"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

بيان قوله تعالى من سورة يونس (( ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به)) – من تفسير البينة

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

مركز القلم

الملف بصيغة بي دي إف :

ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين

وهنا بعدما ذكر تكذيب الكثير بتأويل لكتاب الله هم قد أعلنوا جهلهم ببعض آيات من كتاب الله تعالى من قبل ومنها آيات تم تفسيرها خطأ عن عمد وذلك بيناه في الآية السابقة { بل كذبوا بمالم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله – يونس 39 } ثم قال تعالى ههنا عن هؤلاء أن منهم من سيؤمن به ويتولى الله تعالى ورسوله ثم أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام ومنهم من لم يتولة أئمة أهل بيت النبي الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا ممن قال تعالى فيهم { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا – الكهف } .

 

وهنا :

(ومنهم) من يؤمن به (ومنهم) من لا يؤمن به)

 

وهنا قوله تعالى { ومنهم من يومن به } وهم المؤمنون وأما { ومنهم من لا يؤمن به } فهم الكافرون

وسنبين أولا أن الناس على قسمين أو حزبين أو فريقين مؤمن وكافر والبداية أن بعث الله تعالى فيهم رسولا منهم يعلمهم آيات الله تعالى كما قال تعالى { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم – البقرة 129 }

والمؤمنين من هؤلاء :

هم الذين استخلصهم الله تعالى واستثناهم إبليس من غوايته كما في قوله تعالى : { إلا عبادك منهم المخلصين  – الحجر 40 }

وهؤلاء هم الذين استجابوا لله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم – آل 127 } .

والذين اتبعو النبي صلى الله عليه وآله من صحابته الكرام قال تعالى في الذين آمنوا منهم واتبعوا النبي صلى الله عليه وآله الأشداء على الكفار الرحماء بينهم الذين يبتغون رضوان الله تعالى وقال فيهم  { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما – الفتح 29 }

ثم يأتي بعد ذلك الذين تولوا الأئمة من أهل البيت النبوي عليهم السلام لقوله تعالى

{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون – السجدة 24 }

وهؤلاء  هم الذين يبتغون رضا الله تعالى وحسنته في الدنيا وكذلك رضاه وحسنة الآخرة كما قال تعالى { ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار – البقرة 201 }

 

وأما (ومنهم من لايؤمن به) فهم أهل النار :

 

وهنا ورد في تفسير سورة التوبة قول ابن عباس [ مازال الله تعالى يقول ومنهم ومنهم حتى ظننا أننا منهم ]

و منهم هنا هم أتباع إبليس الذين خرجوا على طاعة وولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين – الأعراف 18 } وهؤلاء هم الذين لم يؤمنوا كما في الاية هنا { ومنهم من لا يؤمن به – يونس 40 } وهؤلاء منهم أهل كتاب تولوا وأعرضوا عن ذكر الله تعالى ورسوله لقوله تعالى {  ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون – آل عمران 23 }

ومن قريش من حارب النبي صلى الله عليه وأهل بيته في دينهم فكذب على الله تعالى ورسوله متعمداً لقوله تعالى { ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا – النساء 81 } .

ثم يرجعون إلى أهل الكتاب وهم الذين أوتوا العلم في وحدة هدف بينهما وهو الحرب على النبي صلى الله عليه وأهل بيته فيقولون لهم استهزاءاً وتكبراً (ماذا قال آنفا)  قال تعالى {  ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم – محمد 16 } و من هؤلاء الذين بدلوا وكذبوا على الله تعالى كما في قوله تعالى { فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون – الأعراف 162 } وهذا التبديل قال فيه تعالى صراحة { يريدون أن يبدلوا كلام الله – الفتح 15 }

وهذا التبديل كان بتحويل دين الله تعالى الذي قال فيه بأنه ولاية الله تعالى ورسوله ثم أهل بيته عليهم السلام الذين أمر بمودتهم و قد أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فحولوا دين الله تعالى لمدائح رجال وقبائل أوهموا الناس بأن رضاهم من رضا الله وذلك مصداقاً لقوله تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78 }

وهؤلاء بشرهم الله تعالى بعذابين قال تعالى فيهما { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } وأول هذين العذابين قريباً من موته صلى الله عليه وآله كما قال عز وجل { فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون – الزخرف 41 }

ثم ينذر الله تعالى هؤلاء ومن تولاهم بأنه قد أهلك الأمم من قبل بعد أن أصروا على تكذيبهم وكفرهم فأخذهم الله تعالى بذنوبهم كما قال تعالى { فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – العنكبوت 40 } .

وبالتالي كل الناس ما بين مؤمن وكافر كما قال تعالى { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير –التغابن 2 }

وبالتالي منهم من أراد الدنيا وعمل لها ومنهم من أراد الآخرة وعمل لها كما قال تعالى : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة – آل عمران 152 }

و من اتبع الرسل فهو الذي آمن ومن كذبهم فهو الذي كفر لقوله تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد – البقرة 283 }

 

وأما :

(ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن)

 

والإيمان هو التصديق لقوله تعالى { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين – يوسف }

ومن آمن بالله عمل الصالحات كما قال تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – العصر } ومن آمن وعمل صالحاً فلابد وأن يتولى الإمام علي عليه السلام ثم الأئمة من أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – التوبة 55-56 } .

وبالتالي من آمن به فهو الذي تولى الله تعالى ورسوله ثم الأمة من أهل بيت النبي عليهم السلام ومن لا يؤمن به فهو الذي صده الشيطان عن ولاية الله الحق لقوله تعالى { فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا – النساء 55 } ومن لا يؤمن بذلك فهو من المفسدين الذين قال تعالى فيهم هنا { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين – يونس 40 } .

 

وأما :

(وربك أعلم)

 

أي أنه يقول تعالى { إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين – الأنعام 117 } ومن ضل عن سبيل الله فهو من المفسدين الذين قال تعالى فيهم هنا { وربك أعلم بالمفسدين } وهؤلاء المفسدين الضالين يبين تعالى قلة علمهم فقال فيهم عز وجل { ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى – النجم 30 } .

 

وأما :

(المفسدين)

 

والمفسدين هنا هم الذين خرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله ثم الإمام علي عليه السلام ومنهم بني أمية لقوله تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } ورد في التفاسير أن الآيو نزلت في الإمام علي وحمزة وعبيد الله بن الحارث بن عبد المطلب الذين بارزوا في بدر الوليد وعتبة وشيبة .

 

[ قال بن عباس نزلت الآية في الثلاثة الذين قاتلوا في بدر وهم علي وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وقتلوا الفجار من بني أمية الوليد وعتبة وشيبة – شواهد التنزيل ج 2 ص 171 ] .

[ عن ابن عباس وأما قوله ( نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الآية قال نزلت هذه الآية في ثلاثة من المسلمين وهم المتقون الذين عملوا الصالحات وفي ثلاثة من المشركين وهم المفسدون الفجار فأما الثلاثة من المسلمين فعلي بن ابي طالب وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهم الذين بارزوا يوم بدر فقتل علي الوليد وقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة – شواهد التنزيل للحاكم ج 2 ص 171 ] .

وبالتالي المعنى هنا { وربك أعلم بالمفسدين } أي أن الله تعالى أعلم بمن تولاه ورسوله وأهل بيته ومن تولى غيرهم من أعدائهم ومحاربيهم من الكفار والمنافقين والمؤمن هو المصلح والمفسد هو الخارج على طاعة الله تعالى وولايته الحق قال تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح – البقرة 220 } .

 

ثم يقول تعالى :

(41) فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين (147)

 

سورةآل عمران – فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير (184)