DW :
تحاول الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية النشطة في أوروبا توظيف أعمال الشغب الأخيرة في فرنسا لصالحها من خلال “خطاب عنصري كلاسيكي” وربط العنف والتحركات الاجتماعية بالعرق والهجرة واللجوء. فكيف تم ذلك؟
الاحتجاجات التي اندلعت الأسبوع الماضي إثر مقتل مراهق فرنسي من اصل جزائري عند نقطة تفتيش مروري، أخذت في التراجع، لكن التداعيات السياسية للمظاهرات العنيفة لاتزال مستمرة – وقد امتدت أيضاً إلى بلدان أخرى.
وتستفيد الأصوات المنتقدة للهجرة والمعادية لها على وجه الخصوص من هذا النوع من الأزمات، فقد استغل السياسيون اليمينيون في جميع أنحاء أوروبا هذه الاضطرابات بهدف خلق مشاعر معادية للاجئين والمهاجرين على وسائل التواصل الإجتماعي وكذلك للدعوة إلى تقييد سياسة الهجرة بشكل أكثر صرامة من ما هي عليه الآن.
وفي دول مثل ألمانيا والمجر وبولندا والسويد وإيطاليا، نجحت القوى اليمينية المتطرفة هناك، في حشد عدد كبير من الأصوات الداعمة لها في الآونة الأخيرة.
“خطاب عنصري كلاسيكي”
يظهر التركيز على الخلفية المهاجرة للمتظاهرين في عدد من النقاشات في فرنسا. وفي هذا الصدد تحدث، زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا، جوردان بارديلا، عن “تعنيف للمجتمع نتيجة سياسة هجرة غير عقلانية”.
حتى أن المعلق التلفزيوني، جان ميسيحة، المعروف بآرائه اليمينية المتطرفة، دعا إلى التبرع لأسرة الشرطي المشتبه بإطلاقه النار والذي يجري التحقيق معه في تهمة جريمة القتل العمد. انتشر النداء بسرعة في جميع أنحاء أوروبا عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وشارك بالفعل عشرات الآلاف من الأشخاص في الحملة. في المقابل غالباً ما يُسمع أو يقرأ عن ممثلي الضواحي أو الجهات الفاعلة من المجتمع المدني في النقاشات والتقارير الإعلامية.
أوضح جيهان سنان أوغلو، من المركز الألماني لأبحاث الاندماج والهجرة (DeZIM) في تصريح لـ DW: “يتم تصوير الهجرة على أنها المشكلة الجذرية لهذا العنف”. وتابع سنان أوغلو أن “ربط العنف والتحركات الاجتماعية بالعرق والهجرة هو خطاب عنصري كلاسيكي”.
“انتفاضة المهاجرين”
وتشهد ألمانيا أيضاً نقاشات تركز على الهجرة، ليس فقط من اليمين المتطرف، بحسب سنان أوغلو: “إذا نظر المرء إلى النقاشات في ألمانيا، سيجد أنها تمر عبر اليمين المتطرف إلى المعسكر المحافظ، حيث يتم ربط الهجرة بالعنف وتهديد النظام العام “.
كما يقول بيجان جير سراي، الأمين العام للحزب الديموقراطي الحر (الليبرالي) (FDP) في ألمانيا: “الهجرة غير المنضبطة والعجز الهائل في سياسة الاندماج يشكلان تهديدًا للأمن الداخلي” ويوافقه الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU)، الرأي أيضاً.
حصد هاشتاغ #تسقط_فرنسا تعليقات عنصرية وخطاب يحض على الكراهية ضد اللاجئين أو المهاجرين الفرنسيين، كما استخدمت في كثير من الأحيان صور أو مقاطع فيديو مزيفة. تعمل وسائل الإعلام اليمينية الشعبوية على تغطية ما تسميه بـ “انتفاضة المهاجرين” والمتظاهرين الذين تروج أنهم يتبعون الشريعة الإسلامية. ودعا ممثلو حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي إلى “إجراءات صارمة” من قبل الشرطة والمحاكم. ويأتي هذا الجدل في وقت فاز فيه الحزب البديل بمنصب عمدة إحدى البلديات لأول مرة وحصل أيضاًعلى تأييد بنسبة 20 في المائة في آخر استطلاعين الرأي .
تغطية انتقائية دون ذكر الخلفيات!
غالباً ما تشهد بعض دول وسط وشرق أوروبا، حملات تحريض ضد اللاجئين. وقد استغل رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز موراويكي، الموقف لإثارة المشاعر ضد اتفاقية الهجرة التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. على مدى سنوات، كان رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، ينتهج سياسة موجهة ضد اللاجئين والهجرة. في صيف العام الماضي، أطلق تصريحات صادمة وذات صيغ مألوفة من اليمين المتطرف عن ما أسماه بـ “اختلاط الأعراق” و “فيضان أوروبا” و النظرية اليمينية المزعومة التي تعرف باسم “الاستبدال العظيم” في أوروبا.
كما قدم التلفزيون الحكومي “هيرادو” والمقرب من الحكومة تغطية خاصة عن الاحتجاجات منذ بدايتها، لكن دون توضيح خلفياتها. ولم يتم التطرق للوضع الاجتماعي للسكان المهاجرين في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى أو عن العنصرية التي يتعرض لها الكثير منهم كل يوم. حتى أن التغطية تناولت بشكل عابر الحدث الذي فجر هذه الاحتجاجات والمتمثل في واقعة إطلاق شرطي النار على شاب أعزل من أصل شمال أفريقي. واحدة من النظريات المتداولة من قبل “هيرادو”، هي أن فشل فرنسا الغنية في سياسة الهجرة الخاصة بها، يعني عدم نجاح البلدان الفقيرة بالتأكيد في ذلك.
هل للمجتمع وجهان؟
من جانبه يرى وزير الداخلية الإيطالي، نيكولا مولتيني، وهو عضو في حزب “الليغا” اليميني، أن الاضطرابات في فرنسا هي “دليل على فشل الهجرة غير المنضبطة وتحذير لبقية أوروبا”. ويتبنى السياسيون في بلجيكا وبريطانيا هذه النظرة أيضاً.
كل هذه التصريحات تستند إلى آليات مماثلة، كما يقول سنان أوغلو: “الشباب أيضاً لهم دور في ذلك : فمن جهة الفرنسيون والفرنسيات المتحضرون ومن جهة أخرى الشباب العنيف الذي يهدد النظام العام. ولهذا يتوجب حماية هذا النظام العام بكل قوة”، وفق خبير علم الاجتماع. “بالطبع على المرء إدانة العنف. ولكن يتوجب عليه أيضاً التفكير في أسباب ذلك العنف”.
شتيفاني هوبنر/ إ.م