"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

علاقات دول الخليج ومصر… استثمارات مستدامة أم إحباط متزايد؟

بعد انتهاء فترة الثورة التي استمرت من 2011 حتى 2013 في مصر، وحظيت بدعم كبير من السعودية والإمارات تكونت مرة أخرى تكتلات جديدة، إذ رفضت الدوحة استضافة المسئولين من تولوا الحكم بعد مرسي والإخوان المسلمين في القاهرة، وطالبت باستعادة الأموال القطرية في البنوك المصرية التي بلغت 6 مليارات دولار.

السياسة الخارجية البراغماتية

هذه الفجوة ملأت بواسطة السعودية والإمارات والكويت وجاءت بتطبيع العلاقات بين نظام مصر الجديد بعام 2014 واعترفت الدوحة بالسيسي رئيسا لمصر وقبلت بتوسط السعودية لتحسين علاقاتها بقطر، وعادت إلى السياسة الخارجية البراغماتية في المنقطة.

في ظل هذه الخلفية، أصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على الموارد المالية الأجنبية في شكل ودائع وقروض طويلة الأجل من دول مجلس التعاون الخليجي بسبب انعدام الأمن الغذائي واحتياجات الطاقة وصدمات أسعار الفائدة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من التوترات الأساسية، فإن هذه الاختلافات لم تكن شيئا مقارنة بالفترة من 2017 إلى 2021 عندما كانت قطر محاصرة من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لم يكن لقطر حصة في أي استثمار مالي لمجلس التعاون الخليجي في مصر إلا قليلا. وفي المقابل، تعمقت العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر والسعودية والإمارات.

هذا وبعد العقوبات تغير كل هذا جذريا، فمثلا اتفقت الدوحة والقاهرة في وقت سابق من هذا العام على إنشاء صندوق استثمار مشترك بمليار دولار. كما أن علاقات القاهرة مع الدوحة على قدم المساواة مع عواصم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ومنطق هذه العلاقات مماثل لمنطق الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين خضعتا مؤخرا لتغيير شامل لتصبح أكثر تركيزا من الناحية التجارية.

الاستثمارات التجارية المستدامة

في الانتقال من الدعم المالي إلى الاستثمارات التجارية المستدامة، هناك اتجاه واضح مفاده أن دول الخليج الغنية بالنفط قد أنقذت مصر بشكل عام في جانب المشاكل المالية، لا سيما في العقد الماضي. في الفترة الأولى، كانت هذه القوى الإقليمية الخليجية في الأساس جهات مانحة قدمت مبالغ ضخمة من الأموال بسبب اهتمامها المشترك باستقرار أكبر دولة في العالم العربي. خلال تلك الفترة، أودعت مليارات الدولارات في البنوك المصرية.

ومع ذلك، بمرور الوقت، كانت عواصم الخليج مترددة في التعامل مع القاهرة مباشرة، مفضلة تحويل مسار استثماراتها، بينما لا تزال تستهدف مصر. وبناء على ذلك، كان التركيز في الماضي في المقام الأول منصبا على ما تعتبره هذه الدول دعما للاستقرار. كما انه تراجعت المخاوف الأمنية الكامنة وراءها وأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي مهتمة للغاية بعودة استثماراتها.

هذا لا يعني نهاية تلقي الأموال الخليجية لمصر، ولكن يعني أن بعض الأموال الخليجية ستستخدم أموالها في الاستثمارات التجارية، وليس فقط كمنح وقروض منخفضة الفائدة كما رأينا من قبل. في عام 2022 على سبيل المثال، أنفق صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية وصندوق الثروة السيادية الإماراتي أربعة مليارات دولار لشراء أسهم تجارية في شركات مصرية مختلفة.

عدم توافق توقعات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر

على عكس الفترات السابقة المماثلة، يوجد الآن تعارض أساسي حول وجهات النظر في مصر، وقد اشتد بشكل خاص. في الواقع، هناك عدم توافق كامل بين القاهرة ودول الخليج بسبب المخاوف المتزايدة بشأن الاقتصاد المصري داخل دول مجلس التعاون الخليجي والإحباط من الإصلاحات المتوقعة التي لم تتحقق. ولعل القضية الأكثر إثارة للجدل، وهي ملكية الدولة، بما في ذلك ملكية الجيش لجزء كبير من الاقتصاد المصري، التي أصبحت تثير قلق المستثمرين الدوليين، وكذلك صندوق النقد الدولي، الذي قدم عدة قروض لمصر في السنوات الأخيرة. .

وفيما يتعلق الأمر بدول مجلس التعاون الخليجي، فإن سياسات الاقتصاد الكلي في مصر -بما في ذلك ملكية الدولة -اصبحت ذات أهمية لأنها قد تؤثر على عائد استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، وفي المقام الأول، على حاجة دول مجلس التعاون الخليجي للمشاركة المالية، وتأثيرها في مصر. في هذا الصدد، فإن صندوق النقد الدولي وشركاء مجلس التعاون الخليجي متحدون وموحدون لتحقيق هدف طموح، وهذا الهدف هو الضغط على القاهرة لإجراء إصلاحات هيكلية.

ولكن في حين أن هذه الإصلاحات مهمة بالتأكيد على المدى الطويل، فمن المرجح أن تكون آثارها على المدى القصير مؤلمة للمجتمع وتثير مخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي. كما ان عدم الاتفاق على القضايا الكلية ذات الصلة بالاقتصاد المصري تعني ان القاهرة ستفقد الاستثمارات الخليجية الكبيرة، كما حدث في انسحاب صندوق الاستثمار السعودي من صفقة شراء مصرف حكومي أو ما قامت به قطر في إخراج أصولها من شركة تعود ملكيتها إلى الجيش.

وتطالب دول الخليج مصر بتقليص عدد الأفراد في الجيش والحكومة وتعويم الجنيه واتخاذ مزيد من الخطوات لتحرير الاقتصاد المصري وفق توصيات وشروط صندوق النقد الدولي.

مستقبل العلاقات الثنائية

يبدو أن الأجواء السائدة في القاهرة الآن تفيد بان مصر لن تفشل في تحقيق مراميها. هذا وستتدخل الجهات الأجنبية لضمان تخلف مصر عن سداد ديونها وعدم انهيارها اقتصاديا. ربما كان الأمر كذلك في الماضي، لكن الحقائق الاقتصادية في المنطقة ومجلس التعاون الخليجي لم تعد كما كانت من قبل؛ قد تتغير الحسابات، كما يتضح من استبدال المنح والودائع برغبة واضحة في المشاركة في مشاريع تجارية مستدامة.

قد يكون من الكارثة أن تسمح دول مجلس التعاون الخليجي لمصر بالتقصير في أداء واجباتها. إن اتخاذ خطوات معينة، مثل المزيد من التخفيض لقيمة الجنيه المصري، يصب بالكامل في مصلحة مجلس التعاون الخليجي، مما سيجعل مشترياته المستقبلية أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.

كما أن الموقف الجيوسياسي العام لمصر في هذا المجال يستحق الدراسة. تحظى القاهرة حاليا بأهمية قصوى وأكثر من أي دولة عربية أخرى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولكن هذه القضية تثار بشكل أساسي عندما يكون هناك نوع من الأزمات في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي.

في حالات أخرى أوسع، اتخذت دول الخليج المختلفة، وخاصة المملكة العربية السعودية، موقفا مختلفا نابعا عن القوة والنفوذ الجيوسياسي، كما يتضح من إعادة دمج بشار الأسد في جامعة الدول العربية أو المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران.

وفي الحالتين لا دور مهم للقاهرة، ففي أزمة السودان ان الدور السعودية ينافس الدور المصري، بينما كان الأمر مختلفا في الفترة السابقة، ومن هنا فان المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها مصر قد تأتي بتداعيات غير مطلوبة مستقبلا لها، مع هذا وبشكل عام هناك فكرة مشتركة بين دول مجلس التعاون وهي أنهم بحاجة إلى مصر لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

المصدر: موقع بازار