"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

القلب للجسد في الدنيا والفؤاد للنفس (الجسد الطيني) الذي عاش به الإنسان في جنة عدن

 بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

من تفسير البينة

نسخة PDF

الفؤاد خلقه الله تعالى للجسد الطيني

الفؤاد خلقه الله تعالى للجسد الطيني

بجنة عدن والقلب في الدنيا مضغة الجسد(السوءة) التي نعيش بها على الأرض

 يقول تعالى في سورة  الفرقان

 

{ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا – الفرقان 32 }

 سنبدأ البيان هنا من كلمة فؤاء :

(فؤادك)

 

[ الفؤاد : من فأد اللحم إذا شواه وقالوا إن منه الفؤاد لحرارته وتوقده ويطلق على قلب كل حي ذي قلب إنساناً كان أو غيره وتدور المادة على حمى وشدة حرارة – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الهمزة والدال ]

 

قال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا – الإسراء 36}

والفؤاد هو المخلوق مع الإنسان في جنة عدن قبل الهبوط منها إلى الأرض كما في قوله تعالى { ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – السجدة 9 } وهذه مرحلة ماقبل الهبوط إلى الأرض .

وقال تعالى أيضاً في الدنيا مستتراً بداخل القلب حين يخرج من بطن أمه  بالجسد وظاهر ما فيه في الحياة الدنيا القلب وباطنه الذي يرى في الآخرة هو الفؤاد وعند المولد لذلك قال تعالى فؤاد لأنه مازال على الفطرة لم يلوث قلبه بمعصية لذلك قال تعالى قال تعالى { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون – النحل 78 }

وقد جعل الله تعالى الفؤاد ضمن الحواس التي تهدي إلى الله تعالى كما في قوله عز وجل { قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون – الملك 23 } .

وهذا الفؤاد مرتبط بالنفس التي ألهمها الله تعالى فجورها وتقواها قبل أن يخلق الله تعالى الجسد كما في قوله تعالى عن خلق النفس بعد خلق السماوات والأرض وإلهام الله تعالى لها بالخير والشر قبل خلق الجسد كما في قوله تعالى { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس } .

 

وهنا كان ترابط الفؤاد بالنفس قبل خلق الجسد فلما خلق الله تعالى الجسد الإنساني من طينة الجنة أو النار دخلت فيه النفس ومعها الفؤاد المرتبط بالقلب فلما بدت السوءة بعدما أكل نبي الله آدم وزوجه من الشجرة و بدى لهما الجسد وبداخله قلب وخلف الجسد جسد آخر من طينة الجنة أو النار وهى نفسه ومعها الفؤاد فإذا مات الجسد برز الجسد الطيني الأصلي الذي عاش به في الجنة قبل الهبوط للأرض وما فيه من فؤاد   .

ومن هنا يتبين لنا أن الفؤاد طاقة القلب أو قلب القلب و قال تعالى مبيناً أن العقل في الجسد موضعه القلب كما في قوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } . وهو موضع الفقه لقوله تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها – الأعراف 146 }

 

وحيث أن الفؤاد خاص بالنفس قبل خلق الجسد فهو الجزء الموكول له إدراك ما بعد الموت بالأعمال الصالحة التي ملئه بها في الحياة الدنيا و بالتالي هو خاص فيما بعد الموت وعالم الماورائيات وذلك لأنه لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما وراء هذا الكون وردت الرؤية بلفظ الفؤاد وليس القلب وذلك ليرى بفؤاده مالا يمكن أن يراه بالجسد كما قال تعالى في هذه الرؤية { ماكذب الفؤاء ما رأى – النجم 11 } ولم يقل ما كذب القلب ما رأي وذلك لأن العقل موضعه القلب والفؤاد موكول بالمغيبات .

وكأن الله تعالى يبين لنا أنه كما أن القلب رباط للجسد كذلك الفؤاد رباط للنفس التي كان يعيش بها الإنسان في جنة عدن وهى جسده الطيبني الأصلي الذي عاش به في جنة عدن فيما قبل بروز السوءة والطرد من الجنة .

فإذا ترك العبد طاعة الله تعالى فقد جعل فؤاده المرتبط بنفسه في الجنة فارغاً هواءاً كما قال تعالى عن أهل النار { مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء – إبراهيم 43 } .

وهذا الهواء كأن أنفسهم لما خلقها الله تعالى من طينة جهنم أصبحت لا تقبل هذه الأفئدة حق ولا قرآن ولا قيم ولا مبادئ قويمة ولا تتولى الله تعالى ولا رسوله ولا أهل بيت النبي عليهم السلام ولا الصالحين ولذلك قال تعالى عن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرى { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون – الأنعام 113 } .

فلما كانت أفئدتهم مخلوقة من طينة جهنم انعكس ذلك على قلوبهم التي أصبحت في الدنيا لا تعقل إلا العمل لها فلا تتولى صالحين ولا تحب إلا المعصية والشهوات الشياطين و بالتالي بغض رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والصالحين وكل القيم والأخلاق فلا يعملون إلا للدنيا وأهلها وذلك ما عقله قلبهم المحب للدنيا وأهلها وقد تخلوا عن أفئدتهم التي خلقها الله تعالى ليعرفوه بها وذلك حدث لخلق أجساد هؤلاء من طينة جهنم في الدنيا فتركوا أفئدتهم هواء ولم يملؤها بأي أعمال صالحة ولذلك هم خلقوا من طينة النار وسيرجعون إليها بتركهم العمل الصالح قال تعالى { ثم إن مرجعهم لا إلى الجحيم – الصافات } .

وهذا المرجع للجحيم بما عملته أيديهم ولم تعقله قلوبهم في الدنيا فلم يعقلوا إلا السيئات والشهوات  فأصبحت أفئدتهم هواء من طاعة الله وولايته الحق في الآخرة  .

وبالتالي كما يعقل القلب في الدنيا كذلك الفؤاد كان يعقل به الإنسان في جنة عددن قبل بروز السوءة والتي بدت وظهرت بعدما أكل آدم وزوجه عليهما السلام من الشجرة الملعونة في قوله تعالى { فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى – المائدة 121 } والسوءة عقلها و فقهها في القلب كما بينا من قبل و قال تعالى في ذلك { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون – الأعراف 179 }

وكما أن العقل والفقه في الدنيا بالقلب كذلك العقل والفقه في الآخرة بما ملئ به فؤاده من أعمال صالحة وبغير أعمال صالحة بينا من قبل أن أفئدتهم ستكون هواء كما أنه بغير كتاب الله يكون فؤاد العبد فارغاً كما قال تعالى عن أم موسى { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها – القصص 11 } والرباط على قلبها هنا بإذن الله فثبت الله فؤادها بعددما امتثلت لأمر الله تعالى فملئ الله تعالى فؤادها إيماناً فامتثل الجسد بما عقله وفقهه قلبها وبالتالي الثبات للفؤاد بالأمتثال لأمر الله تعالى كما في قوله تعالى هنا { كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا – الفرقان 32 } أي أن القرآن قد نزل بالفعل جملة واحدة على فؤاد رسول الله صلى الله عليه وآله قبل هبوطه للدنيا فلما هبط للدنيا أنزل الله تعالى القرآن على قلبه مرتلاً تريلا ومنجماً على أسباب نزول ولذلك يقول تعالى عن رحلة الإسراء والمعراج فيما وراء هذا العالم { ما كذب الفؤاد ما رأى – النجم } ولم يقل ماكذب القلب ما رأى وذلك لأن الدنيا لها القلب الذي يعيش بداخل هذا الجسد الإنساني أو السوءة التي يعيش بها في الحياة الدنيا ولذلك قال تعالى أنه أنزل القرآن في الدينا على قلبه لقوله تعالى { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين – الشعراء 103-105 } . وأما الآخرة وما بعد الموت فيكون بالفؤاد وما ملئه الإنسان من أعمال صالحة .

 

وأما :

(ورتلناه ترتيلا)

 

[ ورتل الثغر يرتل رتلاً : حسن وتناسق أسنانه ويستعمل الرتل في حسن تناسق الشيئ ورتل الكلام ترتيلاً : أحسن تأليفه أو أبانه وتمهل في قرأته – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل التاء واللام ] أي أنه يقول تعالى { ورتل القرآن ترتيلاً – المزمل } أي بيّنه بياناً واقرأه على هينيهة ثلاث آيات وأربعاً وخمساً عن ابن عباس. قال الزجاج: والبيان لا يتم بأن تعجل في القرآن إنما يتم بأن تبين جميع الحروف وتوفي حقها من الإشباع. قال أبو حمزة : قلت لابن عباس إني رجل في قراءتي وفي كلامي عجلة فقال ابن عباس: لأن أقرأ البقرة أرتّلها أحبُّ إليَّ من أن أقرأ القرآن كله . وقيل : معناه ترسل فيه ترسلاً عن مجاهد . وقيل: معناه تثبت فيه تثبتاً عن قتادة وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام  في معناه أنه قال بيّنه بياناً ولا تهذّه هذ ّالشعر ولا تنثره نثر الرمل ولكن أقرع به القلوب القاسية ولا يكوننَّ همَّ أحدكم آخر السورة. وعن أبي عبد الله عليه السلام  قال إذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوَّذ بالله من النار. –  تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ ) ] .

وبالتالي هنا قوله تعالى  {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا – الفرقان 32 } . أي رتله تريلاً فيه تؤدة وحسن قراء وتدبر لحروفه دون العجلة في التلاوة والآية تبين أن نزول القرآن كان منجماً وعلى أسباب نزول وترتيب نزول مرتلا آية بعد أخرى وسورة بعد سورة ومن تلاه فلابد وأن يقرأه مرتلاً في تؤدة وحسن تدبر ومراعاة مخارج الحروف مع الإلتزام بقواعد تلاوته وترتيله .

 

الشريف خالد محيي الدين الحليبي

مركز القلم للأبحاث والدراسات