الخليج الجديد :
اعتبر محللون عسكريون غربيون أن حركة “حماس” وهجومها الناجح والمتطور الذي نفذته ضد مستوطنات غلاف غزة وقواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي هناك في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، برهن بقوة على تأثير وأهمية الحرب غير النظامية، وأفرز 4 دروس مستفادة في هذا الإطار.
وفي تحليل نشرته مجلة “فورين بوليسي“، وكتبه كل من فارشا كودوفايور، أحد كبار المحللين في مركز الحرب غير النظامية، وبيتر تشين، مستشار المركز، فإن “حماس جمعت كل خصائص الحرب غير النظامية بنجاح منقطع النظير”.
ما هي الحرب غير النظامية وخصائصها؟
كما يقول الكاتبان، فإن هذا الأسلوب من الحرب له خصائص واضحة، مثل استخدام وسائل غير متماثلة ومتعددة الأبعاد وغير مباشرة لتحقيق النتيجة المرجوة، عادة من قبل دولة أو قوة تفتقر إلى الوسائل اللازمة للنجاح في صراع عسكري تقليدي، وفق ما ترجمه “الخليج الجديد“.
ويرى الكاتبان أن “حماس” جمعت هذه الخصائص ببراعة، حيث شنت هجمات متزامنة عبر الجو والبر والبحر، ملتفة على قوات جيش الاحتلال الأكثر قوة.
ومن خلال إطلاق ما يقدر بنحو 2200 صاروخ على الأراضي المحتلة في الصباح الباكر من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، تمكنت “حماس” من التغلب على نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “القبة الحديدية”.
وتحت غطاء وابل الصواريخ، قامت الجرافات باختراق الحدود التي يفترض أنها محصنة جيدًا لقطاع غزة، مما سمح لمئات المسلحين بالمرور.
ثم هاجم هؤلاء المسلحون قواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي وانتشروا في المستوطنات الإسرائيلية، مستخدمين تأثير الصدمة والرعب.
ويضيف الكاتبان: مضت “حماس” في خطتها الموضوة سلفا، حيث أسرت العشرات من المستوطنين والجنود الإسرائيليين وجلبتهم إلى غزة، لاستخدامهم في المفاوضات عندما تبدأ إسرائيل حملتها العسكرية، وهو ما يحدث الآن.
تقنيات معروفة.. لكن الدمج عبقري
ويعترف الكاتبان أن “حماس” لم تستخدم، في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أي تقنيات أو تكتيكات أو عقيدة حربية غير نظامية لم يسبق لها مثيل. وبدلاً من ذلك، قامت بدمج التكتيكات غير النظامية القائمة بشكل فريد لتحقيق مكاسب استراتيجية كبيرة.
4 دروس
ومن خلال استخدامها للوسائل غير المباشرة، تسلط “حماس” الضوء على أربعة دروس رئيسية حول الحرب غير النظامية وتطورها المستقبلي للمجتمع الدولي.
الدرس الأول: لا تضمن الأدوات عالية التقنية دائما تحقيق أي ميزة؛ فالوسائل منخفضة التقنية المستخدمة بفعالية يمكن أن تتفوق على الدفاعات الأكثر تقدمًا.
هنا يقول الكاتبان إن “حماس” استخدمت أساليب تجارية سرية تقليدية للتغلب على التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به دولة الاحتلال.
وباستخدام الاستخبارات البشرية، جمعت “حماس” بيانات دقيقة عن أهدافها الإسرائيلية، بما في ذلك نقاط الضعف في المعدات العسكرية والمخططات التفصيلية للقواعد والمستوطنات التي هاجمتها.
ولم تكن “حدود إسرائيل” شديدة التحصين مع غزة، لكنها مليئة بتكنولوجيا الاستشعار والكاميرات وغير ذلك من الميزات، تضاهي مزيج “حماس” من الطائرات بدون طيار، والطائرات الشراعية، والجرافات، والدراجات النارية، والصواريخ، كما يقول الكاتبان.
مزج الأدوات التقليدية
الدرس الثاني: لا يشترط استخدام أساليب وتكتيكات جديدة للحرب غير النظامية، لكن المزج الصحيح والفعال بين الأساليب المعروفة قد يفرز نتائج هائلة.
وهنا يقول الكاتبان إن “حماس” استخدمت الطائرات الشراعية، والطائرات بدون طيار، والقناصة، والصواريخ، والقوات الهجومية بالدراجات النارية، والقوارب المطاطية، وهي أدوات تقليدية وليست جديدة، لكن طريقة المزج بينها حققت النتيجة المرجوة، حيث تم استخدامها بطريقة مجمعة ومنسقة ومتعددة الأبعاد وغير متماثلة.
الدرس الثالث: بشكل متصل، سيتعلم الخصوم غير النظاميين في النهاية كيفية التغلب على قدرات هدفهم، أو على الأقل تحييده لفترة كافية لتحقيق ميزة استراتيجية.
تحييد “القبة الحديدية”
ما سبق فعلته “حماس” صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول مع منظومة “القبة الحديدية” الدفاعية الإسرائيلية المتطورة، حيث دمرت تلك القبة تقريبا من خلال وابل متزامن من الصواريخ.
وفي الواقع، إحدى السمات المميزة للحرب غير النظامية هي كيفية استخدام الجهات الفاعلة لتكتيكات غير متماثلة وغير مباشرة للتحايل على القدرات الأقوى، وهو ما تجسد في هجوم “حماس” الصاروخي.
الدرس الرابع: يجب على الجهات الفاعلة (إسرائيل في تلك الحالة) تطوير خيارات غير عسكرية والحفاظ عليها بشكل استباقي للرد في سيناريو الحرب غير النظامية.
وهنا يرى الكاتبان أن دولة الاحتلال حاليا في مأزق، فالوسائل العسكرية تشكل خيارها الرئيسي لسحق “حماس” في الأمد القريب، إلا أن الضرر الذي قد تلحقه هذه الوسائل بحياة المدنيين في غزة والبنية الأساسية المدنية في غزة سوف يؤدي بكل تأكيد إلى نتائج عكسية.
ويقولان إن الاختيارات غير العسكرية – مثل إجراء عمليات معلوماتية لتقويض رسائل الخصم، أو استخدام التكتيكات الاقتصادية، كما فعلت الصين، لتقويض الأسس الاقتصادية للعدو – والتي يمكن أن تحقق انتصارات على المدى القريب ستكون ذات أهمية حيوية في سيناريوهات الحرب غير النظامية المستقبلية.
ويختم الكاتبان تحليلهما بالقول إن “هجوم حماس مليء بالدروس حول الحرب غير النظامية. ومن المرجح أن يلعب هذا التكتيك دوراً حاسماً في الصراعات المستقبلية، وخاصة تلك التي تتسم بعدم التماثل في السلطة أو السمعة أو الشرعية بين الجهات الفاعلة فيها”.