"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

قصة أصحاب الأعراف من “تفسير البينة” و بيان القرآن بالقرآن

مركز القلم لأبحاث والدراسات :

خالد محيي الدين الحليبي 

الآيات بصيغة PDF : 

قصة أصحاب الأعراف من تفسير البينة :

ملف ورد :

يقول تعالى :

(43) ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)

وهنا :

(ونزعنا ما في صدورهم)

و [ نزعه ينزعه نزعاً : جذبه واقتلعه وحوله عن موضعه ويقال نزع الشيئ من فلان : سلبه إياه ويأتي في المعاني فيقال : نزع الله الرحمة من  قلب الجبار ونزع في النفوس – معجم الفاظ القرآن بابالنون فصل الزاي والعين ]

[ ونازعه : خاصمه وجادله كأنه يجاذبه الحجة وتنازع القوم في الأمر : اختلفوا فيه وتنازعوا أمرهم تجاذبوا الرأي فيه ] .

قال تعالى { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين – آل عمران 152 } والتنازع يمكن أن يكون تجاذب للرأي في قوله تعالى { وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا – الكهف 21 }

وأما إذا كان التنازع أئمة أهل البيت عليهم السلام ورد الأمر إلى الله هنا يتحولون إلى طائفة مؤمنة وأخرى ترفض حكم الله في القرآن وهنا تكون كافرة لأنها لم تحقق شرط اله تعالى في صحة الإيمان وهو التحاكم ورد الأمرإلى الله تعالى حال التنازع قال تعالى في ذلك { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59 } وبالتالي التنازع بين المؤمنين لا شأن له بصحة الإيمان من فسادة ولذلك ينزع الله تعالى عند دخولهم الجنة ما في صدورهم من غل قال تعالى فيه  قال تعالى { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين – الحجر 47 } ولذلك يؤكد تعالى هنا أن هذؤلاء هم المؤمنين الذين ردوا الحكم إلى الله تعالى ورسوله حال النزاع ومن قال تعالى أن هذا تنازع بين الممؤمنين أهل الجنة و قال تعالى فيهم { ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار – الأعراف 43 } ولذلك يبين تعالى أن هذ النوع من التنازع يكون بين أهل الجنة كما في قوله تعالى { يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم – الطور 23 } .

وأما :

(ما في)

{ ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار – الأعراف 43 } وهنا يبين تعالى أن هؤلاء المؤمنين الذين نزع الله تعالى ما في قلوبهم من غل هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله الذين بايعوه تحت الشجرة على الموت في سبيل الله تعالى وقال تعالى في ذلك  {   لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا – الفتح 18 }

ولذلك يحذر الله تعالى المؤمنين أنه يعلم تعالى ما في قلوبهم التي هى في صدورهم قال تعالى { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم- البقرة 235 } وكما علم مافي صدور المؤمنين فنزع مافي قلوبهم من غل في قوله تعالى هنا { ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار- الأعراف 43 } كذلك سيعذب المنافقين لعلمه تعالى بما في صدورهم فأمر الله تعالى بالإعراض عنهم كما في قوله تعالى { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا – النساء 63 }

وأما :

(من غل)

[ لهذا اللفظ استعمالات متعدده مادية كتخلل شيئ في شيئ ثابت إذا أثبته فيه كأنه غرزته فيه ومنه الغًلة والغليل بمعنى العطش لأنه كالشيئ ينغل في الجوف بحرارة ويجيئ منه المعنوي : الحقد والضغن لأنه ينغل في الجوف بحرارة معنوية والغل : القيد – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل اللام واللام ] قال تعالى مبيناً نفس المعنى السابق أن من التنازع منه معنى أنه التنازع في أمر لا شأن له بأصول الدين ولذلك قال تعالى في دعاء المؤمنين أنهم كانوا يدعون الله تعالى في الدنيا قائلين ربنا لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا قال تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم – الحشر 10 }

 وهذا الغل ينزعه الله تعالى من قلوب المؤمنين كما في الآية هنا { ونزعنا مافي صدورهم من غل على سرر متقابلين } أي في الجنة [ وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسرائيل قال : سمعت الحسن يقول : قال علي : فينا والله أهل بدر نزلت : ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) . وروى النسائي وابن مردويه – واللفظ له – من حديث أبي بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله هداني ، فيكون له شكرا . وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ، فيكون له حسرة ” – تفسير القرآن العظيم لابن كثير ] .

وأما :

(تجري من تحتهم الأنهار)

وهؤلاء أيضاً هنا هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون – الأعراف  42 } وهؤلاء لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كما في قوله تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم – يونس 9 } وقال تعالى فيهم أيضاً وما أعده الله تعالى هم في جنات عدن : { أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا – الكهف 31 } .

وأما :

(وقالوا الحمد لله)

أي أنهم قالوا { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين – الزمر 74 }وهنا صدقهم الله تعالى وعده لأنه تعالى هداهم للإيمان فاهتدوا كما في قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون – الأعراف 43 }

ولما أدخلهم الله تعالى الجنة أذهب عنهم الحزن كما في قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور – فاطر 34 } .

وأما :

(الذي هداها لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )

وهدانا لهذا أي لهذا القرآن وذلك لورود لفظ الهدى على كتاب الله في قوله تعالى { هذا هدى – الجاثية } وقال تعالى { وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا – الجن 13 }

وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله فيها الهدى كما قال عز وجل {  قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين – النور 54 } .

ومن تولى أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام فهو على هدي قال تعالى { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 } أي أن الهدى في ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وهؤلاء هم الصادقون الذين هدى الله تعالى من شاء إلى ةلايتهم كما قال تعالى { والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – يونس 25 } .

وأما :

(لهذا)

وهنا هذا اللفظ يبين تعالى من خلاله أن الهداية كانت للقرآن الكريم والعمل بمقتضاه لوروده في قوله تعالى { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت 26 } وبالتالي كأن قوله تعالى هنا { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } أي هدانا للعمل بكتاب الله .

وأما :

(وما كنا)

وهنا يبين تعالى أنه أرسل رسله لإنذار الناس قبل نزول العذاب ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه قال تعالى { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } وبالتالي ماكان هؤلاء ليهتدوا لولا أن هداهم الله تعالى إلى طاعته وطاعة رسوله كما في الآية هنا {الحمد لله الذي هدانا لهذا وماكنا لنهتدى لولا أن هدانا الله }

 وأما أهل النار ممن عصوا رسله عليهم الصلاة والسلام وآخرهم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله  فسيقولون يوم القيامة { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير – الملك 10 } .

وأما :

(لولا)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا – الإسراء 74 } أي لولا تثبيت الله تعالى ومنته على رسوله لركن إلى المشركين فيحدث اختلاف وخلل في شرع الله وكذلك لولا أن من الله تعالى على المؤمنين لخسف بهم كما قال تعالى عن قصة خسف قارون به وبداره الأرض قال تعالى عن المؤمنين بأنهم قالوا { لولا أن من الله علينا لخسف بنا – القصص } و بالتالي منة الله تعالى هنا كانت بهدايتهم لما فيه الخير في الدنيا والآخرة  قال تعالى { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم – النور 14 } ولا نجاة من عذاب الله تعالى يوم القيامة إلا بالإيمان والعمل الصالح والدعاء كما في قوله تعالى { قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما – الفرقان 77 } .

و لولا هداية الله تعالى لهم لكانوا في الآخرة من الخاسرين لذلك قالوا { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله – الأعراف }  . وهنا كأنه يقول تعالى الحمد لله الذي هدانا للعمل بالقرآن وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام ولولا ذلك الإيمان وتلك الهداية لكنا من أصحاب النار .

وأما :

(هدانا الله)

أي أنه تعالى يدعوا إلى الجنة وهى دار السلام و يهدي إليها من يشاء كما في قوله تعالى { والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – يونس 25 } ومن اتبع كتاب الله تعالى والنور المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو نور أي نور على نور ومن اتبع هذا النور هداه الله تعالى إلى الجنة وسبل السلام  ويخرجهم من الظلمات إلى النور قال تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم –المائدة 15-16 } ومن هداه الله تعالى جعلهه يتولى أئمة ÷ل بيت النبي عليهم السلام في كل زمن لقووله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } وعلامة إمامتهم أنهم يعلمون الناس ما جهلوه من كتاب ربهم بعلم ورثوه من النبي صلى الله عليه وآله وبعلم لدني من الله تعالى إليهم لذلك يقول تعالى فيهم { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون – يونس 35 }

وأما :

(لقد جاءت رسل ربنا بالحق)

أي أنه تعالى يقول أنه قد أرسل رسوله ليبين للناس ما أخفاه أهل الكتاب كما في قوله تعالى  { يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين – المائدة 15 } وذلك على فترة من الرسل قال تعالى فيها {   يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على – المائدة } ويبين تعالى أنه قد أرسله بالحق والإيمان به خيراً لهم كما في قوله تعالى { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – النساء 170 } .

وهؤلاء يوم القيامة سيدخلهم الله تعالى الجنة وينزع ما في صدورهم من غل قال تعالى { ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون – الأعراف43 } .

وأما :

(بالحق)

وهنا يبين تعالى أن كتاب الله تعالى نزل بالحق كما في قوله تعالى { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين – الأنعام 114 } ورسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي أرسله الله تعالى بالحق كما في قوله تعالى {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } وهذا الحق مصدقاً لمن قبله من الرسل لقوله تعالى { بل جاء بالحق وصدق المرسلين – الصافات 37 } وبالتالي كتاب الله نزل بالحق وبلحق أنزله الله تعالى كما في قوله تعالى {   وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا – الإسراء 105 } وذلك ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون قال تعالى {  ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون – الأنفال 8 }

 وهذا الحق بعد النبي صلى الله عليه يبعث بعده أمة تهدي بالحق وهم أئمة أهل بيت النبي قال تعالى  { وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون – الأعراف 181 } وهنا قال أمة لأنهم الأئمة من ذرية سيدنا محمد خاتم النبيين وجدهم سيدنا إبراهيم وقال تعالى فيه أنه أمة في قوله  تعالى { إن إبراهيم كان أمة }

وهذا الحق له إمام آخر الزمان قال تعالى فيه أنه يعلم الناس الحق ويهيديهم لما جهلوه وسلفهم ونسوه قال تعالى { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون – يونس 35 } وهذه الهداية للحق تأويل لكتاب الله يظهره الله تعالى بعد أن تكون الأمة قد نسته وكاد يندثر لقوله تعالى { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وبالتالي الولاية لله تعالى ولرسله وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه ثم ولاية أهل بيته عليهم السلام هى الهداية التي حمدوا الله تعالى عليها أن هداهم إلى ولايتهم لله الحق قال تعالى { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون – الأعراف 43 }

وأما :

(ونودوا)

وهنا نودي ونادى من خلال هذا اللفظ يتبين لنا أنهم اتبعوا نداء رسول الله الداعي إلى الإيمان بالله تعالى و طاعته وولايته الحق عز وجل كما في قوله تعالى { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار – آل عمران 193 }

ثم يبين تعالى أن ملائكة الجنة إذا ساقتهم إليها وحمدوا الله تعالى على تلك النعمة  كما في قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين –الزمر 74 } هنا يقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا كما في الآية هنا { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون – الأعراف 43 } .

وأما :

(تلكم الجنة أورثتموها)

 و [ تلكم:  اسم و تِلكَ:  حرف/اداة

اسم إشارة للمفردة المؤنثة البعيدة ، اللام فيه للبعد ، والكاف المفتوحة لخطاب المفرد المذكر والكاف المكسورة ، لخطاب المفردة المؤنثة (كُما) لخطاب المثنى بنوعيه (كُمْ) لخطاب جماعة الذكور(كُنَّ) لخطاب جماعة الإناث تلك الثروة كانت نتيجة جهوده : عاقبة أو نهاية ، في تلك الحالة :

عندئذٍ ، هذه بتلك : واحدة بواحدة

اِسْمُ إِشارَةٍ لِلْبَعيدِ : تِلْكَ الْمَرْأَةُ الشَّامِخَةُ

تِلْكَ : اسم إِشارة للمفرد المؤنث البعيد والكاف فيه للخطاب

تلكما لخطاب الاثنين والاثنتين ، وتلكم لخطاب جمع الذكور ، وتِلكنَّ لخطاب جمع الإناث ] .

وبالتالي الجمع هنا لأهل الجنة يقول تعالى فيهم { تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا – مريم 63 } والتقوى هى العمل الصالح واجتناب ما نهى الله تعالى عنه لذلك قال تعالى هنا { تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون – الأعراف 43 } .

وأما :

(بما كنتم تعملون)

أي أنهم ورثوا لجنة بما كانوا يهملونه في طاعة الله امتثالاً لأوامرة عز وجل قال تعالى {  وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون – الزخرف 72 } وهنا تسلم عليهم الملائكة كما في قوله تعالى { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون – النحل 32 } .

ثم يقول تعالى :

(44) ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين (44)

وهنا :

(ونادى)

و [ ناداه يأتي لمعاني يقال نادى الحيوان : صاح به وزجره وأغلب ما يكون النداء علانية مع رفع الصوت وقد يكون النداء خفيا بين العبد وربه وينادي الله سبحانه من شاء من عباده فيلقي إليه بعض الكلام ومن النداء الآذان ويقال ناديت فلاناً من مكان بعيد : أي أنه لا يفهم ما أقول – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الدال والياء ] .

ومن خلال آيات القرآن الكريم يتبين أن النداء بين اثنين بينهما معزل مكاني أو زماني أو كلاهما معا كالنداء بين العبد وربه ولذلك قالأعل اللغة أن النداء يمكن أن يكون خفيا ونقول ذلك لقوله تعالى في ابن نوح العاق  الشاق { وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين –  هود 42 } وقال تعالى أيضا في الذين رفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ونادوه من وراء الحجرات قال تعالى فيهم { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون – الحجرات 4 } .

وقال تعالى { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم – القلم 48 } وهذا النداء من وسط البحر وفي بطن الحوت وبينه وبين البر معزل وقال تعالى في سيدنا موسى عليه السلام { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين – القصص 30 } وهنا المعزل والحجاب بينهما و الفاصل بين أهل الجنة وأهل النار قال تعالى فيه { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف 46 }

وهنا جاء النداء من وراء الحجاب المضروب بينهما قال تعالى { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين – الأعراف 44 } .

ويبين تعالى أن أهل الجنة في الدنيا هم الذين سمعوا نداء رسول الله صلى الله عليه وآله لهم يدعوهم فيه للإيمان بالله تعالى والعمل الصالح كما في قوله تعالى { ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار – آل عمران 193 } وهؤلاء أدخلهم الله الجنة كما في الآية هنا ونادوا علىأهل النار بأن الله تعالى صدقهم وعده فهل وجدوا ما وعدهم الله حق فقالوا نعم .

وأما :

(ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم)

وهنا يبين تعالى ان أهل الجنة لما نادوا على أهل النار بصدق ما وعدهم الله تعالى به من الجنة والنعيم المقيم فقالوا نعم وهنا نادى أصحاب النار أصحاب الجنة طالبين منهم شيئاً من الماء قال تعالى { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين –الأعراف } .

وأما :

(أن وجدنا)

وهنا يبين تعالى أن أهل النار قلدوا آبائهم وخرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وقيادتهم في الدنيا كما في قوله تعالى { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون – الزخرف 23 }

وأما :

 (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا)

وهنا يبين الله تبارك و تعالى أنه وعده حق قال تعالى { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور –فاطر 5 } ووعد الله الحق وعدين الأول لأهل الجنة بدخول الجنة وقال تعالى فيه { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا – النساء 122 }

والثاني لأهل الكفر والنفاق وقال تعالى فيهم وفي عذاب ينزل عليهم قريباُ من موت رسول الله صلى الله عليهرو آله ثم يمتد من بعد موته قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون – غافر 77 }

وكل الخلق سيرجعون إلى الله تعالى فينبئهم بما كانوا يعملون قال تعالى { إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون –يونس 4 } وهنا يبين تعالى أن أهل الجنة عندما وجدوا ما وعدهم الله تعالى به حقاً قالوا لأهل النار هل وجدتم ما وعدكم الله حقاً الآية   { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم }

والسؤال هنا وذلك لأن إيمان المؤمنين كان بالغيب الذي قال تعالى فيه { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة } .

وبالتالي إيمان أهل الإسلام ظنيا ولكنه ظن يقوم على نص حق منزل من عنند الله الحق ولذلك امتدحهم الله تعالى في قوله تعالى { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون } وأما أهل الكفر والنفاق ظنوا أيضا في الله الظنونا وظنوا بالله ظن السوء بالهوى وبغير نص من كتاب الله تعالى فأدخلهم النار فلما وجد أهل الجنة أن ما وعدهم الله تعالى به كان هو الحق سألوا أهل النار { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } .

وأما :

(قالوا نعم)

وهنا قول نعم ورد على الذين تولوا فرعون في كفره وسحره في قوله تعالى { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قال نعم وإنكم لمن المقربين – الأعراف 113-114} وهؤلاء في الدنيا منهم الذين انكروا البعث والنشور ولم يعملوا لأخراهم في قوله تعالى  { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ قل نعم وأنتم داخرون – الصافات 16-18 } فأدخلهم الله تعالى النار لما سألهم أهل الجنة هل وجدتم ما  وعدكم الله حقاً وهنا { قالوا نعم } .

وأما :

(فاذن مؤذن بينهم)

و[ أذن تأذيناً : أعلم بالشيئ أو أكثر الإعلام ونادى ومنه أذن المؤذن تأذيناً – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الذال والنون ] وأذن أي أعلن كقوله تعالى { فأذن مؤذن بينهم أيتها العير إنكم لسارقون – يوسف 70 } وهنا المعنى نادى فيهم المنادي قائلاً لعنة الله على الظالمين قال تعالى { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين – الأعراف 44 } .

وأما :

(أن لعنة الله على الظالمين)

و[ لعنه الله : سخط عليه وأبعده من رحمته – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل العين والنون ]

والظالمين هم الذين تركوا العمل بكتاب ربهم قال تعالى { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا – الإسراء 82 }

وأول من لعنه الله تبارك وتعالى من أهل النار إبليس لقوله تعالى فيه { لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضا – النساء } وقال فيه تعالى { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين – الحجر 35 } .

واللعن بعد ذلك للكافرين لقوله تعالى { إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا – الأحزاب 64 }  .

والكافرون هم الظالمون كما في قوله تعالى { والكافرون هم الظالمون – البقرة } وهؤلاء الظالمون لا عذر لهم يوم القيامة و لهم اللعنة ولهم سوء الدار كما في قوله تعالى { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار – غافر 52 } .

وقد جعل الله تعالى لعنته على الكاذبين الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله ليسترضوا حكام كل زمان ويستجلبوا الدنيا بالدين فقال تعالى في هؤلاء أنهم ملعونين قال تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين – هود 18 }  وهؤلاء بكذبهم شرعوا للناس في الدنيا شريعة لم يأمر بها الله تعالى وحسب الناس أنها من عند الله وما هى من عند الله كما في قوله تعالى عن هؤلاء المجرمين { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 } وهؤلاء هم الذين صدوا عن سبيل الله كما في قوله تعالى هنا { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ – الأعراف 44-45 }

 

وهؤلاء الظالمون الكافرون يوم القيامة سيدخلهم الله تعالى النار حتى يضرب بينهم بسور له باب باطنه في الرحمة وظاهره من قبله العذاب فيناديهم أهل الجنة ثم يلعنونهم كما في قوله تعالى هنا { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين – الأعراف 44 } .

ثم يقول تعالى :

(45) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45)

وهنا :

(الذين يصدون)

[ والصد : بفتح الصاد وضمها : الجبل وصده عن الأمر منعه وصده عنه وصرفه عنه – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الدال والدال ] قال تعالى { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب – المائدة 2 }

والذي يصد عن سبيل الله هو الشيطان بتزيين أعمال كل من كفر بالله ونافق لقوله تعالى عن قوم عاد وثمود { وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين – العنكبوت 38 } وقال تعالى في فرعون { وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب – غافر 37 }

 

والشيطان له جنود يصدون عن سبيل الله ويقومون بمهامه الشيطانية ومنهم :

– الأحبار والرهبان وعلماء الضلالة ممن يصدون عن سبيل الله لقوله تعالى فيهم { يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم – التوبة 34 }

– طائفة من اليهود قال تعالى فيهم { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا – النساء 160 }

– والمنافقين لقوله تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا – النساء 61 } وهؤلاء يقول تعالى فيهم أيضاً { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون – المنافقون  5 }

– ومن الذين يصدون عن سبيل الله الذين يحسدون أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا   فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا – النساء 54-55 }

وهؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله هم الذين كفروا بالله تعالى واستحبوا الحياة الدنيا والعمل لها على الآخرة وطاعة الله تعالى وولايته الحق قال تعالى { الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد – إبراهيم 2-3 } وهؤلاء هم الظالمون لقوله تعالى هنا { فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين  الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ – الأعراف 45-46 }

وأما :

(عن سبيل الله يبغونها عوجاً)

وسبيل الله هو االقرآن الكريم والعمل بمقتضى أوامره تعالى لقوله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وآله { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون – الأنعام 153 }

و سبيل الله الإيمان بالكتاب الذي نزل على سيدنا محمد وصدقوه ونصروه واتبعوه كفر عنهم سيئاتهم كما في قوله تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم – محمد 1-2 }

وسبيل الله تعالى ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى فيما نزل في الإمام علي عليه السلام حيث تصدق وهو راكع { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } والخروج على هذه الولاية خرجاً إلى ولاية أعداء الله تعالى وقد نهى الله تعالى عن ذلك في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل – الممتحنة 1 }

وسبيل الله تعالى الأيمان به عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله والجهاد في سبيله تعالى  باللسان والسنان في سبيل ذلك الإيمان هو التجارة الرابحة مع الله يوم القايمة  لقوله تعالى { يا أيها للذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون –الصف 10-11 }

وسبيل الله نصرة المستضعفين من المسلمين لقوله تعالى { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا – النساء 75 }

والذين آمنوا على ذلك يقاتلون في سبيل نصرة كتابه الكريم ورسوله صلى الله عليه وآله وسنته وولاية أهل بيت النبي عليهم السلام والدفاع عن المستضعفين من المؤمنين وغير ذلك فهو قتال في سبيل الطاغوت قال تعالى لذلك { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا – النساء 76 }

ومن قاتل في سبيل الله فقد باع نفسه إلى الله وكان حقاً على المشتري أن يوفيه حقه كما كان يقول الإمام علي عليه السلام ” بعت نفسي لله وكان حقاً على المشتري أن يتصرف في سلعته كيف يشاء ” قال تعالى هنا لذلك { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم – التوبة 11 }

ومن خرج على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين فقد ضل ضلالاً بعيدا قال تعالى  { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا – النساء 167 } وهؤلاء يزيدهم الله تعالى عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون قال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون – النحل 88 }

وهذه الزيادة في العذاب لأنهم لايريدون أن يكونوا على صراط مستقيم بل يبغونها عوجاً كما فعلت الأمم من قبل منهم قوم شعيب عليه السلام حيث قال لهم نبيهم { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين – الأعراف 86 } وهؤلاء هم الذين عملوا للحياة الدنيا كما في قوله تعالى فيهم { الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد – إبراهيم 3 } .

وأما :

(يبغونها)

أي أن هؤلاء لا يبغون ويريدون دين الإسلام وحكم القرآن الكريم لقوله تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون – آل عمران 83 } وهؤلاء هم الذين كفروا بالآخرة هم الذين كفروا بالله تعالى ورسوله وخرجوا على ولاية الإمام علي الشاهد على الأمة عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى  { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون – هود 18-19  } .

وفي الحديث [ الذي على البينة رسول الله صلى الله عليه وآله والشاهد علي – شواهد التنزيل للحاكم ] وبالتالي يبغونها عوجا بالخروج على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيت النبي عليهم السلام .

وأما :

(عوجا)

وعاجت الرأس : انعطفت نحو شيئ وعاج الرأس وغيرها : عطفها عوجاً والإسم العِوج بكسر العين وهو مختص بكل مرئي بالبصر وبكسر العين يختص بكل ماليس بمرئي كالقول والرأي وقيل بالكسر – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الواو والجيم ] قال تعالى قرآنا عربياً غير ذي عوج – الزمر 28 } وبالتالي الخروج عن القرآن الكريم ووسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام خروجاً من الصراط المستقيم إلى العوج قال تعالى { لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا – آل عمران 99 } وذلك لأن القرآن الكريم من أول كلمة فيه لآخر كلمة نزلت فيه تدعو إلى ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته ولا عوج ولا اختلاف فيه لذلك قال تعالى عن القرآن الكريم { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا – الكهف 1 }

وأما :

(وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ)

وهؤلاء هم الذين يصدون عن سبيل الله  ورسوله وإمامة الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون – هود 18-19  } .

وفي الحديث [ عن ابن عباس في قوله تعالى (أفمن كان على بينة) قال النبي صلى الله عليه وآله  و (الشاهد منه) قال هو علي بن ابي طالب – شواهد التنزيل للحاكم ج 1 ص 365 والثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ج2 ص 239 وابن عساكر في تاريخ دمشق ج 3 ص 24 وقريباً منه في تفسير الطبري في تفسيره للآية الكريمة ج 12 ص 15 ] .

وبالتالي يبغونها عوجا بالخروج على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيت النبي عليهم السلام .

ثم يقول تعالى :

(46) وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون (46)

ورد في تفسير البرهان :

[عن الهيثم بن واقد، عن مقرن، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ” جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ }؟

فقال: نحن على الأعراف، و نحن نعرف أنصارنا بسيماهم، و نحن الأعراف الذين لا يعرف الله عز و جل إلا بسبيل معرفتنا، و نحن الأعراف يوقفنا الله عز و جل يوم القيامة على الصراط ، فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا و عرفناه، و لا يدخل النار إلا من أنكرنا و أنكرناه.

إن الله تبارك و تعالى لو شاء لعرف الناس نفسه حتى يعرفوا حده، و يأتوه من بابه و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله، و بابه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا، فهم عن الصراط لناكبون، فلا سواء من اعتصم الناس به، و لا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون كدرة، يفرغ بعضها في بعض، و ذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها، لا نفاد لها، و لا انقطاع “.

– و عنه: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن سليم مولى طربال، قال:

حدثني هشام، عن حمزة بن الطيار، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ” الناس على ستة أصناف ” قال: قلت: أ تأذن لي أكتبها؟ قال: ” نعم “. قلت: ما أكتب؟ قال: ” اكتب ” و ذكر الحديث إلى أن قال: ” و اكتب أصحاب الأعراف ” قال:

قلت: و ما أصحاب الأعراف؟ قال: ” قوم استوت حسناتهم و سيئاتهم، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم، و إن أدخلهم الجنة فبرحمته “.- البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وفي تفسير الدر المنثور :

[وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله { وبينهما حجاب } قال: هو السور وهو الأعراف، وإنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس.

أما قوله تعالى: { وعلى الأعراف رجال}

أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن حذيفة قال: الأعراف سور بين الجنة والنار.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس قال: الأعراف هو الشيء المشرف.

وأخرج الفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: الأعراف سور له عرف كعرف الديك.

وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: الأعراف حجاب بين الجنة والنار، سور له باب. – تفسير الدر المنثور لجلال الدين اللسيوطي ] .

وهنا :

(وبينهما)

أي أن الحجاب هذا صور قال تعالى فيه { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب – الحديد 13 } وهذا هو الحجاب في الآية هنا حيث قال تعالى { وبينهما حجاب } .

وأما :

(حجاب)

و [ الحجاب : الستر حسياً كان أو معنوياً – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الجيم والباء ] قال تعالى في الحسي { فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا – مريم 17 } وفي المعنوي ححيث الإستتار و الإختفاء عن الأعين بالبعد ضرباً في الأرض قال تعالى { فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب – ص 32 }

وهؤلاء في الدنيا كانوا يحجبون أنفسهم عن الإيمان بكتاب الله تعالى ورسوله  حتى قالوا لرسول الله صراحة { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون – فصلت 5 }.

وأما :

(وعلى)

{ الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون – التغابن 13 }  والمؤمنون هم الذين تولوا الله تعالى و رسوله صلى الله عليه والإمام علي لما نزل فيه من قوله تعالى في المؤمنين { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة 55 } والذين تولوا هؤلاء فهم الذين أنزل الله تعالى سكينته عليهم كما في قوله تعالى { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين –التوبة 26 }

وأما الذين كفروا ونافقوا فهؤلاء الذين قال تعالى فيهم أنه ختم على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم قال تعالى { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم – البقرة 7 } ويوم القيامة على الأعراف أهل بيت النبي الذين يعرفون كلاً من هؤلاء وهؤلاء بسيماهم كما في الآية هنا { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف 46 } .

وأما :

(الأعراف رجالا يعرفون)

[ والعرف للديك والفرس والدابة وغيرها : منبت الشعر والريش من العنق وهو الجماد من الرمل والجبل وكل عال : ظهرة المرتفع وجمعه : أعراف وعرِفه ] وكما هو واضح أن الأعراف مرتفع يرتفع بأصحابه وفقاً لأعمالهم الصالحة والكافرون تغور بهم الأرض في دركات حتى يصبح المؤمنون في وادي والكافرون والمنافقون في واد آخر وبينهما حجاب وهو الأعراف قال تعالى في المنافقين والكافرين { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ – الحديد 13-15 }

وهذا المرتفع هنا كالعرف و جمعه أعراف قال تعالى فيهم وفي الحجاب المضروب بينهم  { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون –  الاعراف 46 } و قال تعالى مبيناً أن أصحاب الأعراف يعرفون كلاً من أهل الجة والنار بسيماهم كدلالة على أنهم شهود الله تعالى على الأمة قال تعالى { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون – الأعراف 48 } .

وأما :

(رجالا)

والرجال ورد علىأنبياء الله ورسله وأئمة أهل البيت عليهم السلام الذين هم أهل الذكر لوروده في قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون – النحل 43 } وأهل الذكر هم أهل بيت النبي الذين يعرفون كلاً من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم لورود هذا اللفظ  على الإمام علي وحمزة و جعفر عليهم السلام في قوله تعالى { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا – الأحزاب 23 }

 و [  عن أبي إسحاق ، عن علي (عليه السلام)، قال : فينا نزلت {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} الآية –  شواهد التنزيل 2: 5 حديث 627 ]

[ عن عكرمة ، قال : سئل علي وهو على منبر الكوفة عن هذه الآية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فقال : اللهم عفواً ، هذه الآية نزلت فيّ ، وفي عمي حمزة ، وفي ابن عمي عبيدة بن الحارث فإنه قضى نحبه يوم بدر ، فأما عمي حمزة فإنه قضى نحبه يوم أحد ، وأما أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه – وأشار الى لحيته ورأسه – وقال : عهد عهده إلي أبو القاسم رسول الله (صلى الله عليه واله) – مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه: 300 حديث 472 ] .

و [ عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر (عليه السلام)، عن أميرالمؤمنين ( عليه واله السلام) في حديث طويل يقول فيه : ولقد كنت عاهدت الله تعالى ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله تعالى ولرسوله ، فتقدمني أصحابي ، وتخلفت بعدهم لما أراد الله تعالى ، فأنزل الله فينا : {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} الآية – الخصال:364 حديث 58 ] .

وبالتالي الذين على الأعراف همأهل بيت النبي عليهم السلام ولكي يؤكد لنا كتاب الله هذا المعنى يقول تعالى في الأغيار من غير أهل بيت النبي عليهم السلام { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما – الأحزاب 40 } أي ماكان أبا أحد من رجالكم لأن له رجاله الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وهؤلاء لهم بيوت رفعها الله تعالى على كل البيوت وأعلاها بيت علي عليه السلام كما هو وارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث سأله أحد الصحابة [ ” أبيت علي منها يارسول الله  ؟ قال بل من أعلاها “– شواهد التنزيل للحاكم ] وهكذا شيعتهم وأنصارهم ومحبيهم ممن عملوا بكتاب الله وسنة رسوله فهم رجال لا تلههيم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قال تعالى هنا { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار- النور 36-37 } .

وهؤلاء حكم عليهم حزب الشيطان بالكفر في الدنيا فقاتلوهم ويوم القيامة لن يجدوهم في النار معهم فيسألون عنهم قائلين {  وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار – ص 62-64 }

وأما :

(كلاً)

وكلا يأتي في التفرقية بين أمرين كقوله تعالى في الطلاق بين الرجل وامرأته { وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما – النساء 130} ويأتي لذلك بالتحديد في التفرقة بين من أراد الله ورسوله والدار الآخرة ومن أرادوا الدنيا وعملوا لها في قوله تعالى {

مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا – الإسراء 18-20 }

وكلاً من أهل الجنة وأهل النار على الأعراف من يعرفونهم ويكونون شهوداً عليهم قال تعالى { وعلى الأعراف رجالاً يعرفون كلا بسيماهم – الأعراف 46 }

وأما :

(بسيماهم)

[ والسمه : من سوم الشيئ تسويماً : جعل  عليه علامة فهو مسوم وهم مسومون والشيئ مسوم وهى مسومة  والسيمي : العلامة يعرف  بها حال الإنسان من  الخير والشر وأصلها السومي وقلبت الواو ياء – معجم ألفاظ القرآن باب السين فصل الواو والميم ]   قال تعالى في سيمات أهل الجنة { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما – الفتح 29 } ومنهم بمعنى ليسوا جميعا داخلون في وعد الله تعالى فالوعد خاص باللذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم و لذلك قال تعالى هنا أن على الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام وكذلك المجرمون يعرفون بسيماهم كما في قوله تعالى عنهم { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام – الرحمن 41 } وبالتالي على الأعراف رجالا يعرفون كلاً من أهل الجنة والنار بسيماهم  التي يعرفون بها في الآخرة و هذه السيم سواد الوجوه  لأهل النار من كفار ومنافقين وبياض الوجوه للمؤمنين كما قال تعالى فيهما { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 } . وهؤلاء الذين اسودت وجوههم عرفوهم بسيماهم فقالوا لهم ما إنى عنكم جمعكم وما كنتمم به تستكبرون من قوة في الدنيا قال تعالى { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون – الأعراف 48 }

وأما :

(ونادى أصحاب)

وهنا أمامنا ثلاث نداءات الأول من أصحاب الجنة فقال تعالى فيهم { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين – الأعراف 44 } ثم نادى أصحاب الأعراف وهم أهل بيت النبي رجالا يعرفونهم بسيماهم أنهم كانوا مجرمين كما في  { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون- الأعراف 48 }

وهنا لما أحس أهل النار بالهلاك طلبوا من أهل الجنة شيئاً من الماء أو مما رزقهم الله تعالى كما في قوله تعالى  { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين – الأعراف 50 } ثم بين تعالى أن أهل الجنة دخلوها ولم يكونوا طامعين في دنيا لقوله تعالى  (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف 46 }

وأما :

(أصحاب الجنة)

أي أن هؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون – البقرة 82 } وهؤلاء هم الفائزون كما في قوله تعالى { أصحاب الجنة هم الفائزون –الحشر 20 } .

وأما :

(سلام عليكم)

فهذه هى تحية أهل الجنة لقوله تعالى { تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما – الأحزاب 44  } وقال تعالى في تسليمهم على أهل الجنة { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف 46 } وقال لهم  {  سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار – الرعد 24 } وهذا السلام في الجنة دار السلام لقوله تعالى { لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون – الأنعام 127 }

وأما :

(سلام عليكم لم يدخلوها)

أي أنه يقول تعالى هنا عن أهل الجنة { وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام – إبراهيم 23 }

وأما :

(وهم يطمعون)

وهنا يبين تعالى انهم لم يدخلوها وهم يطمعون في دنيا قال تعالى فيها { ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ – الأعراف 46 } بل كانوا يعبدون الله تعالى ويقيمون الليل خوفاً وطمعا في رضا الله تعالى والجنة  قال تعالى { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون – السجدة 16 } أي أنه يقول تعالى هنا أن هؤلاء دخلوا الجنة وهم لا يطمعون في دنيا بل كانوا يطمعون في رضا الله تعالى ورحمته .

ثم يقول تعالى :

(47)وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)

 وهنا :

(وإذا صرفت)

[ والصرف : رد الشيئ من حال إلى حال ومن الرد ويجيئ في استعمالات كثيرة كصرف النقود والرياح والسحاب  أي تغييرها وتصريف الأمور : تدبيرها – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل الراء والفاء ] قال تعالى في أهل الجنة { من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين – الأنعام 16 } وفي أهل النار وعذابهم في الدنيا قال تعالى { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – هود 8 } وفي الآخرة قال تعالى فيهم أيضاً أنهم سيأتيهم عذاباً غير مصروفاً عنهم قال تعالى { ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا – الكهف 53 } وهنا :ان يقول تعالى أن أصحاب الأعراف في هذا الموضع من المحكمة الإلهية يوم القيامة منزلاً يرون فيه الفريقين من أهل الجنة وأهل النار فإذا صرفت أبصارهم عن هؤلاء رأوا هؤلاء والعككس صحيح كما في قوله تعالى هنا { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ – الأعراف 47 }

وأما :

(أبصارهم)

وهنا يبين تعالى أن أبصار هؤلاء المجرمين كانت خاشعة من الذل كما في قوله تعالى {   خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون – القلم 43 }

وذلك هو يوم القيامة الذ وعدهم الله تعالى إياه كما في قوله تعالى {  خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون –المعارج 44 } ولما يشهد على العالمين رسل الله وخاتمهم ثم أئمة عليهم أهل البيت عليهم السلام يشهد على هؤلاء المجرمين أجسادهم التي كانوا يعيشون بها في الدنيا قال تعالى {  حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون – فصلت }

وأما :

(تلقاء)

ولقى الرجل يلقاه قابله ووجده وألقى الشيئ رماه وطرحه وتلقاء : أصله مصدر لقى وتويسعوا فيه فاستعملوه ظرف مكان بمعنى جهة أو نحوه – باب اللام فصل القاف والياء ] قال تعالى { ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل – القصص 22 }

والمعنى هنا أنهم لما توجوا بأبصارهم تلقاء أصحاب النار دعوا الله تعالى بأن لا يكونوا معهم في جهنم قال تعالى { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ – الأعراف 47 }

وهنا يبين تعالى أن  أصحاب النار هم الخاسرين لأنهم كذبوا بلقاء الله تعالى كما في قوله تعالى  { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – الانعام 31 } ولذلك دعوا الله تعالى بأن لا يكونوا معهم كما في الآية هنا .

وأما :

(أصحاب النار)

وهؤلاء هنا هم الذين كفروا وكذبوا بآيات الله تعالى كما في قوله تعالى { والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير – التغابن 10 }

وأما :

(قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)

وهذا الدعاء في الدنيا دعا به نبي الله هارون في قوله تعالى { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين – الأعراف 150 }

ودعا به رسول الله صلى الله عليه وآله في إثبات بأن المقصود من أصحاب الأعراف الشهود على الأمة وخاتمهم وإمامهم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته عليهم السلام من بعده حيث قال تعالى في دعاءه صلى الله عليه وآله على قريش كما في الحديث [ اللهم كما أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالا .. الحديث ] فقال تعالى { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ  – المؤمنون 93-95 }

ودعا به رسول الله صلى الله عليه وآله في إثبات بأن المقصود من أصحاب الأعراف الشهود على الأمة وخاتمهم وإمامهم سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه والأئمة من أهل بيته عليهم السلام من بعده حيث قال تعالى في دعائهم يوم القيامة هنا { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ – الأعراف 47 }

والظالمون هم الذين لم يحكموا بماأنزل الله   كما في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الظظالمون – المائدة } ومنهم المنافقون الذين زعموا الإسلام ثم بدلوا وكذبوا على الله تعالى ورسوله وقال تعالى هنا { فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون – الأعراف 152 }

ثم يقول تعالى :

(48) وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)

وهنا :

(ونادى أصحاب الأعراف يعرفون رجالا بسيماهم)

وهنا يبين تعالى أن أصحاب الأعراف هم الذين يعرفون كلا بسيماهم في قوله تعالى { وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون – الأعراف 46 } وكما نادوا أصحابا لجنة نادوا على رجالا مجرمين يعرفونهم بسيماهم فقالوا لهم ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون قال تعالى { {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ –الأعراف 48 }

وأما :

(رجالاً)

وهنا مادام جاء بلفظ رجالاً على أهل النار فهم الذين قال تعالى فيهم { ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين – الأحزاب } وهؤلاء منهم رجالاً مجرمون يعرفهم النبي وأهل بيته عليهم السلام بسيماهم كما في الآية هنا {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ –الأعراف 48 }

وأما :

(يعرفونهم بسيماهم)

هنا يبين تعالى أن هؤلاء مجرمون كما في قوله تعالى { يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام – الرحمن 41 } ومنهم منافقين قال تعالى فيهم الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله {  ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم – محمد 30 } وهؤلاء يعرفم النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام كما في الاية هنا { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ –الأعراف 48 } .

ولذلك ورد في حديث الحوض [عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، فمَن ورَدَهُ شَرِبَ منه، ومَن شَرِبَ منه لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أقْوامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحالُ بَيْنِي وبيْنَهُمْ. قالَ أبو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبِي عَيَّاشٍ وأنا أُحَدِّثُهُمْ هذا، فقالَ: هَكَذا سَمِعْتَ سَهْلًا؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَ: وأنا أشْهَدُ علَى أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فيه قالَ: إنَّهُمْ مِنِّي، فيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فأقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَن بَدَّلَ بَعْدِي. –البخاري ومسلم  ]

و [ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا ، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ ، فَأَقُولُ : إِنَّهُمْ مِنِّي ، فَيُقَالُ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا ، سُحْقًا ، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي ) رواه البخاري  6212  ومسلم  2290  ] .

وأما :

(قالوا ما أغنى عنكم)

أي في هذا اليوم لا يغنيمولى عن مولى شيئاً إلا من تولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام ومن تولى غيرهم فلن يغنى عنهم من تولوهم يوم القيامة قال تعالى { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون – الدخان41 }

ولن يغني عن هؤلاء ما كانوا يكسبون في الحياة الدنيا قال تعالى { فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون- الحجر 84 } وما اإنى عنهم ما كانوا يمتعون قال تعالى { ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون –الشعراء 207 } ولذلك قال الأئمة لهؤلاء المجرمين هنا { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون – الأعراف 48 } .

وأما :

(جمعكم)

وما جمعوه في الحياة الدنيا قال تعالى فيه { الذي جمع مالا وعدده – الهمزة 2 } والجمع يكون للملاء والكبراء للكيد لأنبياء الله تعالى ورسله وأهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى  { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد افلح اليوم من استعلى } وقال تعالى في جمع كيد إخوة يوسف به عليه السلام {  ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون – يوسف 102 } وقبل يوم القيامة سيجمعون أكبر كيد منذ خلق الله تعالى الدنيا وسيهزم هذا الجمع بما جمعوه من أموال وسلاح وجنودد وقال تعالى هنا { سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر } وبالتالي فضل الله تعالى روحمته في الدنيا الناتجة عن العمل بكتاب الله تعالو وولايته الحق هى خير مما يجمعون قال تعالى  {  قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون – يونس 58 } .

وأما :

(وما كنتم تستكبرون)

وهنا يبين تعالى أن أول من أبى واستكبر هو إبليس لعنه الله في قوله تعالى { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين – البقرة 34 } والإستكبار يكون بتعمد ترك العمل بكتاب الله تعالى كما في قوله عز وجل { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين – الزمر 55-59} أي أن هؤلاء كانوا يستكبرون على كلمة (لاإله إلا الله محمد رسول الله) كما في قوله تعالى { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون – فصلت 35 }

و بالتالي هؤلاء هم الذين كفروا بآيات ربهم ومنهم المنافقون الذين افتروا على الله الكذب ومنهم من قال الحق ينزل في غير النبي والوحي يخطئ رسول الله صلى الله عليه وآله ومنهم من قال سأنزل مثل ما أنزل الله  كمسيلمة الكذاب  وقال تعالى في هذه الصناف الثلاثة من الكذبة : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون – الأنعام 93 } وهؤلاء ما أغنى عنهم ما كانوا يستكبرون كما في قوله تعالى هنا { قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون – الأعراف 48 } وهؤلاء هم أصحاب النار هم فيها خالدون كما في قوله تعالى { والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – الأعراف 36 }

ثم يقول تعالى :

(49) أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49)

وهنا :

(أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أقسمتم)

هنا يبين تعالى استهزاء هؤلاء المجرمين في الدنيا وتكذيبهم بآيات الله تعالى قال تعالى { وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين – الانعام 53 }

ويبين تعالى أنه كما بين أن هؤلاء كفروا بآيات ربهم فهناك طائفة من المنافقين أبطنوا الكفر واظهروا الإيمان ولذلك لجأ هؤلاء إلى حيلة الحلف الكاذب أنهم مع المؤمنين بالقول وأبطنوا تصديقهم ان هؤلاء المؤمنين لا مكانة لهم في الآخرة عند الله وهى لكبرائهم وما يحصلون عليه من متاع للحياة الدنيا بولائهم  كما في قوله تعالى { ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين – المائدة 53 } . ثم يبين تعالى أن هذا الممعتقد الفاسد الخارج على وولاية الله تعالى وولاية رسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام و كان مصدره  وسوسة جن للإنس { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروروا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – الأنعام } ولذلك قال تعالى في سؤاله للملائكة في يوم الحشر كما في قوله عز وجل { ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون  -سبأ 40-41 }

وفي هذا اليوم من المحكمة الإلهية الكبرى  يوم القيامة سيسأل الله تعالى هؤلاء المجرمين مستنكراً عليهم أيضاً هذا المعتقد ونكاية فيهم سيامر بدخول المؤمنين كما في قوله تعالى : { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون – الأعراف 49 } .

وأما :

(لا ينالهم)

و[ نال الشيئ يناله نيلاً : أصابه وأدركه وحصل عليه ويقال نالني الشيئ : أصابني ووصل إلي – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الياء و اللام ] قال تعالى { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين – الحج 37 }

وهذه التقوى لا ينالها العبد إلا بولاية رسل الله ثم الأئمة من ذرية نبي الله إبراهيم بعهد عهده الله تعالى ألى أبيهم إبراهيم عليه السلام حيث قال تعالى { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين – البقرة 124 }

وهؤلاء الظالمين انقسمواإلى قسمين قسم كافر يأبى ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وقاتل النبي و أهل بيته عليهم السلام كما في قوله تعالى

{ ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا – الاحزاب 25 } وهموا بقتل النبي عدة مرات هم واليهود حيث قال تعالى فيهم { وهموا بمالم ينالو – التوبة 74 }

والفريق الثاني منافقين يكذبون على الله تعالى ورسوله في سنة النبي صلى الله عليه وآله لصرف الناس عن ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ولا يوجد أظلم من هؤلاء كما في قوله  عن هؤلاء المنافقين الكذبة { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الاعراف 37 }

وهؤلاء يوم القيامة سيقول تعالى لهم من وراء حجاب لنه قال تعالى { كلا إنهم يومئذٍ عن ربهم لمحجوبون } أي محجوبون عن كل خير وعناصر الحياة في الدار الآخرة وهما الماء والنور ويقال لهم كما في الآية هنا { أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون – الأعراف 49 } .

وأما :

(برحمة)

و[ الرحمة من الله الإحسان ] وهى عكس العذاب والسوء قال تعالى { قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا –الأحزاب 17 } وبالتالي النجاة من عذاب الله تعالى برحمة منه تعالى . فقال تعالى في نجاة نبي الله هود والذين آمنوا معه { ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ – هود 58 } وكذلك قال تعالى في نبي الله صالح والذين آمنوا معه { فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز – هود 66 } ويبين تعالى أن الرحمة في كتاب الل تعالى والعمل به وولايته تعالى قال عز وجل { أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون – العنكبوت 51 }

بعثة رسول الله وولايته والتي يلحق بها ولاية أهل بيته عليهم السلام لأنه خاتم النبيين ولا نبي بعده ما أرسل الله تعالى رسوله والأئمة من ذريته إلا رحمة للعالمين قال تعالى { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين – الأنبياء 107 }

و نجاة الناس من الغرق برحمة من الله قال تعالى قال فيها { فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين –الأعراف 72 }

وبالتالي من وقاه الله تعالى السيئات في الآخرة فقد رحمه وأدخله الجنة برحمة منه قال تعالى { وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم –غافر 9 } وذلك الفوز العظيم هنا هى الجنة لقوله تعالى { أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ – الأعراف 49 }

 

وبالتالي المعنى هنا في الآية أن هؤلاء المجرمين لما أقسموا في الدنيا أن المؤمنين لن ينالهم الله تعالى برحمة وأن ماهم فيه من خير ورحمة في الدنيا دليل على رضا الله تعالى عنهم وفقر المؤمنين دلالة على سخط الله تعالى عليهم في الآخرة قال تعالى هنا في هؤلاء السفهاء { أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون – الزخرف 32 } ورحمة الله تعالى في العمل بكتابه الكريم كما بينا وفيه الرحمة ثم ولاية رسوله و الأئمة من أهل بيته عليهم السلام وفي ذلك رحمة  قال تعالى فيها  { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } .

كما أن خزائن رحمة الله وهى لا تنفد ولو ملكها هؤلاء المجرمين لأمسكوها عن المؤمنين قا تعالى لذلك { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا – الإسراء 100 }

وأما :

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ)

وهنا يبين تعالى أن دخول هؤلاء الجنة كان بعملهم الصالح كما في قوله تعالى { وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام – إبراهيم 23 } وقال تعالى في هؤلاء الطيبين { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون – النحل 32 } ويبين تعالى أنه سيدخلون الجنة هم وأزواجهم كما في قوله تعالى { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون – الزخرف 70 } أي يقال لهم [ ادخلوا الجنة أنتم وقرناؤكم المؤمنون تُنَعَّمون وتُسَرُّون – التفسير الميسر ]

وأما :

(لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ)

وهنا يبين تعالى أنه من اتبع الهدى فهؤلاء الذين لاخووف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى { قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 38 } والهدى في اتباع كتاب الله تعالى لقوله عز وجل { هذا هدى – الجاثية 11 } وفي طاعة رسوله لقوله تعالى { وإن تطيعوه تهتدوا – النور } وولاية أئمة أهل البيت عليهم السلام وأوله مالإمام علي لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } ومن تولى هؤلاء الذي أسلم وجهه إلى الله تعالى ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى { بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون – البقرة 112 } ومن اتقى الله تعالى واجتب ما حرم الله تعالى بعد ذلك فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – الأعراف 35 } .

ثم يقول تعالى :

(50) ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين (50)

وهنا :

(ونادى)

وهنا يبين تعالى نداء أصحاب الأعراف على هؤلاء الظلمة الذين كانوا يعرفونهم في الحياة الدنيا فعرفوهم على الأعراف بسيماهم وقالوا لهم (ما أغنى عنكم جمعكم)  قال تعالى { ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون – الأعراف 48} ثم يبين تعالى نداء أهل الجنة لهم ولعنهم بعد قالوا لهم بأنا وجدنا ما وعدنا الله حقا قال تعالى { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين – الأعراف 44 }

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء الظالمين لما رأوا الرسل والأنبياء وخاتمهم النبي صلى الله عليه وأهل بيته مما هم فيه من النعيم قالوا لهم (أفيضوا علينا من الماء) قال تعالى { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين-  الأعراف 50 }

وأما :

(أصحاب النار)

وهؤلاء هم الذين كفروا وكذبوا بآيات ربهم ولن يغني عنهم من الله شيئ كما في قوله تعالى { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – آل عمران 116 } ولذلك عندما طلبوا من أصحاب الجنة الماء والرزق قالوا إن الله حرمهما على الكافرين قال تعالى { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين – الأعراف 50 } .

وأما :

(أصحاب الجنة)

و أصحاب الجنة هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات كما في قوله تعالى فيهم { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون – البقرة 82 } وهؤلاء في خير ونعمة من الله تعالى مستقرين فيها قال تعالى { أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا –الفرقان 24 } وهؤلاء هم الذين فازوا برضا الله تعالى والجنة قال تعالى { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون – الحشر 20 } .

وهنا عندما وجد أصحاب النار مافيهه أهل الجنة من نعمة الله تعالى ورحمته بهم كما في قوله تعالى { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  -الحديد 12 }

ولذلك قالوا هنا كما في الآية { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين – الأعراف 50 } .

وأما :

(أفيصوا علينا)

[ وفاض الماء فيضاً : جرى في سهولة وأفاض البعير بجرته إذا دفعها من صدره ويكون في المعنوي من الجود والإعطاء – معجم الفاظ القرآن باب الفاء فصل الياء والضاد ] قال تعالى { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين – المائدة 83 }

وبالتالي هم طلبوا من أهل الجنة هنا أن يتفضلوا عليهم بما فضلهم الله تعالى به في قوله تعالى { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ –الأعراف 50 } أي [ واستغاث أهل النار بأهل الجنة طالبين منهم أن يُفيضوا عليهم من الماء, أو مما رزقهم الله  فقالوا لهم { إن الله حرمهما على الكافرين }

وأما :

(علينا)

ورد هذا اللفظ في قوله تعالى { ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين – يونس 103 } ويوم القيامة صدقهم الله تعالى وعده فأنجاهم وحرم هذه النعمة على الكافرين كما في قوله تعالى  { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ –الأعراف 50 }  .

وأما :

(أو مما رزقكم الله)

والرزق كل مايتنعم به العبد في الدنيا ويزيد لقوله تعالى { والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين – الحج 58 } والآية هنا فيها دليل على أن اللذين نادوا على أهل النار ولعنوهم هم الذين أخرجوهم في الدنيا بغير حق وقاتلوهم وقتلوهم وأول هؤلاء كانوا أهل بيت النبي الذين قال فيهم صلى الله عليه وآله [ أنتم المستضعفون بعدي ] وقوله صلى الله عليه وآله [ إن أهل بيت سيلقون بععدي تشريداً  وتطريدا… الحديث ] . ولذلك كانوا هؤلاء في الجنة شهوداً على هؤلاء الظلمة في كل عصر ومصر وحتى قيام الساعة .

وأما :

(قالوا إن الله حرمهما)

وهذا التحريم لكل من أشرك أهواء الرجال في حكم القرآن الكريم وهم المشركين الذين قال تعالى فيهم نبي الله تعالى { إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار – المائدة 72 }

وأما :

(على الكافرين)

والكافرين فريقين الأول رفض التحاكم إلى كتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون – المائدة 44 }

والثاني المنافقين الذين أبطنوا الكفر وأظهروا نسك افسلام قال تعالى في هؤلاء أيضاً أنهم كافرين قال تعالى { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم – المائدة 41 }

وبالتالي هؤلاء هم الذين لم يطيعوا الله تعالى ورسوله قال تعالى { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين – آل عمران 32 } وهؤلاء الكافرين هم الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً أيضاَ وهؤلاء قد حرم الله تعالى عليهم الجنة كما في قوله تعالى هنا  { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون   الأعراف 50-51 }

 ثم يقول تعالى :

(51) الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون (51)

وهنا :

(الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا) ( وغرتهم الحياة الدنيا)

و [ الدين : بكسر الدال يأتي لمعان : الإنقياد والطاعة والجزاء والشريعة – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل الياء والنون ] قال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام – آل عمران 88  } وهذا الدين وحيه وفهمه وتأويله وبيانه وإبلاغه للناس موكول به آل إبراهيم عليهم السلام وخاتمهم سيدنا محمد وأهل بيته عليهم السلام وذلك للوصية التي أوصى بها نبي الله   إبراهيم عليه السلام جمع أولاده وقال لهم في الوصية لذريته من بعده حتى آخرهم الإمام المهدي عليه السلام عليه السلام { ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون – البقرة 132 } ومن خرج على الحنيفية الإبراهيمية والوصية بالنبوة والإمامة في ذريته المحسودين في قوله تعالى { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 } وهذا هو الإسلام ومن ابتغى غيره فلن يقبل منه يوم القيامة كما في قوله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين – آل عمران 85 }

و إذا كان هذا هو تعريف الدين في كتاب الله أنه الدين الإسلامي فإن لفظ الدين يمكن أن يكون شريعة الكفر لقوله تعالى { ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله – يوسف } ولذلك قال تعالى على لسان رسوله صلى الله علية وآله حيث أمره تعالى بأن يقول  لقريش وغيرهم ممن كفروا من أهل الكتاب { لكم دينكم ولى دين – الكافرون }

وترك الدين إما أن يكون خروجاً على لأحكام الوصيى بأن يؤمنوا ببعض يكفروا ببعض وقال تعالى هنا { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } .

ومن ترك دينه وشريعته ليتمتع بالحياة الدنيا ليهوا ويلعب فهؤلاء قال تعالى فيهم { قالوا إن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون –  الأعراف 50-51 }

وهؤلاء أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله بأن يذكرهم ثم يجتنبهم قال تعالى { وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون – الأنعام 70}

وأما :

(وغرتهم الحياة الدنيا )

و[ غرتهم : غرة كل شيئ أوله ومن هنا يجيئ بمعنى الخديعة والإنخداع – معجم ألفاظ القرآن باب الغين فصل الراء والراء ] قال تعالى { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد – غافر 4 }

والحياة الدنيا وما فيها من زينة متاع الغرور وذلك لأن التمتع بها دون أداء حق الله فيها من طاعة وولاية يودي إلى جهنم لذلك قال تعالى منذراً { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – الحديد 20 } .

ويقول تعالى للناس بأن وعد الله حق فلا تخدعنهم الحياة الدنيا ليكفروا بسببها تاركين دين الله لذلك قال تعالى { يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور – فاطر 5 } ويوم القيامة عند الحساب سيذكرهم الله تعالى ببعثة رسل الله إليهم لينذرونهم لقاء هذا اليوم الذي نسوا بسبب التمتع واللهو بها ذكر الله ودينه الحق قال تعالى { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأنعام 130 } .

وأما :

(فاليوم)

وهنا يبين تعالى أنه لا ظلم اليوم ولا تجزى نفس إلا ماكانوا يعملون قال تعالى { فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون – يس 54 } ولا يؤخذ منهم فدية في هذا اليوم قال تعالى { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير – الحديد 15 }

وبالتالي هم مستسلمون كما قال تعالى { فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون – سبأ 42 } وذلك لانهم اتخذوا آيات الله هزوا قال تعالى { ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون – الجاثية 35 }

وفي هذا اليوم يجزون العذاب بتمتعهم في الحياة الدنيا و بما كانوا يكسبون قال تعالى {  ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون  -الأحقاف 20 }

وفي هذا اليوم المؤمنون يضحكون من الكفار كما في قوله تعالى { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون – المطففين 34 }

ثم يترك أهل النار في جهنم بما نسوا يوم الحساب كما في قوله تعالى { فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون – الأعراف 51 } .

وأما :

(ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا)

والله تعالى لا ينسى كما في قوله تعالى { قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى – طه 52 } ويبين تعالى أنه قد حذر من نسيان ذكر الله واللهو واللعب والتمتع بالحياة الدنيا قال تعالى { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون – الحشر 19 } ونسيان ذكر الله تعالى يكون سبباً في هلاك الأمم كقوله تعالى { سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا – الفرقان 18 } ويبين تعالى أنهم لما نسوا ذكر الله تعالى أهلك الفاسقين وكتب النجاة على المؤمنين قال تعالى {  فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون – الأعراف 165 } ولذلك يقول تعالى فيهم هنا عن هؤلاء الذين كفروا بآيات ربهم واتخذوا دينهم لهواً ولعباً { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون – الأعراف 51 } و باستمرار إلحاحهم في الدعاء والإستغاثة يقال همل صراحة إنا نسيناكم بما نسيتم ذكر الله في الحياة الدنيا قال تعالى { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون – السجدة 14 }

وأما :

(وبما كانوا بآياتنا يجحدون)

[ وجحد : الحق أو الدين يجحد جحوداً أنكرهما وهو يعلم – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصلالحاء والدال ] قال تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – النل 14 } وقال تعالى عن جحود قريشاص بالنبي صلى الله عليه وآله { قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون – الأنعام 33 } ولذلك يذكر الله تعالى قريشاً قائلاً بأنه قد مكنهم فيما الأمم من قبلكم قال تعالى { ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – الأحقاف 26 }

وهؤلاء فريق جحد بآيات الله وجادل فيها بالباطل وهم يعلمون أنها الحق ومنهم الذين تركوا دينهم بالكلية ليتمتعوا بالحياة الدنيا فأدخلهم الله تعالى النار وألعموهم بأنه سينساهم بما نسوا يوم الحساب  قال تعالى هنا : { الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون – الأعراف 51 }

وهؤلاء لهم عذاب الخلد كما في قوله تعالى { ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون – فصلت 28 }

ثم يقول تعالى :

(52) ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (52)

وهنا :

(ولقد)

وهنا يقول تعالى أنه قد بعث في كل أمة من قبل رسولاً يدعوهم إلى الكفر بالطاغوت والإيمان بالله تعالى كما في قوله تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 } وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله كما قال تعالى { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب – الرعد 38 }

وفي أمتنا هنا أرسل الله تعالى إليهم خاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى

{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 } وقد فصل الله تعالى لهم كتابه الكريم ليعرفوا حلال الله وحرامه فيعملوا بمقتضاه قال تعالى {  ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 }

وقد أخذا لله تعالى الميثاق منه بولاية إثنى عشرا إماماً على عدة نقباء بني إسرائيل كما قال تعالى { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل – المائدة 12 }

[عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون من بعدي اثنا عشر أميرا قال ثم تكلم بشيء لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال كلهم من قريش –  قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح  –  تحفة الأحوزي للمباركفوري ج 6 ص 394 ]

[ حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن المجالد عن الشعبي عن مسروق قال كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تملك هذه الأمة من خليفة فقال عبد الله بن مسعود ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل – مسند أحمد ج1 ىص 398 ]

عن مسروق قال: ((كنا جلوساً عند عبد الله (بن مسعود) وهو يقرئنا القرآن فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلى الله عليه وآله): كم يملك هذه الامة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد مذ قدمت العراق قبلك! ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: (إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل)))، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد 5/190): رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات. ورواه الحاكم في مستدركه أيضاً في (4/501) وكذا ابن حجر في (فتح الباري 13/183) وحسنه .

نقول: وسؤال مسروق لابن مسعود واضح في الحصر: ((كم يملك هذه الامة من خليفة؟))، وجواب ابن مسعود له واضح في بيانه لأهمية هذا الامر وسؤالهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا السؤال المهم عن عدد خلفائه! وتشبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلفائه الاثني عشر بنقباء بني إسرائيل الاثني عشر بنص القرآن الكريم واضح ايضاً في إرادة بيان الحصر في عدد خلفائه.

ثم إن مكان ورود حديث الخلفاء الاثني عشر هو حجة الوداع، ويصرح الحديث بأن الناس لم يرتضوا بنص النبي(صلى الله عليه وآله) على خلفائه وتوضيح أمرهم ووصفهم وأسمائهم فاعترضوا عليه أشد الاعتراض وصرخوا وصاحوا ورفعوا أصواتهم وكبروا ولغطوا وقاموا وقعدوا لكي لا ينص النبي(صلى الله عليه وآله) على خلفائه ولا يتضح أمر خلافته ليبقى لهم مجال في اعتلاء سدة الحكم ورئاسة الامة وقيادتها التي أحسوا أنها ستذهب عنهم والى الابد!
فقد روى أحمد في مسنده (ج5 /99) عن جابر بن سمرة قال: ((خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعرفات، وقال المقدمي في حديثه سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخطب بمنى، فسمعته يقول: (لن يزال هذا الامر عزيزاً ظاهراً حتى يملك اثنا عشر كلهم)، ثم لغط القوم وتكلموا فلم أفهم قوله بعد كلهم! فقلت لأبي: يا أبتاه ما بعد كلهم؟ قال: (كلهم من قريش) ))  وفي رواية أخرى (5/99) : (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثني عشر خليفة) قال: فجعل الناس يقومون ويقعدون.

وفي رواية عند أحمد (5/93) : ثم تكلم بكلمة لم أفهمها وضج الناس فقلت لأبي ما قال؟ قال: (كلهم من قريش)وفي أخرى عند أحمد (5/98) : ثم قال كلمة أصمنيها الناس…وفي أخرى عند مسلم (ج6 / 4) : (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة) فقال كلمة صمنيها الناس، فقلت لابي ما قال؟ قال: (كلهم من قريش)وفي رواية عند أبي داود في سننه (2/309) قال: فكبر الناس وضجوا ثم قال كلمة خفية…فهذه الروايات تثبت اعتراض بعض الصحابة على نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هؤلاء الخلفاء، لأنهم فهموا بأن هذا النص للحصر، وإلا لما هذا الاعتراض منهم وصراخهم حتى جعلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخفي صوته ويخفته ولا يصرح على الملأ بوصف خلفائه أو أسمائهم!!! ولذلك نزلت بعد هذه الحادثة آية التبليغ التي تحض رسول الله (صلى الله عليه وآله) على تبليغ أمر وليه ووصيته وخليفته من بعده وتبين له أهمية ذلك وأن هذا الامر هو عدل لكل رسالته وعدم بيان هذا الامر والتصدي له يعتبر عدم تبليغ لكل الرسالة وطمأنه في مقابل هذا بعناية الله تعالى له ولطفه به بعصمته باعجاز الله تعالى وقدرته من الناس المعترضين عليه المعاندين لأمره هذا، فأنزل تعالى : (( يَا أَيّهَا الرَّسول بَلّغ مَا أنزلَ إلَيكَ من رَبّكَ وَإن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رسَالَتَه وَاللَّه يَعصمكَ منَ النَّاس )) (المائدة), فبلغ بعد أيام بولاية علي (عليه السلام) في غدير خم بعد رجوعهم من حجة الوداع أي بعد اسبوعين تقريباً من هذه الحادثة وهذا الاعتراض والرفض من الناس لتبليغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمر الخلافة والإمامة في أمته من بعده ]].

وهنا يبين تعالى أن من هؤلاء طائفة كفرت بآيات الله وأخرى نافقت وحاولت تبديل أحكام كتاب الله خاصة في مناقب الرجال والقبائل والبلدان لذلك يقول تعالى { ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اهتدى – النجم } ولذلك قال تعالى فيما فعله هؤلاء المجرمين {   لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون – التوبة 48 }  وهؤلاء عند الله من الفاسقين الذين قال تعالى فيهم { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون – البقرة 99 }

وأما :

 (ولقد جئناهم)

أي أنه يقول تعالى هنا {  ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 } هذا الكتاب جائهم من عند الله تعالى على لسان رسول من أنفسهم صلى الله عليه وآله خاتم النبيين لقوله تعالى  { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم – التوبة 128 }

 وأما :

(بكتاب)

وهنا يبين تعالى أن هذا الكتاب أنزله الله تعالى تبياناً لكل شيئ كما في قوله تعالى { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين – النحل 89 } أي أنه تعالى قد فصل فيه كل شيئ كما في قوله تعالى { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 } وما فرط الله في كتابه تعالى من شيئ لقوله تعالى { ما فرطنا في الكتاب من شيئ – الإسراء 15 } وما أنزل الله تعالى هذا الكتاب إلا للحكم بين الناس قال تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما- النساء 105 } وما أنزل الله تعالى الكتب على النبيين إلا للحكم بين الناس قال تعالى { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – البقرة 213 }

وفي آخر زمان الدنيا وببعثة النبي الخاتم صلى الله عليه وآله سيختلفون عليه كما اختلفت الأمم منقبل على أنبيائها ورسلها ففريقا قتلوا وفريقا يكذبون قال تعالى { إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب – آل عمران 19 }

والمكلف ببيان هذا الكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون النحل 64 }

ولأنهم كذبوا وكفروا ومنهم من نافق وحارب رسول الله صلى الله عليه وآهل { وهموا بمالم ينالوا – التوبة } من محاولات قتله صلى الله عليه وآله لذلك  بعث فيهم شهداء على الناس من أهل بيت النبي عليهم السلام وأولهم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } [عن أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن قوله تعالى (ومن عنده علم الكتاب) قال : ذاك أخي علي بن أبي طالب  قال بن عباس : الذي عنده علم الكتاب : علي بن أبي طالب – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص 400-405 ]

وروى المنافقون أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام اليهودي وهنا [ قال أبو عمر في ترجمة عبد الله بن سلام في كتاب الإستيعاب بأسماء الأصحاب : وأنكر عكرمة والحسن (كون الآية في عبد الله بن سلام) وقالا : كيف يكون ذلك والسورة مكية وإسلام بن سلام كان بعد ذلك (أي في المدينة) – الأستيعاب بهامش كتاب  الإصابة في أسماء الصحابة ج 2 ص 383  ] وبالتالي تفصيل الكتاب كان بتفصيل الله تعالى لآياته ثم بيان النبي صلى الله عليه ثم أهل بيته عليهم السلام ورثة العلم الحقيقي من النبي صلى الله عليه وآله

وأما :

(كتاب فصلناه)

أي أنه يقول تعالى { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون – فصلت 3 } وقال تعالى أيضاً { الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير – هود 1 }

ولذلك يقول تعالى في هذه الأمة { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 } وهذا الكتاب فيه آيات فصلها الله تعالى كما في قوله تعالى { وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون – الأعراف 174 } .

ولذلك قال تعالى { فإذا قرأناه فاتبه قرآنه ثم إنا علينا بيانه – القيامة } وهذا البيان هو تفصيل الكتاب وآياته لقوم يعلمون كما في قوله تعالى  { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون – التوبة 11 } وتفصيلاً لقوم يتفكرون قال تعالى { كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون – يونس 24 } .

وهذا التفصل لكل ماحرمه الله تعالى وأحله كما في قوله تعالى { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين – الأنعام 119 } .

وبالتالي كل ما يحتاجه المؤمن في الدنيا فصله الله تعالى لنا تفصيلا قال تعالى فيه { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا – الإسراء 12 } .

وأما :

(على علم) 

وهنا يبين تعالى أن هذا العلم أنزله الله تعالى على رسوله ليعلم الناس مالم يعلموه ويخرجهم من الظلمات إلى الهدى والنور قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164 }

 ولذلك العلم عند الله تعالى كما قال تعالى { قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين – الملك 26 } ولذلك قالت الملائكة { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم – البقرة 32 } وبالتالي تفصيل الكتاب على علم وبعلم من عند الله قام به رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 } .

والعلم كما هو عند الله تعالى وببلاغ من رسوله صلى الله عليه ثم أئمة أهل البيت عليهم السلام ولا يستوي هؤلاء بغيرهم ممن جهلوا آيات ربهم قال تعالى { أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب –الزمر 9 } والآية نزلت في الإمام علي عليه السلام [ عن ابن عباس قال ( الذين يعلمون) علياً وأهل بيته من بني هاشم و(الذين لا يعلمون) بني أمية و(أولوا الألباب) شيعتهم – شواهد التنزيل ج 2 ص 175 ]

 

وأما :

(هدى ورحمة لقوم يؤمنون) 

وهنا يقول تعالى في كتابه الكريم أن فيه البصائر لتحقيق مراد الله تعالى من كتابه الكريم قال تعالى { هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 203 }

وهذا الكتاب فصله الله تبترك وتعالى كما في قوله تعالى هنا { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون – الأعراف 52 } وهذا الكتاب فيه تبيان لكل شيئ كما قال تعالى { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين – النحل 89 } وفي هذا الكتاب موعظة كما في قوله تعالى { يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين – يونس 57 }

 

وتفاصيل قصص الأنبياء ليثبت الذين آمنوا لقوله تعالى { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون – يوسف 111 }

وهذا البيان التفصيلي لكتاب الله تعالى من أحكام ومواعظ وقصص أنبياء فصله للناس رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى {  وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون –النحل 64 } .

وأما :

(وهدى)

بيناه من قبل ولكن لابد من إعادته لارتباطه بالآية التالية رقم (53)

أي هداهم للعمل بكتااب الله تعالى وفيه الهدى لقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون – البقرة 185 } وهذا القرآن هدى أيضاً لقوله تعالى { هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم – الجاثية 11 } وهذا الهدى سيظهره الله تعالى على الدين كله لقوله تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – التوبة 33 }

وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله هدى لقوله تعالى { ووجدك ضالا فهدى – الضحى 7  }

ولذلك يبين تعالى أن طاعته هدى لقوله تعالى (وإن تطيعوه تهتدوا ) قال تعالى { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين –ر النور 54 }

والأئمة من أهل بيت النبي وأولهم الإمام علي طاعتهم وولايتهم فيها الهدى لقوله تعالى { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين – الأنعام 90 }

وأول هؤلاء الهداة المهديين هو الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد } وعلى ذلك قوله تعالى هنا { فريقاً هدى } أي فريقاً تولى الله تعالى ورسوله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام

وأما :

(ورحمة)

وهذا اللفظ أيضاً يشير إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي على البينة وشهادة الإمام علي عليه السلام على الأمة من بعده فقال تعالى { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون – هود 17 }

[ عن عباد بن عبد الله : عن علي عليه السلام في قوله تعالى (أفمن كان على بينة من ربه) قال : هو رسول الله صلى الله عليه وآله وأما (ويتلوه شاهد منه) قال وأنا الشاهد منه – شواهد التنزيل ج 1 ص 359 & منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 1 ص 449 عن سهيل بن قطان في أماليه وابن مردويه ومثله في كنز العمال ج1 ص 250 ط1 &جمع الجوامع للسيوطي ج 2 ص 68 وابن عساكر في ترجمة امير المؤمنين من تاريخ دمشق ج 3 ص 24 &تفسير فرات الكوفي ص  69 & وتاريخ بغداد ج3 ص51 &  والثعلبي في تفسيره الكشف والبيان ج 2 ص 239 & تفسير البرهان ج 2 ص 210 للسيد هاشم البحراني & ابو نعيم في ترجمة أمير المؤمنين من كتابه معرفة الحابة ص 22 & والدر المنثور ج 3 ص324 ]

وأما :

(لقوم مؤمنين)

وردت هذه الآيات في قوله تعالى { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين – التوبة 14 }

والمؤمنين هنا هم الذين تولوا الله تعالى و رسوله صلى الله عليه ثم الإمام علي عيه السلام الذي تصدق وهو راكع فنزل فيه قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة 55-56 } .

[ عن ابن عباس في تفسير (إنما وليكم الله ورسوله) قال :  نزلت في علي بن أبي طالب – شواهد التنزيل ج1 ص 243]

[ وعن ابن عباس قال : (ومن يتولى الله) يعني يحب الله (ورسوله) يعني محمداَ(والذين آمنوا) يعني يحب علي بن أبي طالب  (فإن حزب الله هم الغالبون) يعني شيعة الله وشيعة محمد وشيعة علي هم الغالبون  يعني العالون على جميع العباد الظاهرون على المخالفين لهم قال ابن عباس : فبدأ الله هذه الآية بنفسه ثم ثنى بمحمد ثم ثلث بعلي فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله : رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار قال بن مؤمن : لا خلاف بين المفسرين أن هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي عليه السلام – شواهد التنزيل للحاكم ص 246 ] .

ثم يؤكد الله تعالى بأن الخروج على والاية هؤلاء إلى ولاية الآباء والأجداد خروجاً على الإيمان بالله تعالى كما في ووله عز وجل { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون – المجادلة 22 } .

ثم يقول تعالى منذراً كل من كفر ونافق وخرج على ولاية أهل بيته عليهم السلام الشهود على هذه الأمة من تأويل لكتاب الله تعالى قد نسيته الأمة باستمرارتقديمهم أراء العلماء على نصوص القرآن في كل زمن حتى نسوا مراد الله تعالى من كتابه الكريم  و كاد دين الإسلام أن يندثر قال تعالى هنا  :

 (53) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (53)