YNP :
منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” التي بدأتها حركة حماس ضد إسرائيل بقطاع غزة في السابع من أكتوبر الجاري، أكد قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي، وقيادات صنعاء كافة، التزامهم الديني والأخلاقي والعروبي بمناصرة ودعم الفلسطينيين بكل ما يتاح لهم من الإمكانات، كما هدد الحوثي بأن قوات صنعاء ستدخل في مواجهة مباشرة بكل الطرق الممكنة ضد إسرائيل، خصوصاً بعد تجاوز جيش الاحتلال قوانين الحروب والقوانين الإنسانية المتعلقة بالمدنيين والأسرى، بارتكابه جرائم غير مسبوقة في تاريخ الحرب الفلسطينية الإسرائيلية.
وسائل إعلام متعددة تداولت، خلال الأسبوعين الماضيين، أنباء عن إطلاق صواريخ بعيدة المدى- تحديداً من نوع كروز- وطائرات هجومية مسيّرة، من اليمن، وقال مسئولون في وزارة الدفاع الأمريكية إنها كانت متجهة إلى إسرائيل ولكن اعترضتها مدمرة الصواريخ الأمريكية “يو إس إس كارني” فوق البحر الأحمر.
المسئولون الأمريكيون ذكروا أن الحوثيين طالما هددوا في الماضي بضرب إسرائيل، لكن هذه هي المرة الأولى التي ينفذون فيها تهديداتهم ويستخدمون هذه القدرة بعيدة المدى التي تشكل تهديداً للمنطقة، حسب تعبيرهم.
وأشار المسئولون الأمريكيون إلى أن الحوثيين يملكون الآن الترسانة الأكثر تطوراً من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة، من بين دول محور المقاومة، مؤكدين أن الموقع الجغرافي لقوات صنعاء يجعلها تشكل تهديداً خاصاً للتجارة العالمية وشحنات الطاقة، في إشارة إلى مضيق باب المندب الذي تمرُّ عبره 10% من حجم التجارة العالمية.
ويرجح مراقبون أن صنعاء- التي أصبحت واحدة من أبرز عواصم دول محور المقاومة- قد تستخدم مضيق باب المندب كورقة ضغط وتهديد كبير لإسرائيل والولايات المتحدة، خصوصاً أنها تعتبر باب المندب جزءاً من السيادة اليمنية التي تنتهكها دول التحالف من خلال سيطرة قوات تابعة وموالية لها على المضيق، في إطار المهمة التي يستخدمها التحالف من أجلها والمتمثلة في حراسة مصالح دول النفوذ العالمي في أكثر الممرات المائية أهمية، لكن صنعاء أصبحت تمتلك قدرات حربية وقتالية تجعلها قادرة على التحكم في حركة الملاحة وعبور التجارة الدولية من المضيق، ويعزز هذا الاحتمال أنها تعلن باستمرار إصرارها على إعادة المضيق إلى السيادة اليمنية، وإعدادها قوة بحرية عالية التدريب والمهارات القتالية، مسنودة بكل ما يستلزم معركة استرداد الممر المائي الاستراتيجي الواقع تحت سيطرة دول التحالف.
المراقبون قالوا إن هناك معطيات على الأرض توحي بأن صنعاء عازمة على استخدام باب المندب ضمن التزامها بدعم وإسناد الفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل، لافتين إلى ما كشفته وسائل إعلامية متعددة عن هجوم استهدف، خلال الأيام القليلة الماضية، قاعدة عسكرية تجسسية إسرائيلية في جزيرة دهلك الإريترية، جنوب البحر الأحمر، وهي أقدم قاعدة إسرائيلية أنشئت في منطقة القرن الإفريقي، وتستخدمها إسرائيل لتتبّع ومراقبة حركة الملاحة البحرية من جزيرة دهلك وحتى مضيق باب المندب.
كما أشار المراقبون إلى إعلان الأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية، في التاسع عشر من أكتوبر 2023 عن وصول أكثر من ثلاثة آلاف بحار وجندي أمريكي إلى الشرق الأوسط، ودخول السفينة الهجومية البرمائية “يو إس إس باتان” وسفينة الإنزال “يو إس إس كارتر هول”، إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس، تحسباً لإغلاق مضيق باب المندب رداً على حرب غزة، وأكد الأسطول- في بيانٍ- أن عملياته تشمل منطقة الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر، وأجزاء من المحيط الهندي و3 نقاط مهمة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.
ويؤكد المراقبون أن القلق غير المسبوق الذي أبداه المسئولون العسكريون الامريكيون حيال قدرات الحوثيين وتهديداتهم بدخول خط المواجهة إلى جانب الفلسطينيين يعزز احتمالات أن تحول صنعاء باب المندب إلى ساحة مواجهة قد تفضي إلى خسارة قوى النفوذ العالمية تلك الغنيمة الاستراتيجية التي حصلت عليها بسهولة نتيجة الحرب التي مزقت اليمنيين وحالت دون وجود حكومة مركزية تحكم قبضتها على جزء مهم من أرضها ومياهها الإقليمية.
المخاوف الأمريكية من مشاركة قوات صنعاء في حرب غزة وصلت حد تهديد الولايات المتحدة بإعادة الحرب في اليمن، عبر وكلائها الذين كثفوا تحركاتهم خلال الأيام الأخيرة لمنع أي نشاط لقوات صنعاء، وظهرت تلك التهديدات في تصريحات مسئولين أمريكيين بأن “الصراع في غزة قد يقلب عملية السلام في اليمن رأسا على عقب”، بالإضافة إلى وقال المبعوث الخاص لإدارة بايدن إلى اليمن، تصريح المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في المعهد الأمريكي للسلام في واشنطن بقوله: “إن أسوأ مخاوفي، بالطبع، هو أن ينجر اليمن إلى حرب أخرى، وأن الحرب اليمنية لم تنتهِ بعد”.
القيادة العسكرية في صنعاء كشفت مضامين الرسائل الأمريكية المتعلقة بمشاركتها في معركة “طوفان الأقصى”، حيث أشار نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي التابعة لوزارة الدفاع، العميد عبدالله بن عامر، إلى أن زيارة وزير الدفاع الأمريكي للرياض لا تخرج عن مسار الرسائل الأمريكية التي تتضمن تهديدات لإثناء صنعاء عن موقفها الداعم لفلسطين، مؤكداً في تدوينة على منصة إكس، أن تلك التحركات وما يعقبها من “تحريك” لن يغير “الموقف الجوهري لصنعاء خصوصاً فيما يتعلق بغزة وفلسطين”، حسب تعبيره.