المصري اليوم :
لقب بملك الموت خلال الحرب على أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فعلى مدار عقدين من الزمن، كان ذكر اسمه يثير الخوف في قلوب المواطنين الأفغان، هو سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة «طالبان» حاليًا، أو «البُعبع».
الصحفية كريستينا جولدبام بصحيفة «نيويورك تايمز»، والتي أجرت مقابلة مع حقاني، مؤخرا تقول إنه رجل شجاع في الأربعينيات من عمره وله لحية سوداء خشنة، ومظهر أشيب لرجل دولة متمرد، مضيفة أنه على مدار ثلاث ساعات، تحدث «ملك الموت»، عن تفاصيل لم تكن معروفة من قبل عن نشأته، وحساباته الدقيقة ضد القوات الأمريكية، والتفاعلات السرية السابقة بين عائلته والمسؤولين الأمريكيين، فماذا نعرف عنه؟
من هو سراج الدين حقاني؟
نشر حقاني صفوفه من الانتحاريين من حركة طالبان، الذين أمطروا القوات الأميركية والمدنيين الأفغان بالمذابح على حد سواء، إذ تعتبره الولايات المتحدة الأمريكية «زعيم شبحي للجهاد العالمي» له علاقات عميقة مع تنظيم القاعدة وغيره من الشبكات الإرهابية، وتصدر قائمتها لأهم المطلوبين في أفغانستان، مع مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه.
ومنذ انسحاب القوات الأمريكية في عام 2021 وعودة طالبان إلى السلطة، صور حقاني نفسه على أنه شيء آخر، إذ ظهر كرجل دولة عملي، دبلوماسي موثوق، وصوت الاعتدال النسبي في حكومة غارقة في التطرف الديني، بحسب وصف صحيفة «نيويورك تايمز»، إذ طالب من أجل السماح للفتيات بالعودة إلى المدرسة بعد الصف السادس، واستئناف النساء العمل في المكاتب الحكومية، ولكن هذا ما قوبل بالرفض من قبل رئيس الدولة الشيخ هيبة الله أخونزاده.
أصيب العديد من الدبلوماسيين الغربيين بالصدمة من التحول الذي طرأ على حقاني، متسائلين عما إذا كان من الممكن تصديق ذلك، إنه شخصية غامضة، فهو في الوقت نفسه ناشط سياسي متعطش للسلطة و«جهادي ملطخ بالدماء» على حد وصفهم، حتى التاريخ والمكان الدقيق لميلاده غير واضحين، فإن الوعد باستعادة حقوق المرأة قد لا يتعلق بالإصلاح الشخصي بقدر ما يتعلق بحسابات لجلب الدول الغربية إلى جانبه وهو يتحدى الشيخ هيبة الله.
وُلِد حقاني قبل فترة قصيرة من الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، ونشأ في ميران شاه، وهو مكان من الطوب الطيني يأوي اللاجئين الأفغان على الحدود مع باكستان، وكان والده، جلال الدين حقاني، قائدًا بارزًا للمجاهدين ـالمتمردين الأفغان الذين يخوضون حربًا ضد القوات السوفييتية، والذي أقام علاقات مع رعاة أقوياء في جميع أنحاء جنوب آسيا.
كان حقاني طوال الوقت يعد ابنه سراج الدين لتولي الشبكة الجهادية المترامية الأطراف التي كان ينشئها، حتى عندما كان سراج الدين طفلًا، أطلق عليه الجيران والأقارب لقب «خليفة»، إذ يقول حقاني إن أولى ذكرياته كانت السفر إلى معسكرات تدريب المجاهدين في شرق أفغانستان لزيارة والده، ويتذكر أن المعسكرات كانت تضج بصافرات قذائف الهاون الصادرة عن القتال القريب وتفوح منها رائحة العرق من المقاتلين المجاهدين الذين خرجوا من ساحة المعركة.
قضى حقاني وإخوته بقية طفولتهم في الدراسة في مدرسة محلية، ثم مع مدرسين خصوصيين استأجرهم والدهم لتعليمهم السياسة العالمية وكذلك النصوص الدينية، وقد أتاح ذلك له فرصة التعرف على العالم الخارجي، وهو أمر نادر بالنسبة لزعيم طالبان المستقبلي.
وعندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001، كان حقاني، الذي كان آنذاك في أوائل العشرينات من عمره، يجلس في المدرسة التي تديرها عائلته في مقاطعة خوست، في جنوب شرق البلاد، إذ وصلت الأخبار عبر راديو قديم للمجاهدين: «الصواريخ الأمريكية تنهمر على كابول».
إعادة الصفوف
بعد سقوط حركة طالبان بسنوات وتحديدًا في صيف عام 2006، كانت الحركة قد أعادت تجميع صفوفها، وبحلول ذلك الوقت، كان حقاني يقود عمليات حرب العصابات في الشرق، قبل أن يتم تكليفه في نهاية المطاف بالإشراف على استراتيجية طالبان العسكرية في جميع أنحاء البلاد كنائب للأمير، ونما المقاتلون تحت قيادته المباشرة ليصبحوا أحد أكثر أذرع تمرد طالبان مرونة وقدرة، وقد تبنى حقاني الهجمات الانتحارية بطريقة لم يسبقها إلا القليل من قبله، إذ أنشأ كتيبة رفيعة المستوى لاستقبال «المفجرون المحتملون»، للانضمام إليها.
ونفذ مقاتلو حقاني أكثر الهجمات الانتحارية دموية في الحرب، بما في ذلك هجوم في عام 2017 الذي أدى إلى مقتل أكثر من 150 شخصا، معظمهم من المدنيين، بشاحنة مفخخة واحدة، وفي عام 2011، شنوا هجومًا استمر 19 ساعة على السفارة الأمريكية في كابول، وكان آخر جندي أمريكي معروف تم احتجازه كرهينة في أفغانستان، بو بيرجدال، ظل في أيدي شبكة حقاني لسنوات بعد أسره في عام 2009.
ودفعت تلك الهجمات إلى تصنيف شبكة حقاني منظمة إرهابية أجنبية في عام 2012، وهي الذراع الوحيد لطالبان الذي تم تصنيفه بهذه الطريقة، كما عبر عن سعادته بعد علمه بتصنيفه من قبل المسؤولين الأمريكيين على قائمتهم السوداء، قائلًا: إن ذلك دليل على أن جهوده في ساحة المعركة كانت فعالة للغاية ضد الولايات المتحدة.