شفقنا :
لم يسبق العدوان الأخير على قطاع غزة سابقاته، فلم يأت كما المعتاد بتفوق “إسرائيلي” عسكري، بل جاء بضربة مفاجئة للمقاومة صدمت الاحتلال وأجهزته الأمنية والعسكرية، جعل رده الانتقامي يركز على إيقاع أكبر عدد ضحايا من المدنيين لذا كانت غالبية الشهداء من الأطفال والنساء.
حجم الحدث يظهر واضحا في تداعي الغرب على دعم الاحتلال وتقاطر زعمائه على “تل أبيب” بدءا بالرئيس الأمريكي جو بايدن وليس انتهاء بنظيره الفرنسي ماكرون، حيث اتفقت خطاباتهم جميعا على نقطة واحدة، دعم مطلق للاحتلال، وإدانة للمقاومة، وتجاهل متعمد لمجازر الاحتلال في فلسطين عموما، في السابق واللاحق.
وحده الموقف العربي الرسمي، لم يرق لمستوى الحدث، تدرج من بيانات التهدئة وضبط النفس إلى الاستنكار والإدانة، ولم يراوح مكانه حتى الآن.
وما زاد الأمر قتامة، إعلان الاحتلال غلق معبر رفح المصري مع القطاع، وعجز الأنظمة العربية مجتمعة عن إرغام الاحتلال على القبول بدخول المساعدات التي هدد بقصفها إلى قطاع غزة، إلا بعد وساطة من بايدن.
تباينت المواقف العربية من المقاومة بين ممتنع عن الإدانة، ومستنكر لدفاعها عن الشعب الفلسطيني كما الحال مع الإمارات والبحرين والمغرب.
ولعل موقف البلدان الثلاثة يفسر لماذا لم تقم إحداهن حتى باستدعاء سفير الاحتلال على خلفية المجازر الدامية في غزة، خصوصا مجزرة مستشفى المعمداني التي راح ضحيتها 500 شهيد.
لغة البيانات
يقول الكاتب والباحث الفلسطيني صلاح الدين عواودة، إن الموقف العربي من القضية الفلسطينية منذ كامب ديفيد وحتى الآن، وهو يتراجع وكان في هذه الحرب الأسوأ في تاريخه، فالأنظمة العربية بين مطبع ولاهث للتطبيع إضافة إلى موقفها العدائي للمقاومة الفلسطينية المتمثلة بحركة حماس.
وأضاف في حديث لـ “عربي21”, “بناء على مواقفهم فإن بيانات التنديد والاستنكار مجرد ذر الرماد في العيون ومحاولة لتخدير الشعوب المتعاطفة وفي حقيقتها لا تندد بل تدعم وتؤيد العدوان وإن كانت ربما كالولايات المتحدة منزعجة من كثرة الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال”.
من جهته يرى الباحث السياسي العراقي حسين السبعاوي، “أن هناك فرقا بين موقف الشعوب العربية وبين مواقف حكامها، بالنسبة لمواقف الأنظمة العربية هي مواقف مخزية وغير مقبولة ولا تمثل الحد الأدنى لتطلعات الشعوب بل منهم متواطئ مع الاحتلال ضد المقاومة الفلسطينية، أما مواقف الشعوب فهي مع المقاومة الفلسطينية لكنها مغلوب على أمرها ولا تستطيع ترجمة هذه المواقف على الأرض سوى بعض المظاهرات في بعض الدول”.
المشكلة هيكلية
كان أحد أهم الأسئلة حول الموقف العربي من العدوان على غزة، عن عدم رغبة بعض الزعماء بتسجيل موقف تاريخي في هذه الأزمة ينعكس إيجابيا على شعبيتهم في دولهم.
وحول ذلك يؤكد السبعاوي في حديث لـ “عربي21”, أن “هذه الأنظمة لا تمثل شعوبها، التي لم تخترها للحكم، فهي مجرد أنظمة وظيفية تسعى للحفاظ على مصالح من أوجدها في السلطة”.
وتابع، “هي لا تعبأ بمشاعر شعوبها ولا يمكن أن يكون لها موقف مشرف من القضية الفلسطينية وهذا حالها مع جميع الحروب العربية الفلسطينية سابقا منذ 1948 وإلى الآن، إضافة لمواقفها المخزية ضد المقاومة الفلسطينية وفي نفس الوقت تطبّع مع الاحتلال الصهيوني”.
يتفق الباحث الفلسطيني عواودة مع هذا الرأي قائلا، “لو كانت الأنظمة العربية أنظمة وطنية وأفرزتها انتخابات ديمقراطية ومخولة من شعوبها لتحولت إلى قوة عظمى يخطب العالم ودها ولما بقيت إسرائيل يوما واحدا”.
وأردف، “الأنظمة للأسف تستمد شرعيتها من الخارج وبالتالي فقرارها من الخارج ولا تملي أي ورقة ضغط فضلاً عن أنها لا ترغب بالضغط أصلا على الاحتلال أو الدول الراعية له”.
واستدرك، “وهذا لا يمنع أن يكون هناك بعض الدول العربية التي تتعاطف مع الفلسطينيين لكنها أقلية وبعيدة عن فلسطين جغرافيا عموما”.
نجدة الغرب وعجز العرب
لم تتأخر الولايات المتحدة وحلفاؤها عن إعلان تضامنها مع الاحتلال، ثم ما لبثت حتى بدأت بإرسال المساعدات العسكرية، التي تطورت لاحقا لحاملتي طائرات ترابط إحداهما قبالة سواحل شرق المتوسط والأخرى في الخليج.
وتكرر الأمر على الصعيد السياسي، بالدعم المعلن للاحتلال وتبني مواقفه كلها حتى تلك التي ظهر زيفها، كما جرى مع مجزرة مستشفى المعمداني، مقابل موقف عربي لم ينجح حتى بالدعوة لقمة طارئة.
يقول السبعاوي، “منذ الساعات الأولى لمعركة طوفان الأقصى أعلنت الحكومات الغربية وأمريكا دعمهما للاحتلال الصهيوني فمنها الدعم العسكري ومنها الدعم السياسي والإعلامي وقد شاهدنا كيف انحازت كبرى المؤسسات الإعلامية للعدو الصهيوني وهي تفبرك الصور الكاذبة وتتبنى رواية العدو”.
وأضاف، “بينما النظام العربي عاجز عن تقديم المساعدات الإنسانية لغزة وعاجز عن أن يعلن أي موقف رسمي داعم للمقاومة الفلسطينية بل حتى يحاربون الناشطين الداعمين للمقاومة من داخل شعوبهم فهناك فرق كبير بين مواقف الحكومات الغربية الداعمة للاحتلال وبين مواقف الحكومات العربية وما مؤتمر القاهرة إلا نموذج عن المواقف العاجزة للحكام العرب تجاه ما يجري في غزة”.
غليان الشارع
تتسع رقعة التظاهرات في العالم وخصوصا المنطقة العربية، مع توحش العدوان الإسرائيلي على غزة، وربما ذلك يدفع بعض الحكومات العربية لمواقف أكثر صرامة تجاه الأحداث في فلسطين.
وكان نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فشل بمحاولة الإمساك بزمام التظاهرات التي اجتاحت مصر في الـ 20 من الشهر الجاري، بعد أن وصفها بأنها مسيرات تمنحه التفويض لمعالجة الموقف خصوصا بعد ظهور نية الاحتلال تهجير سكان غزة نحو سيناء المصرية.
وباتت الشعارات التي تنتقد الموقف الرسمي العربي من العدوان على غزة، واضحة في عدة عواصم عربية، ما يضع تلك الحكومات في موقف محرج ولحظة انفجار متوقعة.
يرى الباحث صلاح الدين عواودة، “إذا استمرت المجازر وتمادى العدو فأظن أن حراك الشعوب سيتصاعد بشكل يقلق الأنظمة مما يدفعها للحراك لدى الغرب والاحتلال لوقف العدوان حرصاً على أمنها واستقرارها وبالتالي أمن واستقرار الاحتلال”.
أوراق لم تستخدم
شكلت عملية “طوفان الأقصى” صدمة للاحتلال، بدت واضحة في التخبط بقراره السياسي، فضلا عن الفشل العسكري الذريع، حتى مع دخول الحرب أسبوعها الرابع من دون أي نتائج على الأرض، فما زالت المقاومة تمطر الأراضي المحتلة يوميا بعشرات الصواريخ، وما زال الأسرى ورقة التفاوض الأبرز.
كان من المرجح أن تمنح قوة المقاومة الموقف الرسمي العربي قوة تماثلها، خصوصا في ظل الأوضاع الجيوسياسية التي يشهدها العالم، باضمحلال فكرة القطب الواحد والصراع المشتعل شرق أوروبا والتنافس مع الصين.
إلا أن ذلك لم يحدث، نظرا لمواقف الدول العربية بشكل عام والتي لم يطرأ عليها تغير يذكر رغم تصاعد العدوان.
تمتلك الدول العربية، عدة أوراق ضغط من شأنها أن تغير المعادلة في غزة والمنطقة عموما، وعلى رأسها ورقة إمدادات الطاقة التي ستمثل أزمة عالمية في حال لوحت بها الدول العربية المصدرة للنفط، لا سيما أن الاحتلال يمنع إدخال الوقود اللازم لإمداد مشافي غزة بالطاقة الكهربائية.
كذلك تتمتع الدول العربية المصدرة للغاز بالقدرة على التأثير عالميا، خصوصا أن إمدادات الغاز الروسي قد توقفت بعد الحرب الأوكرانية، يساعد على ذلك فصل الشتاء القادم.
كما لا تقل أهمية المضايق البحرية عن باقي أوراق الضغط العربية، بدءا من هرمز وباب المندب وصولا لقناة السويس المصرية، هذا فضلا عن إغلاق الأجواء أمام طائرات الاحتلال وتلك التي تقدم الدعم العسكري له.