بيان ما اختلف في قوله تعالى (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) من (تفسير البينة)
البحث بصيغة PDF :
يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي :
بقلم :
خالد محيي الدين الحليبي
(يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)
(31) قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون (31)
قال الطبري في تفسيره عن اختلاف المفسرين وعدم فهمهم مراد الله تعالى من هذه الآية :
[ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: تأويـل ذلك: أنه يخرج الشيء الـحيّ من النطفة الـميتة، ويخرج النطفة الـميتة من الشيء الـحيّ. ذكر من قال ذلك: حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن عبد الله فـي قوله: { تُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحيّ } قال: هي النطفة تـخرج من الرجل وهي ميتة، وهو حيّ، ويخرج الرجل منها حياً وهي ميتة. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله عزّ وجلّ: { تُخْرِجُ الْحيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحيِّ } قال: الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة، ويخرجها من الناس الأحياء والأنعام. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك فـي قوله: { تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } فذكر نـحوه. حدثنـي موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } فـالنطفة ميتة تكون تـخرج من إنسان حيّ، ويخرج إنسان حيّ من نطفة ميتة. حدثنـي مـحمد بن عمرو وابن علـي عن عطاء الـمقدمي، قال: ثنا أشعث السجستانـي، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد فـي قوله: { تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } قال تـخرج النطفة من الرجل، والرجل من النطفة. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: { تُخْرِجُ الْحيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } قال: تـخرج الـحيّ من هذه النطفة الـميتة، وتـخرج هذه النطفة الـميتة من الـحيّ. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي قوله: { تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحيِّ }… الآية، قال: الناس الأحياء من النطف، والنطف ميتة من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبت كذلك. قال ابن جريج، وسمعت يزيد بن عويـمر يخبّر عن سعيد بن جبـير، قال: إخراجه النطفة من الإنسان، وإخراجه الإنسان من النطفة. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: { تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحيِّ } قال: النطفة ميتة، فتـخرج منها أحياء. { وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } تـخرج النطفة من هؤلاء الأحياء، والـحبّ ميتة تـخرج منه حياً. – تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ] .
وهذه التفاسير لعلماء السلف منقوصة وإن كانت صحيحة وذلك لاعتمادها على قوله تعالى { إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون – الأنعام 95 }
وبناءاً على هذه الاية اعتبر العلماء أن الحبة ميتة وكذلك النطفة ميتة على القياس فقالوا بأن تلك الحبة والنطفة الميتة يخرج الله تعالى منها الحي وهو النبات والإنسان وهذا عن إخراج الحي من الميت ولا يكون إخراج الميت من الحي إلا موت الجسد أو النبات حتى يصبح هشيماَ تزروه الرياح وهذا فهم ناقص لا يقوم إلا على اعتبار الساكن ميت ولا يحيا إلا بالإنبات أو الإنجاب كما قال تعالى في الأرض { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون – الأعراف 57 } وبالتالي قوله تعالى هنا { كذلك نخرج الموتى – الأعراف 57 } دليل على أن قوله تعالى هنا { يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي – يونس 31 } فيها دليل على أن أكثر المفسرين لم يحقق مراد الله تعالى من الآية أنها عامة تبين رحلة الإنسان بين الحياة والموت كما سنبين .
وفي تفاسير أهل البيت عليهم السلام :
[ ابن بابويه، قال: سئل الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام) عن الموت، ما هو؟ قال: ” هو التصديق بما لا يكون، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الصادق (عليه السلام) قال: إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتا، و إن الميت هو الكافر، إن الله عز و جل يقول: { وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ } يعني المؤمن من الكافر، و الكافر من المؤمن “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني الآية 29 من آل عمران ] والآية هنا بيانها صحيح بناءاً على تشبيه الكافر بالميت والمؤمن بالحي في كتاب الله عند قوله تعالى { أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون – الأنعام 122 }
وأغلب الظن هذا العلم لا ينسب بسطحيته إلى أهل البيت عليهم السلام بل الواضح فيه أنه بحث جيد لأحد التابعين أو تابعي التابعين نسب إلى أهل البيت عليهم السلام , وذلك لأن الآية تتكلم عن تشبية بين المؤمن والكافر ذكره الله عز وجلفي كتابه الكريم ولا شأن لها بقصة الخلق والتنقل بين عالمي الموت والحياة وهذا وجه من وجوه التفسير صحيح و لكنه منقوص غير كامل البيان بطريقة أهل بيت النبي في بيان كتاب الله والذي يقوم على جمع الآيات ثم تفصيلها والخروج بالمعنى المراد من الله تبارك وتعالى لآياته دون ذكر البرهان المطول لفهمهم والذي بيناه في تفسيرنا لكتاب الله .
وبالتالي يمكن أن نقول بأن الحقيقة مجزئة بين المذهبين في البيان وكلاهما منقوص البيان بناءاً على طريقة أهل بيت النبي في بيان كتاب الله تعالى كما سنبين .
وهنا بيان الآية وفقاً لفهم أهل بيت النبي وطريقتهم في التفسير :
(ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي)
وهنا يأت بيان هذه الآيات على مراحل انتقال الإنسان بين الدنيا والآخرة والأصل فيها أن جسد الإنسان في الدنيا هو سوءته التي بدت كما قال تعالى { فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى طه 121 } وبدت أي ظهرت بعد اختفاء وكان إبليس يعلم ذلك كما قال تعالى محذراً بني آدم منه لعنه الله { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون – الأعراف 27 } وهذه السوءة أجساد بني آدم التي تبدأ رحلتها في الحياة الدنيا بالخروج من البطون بداخلها نفسها التي تعيش بها في الحياة الدنيا على الأرض وذلك لقوله تعالى عن جسد بني آدم وهو سوؤته { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين – المائدة 31 } وبالتالي موت الجسد (السوءة) إحياء لجسده الطيني الذي كان يعيش به في الجنة وهى نفسه أو (الجسد الطيني الذي عاش به في جنة عدن) أي أن موت هذه يحيي هذه وموت هذه يحيي هذه كما قال تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة 28 }
والخروج يكون خروجين من البطون أولاً لقوله تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78 } والخروج الثاني من الأرض بعد موت الأجساد لقوله تعالى { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون – الروم 19 }
وبالتالي خروج الجسد للدنيا على الأرض من بطون الامهات
موتاً للنفس عند أهل السماء واخفاؤها بداخل الجسد وموت البدن في الدنيا إحياء وبروز للنفس بعد اختفاؤها بالجسد في الحياة الدنيا وذلك معنى قوله تعالى هنا أن الله تعالى هو الذي خلقهم ويفعل ذلك أثناء تنقلهم بأجسادهم بين عالمي الدنيا والآخرة وكلا من الجسد والنفس لذلك قال تعالى فيهما أنهما زوج فالرجل زوج والأنثى زوج قال تعالى { وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى – النجم 45 } وهذين الزوجين لكل إنسان يتحرك بهما بين الحياة الدنيا والآخرة فهل من خالق غيره يقدر على ذلك قال تعالى { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون – يونس 31 }
وأما :
(ومن يدبر الأمر)
و[ تدبير الأمر : النظر في عواقبه على حسب ما يقتضية من الحكمة والكمال – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الباء والراء ] قال تعالى { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون – يونس 3 } ثم يقول تعالى أنه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر قال تعالى { الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون – الرعد 2 }
ثم يبين تعالى بعد تدبير الأمر تعرج الملائكة بعد ذلك للعرض على النبي في يوم من أيام الحياة الدنيا مقداره ألف سنة مما تعدون قال تعالى { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون – السجدة 5 } ونقول للعرض على النبي صلى الله عليه وىله للحديث القائل [ تعرض علي أعمالكم … الحديث ]
وأما صعود الأعمال للخالق عز وجل في يوم مقداره خمسين ألف سنة قال تعالى فيه { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة – المعارج 4 }
وعن أحاديث عرض الأعمال على النبي صلى الله عليه وآله [ عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ – يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ – رواه أبو داود (1047) ، والنسائي (1374) – حديص صحيح ]
[ وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ – رواه النسائي (1282)، – حديث صحيح ] .
ثم يبين تعالى هنا أنهم أقروا بأن المدبر للخلق هو الله تعالى كما في الآية {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون – يونس 31 } .
وأما :
(فسيقولون الله)
أي أنه يقول تعالى { قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ – المؤمنون 84-92 }
وبالتالي إن سألتهم من خلق السماوات والأرض فسيقولون الله كما قال تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون – العنكبوت 61 } وقال تعالى أيضاً { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون – لقمان 25 }
وقال تعالى عن إحياء الأرض بعد موتها إن سألتهم من يعل ذلك فسيقولون الله قال تعالى .
وماداموا قد أقروا بألسنتهم ولم تعمل جوارحهم بالطاعات فقد نفى الله تعالى عنهم العقل كما قال تعالى { ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون – العنكبوت 63 } وسيقولون خلقهن العزيز العليم في إقرار باللسان فقط كما في قوله تعالى { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم – الزخرف 9 }
ثم يقول تعالى في هؤلاء ماداموا مقرين بأنه تعالى الخالق المدبر للأمر فلماذا يدعون من دون مخلوق ويتولون ويودون من لم يأمر الله تعالى بولايتهم ولا مودتهم قال تعالى {
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون – الزمر38 } وبالتالي أنى يؤفكون عن ذكر الله تعالى وولايته الحق لرسوله ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام إلا بأحاديث ومرويات مكذوبة فيها إفك مبين وقد اقروا بأن خالقهم هو الله كما في قوله عز وجل : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون – الزحرف 87 }
ثم يبين تعالى أن هؤلاء هم الذين جحدوا بآيات الله واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلواً كما فعل فرعون من قبل قال تعالى { كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون – غافر 63 }
وأما :
(فقل)
أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله ما داموا أقروا بانه تعالى الخالق فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني قال تعالى { فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد – آل عمران 20 } ثم يقول تعالى بأن يقول لهم إن كذبوه فإن الله تعالى لا يرد باسه عن القوم المجرمين قال تعالى { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين – الأنعام 147 }
وأما :
(أفلا)
أي أنه يقول تعالى لهؤلاء المجرمين من قريش الذين قالوا لولا أنزل عليه ملك أو يكون معه كنز أو تكون له جنة يأكل منها قال لهم الله تعالى { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون – الأنعام 50 }
ثم يقول تعالى في أهل الكتاب الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وآله { يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون – آل عمران 65 }
ثم يقول في الذين يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون منهم وممن تقلد بهم : { أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون – البقرة 44 }
ويقول للمنافقين الذين اختلفوا على من أمر الله تعالى بولايتهم ومودتهم وأذهب الله تعالى الرجس عنهم أن القرآن لا اختلاف فيه في فهم أو بيان أو ولاية أو مودة قال تعالى { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا – النساء 82 } ثم يقول للمنافقين أصحاب الوجهين الذين يأتون هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر أفلا يعقلون قال تعالى { وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون – البقرة 76 }
ثم يقول تعالى لكل هؤلاء المجرمين { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون – النحل 17 } أي كيف يتولون ويودون ويطيعون المخلوق ويخرجون بولايته على ولاية الله الحق
ثم يقول تعالى لهؤلاء المجرمين جميعاً قبل أن يأتيهم الموت بغتة { أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم – المائدة 74 }
وأما :
(فقل أفلا تتقون)
والتقوى هى عمل الصالحات واجتناب المحرمات لقوله تعالى { وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197 }
وتقوى الله تعالى من طاعة وعبادة واجتناب لما حرم الله تعالى دعوة دعا بها كل نبي كما قال عز وجل في قوم نوح عليه السلام { إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون – الشعراء 106 } وقال هود أيضاً عليه السلام { إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون – الشعراء 124 } وقال صالح لقومه عليه السلام { إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون – الشعراء 142 } وقال لوط لقومه عليه السلام { إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون – الشعراء 161 } وقال شعيب عليه السلام { إذ قال لهم شعيب ألا تتقون – الشعراء 177 } وكذلك قال نبي الله إلياس لقومه عليه السلام { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ – الصافات 123-125 }
وبالتالي إذا أقر الناس بألسنتهم أنه تعالى هو الخالق المدبر للأمور فلابد وأن يتقونه فيؤمنون بهويعملون الصالحات ويجتنبوا الموبقات لذلك قال تعالى : { قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ – المؤمنون 86-87 } ثم ي1ذكرهم الله تعالى بعد أن بين لهم أنه الخالق فاقروا بذلك يذكرهم بأنه راوقهم وبالتالي أفلا يتقون خالقهم ورازقهم الذي يحييهم ويميتهم كما قال تعالى هنا : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون – يونس 31 } .
ثم يقول تعالى :
(32) فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون (32)