آيات من سورة القصص في جرائم آل فرعون و بني إسرائيل وأهل البيت عليهم السلام من تفسير البينة
ملف بي دي إف :
آيات من سورة القصص في آل فرعون وبني إسرائيل وأهل البيت عليهم السلام
يقول تعالى
طسٓمٓ ﴿١﴾ تِلۡكَ آيَٰاتُ ٱلۡكِتَٰابِ ٱلۡمُبِينِ ﴿٢﴾ نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴿٣﴾ إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴿٤﴾ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَاٰرِثِينَ ﴿٥﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَاٰمَٰانَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ﴿٦﴾
عن السورة :
تفسير الطبرسي :
[ بسم الله الرحمن الرحيم القراءة : قرأ أهل الكوفة غير عاصم ويرى فرعون بالياء وما بعده بالرفع وقرأ الباقون ونري بالنون وضمّه وكسر الراء ونصب الياء وما بعده بالنصب. الحجة: قال أبو علي: حجة من قرأ بالنون أن ما قبله للمتكلم فينبغي أن يكون ما بعده أيضاً كذلك ليكون الكلام من وجه واحد وحجة من قرأ بالياء أن فرعون وجنوده أرون ذلك والمعلوم أنهم يرونه إذا رأوه وهو قراءة الأعمش. اللغة: النبأ الخبر عما هو عظيم الشأن والشيع الفرق وكل فرقة شيعة وسمّوا بذلك لأن بعضهم يتابع بعضاً والعرب تقول شاعكم السلام أي تبعكم وشيَّعه اتبعه والتمكين تكميل ما يتمَّ به الفعل. الإِعراب: قوله بالحق في موضع نصب على الحال ويجوز أن يكون مصدر محذوف تقديره تلاوة كائنة بالحق ويجوز أن يكون الحق صفة محذوف تقديره بالأمر الحق والجار والمجرور يتعلق بنتلو ويستضعف في موضع نصب على الحال ويذبح حال بعد حال ويجوز أن يكون حالاً عن الحال. المعنى: { طسم تلك آيات الكتاب المبين } أي المبيّن الرشد من الغيّ عن قتادة. وقيل: هو البيّن الظاهر والآية مفسَّرة فيما مضى { نتلو عليك } يا محمد { من نبأ موسى وفرعون } أي طرفاً من أخبارهما { بالحق } أي بالصدق والحقيقة لا ريب فيه { لقوم يؤمنون } أي يصدقون بالله وبما أنزله إليك { إن فرعون علا في الأرض } أي بغى وتجبَّر وتعظَّم واستكبر في أرض مصر يقال علا علواً إذا تجبَّر ومنه قوله{ لا يريدون علواً في الأرض } [القصص: 83] { وجعل أهلها شيعاً } أي فرقاً. قال قتادة: فرَّق بين بني إسرائيل والقبط والمعنى يكرم قوماً ويذل آخرين بالاستعباد والاستئصال والاستعمال في الأعمال الشاقة. وقيل: معناه جعل بني إسرائيل أصنافاً في الخدمة والتسخير { يستضعف طائفة منهم } يعني من بني إسرائيل. ثم فسَّر ذلك فقال { يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم } يقتل الأبناء ويستبقي البنات فلا يقتلن وذلك أن بعض الكهنة قال له إن مولوداً يولد في بني إسرائيل يكون سبب ذهاب ملكك. وقال السدي: رأى فرعون في منامه أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه فقالوا له يخرج من هذا البلد رجل يكون هلاك مصر على يده { إنه كان من المفسدين } بالقتل والعمل بالمعاصي. { ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض } المعنى أن فرعون كان يريد إهلاك بني إسرائيل وإفناءهم ونحن نريد أن نمنَّ عليهم { ونجعلهم أئمة } أي قادة ورؤساء في الخير يقتدى بهم عن ابن عباس. وقيل: نجعلهم ولاة وملوكاً عن قتادة وهذا القول مثل الأول لأن الذين جعلهم الله ملوكاً فهم أئمة ولا يضاف إلى الله سبحانه ملك يملك الناس عدواناً وظلماً وقد قال سبحانه
{ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً } [النساء: 54] والملك من الله تعالى هو الذي يجب أن يطاع فالأئمة على هذا ملوك مقدَّمون في الدين والدنيا يطأ الناس أعقابهم. { ونجعلهم الوارثين } لديار فرعون وقومه وأموالهم وقد صحَّت الرواية عن أمير المؤمنين ع أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعطفن الدنيا علينا بعد شِماسها عطف الضروس على ولدها. وتلا عقيب ذلك { ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض } الآية وروى العياشي بالإِسناد عن أبي الصباح الكناني قال نظر أبو جعفر ع إلى أبي عبد الله ع فقال هذا والله من الذين قال الله تعالى { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض } الآية. وقال زين العابدين علي بن الحسين ع: والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً إن الأبرار منا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته وإن عدوَّنا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه. { ونمكن لهم في الأرض } أي ونريد أن نمكّن لبني إسرائيل في أرض مصر والتمكين هو فعل جميع ما لا يصحّ الفعل إلا معه مع القدرة والآية واللطف وغير ذلك. وقال علي بن عيسى: اللطف لا يدخل في التمكين لأنه دخل فيه لكان من لا لطف له لم يكن ممكناً ولكنَّه من باب إزاحة العلة { ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم } أي من بني إسرائيل { ما كانوا يحذرون } من ذهاب الملك على يد رجل منهم. قال الضحاك: عاش فرعون أربعمائة سنة وكان قصيراً دميماً وهو أول من خضب بالسواد وعاش موسى ع مائة وعشرين سنة. – تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) ] .
الدر المنثور :
[ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه: أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى إذا اشتملت على بيوت مصر أحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، فدعا السحرة، والكهنة، والعافة، والزجرة. وهم العافة الذين يزجرون الطير فسألهم عن رؤياه فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه – يعنون بيت المقدس – رجل يكون على وجهه هلاك مصر. فأمر بني إسرائيل أن لا يولد لهم ولد إلا ذبحوه، ولا يولد لهم جارية إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجاً فادخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة، فجعلوا بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وادخلوا غلمانهم. فذلك حين يقول { إن فرعون علا في الأرض } يقول: تجبر في الأرض { وجعل أهلها شيعاً } يعني بني إسرائيل { يستضعف طائفة منهم } حين جعلهم في الأعمال القذرة، وجعل لا يولد لبني إسرائيل مولود إلا ذبح فلا يكبر صغير.
وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت، فأسرع فيهم. فدخل رؤوس القبط على فرعون فكلموه فقالوا: إن هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت، فيوشك أن يقع العمل على غلماننا تذبح أبناءهم فلا يبلغ الصغار فيعينون الكبار، فلو أنك كنت تبقي من أولادهم. فأمر أن يذبحوا سنة، ويتركوا سنة، فلما كان في السنة التي لا يذبحون فيها ولد هرون عليه السلام. فترك، فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت أم موسى بموسى عليه الصلاة والسلام، فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه، فلما وضعته أرضعته ثم دعت له نجاراً وجعلت له تابوتاً، وجعلت مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه، وألقته في اليم بين أحجار عند بيت فرعون، فخرجن جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن، فوجدن التابوت، فادخلنه إلى آسية وظنن أن فيه مالاً، فلما تحرك الغلام رأته آسية صبياً، فلما نظرته آسية وقعت عليه رحمتها وأحبته.
فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها وقال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا. فبينما هي ترقصه وتلعب به إذ ناولته فرعون وقالت: خذه{ قرة عين لي ولك } [القصص: 9] قال فرعون: هو قرة عين لك – قال عبد الله بن عباس: ولو قال هو قرة عين لي إذاً لآمن به، ولكنه أبى – فلما أخذه إليه أخذ موسى عليه السلام بلحيته فنتفها فقال فرعون: عليَّ بالذباحين هو ذا.
قالت آسية: لا تقتله{ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً } [القصص: 9] إنما هو صبي لا يعقل وإنما صنع هذا من صباه، أنا أضع له حلياً من الياقوت، وأضع له جمراً فإن أخذ الياقوت فهو يعقل اذبحه، وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي، فاخرجت له ياقوتاً، ووضعت له طستاً من جمر، فجاء جبريل عليه السلام فطرح في يده جمرة، فطرحها موسى عليه السلام في فيه فاحرقت لسانه، فارادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء، وجعلن النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع فأبى أن يأخذ.
فجاءت أخته فقالت: { هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون } فأخذوها فقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت: ما أعرفه ولكن إنما هم للملك ناصحون. فلما جاءته أمه أخذ منها. وكادت تقول: هو ابني. فعصمها الله فذلك قوله { إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين } قال: قد كانت من المؤمنين ولكن بقول: { إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين } قال السدي: وإنما سمي موسى لأنهم وجدوه في ماء وشجر والماء بالنبطية مو الشجر سى.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون } يقول: في هذا القرآن نبؤهم { إن فرعون علا في الأرض } أي بغى في الأرض { وجعل أهلها شيعاً } أي فرقاً.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { وجعل أهلها شيعاً } قال: فرق بينهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { وجعل أهلها شيعاً } قال: يتعبد طائفة، ويقتل طائفة، ويستحيي طائفة.
أما قوله تعالى: { إنه كان من المفسدين }
أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: لقد ذكر لنا أنه كان يأمر بالقصب فيشق حتى يجعل أمثال الشفار، ثم يصف بعضه إلى بعض، ثم يؤتى بحبالى من بني إسرائيل فيوقفن عليه، فيجز أقدامهن حتى أن المرأة منهم لتضع بولدها، فيقع بين رجليها، فتظل تطؤه وتتقي به حد القصب عن رجليها لما بلغ من جهدها. حتى أسرف في ذلك وكان يفنيهم قيل له: أفنيت الناس، وقطعت النسل، وإنما هم خولك وعمالك، فتأمر أن يقتلوا الغلمان عاماً، ويستحيوا عاماً، فولد هرون عليه السلام في السنة التي يستحيي فيها الغلمان، وولد موسى عليه السلام في السنة التي فيها يقتلون، وكان هرون عليه السلام أكبر منه بسنة، فلما أراد الله بموسى عليه السلام ما أراد واستنقاذ بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء، أوحى الله إلى أم موسى حين تقارب ولادها{ أن أرضعيه } [القصص: 7] – تفسير الدر المنثور للسوطي ] .
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول تعالى :
طسٓمٓ ﴿١﴾ ﴿٢﴾ تِلۡكَ آياتُ ٱلۡكِتَٰابِ ٱلۡمُبِينِ ﴿٢﴾
وهنا :
(تِلۡكَ آياتُ ٱلۡكِتَٰابِ ٱلۡمُبِينِ)
وهنا تلك إشارة إلى آيات الله تعالى وهى الحروف المقطعة المنزلة من أم الكتاب كقوله تعالى { المر تلك آيات الكتاب و لذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – الرعد 1 } وقال تعالى أيضاً { الر تلك آيات الكتاب المبين – يوسف 1 } وطسم آيات من الكتاب المبين في قله تعالى { طسم تلك آيات الكتاب المبين – الشعراء 1-2 } وكذلك(طس) أيضاً لقوله تعالى { طس تلك آيات الكتاب المبين – النمل1-2 }
والحروف المقطعة آيات من الكتاب نزل منها القرآن المبين الذي بين أيدينا لقوله تعالى { الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين – الحجر 1 } وهى منزلة من الكتاب المبين الذي قال تعالى فيه هنا { طسم تلك آيات الكتاب المبين – القصص 1-2 } وهى علم من اللوح المحفوظ قال فيه تعالى { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – سبأ 3 } وهذا الكتاب المبين يحتوي على إحصاء كل شيئ في الكون قال تعالى { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين – الانعام 59 }
وما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله كتاب مبين منزل من الكتاب المبين قال تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين – المائدة 15 }
وبالتالي الحروف المقطعة آيات بينات محكمة منزلة من أم الكتاب لعوالم ما بعد موت الأجساد وإحياء الأنفس حتى يوم القيامة لقوله تعالى فيها { الر تلك آيات الكتاب الحكيم – يونس 1 } وتلك الآيات نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله من أم الكتاب وهى الكتاب المبين المنزل من كتاب الله المبين الذي فيه كل شيئ وهو القرآن الكريم الذي بين أيدينا المنزل من أم الكتاب وهو الكتاب المبين لقوله تعالى أيضاً { حـم وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ – الزخرف 1-4 } .
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا ما هو إلا اختصار لما في اللوح المحفوظ الذي قال تعالى فيه { وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الرعد 39 } وقال تعالى أيضاً : { وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين – النمل 75 } وهنا يبدأ القرآن الكريم في سرد ما في هذا الكتاب المبين عن نبي الله موسى عليه السلام وفرعون :
ثم يقول تعالى :
﴿٣﴾ نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ ﴿٣﴾
وهنا :
(نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ)
والتلاوة تكون لآيات الله تعالى كما في قوله عز وجل { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق – البقرة 252 } وهذه الآيات أمر الله تعالى رسوله بأن يتلوها على الناس كما في قوله تعالى { كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب – الرعد 30 }
أي أنه يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين – المائدة 27 } ويقول تعالى أيضاً { واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون – يونس 71 } ويقول تعالى { واتل عليهم نبأ إبراهيم – الشعراء 69 } ويقول تعالى { نَتۡلُواْ عَلَيۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ –القصص 3 } ويقول تعالى أيضاً { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين – الأعراف 175 } .
ولذلك يقول تعالى بأن يقول صلى الله عليه وآله لقومه { قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة التي حرمها وله كل شيئ وأن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين – النمل 91-92 } وذلك معنى قوله تعالى هنا { نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون – القصص 3 } أي نتلوا عليك ما في أم الكتاب أنزله الله تعالى عليك في القرآن الكريم وهو الكتاب المبين المنزل من أم الكتاب .
وأما :
(من نبأ)
[ ونبأه به : أخبره به ] قال تعالى { ذلك من أنباء الغيب نوحيها إليك – هود 49 } وهذه الأنباء من الغيب الذي قال تعالى فيه { ذلك من أنباء الغيب نقصه عليك منها قائم وحصيد – هود 100 } وهذه الأنباء لرسل أرسلهم الله تعالى إلى قومهم قال تعالى فيها { كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك – هود 120 } ومن هذه القصص هنا قصة نبي الله موسى عليه السلام وفرعون قال تعالى : { نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون – القصص 3 } .
وأما :
(موسى وفرعون)
أي أنه تعالى قد أرسل نبيه موسى إلى فرعون بآياته تعالى فظلموا بها كما في قوله تعالى { ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – الأعراف 103 } وهذه الآيات تسعه أرسلها الله تعالى لفرعون لعنه الله كما في قوله عز وجل { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا – الإسراء 101-103 } . وهذا مختصر قصة نبي الله موسى وفرعون كما في قوله تعالى هنا { نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون – القصص 3 } .
وقد فصل الله تعالى نبأ موسى وفرعون في سورة الأعراف فيقول عز وجل { تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآئِهَاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ كَذَٰلِكَ يَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدٖۖ وَإِن وَجَدۡنَآ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَاٰسِقِينَ ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ بِـآياٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَظَلَمُواْ بِهَاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰفِرۡعَوۡنُ إِنِّي رَسُولٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ حَقِيقٌ عَلَىٰٓ أَن لَّآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ قَدۡ جِئۡتُكُم بِبَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَرۡسِلۡ مَعِيَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ قَالَ إِن كُنتَ جِئۡتَ بِـَٔايَةٖ فَأۡتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّاٰدِقِينَ فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعۡبَانٞ مُّبِينٞ وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّٰاظِرِينَ قَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰاحِرٌ عَلِيمٞ يُرِيدُ أَن يُخۡرِجَكُم مِّنۡ أَرۡضِكُمۡۖ فَمَاذَا تَأۡمُرُونَ قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَأَرۡسِلۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰاحِرٍ عَلِيمٖ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ لَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ قَالُواْ يَٰا مُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ ٱلۡمُلۡقِينَ قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ فَوَقَعَ ٱلۡحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَٰاغِرِينَ وَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَاٰرُونَ قَالَ فِرۡعَوۡنُ ءَامَنتُم بِهِۦ قَبۡلَ أَنۡ ءَاذَنَ لَكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكۡرٞ مَّكَرۡتُمُوهُ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لِتُخۡرِجُواْ مِنۡهَآ أَهۡلَهَاۖ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَرۡجُلَكُم مِّنۡ خِلَٰافٖ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمۡ أَجۡمَعِينَ قَالُوٓاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بآياٰاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَٰهِرُونَ قَالَ مُوسَى لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَاٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ وَلَقَدۡ أَخَذۡنَآ آلَ فِرۡعَوۡنَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَذَّكَّرُونَ فَإِذَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَٰذِهِۦۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓۗ أَلَآ إِنَّمَا طَٰآئِرُهُمۡ عِندَ ٱللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ وَقَالُواْ مَهۡمَا تَأۡتِنَا بِهِۦ مِنۡ ءَايَةٖ لِّتَسۡحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحۡنُ لَكَ بِمُؤۡمِنِينَ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آياتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيۡهِمُ ٱلرِّجۡزُ قَالُواْ يَٰامُوسَى ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَۖ لَئِن كَشَفۡتَ عَنَّا ٱلرِّجۡزَ لَنُؤۡمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرۡسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم باَٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ بِـآٰياتنا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَاٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ – الأعراف 101-137 }
وأما :
(بالحق)
اي أنه يقول تعالى { والله يقول الحق وهو يهدي السبيل – الأحزاب 4 } وهذا الحق نزل به الروح الأمين على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين – النحل 102 } وهذا الحق الذي نزل على رسوله صلى الله عليه وآله له أئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله قال فيهم { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون – الأعراف 181 } وهذا الحق نزل على رسوله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا – الإسراء 81 } ولقد ظهر هذا الحق على الدين كله في زمن النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – الصف 9 } وسيظهر الله تعالى هذا الحق آخر الزمان على يد إمام يعلم الناس مالا تعلمه الأمة مثل بقية آبائه الأئمة الذين يعلمون الناس مالا يعلموه من أمر دينهم وقال تعالى في فيهم وفي آخر الأئمة قريباً من الساعة : { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون –يونس 35 } .
وأما :
(لقوم يؤمنون)
وهنا يبين تعالى أنه قد بعثه صلى الله عليه وآله وأنزل عليه الكتاب ليكون هدى ورحمة لقوم يؤمنون قال تعالى: { وللقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 } ولذلك قال لقومه صلى الله عليه وله { إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون – الأعراف 188 } وقد بين النبي صلى الله عليه وآله الكتاب لقومه ولأهل الكتاب ليكون لهم هدى ورحمة كما في قوله تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – النحل 64 } وذلك قال تعالى في هؤلاء الذين آتاهم الله الكتاب من قبل { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون – القصص 52 } .
ثم يقول تعالى :
(4) إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين (4)
وهنا :
(إن فرعون علا في الأرض)
[ العلو : التجبر و العظمة والعلياء رأس جبل أو شرف وفعله علا ويقال في المحمود والمذموم ومنه العلي : الرفيع القدر والعلو هنا : العلو المذموم – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل اللام والواو أو الياء ] قال تعالى : { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين – ص 75 } والتعالي على الله تبارك وتعالى تعمد ترك العمل بما أمر عز وجل استكباراً في الأرض كما قال موسى لفرعون وملئه { وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين – الددخان 19 } { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين – يونس 83 } وهذا الإستكبار جحوداً بعددما أرسل الله تعالى لهم آياته فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – النمل 14 } وقال تعالى في استكبارهم وعلوهم { ثُمَّ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَٰرُونَ بِـَٔآياتنا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين – المؤمنون 45-46 }
فلمل استكبر لعنه الله تعالى ليكون له الملك جعل أهلا شيعاً ليقوم ملكه على مبدأ فرق تسُد قال تعالى هنا { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 }
وكما علا في الأرض آخر الزمان من وقعوا في استضعاف فرعون سيستضعفون المؤمنين بعد أن يتركوا العمل بتاب ربهم ليأتموا بالسامري بدلاً من نبيهم لذلك قال تعالى فيهم { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا – الإسراء 4 }
والله تعالى علواً كبيراً عما يقولون كما قال تعالى { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا – الإسراء 43 } وكلمة الله ستكون هى العليا كما قال تعالى { وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم – التوبة 40 } فإذا جعل الله تعالى كلمته هى العليا نصر المؤمنين بإيمانهم وولايتهم لربهم ورسوله صلى الله عليه ثم ولايتهم ومودتهم للأئمة من أهل بيته عليهم السلام لذلم يقول تعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين – آل عمران 139 } .
وأما :
(وجعل)
وهنا يقول تعالى { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – الأنعام 123 } ومن المكر الذي مكره فرعون هنا وائتم به كل حاكم ظالم إلى يوم القيامة أن جعل أهل مصر شيعا ليستضعف المؤمنين كما قال تعالى { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 }
وهذه الشيع ليستضعف أنبياء الله تعالى ورسله ومن آمن بالله تعالى من أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن تابعهم وشايعهم وناصرهم وقد قال تعالى فيهم { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين – الأنبياء 73 } وقد جعل الله تعالى كل من خرج على ولايتهم أنه قد ائتم بفرعون واتخذه إماماً كما في قوله تعالى عن فرعون وملئه لعنات الله المتتالية عليهم إلى يوم الدين { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون – القصص 41 } أي أنه من تولى غير أهل بيت النبي عليهم السلام فقد اتخذ فرعون إماماً .
وأما :
(أهلها)
وأهلها هم أهل مصر لقوله تعالى : { قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون – الأعراف 123 }
وقد بين تعالى أن جعل الرحمة والبركة في ولاية أهل بيت النبي عليهم لسلام لقوله تعالى فيهم { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 } وقال تعالى أيضاً { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 }
والله تعالى لن يهلك قرية إلا بظلمهم وخروجهم على ولاية هؤلاء كما قال تعالى { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون – هود 117 } . وهنا لما فرق فرعون أهل مصر شيعاً كان لا ستضعاف هؤلاء والقضاء على دين الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 } وفي آخر الزمان إذا ائتمالنناس فمنهج فرعون وقتلوا المؤمنين وظنوا أنهم قادرون عليها أهلكهم الله تعالى كما في قوله تعالى { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } .
وأما :
(شيعا)
[ والشيع : الطوائف والفرق ] قال تعالى { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 } .
قال تعالى في الذين فرقوا جينهم وخرجوا على وولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فإذا خرجوا على ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام ضرب الله تعالى بينهم الإختلاف والتقاتل كعقاب أولي من الله تعالى قال فيه { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 } وهؤلاء مشركين أشركوا الهوى مع كتاب الله كما قال تعالى { ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون – الروم 31-32 } وهؤلاء الفاسقين تبرء منهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله فقال تعالى فيهم { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون – الأنعام 159 }
و[ الشيعه : الأنصار ] قال تعالى { هذا من شيعته وهذا من عدوه – القصص 15 }
وقد شايع نبي الله إبراهيم جده نوح عليهما السلام لقوله تعالى { وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم – الصافات 83 } وهذه هى الشيعة المأمور بها من الله تعالى وقد جعلها الله تعالى في الذين اصطفاهم الله عز وجل وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى عنهم { إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم – آل عمران 33-34 }
ومما لجأ إليه فرعون هنا ليكون له الصدارة والربوبية التي ادعاها أن يفرق الناس شيعا كما في الآية هنا : { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 } وهذه الشيع التي فرق بها الناس كانت عبارة عن نشر الفاحشة بين الناس خاصة المؤمنين لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون – النور 19 } .
وفي العصور الحديثة الآن أصبح الفن هو رأس الحربة التي يهد بها فراعين آخر الزمان دين الله تعالى على الأرض وذلك بنشر الفواحش والخمور و الكفر و الفسوق والعصيان في صورة يدعون فيها أنها فن وما هو إلا طريق فرعون الذي سلكه من قبل ليهدم دين الإسلام علىى الأرض وفي نفس الوقت يلقي التهم والتي يرمي بها المؤمنين لصرف الناس عنهم فيستضعفهم إما للسكوت على هدم الدين أو المشاركة في المخطط كقارون لعنه الله وهنا يقول تعالى : { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 } فأهلكه الله تعالى واستخلف ممن بعده المؤمنين كما قال عز وجل { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – الأعراف 137 } وكذلك سيفعل الله تعالى بكل من تقلد وائتم بفرعون كما في قوله تعالى بعد ذكر هلاك الأمم الأولى بظلمهم من قبل { أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر – القمر } .
وعلامة ذلك الزمن صعود بني آدم للسماء الأولى كما في قوله تعالى { وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي شِيَعِ ٱلۡأَوَّلِينَ وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ كَذَٰلِكَ نَسۡلُكُهُۥ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَقَدۡ خَلَتۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ وَلَوۡ فَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَابٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعۡرُجُونَ لَقَالُوٓاْ إِنَّمَا سُكِّرَتۡ أَبۡصَٰرُنَا بَلۡ نَحۡنُ قَوۡمٞ مَّسۡحُورُونَ – الحجر 10-15 } .
والعروج رحلة أرضية سماوية قال تعالى فيها { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة – المعارج } وبالتالي العروج للسماء الأولى كما بينا هو سلطان الله الذي ذكره منذ أكثر من 1400 عام { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان – الرحمن 33 } . وهنا يكون قد بين لهم أنه زمان هلاك الظالمين في العالم .
وأما :
(يستضعف)
[ والضعف هنا خلاف القوة – معجم ألفاظ القرآن باب الضاد فصل العين والفاء ] قال تعالى { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا – النساء 9 } وهنا يبين تعالى أن طهارة نسب الآباء تنفع الذرية والأبناء وتحول دون نزول البلاء وهذه دعوة دعاها نبي الله إبراهيم عليه السلام حيث قال { رب اجنبني وبني أن نعبد الأصنام – إبراهيم 35 } ومن هنا يبدأ الصدام بين أولاد الزنا أولاد الحرام الذين ملئت بطونهم من الحرام وعبدوا الأصنام وأطاعوا الحكام في معصية الله تعالى مع أهل بيت النبي وذريتهم ولذلك يقول صلى الله عليه وآله [ لا يبغضنا أهل البيت إلا ولد الزنا … الحديث ] . ولذلك فرعون كان حريصاً على تفرقة الناس ليستضعف المؤمنين كما في قوله تعالى هنا { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 }
والاستضعاف للمؤمنين يكون من المستكبرين كما قال تعالى { قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون – الأعراف 75 } وقال تعالى فيما قاله المشركون لنبي الله شعيب عليه السلام { قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز – هود 91 }
ودخول السين على الضعف كأن الحكام يطلبون ويستدعون للناس أسباب الإستضعاف كما قال هارون عليه السلام لنبي الله موسى عليه السلام { إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني – الأعراف 150 }
وهؤلاءالمستضعفين منهم الذين أطاعوا المستكبرين في البطش بالمؤمنين وقتالهم وهؤلاء كلاهما في النار كما قال تعالى عن حوار سيدور بينهما في جنهم قال تعالى فيه { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤۡمِنَ بِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَلَا بِٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّٰالِمُونَ مَوۡقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمۡ يَرۡجِعُ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ ٱلۡقَوۡلَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُوٓاْ أَنَحۡنُ صَدَدۡنَٰكُمۡ عَنِ ٱلۡهُدَىٰ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَكُمۖ بَلۡ كُنتُم مُّجۡرِمِينَ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰالَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ – سبأ 31-33 }
ويبين تعالى أن هؤلاء المستكبرون ومن تابعهم ممن وافقهم واستضعف نفسه لهم فهؤلاء قضى الله تعالى عليهم بالهلاك آخر الزمان عندما يقضي الله تعالى بميراث الأرض للمستضعفين من المؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله ثم أهل بيته وودوهم كما أمر الله تعالى وقال في سلفهم من المؤمنين في بني إسرائيل عندما أهلك الله تعالى فرعون عدو الله وعدوهم قال تعالى هنا{ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – الأعراف 137 } وكذلك سيحدث آخر الزمان حيث نصر الله تعالى المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وهم مستضعفون كما في قوله تعالى { واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون – الأنفال 26 } وكذلك آخر الزمان سينصر الله تعالى المؤمنين كما نصر الأولين يقول تعالى { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون – الأنبياء 105 } . وهؤلاء هم الذين قال تعالى فيهم هنا { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين – القصص 5 }
وأما :
(طائفة منهم)
[ والطائفة : ترجع إلى معنى الإطافة كأنها تطيف بالواحد فكل جماعة يمكن أن تحف بشيئ فهى طائفة ويتوسعون في ذلك فيقولون : أخذت طائفة من الشيئ : أي بعضه لأن الطائفة من الناس كالفرقة والقطعة منهم – معجم ألأفاظ القرآن باب الطاء فصل الواو والفاء ] . قال تعالى { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين – الأنعام 156 } وهاتان الطائفتان سينقسمان إلى مؤمنة وكافرة كما هو الحال في الأمم من قبل كما قال نبي الله شعيباً لقومه { وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين – الأعراف 87 } ويبين تعالى هنا أن فرعون فرق قومه لطوائف استضعف منهم المؤمنين فقتل أبنائهم وهتك حياء نسائهم كما في قوله تعالى هنا { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 }
ومن هنا يتبين لنا أن الإستضعاف سيكون آخر الزمان من الطوائف التي كفرت بالله تعالى فيحاربون الطائفة المؤمنة وقد بدأوا حربهم بالكذب على الله تعالى ورسوله كما قال تعالى : { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون – آل عمران 72 } .
ويبين تعالى أن في الأمة منافقون سيكونون ظهيراً لهم قال تعالى فيهم وفي اعتذارهم عن القتال في سبيل الله والدفاع عن دينهم حيث قالوا إن بيوتنا عورة قال تعالى { وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا – الأحزاب }
وفي آخر الزمان سيؤيد الله تعالى بنصرة المؤمنين كما في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين – الصف 14 }
وقد وعد الله تعالى الطائفة المؤمنة بالنصر في زمن النبي صلى الله عليه وآله حيث قال تعالى في غزوة بدر : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين – الأنفال 7 }
وفي آخر الزمان إذا التزم المسلمين بدينهم و عملوا الصالحات وأقاموا الليل كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وصحابته الكرام كما قال تعالى { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم – المزمل 20 } وهنا ينصرهم الله تعالى ويستخلفهم في الأرض كما نصر النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وصحابته الذين تولوا الله حق ولايته رضى الله تعالى عنهم .
وأما :
(يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم)
وهنا يبين تعالى أن فرعون لما است عف المؤمنين وجعل أهل مصر شيعا واستضعف المؤمنين وذبح الأطفال و هتك حياء النساء في قوله تعالى هنا { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 } أهلكه الله تعالى ونجاهم منه كما في قوله تعالى {
وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم – البقرة 49 } وهنا يذكرهم الله تعالى بنعمته عليهم كما قال لهم نبي الله موسى عليه السلام { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم – إبراهيم 6 } .
وأما :
(يذبحون أبناءكم)
الذبح قطع أوداج العنق قال فيه تعالى { وما ذبح على النصب – المائدة 3 } مما يشير إلى نُصُب كان قد أعدوه لذلك لعنهم الله .لذلك قال تعالى هنا { ويذبحون أبنائكم }
وأما :
(ويستحيون نسائكم)
والإستحياء هنا هتك الحياء لوورود هذا القول في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق– الأحزاب 53 }
وعن استحياء النساء يقول تعالى { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين – القصص 25 } وبالتالي قوله تعالى هنا { ويستحيون نسائكم } أي يهتكون حيائهم بالعري والأعتداء الجنسي عليهم كما هو الحال في سجون أعداء الله والدين الآن الدين الآن وحتى لو كان القصد قتل الرجال وترك النساء أحياء فكان فرعون وملئه وجنوده يستعبدونهن وبالتلاي ايضاً يسري على الأمة نفس معنى هتك حيائهن بقوانين العبودية المعمول بها .
وأما :
(إنه كان من المفسدين)
والمفسدون في الأرض هم الذينقال تعالى فيهم { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد – البقرة 205 } وهم الذين يبدلون أحكام الله وأوامره بعد أن أصلح الله تعالى الأرض بأمره فإذا عصى ابن آدم عليها فقد دمر نفسه وأجدب الأرض بذنوبه وأنزل عليه الهلاك والإنتقام بكفره ونفاقه وتكذيبه ولذلك قال تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين – الأعراف 56 } فلما كفر فرعون وقال { أنا ربكم الأعلى } اعتبر كل من عارضه مفسداً في الأرض كما في قوله تعالى { وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون – الأعراف 127 }
ولذل بعث الله تعالى له نبي الله موسى عليه السلام ليبين له وللناس أنه هو المفسد والذي علا في الأرض كما قال تعالى { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين – القصص 4 } فلما بعثه الله تعالى بآياته ظلموا بها كما في قوله تعالى { ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – الأعراف 103 }
ثم يبين تعالى أن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وتولى فرعون في فساده بالأرض لذلك قال تعالى فيما قاله نبي الله موسى له لعنه الله { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين – القصص 77 } فلما كفر بآيات الله وتآمر ومكر بنبي الله موسى عليه السلام خسف الله تعالى به الأرض وهذه الآيات التي أرسلها الله تعالى مع نبي الله موسى لفرعون وملئه يبين تعالى انهم استيقنوها وجحدتها أنفسهم ظلماً وعلوا قال تعالى فيه { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – النمل 14 } وهنا دعا عليهم نبي الله موسى قائلا { قال رب انصرني على القوم المفسدين – العنكبوت 30 }
فأغرقه الله تعالى كما في قوله عز وجل { آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون – يونس 91-92 } وذلك مرصاد الله تعالى لكل من تقلد وائتم بفرعون لعنه الله كما في قوله عز وجل { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد – الفجر }
وبعد ظهور دين الإسلام بين تعالى أن منهم من آمن بالله تعالى ورسوله ومنهم من كفر كما في قوله تعالى { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين – يونس 40 } فإذا ظهر الفساد في البر والبحر فقد حكم الله تعالى بهلاكهم كما أهلك الذين من قبلهم قال تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون – الروم 41 }
وهنا يبين تعالى أن النصر سيكون للمؤمنين في الدنيا والآخرة ولن يساويهم الله تعالى بالمفسدين في الأرض كما في قوله تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } .
ثم يقول تعالى :
(5) ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (5)
وهنا :
(ونريد)
وهنا يبن تعالى أن الإرادة المطلقة لله عز وجل حيث يقول { إن الله يفعل ما يريد – الحج 14 } وإرادته تعالى جعل لها سنن قال تعالى فيها من أراد الحياة الدنيا يعطه منها ومن أراد الآخرة يؤته منها قال تعالى { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون – هود 15-16 } وهؤلاء الذين يريدون العاجلة كما في قوله تعالى { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا – الإسراء 18 }
وإرادته تعالى أيضاً أن يذهب الرجس عن أهل بيت النبي عليهم السلام ويطهرهم تطهيرا قال تعالى { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } .
وهنا حسد أهل بيت النبي قومهم لقوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 } ويقول تعالى في هؤلاء الحاسدين أنهم هم الذين قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آبائنا قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين – سبأ 43 }
وإرادته تعالى أن يمن على المؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه ثم أهل بيته عليهم السلام الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وكهرهم تطهيرا و هؤلاء هم الذين سيستخلفهم في الأرض كما في قوله تعالى هنا { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين –القصص 5 } .
وهؤلاء هم الذين آمنوا با الله تعالى ولم يريدوا فيها علواً ولا فسادا وإرادته تعالى فيهم أن يجعلهم يرثون الأرض ويدخلون الجنة في الدار الآخرة قال تعالى { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين – القصص 83 } .
وأما :
(نمن)
[ ومن الشيئ يمنه مناً :قطعه تقول مننت الحبل ومن عليه : أنعم كأن المحسن يقطع بإحسانه حاجة المحتاج أو كأنه يقطع شيئاً من ماله وخيرة ومن عليه إحسانه : ذكره له وعده عليه وقرعه كأن يقول “ألم أحسن إليك ” – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل النون والنون ] .
وأول منة منها الله تعالى على المؤمنين بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله كما قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 } .
ومما منه الله تعالى على أنبيائه منه على نبي الله يوسف في قوله تعالى { قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين – يوسف 90 } .
وما من به الله تعالى على موسى وهارون عليهما السلام بعثتهما لفرعون بني إسرائيل ونجاتهما من الكرب العظيم قال تعالى { ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم – الصافات 114-115 } .
ومما منه تعالى على الناس بعثة نبي آخر الزمان كما في قوله تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 } .
ومن تولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام فهؤلاء سيمن الله تعالى عليهم بالإستخلاف في الأرض كما في قوله تعالى : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين –القصص 5 } .
وأما :
(على الذين استضعفوا في الأرض)
وهم الذين قال تعالى فيهم في زمان نبي الله موسى ععليه السلام : { إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعٗا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَةٗ مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ – القصص 4 } وهؤلاء المستضعفون في زمن نبي الله موسى عليهم السلام من الله تعالى عليهم بالإستخلاف في الأرض كما في قوله تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – الأعراف 137 } .
ثم قتل بنوا إسرائيل أنبيائهم على يد صهاينة زمانهم ممن ائتم بالسامري حتى بعث نبي الله يسى عليه السلام وشرعوا في قتله فحال الله تعالى بينهم وبين ا يشتهون ورفعه إليه وبعد بعثة النبي الخاتم كانوا أشد الناس عداوة وكراهية له ولأهل بيته عليهم السلام هم ومشركي قريش الأولى ثم الآخرة وتحالفهما معاص في زماننا وآخر هؤلاء المجرمين قتلة أهل بيت النبي عليهم السلام لذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وآله [ ” أنتم المستضعفون من بعدي ” ] [ …فقال العباس يارسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقراً بعدك فبشرنا وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا فقال صلى الله عليه وآله : ” أنتم المستضعفون بعدي ” وأصمت فنهض القوم وهم يبكون قد أيسوا من النبي صلى الله عليه وآله – اإلإلإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج 1 ص 184 & معاني الأخبار للصدوق ص 79 ج 1 ] .
[ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله نر إلى الحسن والحسين وقال : ” أنتم المستضعفون بعدي ] [ وعن أبي الصادق قال لي علي : فينا نزلت هذه الآية وهى لنا (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) الصدوق في الأمالي ]
[ عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل بنت الحارث وهي أم ولد العباس أخت ميمونة قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعلت أبكي فرفع رأسه فقال ما يبكيك قلت خفنا عليك وما ندري ما نلقى من الناس بعدك يا رسول الله قال : ” أنتم المستضعفون بعدي ” – مسند الإمام أحمد باقي مسند الأنصار حديث أم الفضل بن عباس وهي أخت ميمونة رضي الله عنهم ] .
وفي آخر الزمان عندما يفشوا الظلم و يستضعف الحكام الناس وقال تعالى في ذلك : { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا – النساء 75 } وهؤلاء سيورثهم الله تعالى الأرض كما في قوله تعالى { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدون – الأنبياء 105-106 } وتلك إرادة الله تعالى أن يمن على المؤمنين في آخر الزمان بولايتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام كما في الآية هنا : { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين –القصص 5 } .
وأما :
(الأرض)
وهنا أيضاً هذا اللفظ يشير إلى ميراث المؤمنين من بني إسرائيل الأرض بعد هلاك الظالمين من قوم فرعون كما في قوله تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – الأعراف 137 } وكذلك في آخر الزمان إذا فعل بنو إسرائيل نفس أفعال فرعون وعلوا في الأرض علواً كبيراً قال تعالى فيه { وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا – الإسراء 4-8 } ويكون ذلك زمان ميراث المؤمنين للأرض كما في قوله تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدون – الأنبياء 105-106 } . وهنا يكون تمام كلمة ربنا الحسنى على أهل بيت النبي ومن تولاهم من المؤمنين .
ويكون مقرها وإمامها من مصر لورود لفظ الأرض عليها في قوله تعالى { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض – يوسف 21 } وقال تعالى أيضاً { قال اجعلني على خزائن الأرض – يوسف 55 }
وكما فعل الله تعالى الأمم الظالمن من قبل سيفعل ذلك في آخر الزمان إذا تقلد الآخرين بكفر الأولين وظلمهم وعلوهم في الأرض قال تعالى لذلك { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها – محمد 10 } وهنا يكون ميراث المؤمنين ممن تولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام بعد هلاك الظالمين .
وفي جفر الإمام علي عليه السلام وبعض الروايات لإمام آخر الزمان منبراً في مصر و المنبر مكان يحكم منه النبي عليه السلام أو إمام آخر الزمان .
وأما :
(ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )
وهنا يبين تعالى أن الإمامة في ذرية نبي الله إبراهيم لقوله تعالى { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين – البقرة 124 } وحيث أن سيدنا محمد هو النبي الخاتم كما في قوله تعالى { ولكن رسول الله وخاتم النبيين – الأحزاب } وبالتالي الإمامة إمتداد لرسالة النبي إلى العالم ولا ينالها الأئمة إلا بعد صبر شديد على طاعة الله وعلى البلاء قال تعالى فيه { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون – السجدة 24 }
ولفظ منهم يشير إلى أنهم أئمة من العرب الأميين من ولد نبي الله إسماعيل لورود هذا اللفظ في وصف العرب عند قوله تعالى { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون – البقرة 78 }
وهؤلاء الأئمة جعلهم الله تعالى يهدون الناس بأمر الله تعالى المنزل على النبي الخاتم صلى الله عليه وآله و أوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة لقوله تعالى { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين – الأنبياء 73 } وهؤلا وشيعتهم وأنصارهم ومن تولاهم هم الوارثين كما في قوله تعالى هنا { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين – القصص 5 } .
وأما :
(الوارثين)
والوارثين هم الذين يرثون الأرض من بعد هلاك أهلها لقوله تعالى { أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون – الأعراف 100 } والميراث الأول هنا كان لبني إسرائيل بعد هلاك فرعون وملئه لما علوا في الأرض و كذبوا و استكبروا قال تعالى { كذلك وأوثناها بني إسرائيل – الشعراء 59 } وهذه الأرض التي ورثوها في زمانهم الشام وسيناء ومصر والحجاز فلما بعث الله تعالى النبي الخاتم وهو مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل كما في قوله تعالى { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون – الأعراف 157 } وهنا يكون الله تعالى قد ورث كتابه الكريم لنبي آخر الزمان ثم الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وقال تعالى فيهم { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير – فاطر 32 }
فلما كفروا بالله تعالى وبنبي آخر الزمان صلى الله عليه ونابذوه وأهل بيته العداء وقاتلوهم وقريش الأولى والآخرة كما قتلوا أنبيائهم من قبل هنا يكونوا قد علوا علواً كبيرا قال تعالى فيه { ولتعلن علواً كبيرا – الإسراء } وهنا توعدهم الله تعالى بالهلاك كما في قوله تعالى { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء 104 } وكذلك قريشاً الأولى والآخرة وقد توعدهما الله تعالى الهلاك في وعدين قال تعالى فيهما { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة }
وهنا يكون قد اراد الله تعالى هلاكهم كما أهلك فرعون من قبل ويكون ميراث الأرض للمؤمنين العابدين لله تعالى كما في قوله عز وجل { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين – الأنبياء 105-106 } .
ثم يقول تعالى :
(6) ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون (6)
وهنا :
(ونمكن لهم في الأرض)
[ ومكن يمكن مكانة فهو مكين : استقر وثبت في موضعه لا يتزلزل ويقال من هذا مكن عند السلطان وذي الأمر عظم عنده وارتفع قدره ورسخ أمره لا يتزلزل بوشاية الواشين – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الكاف والنون ] .
قال تعالى { فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف 54 } فلما مكنه الله تعالى قال للملك { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم – يوسف } .
ولذلك قال تعالى في نبي الله يوسف عليه السلام { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء – يوسف 21 } وبالتالي { ونمكن لهم في الأرض } جعلهم الله تعالى حكاماً عليها يحكمون في الناس بما أنزل الله وهذا وعد وعده الله تعالى للمؤمنين آخر الزمان قال تعالى فيه { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود – الحج 41-42 }
ولقد مكن الله تعالى الأمم من قبل من الأرض أمة بعد أخرى وحكموا فيها بما لم يقدر على ذلك الأمم التي جاءت من بعد فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم وأنشـأ بعدهم قرناً آخرين قال تعالى { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – الأنعام 6 } فلما مكنهم الله تعالى ما اإنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ليعرفوا بها ربهم فيؤمنوا به تعالى وبرسوله قال تعالى { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – الأحقاف 26 } . أي أنه تعالى كما أهلك الأولين بعد أن مكنهم من الأرض فسيهلك الآخرين بذنوبهم إن فعلوا فعل سلفهم قال تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها – محمد 10 } فإذا أهلك الله تعالى الظالمين مكن المؤمنين من الأرض ليستخلفهم فيها وينظر كيف يعملون قال تعالى : { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود – الحج 41-42 } .
وأما :
(ونرى)
وهنا (نرى) أي جعلهم الله تعالى يرون الآيات الدالة على وجوده تعالى وأنه الخالق لورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن رؤية ننبي الله إبراهيم لملكوت السماوات والأرض حيث قال تعالى { وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين – الأنعام 75 } وقد أرسل الله تعالى موسى إلى فرعون بتسع آيات قال تعالى فيها { ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا – الإسراء 101 } وهذه الآيات قال تعالى فيها { وما نريهم من آية إلا هى أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون – الزخرف 48 } وهنا أعمى الله تعالى قلوبهم عن الإيمان بالله تعالى وحقائق الأمور كما في قوله تعالى { وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون – الأعراف 198 }
وهنا دعا موسى عليه السلام على فرعون دعاءاً يظل باقياً في فرعون وكل حاكماَ تقلد به وعصى الله تعالى ورسوله قائلا { وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم – يونس 88 } .
وفي آخر الزمان بعد بعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله رأى بنو أمية ينزوون على منبرة نزو القردة فأنزل الله تعالى { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا – الإسراء 60 } .
وهؤلاء لما مكنهم الله تعالى من الأرض فعلوا نفس فعل فرعون ببني إسرائيل فقتلوا أهل بيت النبي عليهم السلام كما فعل فرعون وسيمكن الله تعالى لهم في آخر الزمان ولذلك قال تعالى في فرعون هنا { ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون – القصص 6 } .
وهنا فتن الله تعالى كل الأمة الإسلامة كل عام ليرى من يتولى أهل بيت النبي عليهم السلام ممن سيحتفلون ويذبحون ويصومون في يوم مقتلة أهل بيت النبي بالمحرم من كل عام قال تعالى { أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون – التوبة 126 } .
وهنا يصرف الله تعالى عن ولايته تعالى وولاية رسوله والأئمة من أهلبيته عليهم السلام بتكبرهم وصلفهم وجدالهم بالباطل قال تعالى { سورةاﻷعراف – سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146)
وهنا يمتعهم الله تعالى سنين حتى يأتيهم الله تعالى بما يوعدون قال تعالى { أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جائهم ما كانوا يوعدون – الشعراء 205-206 }
فإذا جاء أجلهم في آخر الزمان تكون البداية آية في السماء دالة على بداية خروج الإمام قال تعالى فيها { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد – لافصلت 53 } .
وأما :
(فرعون وهامان وجنودهما)
وهنا يقول تعالى { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين – القصص 8 } وخطيئتهما كانت بتكذيبهم رسولهم وقولهم أنه ساحر كذاب كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب – غافر 23-24 }
و باستكبارهم على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أخذهم الله تعالى بذنوبهم كما قال تعالى { وقارون وفرعون وهامان ولقد جائهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – العنكبوت 39-40 } .
وأما :
(منهم ما كانو)
وهنا يبين تعالى أنهم فعلوا كما فعلت الأمم الأولى من قبلهم قال تعالى { وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون – الزخرف 6-7 }
وبالتالي كذبوا بالحق لما جائهم كما بين تعالى أن هناك جرائم مشتركة بين فرعون وبني إسرائيل قال تعالى فيها : { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 } وكانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ولقد فعلت بنوا إسرائيل نفس الفعل فيما بعد لما كذبوا رسل الله وقتلوا أنبيائهم في قوله تعالى { ففريقاَ كذبتم وفريقاً تقتلون – البقرة } قال تعالى في هذه المنكرات التي فعلها فرعون وفعلتها من بعد بنوا إسرائيل قال تعالى { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون – المائدة 79 }
وهذه المنكرات قال تعالى فيها أن منها أكلهم السحت { لبئس ما كانوا يعملون – المائدة 62 } قال تعالى في الجرائم المشتركة بين فرعون وبني إسرائيل : { وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون – المائدة 62 }
وقال تعالى فيهم أيضاً : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون – المائدة 63 } والذي نهى فرعون هنا في زمانه مؤمن فرعون الذي كان يكتم إيمانه وقال تعالى فيه { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب – غافر 28 } فلما ÷لك الله تعالى فرعون أورثها بني إسرائيل كما في قوله تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – الأعراف 137 }
ولقد أهلهم الله تعالى كما أهلك القرون الأولى كما في قوله تعالى { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين – يونس 13 }
فإذا علا بنوا إسرائيل آخر الزمان علواً كبيراً بعث في زمانهم إمام آخر الزمان بتأويل فيه هلاك الظالمين قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } .
وأما :
(يحذرون)
[ وحذره يحذره حذراً : خشيه وتحرز منه على خفية فهو حاذر وإسم المفعول محذورا – المعجم المفهرس لألفاظ القرآن باب الحاء فصل الذال والراء ] . قال تعالى مبيناً أن الحذر يكون من مكروه يقع بالناس : { أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين – البقرة 19 }
والحذر حذرين حذر من الله تبارك وتعالى أن ينزل على الناس سخطه وعذابه لقوله تعالى : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين – المائدة 92 } والحذر هنا يستلزم معرفة كتب الله والتفقه في دين الله حلاله وحرامه كما قال عز وحل { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون – التوبة 122 }
والحذر الثاني من المكذبين بآيات الله تعالى أن يتولى أمرهم نبي أو رسول أو إمام من أهل بيت النبي عليهم السلام ولذلك قال فرعون وملئه
{ إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون و إنا لجميع حاذرون – الشعراء 54-56 } وحذر فرعون وملئه هنا أن يمكن الله تعالى لموسى ةهارون والمؤمنون والله تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل ويرى فرعون وهامان وجنودهما ماكانوا يحذرون قالت عالى { ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون – القص ص6 }
وتحذير الله تعالى بعد بعثة النبي الخاتم و ظهور دين الإسلام من الهوى و فتنة المؤمنين عن ولاية أهل بيت نبيهم عليهم السلام الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا كما في قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 } وبالتالي لا يتولى مؤمناً غير الله تعالى ورسووله صلى الله عليه والأئمة منأهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى : { لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير – آل عمران 28 }
ونهذه الولاية لأهل بيت النبي عليهم السلام بعض ما ـنزل الله تعالى التي حذر الله تعالى من تركها والعمل بأهواء الرجال في مخالفة نصوص القرآن الكريم لقوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 } .
(7) وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين (7)
وهنا :
(وأوحينا إلى أم موسى)
[ ووحى يحي وحياً : يجيئ لما يأتي أ- فيقال وحى الله كذا إلى أحد عباده : قذفه في قلبه وألهمه إياه ويكون ذلك في اليقظة أو في المنام بالرؤيا ةأصل الوحي : الإعلام الخفي . ب- ويقال وحى الله بكذا إلى من اصطفاه من عباده : ألقاه إليه وبلغه إياه على لسان بعض ملائكته – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الحاء والياء ] .قال تعالى { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون – النحل 68 } وقال تعالى في إلهام الفكرة { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون – هود 37 } وقال تعالى في الإلهام بعمل الصالحات { فأوحى إليهم أن سبحوه بكرة وعشيا – مريم 11 }
ومما أوحاه الله تعالى هنا لأم موسى عليه السلام بأن تلقيه في اليم قال تعالى { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين – القصص 7 } فلما ألقته في اليم أصبح فؤادها فارغاَ كما في قوله تعالى { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين – القصص 10 }
وهنا كانت نجاة موسى عليه السلام بمنة من الله تعالى قال فيها { وَلَقَدۡ مَنَنَّا عَلَيۡكَ مَرَّةً أُخۡرَىٰٓ إِذۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ أَنِ ٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقۡذِفِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ فَلۡيُلۡقِهِ ٱلۡيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأۡخُذۡهُ عَدُوّٞ لِّي وَعَدُوّٞ لَّهُۥۚ وَأَلۡقَيۡتُ عَلَيۡكَ مَحَبَّةٗ مِّنِّي وَلِتُصۡنَعَ عَلَىٰ عَيۡنِيٓ إِذۡ تَمۡشِيٓ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن يَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعۡنَٰكَ إِلَىٰٓ أُمِّكَ كَيۡ تَقَرَّ عَيۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ– طه 37-38 }
وفي الوحي للأرض يقول تعالى { إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا وَقَالَ ٱلۡإِنسَٰانُ مَا لَهَا يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا – الزلزلة 1-5 } وهذا الوحي بخلاف الوحي التشريعي الذي ينزل به جبريل عليه السلام كما في قوله تعالى { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا – الكهف 27 } .
وأما :
(أن أرضعيه)
وهنا يقول تعالى في الرضاعة { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة – البقرة 233 }
فلما ألتقطه آل فرعون منع الله تعالى عنه الرضاعة من كل النساء كما في قوله تعالى { وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون – القصص 12 } وهنا تمت الموافقة على أجر يكون لأمه التي سترضعه وستكفله لفرعون قال تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى – الطلاق 6 } .
وأما :
(فإذا خفتي عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني)
ولفظ الخوف هنا دائما يصاحب بني إسرائيل لأنه كان يقتل أبنائهم قبل أن يولد موسى عليه السلام ومن بعد قال تعالى لأم موسى هنا { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين – القصص 7 } وقال تعالى في قتل فرعون للمؤمنين وأبنائهم واستحيائه نسائهم : { فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال – غافر 25 } وقال تعالى في الخوف من نبي الله موسى وهارون { قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى – طه 46 } وقال تعالى في موسى عليه السلام وخوفه من القتل { فخرج منها خائفاً يترقب – القصص 21 } وكل الؤمنين في زمانه كانوا يخافونه لعنه الله كما قال تعالى { فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين – يونس 83 } .
وأما :
(فألقيه)
أي فاقذفيه في التابوت باليم كما قال تعالى { أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني – طه 39 }
وأما :
(في اليم)
[ واليم : البحر ويستوي فيه العذب والمالح – معجم ألفاظ القرآن باب الياء فصل الميم والميم ] قال تعالى { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين – الأعراف 136 } وهنا يقول تعالى لأم موسى إن خفتي عليه فاقذفيه في التابوت كما قال تعالى { إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني- طه 38-39 } وقاال تعالى أيضاً : { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين – القصص 7 } .
وأما :
(ولا تخافي ولا تحزني)
أي أنه يقول تعالى لأم موسى ولكل مؤمن مادام اتبع الهدى وعمل بأمر الله تعالى فلا يخاف ولا يحزن كما في قوله تعالى { فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 38 } فلما آمنت بالله وتوكلت عليه تعالى بشرها بأنه سيرده إليها وسيجعله من المرسلين قال تعالى { ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين – القصص 7 } .
وأما :
(إنا رادوه إليك)
أي أنه قال تعالى { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون – القصص 13 }
وأما :
(إليك)
أي أنه قال تعالى أنه أرجعه إليها في قوله تعالى { إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن – طه 40 }
وأما :
( وجاعلوه من المرسلين)
أي أنه تعالى لما بشر أم موسى برسالته أنه سيكون من المرسلين وقد صدق الله تعالى وعده وأرسله عز وجل إلى بني إسرائيل عامة وإلى فرعون خاصة قال تعالى { وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين – الإسراء 104 } وقال تعالى لموسى وهارون عليهما السلام : { فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين – الشعراء 16 }
فلما أرسله عز وجل قال لفرعون { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل – الأعراف 105 }
وقد اصطفاه عز وجل برسالاته و بكلامه كما في قوله تعالى { قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين – الأعراف 144 }
فلما فر موسى من فرعون قال تعالى على لسان نبي الله موسى عليه السلام { ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل – الشعراء 21-22 } .
ثم يقول تعالى :
(8) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين (8)
وهنا :
(فالتقطه)
و[ التقط الشيئ : عثر عليه من غير قصد ولا طلب فأخذه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل القاف والطاء ] . قال تعالى في نبي الله يوسف وقد ألقاه إخوته في مياه البئر كما ألقت ام موسى موسى عليه السلام في مياه اليم وكلاهما قد حكم مصر قال تعالى { قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين – يوسف 10 } . ويقول أيضاً في نبي الله موسى عليه السلام هنا { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين – القصص 7-8 } .
وأما :
(آل فرعون)
[ وآل الرجل : أهله وخص الآل بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة كما غلبت إضافته إلى ما فيه الشرف فلا يقال آل الإسكاف – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الواو واللام ] .
وهنا يبين تعالى أن آل فرعون هم الذين كفروا وكذبوا بآيات الله تعالى كما في قوله عز وجل : { كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين – الأنفال 54 } وقال تعالى أيضاً : { كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب – الأنفال 52 }
كان موكول لهم تعذيب بني إسرائيل وقتل المؤمنين منهم قال تعالى { وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم – الأعراف 141 } .
ومن آل فرعون من آمن بالله تعالى ورسوله وكتم إيمانه كما في قوله تعالى { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب – غافر 28 } .
وأما :
(ليكون)
وهنا يقول تعالى { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا – مريم 81 } وهذه الدعوة للعمل بالهوى دعوة شيطانية ليكونوا من أصحاب السعير قال تعالى { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير – فاطر 6 }
وهنا بعث الله تعالى فيهم نبيا لينذرهم قال تعالى { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا –الفرقان 1 } والتوراة فيها فرقان كما هو القرآن لأنهما منزلان من عند الله قالت تعالى في الفرقان { وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون – البقرة 53 } فلما كذبوا بآيات ربهم كانت بعثة نبيهم حزنا وسيعاديهم في الله تعالى كما في الآية هنا { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين – القصص 8 }
وأما :
(لهم عدوا)
والعدو هنا فرعون والذي قال تعالى فيه أنه عدو لله وعدو لكل من تولى الله تعالى لقوله عز وجل { أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني – طه 39 } . فلما قال { فقال أنا ربكم الأعلى – النازعات 24 } وقال { ما علمت لكم من إله غيري –القصص 38 } أصبح عدواً لله فبعث إليه موسى لينذره لذلك قال تعالى هنا { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا – القصص 8 }
وأما :
(وحزنا)
و[ الحُزن والحَزن : الهم والغم وحزن يحزن حزناً : اغتم وحزنه غيره يحزنه حزناً : أوقعه في الحزن والغم – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الزاي والنون ] . قال تعالى { إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون – المجادلة 10 } وحيث أن فرعون ادعي الألوهية و الربوبية هنا قد تولوا الشيطان وأصبح يحزنهم الدعوة للإيمان بالله تعالى والخروج على ولاية فرعون لذلك بين تعالى أن دعوة نبي الله موسى ونصره له تعالى ستكون حزناً عليهم قال تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا – القصص 8 }
وأما :
(إن فرعون وهامان وجنودهما)
وهنا يبين تعالى أنه سيمكن المؤمنين وسيستخلفهم في الأرض وسيري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون من بعثة نبي أو رسول يزيل حكمهم قال تعالى { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰارثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَامَٰان وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ – القصص 5-6 } وهذا يحزنهم ويبين للناس بأنهم كانوا خاطئين لذلك أهلكهم الله تعالى كما في قوله تعالى { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين – القصص 8 } .
وأما :
(كانوا)
{ أنهم كانوا كافرين – الأعراف 37 } وبكفرهم وتكذيبهم لرسلهم وآيات الله تعالى انتقم منهم فأغرقهم كما في قوله تعالى { فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين – الأعراف 136 } ثم أورثها الله تعالى بني إسرائيل بما صبروا كما في قوله تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون – الأعراف 137 } .
وأما :
(خاطئين)
[ وخطئ : فعل الشر عن غير قصد وخَطِئ سخطأ : انحرف إلى الشر قصداً فهو خاطئ وهى خاطئة وهم خاطئون والخِطأ : ما تعمد من الذنب – معجم ألفاظ القرآن باب الخاء فصل الطاء والهمزة ] قال تعالى في قتل الأولاد { إن قتلهم كان خطئاً كبيرا – الإسراء 31 } أي أن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين بوتعمدهم قتل الأولاد
ولورود لفظ الخاطئة على فعل الفواحس في قوله تعالى { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين – يوسف 29 } ويرد هذا اللفظ على مل قوم لوط وقد قرن فيه الله تعالى بين فرعون خاصة وقوم لوط في قوله تعالى { وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ – الحاقة 9 } [ أي جاء فرعون ومَن سبقه من الأمم التي كفرت برسلها, وأهل قرى قوم لوط الذين انقلبت بهم ديارهم بسبب الفعلة المنكرة من الكفر والشرك والفواحش ] وهنا يبين تعالى انتشار الفواحش بي آل فرعون وفرعون خاصة كان يعمل عمل قوم لوط وهى علامة يعرف بها في بدنه ليكون متميزاً بها لعنه الله ولذلك قال تعالى هنا { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين – القصص 8 } اي قتلة وزناه وزعيمهم ممن يعملون قوم لوط وإذا توافرت هذه الأعمال في أي جيش فقد كتب الله تعالى عليهم الفناء الجماعي كما فعل بفرعون .
ثم يقول تعالى :
(9) وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون (9)
الشريف خالد محيي الدين الحليبي