والآخرة ومن خرج على هذه الولاية فريقين :
الأول :
رفض ولاية أمير المؤمنين وكذب بآية الولاية وقال تعالى في هؤلاء
{ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ – النعام 5 } وهؤلاء الذين استهزءوا بآيات الله تعالى وبرسوله كما في قوله تعالى { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ۚ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا – الفرقان 41 -44 } .
والفريق الثاني :
لم يعر للدين ولا للحلال والحرام بالاً كما في قوله تعالى { فخلف من يعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا – مريم 59 }
وهؤلاء أصبحوا كالأنعام بل هم اضل سبيلا وقال تعالى فيهم { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون – الحجر 3 } وهؤلاء هم الذين قال تعالى فيهم أيضاَ { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ – محمد 12} وهؤلاء الفرقيقين هم الذين اتخذوا إلههم هواهم وقال تعالى فيهم : { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا – الفرقان 43 -44 }
وهؤلاء يوم القيامة عن أهل اليمين وأهل الشمال قال تعالى فيهما منهم من سيأخذ كتابه بيمينه ممن أطاعوا لله تعالى وتولوه ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ومنهم من كفروا بالله تعالى ورسوله وقال تعالى فيهما : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا– الإنشقاق 8-15 }
وأما :
( تسألون)
والأسئله هنا تكون بين الخالق عز وجل وخلقه من المرسلين والذين أرسل إليهم كما في قوله تعالى { فلنسألن الذن أرسل إليهم ولنسألن المرسلين – الاعراف 6 }
ومن هذه الأسئلة يوم القيامة يقول فيها عز وجل { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ – الصافات 156-157}
ويقول تعالى أيضاً { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين –البقرة 111 } ويقول تعالى لهم بالإستفهام الإستنكاري { أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ – الجاثية 31}
ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله بصيغة القسم { فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون – الحجر 92 }
وهنا سؤال هام وهو عن رسول الله صلى الله عليه وولاية أهل بيته عليهم السلام وذلك لأن كل انبياء الله لم يطلبوا أجراً على دعوتهم إلى الله باستثناء رسول الله صلى الله عليه وآله الذي أمر الله تعالى العالمين بمودة أهل البيت عليهم السلام فها هو نبي الله نوحاً عليه السلام يقول : { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 109 }
وكذلك نبي الله هود (عليه السلام) { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 127 }
ثم نبي الله صالح (عليه السلام) { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 145 } ثم نبي الله لوطاً (عليه السلام){ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 164 } ثم نبي الله شعيب (عليه السلام) { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين – الشعراء 180 }
وهؤلاء الأنبياء دعوا إلى سبيل الله تعالى القائم على طاعة الله تعالى في أوامرة ثم البشارة بنبي آخر الزمان سيدنا محمد صلى الله عليه ثم إمامة أهل بيته من بعده بدليل كل الأنبياء دعوا إلى عدم طلب الأجر إلا من الله تعالى على هذا البلاغ ثم يبين تعالى أن رسول الله صلى الله عليه فقط هو المتفرد بالدعوة إلى مودة أولي القربي لأنه لن يأت نبياً بعده وما هىإلا إمامتهم أو الخروج على أوامر الله تعالى ورسله ولذلك قال تعالى في بيان هذا السبيل أنه سبيل الله تعالى لمن اراد الله تعالى والدار الآخرة قال تعالى { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا من شاء ان يتخذ إلى ربه سبيلا – الفرقان 57 } .
وهذا والسبيل هنا هو مودة أهل بيت النبي التي دعا لها كل انبياء الله تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى 23 }
وهذه هى الأسئلة التي سيسأل عنها العبد يوم القيامة الله تعالى وكتابه الكريم ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم أهل بيته عليهم السلام كما في الآية { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ – إبراهيم 27 }
ورد في التفسير : [عن البراء بن عازب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقد بينا هذا الباب في كتاب التذكرة وبينا هناك من يفتن في قبره ويسأل – تفسير القرطبي ] .
وفي تفسير البرهان : [عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” ان المؤمن إذا اخرج من بيته شيعته الملائكة الي قبره، يزدحمون عليه، حتى إذا انتهي به الى قبره، قالت له الأرض: مرحبا بك و أهلا، اما و الله لقد كنت أحب ان يمشي علي مثلك، لترين ما اصنع بك. فيوسع له مد بصره، و يدخل عليه في قبره ملكا القبر و هما قعيدا القبر: منكر و نكير، فيلقيان فيه الروح الي حقويه ، فيقعدانه و يسألانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: الله. فيقولان: ما دينك؟ فيقول: الإسلام. فيقولان: و من نبيك؟ فيقول: محمد (صلى الله عليه و آله). فيقولان: و من امامك؟ فيقول: فلان – قال – فينادي مناد من السماء: صدق عبدي، افرشوا له في قبره من الجنة، و افتحوا له في قبره بابا الي الجنة، و البسوه من ثياب الجنة، حتى يأتينا و ما عندنا خير له، ثم يقال له: نم نومة العروس، لا حلم فيها. – البرهان للسيد هاشم البحراني 0 تفسير الآية 27 من سورة إبراهيم ] .
هذا
وبالله التوفيق وما توفيق إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب
وسلام على المرلين والحمد لله رب العالمين
خالد محيي الدين الحليبي