من تفسير “البينة” : لماذا قال الأنبياء من قبل لقومهم (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) و في أمتنا آخر الأمم (عذاب يوم كبير)
لماذا قال الأنبياء من قبل لقومهم (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) و في أمتنا آخر الأمم (عذاب يوم كبير)
الآية PDF :
العذاب العظيم للأمم السابقة والكبير لآخر الأمم
سورة هود الآية (3)
(3) وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ(3)
وهنا :
(وأن استغفروا ربكم)
[ وغفر له : صان العبد من العذاب واستغفر : طلب الغفر والفاعل : غافر والوصف غفور وغفار والمستغفر الطالب – وقد ورد منه الفعل الثلاثي والاستفعال ومن المصادر الغفران والمغفرة والغافر والغفور والغفار والمستغفرين – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الفاء والراء ] قال تعالى في بيان أن الغفران عفوا عن عذاب قال تعالى فيه { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون – الجاثية 14 } وفي طلب الغفران يقول تعالى { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك – يوسف 29 } .
قال تعالى في بيان أن الغفران عفوا عن عذاب قال تعالى فيه { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون – الجاثية 14 }
وغفران الله تعالى يكون للذنوب كما قال تعالى { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون – آل عمران 135 }
و كل من أراد الله تعالى أن يغفر الله تعالى له فليأت رسول الله صلى الله عليه وآله ويطلب منه الإستغفار له قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا – النساء 64 } .وفي ذلك دلالة بأن كل من زاره في مسجده أو مساجد أهل بيته عليهم السلام مستشفعاً بهم طالباً العفو والغفران فالله تعالى سيغفر له وأول طريق الغفران زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أداء مناسك الحج لقوله تعالى { ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم – البقرة 199 }
ثم يبين تعالى أنه من موجبات رحمة الله وغفرانه اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله فيما أمر قال تعالى { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – آل عمران 31 } وقال تعالى في المؤمنين الذين آمنوا بالله تعالى وهاجروا وهجروا المعاصي والكبائر وجاهدوا في سبيل الله وجاهدوا أنفسهم أن هؤلاء يرجون رحمة الله كما قال عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ – البقرة 218} . ومن استغفر الله تعالى فالله تعالى سيغفر له في الآخرة وفي الدنيا يمتعه متاعاَ حسناً كما في قوله تعالى هنا { وَأَنِ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ وَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ – هود 3 } ولذلك أمر الله تعالى بني آدم بأن يستغفروا ربهم ويتوبا إليه ليستخلفهم ويستعمرهم في الأرض قال تعالى { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب – هود 61 }
ولذلك قال نبي الله نوحاً عليه السلام لقومه عن بركات الإستغفار والتوبة إلى الله تعالى { فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا – نوح 10-12 } .
وأما :
(ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيۡهِ)
[ وتاب : رجع عن المعصية فهو تائب وهى تائبة وهم تائبون وهن تائبات وتاب الله عليه : عاد بالمغفرة عليه أو رجع عليه بفضله وقبل توبته وغفر له فالله تواب ففي التوبة معنى الرجوع : العبد يرجع عن ذنبة والله يرجع برحمته وغفرانه – معجم ألفاظ القرآن باب التاء فصل الواو والباء ] .
والتوبة : الرجوع عن الذنب والمعصية لقوله تعالى { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه – المائدة 39 } .
وقبول التوبة عند الله تعالى تكون بطلب لذلك تدخل السين على لفظ غفر فيقول تعالى عن نبي الله هود عليه السلام { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين – هود 52 } .
ويقول نبي الله ثمود لقومه عليه السلام { وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب – هود 61 } ويقول نبي الله شعيب لقومه عليه السلام { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود هود 90 } وكما قال رسل الله من قبل قال كذلك الله تعالى لرسوله بأن يبلغ الناس بأن يستغفروا ربهم ويتوبوا إليه لينالوا خير الدنيا والآخرة فقال تعالى هنا { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 }
والتوبة لابد وأن يعقبها عمل صالح لقوله تعالى { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما – النساء 146 }
والتوبة لها توقيت حدده الله تعالى وهى :
أولاً :
أن تكون قبل الغرغرة قوله تعالى { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما – النساء 17-18 } .
ثانيا:
قبل أن يتمكن الجيش المسلم من الكفار والمنافقين لقوله تعالى { إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم – المائدة 34 } .
ثالثاً :
مع ظهور علامات وآيات الساعة الكبرى : { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأنعام 158 } .
وأما :
(يُمَتِّعۡكُم مَّتَٰعًا)
والمتاع كل ما يحتاجه الإنسان في الحياة الدنيا ليستقر ويعيش فيها قال تعالى { وأحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة – المائدة 96 } وقال تعالى أيضاً { وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم – عبس 32-33 }
وهذا متاع الحياة الدنيا وهو قليل قال تعالى فيه { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا – النساء 77 } وهذا المتاع لا يناله الناس بغير حق إلا بظلم بعضهم بعضاَ لقوله تعالى { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون – يونس 23 }
ومن تاب إلى الله تعالى واستغفره يمتعه تعالى في الحياة الدنيا متاعاً حسناً قال تعالى فيه هنا { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 }
ومن تمتع في الدنيا بغير طاعة الله فهوكالأنعام لقوله تعالى { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد 12 } .
وأما :
(حسناً)
[ والحسن : حالة حسية أو معنوية جميلة تدعوا إلى قبول الشيئ ورغبة النفس فيه – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل السين والنون ] . قال تعالى
{ ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون – النحل 67 } .
وقال تعالى عن الرزق الحسن في الحياة الدنيا { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب – هود 88 }
وهذا الأجر هنا يناله العبدفي الحياة الدنيا بالإيمان بالله تعالى والإستغفار والتوبة قال تعالى { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 } .
وذلك متاع الحياة الدنيا و الآخرة عند الله تعالى لهم فيها أيضاً أجراً حسناً قال تعالى فيه { قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا – الكهف 2 } وهذا الأجر في الآخرة بعد موتهم لقوله تعالى { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين – الحج 58 } وهذا هو حسن المآب عند الرجوع إلى الله تعالى لقوله عز وجل { ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب – آل عمران 14 } .
وأما :
(إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى)
وهنا يبين تعالى أن الإنسان بين أجلين الأول عند موت جسده أو سوءته وقال تعالى في نومها وموتها : { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون – الأنعام 60 } والأجل الثاني مع قيام الساعة وقال تعالى في هذين الأجلين { هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون – الأنعام 2 } والأجل الثاني المسمى مع قيام الساعة لقوله تعالى في أجل الشمس والقمر { ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير – لقمان 29 }
وهذا هو الأجل المسمى للنفس وبعد يوم القيامة يدخلهم الله تعالى الجنة فيمتعهم الله تعالى متاعاً حسناً لقوله تعالى { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 }
وأما :
(وَيُؤۡتِ كُلَّ ذِي فَضۡلٖ فَضۡلَهُۥۖ)
والفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء ومشيئته أن تبعث في العرب رسولاً منهم يتلوا عليهم آيات الله تعالى و يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم قال تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم – الجمعة 2-4 } .
ومن آمن بالله تعالى ورسوله واتقاه عز وجل يؤته كفلين من رحمته وذلك فضل من الله تعالى قال فيه { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُم كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم – الحديد 28-29 } .
أي أنه يقول تعالى : [ { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } اخشوا الله { وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ } اثبتوا على إيمانكم بالله ورسوله { يُؤْتِكُمْ } يعطكم { كِفْلَيْنِ } ضعفين { مِن رَّحْمَتِهِ } من ثوابه وكرامته { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } بين الناس وعلى الصراط { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم في الجاهلية { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لمن تاب { رَّحِيمٌ } لمن مات على التوبة { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ } لكي يعلم { أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } عبد الله بن سلام وأصحابه { أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ } من ثواب الله { وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ } الثواب والكرامة { بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ } يعطيه { مَن يَشَآءُ } من كان أهلاً لذلك { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ } ذو المن { ٱلْعَظِيمِ } على المؤمنين بالثواب والكرامة نزلت من قوله { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } إلى ها هنا في شأن عبد الله بن سلام حيث افتخر على أبي بن كعب وأصحابه بأن لنا أجرين ولكم أجر واحد. – تفسير القرآن للفيروز أبادي ] .
وأما :
(كل ذي)
وهنا وردت هذه الآيات في قوله تعالى { نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم – يوسف 76 } . وأعلمهم وأعلاهم درجة سيدنا محمد صلى الله عليه وىله صاحب الميثاق والنبي الخاتم لذلك يقول تعالى له ليبلغ أمته عليه السلام { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 } .
وأما :
(فضل فضله)
و [ الفضل : البقية من الشيئ ومنه الزيادة في المعنوية في المحمود كالعلم والحلم أو المذموم كالغضب والأكثر استعمال في الفضل المحمود فالفضل والفضيلى ضد النقص والنقيصة – والفضيلة : الدرجة الرفيعة في الفضل – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الضاد واللام ] قال تعالى { وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون – الرعد 4 } والتفضل بين الرسل في المكانة والدرجة قال تعالى فيه { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس – البقرة 253 }
وأفضلهم سيد ولد آدك الذي قال تعالى فيه { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 }
ولذلك فضل الله تعالى الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام لذلك حسدهم الناس كما في قوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 } .
والتفضيل في كل شيئ ففضل الله تعالى المجاهدين على القاعدين كما في قوله تعالى { لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما – النساء 95 }
والتفضيل في الرزق بين الناس لقوله تعالى { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون – النحل 71 } والله تعالى يختص في الدنيا والآحرة برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم لقوله تعالى { يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم – آل عمران 74 } .
وفضل الآخرة أكبر من فضل الدنيا لقوله تعالى { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا – الإسراء 21 } .
وفي الآخرة يقول تعالى عن فضله للشهداء : { فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون – آل عمران 170 } .
وأما :
(وَإِن تَوَلَّوۡاْ)
ومن تولى عن ذكر الله تعالى وطاعته وطاعة رسوله فهو من الكافرين كما في قوله تعالى { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين – آل عمران 32 }
وإذا كان الله تعالى يبين أن الولاية لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه ثم الإمام علي لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55} فإن الخارج على هذه الولاية لله الحق فهو الذي شاق الله تعالى ورسوله كما في قوله عز وجل : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا – النساء 115 }
وجهنم هنا لهؤلاء لأنهم آمنوا ببعض وكفروا ببعض ما أنزل الله تعالى في ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام وقد حذر الله تعالى من ذلك وأنذر الأمة فقال عز وجل { أن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 }
فغن أعرضوا وهنا قال تعالى فإنه ما على الرسول إلا البلاغ وليس عليهم إلا الإيمان والطاعة لله تعالى ورسوله لذلك يقول تعالى { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين – النور 54 }
وهؤلاء الذين عصوا الله تعالى ورسوله وخرجوا على ولاية أهل بيته عليهم السلام فهم الذين عملوا للحياة الدنيا كما في قوله تعالى : { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا – النجم 29 }
ثم يبين تعالى أنهم إن أصروا على ذلك فقد أمره تعالى بأن ينذرهم بعذاب يوم كبير قال تعالى فيه هنا { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 }
وهذا اليوم الكبير يبدأ ببعثة إمام آخر الزمان وتكون دعوته إليهم منكرة يجهلون الكثير منها فيكونون في ريبة منه قال تعالى فيها { فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر – القمر 6 } ثم تكلمت آيات سورة القمر عن هلاك الأمم من قبل كقوم عاد وثمود وقوم لوط وفرعون ثم قال تعالى { أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر 43-46 }
ثم يأمره تعالى بأن يقول حسبي الله ونعم الوكيل كما في قوله تعالى { فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم – التوبة 129 } .
وأما :
(فَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ كَبِيرٍ)
وهنا يحذرهم الله تعالى من عصيانه عز وجل وطاعة وعبادة غيره تعالى فيقول { أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم – هود 26 } وهو عذاب يوم أليم قال تعالى فيه { لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الأعراف 59 } يقل نوح لقومه عليه السلام { أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم – هود 26 }
وأما قوم هود فقد قال فيهم الله عز وجل { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الأحقاف 21 }
ويقول شعيب عليه السلام { وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط – هود 84 } أي أنه عذاب يوم يحيط بهم من كل جهة فلا يفلتون منه
وقال مؤمن فرعون لقومه { وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم – غافر 31-33 }
وأما في أمتنا آخخر الأمم فقد ميزها الله تعالى والعالم ممن سيكفرون بالله تعالى ورسوله بأنه عذاب يوم كبيرولم يقل عذاب يوم عظيم كبقية الأمم كما ينبين قال تعالى هنا { وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير – هود 3 }
وأما :
(كبير)
ولفظ كبير هنا يشير إلى وصف زمان نزول عذاب الله تعالى على هذه الأمة إذا خرجت على ولاية أهل بيت نبيها وتلى بعضهم بعضاً على دنيا وكفر بالله وفسوق وعصيان قال تعالى فيه { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير – الأنفال 73 } والفساد الكبير يكون في تولي غير أهل بيت نبيهم فقد تولوا سادتهم وكبرائهم فأضلوهم في الدنيا وأهلكوهم في الدنيا والآخرة لقوله تعالى { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا – الأحزاب 67-68 } .
وهؤلاء هم الذين تولوا الشجرة الملعونة في القرآن ممن أرتضوا بفعال بني أمية لقوله تعالى { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا – الإسراء 60 }
وهو زمان علوا بني إسرائيل العلوا الكبير وقال تعالى فيه { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا – الإسراء 4 }
وهو زمان بلوغ الصناعات أعلى درجات الإختراع حتى قال تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – عافر 57 } .
وهنا يكون قد حل بهم زمان العذاب الكبير وقد أطلق القرآن الكريم عليه الكبير تمييزاً له لأنه عذاب لن يرفع بل سيستمر إلى يوم القيامة وهو العذاب الأكبر الذي قال تعالى فيه { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون – السجدة 21 } ولذلك لم يقل الله تبارك وتعالى أنه عذاب يوم عظيم وانتهى لا بل عذاب يوم كبير فيه أكابرالمجرمين لقوله تعالى { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – الأنعام 123 } وهنا ينزل بكل قرية عذاب كبير مستمر إلى أن يلحق بعذاب يوم القيامة وهو الأكبر. ولذلك يقول تعالى فيه هذا المرحلة فيما قبل يوم القيامة { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } .
والمؤمنين بالأجز والفوز الكبير لذلك يقول تعالى في المؤمنين آخر الزمان أن لهم الأجر الكبير قال تعالى : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا – الإسراء 9 } وهذا هو الفور الكبير الذي قال تعالى فيه { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير – البروج 11 } .