العربية :
ورغم تراجع نتنياهو عن موقفه آنذاك، فإن العلاقات بين الرجلين لم تعد إلى سابق عهدها منذ ذلك الحين واستمرت المشاحنات بينهما مع دخول الحرب في غزة عامها الثاني.
وانتشرت شائعات كثيرة عن أن غالات في طريقه لترك منصبه لكنه رفض الرحيل وظل شوكة في خاصرة نتنياهو ودافع عن اتفاق إطلاق سراح الأسرى في غزة ودخل في مناوشات مع أحزاب أخرى في الائتلاف الحاكم بشأن تجنيد اليهود المتزمتين دينياً في الجيش.
وفي بيان بثه التلفزيون بعد إقالته أمس الثلاثاء، قال غالانت إن إسرائيل تسير عبر ضباب المعركة و”ظلام أخلاقي”، داعياً إلى إعادة الأسرى وإلى سن قانون لتجنيد اليهود المتزمتين دينياً وتشكيل لجنة للتحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر 2023. وأنهى بيانه بإلقاء التحية العسكرية.
وكما هو الحال مع نتنياهو، فإن مسيرة غالانت المهنية تأثرت بأحداث السابع من أكتوبر 2023، عندما هاجم مسلحون من حركة حماس بلدات إسرائيلية، مما أدى إلى مقتل نحو 1200 واحتجاز أكثر من 250 أسيراً، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية.
ويقول غالانت إنه يجب التحقيق معه ومع نتنياهو، متطرقاً إلى الانتقادات الواسعة التي تعرض لها رئيس الوزراء لعدم تحمله مسؤولية واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ إسرائيل.
واشتبك غالانت مراراً مع الأحزاب المتطرفة المؤيدة للمستوطنين بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، الذي كان من أوائل الذين هنأوا نتنياهو على إقالة غالانت.
وعلى غرار نتنياهو، تبنى غالانت موقفاً متشدداً فيما يتعلق بمحاربة حماس ومطاردة رئيس مكتبها السياسي الراحل يحيى السنوار، كما أعلن في بداية الحرب أن الثمن الذي ستدفعه غزة “سيغير الواقع لأجيال”. ووصف أعداء إسرائيل بأنهم “حيوانات بشرية”، وقال إن إسرائيل تفرض حصاراً كاملاً على غزة مع حظر استيراد الغذاء والوقود.
ولكن مع استمرار الحرب، بدا أكثر استعداداً لإنهاء القتال من نتنياهو وتفاعل بشكل أكثر وضوحاً مع عائلات الأسرى الذين ما زالوا محتجزين في القطاع وقال قبل أسابيع إن الوقت قد حان للتوصل إلى اتفاق لإعادة الأسرى إلى إسرائيل.
ويرفض غجالانت إصرار نتنياهو على تحقيق “نصر تام” على حماس ووصف ذلك بأنه “هراء” وحثه مراراً على وضع خطة لإدارة غزة بعد الحرب.
وفي الوقت نفسه، يرفض غالانت أي اقتراح ببقاء الجيش الإسرائيلي “قوة احتلال” في غزة، وهو ما يثير غضب بن غفير وسموتريتش اللذين عبرا عن رغبتهما في إعادة استيطان غزة.
ويواجه نتنياهو وغالانت احتمال صدور مذكرتي اعتقال دولية بحقهما فيما يتعلق بالحرب في غزة وذلك في أعقاب طلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مايو الماضي. وتقول وزارة الصحة في القطاع الفلسطيني إن الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة حصدت أرواح أكثر من 43 ألف فلسطيني.
وتسبب احتمال صدور مذكرتي اعتقال لنتنياهو وغالانت في حالة من الغضب في إسرائيل، لكن قضية المسؤولية عن الإخفاقات العسكرية والأمنية التي سمحت بوقوع هجوم السابع من أكتوبر 2023 كانت وراء الكثير من التوتر في الساحة السياسية في إسرائيل منذ ذلك الحين.
لا يرتاح بأجواء السياسيين ويفضل العسكر
بعد مسيرة دامت 35 عاماً في الجيش بدأها في وحدة قوات خاصة بحرية، ترقى غالانت إلى رتبة جنرال واتجه إلى العمل السياسي قبل 10 سنوات وأصبح وزيراً للدفاع في حكومة نتنياهو التي شكلها في نهاية عام 2022.
كان غالانت يحظى باحترام كبير من جانب الإدارة الأميركية وحلفاء إسرائيل الآخرين، ولم يشعر بالارتياح قط في عالم المؤامرات الحزبية بل كان يبدو أكثر راحة عندما يتحدث إلى الجنود في الخطوط الأمامية.
وقال في أول تصريح له بعد نبأ إقالته: “أمن دولة إسرائيل كان وسيظل دائماً مهمتي في الحياة”.
وتسبب توقيت الإقالة في انتقادات شديدة في ظل مشاركة إسرائيل الآن في حرب متعددة الجبهات ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان وربما مع إيران نفسها.
وقالت جايل تالشير، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، إنه بعد الخلافات مع نتنياهو والتوترات بشأن قانون التجنيد، أصبح من الواضح أن غالانت سوف يُقال من منصبه في مرحلة ما.
وأضافت: “لقد كان الأمر مجرد مسألة توقيت. وعندما يأتي التوقيت عشية هجوم محتمل آخر من إيران، فإن هذا أسوأ (سيناريو) يمكن أن نتوقعه”.
وتعود هذه التوترات إلى منتصف العام الماضي تقريباً عندما انقسمت إسرائيل بشأن مساعي نتنياهو للحد من صلاحيات المحكمة العليا، إذ نُظمت احتجاجات أسبوعية ضخمة ضد الخطوة التي اعتبرها منتقدون اعتداء على الديمقراطية.
ومع تصاعد الاحتجاجات، انشق غالانت عن الصف وأعلن رفضه لهذه المساعي التي قال إنها تتسبب في انقسامات اجتماعية عميقة لدرجة أنها تعرض الأمن القومي للخطر.
ودفع هذا نتنياهو إلى أول محاولة لإقالته، وهي الخطوة التي تراجع عنها بعد أن خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع احتجاجاً عليها.