خالد محيي الدين الحليبي :
الملف : PDF :
واغفر لأبي إنه كان من الضالين الآية 86
( من تفسير البينة)
(86) واغفر لأبي إنه كان من الضالين – (الشعراء 86)
وهنا :
(واغفر)
يبين تعالى هنا أن إبراهيم عليه السلام دعا لوالديه فيقول { رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب – إبراهيم 40-41 } والوالدين هما الذين كان سبباً في ولادته وخروجه لعالم الدنيا لقوله تعالى في الوالد { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف – البقرة } و الوالدة هى التي ولدته لقوله تعالى { إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم – المجادلة} وأما عن الأب فيدخل فيه الجد والعم كما سنبين .لذلك دعا له عليه السلام هنا في دعاء محدد أنه كان من الضالين فقال { واغفر لأبي إنه كان من الضالين – الشعراء 86} .
وأما :
(لأبي)
[ والأب : الوالد ومثناه : أبوان ويطلق على الأجداد والأعمام : آباء – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الباء والواو ]
وهنا لفظ الأب وهو الوالد كما في قوله تعالى { إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين – يوسف } والأب لفظ يدخل فيه الجدود لقوله تعالى { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما – النساء 11 } . وقال تعالى أيضاَ { ملة أبيكم إبراهيم – الحج 78 } والأعمام آباء أهل بيت النبي من الأنبياء من أولاد إبراهيهم عليهم السلام لقوله تعالى { ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم – الأنعام 87 } .
وبالتالي دعاء سيدنا إبراهيم هنا لأبيه وليس والده يعني عمه الذي رباه وقد كان من عبدة الأوثان لقوله تعالى فيه { وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة – الأنعام 74 } ولذلك قال فيه إنه كان من الضالين فقد توعده بالرجم في قوله تعالى { قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا – مريم 46 } ولضلاله هنا دعا له كما في الآية هنا { واغفر لأبي إنه كان من الضالين – الشعراء 86 } .
ولقوله تعالى { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما – الأحزاب 40 } أي أنه صلى الله عليه وآله ليس أباً لأحد من عبدة الأصنام ولا عم لهم بل هؤلاء بعيدون عن أصل الشجرة النبوية التي اصطفاها الله تبارك وتعالى .لذلك قال تعالى في رسول الله (ص) وتقلبه بين الاصلاب والارحام الطاهرة قبل نزوله إلى الدنيا { وتقلبك في الساجدين – الشعراء 219 } أي أنه ليس أباً لأحد من عبدة الأصنام .
وأما لفظ أبت فهو للتبجيل كما قال إسماعيل عليه السلام لأبيه إبراهيم { فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين – الصافات 102 } .
وكذلك نبي الله إبراهيم لما خاطب عمه وهو يحترمه ويبجله خاطبه بلفظ يا أبت في قوله تعالى { وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡـٔٗا يَٰٓأَبَتِ إِنِّي قَدۡ جَآءَنِي مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَمۡ يَأۡتِكَ فَٱتَّبِعۡنِيٓ أَهۡدِكَ صِرَٰطٗا سَوِيّٗا يَٰٓأَبَتِ لَا تَعۡبُدِ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ عَصِيّٗا يَٰٓأَبَتِ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيۡطَٰنِ وَلِيّٗا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنۡ ءَالِهَتِي يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُۖ لَئِن لَّمۡ تَنتَهِ لَأَرۡجُمَنَّكَۖ وَٱهۡجُرۡنِي مَلِيّٗا قَالَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ بِي حَفِيّٗا – مريم 41-47 } وهنا تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه ولتطابق عبادة آزر للأصنام وعم النبي أبو لهب للأصنام أيضاً يؤكد لنا القرآن أنهما متطابقان في صفات الكفر والضلال والعناد والهم بقتل النبي إبراهيم وكذلك فعل أبو لهب حتى نزلت فيه سورة المسد وقال تعالى في ذلك نهياً للنبي أن يستغفر له كما في قوله عز وجل { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم – التوبة 113 } .
وأما :
(لأبي إنه كان)
وهنا هذه الآيات تحدد صفات الضال الذي دعا له سيدنا إبراهيم عليه السلام من أعمامه ومن تربى في بيوتهم فورود هذه الآيات في قوله تعالى { إنه كان لا يؤمن بالله العظيم – الحاقة 33 } تثبت أنه كان لا يؤمن بالله العظيم وكان عالياً من المسرفين لقوله تعالى { إنه كان عاليا من المسرفين – الدخان 31 } وكان في أهله مسروراً فرحاً فخورا لقوله تعالى { إنه كان في أهله مسرورا – الحاقة 13 } وكان عنيداً لقوله تعالى { كلا إنه كان لآياتنا عنيدا – المدثر 16 } وكان ظلوماً جهولاً لقوله تعالى { إنه كان ظلوما جهولا – الأحزاب 72 } و كان من المفسدين لقوله تعالى { إنه كان من المفسدين – القصص 4}
وبالتالي كان من الضالين فدعا له نبي الله إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى { واغفر لأبي إنه كان من الضالين – الشعراء 86 } .
وكما دعا إبراهيم عليه السلام لعمه آزر هنا كذلك الآيات تؤكد أن سيدنا محمد النبي الخاتم كان يدعوا لعم له بهذه الصفات من عبادة الأصنام والعناد والفساد والظلم والجهل وذلك هو أبو لهب و ليس عمه أبو طالب الذي زعموا أنه نزل فيه نهى من الله تعالى أن يستغفر له ..
فهل هذه الصفات في عمه أبو طالب الدعم له ولولاه لما ظهر دين الإسلام وهنا نكون قد أثبتنا بأن النبي صلى الله عليه وآله لما دعا واستغفر ربه كان لعمه أبو لهب وليس ابو طالب فقلب المنافقون الأسماء نكاية وكراهية في الإمام علي والثأر منه بعد واقعة بدر .
[ أخرج الشيخان من طريق سعيد ابن المسيب عن أبيه قال لما لنبي أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله يا ابا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) .. الآية وأنزل في أبي طالب إنك لا تهدي من أحببت الآية وظاهر أن الآية نزلت بمكة ] [ حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال، حدثني يونس، عن الزهري قال، أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبيه قال: ” لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمةً أشهد لك بها عند الله! قال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: ((هو على ملة عبد المطلب))، وأبى أن يقول: ((لا إله إلا الله))، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك! فأنزل الله: ” ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين “، وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله: ” إنك لا تهدي من أحببت ” الآية [القصص: 56] “.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : ” ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين “، قال: يقول المؤمنون: ألا نستغفر لآبائنا، وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافراً؟ فأنزل الله: ” وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه “، الآية.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن عمرو بن دينار: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فلا أزال أستغفر لأبي طالب حتى ينهاني عنه ربي! فقال أصحابه: لنستغفرن لآبائنا كما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه! فأنزل الله: ” ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين “، إلى قوله: ” تبرأ منه – شرح النووي على مسلم – كتاب الإيمان ]
“.]
وهنا نكون قد أثبتنا بأن استغفار النبي صلى الله عليه وآله كان لعمه أبو لهب كما استغفر نبي الله إبراهيم لعمه آذر و قال تعالى في ذلك { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم – التوبة 114 }
وأما :
(من الضالين)
والضالين هم الذين تولوا غير رسل الله تعالى وعصوه عز وجل ورسوله لقوله تعالى { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا – الأحزاب 36 } .
ومن الضلال عبادة الأصنام والشمس والقمر والنجوم لقوله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام { فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين – الأنعام 77 } وهؤلاء القوم الضالين هنا هم قوم إبراهيم عليه السلام ومن الضلال طاعة السادة والكبراء والحكام في الغعمل بغير نص من كتاب الله تعالى لقوله تعالى عنهم يوم القيامة عند دخولهم النار { وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا – الأحزاب 67 } .
وهؤلاء الضالين كان منهم آزر عم سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي دعا له عنا بسبب وعد وعده إياه قال فيه تعالى { قال سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا – مريم 47 } لذلك استغفر له لهذا الوعد ولولاه لما اسغفر لأنه قد تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه كما في قوله تعالى { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم – التوبة 114 } .