YNP :

في سياق تطورات المعادلة اليمنية التاريخية في البحر الأحمر، يواصل اليمن بحزم حصاره البحري على الموانئ الإسرائيلية، رغم كل التهديدات الأمريكية، فأي سفينة إسرائيلية تحاول الاقتراب من مضيق باب المندب، وكذلك بقية السفن المتوجّهة إلى الكيان، إلا وقامت بحرية صنعاء وصواريخها ومسيراتها الدقيقة، برصدها وإجبارها على التراجع أو اصطيادها.

إذاً هي معادلة استراتيجية ضاربة في أعماق البحار، تواصل بدورها نسف اقتصاد الكيان الصهيوني، فيما حشرت الأمريكي الذي يحصد خيباته ومحاولاته الفاشلة في فك الحصار اليمني المفروض على الاحتلال، في عنق الزجاجة، فالتحالف الدولي الذي أعلن تشكيله لحماية “إسرائيل” في البحر الأحمر، لم يحقق غاياته، ولم ولن يُغيّر من واقع المعادلة المفروضة في شيء، لاعتبارات كثيرة أهمها النفور الدولي من هذا التحالف.

فبعد ساعات قليلة من إعلان التحالف الأمريكي، أعلنت عدد من الدول التي أدرج الأمريكي، أسمائها في هذا التحالف، تراجعها عن خوض المغامرة الأمريكية، وعلى رأسها إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، والتي أكدت أن سفنها وبوارجها الحربية لن تشارك في أي عملية تحت قيادة التحالف، إضافة إلى رفض دول عربية وإقليمية، وكذلك قوى دولية وازنه بينها الصين، المشاركة في التحالف الأمريكي.

النفور الدولي من التحالف الأمريكي، هو أمر مفهوم، فالدخول في مغامرة عسكرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أهم المناطق الحساسة للملاحة البحرية العالمية، لن يحقق الهدف الأمريكي في حماية الملاحة الإسرائيلية، بل سُيعرض كل الملاحة الدولية لخطر حقيقي وعلى رأسها سفن ومصالح الدول المشاركة في هذا التحالف.

كما أن هذه الدول تعرف أن التحرك الأمريكي جاء لحماية “إسرائيل” فقط، وأن مزاعمها بوجود تهديد للملاحة الدولية في البحر الأحمر، هي مزاعم كاذبة، وأن من يهدد الملاحة الدولية اليوم، هو الأمريكي، وليس اليمن، وقد رأينا أن الحصار اليمني محصور فقط على سفن الاحتلال أو المتوجهة إلى الكيان، بينما تمر بقية السفن بأمان ودون أي اعتراض، لكننا شاهدنا في الوقت نفسه سقوط أحد الصواريخ الأمريكية بالقرب من سفينة تجارية غابونية أثناء مرورها في البحر الأحمر.

ولكن يجب الإشارة إلى أن النفور الدولي من التحالف الأمريكي، لا يعني بأن الولايات المتحدة لن تذهب إلى شن عدوانه على اليمن، بل أن خيار الحرب وارد جداً ومتوقع في أية لحظة من دولة تعتريها الغطرسة والغرور بعد أن فقدت هيبتها أمام المعادلة اليمنية.. ولكن ماذا بعد ذلك؟ وهل ستكون أمريكا و”إسرائيل” والدول التي قد تشارك في الحماقة الأمريكية، قادرة على مواجهة التداعيات المتوقعة لهذه الحرب.

من الواضح أن صنعاء لن تسمح ولن تتهاون مع أي عدوان عسكري جديد ضد اليمن، وسيكون ردها قوياً ومدوياً، وهذا ما أشار إليه وزير الدفاع في حكومة صنعاء اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، في تصريحاته الأخيرة، والذي أكد استعدادهم القتالي الكامل للتعامل مع كل الخيارات والفرضيات المحتملة، وأن أسلحتهم” الاستراتيجية الرادعة ومدياتها تصل إلى أبعد مما يتوقعه الأعداء ولا خطوط حمراء أمامنا”.

ومن هنا، يمكن التأكيد أن التحالف الأمريكي في مأزق حقيقي، حيث تدرك الولايات المتحدة أن كل الخيارات المتاحة وغير المتاحة أمامها سيكون لها تداعيات خطيرة، حتى محاولاتها تأمين مصادر لتمويل هذا التحالف مهددة بالفشل، بعد كشف صنعاء، الاتصالات الأمريكية مع الإمارات والسعودية للمشاركة في التحالف أو تأمين الدعم المالي له من خلف الكواليس، في الحد الأدنى.

وهذا ما أشار إليه نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع بصنعاء، العميد عبدالله بن عامر، والذي أوضح أن السعودية قد تشارك في تمويل التحالف إلى جانب الإمارات، مؤكداً أن” اليمن سيواجه كل متآمر وكل معتدي وكل عدوان، وسوف يكون له كلمة مع الجهات المتآمرة عليه من دول الجوار، الإمارات والسعودية”.

وهذا بلا شك ينطبق أيضاً على أدوات التحالف السعودي الإماراتي إذا ما قرر الأمريكي إشراكها بشكل مباشر في أي عدوان جديد على اليمن، حيث ستكون في مواجهة صريحة أمام صنعاء، والتي يبدو أنها جاهزة ومستعدة لخوض كل الاحتمالات والرد على أي عدوان محتمل، وهذا ما يمكن مشاهدته ليس فقط من خلال ترسيخها للمعادلة العسكرية في البحر الأحمر، بل أيضاً من خلال قوافل التعبئة العسكرية الشعبية التي شاهدناها الأيام الماضية، بعد أن انضم عشرات الآلاف من المواطنين المقاتلين لقواتها المسلحة، واستعدادهم للمشاركة في أي معركة دفاعاً عن اليمن وعن القرار اليمني في دعم غزة، أمام أي عدوان أمريكي إسرائيلي جديد.