Sputnik :
ملك المغرب يدعو الجزائر لفتح الحدود ويصف علاقة البلدين بالمستقرة
Sputnik
الجزائر تضع “شُروطا مُسبقة” لفتح حدودها مع المغرب
بينما تتهاوى الحدود الواحدة تلو الأخرى داخل فضاء شنغن الأوروبي، لا تزال أبواب مناطق حدودية عديدة في العالم مُغلقة بإحكام، مثلما هو الحال بين المغرب والجزائر في شمال افريقيا.
وفي الأيام الأخيرة، عاد ملف الحدود البرية المغلقة سياسيا والمفتوحة اقتصاديا وبشريا، ليحتل واجهة العلاقات بين البلدين المغاربييْن، وليبعد إمكانية التطبيع بين شقيقين جارين، يهربان من التاريخ والجغرافيا، ويلوذان بالمماحكة السياسية، ليضيّعا سنوات طويلة من تعاون كان سيعود بالخير على شعبيهما.
وقد صدرت أخيرا بلاغات بالجزائر والمغرب، يوضّح فيها كل طرف موقفه ويندد بالموقف الآخر، ويدافع ويشرح ويتهم، بلغة مألوفة حول ملفات تقليدية في العلاقات بينهما، عمر بعضها بات يحسب بالعقود، رغم أن حركة التبادل التجاري عبر هذه الحدود لم يتوقف يوما من الأيام، والبشر في حال تنقل دائم على الجانبين، ولا أحد يولي اهتماما بما يدور بين الرباط والجزائر العاصمة.
التصريحات انطلقت إثر إعلان الجزائر، ردا على وقفة للمحامين المغاربة، تجمعوا بمدينة السعيدية الحدودية وطالبوا بفتح الحدود البرية المغلقة منذ صيف 1994، إثر تحميل المغرب للسلطات الجزائرية مسؤولية هجمات مسلحة استهدفت سياحا إسبان بمدينة مراكش وفرض تأشيرة مسبقة على المواطنين الجزائريين ورد الجزائر السريع بإجراء مماثل بحق المواطنين المغاربة وأيضا إغلاق الحدود البرية التي كانت مغلقة منذ 1975 وفتحت 1988.
تبدّد الآمال كلّ مرة
عقدت عشرات الاجتماعات، وأطلقت إشارات قوية لإحتمال إغلاق هذا الملف، لكن سرعان ما تبدّدت الآمال، مع أوّل نسمة خريفية، أحيانا تكون غير متعمدة أو مقصودة أو سيئة النية، لكن لأن المنجز يكون هشا والمتربصين كثر، يعود البلدان في علاقاتهما إلى مربع عام 1994.
كانت الحدود البرية المغلقة، حاضرة بشكل رمزي أو رسميا بكل اللقاءات، وكان فتحها يعتبر علامة فارقة على انطلاق جدي وثابت لعلاقات متينة بين البلدين، بعد اتفاقهما على آلية التطبيع التدريجي القطاعي، الذي من المنتظر أن يتوج بفتح الحدود. وهي آلية انطلقت منذ 2011 وأخذت مسارها على المستويْين الثنائي أو في اطار اتحاد المغرب العربي الذي يجمعهما منذ 1989 مع كل من ليبيا وتونس وموريتانيا، وجمدت مؤسساته منذ 1995 بسبب العلاقات الجزائرية المغربية.
كشفت التصريحات والبلاغات التي صدرت بالجزائر والرباط، أن كل ما انجز كان سطحيا ولم يكن قد وصل إلى عمق وجوهر الخلاف المستحكم بين البلدان، وأن ما حددته الجزائر من نقاط ثلاث مختلف عليها، ووصفتها بتفاهمات، قالت عنها الرباط إنها شروط مسبقة، وهي نفس النقاط المختلف عليها منذ أربعة عقود.
المغرب يندد بالشروط الجزائرية لفتح الحدود بين البلدين
وقالت الجزائر، من خلال بلاغيْن صدرا عن وزارة الخارجية، إن التفاهمات تضمنت ثلاثة بنود محددة تتعلق بوقف لحملة التشويه الإعلامية والسياسية بشكل متبادل، والتعاون في مجال مكافحة تهريب المخدرات، ووضع قضية الصحراء – محل خلاف بين البلدين – خارج إطار أي تطبيع للعلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية وغيرها.
وأما المغرب، فقد رفض وفقا لبلاغين لوزارة الخارجية: “مبدأ وضع شروط أحادية الجانب لفتح الحدود البرية بين البلدين، لأن قواعد حسن الجوار وضرورة التعاون وحق المواطنين في التنقل تعد قيما دولية لا يمكن تقييدها بشروط، والأكثر من ذلك بادعاءات سياسية غير مبررة.”
وإذا كان تهريب المخدرات، عنوانا يقول به كل طرف ليبرر موقفه، فإن هذه المخدرات تدخل في سياق عملية تهريب دائمة ومستمرة وتتوسع يوما بعد يوم، على حدود تمتد مئات الكليومترات من جهة، والحدود من الناحية الرسمية الأكثر إحكاما بالاغلاق بالعالم، اذ لم تفتح هذه الحدود منذ إغلاقها قبل 19 عاما، إلا 3 مرات، اثنتان لمرور قافلتي تضامن مع العراق نظمهما الناشط والنائب البريطاني جورج كالوي والثالثة لمرور مساعدات مغربية حين تعرض الجزائر لكارثة فيضانات.
وتكون الحدود البرية بالنسبة للبلدان الساعية للتعاون والاستقرار وتطوير علاقاتها مناطق للتنمية المشتركة الضامنة لاستقرار سكانها وادماجهم بنشاط مفيد لكل الاطراف، وتكون أساس تعاون أوسع لأنه لابديل عن ذلك سوى التهريب والأنشطة الاقتصادية غير الشرعية وغير القانونية.
التهريب والتجارة غير القانونية
ويقول الخبير الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي أن “التهريب بين المغرب والجزائر، يشمل كل أنواع السلع الممكن تبادلها بين البلدين في علاقات طبيعية بين بلدين جارين، وفي ظل أجواء المنع والإغلاق يضاف لها السلع الممنوعة والمحرمة دوليا”.
ويوضح اقصبي أن الحدود المغلقة، بأي مكان بالعالم، تنمي التجارة غير الشرعية والتهريب والاقتصاد الخفي، ورأى أنه وللمفارقة بقدر ما تكون تلك الحدود مغلقة رسميا بقدر ما يكون تبادل السلع وتنقل البشر أكثر حيوية، وتتواجد في أسواق مدينة وجدة كل ما يخطر على البال من سلع قادمة من الجزائر من تمر ومواد كهربائية ومواش وأدوية بما فيها حبوب الفياغرا.
وقال اقصبي في حديث إلى swissinfo.ch “إن البنزين الجزائري يُباع علنا بالمنطقة الشرقية المغربية ومحطات بيع البنزين القانونية قد أغلقت بالمنطقة باستثناء المحطات التي تسوق لسيارات الدولة”.
وقالت مصادر مطلعة “إن البنزين الجزائري وصل إلى مدينتي تازة وفاس، ويتحدث البعض عن وصوله الى العاصمة الرباط نظرا لسهولة عملية التهريب من جهة والفرق الكبير بالأسعار (ليتر البنزين رسميا بالمغرب ما يقارب 11 درهما بينما الليتر الجزائري يباع بوجدة بـ 4 دراهم).
وفيما يقول اقصبي بصعوبة إعطاء أرقام دقيقة لحجم التهريب بين الجزائر والمغرب، تحدث وزير المالية المغربي نزار بركة الاسبوع الماضي عن خسائر تلحق بالخزينة العامة جراء التهريب تقارب حوالي 16 مليار درهم مغربي (ما يقارب مليار ونصف مليار يورو)، وأن مليار و600 مليون ردهما تتعلق بالمشتقات النفطية المهربة من الجزائر.
واذا كانت الدولة تقدر ما تحرم منه خزينتها من إيرادات بسبب التهريب، فإن الحالة المغربية تجد في تحريك الاقتصاد بالمنطقة الشرقية وتشغيل الشباب، تعويضا مقبولا، يضمن هدوءا اجتماعيا من جهة، حيث أن الساكنة لا تعبأ بالقرارات الرسمية وتتعاطى مع التهريب كتجارة مشروعة إضافة الى لوبيات على جانبي الحدود تشكل آلية منظمة لعملية التهريب.
خسارة في إيرادات المملكة
ويرى اقصبي أن المخاطر الحقيقية لإغلاق الحدود البرية مع الجزائر على الاقتصاد المغربي في مجموعة المشاريع الكبرى التي أقيمت دون مردود حقيقي مثل الطريق السيار الرابط بين وجدة وفاس (حوالي 300 كلم) ولا تتجاوز نسبة تشغيله 10%، في حين أن حدودا مفتوحة تمكن من تشغيله بنسبة 90 % على الاقل، بالإضافة إلى تعطيل النقل البري، خاصة السكك الحديدية، بين المغرب وكلا من تونس وليبيا بالإضافة الى المشاريع السياحية الكبرى التي أقيمت بالمنطقة الشرقية المغربية.
والاقتصاد المغربي ونظيره الجزائري متكاملان، الا أن تغليب السياسي والآني على مستقبل العلاقات، جعل المصلحة المشتركة للبلدين ولشعبيهما تغيب عن تدبير العلاقات بينهما والإمعان في التعاطي مع بعضهما كخصمين دائمين.
وتعتبر الحدود البرية مع المغرب، اذا استثني البعد الأمني، مسألة ثانوية بالحسابات السياسية الجزائرية وصانع القرار الجزائري، لا يتعاطى مع المغرب كدولة جارة تربط بلاده معها حدودا بريا، أو يشعر أنه بحاجة لعلاقات اقتصادية معها (تمتلك الخزينة الجزائرية ادخارات من العملة الصعبة تساوي 200 مليار دولار) ونفط وغاز يفتح له كل الاسواق. وتعدّ الحدود البرية وإبقاء العلاقات كما هي عليه الآن، رغم ما يتكبده الاقتصاد المغربي مسألة ثانوية في الحسابات السياسية المغربية، خاصة عندما يشعر أن لفتح الحدود البرية ثمنا سياسيا باهظا.
وإذا كانت السياسة من وجهة نظر الخبراء تخضع بطبعها للاقتصاد واحتياجات السوق، فان السياسة في دول العالم الثالث لازالت هي المتحكمة في مصير الدول والشعوب دون تفكير حقيقي وعميق بالمستقبل القريب أو البعيد.
Swiss info