الفرق بين لفظ الحكمة والحكمة البالغة في كتاب الله تعالى
التفسير بصيغة pdf :
الفرق بين لفظ الحكمة والحكمة البالغة في كتاب الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
آيات من سورة القمر
(5) حكمة بالغة فما تغني النذر (5)
وهنا :
(حكمة)
[ الحكمة تطلق على كل ما يتحقق فيه الصواب من القول والعمل – معجم ألفاظ القرآن باب الحاء فصل الكاف والميم ] قال تعالى في عموم الحكمة { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب – البقرة 269 }
والحكمة للأنبياء علم وهى سنتهم لقوله تعالى في لقمان عليه السلام { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد – لقمان 12 }
وقال تعالى في نبي الله داوود عليه السلام : { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب – ص 17-20} والحكمة هنا سنته التي هى أفعاله وأقواله .
ولذلك يقول تعالى في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله هنا { ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا – الإسراء 39 } وهنا { مما أوحى إليك ربك من الحكمة } أي جزء من الوحي فيه حكمة وهى سنته التي أوحاها الله تعالى إليه وهى وحي قال تعالى فيه { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى – النجم } وهذه هى الحكمة كما بينا ويلحق بها الحكمة التي وهبها الله تعالى للأئمة من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وأولهم الإمام علي عليه السلام وقد حسدتهم هذه الأمة على تلك الحكمة كما قال عز وجل { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما – النساء 54 }
و أما الحكمة البالغة هنا فهي القرآن الكريم وفيه النذر لقوله تعالى { حكمة بالغة فما تغني النذر – القمر 5 } وهو القرآن الكريم .
ومن حكم الله تعالى البالغة وصايا القرآن الكريم التي قال تعالى فيها { لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًاۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّٖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗا وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُواْ صَٰلِحِينَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّٰبِينَ غَفُورٗا وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا وَإِمَّا تُعۡرِضَنَّ عَنۡهُمُ ٱبۡتِغَآءَ رَحۡمَةٖ مِّن رَّبِّكَ تَرۡجُوهَا فَقُل لَّهُمۡ قَوۡلٗا مَّيۡسُورٗا وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُومٗا مَّحۡسُورًا إِنَّ رَبَّكَ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ إِنَّ قَتۡلَهُمۡ كَانَ خِطۡـٔٗا كَبِيرٗا وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةٗ وَسَآءَ سَبِيلٗا وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا وَأَوۡفُواْ ٱلۡكَيۡلَ إِذَا كِلۡتُمۡ وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلٗا وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولٗا وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولٗا كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا ذَٰلِكَ مِمَّآ أَوۡحَىٰٓ إِلَيۡكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلۡحِكۡمَةِۗ وَلَا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتُلۡقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومٗا مَّدۡحُورًا -الإسراء 22-39 }
وأما :
(بالغة)
[ ويقال الحجة البالغة وحكمة بالغة ويمين بالغة أي واصلة إلى نهايتها من القوة – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل اللام والغين ] .
والحكمة البالغة في كتاب الله عز وجل وفيه الحجة البالغة لقول تعالى { قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين – الأنعام 149 } وبالتالي كتاب الله تعالى فيه الحكمة البالغة كما في الآية هنا { حكمة بالغة فما تغني النذر } وهذه الحكمة البالغة فيها بلاغ للناس قال تعالى فيها { هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب- إبراهيم 52 } وفي هذا البلاغ الوصية باستخلاف أمير المؤمنين علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين – المائدة 67 } .
وأما :
(فما تغني النذر)
أي أنهم هنا ماداموا لن يؤمنوا فلن يغني عن هدايتهم شيئاً بعد حكمة الله تعالى البالغة لذلك قال تعالى { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض و ما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون –يونس 101 }
وأما :
(فما تغني)
أي أن آيات الله لن تغني عنهم شيئاً ماداموا لن يؤمنوا ولن تغني عنهم في الآخرة أموالهم ولا أولادهم قال تعالى { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار – آل عمران 10 }
وأما :
(النذر)
والنذر جمع إنذار قال تعالى { واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الأحقاف 21 } وهذه النذر آخرها القرآن الكريم الذي قال تعالى فيه هنا { حكمة بالغة فما تغني النذر – القمر 5} وهذه النذر لها منذر وهو رسول الله صلى الله عليه وآله ولكل قوم إماماً هادياً مهدياً من أهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 } والإنذار هنا بكتاب الله وهو نذير من النذر الأولى التي أنزلها الله تعالى على الأمم من قبل قال تعالى { هذا نذير من النذر الأولى – النجم 56 }