بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

مركز القلم للأبحاث والدراسات :

ملف بصيغى  بي دي إف :

32.docفماذا – بعد – الحق – إلا – الضلال -يونس 32 

وهنا :

(ف)

 ورد لفظ الفاء في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59 } وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى أهل بيت النبي عليهم السلام الذين هم أهل الذكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – النحل 43 }

ثم يبين تعالى أن كل من دعا لطاعة نفسه من حكام كل زمان أو علمائهم فهو مدعي إلوهية كما ادعاها النمرود و فرعون من قبل حيث قال { ما علمت لكم من إله غيري –القصص } ولذلك يقول تعالى فيمن تقلدوا في كل زمن بفرعون { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين – الأنبياء 29 } وهؤلاء هم الذين اتخذوا أولياء من دون الله وهنا يقول تعالى في مقارنة بين الخالق المستحق للعبادة والمخلوق { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال – يونس 32 }

 

وأما :

(ذلكم الله ربكم)

 

أي أنه يقول تعالى { ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل – الأنعام 102 } ويقول تعالى أيضاً { الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون – الروم 40 } .

وما دام الله تبارك وتعالى خالق كل شيئ فهو المستحق للعبادة وماذا بعد الخالق من طاعة إلا طاعة المضلين قال تعالى هنا { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون – يونس 32 } فأنى يؤفكون عن طاعة الله تعالى وولايته الحق لقوله تعالى { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون – غافر 62 } .

 

وأما :

(الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال)

 

الله هو الحق :

يقول تعالى { فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم – المؤمنون116 }

والله تعالى الحق خلق السماوات والأرض بالحق والميزان :

قال تعالى { وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير – الأنعام 73 } وقال تعالى { ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد – إبراهيم 19 } فإذا أذهبهم وماتوا أحياهم لقوله تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير – الحج 6 }

والذين يدون من دونه هو الباطل لقوله تعالى : { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير – لقمان 30 }

والله تعالى أنزل الكتاب بالحق كما قال تعالى { وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا – الإسراء 105 } وهذا الكتاب مصدقاً لما بين يديه من الكتاب كما قال تعالى { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل – آل عمارن 3 } وهذا الكتاب أنزله الله تعالى للحكم بين الناس كما قال تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما – النساء 105 }

فلما نزل الكتاب كذب به قومه كما قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 } وهذا التكذيب بالحق بين تعالى أنهم سيأتيهم أنباء وعاقبة ما كانوا به يستهزءون فقال تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 }

ثم يبين تعالى لجوء كفار قريش واليهود للكذب على الله تعالى ورسوله كما قال تعالى { لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون – التوبة 48 } فلما قلبوا الأمور وكذبوا على الله تعالى افتروا الكذب لصرف الناس عن

 

ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام و لا يوجد أظلم من هؤلاء لقوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون – الأنعام 93 }

ثم خلف من بعدهم خلوف ورثوا هذه المكذوبات وتولوا غير الله تعالى بالرأي وأحلوا الفقه محل سنة رسول الله وقدموا أراء علمائهم وولايتهم على ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام لذلك يقول تعالى :

{ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 }

 

فإذا إرادة الله تعالى إحقاق الحق وإبطال الباطل في آخر الزمان كما قال تعالى : { ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون – الأنفال 8 }

فإذا أراد الله إحقاق الحق وإبطال الباطل بشر تعالى بأن دين الله سيظهر دينه الحق على الدين كله كما قال تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – التوبة 33 }

فإذا أراد الله تعالى إحقاق الحق وإبطال الباطل أظهر الله تعالى فيهم تأويل لكتاب الله تعالى فيه ماجهلته الأمة ونسيته من أمر دينها كما قال تعالى : { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } .

ولذلك قال تعالى أنه لا يهدي للحق الذيت تجهله الأمة من أمر دينها إلا إمام من أهل بيت النبي يهدي الناس إليه كما قال تعالى { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون – يونس 35 } .

 

ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق للحساب وهنا يضع الله تعالى الموازين للناس بالحق قال تعالى { والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون – الأعراف 8 } ثم يكون الحكم بين الناس بالحق لقوله تعالى { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين – الأنعام 62 }

 

ثم يبين تعالى أن ما يدعون من دونه هو الباطل فقال تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير – الحج 62 }

 

وفي الآخرة الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً عسيراً على الكفار والمنافقين لقوله  تعالى { الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا – الفرقان 26 } وتكون فيه الولاية لله الحق كما قال تعالى { هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا – الكهف 44 } أي تكون فيه الولاية لله تعالى  ورسوله ثم الأئمة من أهل بيته لقوله تعالى في رسول الله { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – التوبة 33 }

وبالتالي { ذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال – يونس 32 } أي ذلكم الله تعالى الخالق للسماوات والأرض المحيي المميت باعث النبيين وخاتمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الأئمة من بعده الباعث للناس من بعد الموت للحساب فذلكم الله هو ربكم الحق فماذا بعد الخالق عز وجل إلا الضلال . لقوله تعالى { ذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال – يونس 32 } .

 

وأما :

(فماذا)

 

أي أنه يقول تعالى لهؤلاء المجرمين { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون – يونس 101 } ثم يقول تعالى لهم هذا خلق الله فماذا خلق هؤلاء المخلوقين قال تعالى { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين – لقمان 11 } فإذا كان يوم القيامة نادى مناد عليهم سائلاً عن إجابتهم المرسلين قال تعالى { ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين – القصص 65 } وفي هذا اليوم لا تنفع الشافعة إلا لمن أذن له الله تعالى ورضي له قولا قال تعالى { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير – سبأ 23 }

 

وأما :

(بعد)

 

وهنا يقول تعالى { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون – يونس 32 } وهذا الضلال عملهم بالهوى وتركهم لنصوص الكتاب كما قال تعالى

{ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون – الجاثية 23 } فإذا أنزل الله تعالى الكتاب وفيه آيات الله تعالى فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون قال تعالى { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون – الجاثية 6 } .

وبالتالي بأي حديث بعد كتاب الله يؤمنون كما قال تعالى { فبأي حديث بعده يؤمنون – المرسلات 50 } وعن أهل الكتاب قال تعالى أنهم ما تفرقوا إلا من بعد جائتهم البينة قال تعالى { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة – البينة 4 }

ولقد أرسل الله تعالى رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون لهم على الله حجة كما قال تعالى { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما – النساء 165 }

ولقد اوحى الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله كما أوحى للنبيين من قبله قال تعالى { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا – النساء 163 } ولقد أخذ الله تعالى الميثاق من بني إسرائيل ليتولوا النقباء الإثني عشر كما قال تعالى { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل – المائدة 12 } وفي أمة محمد صلى الله عليه وآله آخر الزمان يبعث الله تعالى فيهم أئمة من أهل بيت النبي على عدد نقاء بني إسرائيل فمن بدل دين الله لإخراج الناس عن ولايتهم فإنما إثمه على الذين يبدلونه قال تعالى { فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم – البقرة 181 } .

ثم يقول تعالى لأهل الكتاب كيف يحكمونه وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم تولوا عن ولاية الله تعالى وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين – المائدة 43 }

وبسبب هذا التبديل تفرقت الأمة وقد حذر الله تعالى من ذلك قائلاً { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 105-106 }

ثم يبين تعالى أن هذه المكذوبات ورثها خلوف قالوا على الله غير الحق وتولوا غير أهل بيت نبيهم عليهم السلام كما قال تعالى { فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون – الأعراف 169 }

ثم يبين تعالى أنه قد وعد المؤمنين آخر الزمان الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام أنهم الذين سيورثهم الله تعالى الأرض من بعد هلاك الظالمين الضالين من أهلها قال تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور 55 } وهذا الوعد كتبه الله تعالى في الزبور من قبل كما قال تعالى { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون – الأنبياء 105 } .

 

وأما :

(إلا)

 

وهنا يقول تعالى عن نفسه عز وجل { وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم – البقرة 103 } ويقول تعالى أيضاً { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى – طه 8 } والله تعالى له الحكم في الأولى والآخرة وإليه يرجعون لقوله تعالى { وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون – القصص 70 }

ويبين تعالى أنه قد بعث رسوله للناس كي يعبدونه كما قال تعالى { ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير – هود 2 } وبعد أن أمر الله تعالى بعبادته نهى عن دعاء غيره عز وجل ورسوله وأهل بيته عليهم السلام بين تعالى أنه في الدنيا والآخرة كل شيئ هالك إلا من اصطفاهم الله عز وجل كما قال تعالى { ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون – القصص 88 } ووجه الله تعالى هم رسل الله وأنبيائهم وائمتهم ومن تبعهم ممن اصطفاهم الله تعالى وأسلموا له لورود لفظ الوجه في قوله تعالى { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها –  } والعروة الوثقى على الكفر بالطاغوت والإيمان بالله كما قال تعالى { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك العروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم

– البقرة }

وإسلام الوجه لله تعالى هذا هو دين الإسلام الذي قال تعالى فيه أنه ما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جائهم هذا العلم في كتاب الله الخاتم على نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله بغياً بينهم لقوله تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب – آل عمران 19 } ودين الإسلام يقوم على كتاب أنزله الله تعالى الواحد الأحد الرحمن الرحيم وما يكفر بها إلا الفاسقون كما قال تعالى : { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون – البقرة 99 } والفاسقون بالتالي هم الذين ضلوا ولم يتبعوا آيات الله تعالى كما في الآية هنا { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال – يونس 32 } ومن أراد الإستقامة على أمر الله فليعمل بهذا الكتاب المبين والذكر الحكيم الذي قال تعالى فيه { إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين – التكوير 27-29 }

وقد بين لهم النبي صلى الله عليه وآله كتاب ربهم وما أراده تعالى منهم لقوله عز وجل { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم – إبراهيم 4 } وهذا البيان لا يمسه ويدرك غور معناه إلا رجال أهل بيت النبي عليهم السلاك ومن تولهم ممن مسهم الطهر لقوله تعالى   { لا يمسه إلا المطهرون – الواقعة 79 }

وعن إمامة أهل بيت النبي عليهم السلام وفيها الهدى والخروج عليها إلا الضلال وذلك لقوله تعالى في الأمر بمودتهم عليهم السلام  { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين – الأنعام 90 } وهؤلاء هم الذين أمر الله تعالى بمودتهم كما قال تعالى { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } وهؤلاء هم أهل الذكر الذين قال تعالى فيهم : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – النحل 43 }

وبالتالي المؤمنين الذين لم يضلهم الله تعالى هم الذين لم يختلفوا على ولاية الله تعالى ورسوله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام وهؤلاء في كتاب الله هم الطائفة المرحومة التي استثناها عز وجل من عذابه كما قال تعالى { ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين – هود 118-119 }

وهؤلاء هم الذين استثناهم الله تعالى من عذاب الدنيا والآخرة كما قال تعالى { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 }

 

ويبين تعالى أن هذا الضلال بدأ بانقلاب على منهاج الوصية والخروج على ولاية ومودة أهل بيت نبيهم عليهم السلام كما قال تعالى { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } وبهذا الإنقلاب حاولوا إطفاء نور الله تعالى على الأرض كما قال تعالى { يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون – التوبة 32 }

ثم يبين تعالى أن الناس تولوا الأئمة المضلين كما هو وارد في سنة النبي صلى الله عليه وآله واتخذوا رؤوساً جهالاً أفتوهم بما يشتهون فضلوا وأضلوا كما فعلت بنوا إسرائيل من قبل وقال تعالى فيهم { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون – التوبة 31 } وهنا أعرضوا عن ذكر الله لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين – الشعراء 5 }

وما كان ذلك الإعراض عن ذكر الله إلا اتباعاً للظن كما قال تعالى { وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون – يونس 36 } وهذا الظن عصم الله تعالى منه المؤمنين كما قال تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين – سبأ }  . وهذا الظن لا يقوم على علم من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا – النجم 28 }

وهؤلاء المختلفين على رسولهم ثم أئمة أهل بيت نبيهم عليهم السلام هم الذين اتبعوا الظن و أغواهم الشيطان فاتبعوه لقوله تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين – الحجر42 } وهؤلاء منهم المترفين الذين قال تعالى فيهم { وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون – سبأ 34 }

وهؤلاء المترفين هم مقلدة الآياء والأجداد ممن قالوا أنهم سلف وكانوا صالحين فتولوهم من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيت النبي عليهم السلام كما قال تعالى { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون – الزخرف 23 }

 

وبالتالي يبين تعالى أن المترفين من أهل الضلال والغواية لم يؤمنوا بالله تعالى ورسوله ولم يعملوا الصالحات ولم يتولوا الله تعالى حق ولايته وهؤلاء هم الذين خسروا دنياهم وأخراهم كما قال تعالى : { والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – العصر } .

وهذا الخسران في الدنيا انتقام إلهي يبدأ بظهور تأويل آخر الزمان الذي قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وهذا التأويل الذي نسوه بعد فترة طويلة من الزمن أحسن التفاسير لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا – الفرقان 33 } وهذه هى بينة آخر الزمان التي لقوله تعالى في بينة الصخف الأولى { سورة طه – وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى – طه 133 } وبالتالي بينة الصحف الآخرة من كتاب الله الخاتم هى التي قال تعالى فيها { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ – البينة 1-5 }

وبهذا التأويل وهو أحسن التفاسير و بينة الصحف الآخرة تنزل الملائكة آخر الزمان قريب من الساعة لنصرة حزبه المؤمنين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور – البقرة 210 }

ثم يكون هلاك القرى الظالمة كما قال تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 }  ولن يهلكهم الله تعالى إلا من بعد أن يبعث فيهم إماماً منذرا لقوله تعالى { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون – الشعراء 208 }

ثم تاتيهم صيحة مالها من فواق قال تعالى فيها { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 } أي أنها صيحة تميتهم وتخمدهم كما قال تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون – يس 29 } ثم يحضرون عند الله تعالى بعد هذه الصيحة بنفخة البعث للمحكمة الكبرى يوم القيامة حيث يحاسبون على كل ما عملوه بالحياة الدنيا قال تعالى { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 } فإذا قاموا أحضرهم الله تعالى للحساب كما قال تعالى  { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون – يس 53 } وفي هذا اليوم لا يجزون إلا ما كانوا يعملون لقوله تعالى { وما تجزون إلا ما كنتم تعملون – الصافات 39 } وفي هذا اليوم لا يكون على المؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام من عذاب وهم الذين قال تعالى فيهم { إلا عباد الله المخلصين – الصافات 40 }

 

وأما :

(إلا الضلال)

 

و هنا يبين تعالى أن الضلال عصىان الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا – الأحزاب 36 } وطاعة المخلوق في معصة الخالق عملاً بالهوى شرك وهو ضلال بعيد لا يغفره الله تعالى كما قال عز وجل { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا – النساء 116 }

وقد أمر الله تعالى بأن تكون الولاية له تعالى ولرسوله ثم الإمام علي والأئمة من أهل بيته من بعده لما نزل في الإمام علي من قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 } .

وبالتالي من خرج على هذه الولاية فقد خرج من الهدى إلى الضلال كما في قوله تعالى { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون – الأعراف 30 } وهؤلاء الذين ضلوا فهم حكام كل زمان ممن خرجوا على ولاية الله الحق لذلك يقول تعالى فيمن  توولاهم وأطاعهم من دون الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67 } وهؤلاء بين نبي الله إبراهيم أنهم أصنام كل زمان ممن سيحاربون أهل بيت النبي في كل زمن وقد دعا لذريته من بعده بأن لا يتولوهم ولذلك سفك هؤلاء المجرمين دماء أنبياء الله تعالى من ذرية إبراهيم ثم الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام وذلك لعدم دخولهم في ولاية حكام كل زمان لقوله تعالى في دعاء نبي الله إبرايهم عليه السلام { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم – إبراهيم 35-36} ومن اتبع الهدى وتولى الله تعالى حق ولايته فلا يضل ولا يشقى كما قال تعالى هنا { فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى – طه 123 }

وبناءأ على ذلك يكون معنى قووله تعالى هنا { فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون – يونس 32 } أي أن الحق في طاعة الله تعالى ورسوله وولاية الله تعالى ورسوله ,أهل بيته عليهم السلام وليس بعذ ذلك إلا الضلال }

 

وأما :

(فأنى تصرفون)

 

[ وتصرفون من صرف : وهو رد الشيء من حال إلى حال كصرف النقود وتصريف الرياح وصرف القلوب  – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الراء والفاء ] قال تعالى في جهنم { ولم يجدوا عنها مصرفا – الفرقان – الكهف 53 } وقال تعالى { ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم – هود 8 }

وعن آياته يقول تعالى { ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل ليذكروا – الإسراء 41 } أي أنه تعالى حول عذابه لكلمات صرفها للناس في كتابه الكريم ليذكروا فأبوا إلا كفورا   ثم يقول تعالى أنهم لما سمعوا آيات الله تعالى نظر بعضهم إلى بعضثم صرفوا قلوبهم للدنيا ومشاغلهم كأنهم لم يسمعوا شيئاً قال تعالى { وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون – التوبة 127 }

ويبين تعالى أن منهم من جادل في آيات الله تعالى كما قال تعالى { ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون – غافر 69 } أي كيف تتحول أبصارهم وقلوبهم ولم يؤمنوا ويصدقوا أن الله تعالى معذبهم إن ماتوا على معصيته عز وجل ثم يدعوهم الله تعالى للتفكر في مراحل خلقهم في ظلمات ثلاث قال تعالى فيها { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون – الزمر 6 }

وهؤلاء بين تعالى أنهم كما صرفوا أبصارهم عن النبي وذكر الله فسيصرفهم الله تعالى عن كل عمل صالح ينفعهم في آخراهم بتكبرهم على الله تعالى ورسوله وأهل بيته والمؤمنين لقوله تعالى { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين – الأعراف 146 }

ثم يبين تعالى أنه سيخلفهم ذرية لا تتولى أهل بيت النبي عليهم السلام وبخروجهم على ولاية الله الحق يضرب بينهم الخلاف والإقتتال لقوله صلى الله عليه وآله في الحديث [ أهل بيتي أمان من الفرقة … الحديث ] ويقول تعالى لذلك { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 } . ويظلوا في هذا الإختلاف والإقتتال بغضب من الله تعالى حتى يأت وعد الله تعالى فإذا جاء فليس مصروفاَ عنهم كما قال تعالى { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – هود 8 }

ويقول تعالى هنا لذلك { فأنى تصرفون – يونس 32 } أي كيف لا تصدقون وتؤمنون بأن الله تعالى قد أعد للضالين الخارجين على ولايته وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام عذاباَ في الدنيا والآخرة إذا نزل بهم فليس مصروفاً عنهم .

 

ثم يقول تعالى :

(33) وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار (6)