المغرب :

يا مَنْ بُعِثْتَ إلى الخلائقِ كلّهَا    

                                              أقسمْتُ أنكَ رحمةٌ وضياءُ!

أعطيت فضلاً لا يُتاح لمرسلٍ    

                                           والله يعطي الفضل كيف يشاء!

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من ضربت المثل الأعلى في التواضع والنبل، فوصفك الواصفون قالوا:

– ما أسر أحد إلى النبي خبرا فنحَّى النبي رأسه، حتى يكون الرجل هو الذي ينحِّي رأسه.

– وما أخذ أحد بيده فأرسلها حتى يرسلها الآخر.

– وإذا استقبل الرجل فصافحه، لا ينزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع.

– وإذا لقي الرجل يكلمه لم يصرف وجهه حتى يكون الرجل هو المنصرف.

– وكان لا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوز، فيقطعه بنهي أو قيام.

– وكان، صلى الله عليه وسلم، يبدأ من لقيه بالسلام.

– ويعطي من جلس إليه نصيبه من وجهه، فلا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه.

– وكان إذا قدم عليه أحد وهو يصلي خفف صلاته وأقبل عليه وقال: ألك حاجة؟ فإذا فرغ من حاجته عاد، صلى الله عليه وسلم إلى، صلاته.

ويروى أنه كان، صلى الله عليه وسلم، على سفر، فأمر بطهي شاة، فقال أحد الصحابة: علي ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، فقال صلى الله عليه وسلم: وعلي جمع الحطب، قالوا: يا رسول الله، نكفيك العمل، فقال صلى الله عليه وسلم: علمت أنكم تكفونني، ولكنني أكره أن أتميز عليكم، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه.

ويتحدث أبو سعيد الخذري، رضي الله عنه، فيقول: كان صلى الله عليه وسلم يعلف، ويعقل الناضح، ويقم البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقع الثوب، ويأكل مع خادمه، ويطحن عنه إذا تعب، ويشتري الشيء من السوق، فيحمله إلى أهله، ويصافح الغني والفقير، والكبير والصغير، ويسلم مبتدئا على كل من استقبله من صغير أو كبير، وأسود أو أحمر، وحرا أو عبدا.

فألف صلاة وألف سلام عليكم يا سيدي يا رسول الله، يا من ضربت المثل الأعلى في الجود والكرم:

– يروى أن امرأة أتت النبي، صلى الله عليه وسلم، ببردة فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها صلى الله عليه وسلم فارتداها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه: اكسنيها: فأعطاها النبي الكريم له، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لام الصحابة الرجل وقالوا له: ألا تعلم أن النبي محتاج إليها، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئا فيمنعه؟.

– ويروى أن جرير بن عبد الله البجلي جاء إلى مجلس النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو مكتظ، فلم يجد مكانا، فجلس إلى الباب، فلف النبي، صلى الله عليه وسلم، رداءه فألقاه إليه وقال: اجلس على هذا، فأخذ جرير الرداء ووضعه على وجهه وأخذ يقبله وهو يبكي، ثم رده إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما كنت لأجلس على ثوبك، أكرمك الله كما أكرمتني، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالا، وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من كنت أشجع الناس وأنجدهم، فقال عنك سيدنا علي كرم الله وجهه: “كنا إذا حمي البأس اتقينا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب منه إلى العدو، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي، صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو، فكان يومئذ أشدنا بأسا”.

ويقول الحسن بن مالك رضي الله عنهما:  كان النبي، صلى الله عليه وسلم، أشجع الناس، فزع أهل المدينة ليلة، فانطلق بعضهم نحو الصوت يريدون أن يتعرفوا الخبر، فإذا النبي عائد على فرس ليس عليه سرج وفي عنقه سيف، وكان قد سبقهم إلى الخروج فعرف الصوت، لما قابلهم قال لهم: لن تراعوا، لن تراعوا.

ويقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ما رأيت أنجد ولا أجود، ولا أشجع، ولا أرمى من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله يا من ضربت المثل الأعلى في الأخلاق السامية والشمائل العالية، فقلت وصدقت فيما قلت:

– اتق الله حينما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن.

– وقلت: إن الله يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها.

– وقلت: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي، اللهم جنبني منكرات الأخلاق، اللهم اهديني لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، فألف صلاة وألف سلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من كنت رحمة للعالمين، فقلت وصدقت فيما قلت: أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة.

– يروى أن رجلا من المسلمين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

يا رسول الله، إني أتأخر عن صلاة الصبح مع الجماعة، لأن فلانا يطيل بالناس، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: “إن منفرين، فأيكم فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز، فإن منهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة، ثم قال: “إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه”.

– ويروى أنه، صلى الله عليه وسلم، قال: اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى من هو ليس من أهله، فإن أصبت أهله فقد أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت من أهله.

فألف صلاة وألف سلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من ضربت المثل الأعلى في الرحمة والشفقة والعطف على الإنسان وعلى الحيوان:

يروى أن أبا ذر الغفاري خرج يوما إلى الناس ومعه خادمه يرتدي حلة مثل حلته، فسئل في ذلك فقال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: “هم إخوتكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم:”

– ويروى أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال يوما لأصحابه: بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث الثرى، أي يأكل الثرى من شدة ما به من عطش، فقال الرجل، لقد بلغ بهذا الكلب مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه وأمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله، فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟

قال: نعم، لكم في كل ذات كبد رطبة أجر!

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من أوصيت بالوالدين خيرا، فقلت فيما قلت:

من أصبح وأمسى مرضيا لوالديه، أصبح وأمسى وله بابان إلى الجنة، ومن أصبح وأمسى مسخطا والديه أصبح وأمسى وله بابان إلى النار، فسأله صلى الله عليه وسلم سائل، وإن ظلماه يا رسول الله؟ قال وإن ظلماه؛

وعن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظرة رحمة إلا كتب الله له بكل نظرة حَجَّة مبرورة، قالوا: يا رسول الله وإن نظر كل يوم مائة مرة؟ قال: نعم، الله أكثر وأطيب،

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: “يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي. قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك”.

ويروي جابر، رضي الله عنه، فيقول: جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أبي أخذ مالي. فقال له النبي: فاذهب فأتني بأبيك. فنزل جبريل، عليه السلام، فقال: إن الله يقرئك السلام ويقول: إذا جاءك الشيخ، فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه. فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك، تريد أن تأخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله، هل أنفقته إلا على عماته وخالاته أو على نفسي؟

فقال صلى الله عليه وسلم: دعنا من هذا، وأخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك، فقال: والله يا رسول الله، ما يزال الله تعالى يزيدنا بك يقينا. لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قل وأنا أسمع! فقال الشيخ: قلت في نفسي عن ابني:

غَذوَتُكَ مولوداً وَعُلتُكَ يافِعاً                  

                                تُعَلُّ بِما أُحنيَ عَلَيكَ وَتَنهلُ

إِذا لَيلَةٌ مَا ضقت بالسقم لَم       

                                أَبِت لِسقمك إِلّا ساهِراً أَتَمَلمَلُ

فَلَمّا بَلَغَت السِّنَ وَالغايَةَ الَّتي

                                  إِليها مَدى ما كُنتُ فيكَ أُؤَمِلُ

جَعَلتَ جَزائي غِلظَةً وَفَظاظَةً     

                                    كَأَنَكَ أَنتَ المُنعِمُ المُتَفَضِلُ!

فَلَيتَكَ إِذ لَم تَرعَ حَقَّ أُبوَتي      

                              فَعَلتَ كَما الجارُ المُجاورُ يَفعَلُ!

فحينئذ أخذ النبي، صلى الله عليه وسلم، بتلابيب الابن وقال له: أنت ومالك لأبيك! أنت ومالك لأبيك!

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من أوصيت بصلة الرحم فقلت وصدقت فيما قلت:

من سره أن يمد له في عمره، ويوسع في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء، فليتق الله، وليصل رحمه!

وقلت محدثا عن رب العزة تبارك وتعالى: قال الله عز وجل: أنا الله، وأنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته!

ويحكى أن أحد الصحابة عليهم رضوان الله قال: كنا جلوسا عشية عرفة عند رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يجالسني من أمسى قاطع الرحم. ليقم عنا! فلم يقم إلا رجل كان في أقصى الحلقة، فمكث غير بعيد ثم جاء، فقال له صلى الله عليه وسلم: مالك لم يقم أحد من الحلقة غيرك؟ قال يا نبي الله، سمعت الذي قلت، فأتيت خالة لي كانت تقاطعني، فقالت، ما جاء بك؟ ما هذا دأبك، فأخبرتها بالذي قلت، فاستغفرت لي، واستغفرتُ لها، فقال صلى الله عليه وسلم: أحسنت! اجلس! ألا إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم!

فألف صلاة وألف سلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من علمتنا الحنان والرفق بالأطفال والتلطف معهم:

يروى أن الأقرع بن حابس التميمي رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يقبل الحسن بن علي يوما، فقال: يا رسول الله، إن لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم أحدا! فقال صلى الله عليه وسلم: “من لا يرحم لا يرحم!”.

ويروى أن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، حكى عن طفولته، قال: كان، صلى الله عليه وسلم، يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمنا ويقول: “اللهم ارحمهما، فإني أرحمهما!”.

ويروى أنه، صلى الله عليه وسلم، عندما ولدت له السيدة فاطمة استبشر بها، وحملها ، وقبلها، وقال: “ريحانة أشمها، ورزقها على الله!”.

وقال أنس بن مالك رضي الله عنهما: إن كان النبي، صلى الله عليه وسلم، ليخالطنا حتى يقول لأخ لي: “يا أبا عمير، ما فعل النُّغَير؟”.

الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من أوصيت بالنساء خيرا، فقلت وصدقت فيما قلت: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا، وخياركم خياركم لنسائهم، ويا من قلت وصدقت فيما قلت، خدمتك زوجتك صدقة.

ويروى أنه، صلى الله عليه وسلم، كان أول من أعطى المرأة حق اختيار شريكها، فقال: “الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن، وإذنها سكوتها”.

وعنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا شغار في الإسلام؛ أي لا زواج عن طريق البدل، كان يقول الرجل لصاحبه: زوجني أختك أو بنتك، وأزوجك أختي أو بنتي بلا مهر تدفعه أو أدفعه.

 وقد نهى، صلى الله عليه وسلم، عن هذا؛ لأن في ذلك إهدارا لحق من حقوق المرأة منحها الإسلام إياه في قول الحق سبحانه: ﴿وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ (النساء: 4).

وبعد، فهذه نبذة عطرة من السيرة النبوية الظاهرة، وقطرة من بحر أخلاق هذا النبي الأمي الذي كان خلقه القرآن، والذي جعله الله إسوة للعالمين، وكرمه بأن أثنى عليه في كتابه المبين فقال: وإنك لعلى خلق عظيم، فكان مدرسة حية لأهله ولأصحابه وللإنسانية جمعاء، وينبوعا ثرا للفضيلة والأخلاق السامية، وللقيم الروحية العالية، فما أحوجنا إلى الاغتراف من هذا الينبوع الطاهر، والارتواء من معينه العذب، والسير على نهج صاحبه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والتمسك بسيرته الشريفة التي يجب أن نطبع بها النشء منذ الصغر، ونربيه عليها، ونجعله يعتز بها ويتشبث بأهذابها مدى الحياة.

وفقنا الله جميعا لاتباع سنّة نبينا المصطفى، والتمسك بسيرته العطرة في سلوكنا ومعاملاتنا، إنه ولي التوفيق، وهو نعم المولى ونعم النصير.

(انظر العدد الثالث من مجلة الإحياء)

الرابطة المحمدية للعلماء :
المغرب :