شفقنا :
شهد العالم الشهر الماضي درجات هي الأكثر ارتفاعا على الإطلاق منذ بدء تسجيل بيانات المناخ عام 1940.
ومع تعثر الجهود الرامية للوفاء بالتزامات اتفاقية باريس لعام 2015 للحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، وإذا أمكن خفضها إلى 1,5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، تثير أفكار معينة بشأن تبريد الكوكب بشكل اصطناعي جدلا واهتماما ملحوظين.
إحدى هذه الأفكار تتمثل في خفض درجات الحرارة العالمية من خلال تظليل الكوكب بشكل فعال، أو تعديل الإشعاع الشمسي، وهي العملية المعروفة باسم “الهندسة الجيولوجية الشمسية” أو “هندسة المناخ”، على الأقل كإجراء مؤقت إلى أن يتم تقليل تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.
وفي عام 2022، بدأت شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا تسمى “ميك سانسيتس” في إطلاق بالونات مليئة بجزيئات الكبريت في الغلاف الجوي العلوي، حتى تساعد على تبريد الكوكب عن طريق عكس اتجاه ضوء الشمس القادم إلى الأرض.
تتمثل الفكرة في إضافة الهباء الجوي عن قصد إلى طبقة الستراتوسفير لتعكس بعض أشعة الشمس. وتخطط بعض المشاريع لضخ مليارات من جزيئات الكبريت في الطبقة العليا من الغلاف الجوي.
وجذبت هذه العملية الأنظار لأسباب منها الاعتقاد أنها من بين أرخص الأساليب وأقلها تعقيدا.
لكن في المقابل، تثير هذه الفكرة كثيرا من الجدل، بل إن الأمم المتحدة ومؤسسات دولية والاستخبارات الأميركية حذرت من خطورتها أو تطبيقها بشكل أحادي.
فمن شأن هذه العملية أن تحاكي ما لوحظ حدوثه عندما ثار بركان جبل بيناتوبو في الفلبين في عام 1991، حيث أدى التأثير الإشعاعي للجسيمات والهباء الذي تم إطلاقه إلى إنهاء عدة سنوات من ارتفاع درجات حرارة سطح الأريض على مستوى العالم، وتبريد الكوكب بمقدار 0.4 درجة مئوية خلال العامين التاليين.
لكن في الوقت ذاته، أدى التأثير المشترك للجسيمات البركانية والكلور التفاعلي الناتج عن أنشطة الإنسان إلى انخفاض مستويات الأوزون في طبقة الستراتوسفير إلى مستويات غير مسبوقة، بحسب دراسة نشرت في مجلة “نيتشر”.
أي أنه على الرغم من أن حقن الهباء الجوي في طبقة الستراتوسفير قد يساعد فعلا في مواجهة بعض ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، فإن هذه العملية قد تعطل أيضا أنماط الطقس والمناخ العالمية، مما يخلق عواقب غير مقصودة وخطيرة على الكوكب بأكمله.
وحذر جون بايل الرئيس المشارك للجنة العلمية التي تعمل في مجال الأوزون لحساب الأمم المتحدة من أن ضخ الجسيمات في الغلاف الجوي “يمكن أن يؤدي إلى انخفاض خطير في مستوى الأوزون”، مضيفا أن “هناك الكثير من الشكوك”.
وأشارت دراسة نشرت مجلة “تطوير علوم الأرض والفضاء” في 2018، من أنه إذا تم نشر الهندسة الجيولوجية الشمسية بحيث يتم إبطاء الانحباس الحراري العالمي، ثم توقف فجأة، فسيكون هناك ارتفاع سريع ومدمر في درجات الحرارة، وهو ما وصفته بـ”صدمة الإنهاء” التي سيكون لها تأثيرات وعواقب خطيرة.
ما يثير القلق أنه ليس هناك قانون دولي يحكم هذه العملية ويمنع الدول أو حتى الجهات الفاعلة غير الحكومية أو الشركات الناشئة الطموحة من تطبيقها على نطاق واسع بشكل أحادي، مما قد يؤدي إلى مخاطر نشوب صراع إذ قد تلجأ بعض الدول إلى القوة العسكرية لمنع ما تراه عبثا خطيرا بمناخ العالم.
التحكم في الإشعاع الشمسي
وقبل أسابيع من مؤتمر الأطراف المناخي (كوب26) الذي عقد في غلاسغو في أوائل نوفمبر 2021، حذرت الاستخبارات الأميركية في تقرير من أن “توتر الأوضاع الجيوسياسية سيتفاقم لأنه ستحدث خلافات بين الدول حول طريقة تقليص انبعاثات غازات الدفيئة لتحقيق أهداف اتفاق باريس”.
وأضاف التقرير الذي تضمن خلاصة تحقيقات مجمل أجهزة الاستخبارات الأميركية أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي “يزيد أساسا المنافسة الاستراتيجية للوصول إلى موارده الطبيعية”.
وفي أماكن أخرى ومع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الحالات القصوى لتقلبات الطقس “هناك خطر متزايد لحدوث نزاعات على المياه والهجرة خصوصا بعد العام 2030″، حسب التقرير.
وأضافت الاستخبارات أن معظم البلدان “ستواجه خيارات اقتصادية صعبة وستعتمد على الأرجح على التقدم التكنولوجي لتقليل انبعاثاتها بسرعة، لكن في وقت لاحق”، محذرة من أن تقنيات الهندسة الجيولوجية التي تهدف إلى التلاعب بالمناخ والبيئة وتغييرهما قد تكون هي الأخرى مصدرا آخر للنزاع.
وبذلك يمكن لأي دولة أن “تختبر بشكل أحادي أو حتى تنشر تقنيات الطاقة الشمسية على نطاق واسع لمواجهة آثار تغير المناخ إذا اعتبرت أن الجهود الأخرى للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية قد فشلت”، كما أوضحت الاستخبارات.
وتابعت “بدون اتفاق دولي حول هذه التقنيات نعتبر أن مثل هذا الجهد الأحادي من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية”.
وقال التقرير إنه بعد العام 2040، ستكون أقل البلدان نموا هي الأقل قدرة على التكيف مع تغير المناخ ما سيزيد من خطر عدم الاستقرار أو حتى حرب أهلية في هذه البلدان.
وحددت الاستخبارات في تقريرها 11 دولة تعتبر معرضة للخطر بشكل خاص هي أفغانستان وبورما والهند وباكستان وكوريا الشمالية وغواتيمالا وهايتي وهندوراس ونيكاراغوا وكولومبيا والعراق.
ولا تزال المحادثات حول الهندسة الجيولوجية لمناخ المحيطات والتكنولوجيا والحوكمة جديدة نسبيا، حيث تعمل الحكومات والنشطاء وأصحاب المصلحة في جميع أنحاء العالم على فهم الفروق الدقيقة، بحسب مؤسسة “ذا أوشن فاونديشن”.
وتشير المؤسسة إلى أن “الهندسة الجيولوجية للمناخ” تقدم وعودا مغرية، ولكنها تشكل تهديدات حقيقية إذا لم نأخذ في الاعتبار آثارها طويلة المدى، وإمكانية التحقق، وقابلية التوسع، والإنصاف”.
ويرى تقرير لمجلة “فورين أفيرز”، أنه “من خلال إرساء قواعد واضحة، وووضع آليات التنفيذ في ما يتصل بالهندسة الجيولوجية الشمسية، تستطيع الدول أن تساعد في ضمان أن أي جهود مستقبلية في مجال الهندسة الجيولوجية الشمسية تتم بالتعاون مع المجتمع الدولي تحت إشراف دولي وليس بشكل فوضوي وخطير من خلال العمل من جانب واحد”، معتبرة أنه “قد يعتمد استقرار المناخ العالمي وربما السلام والأمن الدوليين على ذلك”.