تفسير الاية بصيغة PDF :
حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت يونس 24 :
حلول زمان هلاك العالم من خلال قوله تعالى
(حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون هلها أتاها أمرنا)
(من تفسير البينة)
(24) إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (24)
سورة يونس الآية 24
يقول تعالى في هلاك البلدان قبل القيامة في آخر الزمان بزماننا هذا { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 }
فيبدأ الهلاك بالحروب العالمية الأولى والثانية ثم حروب مختلفة في العلم وعلى المسلمين تبدأ بالبوسنة والهرسك ثم أففغانستان ثم تنتقل لعراق وإيران ثم العراق وسوريا ولبنان ثم ليبيا واليمن … بلدة بعد اخرى وبلد بعد آخر إما أن يدمره الله تعالى بذنوبهم أو يعذبهم ويبتليهم بشتى أنواع البلايا وهذا ما بينته الآية هنا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظنأهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس } والآية هنا تصف العالم وقت نزول هذا العذاب على الناس بلداً بعد آخر قبل يوم القيامة .
وهنا :
(إنما)
وإنما للحصر يقول تعالى لكل بني أدم { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – آل عمران 185 } فإذا أرادوا لقاء الله تعالى والجنة فعليهم الحذر أولا من متاع الحياة الدنيا والركون إليها لقوله تعالى هنا في مثل ضربه على قلة متاعها الزائل { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى – يونس 24 }
وإذا أرادوا رضا الله تعالى فليتولوه ويتولوا رسوله ثم الإمام علي هليه السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام لما نزل في الإمام علي عليه السلام من قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائ\دة 55 }
ثم يتولوا أهل بيت النبي عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ولم يطهر غيرهم من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 }
وأما :
(مثل)
وهنا يقول تعالى أن هذه الأمثال يضربها الله تبارك وتعالى للناس لعلهم يتفكرون قال تعالى { وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون – الحشر 21 }
وأما :
(إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض)
وهنا يضرب الله هذا المثل هنا في الآية أن الحياة الدنيا في قلة زمان متاعها وزواله وعدم بقاءه كمثل ماء نززل من السماء فاختلط به ننبات الأرض مما تأكل منه الناس والأنعام فإذا زرع ونبت وتم أكله وتدميره وهلاكه بإطعام الإنسان والأنعام فذلك مثل لمدة متاع الحياة الدنيا وبقاؤها قال تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
ولذلك سيقسم هؤلاء يوم القيامة أنهم مالبثوا غير ساعة في قوله تعالى { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون – الروم 55 }
ولذلك يضرب الله تعالى مثلاً للحياة الدنيا والذين اغتروا بها في سرعة زوالها : [ فهي كماء أنزله الله من السماء فخرج به النبات بإذنه، وصار مُخْضرًّا، وما هي إلا مدة يسيرة حتى صار هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إلى كل جهة . وكان الله على كل شيء مقتدرًا، أي: ذا قدرة عظيمة على كل شيء – التفسير الميسر ] . قال تعالى { واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا – الكهف 45 }
ولذلك يقول تعالى في الحياة الدنيا أنها لهو ولعب وزينة وتفاخر بينهم في الأموال والأولاد كمثل نبات كان خضراً فأصبح مصفراً بعدما كان دمره الله تعالى وأصبح حطاماً هشيماً متكسراً كأن لم يكن وهكذا الحياة الدنيا كما قال تعالى { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – الحديد 20 } أي : [ إنما مثل الحياة الدنيا وما تتفاخرون به فيها من زينة وأموال, كمثل مطر أنزلناه من السماء إلى الأرض, فنبتت به أنواع من النبات مختلط بعضها ببعض مما يقتات به الناس من الثمار, وما تأكله الحيوانات من النبات, حتى إذا ظهر حُسْنُ هذه الأرض وبهاؤها, وظن أهل هذه الأرض أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها, جاءها أمرنا وقضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات, والزينة إما ليلا وإما نهارًا, فجعلنا هذه النباتات والأشجار محصودة مقطوعة لا شيء فيها, كأن لم تكن تلك الزروع والنباتات قائمة قبل ذلك على وجه الأرض, فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهَون به من دنياكم وزخارفها فيفنيها الله ويهلكها – التفسير الميسر ] .
وأما :
(مما)
وهنا لفظ (مما) ورد في قوله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما – النساء 65 }
ومما أمر الله تعالى بأن يأكل المؤمنون مما رزقهم الله حلالاً طيبا كما قال تعالى { فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون – النحل 114 }
وقال تعالى أيضاً { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين – البقرة 168 }
كما أمر الله بالإيما به تعالى وأن ينفقوا مما جعلهم مستخلفين فيه كما قال عز وجل : { آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير – الحديد 7 }
فلما كفروا وكذبوا بآيات الله مكروا بآيات الله تعالى و بالنبي صلى الله عليه وآله ليقتلوه فأمره الله تعالى بالصبر على ذلك كما في قوله تعالى { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون – النحل 127 }
ثم قال تعالى لرسوله وللمؤمنين صلى الله عليه وآله { فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص – هود 109 }
وهؤلاء يبين تعالى أنهم فعلوا كما فعلت الأمم منقبل فقال تعالى : { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب – إبراهيم 9 }
وهنا استعجلوا العذاب كما قال تعالى { ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون – الحج 47 }
وهنا قال تعالى لهؤلاء أن وعد الله تعالى سيأتيهم آخر الزمان إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت كما في قوله عز وجل { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(يأكل)
وهنا يقول تعالى لبني آدم { أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون – السجدة 27 } فإذا أنزل الله تعالى الماء من السماء أنبتت الأرض جنات معروشات وغير معروشات قال تعالى فيها { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين – الأنعام 141 } ثم يأمرهم الله تعالى بأن يأكلوا من كل حلال أحله الله تعالى ويكون طيباً غير خبيث أو مسكر أو مفتر كما في الحديث لذلك يقول تعالى { وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون – المائدة 88 }
وأما :
(الناس والأنعام)
وهنا يقول تعالى { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال – الرعد 17 } ومما ينفع الناس هنا إرسال الرياح التي تثير سحاباً فينزل الله تعالى الناء من السماء فتنبت به بلدة ميتاً ويسقي الله تعالى من هذا الماء الأنعام والناس لقوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا لِّنُحۡـيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا – الفرقان 48-49 } .
فإذا زرع الله الزرع قال تعالى للناس { كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى – طه 54 } .
وهذا مثل ضربه الله تعالى في الحياة الدنيا قال تعالى فيه هنا : { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
كما أن الأنعام و تمتعها بالمأكل والمشرب ضرب الله تعالى بها المثل في الكفار الذين يأكلون ويشربون كالأنعام بلا تفكير ولا تعقل ولا تدبر ولا طاعة لله تعالى فقال تعالى { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد 12 } .
وأما :
(حتى إذا)
وهنا هذه الآيات وردت في مواضع بكتاب الله تبين صفات مجتمع آخر الزمان والذي توعده الله تعالى بالهلاك والذي بدأ أولا
بافتراء الكذب على الله تعالى ورسوله :
لقوله تعالى { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأعراف 37 }
فلما نشروا المكذوبات على الله تعالى ورسوله ابتلاهم الله تعالى بالجدال في آيات الله و عدم الإيمان بالله قال تعالى :
{ ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين – الأنعام 52 }
فلما نشروا هذه المكذوبات على الله تعالى ورسوله كانت سبباً في الإختلاف والتنازع والإقتتال على دنيا يؤثرونها وليس من أجل الدين قال تعالى :
{ ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة – آل عمران 152 } .
ثم ظهرت أجيال تركت العمل بكتاب الله وهو التكذيب لقوله تعالى :
{ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – الأنعام 31 }
والتكذيب ترك العمل بكتاب الله لقوله تعالى { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 }
ثم ظهرت أجيال تعمل بالكبائر والسيئات والموبقات لقوله تعالى :
{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما – النساء 18 }
فلما عملوا للدنيا فتح الله تعالى لهم أبواب كل شيئ من متاع الحياة الدنيا لأنهم طلبوها فأمهلهم الله تعالى إلى أن يأت وقت أجلهم لقوله تعالى :
{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون – الأنعام 44 }
و مع كثرة الكفر والنفاق والفسوق والعصيان يكون زمان استيأس الرسل وهو بنفس الوقت زمان نصرهم :
وهنا يبين تعالى شدة البلاء الذي يمر به أولياء الله تعالى والمؤمنين وإمامهم آخر الزمان فيقول تعالى { حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين – يوسف 110 } فإذا نزل بهم عذاب الله تعالى يكون قد حقق الله تعالى وعده ليحق الحق ويبطل الباطل وحينها سيعلمون من هو أضعف ناصرأ وأقل عددا قال تعالى { حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا – الجن 24 } ثم تكون البداية بهلاك مترفيهم لقوله تعالى { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون – المؤمنون 64 }
ويبين تعالى أنه كما أهلك الأولين كذلك سيهلك الآخرين إذا كفروا وكذبوا بآيات الله كما فعلت الأمم من قبل قال تعالى في الآخرين :
{ قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون – الأعراف 38 }
ويبين تعالى هنا في الآية أن علامة هلاك هؤلاء الآخرين هنا أن تأخذ الأرض زخرفها وتتزين ويظن المجرمون أنهم قادرون على الأرض وأهلها قال تعالى { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون- يونس 23 } وهنا يكون المجرمون قد وصلوا إلى زمان هلاكهم وقد حل أجلهم بعذاب أو قيام الساعة أي أنهما بين عذابين قال تعالى فيهما : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا – مرين 75 }
و هذا الوعد يكون في زمن صعود الإنسان للسماء الأولى كما قال تعالى :
{ حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون – المؤمنون 77 } وهذه الآية يبينها قوله تعالى { ولو أنا فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر } وهذا العذاب يكون في زمان تأخذ فيه الأرض زخرفها وتتزين كما قال تعالى هنا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون (24)
وأما :
(أخذت)
– ولفظ أخذ ورد في كتاب على أخذ الميثاق من بني إسرائيل بعبادة الله تعالى وبر الوالدين وصلات الأرحام فإذا قطعوها حل بهم البلاء : قال تعالى
{ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون – البقرة 83 }
– وأخذ الله تعالى الميثاق من بني إسرائيل بعدم قتل الأنبياء كما في قوله تعالى :
{ لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون – المائدة 70 } وقد أخذ الله تعالى الميثاق من بني إسرائيل بأن لا يسفكون دماء أنبيائهم وصالحيهم لقوله تعالى { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون – البقرة 84 }
– وقد أخذ الميثاق من بني إسرائيل بتصديق رسول الله صلى الله عليه وآله النبي الخاتم لقوله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون – البقرة 63 } وهذا الميثاق أخذه الله تعالى على جميع أنبيائه قبل خلق السماوات والأرض وأبلغت كل رسل الله وانبياءه قومهم هذا الميثاق كما في قوله تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 }
وهذا الميثاق لأهميته رفع الله تعالى فوقهم الطور ليعرفو جسامة وأهمية هذا الميثاق كما قال عز وجل { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين – البقرة 93 }
– وقد أخذ الله تعالى الميثاق من أهل الكتاب لأن يبينوا ما في كتبهم من نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى :
{ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون – آل عمرا ن 87 }
– ثم يبين تعالى أنه قد أخذ الميثاق من أهل الكتاب ببيان إمامة ائمة أهل بيت النبي عليهم السلام و على عدد نقبائهم كما قال تعالى :
{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل – المائدة 12 }
– ثم يبين تعالى أنه ظهرت بعد ذلك خلوف روثوا مكذوباتهم في كتاب ربهم بالديانات الثلاثة وتمتعوا بالحياة الدنيا ونسوا ذكر الله وتقولوا على الله تعالى غير الحق أنهم مع فعلهم الكبائر وتمتعهم بالحياة الدنيا أن الله تعالى سيعفر لهم : قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 }
– ثم يبين تعالى أن هؤلاء مع قولهم سيغفر لنا وإمهال الله تعالى لهم فهذا الإمهال لهم لأجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون قال تعالى :
{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون – الأنعام 44 } فلما جاء أجلهم نجى الله تعالى المؤمنين الذين تولوا الله تعالى حق ولايته وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر قال تعالى في هؤلاء المؤمنين { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون – الأعراف 165 }
– ثم يبين تعالى أنه أهلك القرى لما كذبوا : كما في قوله تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – الأعراف 96 }
– ثم يبين تعالى صفات وعلامات زمان هلاك الآخرين هو زمان هلاك الظالمين زخرفة الأرض وتزيينها وظنهم أنهم قادرون عليها : قال تعالى { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } ويبين تعالى أن أخذخ للقرى الظالمة أنه أليم شديد كما قال تعالى { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد – هود 102 } ويبين تعالى أن هذا الهلاك بعدما يريهم الله تعالى آيات كثيرة وابتلاءات تمر بها الأمة لعلهم يرجعون قال تعالى { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون – الزخرف 48 }
وفي وقت حلول أجلهم فقد أعد الله تعالى لعاد وثمود الآخرة صاعقة سيهلكهم بها كما أهلك عاد وثمود الأولى قال تعالى مبيناً أنه هناك عاد وثمود الأولى قال تعالى فيهما { وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى – النجم 50-51 } وأما عاد وثمودد الآخرة فقد توعدهم الله تعالى بصاعقة (مثل) صاعقة عاد وثمود ومثل تعني أنها من صناعة بشر بما يعني أنها قنبلة نووية قال تعالى في قريش الأولى وكفرهم وإعراضهم عن آيات الله تعالى { كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ – فصلت 2 }
{ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ –فصلت 3 }
{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ –فصلت 4-8 }
{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ – فصلت 9 } وهذه هى جرائم قريشاً الأولى
ثم قال تعالى في في قريش الآخرة بعد ذلك : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ ۖ وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – فصلت 13-20 }
وهؤلاء يقول تعالى فيهم أنهم هل ينظرون إلا صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود أو صيحة مثلها قال تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون – يس 49 }
وهنا يبن علامات ذلك الزمن الذي فيه يهلكهم الله تعالى كما بينا وهو زينة الأرض وزخرفتها وظنهم أنهم قادرون عليها كما قال تعالى { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(الأرض)
قال تعالى في لفظ أرض { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب – الرعد 41 } وننقصها هنا من أطرافها جمع طر ومثناه طرفين وطرفي كقوله تعالى { أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل – الإسراء } .
بالتالي الجمع هنا للأطراف يكون شرقا وغرباً نقصان البر أو الأرض على حساب البحر فتغرق مناطق شاسعة وبلدان من شرق الرض وغربها وهنا طرفي الليل والنها ايضا تزداد سرعة دوران اليوم كما في الحديث فتصبح السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم … الحديث ] .
كما أن طرفى الأرض الرأسيين بين السماء والأرض أيضاَ يتناقصان بتثاقل السماء واقترابها ونقاصان مسافة ما بين السماء والأرض لذلك يقول تعالى عن توقيت قيام الساعة { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف 187 } أي أنه بفعل الإنسان للمعاصي والموبقات تقترب المسافة بين السماء والأرض وذلك يسبب حركات مد وجز كبرى وتغيير في كل السوائل وهيجان البحار والأعاصير والريح السموم وذلك كله من علامات الساعة ويحدث بعد فترة تمتع لهؤلاء المجرمين طويلة قال تعالى فيها { بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون – الأنبياء 44 } فإذا جاء وعد الله تعالى أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن الناس أنهم قادرون عليها وهم غارقون في الكبائر وكل جرائم الأمم من قبل كسفك الدماء والربا وبخس الميزان وعمل قوم لوط والكذب والخيانة وهم فرحون متزينون بألوان الزينة غارقون في الشهوات والخمور والزنا والمغاني والمعازف والزنا والفجور وهذه علامات وإشارات هلاكهم فيأتيهم أمر الله تعالى ليلاً اونهاراً وهم كذلك على لهوهم وشربهم قال تعالى هنا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(زخرفها)
[ الزخرف : الذهب ثم استعمل في الزينة والزخرف : أثاث البيت والزخرف : كمال حسن الشيئ واستعير الزخرف لحلية الكلام وترقيشه – معجم ألفاظ القرآن باب الزاي فصل الخاء والراء والفاء ] قال تعالى في زخرفة الكلام بوحي شياطين الجن لأوليائهم من الإنس { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – الأنعام 112 }
وهذا الكذب على الله تعالى ورسوله نشروه بين الناس ثم ظهر فيهم حب الدنيا والعمل لها وذلك لورود هذا اللفز في قوله تعالى عن سلفهم من كفار قريش وقولهم { أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا – الإسراء 93 }
والبيت من الزخرف وهذه المساكن الفارهة بينها النبي صلى الله عليه وآله في سنته فقال صلى الله عليه وآله [عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عَنه أنَّ جِبريل عليه السَّلامُ سَألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال مَتى السَّاعةُ؟ قال ((ما الْمَسؤولُ عَنها بأعلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وسَأخبِرُكَ عَن أشراطِها: إذا ولَدَت الأمَةُ رَبَّها، وإذا تَطاوَلَ رُعاةُ الإبلِ البُهْم في البُنيانِ، في خَمسٍ لا يَعلمُهُنَّ إلَّا اللهُ )). ثُمَّ تَلا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ… الحديث ]
وقد رفعوا البنيان حول الحرف كما في حديث أبي حذيفة وقد أشار إلى جبال ما حول مكة قائلاً هاهنا يرفع البنيان حول الحرم – مصنف بن أبي شيبة ] .
وبالتالي زخرفة الأرض وتزينها هنا من علامة هلاكهم لقوله تعالى هنا : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وهو زمان علامته صعود السماء الأولى بمعارج عليها يظهرون قوتهم وجبروتهم وعتوهم لقوله تعالى : { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزخْرُفًا ۚ وَإِنْ كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – الزخرف 33-35 } والمعارج إسم فعل عرج يعرج معراجاً لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدارة ألف سنة – المعارج } وبالتالي معارج عليها يظهرون صعودهم للسماء الأولى لقوله تعالى { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14-15 } .
وأما :
(وازينت)
و[ ازينت من الزينة والزينة تكون في الأعياد ] لقوله تعالى { قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى – طه 59 } والزينة تكون في الملابس لقوله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد – الأعراف }
والتزيين يكون للحياة الدنيا لقوله تعالى { زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب – البقرة 212 } وهذا التزيين للدنيا والشهوات من الشيطان لقوله تعالى { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب – آل عمران 14 }
وبالتالي هو زمن التبرج والسفور لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن – النور 31 } وهنا تكون الزينة بتبرج المرأة وزينتها خارج بيتها كما قال صلى الله عليه وآله [ .. تصطفق إلياتهن مشركات … ] .
ومن التزيين كل ما أمر الله تعالى به سيعمل المجتمع خلافه لقوله تعالى { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون – فاطر 8 } وبالتالي زمان تحقق هذا الوعد هو زمان قلب الحق باطل والباطل حق وقد زين الشيطان لهم أعمالهم .
وبالتالي من علامات هلاك الظالمين كثرة الإحتفالات والأعياد وتنوع ألوان ملابس الناس وتكاثرهم وتفاخرهم بالأموال والأولاد قال تعالى { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – الحديد 20 } .
ومن التزيين زينة العسكر ممن لا يؤمنون بالله تعالى ولا يتولون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام التي يتزينون بها من نياشين و شارات و أسلحة وزي عسكري يتفاخرون به وذلك التزيين قال تعالى فيه { وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب – الأنفال 48 }
ولورود لفظ الزينة على الكواكب وبروج السماء في قوله تعالى { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين – الحجر 16 } وبالتالي ظن أهلها أنهم قادرون عليها هنا منها صعودهم للسماء حتى سمعنا من أحد الطيارين العرب المجرمين يقول يمكنني أن أصعد لربكم بتنك بنزين وأعلنت الصين مؤخراً عن شمس صناعية سيضيئون بها بلاد وقرى ومن ذلك أيضاً إعلانهم عن الاستمطار الصناعي والزلالزل المفتعلة وتبريد الجو صناعيا … وبالتالي ذلك زمان تحقق وعد الله تعالى الذي قال تعالى فيه { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } ويقول تعالى لهؤلاء { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج – ق 6-7 }
وأما :
(وظن)
وهنا يبين تعالى أن هذا الظن هو ظن الجاهلية الذي ينتشر بين العالمين قال تعالى { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية – آل عمران 154 }
وهذا الظن يطنه المشركين والمنافقين في الله تعالى ورسوله وأهل بيته والمؤمنين ممن تبعهم وقال تعالى في هؤلاء المجرمين : { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا – الفتح 6 } وهؤلاء هم الذين صدقوا واتبعوا إبليس في ظنه ليخرج الناس عن ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين – سبأ 20 } .
ويبين تعالى أنهم بظنهم السيئ تولوا أسماءاً سموها هم وأبائهم ما أنزل الله تعالى بها من سلطان فتولوا غير أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى – النجم 23 } فلما خرجوا على ولاية الله الحق وطنوا في الله ظن السوء وتركوا العمل بكتاب ربهم ظنوا أنهم قادرون على الأرض وأهلها قال تعالى هنا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون- يونس 23 }
وأما :
(أهلها)
و لفظ أهلها ورد ي قوله تعالى : { قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون – النمل 34 } والذلة هنا في آخر الزمان عندما يعلوا بني غسرائيل علوا كبيرا ومنافقي العرب يستضعفون أهل بيت النبي والصالحين لقوله تعالى في سلف هؤلاء المجرمين { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون – المنافقون 8 }
وهذه الذلة يضربونها على أهل بيت النبي الذين طهرهم الله تطهيراً بالمفعول المطلق قال تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 }
وهذه أمانة أمر الله تعالى أن تؤدى إلى أهلها فقال تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا – النساء 58 } ولما أفسد الناس في آخر الزمان وخرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وظهر الفسادد في زمانهم في كل أرجاء العمورة هنا يقول تعالى أنه لن يهلكهم إلا وهم ظالمون قال تعالى { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون – هود 117 } ولم يكون ذلك حتى يبعث فيهم إماماً منأهل بيت نبيهم لقوله تعالى { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 }
وذلك الهلاك يكون آخر الزمان غذا أخذت الأرض زخرفها وازينت كما قال تعالى { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون- الزخرف 23 }
وأما :
(أنهم قادرون عليها)
[ وقادر : إسم فاعل من قدر وجمعه قادرون والقدير : العظيم القدرة الفاعل لما يشاء بقدر ما تقضي به الحكمة وهو من صفات الله تعالى ] قال تعالى { فقدرنا فنعم القادرون – المرسلات 23 } والله على كل شيئ قدير قال تعالى { ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير – آل عمران 189 } ويبين تعالى أنه لما ظهر دين الإسلام قال كفار قريش الأولى { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون – الأنعام 37 }
ثم يقول تعالى لهم لما أنكروا البعث والنشور من بعد الموت { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير – الأحقاف 33 }
وبالتالي هؤلاء بكفرهم وفعلهم المنكرات والكبائر لم يقدروا الله تبارك وتعالى حق قدره كما قال تعالى { ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز – الحج 74 } فلما وعدهم الله تعالى بعذابين قال تعالى فيهما { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة 101 } وهنا قالوا { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين – السجدة } فقال تبارك وتعالى لهم أنه قادر على أن ينزل بهم ما وعدهم الله تعالى فقال تعالى { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون – المؤمنون 95 } فلما اختلفوا وفرقوا دينهم بعد أن انقلبوا في قوله تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } فلما انقلبوا على الوصية فرقوا دينهم وقد نهاهم الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى : { ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون – الروم 31-32 } فلما حدث ذلك سلط الله تعالى بعضهم بعضا بخروجهم على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام [ الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله أهل بيتي أمان من الفرقة .. الحديث ] فقال تعالى في عقوبته لهؤلاء من بعد موت النبي صلى الله عليه وآله { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 }
فلما جاء آخر الزمان وزعم أولياء الدجال أنهم قد صنعوا إنساناً آلياً في آخر الزمان حيث طنوا أنهم قادرون على الأرض كما قال عز وجل { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون- الزخرف 23 }
و هنا يبين تعالى لهؤلاء المجرمين قبل أن يخرجوا بأكثر من ربعمائة سنة وألف في كتابه الكريم { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الأعراف } وقال تعالى أيضاً : { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا – الإسراء 99 } .
وأما :
(عليها)
وهنا يقول تعالى { قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل – يونس 108 } وبالتالي من اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى كما قال تعالى { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 }
ولو يؤاخذ الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخؤهم إلى أجل لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون قال تعالى { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – النحل 61 } وإذا أراد الله تعالى إهلاك قرية تولى أمرها أعداء الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام من المترفين لقوله تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا – الإسراء 16 } وهنا يبين تعالى علامات نزول العذاب بهم آخر الزمان فهو تزيين الأرض وزخرفتها وظنهم أنهم قادرون عليها قال تعالى هنا : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون- الزخرف 23 }
وأما :
(أتاها)
ولفظ هذا اللفظ بجذوره في كتاب الله ورد في قوله تعالى حيث أمر الله تعالى باتباع كتاب الله تعالى وهو أحسن ما نزل على الناس من الله تعالى كما قال تعالى { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون – الزمر 55 }
فلما نزل كتاب الله تعالى جادلوا بالباطل في آيات الله تعالى كما قال تعالى { الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار غافر 35 } ويبين تعالى أن هذا المكر في آيات الله مكره الذين من قبلهم حتى نزل بهم العذاب قال تعالى { قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون – النحل 26 } ثم يبين تعالى أن عذاب هؤلاء بين حشرين الأول ذكره الله تعالى وهو في زمن النبي وقال تعالى فيه { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر– الحشر 2 } وآخر الحشر قال تعالى فيه عن بني إسرائيل { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيقا – الإسراء 104 } وهذا الوعد الآخر لمنافقي العرب هو العذاب الثاني ويتواكب مع علوا بني إسرائيل لقوله تعالى فيهم { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } ولورود هذا اللفظ على قوم لوط في قوله تعالى : { إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون – الأعراف 81 } وفي تلك الاية إشارة إلى أنه من العلامات التي ستزهر في هذا المجتمع الهالك انتشار عمل قوم لوط بينهم .
وهذا العذاب قد أتى فهم واقعون في دائرة غضب الله تعالى ينتظرون هلاكهم في الساعة التي وقتها لهم قال تعالى { أتى أمر الله فلا تستعجلوه – االنحل } وهؤلاء يقول تعالى لهم إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين قال تعالى { إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا – النساء 133 } وقال تعالى أيضاُ { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد – فاطر 16 } .
ومن علامات هلاك هؤلاء ظهور تأويل لكتاب الله يكون فيه هلاكهم في زمن الإمام الآخر من أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى{ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وهذا التأويل بينة الصحف الآخرة التي نزلت على النبي الخاتم لقوله تعالى في بينة الصحف الأولى قال تعالى { وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133 }
وهذا تأويل وبينة لكتاب الله تأت مع الساعة وأشراطها التي بيناها والتي بينها النبي صلى الله عليه وآله في سنته لقوله تعالى { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم – محمد 18 }
فإذا أراد الله تعالى هلاكهم ظهرت فيهم آيات و نزلت ملاكئة بآيات ورفعت توبة ويبدأ الله تعالى في إهلاك الظالمين لقوله تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأوعام 158 }
وذلك يحدث في زمان قال تعالى في علاماته ما ذكناه من قبل { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(أمرنا)
والأمر هنا كتاب الله تعالى لقوله عز وجل فيه { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم – الشورى 52 }
والأمر حكم الله تعالى كما في قوله عز وجل { يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله – آل عمران 154 } وقال تعالى أيضا { ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون – هود 123 }
وبالتالي أمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر من أهل بيت نبيهم فإن تناوعوا معهم فليجعوا لحكم الله تعالى كما قال عز وجل { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59 } وهؤلاء هم ائمة أهل بيت النبي الخاتم لقوله تعالى في الإمامة التي جعلها الله تعالى في بيت النبي إبراهيم وتمتد إلى ذرية النبي الخاتم من ولد إسماعيل عليهم السلام { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين – الأنبايء 73 }
ومن تولى غيرهم فقد تولى أسماءاً سموها هم وآبائهم لم يأمر الله تعالى بولايتهم من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف 40}
وإذا أراد الله تعالى هلاك قرية ولى هؤلاء عليها كما قال تعالى { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا – الإسراء 16 }
ومن تولى هؤلاء فهو من الهالكين وقد بين تعالى هنا صفات زمان هلاكهم قائلا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(ليلا أو نهارا)
وهنا يقول تعالى لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتح الله تعالى عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذهم الله تعالى فهل أمنوا أن يأتيهم بأس الله تعالى بياتاً وهم نائمون أو أمنوا أن يأتيهم بأسه تعالى ضحى وهم يلعبون قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ – الأعراف 97-100 }
أي أنهم هل أمنوا عذاب الله تعالى وبأسه أن ينزل بهم وهم نائمون بالليل أو بالنهار قال تعالى { ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون – الروم 23 }
وما هذا العذاب إلا بخروجهم على كتاب ربهم وولاية الله تعالى ورسولهم وأهل بيت نبيهم عليهم السلام إلى ولاية السادة والكبراء كما قال تعالى فيما دار بينهما من تلاوم بعد هلاكهم في الدنيا في وعد وعدهم الله تعالى به في كتابه الكريم ثم دخولهم النار قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ ۖ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ – سبأ 28- 34 }
ثم يبين تعالى أن هذا العذاب وهذا البأس النازل بهم له علامات قال تعالى فيها هنا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(فجعلناها)
وهنا يبين تعالى أن النبوة والرسالة والإمامة خلافة لله تعالى في الأرض كما قال تعالى { إني جاعل في الأرض خليفة – البقرة } وقال تعالى لنبي الله داوود عليه السلام { يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب – ص 26 } وبالتالي خاتم خلفاء الله في الأرض من النبيين هو النبي محمد صلى الله عليه وآله ثم يخلفه الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى : { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين – التوبة 19 }
وفي إمام آخر الزمان نزل قوله تعالى كما في دعاء سيدنا إبراهيم في قوله تعالى { واجعل لي لسان صدق في الآخرين – الشعراء 84 } وهؤلاء يقول تعالى فيهم { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين – الأنبياء 73 }
ومن اتبع هؤلاء النبيين والمرسلين وتولى أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام فهم المنصورين في الدنيا الذين سيستخلفهم الله تعالى كما قال عز وجل { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين – القصص 5 }
وهؤلاء النبيين والمرسلين ثم أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام جعل الله تعالى لهم عدوا من شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروروا كما قال تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – الأنعام 112 }
ثم يبين تعالى أنه جعل بعد ذلك ممن خرجوا على ولاية الله الحق مجرما يحكمها ممن استكبروا على آيات الله تعالى ورسوله وتولوا غير أهل بيت نبيهم وقال تعالى فيهم { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – الأنعام 123 } ومما مكره هؤلاء بآيات الله أن جعلوا لله تعالى ما تأباه أنفسهم ويكرهونه ثم يزعمون أن لهم الحسنى في الآخرة قال تعالى { ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون – النحل 62 }
ويبين تعالى أنن زمان هلاك هؤلاء له علامات منها عمل قوم لوط وقد بين تعالى مما فعله بهم فقال تعالى { فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود – هود 82 } وهكذا سيفعل الله تعالى بكل من تقلد بهم في عملهم المشين قال تعالى بعد ذكر قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب وفرعون { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر – القمر 43 } .
ثم يبين تعالى هنا علامة زمان هلاكهم وهو زخرفة الأرض وتزينها وكثرة الأعياد وتبرج النساء وانتشار الكبائر وسفك دماء الصالحين وهو يدخل ضمن ظنهم أنهم قادرون على الأرض بما عليها من مخلوقات قال تعالى هنا : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } أي أنه تعالى سيجعل كل ما على الأرض صعيدا جرزا قال تعالى { وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا – الكهف 8 } أي أنه قال تعالى [ وإنَّا لجاعلون كل ما علا على الأرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا ترابًا لا نبات فيه ] .
وأما :
(حصيدا)
[ وحصد الزرع يحصده حصداً وحصاداً : قطعه إبان نضجه ويستعمل الحصد لغير الزرع بمعنى القطع والإستئصال – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الصاد والدال ] .قال تعالى : { قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون – يوسف 47 }
وعن لفظ حصد في غير الزرع من الهلاك والاستئصال يقول تعالى { فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين – الأنبياء 15 }
وذلك معنى قوله تعالى هنا عن هلاك واستئصال المجرمين آخر الزمان { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(كأن لم)
وهنا ورد قوله تعالى (كأن لم) أي كأنه لم يكن كقوله تعالى { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون – يونس 12 }
ولورود هذه الآيات في قوله تعالى عن قوم ثمود { كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود – هود 68 } وقال تعالى أيضاً في قوم شعيب عليه السلام { كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود – هود 95 } أي كأنها لم تسكن من قبل كما قال تعالى هنا { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تعنى بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
( تغن)
[ والغنى يأت هنا بمعنى البقاء واليكنونة والكفاية وأقرب المعاني للغنى بمعنى عدم الحاجة وهو غنى الله تعالى – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل النون والياء ] قال تعالى { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون – الأعراف 48 } أي ما كفاكم زولم ينفعكم عنكم جمعكم وهنا يقول تعالى في هؤلاء المجرمين { فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ– الزمر 49-50 } أي [ فما دفع عنهم عذابَ الله الأموالُ والحصونُ في الجبال, ولم ينفعهم ما أُعطوه من قوة وجاه ] .
ويقول تعالى لهؤلاء المجرمين { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون – غافر 82 } وهؤلاء لم يغني عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما استهزءوا به من عذاب الله كما قال تعالى { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون الأحقاف 26 }
وكما لم تغني عنهم حواسهم من رفع عذذاب الله تعالى عنهم كذلك لم يغني عنهم ما جمعوه من متاع الحياة الدنيا الذي تمتعوا به لما نزل بهم العذاب لقوله تعالى { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون – الشعرء 207 }
وأما :
(بالأمس)
لفظ أمس ورد في قوله تعالى عن قارون وما جمعه من كنور فأهلكه الله تعالى ثم يقول تعالى عن الذني تمنوا مكانه قائلين { يليتنا أوتينا مثل ما أوتى قارون إنه لذو حظ عظيم – القصص } فلما أهلكه الله تعالى وخسف به وبكنوزه الأرض قال تعالى { وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون – القصص 82 } وفي الاية غشارة إلى أن الله تعالى سيخسف الأرض بكل من كفر ونافق وخرج على ولايته تعالى وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام من المترفين المستكبرين ومن تولاهم كما في قوله تعالى
{ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
وأما :
(كذلك نفصل الآيات)
وتفصيل الآيات وكل شيئ حرمه لله تعالى وأحله قال تعالى فيه : { وكل شيئ فصلناه تفصيلاً – الإسراء 12 } وهذا التفصيل لعلهم يرجعون إلى الله تعالى ويستغفرونه ويتوبون إليه لقوله تعالى { وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون – الأعراف 174 }
ومما فصله الله تعالى سبيل المجرمين كما قال تعالى { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين – الأنعام 55 } ومن هؤلاء المجرمين الذين شرعوا للناس من الدين مالم يأذن به الله تعالى ليتولى الناس غير الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 32 }
وهؤلاء كما أهلك الله تعالى الأولين فلهم يوم سفصل الله تعالى فيهم آخر الزمان قال تعالى فيه { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين – المرسلات 38 }
وهو يوم له توقيت قال تعالى فيه { إن يوم الفصل كان ميقاتا – النبأ 17 } وهو يوم يجمع الله تعالى فيه الأولين والآخرين لقوله تعالى { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين – الدخان 40 }
ويبدأ يوم الفصل بزخرفة هؤلاء المجرمين وتزيينهم لللأرض وظنهم أنهم قادرون عليها فهنا يكون هلاكهم آخر الزمان بدايةة ليوم الفصل وجمعهم والأولين قال تعالى { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
سورةالمرسلات – وما أدراك ما يوم الفصل (14)
وأما :
(لقوم يتفكرون)
التفكر يبدأ بآيات الله المشاهدة بالعين في أنفسهم وفي سماواته وأرضه تعالى وهى تهديهم للإيمان بالخالق عز وجل قال تعالى { أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون – الروم 8 } .
ثم يدعوهم الله تعالى للتفكر في كتاب الله تعالى فيقول عز وجل { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون – الحشر 21 } فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله قالوا فيه أنه مجنون قال تعالى { أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين – الأعراف 184 }
ثم قالوا لولا أن يكون معه ملك { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا – الفرقان 7-8 } فقال لهم الله تبارك وتعالى { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون – الأنعام 50 }
ثم يأمر الله تعالى الأمة بالرجوع في فهم كتاب الله تعالى لأهل الذكر فقال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون – النحل 43-44 } . وكذلك يبين الله تعالى الآيات للناس لعلهم يتفكرون قال تعالى { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون – البقرة 266 }
وعن أمر الساعة وهلاك الظالمين يبين تعالى هنا أنه فصل أمرها أن بدايتها هلاك الظالمين إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها كما قال تعالى
{ حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 }
ثم يقول تعالى :
(25) والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (25)