أخبار عاجلة

اليقين (سر الكون الأعظم وحركة الإنسان بالروح والسوءة والنفس والقرين بين طرق السماء والأرض)

نسخة PDF :

اليقين15-5-2023

نسخة ورد :

  اليقين

 (سر الكون الأعظم وحركة الإنسان بالروح والسوءة والنفس والقرين بين طرق السماء والأرض)

مقدمة :

 

تعالى يقول { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين – المؤمنون 17 } وطرائق وطرق جمع طريق وحيث أنه قال تعالى عن هذه الطرائق هى السماوات السبع فيكون الإمام علي عليه السلام في قوله [ ” سلوني قبل أن تفقدوني فإني أعلم بطرق السماء أكثر من طرق الأرض” ] يعني رحلة الإنسان منذ الخلق الأول إلى عودته إلى الجنة أو النار

وبالتالي طرق السماء ليست أماكن بقدر ما هى عوالم يتحرك فيها الإنسان بين هذه الطرائق فمنهم من خلق بجسد طيني من طينة الجنة فكانوا أهلها وسبق لهم من الله تعالى الحسنى وهؤلاء عن جهنم مبعدون وهم الأنفس (المطمئنة) وخلق آخرين من طينة جهنم فعملوا بما يؤدي إليها في الأرض بعد الهبوط وهم النفس (الأمارة بالسوء) وأمر سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام بقبض قبضة من الأرض ثم خلطت بطينة الجنة فعملوا عملاً صالحاً وآخر سيئا وهى النفس (اللوامة)

ولقد خلق الله تبارك وتعالى الأنفس قبل الأجساد قال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها تقواها – الشمس} ثم خلق الله تعالى الأجساد لقوله تعالى { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – الحجر 29 } ثم يسوي الله تعالى الخلق بعد الهبوط إلى الأرض في أرحام الأمهات كما في قوله تعالى { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ – القيامة 37-39 } .

ولقد خلق الله تعالى كل الخلق دفعة واحدة قال تعالى { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين – الأعراف 11 }

وكان هؤلاء يعيشون في جنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض حتى أكل آدم وزوجه عليهما السلام من الشجرة فبدت لهما سوءاتهما وهى الأجساد وليست العورات قال تعالى { فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ الأعراف 22 } وهذه السوءة كل الجسد لقوله تعالى {   فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين – المائدة 31 }

وبالتالي السوءة هى الجسد الذي نعيش به في الدنيا إذا مات الإنسان على الأرض خرجت نفسه المخلوقة من طينة الجنة لتعود إلى جنة عدن قال تعالى { إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون – المائدة 105 } وأما الكافرين فهم عن ربهم محجوبون كما في قوله تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون –المطففين 15 } ويحشرون يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكما وصما فإذا ماتت سوءاتهم في الدنيا رجعوا إلى الجحيم الذي خلقوا منه لقوله تعالى { ثم إن مرجهم لإلى الجحيم – الصافات } وقوله تعالى { إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا – النبأ } .

 وعن أجسادهم فهى معذبة في الدنيا لا شتراكها في معصية الله عن غير عمد فهى مأمورة من النفس الأمارة بالسوء لذلك عذابها في الدنيا فقط ويبدأ في سكرات الموت ليعلم الناس مآل العصاة ومن كفروا بالله تعالى والمؤمنين فيزدادوا إيماناً بعلامات تظهر في وجوهههم العابسة الكالحة أو البيضاء المسفرة الضاحكة المستبشرة فإذا كان يوم القيامة بعص هذا الجسد الطيني الأرضي للعصاة ومن خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً وهم الأنفس اللوامة والأمارة بالسوء قال تعالى { حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون سورة فصلت – وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون– فصلت 20-21}

وذلك هو تفصيل قوله تعالى { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة 28 } أي كنتم أموات السوء أحياء بالجسد الطيني العلوي ثم نزلوا إلى الأرض بالجسد الطيني العلوي(نفسه) والسوءة ثم تموت السوءة وترجع النفس بطينتها المخلوقة من الجنة ثم يوم القيامة يرجعون إلى الله تعالى بأنفسهم وأجسادهم وسوءاتهم .

فإذا قامت القيامة بدل الله تبارك وتعالى الأرض غير الأرض و السماوات وينشأ الله تعالى المؤمنين فيما لا يعلمون عن شيئ من نعيم الله تعالى ولذلك قال تعالى { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون – السجدة 17 } .

وهذا ملخص تفاصيل طرق السماء والأرض من كتاب الله والتي سنفصلها إن شاء الله .

 واليقين :

يعني الحقيقة التي يجانبها الشك والشبهة و : [ يقن الأمر ييقن يقنا : ثبت ووضح  الوصف و يقال اليقين للعلم الذي انتفت به الشكوك والشبه و يقال خبر يقين : لا شك فيه ويقال للموت اليقين لأنه لا يمتري فيه أحد – معجم الفاظ القرآن باب الياء فصل القاف والنون ] .

[ قال المحققون : اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد ، وفيه تفاضل العارفون ، وتنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون . وإذا اجتمع الصبر باليقين ولد بينهما حصول الإمامة في الدين، قال تعالى { وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون- السجدة24} . وخص تعالى أهل اليقين بانتفاعهم بالآيات والبراهين، قال سبحانه وهو أصدق القائلين { وفي الأرض آيات للموقنين  – الذاريات:20) }.

وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين، فقال: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون – البقرة:4-5) } . وأخبر الله تعالى عن أهل النار بأنهم لم يكونوا موقنين قال تعالى :   { وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين  – الجاثية 32) }

ومادة (يَقَن) ومشتقاتها وردت في القرآن في ثمانية وعشرين موضعاً  جاءت بصيغة الفعل في أربعة عشر موضعاً، من ذلك قوله سبحانه: {وبالآخرة هم يوقنون- البقرة:4}  وجاءت بصيغة الاسم في أربعة عشر موضعاً كذلك، من ذلك قوله عز وجل: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين – الحجر:99 }.

ومادة (يَقَن) ومشتقاتها وردت في القرآن على أربعة معان، هي:

الأول :  اليقين بمعنى الصدق والتصديق، من ذلك ما حكاه القرآن على لسان ملكة سبأ : {وجئتك من سبإ بنبإ يقين – النمل 22 } يعني بخبر صِدْق . ومنه أيضاً قوله تعالى{وبالآخرة هم يوقنون – البقرة4}  يعني يصدقون بوجود الآخرة والبعث. وأكثر ما ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم وفق هذا المعنى.

الثاني:  اليقين بمعنى الموت، ورد في موضعين من القرآن: الأول: قوله عز وجل: { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين –  الحجر:99}  أي: ابقَ ملازماً لعبادة ربك إلى أن يأتي أجلك. الموضع الثاني: قوله سبحانه {حتى أتانا اليقين-  المدثر 47}  يعني الموت.

الثالث : اليقين بمعنى العِيان والمشاهدة، جاء على هذا المعنى قوله سبحانه: { كلا لو تعلمون علم اليقين التكاثر:5 }  (يعني علم العِيان والمشاهدة. ونحوه كما في قوله عز وجل: {ثم لترونها عين اليقين  – التكاثر:7}  أي : عند المعاينة بعين الرأس، فتراها يقيناً، لا تغيب عن عينك.

الرابع:  اليقين بمعنى العلم، من ذلك قوله تعالى في حق نبيه عيسى عليه السلام: { وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا – النساء:157 }

المعنى كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما قتلوا ظنهم يقيناً ، كقولك: قتلته علماً، إذا علمته علماً تامًّا، فـ (الهاء{قتلوه} عائدة على {الظن}. قال أبو عبيد: ولو كان المعنى: وما قتلوا عيسى يقيناً لقال: وما قتلوه فقط.

وقوله سبحانه: { وفي الأرض آيات للموقنين- الذاريات:20   } قال الطبري: ” وفي الأرض عِبَرٌ وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها”. وقال القرطبي: “(الموقنون) هم العارفون المحققون وحدانية ربهم، وصدق نبوة نبيهم”.

ومجمل القول، أن لفظ (يَقَن) بمشتقاته أكثر ما ورد في القرآن الكريم بمعنى (الصدق والتصديق) ، وورد في مواضع قليلة بمعنى (المعاينة والمشاهدة)، وورد في موضعين فقط بمعنى (الموت)، وورد بمعنى (العلم) – موقع إسلام ويب ] .

  • التعريف بكتاب اليقين :

واليقين له علم في كتاب الله تعالى وله عين في أجساد بني آدم ينظرون بها وبصر في أنفسهم يرون به الأمور على حقيقتها في الدنيا وفي الآخرة من بعد الموت يرون الحقائق والمغيبات يقينا لذلك قال تعالى في الموت أنه اليقين { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } و بعده يرى الإنسان كل المغيبات ووعود الله تعالى التي وعد بها المؤمنين ووعيده عين اليقين لذلك قال تعالى : { كلا لو تعلمون علم اليقين لتروون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم – التكاثر } و هذا هو حق القين الذي قال تعالى فيه : {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ – الواقعة 88-96} .

واليقين يكون في كل ما هو قادم من بعد الموت من عالم الغيب و ما هو مخفي عن أجسامنا في الدنيا و محجوب عن عقولنا لبعد المسافة الزمنية بيننا و بين عصور الأنبياء و أئمة أهل البيت عليهم السلام وقرب قيام الساعة وفقدان كثير من العلم لأسباب عديدة حتى أصبح الإيمان بالغيب كلمات فقط بعيدة عن فهم تفاصيلها وأغوارها و ماحدث لبني آدم قبل الهبوط من الجنة و ما سيحدث لهم من بعد الموت و هذا هو الإيمان بالغيب و اليقين بما وعد الله تعالى في الآخرة  قال تعالى{ وبالآخرة هم يوقنون – البقرة 4}

ولكي يصل العبد إلى اليقين بالله تعالى عليه التفكر في خلق السماوات والأرض وحركتهما الدائبة وأنه حتما لهما من محرك ويوما ما سيلاقي ابن آدم هذا الخالق ليحاسبه عن أعماله التي عملها في الدنيا إن خيراً فخير و إن شراً فشر ومن أراد اليقين في الله تعالى فليتفكر في خلق السماوات والأرض قال تعالى فيما فعله نبي الله إبراهيم عليه السلام  :

{ وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ  فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ  – الانعام 75-79 } .

وقال تعالى لذلك لبقية الخلق في دعوة لهم للتفكر : { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ – الرعد 2 }

ومن أراد لقاء الله تعالى فليعمل بحكمه الذي نزل في كتب الله السماوية وخاتمها القرآن الكريم ليكون من الموقنين قال تعالى في القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية والذي نزل على خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) : { هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ  – الجاثية 20 } ومن ترك العمل بكتاب الله تعالى فهو في جاهلية وعدم يقين بالله لقوله تعالى : { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – المائدة 50 } .

وهذا اليقين فيما عند الله تعالى والدار الآخرة  { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ – السجده 12 } . وبداية هذا اليقين على ذلك تبدأ بالغرغرة والموت لذلك يقول تعالى مبيناً أن الموت بداية اليقين في قوله تعالى { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } وما بعد الموت هو اليقين الذي سيعاينه كل بني آدم لقولهم عند الحساب { وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين – المدثر 46-47 } .

وهذا اليقين بالله تعالى والدار الآخرة كان يعلمه أمير المؤمنين علي عليه السلام حتى أنه قال في تفسير قوله تعالى { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ – النمل 82 } . وفي تفسيرها سأل الصحابي عمار بن ياسر الإمام علي (ع) فقال له  [ إنها دابة تأكل تمراً وعسل ]

وروى في تفاسير أهل البيت (عليهم السلام)  أن اليقين هو ولاية الإمام علي عليه السلام :

[ قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان، آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي ، و شككتني قال عمار: أية آية هي؟ قال: قال: { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } ، فأية دابة هذه؟ قال عمار: و الله ما أجلس، و لا آكل، و لا أشرب حتى أريكها. فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، و هو يأكل تمرا و زبدا، فقال: يا أبا اليقظان، هلم، فجلس عمار، و أقبل يأكل معه، فتعجب الرجل منه، فلما قام، قال له الرجل: سبحان الله- يا أبا اليقظان- حلفت أنك لا تأكل، و لا تشرب، و لا تجلس حتى ترينيها، قال عمار: قد أريتكها، إن كنت تعقل.

  • عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي (عليه السلام)، فقال: ” أنا دابة الأرض “.

– و عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: ألا أحدثك ثلاثا قبل أن يدخل علي و عليك داخل؟ ” قلت: بلى. قال: أنا عبد الله، و أنا دابة الأرض، صدقها، و عدلها، و أخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي و عينيه؟ ” قال: قلت بلى. فضرب بيده إلى صدره، و قال: ” أنا “.

–  عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو يأكل خبزا و خلا و زيتا، فقلت: يا أمير المؤمنين، قال الله عز و جل: { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } ، فما هذه الدابة؟ قال: ” هي دابة تأكل خبزا، و خلا، و زيتا “.- تفسير البرهان ] .

وقد بين حقيقة ذلك اليقين حينما قال لهم [ سلوني قبل ان تفقدوني فإني أعلم بطرق السماء أكثر من طرق الأرض ] .

[  عن أبي الطفيل ، قال : شهدت عليا وهو يخطب ، وهو يقول : سلوني فوالله لا تسألوني عن سيكون إلى يوم القيامة الا حدثتكم به وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية الا وأنا أعلم أبليل أنزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ، فقال ابن الكواء : وأنا بينه وبين علي وهو خلفي ، فقال : ما( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا – الذاريات 1) فذكر مثله ، وقال فيه : ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا وفيه سؤاله عن أشياء غير هذا وله شاهد مرفوع أخرجه البزار ، وابن مردويه بسند لين ، عن عمر. – ابن حجر العسقلاني – فتح الباري شرح صحيح البخاري – كتاب تفسير القرآن – سورة والطور  ج8  ص 459  ] [ ثنا : أبو الطفيل عامر بن واثلة ، قال : سمعت عليا (عليه السلام) قام ، فقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي ، فقام ابن الكواء ، فقال : من ( الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ  – إبراهيم : 28 )  قال : منافقوا قريش ، قال : فمن ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا  – الكهف 104 )  قال : منهم أهل حروراء ، هذا حديث صحيح عال ، وبسام بن عبد الرحمن الصيرفي من ثقات الكوفيين ممن يجمع حديثهم ولم يخرجاه.- الحاكم النيسابوري – المستدرك على الصحيحين – كتاب التفسير – تفسير سورة إبراهيم : 28  تفسير آية : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) ج 2  ص    352 ] .

وهذه الدابة روى أنها من علامات الساعة الكبرى والآيات العشرة قبل القيامة : [عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن بين يدي الساعة الدجال، والدابة، ويأجوج ومأجوج، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها ” … و عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم، وتخطم أنف الكافر بالعصا، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر “.- تفسير الدر المنثور للسيوطي ] .

وهذا اليقين فيما بعد الموت هو (علم اليقين) الذي علمه من رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الإمام علي عليه السلام و أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ومن تولاهم ومن اراد الله تعالى بعد ذلك أن يهبه بعضاً من تلك العلوم التي يجهلها الكثير من الناس في زمن لا يعرف فيه الكثير من الناس ما هى “الصمدية” ولا يعرف الكثير منهم اسم جد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصبح  المسلمين إسماً فقط وسلوكاً مخالف تماماً لتعاليم الإسلام بل الكثير منهم  يقلدون عبدة الشيطان في بلاد العالم وهم لا يعيرون للدين بالا  [عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ، وَلَا يَبْقَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ، مَسَاجِدُهُمْ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى، عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ منْ عِنْدَهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وَفِيهِمْ تَعُودُ –  أورده البيهقي دون قوله : ومن القران إلا حرفه. وفيه زيادة، وذلك  في شعب الإيمان 3/317 &  ابن عدي في الكامل 4/227، وغيرهما ]

ولذلك أطلقنا على هذا الكتاب هنا “علم اليقين بطرق السماء والأرض” و لأن الإمام على كان أول من قال بعد النبي عن هذه الطرق بن السماء والأرض [ ” سلوني قبل أن تفقدوني” ]

ولذلك بعد كتابه كتابنا اليقين اكتشفنا أنه بيان تفصيلي لما ذكره الإمام علي عن طرق السماء والأرض ولم يذكر هذا البيان وهنا كأن هذا الكتاب هو تفسل الإمام علي عليه السلام لهذه الطريق وذلك لأنه في قوله تعالى { سورة سبإ – وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير- سبأ 44 } أمسك كتاب الله تعالى بيده و قال [ ” ما أتانا ربنا غير هذا الكتاب لندرسه ” ] .

وبالتالي هذا بيان الإمام علي عليه السلام لهذه الطرق قبل الخلق وبعد الخلق كما بينا  وماحدث فيها من خلق ثم هبوط بني آدم وطرد إبليس من الجنة ثم عودة الجسد الطيني العلوي الذي خلق من طينة الجنة وهى النفس المرفقة بجسد الإنسان أو سوءته التي عاش بها على فينفصلان فإن كانت سوءة كافرة أو منافقة فعذابها في الدنيا ولها علامات عند سكرات الموت وتمتمات تنم عن ندم أو رؤية أشياء مرعبة وتلك علامة ليتعظ بها الناس ويتيقنوا أنهم مقبلون على حساب عند الله تعالى بعد الموت ويوم القيامة تبعث للشهادة على صاحبها كما بينا من قبل  و العكس إن كانت سوءة مؤمنة عند سكرات موتها تبدوا عليها علامات الفرح والسعادة والإستبشار وبياض الوجه وابتاسمات عريضة وما شابه وتلك علامات للناس كي يرجعوا ويتيقوا من أن لهم خالقاً هو الذي يحييهم وهو الذي يميتهم وهو الذي سيحاسبهم على مافعلوه وقالوه في الدنيا .

وكأن الدنيا دار شك و ظن ووساوس و يبدأ اليقين فيها بغرغرة الموت وحينها يصبح بصره أحد من نظر العين في الدنيا لرؤيته يقينا كل ما وعد الله تعالى أنه قد أصبح حقاً يراه ولا يشعر بذلك من حوله إلا بعلامات تبدوا على وجهه عند سكرات الموت  قال تعالى  { لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فبصرك اليوم حديد – ق 22 } وقال تعالى أيضاً { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ – الواقعة 83-85 } .

وهنا تبدأ مرحلة اليقين التي قال تعالى فيها { واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .

أما بعد :

عندما نزل أمر الله تعالى إلى السماء الدنيا في ليلة القدر و كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة أوكل ذلك لملائكة بين السماء والأرض بين كونين بين السماء والأرض .

كل مسلم قرأ القرآن الكريم أو سمعه يعلم بأن هناك ثواب وعقاب وجنة ونار فإن مات فهو إلى الحساب قادم و لكن هذا توكلاً على الله وثقة في كتاب ربه ودينه وما تشاهده عينه من موت كل من حوله من الآباء و الأعمام والأصدقاء والأخوال والجيران و منهم موت أطفال والكائنات لتؤكد أنها ليست دار بقاء ولا خلود فيها فهى وما عليها إلى زوال حتمي { كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } فترسخت في نفوس الكثير قاعدة التوكل على الله بأن الخلق سيموت وسيحاسب على مافعل .

و هذا إيمان العوام بغض النظر عن المستهترين المستهزئين بالدين المعرضين عن ذكر الله ممن لا يسمعون ولا يعقلون ولا يقرؤون ولا يعملون لأخراهم ويعيشون في هذه الدنيا كالأنعام بل هم أضل كما قال تعالى فيهم : { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ – النحل 21 } أي : [ وما يشعرون أيان يبعثون أي وما يدري الكفار متى يبعثون ، أي وقت البعث ; لأنهم لا يؤمنون بالبعث حثى يستعدوا للقاء الله وقيل : أي وما يدريهم متى الساعة ، ولعلها تكون قريبا .- القرطبي ]  .

وهؤلاء المؤمنين العوام إن علموا تفاصيل هذا المعتقد البسيط من حتمية لقاء الله والحساب وهذا لايعمل به إلا القليل ممن يراقب نفسه ويحاسبها ويلومها على ما اقترفته من ذنوب ومعاصي قال تعالى { وإن كثيراً من الناس بلقاء ربهم ربهم لكافرون – الروم } وذلك لأنه لم يخطر على بالهم طوال أعمارهم ولو مرة بأنهم سيلاقوا ربهم وسيحاسبهم وعلى ما قدموا وأخروا .

وهنا نقول بأن من سيقرأ كتابنا هذا فبإذن الله سينتقل من مرحلة الإيمان التواكلي وفيه الشك أو الظن الغير يقيني إلى اليقين الثابت لأنه سيعرف من أين أتى و بدأ وكيف سينتهى وكيف و كيف سيتنقل بجسده و نفسه وروحه بينهم في رحلة كونية تنتهي بالفردوس الأعلى أو الخلود في جهنم والعياذ بالله .

و الموت يكون هنا كأنه رحلة ذهاب و تنقل بين العوالم أداتها العمل الصالح فيكون الموت والحياة لديه سواءاً بسواء لا يخافه و لا يهابه يقيناً بل سيكون على يقين  بأن الآخرة خير له من الأولى بما أعده الله تعالى له من نعيم مقيم إذا كان من المؤمنين و كيف أنه لا يسير في الدنيا و حيداً بل معه نفسه و قرينه  وشياطين و ملائكة موكولة به منذ تخليقه في بطن أمه حتى لقاء الله تعالى .

وهنا سيكون إيمانه يقينياَ ويكون على علم وثيات بطرق السماء والأرض وهو علم قال فيه الإمام علي عليه السلام بما تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وآله ” سلوني قبل أن تفقدوني فإني أعلم بطرق السماء أكثر من طرق الأرض ” ] .

وبالفعل هذا الكتاب ليس نقولات من كتب أخرى إلا من كتاب الله تعالى و بعض تفاصيل لآيات من سنة رسول الله صلى الله عليه وآثار أهل البيت التي لها حكم المرفوع .

وبالتالي فيه من العلم مالم يعرفه ولم يذكره إلا أئمة أهل البيت فقط بين ثنايا كتبهم وكبار العلماء العرفانيين الذين تكلموا في أشياء ولم يحضرهم فيها الدليل فجاءت منكرة من طائفة وسكتت عنها طائفة أخرى وطائفة اعتقدت بها دون معرفة الأدلة اليقينية عليها كإنكارهم اي غيب والحديث فيه اعتبره الجهلاء كفر وتنجيم وقد نسوا أن الله تعالى يقول { وفي السماء رزقكم وما توعدون – الذاريات 22 } فالله تعالى كتب كل ما هو مقدر في السماء وينزل إلى الأرض بقدر معلوم والغيب درجات ومقادير بين الناس فما يعلمه أحد هو غيب عن غيره وذلك لأن الغيب في كتاب الله يبدأ من عورات النساء والتي قال تعالى فيها أنها غيب في قوله تعالى { فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله – النساء 34 } وهذه العورات غيب لكل الخلق وليست غيب عن زوجها ويرتفع الغيب إلى ما يعلمه الرسول وقال فيه تعالى { سورةالجن – عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا – الجن 26-27 } وبالتالي يمكن لأفراد أو أصحاب علم أن يعرفوا ما يغيب عن الكثير

وهم وأعظم هذه الأسرار علم التأويل لكتاب الله تعالى والذي قال فيه الإمام علي عليه السلام [ القرآن أبعد عن فهم الرجال … ] وذلك لأنه كتاب الله تعالى وله أهل بيت هم الذين يفتح الله تعالى عليهم في بيانه وتأويله لقوله تعالى { لا يمسه إلا المطهرون } وذلك لأن كثير من الألفاظ في كتاب الله تعالى منقولة عن معناها يظنها العلماء هكذا معناها في اللغة والصحيح أن اللغة باب ومدخل لمعرفة مراد الله تعالى من كتابه الكريم .

ونسأل الله تعالى أن يكون كتابنا هذا هادياً لطرق السماء التي هبط منها الإنسان ثم عودة المؤمنين إليها بعد موتهم وسجن الكفار في الأرض بسمائها الدنيا حيث يمنعون من صعود الجنة مرة أخرى قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ – الأعراف 40 } .

ويدور كتاب اليقين حول أبحاث قرآنية أكثر من 35  عاماً لا تدور حول المعنى اللفظي فقط كما يظن البعض بل هو خلاصة ما علمناه من كتاب الله تعالى من علوم ظاهرة وأخرى خفيت عن الكثير في آيات يمر عليها الناس وهم عنها غافلون فخرج في موضوعات هامه من قرأها ازداد يقيناً بالله تبارك وتعالى وعمل الصالحات والعبادات وعدم تضييع وقته هدراً فيما لا يفيد في دين أو دنيا انتظاراً لثواب للمحكمة الكبرى والتي تبدأ بسكرات الموت و ظهور إرهاصات وعلامات أصحاب الجنة وأصحاب النار .

وذلك ليكون الحاكم والمحكوم عالمين بما سيحدث لهم والجندي والمجاهد الذي يافع عن نفسه ودينه ووطنه وعرضه وماله في زمان الدجال الأكبر على الأرض فالجهاد في سبيل الله لم يشرع إلا لحفظ الدين و النفس والمال و العرض .

تفاصيل :

بين كونين وموتتين وجسدين وسمائين وأرضين وجسد يحوي نفس بداخله وهى (الإنسان الداخلي) وكلاهما مرتبط بروح تحركهما معا بين هذين العالمين وفق سنن كونية أعدها الله تعالى بما يتناسب مع بقاء الجسد حيا بغد الموت بتقوى الله في جنة عدن أو السوءة في الدنيا وهو الجسد الطيني السفلي الذي خلق من اجتماع ذكر وأنثى بعد الموت تتحل في التراب هذه السوءة وتنفصل عنها نفسها التي خلقت من طينة الجنة وكانت تعيش به في جنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض وذلك لأن الله تعالى خلق الناس جميعا دفعة واحدة وأدخل الحة والنار في لحظة واحدة لأ،ه تعالى ليس عنده زمن فالزمن عندنا نعرفه بالشمس والقمر وهما مخلوقان  قال تعالى { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين – الأعراف 11 }

وبين الدنيا والآخرة أو (الحياة و الموت) يتنقل بين عالم الدنيا والآخرة فبخروج نفسه من جسده على الأرض بعد أن نزلت من السماء إلى الأرض ينتقل بعدها إلى جنة عدن إن كان من المؤمنين وإلى جهنم إن كان من الكافرين وعن جسده فلا يعذب إلا في الدنيا لأنه قد اشترك معه في العصية بغير إرادة منه ويوم القيامة يكون شاهداً على صاحبه الذي كان يعيش معه في سوءة أو جسد واحد .

وبالتالي موت هذه يبرز هذه وموت هذه يبرز هذه فلا يجتمعان معاً إلا يوم القيامة قال تعالى { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – البقرة 28 } .

أي كنتم أموات السوءة أحياء بالجسد الطيني العلوي المخلوق من طينة الجنة في عدن يختفي بداخله سوءته التي كان يعلم بها إبليس قبل أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهما ثم يحى الله تعالى الإنسان بسوءته في الدنيا بعد الهبوط من الجنة يتوارى بداخل هذا الجسد نفسه أو جسده الطيني العلوي فإذا ماتت السوءة وهى الجسد الإنساني تبرز منها نفسها الطينية العلوية للوجود بما لا يتناسب في الحياة على الأرض لتنتقل إلى جنة عدن إن كانت من المؤمنين الصالحين ثم الرجوع إلى الله تعالى يوم القيامة بالنفس والجسد . وسجن المجرمين في الأرض السفلى في سجين

وأما الذين خلطوا عملاَ صالحاً وآخر سيئاً فهم الذي خلقوا من طينة الجنة وقد خلط بها طينة من الأرض فجاءت أعمالهم مطابقة لمت خلقوا منه وسوءة هؤلاء تعذب في الدنيا فقط ثم يوم القيامة تكون عليه من الشاهدين لقوله تعالى { حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون سورة فصلت – وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون– فصلت 20-21} ومعلوم الشاهد لا يعذب .

وسنفصل ذلك في في الكتاب إن شاء الله

هذا وبالله التوفيق

خالد محيي الدين الحليبي

الفصل الأول

  • (1) قصة الخلق الأول :

يقول تعالى { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ – ق15 } ومادمت سمعت أول فيكون هناك ثاني وثالث و آخر قال تعالى في الخلق الآخر{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – العنكبوت 20 } أي أن الإنسان هنا بين خلق جسدين ونشأتين أولى وآخرة وكونين وسمائين وأرضين . وموتتين قال تعالى فيهما { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ – الدخان 56 }

عندما نزل أمر الله تعالى إلى السماء الدنيا في ليلة القدر وكتب في اللوح المحفوظ كل ما هو كائن إلى يوم القيامة أوكل ذلك لملائكة بين السماء والأرض وهما كونين هما سماء جنة عدن و بين سماء الدنيا اللانهائية التي نراها بأعيننا من على الأرض ولها بوابات لإدراك سماء النشأة الأخرى و التي لا تدرك بالسوءة التي يعيش بها الإنسان في الدنيا وهى جسده الطيني السفلي الذي هبط به إلى الأرض حيث لا تتناسب هذه السوءة مع طبيعة الجنة .

و بالتالي نحن أمام قسمين في الخلق أحدهما ظاهر والآخر باطن و لكل قوانينه وسننه التي وضعها الله تعالى به في كل كون على حسب ما يتناسب مع طبيعة الخلق سواء كان طيني علوي أو نفساً خلقت من طينة الجنة أو الجسد الطيني السفلي وهى السوءة التي تخرج مع الإنسان وهو خارج من بطن أمة  وبداخلها نفسها المخلوقة إما من طينة الجنة أو النار من الأرض الذي يعيش فيها الإنسان بالدنيا من بعد الولادة من ذكر و أنثى إلى الموت و الجسدين كليهما الطيني العلوي (نفسه) المخلوقة من طينة الجنة أو طينة النار في الأرض وأعمال العباد تكون تبعاً للطينة التي خلقوا منها و كثير من الخلق ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا فالله تعالى يقضي بينهم يوم القيامة بحكمه .

[ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة و خلق الكافر من طينة النار، وقال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره ، قال وسمعته يقول : الطينات ثلاث : طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها، هم الأصل ولهم فضلهم والمؤمنون الفرع من طين لازب و( اللازب: اللازم للشئ واللاصق به) ، كذلك لا يفرق الله عز وجل بينهم وبين شيعتهم، وقال: طينة الناصب من حمأ مسنون أي (المنتن) وأما المستضعفون فمن تراب ، لا يتحول مؤمن عن إيمانه و لا ناصب عن نصبه ولله المشيئة فيهم.

وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك من أي شئ خلق الله عز وجل طينة المؤمن فقال: من طينة الأنبياء، فلم تنجس أبدا (أي بنجاسة الشرك والكفر) . – الكافي للكليني ج3 ص 3 ] .

(2)  مرحلة الخلق من العدم و اللاشيئ  :

قال الله تبارك وتعالى { قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا – مريم 9 } .

وهذه مرحلة من الدهر لم يكن فيها الإنسان أي شيئ مذكور لأنه خلق من العدم وعلى غير مثال أو تقليد لمخلوق خلقه إلاهاً آخر كما في قوله تعالى { هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا – الإنسان 1 } . وقال تعالى { أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ  شَيْئًا – مريم 67 }

ثم جاء خلق الله للبشر من طين { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ – الحجر 28-31} .

(3) خلق الله الكون وحاسب وأدخل الجنة والنار في لحظة واحدة :

حيث أنه تعالى يقول { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون – يس 82 } فيكون الله تبارك وتعالى ليس عنده زمن وما خلق الله السماء والأرض إلا ليعلم الناس عدد السنين والحساب قال تعالى { هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – يونس 5 } .

ويوم القيامة بعد أداء مهمتهما في تعليم البشر يجمعهما الله تعالى فيلقيهما في جهنم لتزدادا سعيرا ويزداد المجرمين عذاباً بلهيبها كما في بيان قوله تعالى { وجمع الشمس والقمر – القيامة } .

[ .. قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار وقيل : هذا الجمع أنهما يجتمعان ولا يفترقان ، ويقربان من الناس ، فيلحقهم العرق لشدة الحر ; فكأن المعنى يجمع حرهما عليهم . وقيل : يجمع الشمس والقمر ، فلا يكون ثم تعاقب ليل ولا نهار .- تفسير الطبري ] ولا تعاقب ليلا ولا نهاراً لأن جنة الآخرة ظلاً ظليلاً كما في قوله تعالى { وندخلهم ظلا ظليلا – النساء } .

والسماء والأرض و مافيهما من شمس و قمر و كواكب لا عذاب عليها يوم القيامة لأنها غير مكلفة وأبت أن تحمل أمانة الحكم بما أنزل الله تعالى كما في قوله تعالى : { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا – الأحزاب 72 }.

وبالتالي لا عذاب عليهما يوم القيامة وقبل خلق السماوات والأرض وما فيهما من شمس وقمر نعرف بهما عدد السنين والحساب كما بينا .

(4) رسول الله صلى الله عليه وآله كان قبل خلق السماوات والأرض من كتاب الله  .

أولا :

لم يكن هناك زمن يعرف به الوقت والحساب قبل الخلق و هنا بدأ الله تعالى الخلق بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله لقوله تعالى {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ – الأنعام163} ولفظ أسلم ورد في إسلام السماوات والأرض في قوله تعالى {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ- آل عمران83} أى أن الله تعالى خلق رسول الله صلى الله عليه وآله و أسلم  قبل خلق السماوات والارض. لأنه قال تعالى عن إسلام السماوات والأرض { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون } وبالتالي أول من أسلم قبل إسلام السماوات والأرض هو سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله)  .

ثانياً :

لم يذكر القرآن الكريم عن أي نبي عليهم السلام أنه أول من أسلم أو أول المسلمين إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله)  بل دعوا الله تعالى بدعاء يثبت أنهم من المسلمين وأولهم سيدنا محمد  (صلى الله عليه وآله) أول من أسلم كقول نوح عليه السلام مثلاً { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ – يونس71-72 } .

ويقول تعالى كذلك فى ابراهيم واسماعيل عليهما السلام {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ- البقرة128} .

وسيدنا لوط عليه السلام يقول تعالى فيه { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين – الذاريات 35-36 } .

ثالثاً :

مع خلق السماوات والأرض جاء خلق نبي الله إبراهيم وهو شاهد على خلقهما كما في قوله تعالى { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – الأنبياء 56 } .

رابعاً :

بعد خلق السماوات والأرض وبداية دوران الشمس والقمر عرض الله تبارك وتعالى أمانة الحكم بكتاب الله وخلافته في الأرض على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها خوفاً من التقصير في حق االله تبارك وتعالى قال عز وجل هنا { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا – الأحزاب 22 } .

فلما أبت السماوات والأرض والجبال على حمل أمانة الحكم بما أنزل الله تعالى بين كل خلقه جعل الله تعالى آدم عليه السلام خليفته في ارضة وكل أنبيائه والأئمة من بعدهم بعد ختم النبوة والكتاب بسيد ولد آدم وأمام المرسلين قال تعالى { ذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ – البقرة 30-33 } .

وهنا الآيات تبين أعلمية آدم عليه السلام أكثر مما تعلمه الملائكة من علم محدود .

ثم أخذ الله تعالى من الأنبياء ميثاقهم بولاية رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته قال تعالى { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – آل عمران 81 } .

ثم أخذ الله تعالى الميثاق على بقية الخق بألوهيته وربوببيته ونبأهم بما سيقوله العصاة يوم القيامة حتى لا يكون لهم حجة أمام الله تعالى يوم القيامة بعد أن نبأهم بما سيقولونه عند المحكمة الكبرى يوم القيامة قال تعالى : { إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ – الأعراف 172-173 } .

(5)  خلق نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمرسلين والمؤمنين من نور الله تعالى :

قال صلى الله عليه وآله :  خُلِقَتِ المَلائِكَةُ مِن نُورٍ، وخُلِقَ الجانُّ مِن مارِجٍ مِن نارٍ، وخُلِقَ آدَمُ ممَّا وُصِفَ لَكُمْ.- رواه مسلم } وهنا الحديث من المؤكد أن له أحاديث اخرى تكملة لتفصيل المعنى أو بيان لم ينتبه إليه لاأحد وهو الخلط بين الجسد الطيني الذي عاش به أهل الجنة به في جنة عدن وبين سلالتهم التي انتشرت بعد ظهور سوءاتهم بالجنة  وهبطوا بها بعد خروجهم من الجنة ومن هنا يتبين لنا أن أجساد أهل الجنة من طين ولكنها من طينة الجنة ولا عيش في الجنة بغير نور قال تعالى فيه .

{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ  – الحديد 12-15 } . كما أن خلق رسول الله من نور كما قاعالل تعالى { قد جائكم من الله نور وكتاب مبين } ولكن هذا النور من الله تعالى لأنه خليفة الله في ارضة على مخلوقاته بين ارضه وسمائه ومن هنا علو رتبة الإنسان وهيمنة الأنبياء على الإنس والجن والملائكة التي تخدمهم وموكولة بهم وهم الصلة بين الخالق والمخلوقين إنس وجن وجماد وسماء وأرض ولذلك تتوقف سنن الكون مع هؤلاء المرسلين بأمر الله  كما أوقف الله تعالى سنن النار مع نبي الله إبراهيم (عليه السلام) أو الماء مع نبي الله موسى (عليه السلام) ليتحول الماء إلى جبل كالطود العظيم وبدعائهم أهلك الله تعالى أمماً ونسفت قرى بعد أن دعوا الله تعالى عليهم .

–  لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله نوراً قال تعالى فيه { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } وفي حديث جابر [ “كنت نورًا قبل أن يُخلق آدم بأربعة عشر ألف عام, فلمَّا خلَق [اللهُ] آدم جعَل النور في صُلبه, فلم يزلْ ينقلُه من صُلب إلى صُلب، حتى استقرَّ في صُلب عبد الله ] .
[ وقال صلى الله عليه وآله ((أول ما خلق الله نورُ نبيِّك يا جابر))، وفي لفظ : ((يا جابر، إنَّ الله خلَق قبل الأشياء نورَ نبيك من نوره)) ]
وهنا نور من نوره ونور على نور أثبت القرآن الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نور قال تعالى فيه { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } .
[ قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب: ” قد جاءكم “، يا أهل التوراة والإنجيل” من الله نور “، يعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب. – تفسير الطبري ] .

وهذه الأحاديث تم الطعن فيها : [ حكم المحدثون بأنه حديث منكر وذهبوا إلى وضعه. قال العلامة عبد الله بن الصديق الغماري : «وعزْوه إلى رواية عبد الرزاق خطأ لأنه لا يوجد في مصنفه ولا جامعه ولا تفسيره، وقال الحافظ السيوطي في الحاوي في الفتاوى ج1 ص 325 : «ليس له إسناد يعتمد عليه» اهـ، وهو حديث موضوع جزمًا …… إلى أن قال : وبالجملة فالحديث منكر موضوع لا أصل له في شىء من كتب السُّنّة  ] .

والقرآن الكريم لأنه قال في رسول الله صلى الله عليه وآله أنه أول من أسلم فالحديث صحيح ولو أنكره علماء قال تعالى فيهم { ذلك مبلغهم من العلم – النجم } وذلك نقوله لأن الحديث يقول ( نور ونبيك ياجابر) وهى نفسه التي ستهبط على الآرض آخر الزمان ليكون خاتم الأنبياء وينزل جسده نوره وهى نفسه التي خلقت قبل خلق السماوات والأرض كما بينا والنور هو النبي صلى الله عليه وآله المخلوق من نور الله تبارك وتعالى قبل خلق السماوات والأرض ثم بقية الأنبياء ثم المؤمنين على اختلاف درجاتهم فهم (نور أنزله الله تعالى على نور) على اختلاف درجاتهم أنزل الله تعالى عليهم كتبه وفيها نور لذلك قال تعالى  { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ  – النور 35-36 } .

وهنا { نور على نور}
لفظ على هنا ورد في قوله تعالى { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ   بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ – الشعراء 193-195} . أي أن كتب الله تعالى نوراَ نزل على نور وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله :
   يقول تعالى عن كتبه المنزلة على أنبياءه عليهم السلام أنها نور :

قال تعالى في التوراة : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور – المائدة 44 }

وقال تعالى في الإنجيل : { وآتيناه الأنجيل فيه هدى ونور – المائدة 46}

ويقول تعالى في القرآن الكريم {يا أيها الناس قد جائكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا – النساء 174 } .

وهذا النور يأتى على النبي محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين – المائدة }

وبالتالي يكون معنة قوله تعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له في الغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله – النور35-37} .

نور من الله نزل على نور من خلقه وهو سيدنا محمد والنبيين من قبله عليهم الصلاة والسلام

وهنا لما عقب في الاية بقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع}
هذه البيوت التي رفعها الله تعالى على كل بيوت العالمين هى بيوت أهل بيت النبي (عليهم السلام) وما نزل فيها من أنوار كتاب الله ومن ولدوا فيها من أنوار الأئمة الأطهار وهم نور من نور أصطفاه الله تعالى على كل خلقه كما في قوله عز وجل  {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذرية بعضها من بعض – آل عمران 33-34}  وفي تفسير البحر المحيط [ قرأ ابن مسعود وأبي بن كعب (وآل محمد على العالمين) – تفسير البحر المحيط ج 2 ص 435 ] .
هذه البيوت كما بينا هى آخر بيوت نزلت فيها أنوار  من السماء إلى أهل الأرض في آخر الزمان وآواخر عمر الدنيا و في ركاب آخر إمام في آخر زمان الدنيا  وهو سلالة من أنوار أنبياء وأئمة رفع الله تعالى بيوتهم على العالمين كما في قوله تعالى هنا : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ – 37 }
وبالتالي من لم يجعل كتاب الله تعالى مرجعا له و سنة رسوله صلى الله عليه وآله ويتولى أهل بيته (عليهم السلام)  فما له في الدنيا من نور يمشي به في الناس وماله في الآخرة من نور يدخل به الحنة قال تعالى { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ – النور 40 }

وهنا نكون قد فصلنا معنى (نور على نور) أي نور من الله تعالى نزل على أنبياء الله و هم نور مخلوق من نور الله وبهذا النور يخرج الله تعالى الناس من الظلمات إلى النور في الدنيا  لقوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور – البقرة }

و في الآخرة  الآخرة لن يدخلو الجنة إلا بهذا النور كما في قوله تعالى عن المنافقين ليخرجوا من عذاب الله { ذرونا نقتبس من نوركم – الحديد } .

و الجن خلقهم الله تعالى من قبل من عنصري النار السموم ومارج النار أي لهبها وشعلتها لقوله تعالى {خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار – الرحمن 15} . ونار السموم كما في قوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ و الجان خلقناه من قبل من نار السموم – الججر 726-2 }

 وهنا ورد في بيان هذه الآية :

[ عن أبي بصير، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، أنه قال: أخبرني عن خلق آدم، كيف خلقه الله تعالى؟ قال: ” إن الله تعالى لما خلق نار السموم، و هي نار لا حر لها و لا دخان، فخلق منها الجان، فذلك معنى قوله تعالى: { وَٱلْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } و سماه مارجا، و خلق منه زوجه و سماها مارجة، فواقعها فولدت الجان، ثم ولد الجان ولدا و سماه الجن، و منه تفرعت قبائل الجن، و منهم إبليس اللعين، و كان يولد الجان الذكر و الأنثى، و يولد الجن كذلك توأمين، فصاروا تسعين ألفا ذكرا و أنثى، و ازدادوا حتى بلغوا عدة الرمال.

وتزوج إبليس بامرأة من ولد الجان يقال لها: لهبا بنت روحا بن سلساسل ، فولدت منه بيلقيس و طونة في بطن واحد، ثم شعلا و شعيلة في بطن واحد، ثم دوهر و دوهرة في بطن واحد، ثم شوظا و شيظة في بطن واحد، ثم فقطس و فقطسة في بطن واحد، فكثر أولاد إبليس (لعنة الله) حتى صاروا لا يحصون، و كانوا يهيمون على وجوههم كالذر، و النمل، و البعوض، و الجراد، و الطير، و الذباب. و كانوا يسكنون المفاوز و القفار، و الحياض، والآجام، والطرق، والمزابل، والكنف ، والأنهار، والآبار، والنواويس ، و كل موضع وحش، حتى امتلأت الأرض منهم. ثم تمثلوا بولد آدم بعد ذلك، و هم على صور الخيل، و الحمير، والبغال، والإبل، والمعز، والبقر، والغنم، و الكلاب، والسباع، والسلاحف.

فلما امتلأت الأرض من ذرية إبليس (لعنه الله) أسكن الله الجان الهواء دون السماء، و أسكن ولد الجن في سماء الدنيا، و أمرهم بالعبادة و الطاعة و هو قوله تعالى:{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ – الذاريات: 56 } – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وورد في تفسير القمي :

[ وقال هو أبو إبليس وقال الجن من ولد الجان منهم مؤمنون ومنهم كافرون ويهود ونصارى وتختلف أديانهم والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمن إلا واحد اسمه هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فرآه جسيماً عظيماً وامرء‌اً مهولاً فقال له من أنت؟ قال أنا هام بن هيم من لاقيس بن إبليس قال كنت يوم قتل هابيل غلاماً ابن أعوام أنهي عن الاعتصام وآمر بإفساد الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يا محمد! فقد جرت توبتي علي يد نوح ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع إبراهيم حيث أُلقي في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ولقد كنت مع موسى حين أغرق الله فرعون ونجى بني إسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها تبشرني بك والأنبياء يقرؤنك السلام ويقولون أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم فعلمني مما أنزل الله عليك شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام علمه فقال هام يا محمد إنَّا لا نطيع إلا نبياً أو وصي نبي فمن هذا؟ قال هذا أخي ووصيي ووزيري ووارثي علي بن أبي طالب قال : نعم نجد اسمه في الكتب ” إليا ” فعلمه أمير المؤمنين عليه السلام.- تفسير القمي ] .

وبالتالي خلق الله تعالى الجن من عنصري النار و لهبها الذي هو مارج النار  كما خلق الله تعالى جسد الانسان من طين وهو عنصر الماء والتراب .

فكلاهما خلقه الله تعالى لعبادته كما في قوله تعالى { وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق ما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } فمن آمن بالله تعالى ورسوله وتولى أهل بيته عليهم السلام من الإنس والجن عاملاً بما أمر الله تعالى في كتابه الكريم فهو على نور من ربه ولا يدخل الجنة أحداً إلا بهذا النور  الذي هو (نور على نور)

 و بهذا النور والماء يحي المؤمنون في  الجنة لأنها مادة الحياة في الحنة ولذلك يقول تعالى في النور  { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ – النساء 13 } .
 وقال تعالى في ماء الحياة { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ – الأعراف } وسنفصله فيما بعد  .
 ومن مات على ذلك الإيمان وذلك النور فهو من الذين سبقت لهم من الله تعالى الحسنى  فيتخطوا بإذن الله تعالى كل وعقبات وعذابات الموت و يوم القيامة كما تسير مواكب الكبراء والرؤساء ليخترق الجموع ولله المثل الأعلى من أول الموت والذي لا يشعرون بسكراته ولا يذوقون منه مشقة ولا عذاب قال تعالى في هؤلاء { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ  – الدخان 56 } وهؤلاء هم الذين استثناهم الله تعالى من مشقة مابعد الموت { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ – الزمر68 } .

فيدخلون في عوالم وأكون لا زمان فيها لا نهائية المكان وهى الجنة وبين التنقل بين جنة عدن والقيامة ثم ميراث الفردوس الأعلى لا يحزنهم فزع يوم القيامة لأسبقية الله تعالى واصطفاءه لهم فهم الذين استخلصهم الله تعالى كما في قوله تعالى {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولائك عنها مبعدون لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ – الأنبياء 103- 104} .

الفصل الثاني : مراحل خلق الإنسان (جسده ونفسه المركبة فيه)

1- خلق النفس قبل الجسد الإنساني وهى مركبة في داخل جسده (سوءته ) :

وكان لخلق النفس الإنسانية و تسويتها الأسبقية في الخلق قبل الأجساد من طينة الجنة أو النار لترفق بها وذلك مصداقاً لقوله تعالى

{ ونفس وما سواها – الشمس 7 }

وهنا :

(ونفس)

والنفس وتسويتها هنا كان قبل تسوية الجسد من طين فلما خلقها الله عز وجل وسواها ألهمها الكفر والإيمان والخير والشر تعرفه بغير وحي أو رسول قال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 7-8}

وهذه هى البصيرة التي وضعها الله عز وجل في نفس الإنسان وقال تعالى فيها { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره – القيامة 14-15 } وهذه البصيرة حتى عند عبدة الأصنام لأنه عندما كسر سيدنا إبراهيم أصنامهم وقال فاسئلوا كبيرهم إن كانوا ينطقون قال تعالى { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ– الأنبياء 58-65 } وهنا رجعوا إلى أنفسهم أي إلى بصيرتهم وميزان الحق الباطل الذي أودعه الله تعالى فيها .

ولذلك قال تعالى في هذه الأنفس إن كانت طيبة فهى نفس مطمئنة خلقت من طينة الجنة قال تعالى فيها { يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية – الفجر } فإن وقعت في المعاصي تابت وأنابت فهى النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على معصية الله تعالى وقد خلقت بخليط من طينة الأرض وطينة الجنة قال تعالى { فلا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة } وهناك أنفس السوء وهى التي خلقت من طينة جهنم قال تعالى فيها { إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي – يوسف } وجميع الأنفس هنا ألهمها الله تعالى فجورها وتقواها كما قلنا من قبل بغير كتاب ولا نبي .

وأما :

(وما سواها)

وهنا يبين تعالى أنه قد سوى الأنفس عز وجل قبل خلق الأجساد التي قد ركبت فيها ثم نفخ فيهما من روحه عز وجل كما في قوله تعالى هنا { ونفس وما سواها }

فقامت فقال تعالى في مرحلة تالية لخلق النفس وهى مرحلة خلق الجسد من طين و التي قال تعالى فيها  {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ -الحجر 28-30} . وهذه التسوية لأجساد بني آدم بعد الهبوط من الجنة أصبحت في أرحام الأمهات لقوله تعالى { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ – القيامة 37-40 }

ولفظ نفس يأتي على رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام في قوله تعالى { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين – آل عمران 61 } وهؤلاء هم أول الأنفس خلقاً وقد أقسم الله تعالى بها في قوله تعالى هنا { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 1-8 } هذه النفس هنا هى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله

ولذلك يقسم الله تعالى في كتابه الكريم بعمر رسوول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعممهون – الحجر 72 } وهنا [يقسم الخالق بمن يشاء وبما يشاء المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله, وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم  – التفسير الميسر ]

وقلنا فلما سوى الله تعالى الجسد وركب فيه النفس كان أول من خلق قبل نبي الله آدم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ثم أنبياء الله تعالى كل على قدر مكانته عند الله تعالى وأخذ منهم الميثاق للإيمان به ونصرته قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } وهذا الميثاق أبلغته كل أنبياء الله تعالى ورسله لقومهم ويوم القيامة يود من عصى الله تعالى رسوله لو تسوى به الأرض كما في قوله تعالى {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – النساء 41-42 } .

ثم يقول تعالى عن كل أنفس الخلق قبل الأجساد  :

{ فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 8 }

وهنا :

(فألهمها)

[ وألهمه الله الرشد : مكنه في قلبه وهداه إليه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والميم ] قال تعالى {فألهمها فجورها وتقواها } أي ألقى فيها إحساساً تفرق به بين الضلالة والهدى بين الخير والشر .

وأما :

(فجورها)

[ فَجَرَ يفجر فُجورًا، أي: فَسَقَ. وهذه المادة تدل على التَّـفَتُّح في الشَّيء، ومنه: انفجَرَ الماء انفجارًا: تفتَّحَ. والفُجْرَة: موضع تفتُّح الماء. ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجورًا؛ ولذلك سُمِّي الكَذِب فجورًا. ثمَّ كثُر هذا حتَّى سُمِّي كلُّ مائلٍ عن الحقِّ فاجرًامعنى الفُجُور اصطلاحًا:قال الجرجاني: (الفُجُور: هو هيئةٌ حاصلةٌ للنَّفس بها يُـبَاشر أمورًا على خلاف الشَّرع والمروءة) وقيل: الفُجُور بمعنى: الانبعاث في المعاصي والتوسع فيهاوقيل: الفُجُور: الميْلُ عن الحقِّ إلى الباطلوقيل: الفُجُور: اسم جامع لكلِّ شرٍّ، أي: الميْل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصي – ] .

[ والفجر : أصله الشق ] قال تعالى { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر – البقرة 187 } . والفاجر عكس التقي و الفاجر الخارج على طاعة الله تعالى الشاق لشريعته من كفار ومنافقين وعصاه قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } أي أن الله تعالى ألهم كل نفس حين خلقها وسواها بالخير والشر قال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها }.

وأما :

(تقواها)

والتقوى العمل الصالح واجتناب ماحرم الله تعالى كما في قوله عز وجل { وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197 } ولذلك كان يقول الإمام علي عليه السلام في تعريفها : [ ” التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ” ] . والتقوى كعمل صالح وهو الخير كذلك الفجور وفيه الشر ألهم الله تعالى كل نفس فجورها وتقواها بغير نبي وبغير كتاب منزل حتى لا يكون لها حجة عند الله يوم القيامة قال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها } .

وعمر هذه النفس منذ بداية الخلق وتنتهي بنفخة الصعق ومسكنها جنة عدن بالسماوات وهؤلاء هم سكان السماء ومن كان فيها من المؤمنين لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم القيامة فقد استثناهم من العذاب وأهوال يوم القيامة بإيمانهم وأسبقية الحسنة له تعالى فيهم قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ  -الأنبياء 101-106 } ولذلك يقول تعالى في نفس نبي الله يونس عليه السلام إذا مات ببطن الحوت للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قال تعالى { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون – الأنبياء} وهذا  يؤكد امتداد أعمار الأنفس الإنسانية المركبة وكانت تحوي سوءة لا يعلمها أحد غير الله تعالى والشهود ومنهم إبليس لعنه الله لذلك قال تعالى { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – طه 20} .

2-كل بني آدم خلقهم الله تعالى جميعاً دفعة واحدة : قال تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا – الأعراف 11 }

فسجد من سجد لآدم وأبى من أبى .

ولقد عاش كل هؤلاء الخلق من بني آدم في جنة عدن ومعهم إبليس ثم أنذرهم الله عز وجل بأن هذا عدو له ولزوجه وحينها سيطرد من الجنة للشقاء و العناء في الأرض و المكابدة قال تعالى : { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ  – طه 117-123} .

وهذا الخلق منذ الخلق الأول وحتى الآخر ويوم القيامة و البعث ماهو إلا كما يخلق الله تعالى نفساً واحدة ولذلك قال تعالى {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ – لقمان 28 } . يقول الطبري في تفسيره هنا : [ ما خلقكم أيها الناس ولا بعثكم على الله إلا كخلق نفس واحدة وبعثها، وذلك أن الله لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع منه شيء شاءه إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فسواء خلق واحد وبعثه، وخلق الجميع وبعثهم – تفسير الطبري ] .

وذلك لأن الأمر عند الله تعالى خلق الخلق بكن فكان بل هو أقرب قال تعالى {  إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ – سورة يس آية 82  } .

أي أنه تعالى خلق كل بني آدم حاضراً معهم إبليس والجن خلقوا جميعا كما يخلق الله تعالى نفساً واحدة قال تعالى لذلك : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا – الأعراف 11 } وهذا لم يعيي الله تبارك وتعالى كما في قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – الأحقاف 33}

3- مرحلة خلق الجسد وسوءته من طين : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ –  طه 55 }

قال تعالى :

 : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ –  طه 55 }

ورد في تفسير البرهان :

 [ محمد بن يعقوب : عن علي بن محمد بن عبد الله، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ” دخل عبد الله بن قيس الماصر على أبي جعفر (عليه السلام) – الحديث، و فيه – إن الله تعالى خلق خلاقين ، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال الله في كتابه: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } ، فعجنوا النطفة بتلك التربة التي يخلق منها، بعد أن أسكنها الرحم أربعين ليلة، فإذا تمت لها أربعة أشهر، قالوا: يا رب، نخلق ماذا؟ فيأمرهم بما يريد، من ذكر أو أنثى، أبيض أو أسود، فإذا خرجت الروح من البدن، خرجت هذه النطفة بعينها منه، كائنا ما كان، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، فلذلك يغسل الميت غسل الجنابة “.

ابن بابويه، قال: حدثني الحسين بن أحمد (رحمه الله)، عن أبيه ، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن حماد، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الميت، لم يغسل غسل الجنابة؟ قال: ” إن الله تبارك و تعالى أعلى و أخلص من أن يبعث الأشياء بيده، إن لله تبارك و تعالى ملكين خلاقين، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر أولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله عز و جل في كتابه: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } ، فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم، فإذا عجنت النطفة بالتربة، قالا: يا رب، ما نخلق؟- قال-: فيوحي الله تبارك و تعالى إليهما ما يريد، ذكرا أو أنثى، مؤمنا أو كافرا، أسود أو أبيض، شقيا أو سعيدا، فإذا مات سالت عنه تلك النطفة بعينها، لا غيرها، فمن ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

  • وفي تفسير الدر المنثور للسيوطي :
[أخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن عطاء الخراساني قال: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه، فيذره على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة، وذلك قوله منها خلقناكم وفيها نعيدكم.

وأخرج أحمد والحاكم، عن أبي أمامة قال  :  لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } ” بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله “.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: { تارة أخرى } قال مرة أخرى. – تفسير الدر المنثور ] .

  وهذا الجسد المخلوق من طين الذي خلق منه البشر أطلق عليه القرآن الكريم سوءة وقد كانت مختفية بين جنبات هذا الجسد الذي يعيش به بني آدم في الجنة وقد بدت أي ظهرت بعد اختفاء كما في قوله تعالى { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ  قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ  – طه 121-123} .

وبالتالي الجسد الإنساني نفسه يمكن أن نكشف بداخله إنساناً آخر وهى نفسه ونزل للدنيا بالاثنين معا أحدهما بداخل الآخر إن نزل للدنيا توفى واختفى من جنة عدن فإن ماتت السوءة خرجت منها نفسها وهو الإنسان الآخر إلى جنة عدن أو يسجن في الأرض فلا تصعد روحه ولا يرفع له عمل من أعماله كما في قوله تعالى { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط – الأعراف }

ورد في تفسير قوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } وبيان رفع أرواح المؤمنين في عليين وحبس أرواح الكافرين في سجين بالأرض السفلى بعد سؤال الملكين  :

[ أخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب رضي الله عنه في قول الله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } قال: ذلك في القبر، إن كان صالحاً وفق، وإن كان لا خير فيه وجد أثلة.

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد بن حنبل وهناد بن السري في الزهد، وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في كتاب عذاب القبر، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ” ” خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر، ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله – وكأن على رؤوسنا الطير – وفي يده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال:استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر. ثم يجيء ملك الموت، ثم يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. قال: فتخرج… تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، وإن كنتم ترون غير ذلك، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟… فيقولون: فلان ابن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى تنتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى. فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإِسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدّقت. فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك… هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير. فيقول له: أنا عملك الصالح. فيقول: رب أقم الساعة… رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي.

قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح. فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها. فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح. ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض. فيصعدون بها… فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة. إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟!… فيقولون: فلان ابن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا. حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له.

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء – الأعراف: 40}   فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى. فتطرح روحه طرحاً.

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق – الحج: 31}  فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه… هاه؟!… لا أدري. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه… هاه؟!… لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول: هاه… هاه… لا أدري. فينادي مناد من السماء، أن كذب عبدي، فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار. فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك… هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول: من أنت؟!… فوجهك الوجه يجيء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة  “.- تفسير الدر المنثور ]

وفي تفسير البرهان :

[ عن محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم ابن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ” ان المؤمن إذا اخرج من بيته شيعته الملائكة الي قبره، يزدحمون عليه، حتى إذا انتهي به الى قبره، قالت له الأرض: مرحبا بك و أهلا، اما و الله لقد كنت أحب ان يمشي علي مثلك، لترين ما اصنع بك. فيوسع له مد بصره، و يدخل عليه في قبره ملكا القبر و هما قعيدا القبر: منكر و نكير، فيلقيان فيه الروح الي حقويه ، فيقعدانه و يسألانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: الله. فيقولان: ما دينك؟ فيقول: الإسلام. فيقولان: و من نبيك؟ فيقول: محمد (صلى الله عليه و آله). فيقولان: و من امامك؟ فيقول: فلان – قال – فينادي مناد من السماء: صدق عبدي، افرشوا له في قبره من الجنة، و افتحوا له في قبره بابا الي الجنة، و البسوه من ثياب الجنة، حتى يأتينا و ما عندنا خير له، ثم يقال له: نم نومة العروس، لا حلم فيها.

قال: و ان كان كافرا خرجت الملائكة تشيعه الى قبره يلعنونه، حتى إذا انتهى به الى قبره، قالت له الأرض: لا مرحبا بك و لا أهلا، اما و الله لقد كنت ابغض ان يمشي علي مثلك، لا جرم لترين ما اصنع بك اليوم. فتضيق عليه حتى تلتقي جوانحه- قال- ثم يدخل عليه ملكا القبر، و هما قعيدا القبر: منكر و نكير “. قال ابو بصير: جعلت فداك، يدخلان علي المؤمن و الكافر في صورة واحدة؟ فقال: ” لا “.

قال: ” فيقعدانه فيلقيان فيه الروح الي حقويه، فيقولان له: من ربك؟ فيتلجلج، و يقول: قد سمعت الناس يقولون. فيقولان له: لا دريت. و يقولان له: ما دينك؟ فيتلجلج، فيقولان له: لا دريت. و يقولان له: من نبيك؟ فيقول:

قد سمعت الناس يقولون، فيقولان له: لا دريت. و يسألانه عن امام زمانه- قال-: فينادي مناد من السماء: كذب عبدي، افرشوا له في قبره من النار، و البسوه من ثياب النار، و افتحوا له بابا الى النار، حتى يأتينا، و ما عندنا شر له، فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات، ليس منها ضربة الا يتطاير قبره نارا، لو ضربت بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما “.

و قال ابو عبد الله (عليه السلام): ” و يسلط الله عليه في قبره الحيات تنهشه نهشا، و الشيطان يغمه غما – قال – و يسمع عذابه من خلق الله الا الجن و الإنس- قال- و انه ليسمع خفق نعالهم و نفض أيديهم، و هو قول الله عز و جل:

{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ }  “.– البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

4-   الخلق من طينة الأرض على اختلاف ألوانهم و المؤمن من طينة الجنة :

[ روى الصدوق عن ابن سلام أنه قيل للنبي (صلى الله عليه وآله) :”خلق آدم من الطين كله أو من طين واحد؟؟؟” قال النبي:”بل من الطين كله ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بغضهم بعضاً وكانوا على صورة واحدة…”وعن أمير المؤمنين(عليه السَّلام):”ان الله تبارك وتعالى بعث جبرائيل (عليه السَّلام) وأمره أن يأتيه من أديم الأرض بأربع طينات طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء  – فاختلاف لون الطينة يأتي منه اختلاف لون بشرة الأنسان— ثم أمر الله جبرائيل أن يأتيه بأربع مياه ماء عذب وماء ملح وماء مر وماء منتن ثم أمره أن يفرغ الماء في الطين… فجعل الماء العذب في حلقه (ليسوغ له أكل الطعام)؛ والماء المالح في عينيه (للأبقاء على شحمة العين لأن الشحم يبقى اذا وضع عليه الماء)؛ وجعل الماء المر في أذنيه (لئلا تهجم الهوام على الدماغ)؛ وجعل الماء المنتن في أنفه…” –الكافي للكليني ج2 ص 3  ] .

[عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله خلق المؤمن من طينة الجنة، وخلق الناصب من طينة النار، وقال: إذا أراد الله بعبد خيرا طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئا من الخير إلا عرفه، ولا يسمع شيئا من المنكر إلا أنكره .

قال: وسمعته يقول: الطينات ثلاثة: طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة، إلا أن الأنبياء هم صفوتها وهم الأصل ولهم فضلهم، والمؤمنون الفرع من طين لازب كذلك لا يفرق الله بينهم وبين شيعتهم، وقال: طينة الناصب من حمأ مسنون، وأما المستضعفون فمن تراب، لا يتحول مؤمن عن إيمانه، ولا ناصب عن نصبه ولله المشية فيهم جميعا .

بيان: الظاهر أن الضمير في قوله عليه السلام: ” فيهم ” راجع إلى الجميع، و يحتمل رجوعه إلى المستضعفين لأنه عليه السلام لما ذكر حال الفريقين فالظاهر أن هذا حال الفريق الثالث، لكن قوله: ” جميعا ” يأبى عن ذلك، وليس في الكافي، ولعله زيد من النساخ.

ثم اعلم أن هذا الخبر يدل على وجه جمع بين الآيات الواردة في طينة آدم عليه السلام ووصفها مرة باللازب، ومرة بالحمأ المسنون، ومرة بالطين مطلقا بأن تكون تلك الطينات أجزاء لطينة آدم بسبب الاختلاف الذي يكون في أولاده، فاللازب طينة الشيعة، من لزب بمعنى لصق، لأنها تلصق وتلحق بطينة أئمتهم عليهم السلام، أو بمعنى صلب، فإنهم المتصلبون في دينهم، والحمأ المسنون أي الطين الأسود المتغير المنتن طينة الكفار والمخالفين، والطين البحث طينة المستضعفين، وقد مر القول في تلك الأخبار في كتاب العدل وكتاب قصص الأنبياء عليهم السلام.– البحار ج 25 ص 9 ] .

 

[ عن عبد الله بن الحسن عن جده الحسن بن علي عليه ‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌ وآله : إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد وألين من الزبد وأبرد من الثلج وأطيب من المسك ، فيها طينة خلقنا الله عز وجل منها ، وخلق شيعتنا منها فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا وهي الميثاق الذي أخذ الله عز وجل على ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، قال عبيد : فذكرت لمحمد بن الحسين هذا الحديث فقال : صدقك يحيى بن عبد الله هكذا أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال عبيد : قلت : أشتهي أن تفسره لنا إن كان عندك تفسير ؟ قال : نعم أخبرني أبي عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : إن لله ملكا رأسه تحت العرش وقدماه في تخوم الأرض السابعة السفلى ، بين عينيه راحة أحدكم فإذا أراد الله عز وجل أن يخلق خلقا على ولاية علي بن أبي طالب عليه ‌السلام أمر ذلك الملك فأخذ من تلك الطينة فرمي بها في النطفة حتى تصير إلى الرحم ، منها يخلق وهي الميثاق . – مرآة العقول – كتاب الايمان – باب طينة المؤمن والكافر ] .

وجاء الخلق مختلفاً ألوانهم وأشكالهم حسب الطينة الأرضية التي خلقوا منها وسوءاتهم نزلت مع خروجهم من بطون أمهاتهم :

[ عن أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وآله ” إن اللهَ خلَقَ آدمَ مِن قبضةٍ قَبَضَها مِن جميعِ الأرضِ ، فجاءَ بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ : جاء منهم الأحمرُ ، والأبيضُ ، والأسودُ ، وبينَ ذلك ، والسَّهْلُ ، والحَزْنُ ، والخبيثُ ، والطيِّبُ ”  – صحيح أبي داود  ] .

5- أعمار أجساد بني آدم (السوءة التي برزت ويعيشون بها في الحياة الدنيا)

 اعلم أخي المسلم أن الإنسان يعيش في هذا العالم وبين العوالم بجسدين علوي من طين وسوءة أو جسد طيني ونفسه المخلوقة من طينة الجنة أو النار وكلاهما له عمر محدد فأعمار السوءة التي برزت بعدماأكل نبي الله آدم و زوجه من الشجرة تعيش مابين الستيين والمائة وقد يمد لها الله في العمر قليلا ولكن أطول أعمار بني آدم كان سيدنا نوح عليه السلام الذي قال تعالى فيه { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما – العنكبوت 14} .

ويقول صلى الله عليه وآله [ أعمار أمتي بين الستين والسبعين ] . وقد تمتد أعمار أهل بيت النبي عليهم السلام إلى ما حول المائة عام ويقول تعالى هنا في هذه الأعمار أنها تطول بطاعة الله وبر الوالدين وصلات الرحام وتنقص بعصيان الله وقطع الرحام لذلكك يقول تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – فاطر 11 } . وهذا هو عمر السوءة التي يعيش بها الإنسان على الأرض قبل أن تخرج منها نفسه أو جسده الطيني العلوي الذي كان يعيش به في جنة عدن كما بينا .

والجن ينطبق عليه من السنن نفس ما ينطبق على بني آدم كما قلنا عن تحور جسد إبليس ليعيش بجسد يتناسب مع طرده من الجنة وبالتالي له سوءة برزت بعد طرده إلى الأرض ماتت ولكن نفسه الأصلية المخلوقة من النار مازالت حية وتعيش في الأرض و لا تصعد إلى السماء لا هو ولا أي أحداً من حزبه ومن كان مسلماً من الجن فهو الذي ينطبق عليه من السنن مانطبق على الإنس من فتح أبواب السماء والسكنى بجنة عدن كما بينا .

والجن :

ينطبق عليه من السنن نفس ما ينطبق على بني آدم كما قلنا عن تحور جسد إبليس ليعيش بجسد يتناسب للمعيشة على الأرض بعد طرده وهبوطه ونبي الله آدم وزوجه عليهما السلام من الجنة و بالتالي له وللجن أيضاً من ذريته سوءة برزت بعد الطرد إلى الأرض ولها أعمار كأعمار بني آدم وقد تطول أو تقصر وولكن أجسادهم تموت وتصعد ايضاً أنفس المؤمنين للجنة كبني آدم وذلك لأن القرآن الكريم للثقلين الإنس والجن وسنن الله عليهما واحدة ومن كان منهم كافراً سجن في سجين بالأرض وبرهوت ولا تصعد نفسه ولا روحه إلى السماء وبالتالي أنفسهم الأصلية قبل الهبوط إلى الأرض و المخلوقة من النار مازالت حية و تعيش مؤمنها في جنة عدن وكافرها مسجون بالأرض كما بينا .

(6) أعمار الأجساد الإنسانية أو (السوءات) و أنفسها المركبة فيها (أعمار الجسدين العلوي والسفلي)

أولاً :

 العمر الزمني للسوءة التي برزت ويعيش بها الإنسان على الأرض :

اعلم أخي المسلم أن الإنسان يعيش في هذا العالم وبين العوالم بجسدين علوي من طين وسوءة أو جسد طيني ونفسه المخلوقة من طينة الجنة أو النار وكلاهما له عمر محدد فأعمار السوءة التي برزت بعدماأكل نبي الله آدم و زوجه من الشجرة تعيش مابين الستيين والمائة وقد يمد لها الله في العمر قليلا ولكن أطول أعمار بني آدم كان سيدنا نوح عليه السلام الذي قال تعالى فيه { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما – العنكبوت 14} .

ويقول صلى الله عليه وآله [ أعمار أمتي بين الستين والسبعين ] . وقد تمتد أعمار أهل بيت النبي حول المائة عام ويقول تعالى هنا في هذه الأعمار أنها تطول بطاعة الله وبر الوالدين وصلات الرحام وتنقص بعصيان الله وقطع الرحام لذلكك يقول تعالى { وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – فاطر 11 } . وهذا هو عمر السوءة التي يعيش بها الإنسان على الأرض قبل أن تخرج منها نفسه أو جسده الطيني العلوي الذي كان يعيش به في جنة عدن كما بينا .

والجن ينطبق عليه من السنن نفس ما ينطبق على بني آدم كما قلنا عن تحور جسد إبليس ليعيش بجسد يتناسب مع طرده من الجنة وبالتالي له سوءة برزت بعد طرده إلى الأرض ماتت ولكن نفسه الأصلية المخلوقة من النار مازالت حية وتعيش في الأرض ولا تصعد إلى السماء لا هو ولا أي أحداً من حزبه ومن كان مسلماً من الجن فهو الذي ينطبق عليه من السنن مانطبق على الإنس من فتح أبواب السماء والسكنى بجنة عدن كما بينا .

ثانياً :

 عمر النفس الإنسانية أو الجسد الطيني العلوي المركب داخل جسد الإنسان او سوءته :

وكان لخلق النفس الإنسانية و تسويتها الأسبقية في الخلق قبل الأجساد من طينة الجنة أو النار لترفق بها وذلك مصداقاً لقوله تعالى { ونفس وما سواها – الشمس 7 }

وهنا :

(ونفس)

والنفس وتسويتها هنا كان قبل تسوية الجسد من طين فلما خلقها الله عز وجل وسواها ألهمها الكفر والإيمان والخير والشر تعرفه بغير وحي أو رسول قال تعالى { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 7-8}

وهذه هى البصيرة التي وضعها الله عز وجل في نفس الإنسان وقال تعالى فيها { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره – القيامة 14-15 } وهذه البصيرة حتى عند عبدة الأصنام لأنه عندما كسر سيدنا إبراهيم أصنامهم وقال فاسئلوا كبيرهم إن كانوا ينطقون قال تعالى { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ– الأنبياء 58-65 } وهنا رجعوا إلى أنفسهم أي إلى بصيرتهم وميزان الحق الباطل الذي أودعه الله تعالى فيها .

ولذلك قال تعالى في هذه الأنفس إن كانت طيبة فهى نفس مطمئنة خلقت من طينة الجنة قال تعالى فيها { يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية – الفجر } فإن وقعت في المعاصي تابت وأنابت فهى النفس اللوامة التي تلوم صاحبها على معصية الله تعالى وقد خلقت بخليط من طينة الأرض وطينة الجنة قال تعالى { فلا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة } وهناك أنفس السوء وهى التي خلقت من طينة جهنم قال تعالى فيها { إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي – يوسف } وجميع الأنفس هنا ألهمها الله تعالى فجورها وتقواها كما قلنا من قبل بغير كتاب ولا نبي .

وأما :

(وما سواها)

وهنا يبين تعالى أنه قد سوى الأنفس عز وجل قبل خلق الأجساد التي قد ركبت فيها ثم نفخ فيهما من روحه عز وجل كما في قوله تعالى هنا { ونفس وما سواها }

فقامت فقال تعالى في مرحلة تالية لخلق النفس وهى مرحلة خلق الجسد من طين و التي قال تعالى فيها  {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ -الحجر 28-30} . وهذه التسوية لأجساد بني آدم بعد الهبوط من الجنة أصبحت في أرحام الأمهات لقوله تعالى { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ – القيامة 37- 40 }

ولفظ نفس يأتي على رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام في قوله تعالى { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين – آل عمران 61 } وهؤلاء هم أول الأنفس خلقاً وقد أقسم الله تعالى بها في قوله تعالى هنا { والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 1-8 } هذه النفس هنا هى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله

ولذلك يقسم الله تعالى في كتابه الكريم بعمر رسوول الله صلى الله عليه وآله في قوله تعالى { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعممهون – الحجر 72 } وهنا [يقسم الخالق بمن يشاء وبما يشاء المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله, وقد أقسم الله تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم  – التفسير الميسر ]

وقلنا فلما سوى الله تعالى الجسد وركب فيه النفس كان أول من خلق قبل نبي الله آدم هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ثم أنبياء الله تعالى كل على قدر مكانته عند الله تعالى وأخذ منهم الميثاق للإيمان به ونصرته قال تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } وهذا الميثاق أبلغته كل أنبياء الله تعالى ورسله لقومهم ويوم القيامة يود من عصى الله تعالى رسوله لو تسوى به الأرض كما في قوله تعالى {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – النساء 41-42 } .

ثم يقول تعالى عن كل أنفس الخلق قبل الأجساد  :

{ فألهمها فجورها وتقواها – الشمس 8 }

وهنا :

(فألهمها)

[ وألهمه الله الرشد : مكنه في قلبه وهداه إليه – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والميم ] قال تعالى {فألهمها فجورها وتقواها } أي ألقى فيها إحساساً تفرق به بين الضلالة والهدى بين الخير والشر .

وأما :

(فجورها)

[ فَجَرَ يفجر فُجورًا، أي: فَسَقَ. وهذه المادة تدل على التَّـفَتُّح في الشَّيء، ومنه: انفجَرَ الماء انفجارًا: تفتَّحَ. والفُجْرَة: موضع تفتُّح الماء. ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجورًا؛ ولذلك سُمِّي الكَذِب فجورًا. ثمَّ كثُر هذا حتَّى سُمِّي كلُّ مائلٍ عن الحقِّ فاجرًامعنى الفُجُور اصطلاحًا:قال الجرجاني: (الفُجُور: هو هيئةٌ حاصلةٌ للنَّفس بها يُـبَاشر أمورًا على خلاف الشَّرع والمروءة) وقيل: الفُجُور بمعنى: الانبعاث في المعاصي والتوسع فيهاوقيل: الفُجُور: الميْلُ عن الحقِّ إلى الباطلوقيل: الفُجُور: اسم جامع لكلِّ شرٍّ، أي: الميْل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصي – ] .

[ والفجر : أصله الشق ] قال تعالى { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر – البقرة 187 } . والفاجر عكس التقي و الفاجر الخارج على طاعة الله تعالى الشاق لشريعته من كفار ومنافقين وعصاه قال تعالى { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } أي أن الله تعالى ألهم كل نفس حين خلقها وسواها بالخير والشر قال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها }.

وأما :

(تقواها)

والتقوى العمل الصالح واجتناب ماحرم الله تعالى كما في قوله عز وجل { وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197 } ولذلك كان يقول الإمام علي عليه السلام في تعريفها : [ ” التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل ” ] . والتقوى كعمل صالح وهو الخير كذلك الفجور وفيه الشر ألهم الله تعالى كل نفس فجورها وتقواها بغير نبي وبغير كتاب منزل حتى لا يكون لها حجة عند الله يوم القيامة قال تعالى { فألهمها فجورها وتقواها } .

وعمر هذه النفس منذ بداية الخلق وتنتهي بنفخة الصعق ومسكنها جنة عدن بالسماوات وهؤلاء هم سكان السماء ومن كان فيها من المؤمنين لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم القيامة فقد استثناهم من العذاب وأهوال يوم القيامة بإيمانهم وأسبقية الحسنة له تعالى فيهم قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ  -الأنبياء 101-106 } ولذلك يقول تعالى في نفس نبي الله يونس عليه السلام إذا مات ببطن الحوت للبث في بطنه إلى يوم يبعثون قال تعالى { فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون – الأنبياء} وهذا  يؤكد امتداد أعمار الأنفس الإنسانية المركبة وكانت تحوي سوءة لا يعلمها أحد غير الله تعالى والشهود ومنهم إبليس لعنه الله لذلك قال تعالى { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – طه 20} .

 

الفصل الثالث :

  الأطوار الأربعة لخلق الثقلين من العدم حتى رجوعهم إلى الجنة من خلال قوله تعالى (الذي خلق الموت الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) :

  • (أ) النشأة الأولى (هو الذي خلق الموت والحياة) :

الأطوار الأربعة للثقلين بين مرحلة العدم ثم خلق أنفسهم من النور و النار وهى النشأة الأولى ثم الهبوط إلى الأرض في النشأة الثاية في الحياة الدنيا بعد دخولها لأجسادهم في الدنيا ثم الطور الثالث في خلق جديد فيما لا يعلمه الخلق (الذي خلق الموت والحياة )

أطوار الإنس والجن بين الحياة والموت بينها الله تعالى في قوله عز وجل { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا – الملك 2 }

وهنا بين الدنيا والآخرة وبين هذين الكونين المتداخلين بين السماء و الأرض ظاهرهما وباطنهما  كما بينا يعيش الإنس والجن في أطواراً بين الحياة و الموت والإنتقال بين العوالم والأكوان قال قال تعالى في ذلك : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا – الملك 2 } .

  • يقول تعالى

 { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا – الملك2 }

وهنا :

(الذي خلق)

وهذه الآية تبين أن الموت مخلوق والحياة أيضاً مخلوق يتنقل الإنسان في أطوار بينهما قال تعالى { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا – نوح  13-14 } وهذه الأطوار فضلاً عن كونها أطوار في بطون الأمهات بين النطفة والمضغة والعلقة إلا أن خلق الإنسان له أطوار أخرى من العدم وحتى الهبوط إلى الحياة الدنيا كما سنبين   .

الطور الأول :

منها قال تعالى فيه { وهو خلقكم أول مرة و إليه ترجعون – فصلت 21 } وهذا الخلق في طوره أول مرة يعني هناك ثاني مرة وثالث مرة في النشأة الآخرة  قال تعالى { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا – نوح 14}

  • وطوره بدأه الله تعالى من العدم من لا شيئ :

خلق الله تعالى بني آدم وكل خلقه قبل هذا الطور الأول قبل هذه المرحلة من الدهر لم يكن فيها الإنسان أي شيئاً مذكوراَ لأنه خلق من العدم وعلى غير مثال أو تقليد لمخلوق خلقته إلهةآخرى  كما في قوله تعالى { هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا – الإنسان 1 } ولذلك يقول تعالى عن نبي الله زكريا والأنبياء من قبله عليهم السلام { قال ربي أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيا قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا – مريم  8-9 }

فلما أصبح شيئاً مذكورا خلقه من ماء وطين خلط بهما شيئ لا يعلمه إلا الله تعالى ثم نفخ فيه من روحه تعالى فأصبح خلقاً يسعى وقد أعد له جنة عدن كما قلنا من قبل في قوله تعالى { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا – مريم 61-62 }

قال تعالى في خلق كل المخلوقات بأنواعها { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – النور 45  } . وقال تعالى { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا – الفرقان 54 }

ثم بين تعالى خلق بني آدم خاصة من طين وهو خليط من الماء كما في قوله تعالى { وجعلنا من الماء كل شيئ حي } وقد خلطه الله عزوجل بالتراب كما في قوله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ – الروم20 }

ثم قضى في هذه المرحلة آجال العباد كما في قوله تعالى { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ – الانعام 2 }

ثم  تحول الطين إلى صلصال كالفخار وهو الوارد ذكره في قوله عز وجل { خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ- الرحمن 14 } [ وصلصال : بمعنى الطين الجاف قبل أن تصيبه النار ويصير فخاراً وخزفاً فهو طين يابس – معجم ألفاظ القرآن باب الصاد فصل اللام والصاد واللام ] و  قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ – الحجر 26  }

وفي هذه المرحلة وهذا الطور من خلق الإنسان من ماء وتراب وتحولهما إلى طين لازب { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ – الصافات 11 } [ وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء – تفسير الطبري ]

ثم أضيف إليه في هذه المرحلة عامل ثالث و شيئاً آخر غير الروح احتكره الله تعالى لنفسه كسر من أسرار الصنعة الإلهية لهذا الإنسان المخلوق المعجزة المكرم على جميع المخلوقات قال تعالى فيه { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ – يس 36 }

وفي هذه المرحلة أو في هذا الطور من الخلق قد أعد الله تعالى للإنسان جنة عدن بما فيها مما يحتاجه في حياته بجنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض قال تعالى { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا – مريم 61-62 } وهنا بكرة وعشيا تؤكد أنها جنة الحياة الدنيا لأن بكرة وعشيا ورد ذكرهما في قوله تعالى عن فرعون { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ – غافر 46 } .

وفي هذا الطور من الخلق خلق الله تعالى لآدم زوجته لتؤنسه في حياته الدنيا وتعاونه على طاعة الله تعالى وفي أمور الدنيا و جعل الله تعالى بينهما مودة ورحمة بحيث لا تسكن نفسيهما إلا معاً قال تعالى :{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – الروم 21  }  .

وقد أعد الله تعالى هذا الكون وهيئه من قبل خلق آدم عليه السلام وأعد لبني آدم كل ما يحتاجونه في كون خارج هذا الكون قال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – الاعراف 54  }

ونقول خارج هذا الكون أو هذا الكون اللا نهائي بوابة للعالم الآخر لأنه قال تعالى في هذه السماوات اللا نهائة { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } أي أن هذه هى سماء وأرض الدنيا التي هبط فيها آدم وزوجه وإبليس من الجنة .

ثم ورفع الله تعالى هذه السماوات بغير عمد ترى بالعين كما في قوله تعالى { خلق السماوات بغير عمد ترونها – لقمان 10 } وقال تعالى أيضاً  { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ – الرعد 2 } .

وهذه السماوات سبع سماوات طباقاً قال تعالى فيها :{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ – الملك 3   }.

وفي هذه السماء قدر الله تعالى فيها الزمن وساعات الليل و النهار في اثنتى عشرا شهراً ليعلم عدد السنين والحساب قال تعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ – التوبة 36 }

(ب) ثلاث أوامر إلهية أمر الله تعالى عبادة بها في جنة عدن قبل هبوط آدم وزوجه عليهما السلام :

وفي هذا الطور من الخلق حذره الله تعالى وزوجته من أمور ثلاث يتعبدون بها لله تعالى :

  • عبادة الله تعالى لقوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – الذاريات 56 }
  • حذره الله تعالى من أن يأكلا من الشجرة .{ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – البقرة 35 }

التحذير من إبليس لأنه عدو له ولزوجه وإن أطاعه فسيخرجه من الجنة فيشقى قال تعالى { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ– طه 117-123  } .

وفي هذه المرحلة أو في هذا الطور من الخلق كان الإنسان قد أعد الله تعالى له جنة عدن بما فيها مما يحتاجه في حياته بجنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض قال تعالى { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا – مريم 61-62 } .

وهنا بكرة وعشيا تؤكد أنها جنة الحياة الدنيا لأن بكرة وعشيا ورد ذكرهما في قوله تعالى عن فرعون { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ – غافر 46 } .

وفي هذا الطور من الخلق خلق الله تعالى لآدم زوجته لتؤنسه في حياته الدنيا وتكون معينة له على طاعة الله وعلى أعباء الحياة الدنيا وجعل الله تعالى بينهما مودة ورحمة بحيث لا تسكن نفسيهما إلا معاً قال تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – الروم 21  } .

وقد هيئ الله تعالى هذا الكون وهذه الدنيا من حولنا لهذا الإنسان قبل هبوطه إلى الأرض وأعد له كل ما يحتاحه بعد الهبوط إلى الأرض التي نعيش فيها الآن قال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ – الاعراف 54  }

وقدر فيها الزمن وساعات الليل والنهار في اثنتى عشرا شهراً يعرفهم الإنسان بالشمس والقمر وليعلم عدد السنين والحساب قال تعالى { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ – التوبة 36 } ورفع الله تعالى هذه السماوات بغير عمد ترى بالعين كما في قوله تعالى { خلق السماوات بغير عمد ترونها – لقمان 10 } وقال تعالى أيضاً  { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ – الرعد 2 } . وهذه السماوات سبع سماوات طباقاً قال تعالى فيها :{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ – الملك 3   }.

(ب) ثلاث أوامر لله تعالى أمر بها خلقه في جنة عدن قبل هبوط آدم وزوجه إلى الأرض :

وفي هذه المرحلة وهذا الطور في خلق الإنسان من ماء وتراب وتحولهما إلى طين لازب قال تعالى { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ – الصافات 11 } [ وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء – تفسير الطبري ] أضيف إليه في هذه المرحلة عامل ثالث وشيئاً آخر غير الروح احتكره الله تعالى لنفسه كسر من أسرار الصنعة الإلهية لهذا الإنسان المخلوق المعجزة المكرم على جميع المخلوقات قال تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ – يس 36 } وهذه النشأة فيما لا يعلم أحد قال تعالى { وننشأكم فيما لا تعلمون } وفيها أعد الله تعالى للناس ملا يعلمون لقوله تعالى  { فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاءا بما كانوا يعملون } .

ولذلك قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما : [ لا يعرف من فاكهة الجنة إلا الأسماء فقط .. الحديث ] .

ثم نفخ فيه من روحه تعالى وأسكنه جنات عدن كما في قوله تعالى { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا – مريم 61-62 } و كان قد خلق عز وجل الجان من قبل كما بينا لقوله تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } .

وفي هذا الطور من الخلق حذره الله تعالى و زوجته من أمور ثلاث يتعبدون بها لله تعالى :

(1) عبادة الله تعالى لقوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ – الذاريات 56 } .

(2) حذره الله تعالى من أن يأكلا من الشجرة { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ – البقرة 35  }

(3) التحذير من إبليس لأنه عدو له ولزوجه لأنه ابى السجود لآدم وهو بين الماء والطين حيث لم يشهد  أمر الله تعالى له بالسجود فكان جسده مازال لم ينفخ فيه الروح قال تعالى { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ– طه 117-123  } .

والسؤال هنا لما هبطوا إلى الأرض كيف التقى الثلاثة إلا إذا كانوا يبحثون جميعاً عن بعضهم بعضا ولما هبطوا إلى الأرض حدث التحور و الإختفاء لإبليس كما في قوله تعالى { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ – الأعراف 27 }  ولاحظ هنا كلمة قبيله أي أن له قبيله كانت مسجونة في الأرض لقوله تعالى { والجان خلقناه من قبل من نار السموم } أي أن الجن خلقوا قبل الإنس ومن عصى الله تعالى فيهم من قبل هبط إلى الأرض فكان له قبيلة كما قال تعالى إنه يراكم هو وقبيله لأنه من الجن كما في قوله تعالى { إن إبليس كان من الجن ففسق عن أمر به } ومن هنا أصبحت له قبيلة وزوجة وذرية لقوله تعالى { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا – الكهف } .

وأصبح هو وذريته من بعده دورهم في الحياة الإغواء و الوسوسة والتحريض على الكفر بالله تعالى وسفك الدماء وكانتأول جريمة على الأرض بين ابني آدم حيث قتل قابيل أخاه هابيل كما هو مشهور من وراء هذا التحريض الشيطاني فيأول مهمة نجح فيها على الأرض  كما بينت كتب الله تعالى السماوية أن دور الشيطان هو الغواية لبني آدم و الإيقاع بهم في الكبائر من المنظرين فكانت أول كبيرة منه أن جعل أخوين يقتل أحدهما الآخر ويظل هكذا من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم فإن مات جسده المخلوق من النار فإن نفسه باقية لا تموت وهى مسجونة وأنفس الشياطين في سجين بالأرض السابعة السفلة كما في بيان قوله تعالى  [  ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) .. عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه و آله : ” سجين : أسفل سبع أرضين ” – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وسجين هنا بالأرض السابعة كما أن الجنة درجات كذلك جهنم العكس دركات وكل المجريمين مجموعين فيها كل على قدر جريمته مع الأخذ في الإعتبار بأن المنافقين في الدرك الأسفلمنها كما في قوله تعالى { إن المنافقين في الدريك الأسفل من النار } ثم الفراعين والمتجبرين كل على قدر جرائمه مع الله في خلقه .ولذلك القرآن الكيم لم يفصل لنا تفاصيل عن الأراضين السبعة لأنها سجون أهل النار قال تعالى

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا – الطلاق 12 }

والجن والإنس مجموعون في جهنم من بعد الموت إلأى يوم القيامة لأن تكاليف القرآن الكيم عليهما وهما الثقلين الذين قال تعالى فيهما { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } فمن آمن منهما فهما معاً في الجنة ومن كفر منهما فهما معاً في سجين قال تعالى { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الْإِنسِ ۖ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا ۚ قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ – الانعام 128 } وقال تعالى { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ – الأعراف 38} . والإنس والجن يموتون .

قال الألوسي في تفسيره روح المعاني  [قال الألوسي: (واستدل بقوله عز وجل: فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ [الأحقاف: 18]. الآية على أن الجن يموتون قرناً بعد قرن كالأنس – تفسير روح المعاني)) (26/ 21 ]

[  وروي عن الحسن في بعض مجالسه: أن الجن لا يموتون، فاعترضه قتادة بهذه الآية فسكت –  تفسير روح المعاني)) (26/ 21 ]

[ ويقول ابن حجر الهيتمي معلقاً على قول الحسن هذا: (الآية دليل على أنهم يموتون، فإن أراد الحسن أنهم لا يموتون مثلنا، بل ينظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه، قلنا: إن أراد ذلك في بعضهم كشياطين إبليس وأعوانه فهو محتمل، وإن أراد ذلك نافاه ما ورد من الوقائع الكثيرة في موتهم – ) ((الفتاوى الحديثية)) (ص: 71) ] .

[ . قال القاضي بدر الدين الشبلي: (ومعنى قول الحسن أن الجن لا يموتون أنهم منظرون مع إبليس، فإذا مات ماتوا معه, وظاهر القرآن يدل على أن إبليس غير مخصوص بالانظار إلى يوم القيامة، أما ولده وقبيله فلم يقم دليل على أنهم منظرون معه وظاهر قوله تعالى: قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ [الأعراف: 15]. يدل على أن ثمَّ منظرين غير إبليس، وليس في القرآن ما يدل على أن المنظرين هم الجن كلهم، فيحتمل أن يكون بعض الجن منظرين، أما كلهم فلا دليل عليه –  )  آكام المرجان في أحكام الجان)) (ص: 152) ] .

 

(ج) إبليس يخلق شياطين في الأرض تدفع لعدة جرائم اقترفتها الأمم من قبل وتتكرر آخر الزمان :

 

وهنا وفقاً لخلق الأعمال فإن إبليس وحزبه وذريته خلقوا في الأرض شياطين مخلقة تدفع نحو ارتكاب عدة جرائم أصبحت متكررة في كل زمن منذ خلق الله السماوات والأرض اختار الله تعالى منها عدة أمم في  أهلكها الله تعالى في التاريخ الإنساني ليؤكد لبني آدم أنهكم سيتكررون نفس  أفعال  الأمم من قبل :

وهذه الجرائم :

  • الكفر بالله تعالى وسفك الدماء وهى متكررة في كل الأمم وأشهرهم قوم نوح والذين دعا عليهم قائلاً { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ربنا غن إن تذرهم يضاو عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا – نوح } .
  • قوم عاد و كغفرهم بالله والإستكبار في الأرض وصناعة السلاح والبطش بالأمم المستضعفة قال تعالى {اتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تحلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين – الشعراء }
  • ثمود وقتلهم الصالحين وكفرهم بغير ضغط من أحد قال تعالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى }
  • قوم لوط : كفرهم وإصرارهم ودابهم على الشذوذ الجنسي .
  • قوم فرعون وهم أئمة الكفر لأنهم اول من استخدم التعذيب قبل قتل الضحية واستخدام الضجة الإعلامية والسحر والتحريض بين جموع بعد أن يلبثها شيعاً ليبطش بمن شاء منهم بعد تحرض الامة  بعضها على بعضها لتمكين طائفته من البلاد لذلك قال تعالى قال تعالى { وجعلناهم ائمة يدعون إلى النار }
  • قوم  شعيب وبخس الميزان .
  • هذه الجرائم كلها ستتكرر آخر الزمان  ومن هنا قال تعالى { وأمم بين ذلك كثيرا} وقال تعالى أيضاً { ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك } .

وكل هذه الأمم لما فعلت ما فعلت في الأرض خلقت فيها شياطين محرضة على تكرار نفس الجرائم وبنفس الصورة بل ربما أبشع باستخدام وسائل تقنية تكنولوجية استخدمتها أمم من قبل حتى أفناهم الله تعالى  ولتكرار الأمم للجريمة بوحي شيطاني بينهم يقول تعالى { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ – التوبة 30 } أي انهم ليسو مصدر هذه الفرية بل قالتها أمم من قبل ومن ورائهم إبليس لعنه الله تعالى .

وقال تعالى في بايان تشابهه الأعمال يؤدي لتشابه القلوب وتشابه الأعمال والسلوك بين الأمم الغابرة والحالية فيقول تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ – البقرة 118 } .

وبالتالي الأرض تعج بمخلووقات شيطانية من الأمم السالفة وجسد إبليس ونفسه هو المسجونة بالأرض السابعة تقوم بالإغواء ونشر الكفر والفسوق والعصيان ولهم جنود من الجن وخدم من الإنس وهم الكفار والمنافقون وأهل المعاصي والشهوات وما أكثرهم .وهؤلاء بتسلطهم على المؤمنين والمظلومين قتلاً وسفكاً للدماء يتحولون إلى رضا الله تعالى لأنه نصير المظلوم ويحول هذا الظلم أنفسهم لمقاتلين غير منظورين يقومون بإحداث الزلازل والبراكين والهلاك العام والأحداث الجسام بسبب سفك الدماء ولعل ذلك سبب تغير المناخ وتحوله لأعاصير ورياح سموم وعواصف مدمرة بسبب قتل المظلومين خاصة من الأنبياء وأئمة أهل البيت عليهم السلام والصالحين .

ولذلك يقول تعالى في سننه التي لا تتغير ولا تتبدل { وتلك الأيام نداولها بين الناس } وقال تعالى { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – آل عمران 26 } .

فيقوم هؤلاء المجرمين في أزمنة سالفة وإلى أن يشاء الله بقتل نبي ليبعث الله تعالى من بعده رسولاً للقصاص وذلك لأن القتل لم يرد في كتاب الله إلا على نبي من الأنبياء قال تعالى { ويقتلون الأنبياء بغير حق } ولم يقل يقتلون المرسلين فهذا لم يرد إلا ان يكون الرسول منتصر غالب للقصاص ممن قتلوا الأنبياء والصالحين والمظلومين قال تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } ولم يقل وأنبيائي وقال تعالى { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ – القصص 59 } وآخر الزمان قال تعالى لذلك { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ – الصف 9 }

وهذه هى الآيام التي انتصر فيها رسل الله وتمكنوا فيها من إعلاء كلمة الله والتي قال تعالى فيها محذراً هذا الحززب الشيطاني في قوله تعالى { وذكرهم بايام الله } وهى الأيام التي دانت فيها الدنيا لرسل الله وهى قلية من عمر الزمن لتسلط حزب الشيطان على المؤمنين ,  ولكن البشرى الآن وسط هذا الظلام الدامس أن العالم الآن ينتظر أحداثاً جساماً يخرج فيها إماماً من أهل بيت النبوة عليه السلام لإعلاء كلمة الله ولتكون الأيام والشعوب اقتربت من أن تدين جميعاً له عز و جل وهى أيام الله  تبارك و تعالى  .

(د) الطور الثاني من الخلق   :

قال تعالى مبيناً أنه خلق كل بني آدم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا – النساء 1}

ثم انتقل الإنسان إلى الطور الثاني من الخلق بعد الهبوط إلى الأرض والهبوط  إلى دار الدنيا من جنة عدن ليتحول إلى سلالة خلقت من ذكر وأنثى أصلها من طين قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ  ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ  ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ   ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ – المؤمنون 12-17 }  .

جسد  الإنسان على الأرض هو السوءة :

هذا الجسد الطيني ما هو إلا السوءة التي بدت بعدما أكلا من الشجرة في قوله تعالى { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ – طه 121 } وهذه السوءة وفقاً لبيان القرآن بالقرآن ليست العورة فقط بل كل الجسد الإنساني برز من الطيني العلوي الذي كان يعيش به سيدنا آدم وزوجه عليهما السلام في جنة عدن وذلك لقوله تعالى { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ – المائدة 31 } .

وهنا ليس من المعقول أن يدفن الغراب ورته فقط بل كل الجسد وهذا يثبت بأن الجسد الطيني السفلي الذي نعيش به في حياتنا الدنيا وهو السوءة التي بدت و  أخرج من أجلها نبي الله آدم وزوجته عليهما السلام من الجنة موجود بداخل الطيني العلوي لا يراه الإنسان وما كان يعلم عنه أي شيئ وإبليس كان يعلم ذلك بدليل قوله تعالى { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – الأعراف 20 }

وكل بنى آدم خلقوا دفعة واحدة في جنة عدن لقوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ – الأعراف 11 }

وبالتالي سوءة كل بني آدم كانت داخل الجسد الطيني العلوي وموت الإنسان رحلة للتنقل بالجسدين بين جنة عدن والهبوط للحياة الدنيا وبروز السوءة يخرجه من جنة عدن وموته إن كان من الصالحين يعيده فيها حتى تقوم القيامة وينتقل إلى الحساب ثم جنة الفردوس وفيها الخلود الأبدي وبالتالي خروج السوءة موت واختفاء للجسد الطيني العلوي وتواريه بداخل الطيني السفلي أو السوءة وموت السوءة بروز للجسد الطيني العلوي وبالتالي هى عملية إخراج للحي من الميت والميت من الحي قال تعالى  { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ – الروم 19 }

وهذه هى رحلة الإنسان بين الجسدين الطيني والسوءة أو الطيني العلوي والسفلي الذي أصبح يظهر بعملية نكاح عادية قدرها الله تبارك وتعالى بين ذكر وأنثى :

وبث منهما رجالا كثيرا ونساءاً بالزواج الإعتيادي جماعاً بين الذكر والأنثى كما في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا  وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ – الحج  5 }

وفي الحياة الدنيا هيأها الله تعالى وأعدها لتتناسب مع الجسد الطيني السفلي أو السوءة ليعد لنفسه كل ما يحتاج إليه من مأكل ومشرب ودفاع وحماية من غوائل الطبيعة والمفترسات وهى مرحلة شقاء حذر الله تعالى منها نبي الله آدم في قوله تعالى {  إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ – طه 118      }

(هـ) والطور الثالث  :

وهى النشأة الآخرة الوارد ذكرها في قوله تعالى { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – العنكبوت 20 } وهذه النشأة الآخرة فيما لا يعلمه أحد من الناس قال تعالى فيها { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ – يس 36 }

وهنا  ( ومما لا يعلمون) هى المادة المخلوق منها الانسان والجان في مرحلة الطور الثالث في خلق جديد وهذه الأطوار :

  • الأول من الماء والطين .
  • والثاني بين ذكر وانثى .
  • والثالث فيما لا يعلمه أحد من الخلق و ذلك لأن ( ومما لا يعلمون)   يبينها قوله تعالى { و يخلق مالا تعلمون – النحل } وذلك في النشأة الآخرة وما فيها من خلق جديد بعد الموت بنفس جديدة جزاءا وثوباً لما فعلوه في الدنيا من أعمال صالحة عملها بجسده المخلوق من طينة الجنة وبنفسه النورانية في الدنيا فينشأه الله تعالى نشأة أخرى بعد أن بين لهم النشأة الأولى في أرض جديدة وسماء جدية قال تعالى فيها { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَىٰ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ – الواقعة 60-62 } . ومالا تعلمون هنا يبينها قوله تعالى { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  – السجدة 17 }
  • والموتة الأولى هى موت السوءة أو الجسد الطيني السفلي الذي عاش به المرء في الحياة الدنيا والعودة مرة أخرى إلى جنة عدن وقد فصل الله تبارك وتعالى ذلك في قوله عز وجل : { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة} و هنا نكون قد بينا معنى قوله تعالى { وقد خلقكم أطوارا- نوح 12 } .

ثم يبين تعالى أنه خلق لبني آدم كل ما يحتاجونه في الأرض كما في قوله تعالى { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  – البقرة 29 } .

ثم يبين الله تعالى بعد ذلك أنه تعالى ما خلق الموت والحياة وتنقل الإنسان بينهما بالجسدين والطيني إلا ليبتليهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا  كما في قوله تعالى هنا { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا  – الملك } .

وأما  :

) الموت والحياة (

هنا يبين الله تعالى أن الموت مخلوق كالحياة بمخلوقاتها يأتي كبوابة للحياة الآخرة الآبدية والخلود فيها بالجنة أو النار والعياذ بالله فيأتي لبني آدم فيحاول الفرار منه ولكن هيهات هيهات قال تعالى {قلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  – الجمعة 8 }

ويلاقيه من كل جهة فلا يستطيع الفرار منه لقوله تعالى { ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ – ابراهيم 17 }  وأينما كان الإنسان فهو ملاقيه  ولو كان في بروج مشيدة كما في قوله تعالى { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ – النساء 78}  ثم يأتي ملك الموت الموكول بكل إنسان ليميت جسده الطيني السفلي وهى سوءته لينقله إلى جنة عدن إن كان من الصالحين قال تعالى { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ – السجدة 11 } وإن كان من المجرمين الخارجين على أوامر الله تعالى فإن مرجعهم لإلى الجحيم كما في قوله تعالى { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ – الصافات 68   }

وهذه مرحلة إخراج وفصل للجسد الطيني السفلي و السوءة الميته لتختفي ويبرز الطيني العلوي الأصلي ليعيش به في جنة عدن كما بينا لذلك قال تعالى { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ – الأنعام 91 }  وهنا يبين تعالى أنهما موتتان وحياتان قال تعالى فيهما { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ – غافر 11 } وعلى الرغم من أنهما موتتان إلا أن الإنسان لا يشعر ويذوق فيها إلا الموتة الأولى كما في قوله تعالى { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ – الدخان 56  } .

والموتتة الأولى لنعلم ما هى  :

بين تعالى الموتتين والحياتين أننا كنا أموات السوءة أحياء بالجسد الطيني العلوي ثم يميت الطيني العلوي فيختفي داخل السوءة ليعيش ويحيا في الحياة الدنيا ثم يميت الله تعالى السوءة أو الجسد الطيني السفلي ليختفي مرة أخرى داخل الطيني العلوي ليعيش في جنة عدن وهى مرحلة أختفاء للسوءة بداخل الجسد الطيني كما خلق الله تعالى سيدنا آدم أول مرة ثم بعد يوم القيامة يبعث الجسد والسوءة لتشهد عليه سوءته التي عاش بها في الحياة الدنيا وذلك مصداقاً لقوله تعالى { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – البقرة 28 } وبالتالي لا يذوق الإنسان فيها الموت إلا موتة السوءة بالحياة الدنيا وربما موت واختفاء الجسد الطيني حين النزول إلى الأرض ويكون الموت على المؤمن هين لين لا يشعر به وانتقاماً شديداً من المجرمين الخارجين على طاعته تعالى وطاعة رسوله وولاية أهل بيته فيكون القبر أول منازل جهنم لهم أو أول منازل الجنان لأهل اليمين .

وأما :

)ليبلوكم(

ويبلوهم أي يمتحنهم بالشر والخير قال تعالى { ونبلوكم بالشر والخير فتنة – وإلينا ترجعون – الأنبياء 35 } وهذا الإبتلاء كان في جنة عدن كما بينا بثلاث أوامرإلاهيه وهى :

  • عبادة الله تعالى
  • النهي عن الأكل من الشجرة .
  • اتخاذ الشيطان عدواً لأنه عدو لآدم ووزوجه و ذريته .

فلما هبط آدم وذريته من بعده إلى الحياة الدنيا أصبح الأمر يتطلب أحكاما أخرى من الله يحتاجها لتدبير حياته من الطعام الحلال والحرام وأحكام الدفاع والحرب والتجارة والبيوع والطلاق والزواج وهى أحكام لم تكن في جنة عدن . وفي الحياة الدنيا يبتلي الله بني آدم بكل أنواع الإبتلاءات لاختلاف أهواء الناس ومشاربهم بين أهل الخير وأهل الشر فإبليس كان معروفاً في جنة عدن وهو من المنظرين والشياطين من حزبه وذريته الوارد ذكرهم في قوله تعالى { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا – الكهف  .}

وهذه الذرية لما هبط آدم وزوجه من الجنة ثم ذريته من بعده أصبح كلاهما لا يعرف الآخر  إلا من خلال التعامل فظهر البغي من حزب الشيطان وعصيان الله والكفر به وقتلهم للأنبياء وأهل بيت النبي والصالحين في كل زمن وظهر الصلاح والصدق من أولاد نبي الله آدم وهذه التعاملات لها أحكام نزلت في كتب الله السماوية يبتلي الله الإنسان بشتى أنواع البلايا التي يقوم بها إبليس وأولاده لذلك قال تعالى :   { وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  – البقرة 155 }  ويقوم بذلك حزب إبليس في كل زمن والناجي من توكل على الله وعمل بأوامره عز وجل وتولاه ورسله وأهل بيته عليهم السلام

وأما  :

)أيكم أحسن(

وهنا أحسن عملا هو الذي عمل بالقرآن الكريم وأحكامه لورود لفظ أحسن في قوله تعالى { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ – الزمر 55 } وهو أحسن الحديث لقوله تعالى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ – الزمر 23     }  .

وبالتالي أيهم أحسن عملا أي أيهم كان متولياً لكتاب الله تعالى وسنة رسوله وولاية أهل بيته لأن القرآن لم يدعوا إلا لولاية هؤلاء .

وأما :

)أيكم(

ورد هذا للفظ في قوله تعالى { ” قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين – النمل }  أي أن الله سيبتلي الناس أيهم أحسن عملا كما قال نبي الله سليمان أيكم يأتيني بعرشها لتوضيح المعنى قال تعالى هنا { ليبلوكم أيكم أحسن عملَاَ – الملك   } ؟

)عملا(

هنا يبين تعالى أنه ما أنزل كتب الله تعالى إلا ليعملوا بها وسيجازون على طاعتهم لله تعالى والعمل وفق أوامره وآخرها الإيمان بالقرآن الكريم وطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون – الجاثية } وليبتلي الله تعالى بني آدم جعل كل ما على الأرض زينة لها ليبلوهم هل يعملون للدنيا أم للأخرة قال تعالى { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً – الكهف 7      }

و أما :

) وهو العزيز (

والعزيز أي الذي لا يغلب قال تعالى { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ – النمل 34 } والله تعالى العزيز أي الذي لا يغلب ومن كان يريد العزة فلله العزة جميعا كما في قوله تعالى { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ – فاطر 10   .   }

وهو سبحانه وتعالى يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء كما في قوله تعالى { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – آل عمران 26 } وبالتالي هو العزيز ومن اراد العزة فليتعزز بالله تعالى  .

وأما :

)الغفور (

أي غافر الذنب كما في قوله تعالى   { غافر الذنب وقابل التوب ذي الطول شديد العقاب – غافر } ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله تعالى يجد الله تبارك وتعالى غفورا رحيما قال تعالى { وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا –النساء 110   }

الفصل الرابع : إبليس وبني آدم .

(1)  بعد إباء إبليس السجود لآدم ولعن الله تعالى له عمى و أسود وجهه وتعرى كما وعد الله تعالى أهل النار

{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ  قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ – ص 75-83 } ولما لعنه الله تعالى وجعله رجيماً  انطبق عليه أحكام أهل النار وابعد عن الجنة وطرد منها لقوله تعالى { قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ- الأعراف 13 }

وهنا انطبق عليه من السنن والأحكام مال على أهل النار من اسوداد الوجه قال تعالى في أهل النار

{ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } وبالتالي اسود وجهه و ابيضت وجوه المؤمنين قال تعالى في أهل النار من سواد وجوههم وكلاحتها  { يوم ترى الذين كذبوا الله وجوههم مسودة } وقال تعالى أيضاً في وجوه أهل الجنة ووجوه أهل النار { وجوه يومئذ مسفره ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبره ترهقها قترة أولائك الكفرة الفجرة } .

وأصبح أعمى عن جنة الفردوس الأعلى حيث طرد منها إلى جنة عدن المؤقتة التي أعدها الله تعالى لبني آدم للعيش فيها قبل القيامة والحساب { جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم فيها رزقهم بكرة وعشيا – مريم } وبكرة وعشيا تؤكد أنها جنة الحياة الدنيا كما بينا من قبل وفيها كان آدم وزوجه وإبليس من المنظرين حتى هبطوا منها للحياة الدنيا وكما أعمى الله تعالى أهل النار فأول من عمى عن الفردوس الأعلى إمامهم

قال تعالى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا – طه 125} وإبليس أول من أعرض عن ذكر الله تعالى لذلك هو أول من عمى عن الجنة وما فيها من نعيم   لما كفر  وفسق عن أمر به و أبى السجود لآدم تحور وجهه من البياض إلى السواد و الكلاحة  والغبرة وعميت عيناه و كذلك  تعرى من ثياب التقوى في الجنة لأنه بين تعالى أن لباس الجنة تقوى الله تعالى في قوله عز وجل { يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير } فلما لعته الله تعالى وطرده من الجنة تعرى من ثياب الجنة وطرد منها .

  • ولذلك كاد لآدم وزوجه فبعدما أقسم إبليس لآدم وزوجه أن الله تعالى ما نهاهما عن الشجرة إلا أن يكون ملكين وهو يعرف أنهما سيتعريان من ثياب الجنة وسيطردان بنى آدم ذلك لعدم شهادته واقعة رفضه السجود إلا من خلال نهي الله تعالى وقوله { يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرنكما من الجنة فتشقى } وبالتالي وسوس لهم بعلم ولم يصدقاه إلا بعدما أقسم بالله بالحلف الكاذب قال تعالى { وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين } ومن هنا كان مدخل إبليس في وسوسته لهما لتنفيذ وعد وعده إبليس لله تبارك وتعالى في قوله { لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا } وقال تعالى { ولأضلنهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } فقال تعالى { اذهب فمن تبعك منهم لأملئن جهنم منكم أجمعين } ثم يقول تعالى في بداية مرحلة وسوسه لآدم وزوجه عليهما السلام  : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ  فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ  – الأعراف 20-27 } .

لقد عاش كل هؤلاء الخلق من بني آدم في جنة عدن ومعهم إبليس ولقد أنذرهم الله عز وجل بأن هذا عدو له ولزوجه وحينها سيطرد من الجنة للشقاء والعناء في الأرض والمكابدة قال تعالى { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ  – طه 117-123} .

وهنا أخرجهم الله تعالى من الجنة ليهبطوا إلى الأرض حيث العناء والتعب والشقاء قال تعالى { قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ- البقرة 24 }

(2)  جسد الإنسان على الأرض هو سلالة الإنسان الذي خلق من طين في الجنة قبل الهبوط إلى الأرض .

وهنا لما كان آدم عليه السلام بين الماء والطين و إبليس لعنه الله كان قد أبى السجود له فلا آدم حضر المحاكمة ولا المؤمنين من أهل الجنة لأنه بعصيانه طرد من الفردوس الأعلى وبدأت محاكمته ومن هنا كان إبليس لعنه الله يعرف بهذا الأمر لأن (ما ووري عنهما)  أي ما أخفى عنهما وما حدث من كفر إبليس وفسوقه تم عزله عن أهل الجنة فلم يعلم آدم وزوجه وأهل الجنة بما سيحدث له من محاكمة وطلب إبليس أن يؤجله تعالى ليثبت أنه كان أفضل من آدم وهنا لم يكن يعلم آدم بالعقوبة بل كان بين الماء والطين قال تعالى { يا إبليس لم تسجد لم خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين } .

  • ولما قال تعالى { فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما} وهذه السوءة كانت موجودة في جنة عدن و لكن بطريقة مستترة لأهلها لا يراها بني آدم الجنة ولا يشعرون بها ولا جهاز هضمي للإخراج متواري بداخله لا يرى فهو يعيش في الجنة بالنفس التي هى الجسد الطيني العلوي يتوارى بداخله الجسد السفلي أو السوءة فإذا هبط للأرض توارت نفسه بداخل سوءته فإذا قامت القيامة جمع الله تعالى الإثنين معاً الجسد ونفسه المؤمنة أو قرنائهم مع الذين كفروا ونافقوا لأنهم قد خلقوا من طينة جهنم ومعهم وشياطين الجن التي اقترنت بهذه الانفس الأمارة بالسوء إلا من رحم الله تعالى وخلقها من طينة الجنة .
  • وقد أخفى الله تعالى
  • في داخل الجسد الطيني العلوي لآدم وذريته لما خلق أهل الجنة من طينتها سوءتها وهو الجسد الذي سنعيش به في الدنيا عندما يوسوس إبليس لآدم فيخرجه منها للإختبار في دار الدنيا التي حذره تعالى من عداوة إبليس وكراهيته له ولذريته و عصيانه تعالى والخروج من جنة عدن للشقاء في الأرض الدنيا وسمائها الدنيا قال تعالى منذراً آدم عليه السلام  { فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ   قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ – طه 117-123 }

وهنا أخرجهم الله تعالى من الجنة ليهبطوا إلى الأرض حيث العناء والتعب والشقاء قال تعالى { قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ- البقرة 24 } .

وهنا إذا قلت أن جسد الإنسان يخفي جسداً آخر فيها حقيقي ولكن الذي لا يوجد في النفس الإنسانية بعد دخولها الجنة الجهاز الهضمي المسؤول عن الإخراج فهناك جسد للعبادة والصلاة وقلب وفؤاد وعقل ويد وإحساس بالجمال للتمتع بالجنة ولكن دون جهاز هضمي للإخراج وكذلك إبليس وعالم الجن الذين كانوا يعيشون معه في جنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض .

بنفس منطق العيش في الجنة وما يتناسب معها يمكن القول أن إبليس وحزبه كان له جسد أصله من نار السموم عاش به في الجنة بما يتناسب مع العيش فيها بهذه الكيفية كما خلق الله آدم من طين لازب بما يتناسب مع العيش في الجنة عليه السلام وزوجه فلما أكلا من الشجرة وهبطوا منها جميعا الى الأرض برز الجسد الآدمي بما يتناسب والعيش على الأرض وكذلك إبليس وعالم الجن برزت منهم أجساداً أخرى تتناسب مع العيش في الأرض والدليل على ذلك أحكام الظهارة والوضوء لكلا الثقلين من عالم الإنس والجن كلاهما مكلف بما أمر الله تعالى فيه كتابه الكريم بما يؤكد أن عالم الجن كلنت لهم أجساداً في جنة عدن هبطواإلى الأرض مثل بني آدم ببروز أجساداً أخرى كانت متوارية عنهم أيضاً مثل نبي الله آدم وزوجه عليهما السلام .

  • فلما أغوى إبليس آدم وزوجه ليأكلا من الشحرة نسى آدم أمر لله تعالى له بعدم الإقتراب منها مع علم إبليس بذلك فلما هبطوا إلى الأرض تحول إبليس وحزبه وذريته لأماكن يرون منها بني آدم ن حيث لا يتمكنون من رؤيتهم كما قال تعالى عن إبليس وقبيله : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } أي أنه ينظر للإنسان من أماكن لا يمكن للإنسان أن يراه فيها إلا في الحروب فإن الله تعالى بين حضوره وحزبه بصورته الارضية الدنيوية ثم فراره هارباً من المعركة يتبعه كفار ومنافقي وعصاة بني آدم لعملهم أعمالاَ تولوه بها من قبل قال تعالى { فلما تراءت الفئتان نكص على عقبية وقال إني بريئ منكم إني أرى مالا ترون إن أخاف الله والله شديد العقاب } .
  • وأي أنه بعد فراره من زحف المؤمنين يفر بقية حزبه من الإنس مهما حملوا من أسلحة وعتاد وقوة وتقدم علمي وتقني وذلك لفرار إبليس إمامهم وقائدهم والمحرض لهم بعدما يرى الملائكة فيفر هارباً تاركاً أولياؤه وأتباعه للهلاك والحشر إلى النار فتتحطم نفوس جيشه وينهار مهزوماً أمام المؤمنين .

ومن هنا قال تعالى في المؤمنين مهما قل عددهم وعدتهم { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله }

و عن جسد بني آدم الجسد الطيني السفلي أو السوءة التي هبط بها الإنسان من الجنة بعد   أصبح التكاثر في الدنيا باجتماع بين الذكر و الأنثى كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ – المؤمنون 12-16 }

  • سوءة بني آدم التي بدت هى الجسد كله وليس العورة فقط :

السوءة التي بدت بعدما أكل سيدنا آدم وزوجه من الشجرة هى كل الجسد كله وليست العورة فقط كما يظن الكثير

وهذا البيان واضح جداً في كتاب الله من قصة قتل ابني آدم في قوله تعالى لأن القرآن الكريم يحدد معنى السوء بالجسد كله في قصة دفن ابن آدم المقتول وعجز القاتل عن معرفة ماذا يفعل بهذا الجسد فبعث الله تعالى غراباً يبحث في الأرض ليعلمه كيف يدفن سوءة أخيه ويخفيها قال تعالى { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ – المائدة 31 } .

والسوءة هنا كل الجسد كله و ليست العورة فقط فان مات الإنسان مات جسده الطيني السفلي ودفنت سوءته في الأرض وخرج منه جسده الطيني الأصلي الذي كان يعيش به في الجنة .

هنا تنفصل مادته التراب عن الماء وهما عنصري الطين المخلوق منه الإنسان وبفصل ماء الحياه عن التراب يموت الجسد لأن الله تعالى قال في الماء { وجعلنا من الماء كل شيئ حي} والتراب لا عذاب عليه لذلك سيقول الكافر والمنافق يوم القيامة { ياليتني كنت ترابا } . وباجتماعهما يحيى الإنسان بجسده في الدنيا وبداخلها الإنسان الداخلي لها وهى نفسه المقترنة به والتي يعيش بها في جنة عدن وتتوافق تركيبتها الخلقية مع الجنة  .

وإبليس لعنه الله تعالى كان يعرف هذا الأمر بتفاصيله فوسوس لهما ليبدى لهما ما وراه الله تبارك وتعالى عنهما ليخرجهما من الجنة كما بينا .

وهنا (ما ووري عنهما)

أي أنها كانت موجودة مخفية عن بني آدم الذين كانوا لا يروها فلا تظهر في الجنة إلا بعصيانهم لله تعالى فلما أكل من الشجرة نبي الله آدم وزوجه عليهما السلام طردا من الجنة  ليعيشا بها معاً على الأرض ولكن الله تعالى بين أن لإبليس ذرية ستقترن بأهل النار و سيعملون بعملها من شرور وكفر ونفاق وفسوق وعصيان وعن هذه الذرية قال تعالى{ أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا- الكهف 50 } .

  • وقد كان مختفياً ويعرف ذلك إبليس كما في قوله تعالى عن تعمد تعريته لنبي الله آدم وزوجه من التقوى لتظهر أجسادهم عارية بعد اختفاء قال تعالى { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ – الأعراف 20 } .

وذلك لأن لباس أهل الجنة هو التقوى كما في قوله تعالى { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ – الأعراف 26-27 } .

وبالتالي لباس جنة عدن التقوى والعمل بأوامر الله تعالى فلما عصيا الله تعالى بدت أجسادهم عارية وقد كان إبليس وحزبه عراة في جنة عند لما قال تعالى له { إنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } وكذلك العكس في الدنيا ستر الجسد يكون باللباس والريش وكل مايغطى به الإنسان جسده وهو السوءة .

وفي الدنيا لذلك تميل أنفس السوء إلى التعري والفجور وفي البقاع المباركة الثلاثة وماحولها من بلاد العرب والمسلمين يميلون للحشمة وستر العورات والحياء  وفي كل بقاع العالم مباركة وعادية من أرض الله فيها الصالح والطالح وكل يعمل حسب ما جبلت عليه نفسه والطينة التي خلق منها .

ومن أراد لباس الجنة وأهلها بعد الموت فليعلم أن لباسها التقوى والعمل الصالح في الدنيا و لذلك النبي صلى الله عليه وىله في النساء العصاة [ ” رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة “..  الحديث ] .

وفي الدنيا لما نزل أهل الجنة وأهل النار غطت الثياب سوءاتهم فلا يعرف أحدهما الآخر إلا من خلال عمله هو هو لله ورضاه عز وجل أم لا ؟

وفي الدنيا لما نزل أهل الجنة وأهل النار غطت الثياب سوءاتهم فلا يعرف أحدهما الآخر إلا من خلال عمله هو هو لله ورضاه عز وجل أم لا ؟

وبالتالي عودة جسد الكافر للأرض من بعد الموت في الدنيا في الأرض هو عودة السوءة للأرض التي خلقت منها فتنفصل النفس عنها فتتحل الطينة الأرضية إلى ماء يرفع من الجسد فتموت الجثة لأنه تعالى قال في الماء {  وجعلنا من الماء كل شيئ حي } ويتبقى الجسد الذي يتحلل إلى تراب  ولا عذاب عليه لذلك سيقول الكافر يوم القيامة { ياليتني كنت ترابا } .

وهذه نهاية أعمار بني آدم بسوءاتهم التي برزت أولا لنبي الله آدم وزوجه لما أكلا من الشجرة ثم بقية ذريته من اجتماع الذكر والأنثى وهذا الجسد الطيني العلوي أصل الخلق ومادة سلالتهم الأولى خليط بين مادتي التراب والماء هى التي صنعت منها الأجساد الأرضية أو السوءة ولاعذاب على هذه الجلود بل ستشهد على الإنسان كما في قوله تعالى { وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيئ – فصلت }  فإذا نزل إلى الأرض كانت هذه هى السوءة وليست الجسد الطيني الذي خلق أولاً

ثم تنفصل عن هذه الأجساد أنفسهم التي خلقت من طينة جهنم وهى الإنسان الداخلي الآخر الغير مرئي المختفي بهذه الأجساد الإنسانية لتعود إلى النار التي خلقت منها كما في قوله تعالى { ثم إن مرجعهم لالى الجحيم – الصافات } فتحملها ملائكة العذاب إلى جهنم والعكس كذلك صحيح عن المؤمنين فإن مرجعهم إلى الله تعالى وجنته وما وعدهم به من نعيم مقيم وخلوداً في جنته تعالى كما في قوله عز وجل { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّ كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون – البقرة  281 } .

وبين التنقل في تلك العوالم الحياة بين السوءة والنفس أو النفس وإنسانها الداخلي أو السوءة والجسد الطيني يبين تعالى رحلة التنقل بالنفس التي تتناسب مع كل بيئة بين الجنة والأرض لأن موت هذه يبرز هذه وموت هذه يبرز هذه فلا يجتمعان معاً إلا يوم القيامة قال تعالى { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – البقرة 28 } .

أي كنتم أموات السوءة أحياء بالجسد الطيني العلوي في جنة عدن يخفي بداخله سوءته ثم يحى الله الإنسان بسوءته في الدنيا وتتوارى بداخلها نفسه أو جسده الطيني العلوي الذ كان يعيش به في جنة عدن فإذا ماتت السوءة برز منها نفسها للوجود بما لا يتناسب مع الحياة على الأرض لتنتقل إلى جنة عدن إن كانت من المؤمنين الصالحين ثم الرجوع إلى الله تعالى يوم القيامة بالنفس والجسد .

وبرجوع الأجساد للأرض من بعد الموت تكون قد عادت لأصلها الذي خلقت منه فإن كانت خبيثة و أهلكها الله تعالى بسنة بعامة كقوم نوح أو قوم عاد وثمود وقوم لوط وفرعون وشعيب أوغيرهم من الأمم فهذه الأماكن فيها تراب تحلل من أهل جهنم ولذلك هناك بقاع طيبة وغير طيبة ومن هنا قال صلى الله عليه وآله [ إذا دخلتم مساكن الذين ظلموا فلا تدخلوها إلا باكين أو مستغفرين … الحديث ] [ عن عبد الله بن عمر :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم  –  ص: 407 – شرح النووي على مسلم – شرح النووي على مسلم »كتاب الزهد والرقائق  ] .

وهذه الأماكن شهدت هلاك كفار بالله تعالى وظل فيها آثار أمم أخرى كفرت بالله تعالى وفي ترامين من حزب إبليس يمكن أن يتأثر بهم بني آدم لذلك قال فيها النبي صلى الله عليه وآله لا تدخلوها إلا باكين أو مستغفرين .. الحديث وذلك لأن الله تعالى تركها أثر على إهلاكه القوم الظالمين وقال تعالى هنا { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا – محمد 10 } .

والعكس في أماكن التقوى والإيمان المباركة على الأرض وما تحويه من تراب عمله أصحابه بالصالحات وماتوا على ذلك ولذلك هذه الأماكن بها طاقة تدفع النفوس للسكينة  والإيمان والطمأنينة لكثرة ذكر الله تعالى فيها وذلك لتأثرها بملائكة طيبين وأعمال صالحة قام بها مؤمنين من قبل و ماتوا وتحللت أجسادهم إلى تراب وأهم هذه الأماكن على الأرض البقاع الثلاثة المباركة من الحجاز والشام وسيناء بمصر ثم بيوت الله تعالى في الأرض ومقامات أهل البيت و الصالحين قال تعالى في البقاع المباركة الثلاثة { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله – الإسراء } .

ومن هنا أصبحت الدنيا كما قال صلى الله عليه وآله [ ” سجن المؤمن وجنة الكافر” – رواه مسلم في صحيحه ] لان المؤمن ينتظر وعد الله بالجنة والكافر يتمتع فيها ولا حياة له بعد الموت في جنة الله لذلك هى سجن المؤمن وجنة الكافر .

. فإذا مات سجن فيها وعاد جسده إلى ما خلق منه ومن كان صالحاً رفع عمله وقبلت دعوته وفتحت له أبواب السماء إذا مات  فتحت له أبواب الجنة في السماء وعاد جسده إلى طينته التي خلق منها وخرج منه الإنسان الداخلي الآخر وهى نفسه بجسدها الطيني الذي خلق من الجنة قبل بروز السوءة الإنسانية والتي هبط بها آدم وزوجه عليهما السلام .

 (3) بداية الطور الثاني ومشاركة الشيطان أو الملاك لتلك النطفة منذ وضعها في رحم الأم من يومها الأول :

بين تعالى أن السوءة وهذا الجسد الطيني السفلي وهبه الله تعالى القدرة على الإنجاب في الدنيا بواسطة الاتصال المباشر بين ذكر وأنثى وهما جسدين يحويان بداخلهما نفسين إما صالحة أو طالحة والبداية تكون في خلق بني آدم ومشاركة إبليس للذرية منذ الدخول بالزوجة ونكاحها ومن هنا حذر الله تعالى من عدم تسمية الله تعالى عند نكاح الزوجة قال تعالى في مشاركة إبليس بني آدم في ذرياتهم : { وشاركهم في الأموال والأولا – الإسراء 64 }

[ ورد في تفسير الطبري :

[..  وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عُنِـي بذلك كلّ مال عصى الله فـيه بإنفـاق فـي حرام أو اكتساب من حرام، أو ذبح للآلهة، أو تسيـيب، أو بحر للشيطان، وغير ذلك مـما كان معصياً به أو فـيه، وذلك أن الله قال { وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ } فكلّ ما أطيع الشيطان فـيه من مال وعصى الله فـيه، فقد شارك فـاعل ذلك فـيه إبلـيس، فلا وجه لـخصوص بعض ذلك دون بعض…

وقوله: { والأوْلادِ } اختلف أهل التأويـل فـي صفة شركته بنـي آدم فـي أولادهم، فقال بعضهم: شركته إياهم فـيهم بزناهم بأمهاتهم. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأوْلادِ } قال: أولاد الزنا. حدثنـي أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا يذكر عن مـجاهد { وشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأوْلادِ } قال: أولاد الزنا. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ } قال: أولاد الزنا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال: أولاد الزنا. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ قال: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول { وَشارِكْهُمْ فـي الأمْوَالِ والأولادِ } قال: أولاد الزنا، يعنـي بذلك أهل الشرك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَشارِكْهُم فِـي الأمْوَالِ والأولادِ } قال: الأولاد: أولاد الزنا. وقال آخرون: عُنـي بذلك: وأْدُهم أولادَهم وقتلهموهم. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { وَشارِكْهُمْ فِـي الأمْوَالِ والأولادِ } قال: ما قتلوا من أولادهم، وأتوا فـيهم الـحرام. وقال آخرون: بل عنـي بذلك: صبغهم إياهم فـي الكفر…- الطبري ]

القرطبي :

[ روي عن مجاهد قال: إذا جامع الرجل ولم يُسَمِّ انطوى الجانّ على إحْلِيله فجامع معه، فذلك قوله تعالى: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ } وسيأتي . ” وروي من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فيكم مُغَرِّبين قلت: يا رسول الله، وما المغرّبون؟ قال: الذين يشترك فيهم الجن  “رواه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. …قال الهَرَوِيّ: سموا مغرِّبين لأنه دخل فيهم عرق غريب. قال الترمذي الحكيم: فللجن مساماة بابن آدم في الأمور والاختلاط، فمنهم من يتزوّج فيهم، وكانت بِلْقِيس ملكة سَبَأ أحد أبويها من الجن – تفسير القرطبي ]

تفسير القرآن العظيم لابن كثير :

[ قال ابن جرير وأولى الأقوال بالصواب أن يقال كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله، أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله، أو بالزنا بأمه، أو بقتله، أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بفعله به أو فيه، فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه لأن الله لم يخصص بقوله { وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلأَمْوَٰلِ وَٱلأَوْلَـٰدِ } معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى، فكل ما عصي الله فيه، أو به وأطيع الشيطان فيه، أو به، فهو مشاركة، …” يقول الله عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ” وفي ” الصحيحين ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله، قال بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك، لم يضره الشيطان أبداً ” وقوله تعالى { وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا } كما أخبر تعالى عن إبليس أنه يقول إذا حصحص الحق يوم يقضى بالحق{ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } الآية إبراهيم 22 } . وقوله تعالى { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } إخبار بتأييده تعالى عباده المؤمنين، وحفظه إياهم، وحراسته لهم من الشيطان الرجيم، ولهذا قال تعالى { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } أي حافظاً ومؤيداً ونصيراً، وقال الإمام أحمد حدثنا قتيبة، حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر ” ينضي، أي يأخذ بناصيته ويقهره .

ورد في تفسير البرهان عن بيان هذه الآية  :

[عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في معنى: و لا تجعله شرك الشيطان، قال: قلت: و كيف يكون من شرك الشيطان؟ قال: ” إذا ذكر اسم الله تنحى الشيطان، و إن فعل و لم يسم أدخل ذكره، و كان العمل منهما جميعا و النطفة واحدة “.

–  و عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ” يا أبا محمد، أي شيء يقول الرجل منكم إذا دخلت عليه امرأته؟ “. قلت: جعلت فداك، أ يستطيع الرجل أن يقول شيئا؟ فقال: ” ألا أعلمك ما تقول؟ ” قلت: بلى. قال: ” تقول: بكلمات الله استحللت فرجها، و في أمانة الله أخذتها، اللهم إن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله بارا تقيا، و اجعله مسلما سويا، و لا تجعل فيه شركا للشيطان “. قلت: و بأي شيء يعرف ذلك؟ قال له: ” أما تقرأ كتاب الله عز و جل، ثم ابتدأ هو: { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } فإن الشيطان يجيء حتى يقعد من المرأة كما يقعد الرجل منها، و يحدث كما يحدث، و ينكح كما ينكح “.

قلت: بأي شيء يعرف ذلك، قال: ” بحبنا و بغضنا، فمن أحبنا كان من نطفة العبد، و من أبغضنا كان من نطفة الشيطان “.

  • عن أبي بصير، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ” يا أبا محمد، إذا أتيت أهلك، فأي شيء تقول؟ ” قال: قلت: جعلت فداك، و أطيق أن أقول شيئا؟ قال: ” بلى، قل: اللهم إني بكلماتك استحللت فرجها، و بأمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله تقيا زكيا، و لا تجعل للشيطان فيه شركا “.

قال: قلت: جعلت فداك، و يكون فيه شرك للشيطان؟ قال: ” نعم، أما تسمع قول الله عز و جل: { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } فإن الشيطان يجيء فيقعد كما يقعد الرجل، و ينزل كما ينزل الرجل   . قال: قلت: بأي شيء يعرف ذلك؟ قال: ” بحبنا و بغضنا “.

  • و عن سليمان بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء قليل الحياء، لا يبالي ما قال و ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك الشيطان.

فقال رجل: يا رسول الله، و في الناس شرك شيطان؟ فقال: أما تقرأ قول الله عز و جل:

{وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ } .

فقيل: و في الناس من لا يبالي ما قال و ما قيل له؟ فقال: نعم، من تعرض للناس فقال فيهم و هو يعلم أنهم لا يتركونه، فذلك الذي لا يبالي ما قال و ما قيل له “.
– عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن شرك الشيطان: قوله:{ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ }. قال: ” ما كان من مال حرام فهو شرك الشيطان – قال – و يكون مع الرجل حتى يجامع، فيكون من نطفته و نطفة الرجل إذا كان حراما “.

– عن زرارة، قال: كان يوسف أبو الحجاج صديقا لعلي بن الحسين (عليه السلام) و أنه دخل على امرأته فأراد أن يضمها – أعني ام الحجاج – قال: فقالت له: إنما عهدك بذاك الساعة، قال: فأتى علي بن الحسين (عليه السلام) فأخبره، فأمره أن يمسك عنها، فأمسك عنها، فولدت بالحجاج، و هو ابن شيطان ذي الردهة.

– عن عبد الملك بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ” إذا زنى الرجل أدخل الشيطان ذكره، ثم عملا جميعا ثم تختلط النطفتان، فيخلق الله منهما، فيكون شركة الشيطان “.

عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: ” قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) : ” إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذيء قليل الحياء، لا يبالي بما قال و لا ما قيل له، فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك الشيطان “.قيل: يا رسول الله، و في الناس شرك الشيطان؟ فقال: أو ما تقرأ قول الله: { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ }  “.

– عن يونس، عن أبي الربيع الشامي، قال: كنت عنده ليلة، فذكر شرك الشيطان فعظمه حتى أفزعني، فقلت: جعلت فداك، فما المخرج منها، و ما نصنع؟ قال: ” إذا أردت المجامعة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، الذي لا إله إلا هو، بديع السماوات و الأرض، اللهم إن قضيت شيئا خلقته في هذه الليلة ، فلا تجعل للشيطان فيه نصيبا ، و لا شركا ، و لا حظا ، و اجعله عبدا صالحا خالصا مخلصا مصيبا و ذريته ، جل ثناؤك  “.

– عن سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما قول الله: { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ }؟ قال: فقال : ” قل في ذلك قولا : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم “.

– عن العلاء بن رزين، عن محمد، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: ” شرك الشيطان، ما كان من مال حرام فهو من شركه ، و يكون مع الرجل حين يجامع، فتكون نطفته من نطفته إذا كان حراما- قال- فإن كلتيهما جميعا تختلطان- و قال- ربما خلق من واحدة، و ربما خلق منهما جميعا “.

– صفوان الجمال، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فاستأذن عيسى بن منصور عليه، فقال له: ” ما لك و لفلان، يا عيسى، أما إنه ما يحبك! ” فقال: بأبي و امي، يقول قولنا ، و هو يتولى من نتولى. فقال : ” إن فيه نخوة إبليس  “.فقال: بأبي و امي، أليس يقول إبليس:( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ-  الأعراف: 12)   ، ص : 76 ]؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ” أليس الله يقول: ( وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ ) فالشيطان يباضع ابن آدم هكذا ” و قرن بين إصبعيه.

–  عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول : ” كان الحجاج ابن شيطان يباضع ذي الردهة “. ثم قال: ” إن يوسف دخل على ام الحجاج، فأراد أن يصيبها، فقالت: أليس إنما عهدك بذلك الساعة؟ فأمسك عنها، فولدت الحجاج “.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا بمشاركة الزوجة يخرج الولد كبذرة توضع في رحم الأم فإما أن تخرج طيبة بصلاح الزوج أو صلاح الزوجين أو صلاح الزوج وسوء نسب الزوة فيخرج الولد مائلاً بطبعه وجبلته لعصيان الأب تبعاً لنسب السوء الذي خلط بنسب طيب ولعل مثال ولد نوح (كنعان)  خير مثال على ذلك حيث قال تعالى { قال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح )

وبعد الميلاد يكون ولد السوء له علامات فترى فيه العناد والغباء وفعل كل مايغيظ الوالدين وهو طفل صغير ولذلك يقول صلى الله عليه وآله [ من علامات الساعة أن يكون الولد غيظاً والمطر قيظاً .. الحديث ] .

وهذا يبدأ من الطفولة بالشقاوة وينتهي بالإعتداء والضرب والقتل للوالدين وهو من علامات الساعة أيضاً قال صلى الله عليه وآله [ من علامات الساعة قتل الأرحام .. الحديث ] .

وذلك لسوء اختيار الأب أولاً لنطفته وخروجه على قول النبي ونصيحته التي قال فيها صلى الله عليه وآله [ تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس … الحديث ]

وهنا يمكن القول بأن هناك من الذرية التي تكون نطفتها صالحة منذ الميلاد وهو طفل رضيع فيجعله الله تعالى قرة عين أبواه منذ الميلاد وهذا هو الدعاء الذي قال تعالى فيه { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما } فمنذ ميلاده يرزق الله تعالى ابواه رزقه كما قال تعالى { نحن نرزقكم زإياهم} فإذا ـصبح فتى ترى في عينه ثقته التامة في أباه ويكون تابعاً له غير شاق ولا عاق كما قال تعالى في سيدنا إسماعيل وقوله لأبيه عليهما السلام { يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصالحين } وهنا يكون الأب قد وضع أبناءه على الطريق الصواب لنيل خيري الدنيا والآخرة وتظل هذه البركة حول السرة وارفة مادام يطعمهم من حلال ولم يظلم أحد .

(4) جلود الناس في الدنيا (سوءاتهم) تخفي بداخلها أهل النار و أهل النار فلا يعرف أحدهما الآخر إلا بعمله  :

بينا من قبل أن ثياب المؤمنين في جنة عدن وأولهم أبو البشر سيدنا آدم وزوجه عليهما السلام كان لباسهما التقوى فنزع عنهما إبليس هذه التقوى لتظهر أجسادهم ولذلك نقول أن إبليس وحزبه بلا تقوى كانوا عراة في جنة عدن يعرف كلاً منهما الآخر وأراد إبليس أن ينزع عن بني آدم هذا اللباس فلما نزلوا إلى الدنيا أنزل الله تعالى لهم اللباس والريش كما في الآية ليواري كلاً منهما جلده و سوءته وبين تعالى أن هذا اللباس غير موجود في الآخرة بعد الموت لأن لباس الجنة هو تقوى الله تعالى والعمل بما أمر وهذه السوءة التي بدت مثلها لحزب الشيطان واللباس في الدنيا لكلا الحزبين وبالتالي جلود الدنيا التي أطلق القرآن الكريم عليها السوءة والتي هى بداخل جلود بني آدم هذه الجلود لا عذاب عليها لأنها مأمورة بستر جلود أخرى بداخلها نفس جهنمية خلقت من طينة جهنم ومن هنا قال تعالى عن هذه الجلود التي بدت بامر الله بعدما هبطوا إلى الأرض ستشهد على بني آدم وتعطيهم درساً توبيخياً لعصيانهم الله تعالى في قوله تعالى :

  { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ  – فصلت 19-23 }

وعن جلودهم الخاصة بالنفس الجهنمية الأمارة بالسوء أوالإنسان الداخلي لأعداء الله فهى نفس تعيش في الدنيا متوارية داخل سوءته كما قلنا فهذه هى التي يعذبها الله تعالى في جهنم ليذوقوا العذاب كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا – النساء 56 } .

(5) القاعدة القرآنية العامة التي تقول بأن الصالح يلد صالحاً والكافر يلد كافرأً وخصوصية القاعدة :

قال تعالى : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شيئ }

وقال تعالى في أهل النار { رب لا تذر على الرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا- نوح }

وشواذ القاعدة أزر عم نبي الله إبراهيم أو ابن نوح عليهما السلام وقد بينا الأسباب الخفية والعكس صحيح فقد تكون امرأة من قوم كافرين ولكن تبطن بداخلها الصلاح من عرق ممتد في أحد افرع أسرتها فيخرج منها صالحاً وسط قوم كافرينن لإقامة الحجة عليهم من أنفسهم قال تعالى { ثم بعثنا من كل أمة شهيداً عليهم } .

فإذا بلغ اشده هذا الإنسان بسوءته بعدما خرج من بطن أمه ويكون اقتران النفس في رحم الأم بناءاً على نطفة الأب وهل سمى الله أم لا وهل هو يعمل صالحاً أم لا وهنا يكون الأب قد اختار لنطفته النفس التي ستقترن بها فإن كانت في زنا نزلت له نفس من جهنم تقترن بها وغذا قلنا الزنا فلا نعني شاباً وفتاه أحبا بعضهما واتفقا على الزواج وحدث بينهما الفاحشة فهذا ليس الزنا المقصود والذي يخرج منه ولد الزنا لأن ولد الونا قال فيه صلى الله عليه وآله [ أن تزني بحليلة جارك ..] اي الجماع مع امرأة محصنة وهذا أولاً ثانياً الحب والمودة بين الذكر والأثنى فيه ركن من اركان الزواج وهو القبول والإيحاب ويفتقد ركنين آخرين وهما اذن الأهل الذي قال تعالى {فانكحوهن بغذن أهلهن } والثالث المهر والذي قال تعالى فيه :

{ وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } فإن أتاها سراً مهراً فهو زواج فاسد يفتقد بعض ركناً أو ركنين والإشهار من الشروط التي يفتقدها . والخلاصة هنا أن مثل هذه العلاقات وإن كانت مخالفة للشرع والقانون وعليها حد من حدود الله  إلا أنه ليس ابن الزنا الذي تميل نفسه نحو كل شر مطلق فكثيراً ولدوا بزواج طبيعي وشهود وإشهارفلما استقرت دنياهم و أطعمهم والديهم السحت والحرام أصبحوا أكابر مجرمي وسفاحيها  .

وعن هذا الجسد الفاعل للجرائم بينا هنا منبت بذرتها كيف بناءاً على فعل الأب والأم وبناءاً على هذا الإختيار يكتب على جبينه شقياً أم سعيد لأن اباه قد اختار له طريقه ووضع له بذرته في حلال أو حرام حسب هواه  :

[عن النبي ﷺ أنه أخبر أن الجنين إذا مضى عليه ثلاثة أطوار، كل طور أربعون، يعني: أربعة أشهر يدخل عليه ملك، ويأمره الله بكتب رزقه، وأجله، وعمله، ويكتب هل هو شقي، أو سعيد؟ هل هو يعني من أهل النار، أو من أهل الجنة؟ فالشقي من أهل النار، والسعيد من أهل الجنة –  حديث صحيح، رواه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود – رضي الله تعالى عنه ] [عن عمرَ بن الخطَّاب سأل عن هذهِ الآيةِ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ } قال : قرأ القعنبيُّ الآيةَ، فقال عمرُ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئل عنها فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنَّ اللهَ عز وجل خلق آدمَ، ثم مسح ظهرَه بيمينِه، فاستخرج منه ذريةً، فقال : خلقتُ هؤلاءِ للجنةِ وبعمل أهلِ الجنةِ يعملون، ثم مسح ظهرَه فاستخرج منه ذريةً، فقال : خلقتُ هؤلاءِ للنارِ وبعمل أهل ِالنارِ يعملون . فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ، ففيمَ العملُ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللهَ عز وجل إذا خلق العبدَ للجنةِ استعمله بعملِ أهلِ الجنةِ حتى يموت على عملٍ من أعمالِ أهلِ الجنةِ فيدخله به الجنةَ، وإذا خُلق العبدُ للنارِ استعمله بعملِ أهلِ النارِ حتى يموتُ على عملٍ من أعمالِ أهلِ النارِ فيدخلُه به النارَ – رواه أبي داوود في صحيحه ]

 

[ عن علي رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض فقال ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى الآية – الأدب المفرد للبخاري  ] [ عن علي بن أبي طالب(ع) قال رسول الله صلى الله عليه وآله :  ما منكُم مِن أحدٍ إلَّا قد كُتِبَ مَقعَدُه من النَّارِ و مَقعدُه من الجنَّةِ اعمَلوا ؛ فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ لهُ ، قال : أمَّا مَن كان من أهلِ السَّعادةِ فسَيُيَسَّرُ لعملِ السَّعادةِ ، و أمَّا مَن كان من أهلِ الشَّقاوةِ فسَيُيَسَّرُ لعملِ الشَّقاوةِ –   الأدب المفرد للبخاري ] .

وهذه مرحلة استباقية في علم الله القديم عن نسبه ونطفته وما سيعمله وشقي أم سعيد حتى الأسماء للمواليد قد لا يكون للناس خيار فيه كما يتوهمون فكثير من الناس يرى في المنام اسمه فيسميه كما هى إرادة الله تعالى .

(6) مرحلة الهم با الحسنة أو السيئة بين الثواب والعقاب والحدود :

بينا من قبل مرحلة التفكر بين السوءة والنفس والقرين ثم بداية الإنطلاق نحو العمل الصالح وما فيه من خير أو الطالح وما فيه من شر وهنا يقول صلى الله عليه وآله أنه مرحلة الهم بالحسنة أو السيئة قال صلى الله عليه وآله [ ” مَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كُتِبَتْ له حَسَنَةً، ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَعَمِلَها، كُتِبَتْ له عَشْرًا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، لَمْ تُكْتَبْ، وإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ” .- رواه مسلم ] وفي هذه المرحلة قد ينوي القياام بعمل صالح ولكن حالت الظروف دون إتمامه بغير عند منه وهنا تكتب له الحسنة كما هى بنيته وكذلك من هم بسيئة ثم تراجع ونفسه لم تطوعه نحو عصيان الله تعالى .
ونجد هنا تطبيق حدود الله تعالى في الإعتداء على الأنفس بالمثل وتقوم به الحكومات والقوى المسؤولة وذلك لقوله تعالى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ – المائدة 45 } و كذلك بقية حدود الحلف الكاذب أو حد الرمي والقذف أوشرب الخمر أو السرقة أوالقتل والزنا (وهو الجلد) وغيرها من الحدود والتعزيرات الرحيمة وليست اليت قرأنا عنها في بعض الفتاوى خمسمائة جدلة تقسم على خمسين جلسة بين كل جلية وأخرة يومان فهذا انتقام وهذا مالم يرد في كتاب الله و لا في سنة رسوله (صلى الله عليه وآله) بكتب الحديث وإن صدر من أشخاص فهم ليسوا حجة على كتاب الله وسنة رسوله لأن الحجة فيكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) وفاعل ذلك
لا يعنيه إلا الإستهزاء بدين الله وذلك لأن العقوبة القصد منها الإصلاح وليس الإنتقام والتشفي والقضاء على الجنس العربي باسم الشريعة .
وبالتالي تطبيق الحدود تحول دون اندفاع النفس في حديثها مع سوءتها نحو الشر والكفر والفسوق والعصيان فإن همت السوءة بالسوء أو الجريمة والكبيرة قالت في نفسها وهل سيتركني المسلمون دون حد أو ثار أو انتقام وهنا تكون أهمية الحدود الإسلامية الحامية للمستضعفين من بطش الجبابرة والمستكبرين .

(7) الوعد والوعيد للأنفس يبدأ من سكرة الموت جسد المؤمن أو سوءته ترجع للتراب وجسد الكافر والمنافق  يعذب في الدنيا فإذا قامت القيامة خرجوا من الأجداث كجراد منتشر وتكون سوءة الكافر (جسده) شاهدة عليهم 

  إعلم أخي الكريم أنه لما هبط آدم وزوجه وإبليس لعنه الله إلى الدنيا بعد أن أكلا من الشجرة فبرزت السوءات وهى أجسادهما الأرضية بما فيها من عذرة ودم ونجاسات بما لا يتناسب مع جنة عدن وهذا ما كان متوارياً عنهما ويعلمه إبليس الذي شهد خلقهما وأمر بالسجود لآدم وهو منجدل في طينته فأبى السجود ولذلك كان يعلم بأمر الشجرة المنهي عن أن يأكلا منها وهنا قال تعالى { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين -الأعراف 20 }

فلما هبطوا جميعا إلى الأرض غطت سوءاتهما وذريتهما من بعد أنفس السوء التي خلقت من طينة الأرض والأنفس الطيبة المخلوقة من طينة الجنة  حتى أصبح لا يعرف أحدهما الآخر بين حزب الله وحزب الشيطان إلا بعمله المتوافق مع ما أمر الله تعالى به أو خالفه ولذلك في قبره إن مات فلن يجيب على أسئلة الملكين منكر ونكير إلا عمله في الدنيا الذي كان يعمله .

  • و إعلم أخي الكريم إذا كانت النفس مرفقة بجسد الإنسان فهى التي ستحاسب فور خروج الروح منها بالموت في الحياة الدنيا

ولذلك قال تعالى في سورة (ق) بعد الموت مباشرة { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد – ق } ولم يقل وجاء الجسد أو وجاء الإنسان ومن هنا تثبت النصوص بأن الجسد الطيني العلوي فهو المخلوق من طينة الجنة وهو راجع إليها لقوله تعالى { وإلى الله ترجعون } وأما إن كان مخلوقة من طينة الأرض وفيها سجين وبرهوت فهى تعمل بعمل أهل الدنيا وجهنم وهى أيضاً عائدة وسيرجع هذا الجسد إليها يعذب فيها بالحياة الدنيا ثم يشهد على النفس التي كانت تعيش فيه وتعذب هنا في جهنم ولا عذاب على السوءة التي تتحول إلى شاهد عليه وعن عودة هؤلاء إلى جهنم والأرض السفلى يقول تعالى { ثم إن مرجعهم لإلي الجحيم – الصافات } وقال تعالى أيضاً { إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لابثين فيها أحقابا – النبأ21-22 } أي أنهم كانوا فيها وبعد موتهم راجعون آيبون إليها إن كانوا كافرين أومنافقين مجرمين . تعود السوءة إلى الأرض فتسجن وتعذب فيها حتى قيام الساعة فإذا قامت الساعة تحولت إلى شاهد وينتهي أمرها ثم تخلد نفسه في جهنم لأنها سوءة بدت خلقت من الأرض وإليها تعود أرفقت بجسد مخلوق من طينة جهنم  .

ويوم القيامة ستكون هذه السوءة شاهدة عليه ولا حساب عليها بعد ذلك لأن الشاهد لا يعذب وقال تعالى في شهادة هذا الجسد الذي هو جلد الإنسان وما خلقه الله تعالى فيه من حواس { حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيئ وهو خلقكم أول مرة – فصلت } . وهذه شهادة أجسادهم على أنفسهم و التي قال تعالى فيها عز وجل { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا و غرتهم الحياة الدنيا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأنعام 130 } وهذه هى شهادتهم على أنفسهم التي خلقت من طينة جهنم

ولعدله تعالى من اشتراك هذا الجسد في معصية الله تعالى أو الطاعة له عز وجل فإن للجسد علامات عن الموت بحسن  أو سوء الخاتمة ليعلم الناس كرامة المؤمن عند الله تعالى ومهانة الكافر في الدنيا قبل رحيلهم عنها  –  أخرجه أبو يعلى- كما في تفسير ابن كثير ٤/٥٠٤-٥٠٧] .

فيمكن أن ترى وجهه الكافر مزرقاً أو عابساً أو يتفوه بكلمات استغاثة من أشخاص يضربونه أو يستغيث منهم غير مرئيين لمن حوله أن يرى الناس بعد دفنه حنشاً أو حية ضخمة تنتظره في قبره أو ناراً تخرج من قبره أو ما شابه من اعتراض نعشه عن السير نحو القبر وما شابه والعكس صحيح إن كان من المؤمنين فقد ترى الجسد مبتسماً أو كأنه نائم وليس ميتاً وعدم فناءه في الأرض إن كان من الأنبياء والصالحين والشهداء

[علامات سوء الخاتمة عند التغسيل :يقول الشيخ القحطاني في محاضرة له بعنوان “تذكرة الإخوان بخاتمة الإنسان”  : “إن بعض الأموات عندما كنتُ أُغسِّلهم كان بعضهم تنقلب بشرتُه إلى السواد، وبعضهم يَقبِض يده اليمنى، وبعضهم يُدخِل يده في فَرْجِه، وبعضهم تشمُّ رائحة الشِّواء من فَرْجِه، وبعضهم تسمع كأن أسياخًا من نار أُدخِلت في فرجه، يقول: ولقد جِيء بميتٍ، فما ابتدأنا بتغسيله حتى انقلب لونه كأنه فحمة سوداء، وكان قبل ذلك أبيض البشرة، فخرجتُ من مكان التغسيل وأنا خائف، فوجدت رجلاً، فقلت: أنت أبوه؟ قال: نعم، قلت ما شأن الرجل؟ قال: هذا الرجل كان لا يصلِّي، فقلت له: خُذْ ميتك فغسِّله”.وقال الشيخ القحطاني أيضًا:”ولقد حدَّثني عدد ممَّن يُغسِّلون الموتى من مناطقَ مختلفة عن بعض ما شاهدوه أثناء التغسيل من هذه العلامات، والغريب في الأمر أنهم يتَّفِقون على صفات معينة يرونها على هؤلاء الموتى؛ من ذلك أن الرجل الذي يموت على الخير يبدو وكأنه نائم، وأما مَن مات على خلاف ذلك، فيظهر عليه الفزع وخوف الموت مع تغيُّر في وجهه.ولقد حدَّثني أحدُهم، فقال: “غسَّلتُ رجلاً وكان لونه مصفرًّا، وفي أثناء التغسيل أخذ لونه يتغيَّر إلى السواد من رأسه إلى وسطه، فما انتهيتُ من التغسيل فإذا به قد أصبح كالفحمة السوداء.وحدَّثني مُغَسِّلٌ آخر، فقال: “إنه غسَّل رجلاً وكان لونه مصفرًّا، فلما فرغوا من التغسيل اسودَّ وجه ذلك الرجل، فقلت له: أسود مثل لحيتي، قال: لا، أسود كالفحم، قال: ثم صار يخرج من عينيه دم أحمر، وكأنه يبكي الدم والعياذ بالله”.وحدَّثني مُغَسِّلٌ آخر فقال: “إنه دخل ذات مرة على بعض الإخوان وهم يغسِّلون ميتًا، قال: فرأيت وجهَه مسودًّا كأنه قرص مُحتَرِق، وجسمه أصفر، ومنظره مخيف، ثم جاء بعض أهله لينظروا إليه، فلما رأوه على تلك الصورة فرُّوا هاربين خوفًا منه – ” – علامات سوء الخاتمة عند التغسيل للشيخ  القحطاني في محاضرة له بعنوان “تذكرة الإخوان بخاتمة الإنسان” (صـ47) ] .

 

وهذه العلامات كلها وغيرها عند الموت ما هى إلا إظهاراً لمعجزة الله تعالى للناس في الدنيا حتى يتيقنوا أنهم محاسبون من بعد الموت وأن هناك ثواب وعقاب يبدأ مع سكرات الموت .

ولكن هذه الظواهر التي يراها أهل الميت بادية عليه ماهى إلا ظواهروعلامات تبديها الملائكة للناس بأمر الله تعالى كي يعلموا أن هناك ثواب وعقاب ويبدأ مع سكرات الموت فإذا ماتوا فهم إلى الجنة أو النار يقول تعالى عن قوم نوح لعنهم الله لذلك {مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا – نوح 25 } .

وما نريد توضيحه هنا أن الجسد الطيني الذي أطلق القرآن الكريم عليه أنه السوءة لا عذاب عليها إلا في الدنيا بالقبر لاشتراكة في معصية الله تعالى وينام في الأرض نومة هنيئة فلا يبعثة يوم القيامة إلا أحب الناس إليه كما هو وارد في سنة النبي صلى الله عليه وآله .

  • عن هذه السوءة المؤمنة (جسد الإنسان المؤمن بعد موته) نها تنام نومة هنيئة لا يوقظها يوم القيامة عند البعث إلا أحب أهلها إليها وإ، كانت كافرة منافقة عذبت في الحياة الدنيا حتى يوم البعث كما في هذه الرويات التي وردت في كتب السنن والتفاسير :
[ وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله حدثنا يحيى بن خلف، حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إِذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما منكر، والآخر نكير، فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، وينور له فيه، ثم يقال له نم، فيقول أرجع الى أهلي فأخبرهم، فيقولان نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال سمعت الناس يقولون، فقلت مثلهم، لا أدري، فيقولان قد كنا نعلم أنك تقول هذا، فيقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك  … – تفسير ابن كثير سورة إبراهيم الآية 27 ] .

  • وفي روايات أن الجسد يذهب إلى التراب و تنعم النفس بالجنة إن كانت مؤمنة وتعذب هذه السوءة إن كانت كافرة كما يلي :
[ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” والذي نفسي بيده إن الميت ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنه مدبرين، فإن كان مؤمناً، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة ما قبلي مدخل، فيؤتى عن يمينه، فتقول الزكاة ما قبلي مدخل، فيؤتى عن يساره، فيقول الصيام ما قبلي مدخل، فيؤتى عند رجليه، فيقول فعل الخيرات ما قبلي مدخل، فيقال له اجلس، فيجلس، قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب، فيقال له أخبرنا عما نسألك، فيقول دعني حتى أصلي، فيقال له إنك ستفعل، فأخبرنا عما نسألك، فيقول وعم تسألوني؟ فيقال أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم، ماذا تقول فيه، وماذا تشهد به عليه؟ فيقول أمحمد؟ فيقال له نعم، فيقول أشهد أنه رسول الله، وأنه جاءنا بالبينات من عند الله، فصدقناه، فيقال له على ذلك حييت، وعلى ذلك مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويفتح له باب إلى الجنة، فيقال له انظر إلى ما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسروراً، ثم تجعل نسمته في النسم الطيب، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة، ويعاد الجسد إلى ما بدىء من التراب، وذلك قول الله { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ “} – تفسير ابن كثير سورة إبراهيم الآية 27 ] .

فإذا كان يوم البعث كانت هذه السوءة أو الجسد الذي عاش به في الحياة الدنيا شاهدة عليه كما بينا من قبل ولقوله تعالى { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – فصلت 19-20 }

  • ورد في تفسير قوله تعالى ﴿ٱلَّذِینَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ طَیِّبِینَ یَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمُ ٱدۡخُلُوا۟ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ – النحل 32﴾

أن الجسد المؤمن في الدنيا بعد الموت سيقول للروح جزالك الله عني خيراً لقد كنت خير عون لي على طاعة الله وإن مات كافراً قال له جزاك الله عني شر لقد كنت عون لي على معصية الله … الحديث ] ثم يفترقان .

يقول صلى الله عليه وآله :  [ فإذا قبض ملك الموت روحه يقول الروح للجسد: لقد كنت بي سريعًا إلى طاعة الله، بطيئًا عن معصيته، فهنيئًا لك اليوم؛ فقد نجوت وأنجيت. ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله عليها كل باب من السماء كان يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة، فإذا قبضت الملائكة روحه أقامت الخمسمائة ملك عند جسده، لا يقلبه بنو آدم لشِقٍّ إلا قلبته الملائكة قبلهم، وعَلَتْه بأكفان قبل أكفانهم، وحنوط قبل حنوطهم، ويقوم من باب بيته إلى باب قبره صفّان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، ويصيح إبليس عند ذلك صيحة تَتَصَدَّع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم؛ كيف خلص هذا العبد منكم؟ فيقولون: إنّ هذا كان معصومًا. فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفًا من الملائكة، كلهم يأتيه من ربه، فإذا انتهى ملك الموت إلى العرش خرَّت الروح ساجدة لربها، فيقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود، وماء مسكوب. فإذا وُضِع في قبره جاءت الصلاة فكانت عن يمينه، وجاء الصيام فكان عن يساره، وجاء القرآن والذِّكر فكانا عند رأسه، وجاء مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاء الصبر فكان ناحية القبر، ويبعث الله عُنُقًا من العذاب فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءكَ، واللهِ، ما زال دائبًا عمره كله، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره. فيأتيه عن يساره، فيقول الصيام مثل ذلك، فيأتيه من قِبَل رأسه، فيقول له مثل ذلك، فلا يأتيه العذاب من ناحية فيلتمس هل يجد لها مساغًا إلا وجد وليَّ الله قد أحرزته الطاعة، فيخرج عنه العذاب عندما يرى، ويقول الصبرُ لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشره بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم، فلو عجزتم كنت أنا صاحبُه، فأما إذا أجزأتم عنه فأنا ذخر له عند الميزان. قال: ويبعث الله إليه ملَكين أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصَّياصِيِّ (جمع صيصية، وهي قرن البقر والظباء) وأنفاسهما كاللهب؛ يطآن في أشعارهما بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة إلا بالمؤمنين، يقال لهما: منكر ونكير، وفي يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عليها الثقلان لم يقلوها. فيقولان له: اجلس. فيستوي جالسًا في قبره، فتسقط أكفانه في حقويه، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، والإسلام ديني، ومحمد نبي، وهو خاتم النبيين. فيقولان له: صدقت، فيدفعان القبر، فيُوسِّعانه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن يساره، ومن قِبَل رأسه، ومن قِبَل رجليه، ثم يقولان له: انظر فوقك. فينظر، فإذا هو مفتوح إلى الجنة، فيقولان له: هذا منزلك، يا وليَّ الله، لِما أطعت الله». قال رسول الله ﷺ : «فوالذي نفس محمد بيده، إنه لتصل إلى قلبه فرحة لا تَرْتَدُّ أبدًا، فيقال له: انظر تحتك. فينظر تحته، فإذا هو مفتوح إلى النار، فيقولان: يا وليَّ الله، نجوت من هذا. فوالذي نفسي بيده، إنّه لَتَصِل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبدًا، ويفتح له سبعة وسبعون بابًا إلى الجنة يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله تعالى من قبره». قال: «ويقول الله تعالى لملَك الموت: انطلق إلى عدوي، فائتني به، فإني قد بسطت له رزقي، وسربلته نعمتي، وأبى إلا معصيتي، فائتني به لأنتقم منه اليوم. فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة رآها أحد من الناس، له ثنتا عشرة عينًا، ومعه سَفُّودٌ  (بالتشديد : حديدة ذات شُعَب، مُعَقَّفَة، يُشوى به اللحم) من النار كثير الشوك، ومعه خمسمائة من الملائكة، معهم نحاس وجمر مِن جمر جهنم، معهم سياط من النار تأجج، فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربة، يغيب أصلُ كل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعِرق من عروقه، ثم يلويه ليًّا شديدًا، فينزع روحَه من أظفار قدميه، فيلقيها في عقبيه، فيسكر عدوُّ الله عند ذلك سكرة، وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، ثم يجذبه جذبة، فينزع روحه من عَقِبَيه، فيلقيها في ركبتيه، فيسكر عدوُّ الله سكرة، وتضرب الملائكة وجهه ودبره، ثم كذلك إلى حقويه، ثم كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه، ثم تبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه، ثم يقول ملك الموت: اخرجي -أيتها النفس اللعينة الملعونة- إلى سموم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم.

فإذا قبض ملك الموت روحه قالت الروح للجسد : جزاك الله عني شرًّا، لقد كنت بي سريعًا إلى معصية الله، بطيئًا بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت. ويقول الجسد للروح مثل ذلك، وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله تعالى عليها، وتنطلق جنود إبليس إليه يُبَشِّرونه بأنهم قد أوردوا عبدًا من بني آدم النار، فإذا وضع في قبره ضُيِّق عليه قبرُه حتى تختلف أضلاعه؛ فتدخل اليمنى في اليسرى، واليسرى في اليمنى، ويبعث الله إليه حيّات دهمًا، تأخذ بأرنبته وإبهام قدميه، فتقرِضُه حتى تلتقي في وسطه، قال: ويبعث الله إليه الملَكين، فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيُّك، فيقول: لا أدري. فيقال له: لا دريت، ولا تليت. فيضربانه ضربة يتطاير الشرار في قبره، ثم يعود، فيقولان له: انظر فوقك. فينظر، فإذا باب مفتوح من الجنة، فيقولان: عدوَّ الله، لو أطعت اللهَ كان هذا منزلك. فوالذي نفس محمد بيده، إنّه لتصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتدُّ أبدًا، ويفتح له باب إلى النار، فيقال: عدوَّ الله، هذا منزلك لما عصيت الله. ويفتح له سبعة وسبعون بابًا إلى النار، يأتيه حرها وسمومها، حتى يبعثه الله يوم القيامة إلى النار» أخرجه أبو يعلى-كما في تفسير ابن كثير ج ٤ ص٥٠٤-٥٠٧ ] .

 

وهنا تفاصيل قبض ملك الموت للروح هو الفصل بين السوءة التي يعيش بها في الدنيا وهى جسده الذي ينفصل عن نفسه وهى جسد الطيني العلوي المخلوق من طينة الجنة وهى (النفس المطمئنة )أو المخلوقة من طينة جهنم ( وهى الأمارة بالسوء) أو المخلوقة من طينة الأرض المخلوطة مع طينة الجنة ممن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا (وهى النفس اللوامة) تفصل هذه الأجساد عن أرواحها التي أودعها الله تعالى فيها واقترنت بها ومن ثم يكون الموت وبداية الحساب بالوعيد والوعيد الذي بينه الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم .

  • فإذا كان يوم القيامة واختصم الجسد والنفس والقرين قال الله تبارك و تعالى لهم :

{ قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد } فإذا كان يوم القيامة بعث لله تعالى حرجت جميع  هذه السوءات التي هى الأجساد و التي عاشت بها في الحياة الدنيا خارجة من الأجداث كما في قوله تعالى { يوم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر – القمر }

وهنا يبعث هذا الجسد المقترن بأنفس السوء واللوامة بالشهادة على نفسها التي كانت مقترنة بها في الحياة الدنيا و التي خلقها الله تعالى من طينة جهنم أو من الأرض و تكون هذه السوءة أو هذا الجسد يوم القيامة من الشهداء على الإنسان كما بينا ولقوله تعالى { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – فصلت 19-20 }

  • ومن هنا يتبين لنا أن الأحاديث التي تقول في الخلق الأول أن الله تعالى أمر جبريل عليه السلام بالنزول إلى الأرض ويقبض منها قبضة فهم أهل النار الذين سيعملون للدنيا

والعكس صحيح أن هناك قبضة قبضها الله تعالى من طينة الجنة في السماء من جنة عدن وهم الذين سيعملون لآخراهم ولذلك ورد في ألأحاديث أن الروح الطيبة تسكن الجسد الطيب

[ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح، قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال فلا يزال يقال لها ذلك، حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقال فلان، فيقولون مرحباً بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء، قالوا اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال من هذا؟ فيقال فلان، فيقال لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لا تفتح لك أبواب السماء، فيرسل من السماء، ثم يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل له في الحديث الأول (من ربك ما دينك ومن نبيك)

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إِذا خرجت روح العبد المؤمن، تلقاها ملكان يصعدان بها. قال حماد فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه عز وجل، فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل. وإن الكافر إذا خرجت روحه قال حماد وذكر من نتنها، وذكر مقتاً، ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل قال أبو هريرة فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا. وقال ابن حبان في صحيحه حدثنا عمر بن محمد الهمداني، حدثنا زيد بن أخزم، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن قتادة، عن قسام بن زهير، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إن المؤمن إذا قبض، أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون اخرجي إلى روح الله، فتخرج كأطيب ريح مسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضاً يشمونه حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من قبل الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك، حتى يأتوا به أرواح المؤمنين، فلهم أشد فرحاً به من أهل الغائب بغائبهم، فيقولون ما فعل فلان؟ فيقولون دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم، فيقول قد مات، أما أتاكم ؟ فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية، وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح، فيقولون اخرجي إلى غضب الله، فتخرج كأنتن ريح جيفة، فيذهب به إلى باب الأرض ” وقد روي أيضاً من طريق همام بن يحيي عن أبي الجوزاء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، قال ” فيسأل ما فعل فلان، ما فعل فلان، ما فعلت فلانة؟ قال وأما الكافر فإذا قبضت نفسه، وذهب بها إلى باب الأرض، تقول خزنة الأرض ما وجدنا ريحاً أنتن من هذه، فيبلغ بها الأرض السفلى ” قال قتادة وحدثني رجل عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمرو قال أرواح المؤمنين تجتمع بالجابية، وأرواح الكفار تجتمع ببرهوت، سبخة بحضرموت، ثم يضيق عليه قبره. “- تفسير ابن كثير سورة إبراهيم الآية 27 ] .

  • وأما المؤمنين الذين سبقت لهم من الله الحسنى أولائك عن عذاب الله تعالى مبعدون في الدنيا والآخرة :قال تعالى { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون – الأنبياء 101 }
  • وأما عن إثبات حساب النفس بعد الموت والجسد هو الشاهد عليها يوم القيامة

يقول تعالى في سورة (ق) :

 (21) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد (21)

وهنا :

(وجاءت)

أي أنه قال تعالى { وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد – ق 19 } فإذا مات وخرجت روحه جاءت كل نفس معها سائق وشهيد قال تعالى هنا { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد – ق 21 } ولاحظ هنا قوله تعالى كل نفس ولم يقل كل إنسان بما يؤكد بأن هذه النفس هى التي خلقت من طينة الجنة أو النار وأما الجسد فيبعثه الله تعالى يوم القيامة للحساب وليشهد على الإنسان كما في قوله تعالى { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ۖ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ – فصلت 19- 25 }

وهؤلاء القرناء هنا هم الذين سيختصمون مع نفس الإنسان المخلوقة من طينة جهنم وكانوا يعملون بعمل أهل النار  في الدنيا كما في قوله تعالى هنا { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ – ق 21-27 }

وأما :

(كل نفس)

وهنا يقول تعالى { كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – آل عمران 185 } فإذا جاء الموت فصل بين النفس وما هو مقترن بها من روح وسوءة الإنسان ليحيا مرة أخرى بنفسه المخلوقة من طينة الجنة أو ترجع إلى الجحيم الذي خلقت وخرجت منه لقوله تعالى {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم – الصافات } فإذا ماتوا وجدوا بعد موتهم ما عملوا من خير أو شر محضرا و من عملت سوءاً ستود   لو ان بينها وبين عملها أمداً بعيدا كما في قوله تعالى { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد – آل عمران 30 } وكأن الموت يوم الجزاء والحساب على ما علمه العبد في الدنيا قال تعالى { ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب  – إبراهيم 51 } وقال تعالى {  ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون – الزمر 70 }

وأما :

(معها)

وهنا كأنه يقول تعالى للمؤمنين { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا – النساء 69 }

ومن كان من أهل النار { إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم – المائدة 36 } وكل نفس من هذه الأنفس تأتي  معها سائق وشهيد كما في قوله تعالى هنا { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } .

وأما :

(سائق)

والسائق هو الذي يسوق كل نفس أو جماعة إلى الجنة أو إلى النار وتبدأ هذه المرحلة بموت الإنسان والتفاف الساق بالساق إذا كان من المجرمين قال تعالى { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى – القيامة 26-36 } وهنا بعدما التفت الساق بالساق وأصبحتا ساقاً واحدة بكفرهم ونفاقهم وسحبتهم الملائكة على وجووهم وحينها يدعون إلى السجود فلا يستطيعون كما في قوله تعالى {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون – القلم 42-43 } ثم تسوقهم الملائكة للمحكمة الإلهية بسائق وشهيد قال تعالى فيهما هنا { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد – ق 21 } وبعد المحاكمة يساقون فريق إلى الجنة وفريق إلى السعير قال تعالى { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ – الزمر 70 -74 } .

وأما :

(وشهيد)

والشهيد على كل شيئ وإليه يرد علم كل شيئ والحكم في كل شيئ هو الله تبارك وتعالى كما في قوله عز وجل { إن الله على كل شيئ شهيد – النساء 33 }

وبعدما بين تعالى أن لكل أمة رسولا شاهداً عليها كما في قوله تعالى { ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين – النحل 89 } . أي أن الشهيد على كل نفس بعد موتها ملائكة تسأله عن ربه ودينه وإمامه وفي بعض الروايات “من هذا الذي بعث فيكم” ويوم القيامة يسأل الله تعالى الشاهد والمشهود عليه الرسسل والمرسل إليهم لقوله تعالى { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين – الأعراف 6} وقال تعالى أيضاَ {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا – الأحزاب 8 } والسؤال هنا للمرسلين والأنبياء والأئمة عليهم السلام و في حق من أرسلوا إليهم وشهاداتهم على قومهم .

وآخر هؤلاء الشهود وخاتمهم وإمام أنبياء الله هو سيدنا محمد صاحب الميثاق لقوله تعالى { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا – النساء 41 } ثم تأت شهادة أئمة أهل بيت النبي عليهم السلام على هذه الأمة من بعد رسول الله صلى الله عليه وىله وأولهم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43 } .

[  يقول ابن عباس رضى الله عنهما الذي على البينة رسول الله صلى الله عليه واله والشاهد أمير المؤمنين – منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج 2 باب التفسير طبعة البابي الحلبي ] .

ثم ـات شهادة عبد الله بن سلام على اليهود كما في قوله تعالى { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين – الأحقاف 10 } .

ثم تأت شهادة جسد الإنسان على صاحبه وهو الذي يصاحب الإنسان شاهداً عليه يوم القيامة كما في قوله تعالى { حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون – فصلت 20 }

ولذلك ورد في الآثار عن أهل بيت النبي عليهم السلام :  [ أن إسرافيل أو جبرائيل عليهما السلام فيقول أيتها العظام والأوصال المتقطعه البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء – أنوار التنزيل ج2 ص 418 و كنز الدقائق للقمي المشهدي ج12 ص 400 ]

وفي تفسير القرطبي :

[ والمنادي جبريل . وقيل : إسرافيل . الزمخشري : وقيل إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي ، فينادي بالحشر ويقول : هلموا إلى الحساب فالنداء على هذا في المحشر . وقيل : واستمع نداء الكفار بالويل والثبور من مكان قريب ، أي يسمع الجميع فلا يبعد أحد عن ذلك النداء . قال عكرمة : ينادي منادي الرحمن فكأنما ينادي في آذانهم . وقيل : المكان القريب صخرة بيت المقدس . ويقال : إنها وسط الأرض وأقرب الأرض من السماء باثني عشر ميلا . وقال كعب : بثمانية عشر ميلا ، ذكر الأول القشيري والزمخشري ، والثاني الماوردي . فيقف جبريل أو إسرافيل على الصخرة فينادي بالحشر : أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، ويا عظاما نخرة ، ويا أكفانا فانية ، ويا قلوبا خاوية ، ويا أبدانا فاسدة ، ويا عيونا سائلة ، قوموا لعرض رب العالمين . قال قتادة : هو إسرافيل صاحب الصور – تفسير القرطبي ]

ثم تأت شهادة الأمة الإسلامية على بقية الأمم في كل واقعة أو حدث أو حديث أو معركة أو جدال   أو سفك دماء في كل وقائع الحياة الدنيا لذلك قال تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم – البقرة 143 } ومن هنا يتبين لنا الشاهد الأول على الإنسان الذي يشهد عليه هو جسده الطيني السفلي وسوءته التي بدت بعدما أكل نبي الله آدم من الشجرة وزوجه منها فهبطا إلى الحياة الدنيا هذه السوءة هو الجسد الذي يحوي السمع والأبصار والجلود وهو الذي يشهد على الإنسان يوم القيامة كما بينا في قوله تعالى { حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون – فصلت 20 } ثم يأتي عمله مصاحب له شاهداً عليه لقوله تعالى { ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا – الكهف 49} ثم تأت شهادة صاحب الواقعة ثم شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم الإمام علي والأئمة من بعده كل نفس والشاهد عليها من أئمة زمانهم  وهؤلاء جميعاً هم الشهود بالجمع الوارد ذكرهم في قوله تعالى { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – يونس 61 } وهؤلاء الشهود كما بينا

  • جسده الذي يشهد عليه .
  • الشاهد عليه من الرسل أو الأنبياء وأئمة أهل البيت عليهم السلام .
  • المسلمين شهود على الكافرين والمنافقين .
  • عمل الإنسان يكون في هذا اليوم شاهدا عليه وهؤلاء هم الشهود على كل نفس .

كتاب الله الناطق والمكتوب بكل أعمال الإنسان كأنه تسجيل فيديو لأعمال الناس وكتاب موثق مكتوب  قال تعالى فيه { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون – الجاثية 19 }

الفصل الخامس :

(1) أنواع الأنفس البشرية الثلاثة :

  • ويمكن بعد ذلك أن نقول بأن الأنفس البشرية نوعان نوع محرض على الشر و الكفر و الفسوق و العصيان
  • بصرف النظر عن الديانة أو المذهب , ونفس أخرى تدفع للخير و التقوى و البر و العمل الصالح وبينهما نفوس خلطت عملاً صالحاً وآخر سيئا وهى النفس اللوامة وقال تعالى هنا في هذه الأنواع الثلاثة  :
  • النفس مطمئنة . { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وهي النفس الآمنة التي لا يستفزها خوف و لا حزن و الواصلة إلى مرحلة الاطمئنان و الراحة و الطاعة التامة لأوامر الله و المشمولة بعناياته الربانية .
  • النفس اللوامة . و التي قال عنها القرآن الكريم : { وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ – القيامة } و هي التي تندَم بعد ارتكاب المعاصي و الذنوب فتلوم نفسها
  • النفس الأمارة بالسوء . { وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ – يوسف } وبالتالي هذه النفس هى جسدك الآخر المخلوق من طينة الجنة أو النار والتي خلطت فيها طينة من الجنة والنار وهم الذين يخلطون العمل الصالح بالسيئ وهم كثير .

 أما بعد :

 يحدثنا القرآن بأن الإنسان قد وهبه الله تعالى قدرة و موهبة إلهية على خلق الأعمال بإذن الله بأن جعله يرى نتيجة عمله من خير وشر في صورة ملائكة أو شياطين فتتجسد ليراها الناس على حسب أعمالهم منذ نزولهم القبر .

و في مرحلة ما بعد الموت يراها الإنسان بنفسه خلقاً يسعى ويسير ويُرى بالعين و تحس بها نفسه     .

وهذه الأعمال الإنسانية من خير وشر تنعكس على الإنسان بجسده الطيني السفلي  في الحياة الدنيا  سلباً أو إيجاباً  فتحول حياته إلى ضنك أو رضاً و سعادة وقناعة . ولذلك تجد العوام البسطاء إذا وجدوا شقياً لا ينجو من معضلة قالوا لقد  [ ” وقف له عمله ” ]  أو قولهم [” هذا من أعماله ” ] و ذلك  صحيح كما سنبين  لذلك يسعى الإستعمار أو الأعداء دائماً للإيقاع بالمسلمين في الرذيلة أوالفواحش وسفك الدماء ليتسلطوا هم كسيف انتقام إلهي مسلط من الله  على رقابهم ليكون القصاص بأيديهم  بعدما أوقعوا الأمة في الكفر والظلم والكبائر والآثام .

يقول تعالى عن نبي الله إبراهيم عليه السلام  وقوله لقومه حينما عبدوا الأصنام :

{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – العنكبوت 19}

ولاحظ هنا قوله لهم (وتخلقون إفكا) ولم يقل وتعملون إفكا  وذلك لأنهم خلقوا بما عملته أيديهم صناعات ليعبدوها من دون الله تعالى فيها إفك وافتآت وافتراءاً على الله تعالى جلبت عليهم الشياطين بتلك الأعمال  لذلك يقول لهم في سورة الصافات { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}

وما عملوه وفقاً لبيان القرآن بالقرآن :

هى أعمالهم من الصالحات والسيئات لقوله تعالى { قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم – التغابن 7} أي أن أعمال العباد كلها مخلوقة يحجبك جسدك الطيني السفلي أو السوءة عن رؤيتها في الحياة الدنيا بهذه الأجساد الطينية فلا نرى من أعمالنا إلا جلب بركة وخير إن كانت صالحة أو جلب مصائب وشرور إن كانت سيئة وبينهما أهل المعاصي وابتلاء يبتليهم الله تعالى بالشر والخير فتنة  ولكن لا تستمر بل تلك الفتنة بل تتغير وتتبدل كما قال تعالى { ولنبلونكم بشيئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون – البقرة }

و يوم القيامة يرى الإنسان بجسده الطيني العلوي أو نفسه التي عاش بها في جنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض إن كانت خيراً فخير وإن كانت شراً فستجد شرها وعملها متجسداً حاضرا كما في قوله تعالى { ووجدوا ماعملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا – الكهف 49 }

والله من هذه الأعمال في الدنيا على سبيل المثال ما ذكره النبي صلى الله عليه وآله [عن عبد الله  بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لَقيتُ إبراهيمَ ليلةَ أُسْريَ بي فقالَ: يا محمَّدُ ، أقرئ أمَّتَكَ منِّي السَّلامَ وأخبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عذبةُ الماءِ ، وأنَّها قيعانٌ ، وأنَّ غِراسَها سُبحانَ اللَّهِ والحمدُ للَّهِ ولا إلَهَ إلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبرُ”.                   ] .

أي أن تسبيحك هو زرعك في الجنة وتنظيف وكنس بيوت الله مهور الحور العين [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إخراج القمامة من المسجد، مهور الحور العين – رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة، والطبراني في الكبير ] .


وبالتالي كل أعمال بني آدم في الدنيا سيراها بعد موته متجسدة لا يعرف منها إلا الأسماء فقط قال بن عباس [  عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما قال : ليسَ في الجنَّةِ شيءٌ مِمَّا في الدُّنيا إلَّا الأسماءُ – . أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة (124) باختلاف يسير، والبيهقي في البعث والنشور (332) ، وابن عساكر في معجم الشيوخ (1194) ] .

– وهذا في جنة عدن وهى جنة الحياة الدنيا كما بينا و أما الفردوس لا يدخلها الناس إلا بعد القيامة لاقترانها بلفظ ميراث في قوله تعالى { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ  وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ  إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ  فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ   – المؤمنون 1-11 }

والميراث ورد في قوله تعالى { ولله ميراث السماوات والأرض } فإذا ورثها الله تعالى بعد يوم القيامة أوث المؤمنون جنة الفردوس وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. [عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.- رواه البخاري – وفي بعض رواياته: ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل .. [ و زَادَ اِبْن مَسْعُود فِي حَدِيثه : وَلَا يَعْلَمهُ مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل. أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم… ]  ومصداق ذلك في فوله تعالى  { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } .

وبالتالي كل الاعمال الصالحة و الطالحة أو السيئة بل وكل ماصنعه من خير وشر سيجده العبد بعد موته ليعاينه بنفسه قال تعالى { ووجدوا ماعملوا حاضر – الكهف } وحاضرا من بعد الموت يرى عمله ثم يوم القيامة يجده حاضرا ويحمل أعماله السيئة على ظهره مادية متجسده

وكما أن كل الصناعات التي صنعها الإنسان مخلوقة خلقها بعقله المخلوق بين تعالى أن السماوات والأرض أكبر من خلق الناس الذي خلقوه بعقولهم  قال تعالى { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون – غافر57 }

[ وهنا قال البغوي في تفسيره الدجال مذكور في هذه الآية – تفسير البغوي ]

وذلك لأن السماوات والأرض أكبر من أي صناعة صنعها الإنسا ومع ذلك يجبر حكامهم شعوبهم على طاعتهم المطلقة ويأبون أن يجعلونها امتثالاً لكتب الله السماوية إلا من بعد موافقتهم على ما أرادوه هم وليس كل مايريده الله وهنا كأنهم جعلوا حكامهم بأسلحتهم التي أرهبوا بها شعوبهم أكبر من خلق الله وهذا دجل لذلك قال تعالى { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } .

وبهذا الخلق الذي خلقه الانسان قديماً و حديثاً من أصنام وصناعات جلبوا بها شياطين عاثت في الارض فساداً والله تعالى خلقهم وعقولهم وما يعملون من أعمال وصناعات فيها إفك لأنهم ابتعدوا بهذه الأعمال عن طاعة الله تعالى ولم يجعلوها لله  قال تعالى في سيدنا إبراهيم وقومه أنهم يخلقون إفكا ولم يقل يعملون الإفك :

{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ  إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ  أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ  فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ  فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ  فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ  فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ  مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ  – الصافات 83-97} .

أي أنك وماصنعته بيدك من مخلوقات الله تعالى وكذلك الأعمال الصالحة تدخل تحت ذلك المعنى من الخلق ولكنه في طاعة الله وتتجسد أعمالهم كما بينا من قبل والعكس في أهل النار وأعمالهم هنا يقول تعالى { وتخلقون إفكا} ولم يقل وتعملون إفكا وهناك فارق كبير بين اللفظين تخلقون و تعملون .

و الأعمال الصالحة تجلب الملائكة و الطالحة تجلب الشياطين و بأفعال أمم سابقة من كفر وسفك  دماء خلقوا شياطين في مساكنهم وجعهم الله تعالى أئمة في الكفر كما قال تعالى في فرعون بالذات لأنه تفنن في التعذيب والإعتداء على النساء واستخدام الضجة الإعلامية تمهيداً للمذبحة وكانت ألمم من قبل تقتل كقوله لإبراهيم { لئن لم تنته لأرجمنك } ومن هنا كانت إمامة فرعون بأعماله المجرمة حتى بعد موته  إلى ان يشاء الله تعالى في رفعها من الأرض ومن هنا قال تعالى : { وجعلناهم ائمة يدعون إلى النار } ولخلقهم تلك الأعمال وحبس أنفسهم في الأرض بما يمكن ان يؤثر في الأجساد التي تشابهت معهم في طينة النار يمكن أن يقلدهم من تشابهت طينتهم معهم من قبل وللتحذير من الوقع في شرك تقليدهم دون ان يدري العبد فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله من دخول مساكنهم إلا مستغفرين   قال صلى الله عليه وآله  [عَن ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: أَنَّ رسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لأَصْحَابِهِ -يَعْني: لمَّا وَصلُوا الحِجْرَ دِيَارَ ثمُودَ: لا تَدْخُلُوا عَلى هَؤُلاءِ المُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا باكِين فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، لا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ متفقٌ عليه. وفي روايةٍ: قَالَ: لمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالحِجْرِ قَالَ: لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، ثُمَّ قَنَّع رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الوَادِي. – متفق عليه ]

وذلك التحذير خوفاً من ميل قلوبهم إلى تقليد هؤلاء في أعمالهم من أنفسهم أو قرنائهم  من أن تتولى شياطين خلقتها أمم من قبل بأعمالهم والله تعالى خلق الجميع بأعمالهم الظاهرة بسوءاتهم تحت سماء الدنيا والخفية التي عملوها بأنفسهم من كبائر وظلم وموبقات وسيرونها بعد موتهم متجسدة لذلك قال تعالى هنا :  { والله خلقكم وما تعملون } .

ومن هنا نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن دخولها إلا باكين أو مستغفرين لآن فيها خلق عصوا الله تعالى فيها من قبل فلا يدخلها المسلم إلا للعظة والعبرة وليس لتكسيرها وإبادتها كما فعل الحمقى من قبل امتثالاً لقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ – الروم 9 }

وقال تعالى أيضا {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا – محمد 10 }

وبالتالي التحذير هنا من الزيارة إلا للعظة والعبرة في هلاك امم كفرت بالله تعالى ورسوله وفيها اثارة غير منظورة بالعين لأعمالهم يمكن أن تؤثر في زائريها خلقتها تلك  الأمم من قبل بأعمالهم فخلقوا فيها أعمالاً غير منظورة للجسد وكذلك لأنهم مسجونون في الأرض ولم تفتح لهم أبواب السماء  كما في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ – الأعراف 40 } .

وعن تجسيد الأعمال في القبر نجد هناك حديثاً للنبي صلى الله عيه وآله يؤكد ما ذكرناه آنفاً عن تجسيد تلك الأعمال الشيطانية في القبر حيث يأتيه رجل جميل الصورة فيقول له من أنت فيقول أنا عملك الصالح  أو يأتيه رجل قبيح الصورة بشع المنظر مخيف  فيقول له من أنت فيقول ” أنا عملك الخبيبث “…

وفي الحديث :

[(( ينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مدّ بصره، قال: ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، (أبشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم) هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: (وأنت فبشرك الله بخير) من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً في معصية الله، فجزاك الله خيراً)، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، أبدلك الله به هذا، فإذا رأى ما في الجنة، قال: ربِّ عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهلي ومالي، فيقال له: اسكن  (ابو داوود 4750   ))]

وذكر صلوات الله عليه وسلامه أن العبد الكافر أو الفاجر بعد أن يسيء الإجابة

[ (( ينادي منادٍ في السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه في قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: (وأنت فبشرك الله بالشر)، من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، (فوالله ما علمتك إلا كنت بطيئاً عن طاعة الله، سريعاً إلى معصية الله)، (فجزاك الله شراً، ثم يقيض الله له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، ويمهد من فرش النار)، فيقول: رب لا تقم الساعة))    .ابو داوود 4753]

وهنا يسجن هؤلاء في الأرض السفلى كما في بيان قوله تعالى [ ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ) .. عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله  صلى الله عليه و آله : ” سجين : أسفل سبع أرضين ” – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وفي حديث أنس: أن العبد المؤمن إذا أجاب الإجابة الصادقة في قبره، )) يقال له: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعداً من الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً، قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره)) وذكر في حديث أنس أن الكافر والمنافق بعد أن يجيب في قبره تلك الإجابة الكاذبة، يقال له: ((لا دريت، ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين)) أخرجه البخاري ومسلم    ، ولفظ الحديث للبخاري، ولمسلم: ((إن العبد إذا وضع في قبره))، ثم ذكر نحواً مما تقدم إلى قوله: ((وذكر لنا: أنه يفسح فيه سبعين ذراعاً، ويملأ عليه خضراً إلى يوم تبعثون))    ، وفي رواية لأبي داود أن العبد المؤمن بعد أن يسأل ويجيب: ((ينطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقول له: هذا كان لك، ولكن الله عصمك، فأبدلك به بيتاً في الجنة، فيراه، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن))  ابو داوود 4751] .

[ ثنا البراء قال : خرجنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جنازة أحد من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولم يلحد ، فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرفع رأسه إلى السماء وينظر إلى الأرض ويحدث نفسه ، قال ثم يقول : ” استعيذوا بالله من عذاب القبر ” مرارا ثم قال : ” إن الرجل المسلم إذا كان في قبل من الآخرة ، وانقطاع من الدنيا ، تراءت له ملائكة من السماء كأن وجوههم الشمس ، فتجلس له مد البصر ، معهم أكفان من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، ويجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه ، فيقول : اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله [ ص: 239 ] ورضوان ، قال : فيخرج فيسيل كما تسيل القطرة من السقاء ، فإذا أخذها قاموا إليه فلم يتركوها في يده طرفة عين ، قال : ويخرج منه مثل أطيب ريح مسك يوجد على وجه الأرض ، يتصعدون به فلا يمرون على أحد من الملائكة إلا قال : ما هذا الروح الطيب ؟ قال : فيقولون : هذا فلان ، فتفتح أبواب السماء ، ويشيعه من كل سماء مقربوها ، حتى إذا انتهى إلى السماء السابعة قيل : اكتبوا كتابه في العليين : قال : فيكتب ، قال : ثم يقال : أرجعوه إلى الأرض ؛ فإن منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى ، فيجعل في جسده ، فيأتيه الملائكة فيقولون له : اجلس ، من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، قال : يقولون : ما دينك ؟ قال : يقول : ديني الإسلام ، فيقولون : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ يقول : هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فيقولون : ما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت وصدقت ، فينادون من السماء : أن قد صدق ، فأفرشوه من السماء ، وألبسوه من الجنة ، وأروه منزله من الجنة ، قال : فيصيب من روحها ، ويوسع له في قبره مد بصره ، ويمثل له رجل حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسرك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول هو : من أنت رحمك الله ؟ فوجهك الذي جاء بالخير ، قال : فيقول : أنا عملك الصالح ” .

قال : ” وإن كان كافرا نزلت إليه ملائكة من السماء ، سود الوجوه معهم مسوح فيجلسون منه مد البصر ، قال : ويجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى غضب من الله وسخطه ، قال : فيفرق في جسده كراهية له ، قال : فيستخرجها [ ص : (    240)  تنقطع معها العروق والعصب كما يستخرج الصوف المبلول بالسفود ، فإذا أخذها قاموا إليه فلم يتركوها في يده طرفة عين ، فيأخذونها في أكفانها في المسوح ، قال : ويخرج منه مثل أنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض ، ويصعدون بها ، فلا يمر على أحد من الملائكة إلا قال : ما هذا الروح الخبيث ؟ قال : يقال : هذا فلان ، بشر أسمائه ، فإذا ارتفع إلى السماء استفتحوا فغلقت دونه الأبواب ، ونودوا : أرجعوه إلى الأرض ؛ فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فيجعل في جسده ، فتأتيه الملائكة فيقولون : اجلس ، فيقولون : من ربك ؟ قال : يقول : هاه هاه ، لا أدري ، فيقولون : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، سمعت الناس يقولون ، لا أدري ، قال : فيقولون : من هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ قال : فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون ، قال : فينادون من السماء أن كذب ، أفرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وأروه منزله من النار ، قال : فيرى منزله من النار ، فيصيبه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، ويمثل له رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الرائحة ، فيقول : أبشر بما يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ويلك ؟ فوالله وجهك الذي جاءنا بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فهو يقول : يا رب لا تقم الساعة ، يا رب لا تقم الساعة ” .- المعجم الكبير للطبراني ] .

وهذا المخلوق في الدنيا إن كان عملاً خبيثا فقد تحول إلى شيطاناً يسعى في الأرض ويحرض على الشرور ولا نجاة إلا بالاعتصام بكتاب الله تعالى وسنته وولايةأهل بيته عليهم السلام سفينة النجاة والإلتزام بالصلوات والاستغفار والأعمال الصالحة وإغاثة المهوف وبر والدين وصلة أرحام وصدقات تبعد هذا الحزب الشيطاني عن الشخص وتمتد إلى ذريته بركة هذه الأعمال .قال تعالى : { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا – الكهف 82 } .

والعكس صحيح إن ابتلى الله تعالى الوالدين بولد عاق قال تعالى { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا – الكهف 80} .

وبالتالى التقوى والعمل الصالح يبعدان أي شر ولو كان قريباً من الأبناء إما بصلاح أحوالهم أو التقصير في أعمارهم لأن هناك أعمال تطيل العمر منها صلة الرحم وأعمال تصر العمر وأهمها عقوق الوالدين وقطع الرحام قال تعالى لذلك { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب مبين } .

(2) معرفة أهل الحنة والنار في الدنيا بظواهر أعمالهم لجهلهم ما تحويه أنفسهم من ضمائر وطينة حقيقية خلقوا منها

وهنا يعرف الناس بعضهم في الدنيا بظاهر الأعمال :

أهل الخير أو الشر من الناس بغير كتاب منزل ولا رسول مرسل اللهم إلا بأعمالهم الظاهرة التي برزت بعد إقناع القرين ودفع النفس (الإنسان الداخلي) ثم تقوم السوءة بتنفيذ الجريمة التي تبين حكم الناس على الشخص بعد أن فعل جريمته وهو يعرف أنها جريمة بغير نص من كتاب الله السماوي المنزل ولا رسول مرسل فقد ألهم الله تعالى هذه النفس الفجور والتقوى ألهمها العمل الصالح والطالح بغير نص قال تعالى لذلك .. { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها – الشمس } .

وهنا تكون بعثة الأنبياء والمرسلين والأئمة لمضاعفة العذاب لأن النفوس تعرف الخير من الشر بغير نبي و لأنهم عليهم الصلاة والسلام دعوا البشرية لأمور  فطرية يعرفها الإنسان بغير نبي ولا رسول  اللهم إلا لإقامة الحجة عليهم .

وبالتالي بعثة الرسول أو الإمام تكون لمضاعفة العذاب على المنكرات التي عرفها الله تعالى لهم بالإلهام وبغير كتاب او رسول :  

من السماء قال تعالى { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا – الفرقان 68-70 } والعكس صحيح يضاعف الله تعالى الأجر للنفوس المؤمنة التي أطاعت الله تعالى وتولت رسوله وأهل بيته عليهم السلام .

(3) السوءة و أنفس السوء الذين خلقوا من طينة النار يرجعون إلى الأرض ولا تفتح لهم أبواب السماء :

قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ – الاعراف 40 }

ورد في تفسير الدر المنثور :

[ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { لا تفتح لهم أبواب السماء } يعني لا يصعد إلى الله من عملهم شيء.

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال: لا تفتح لهم لعمل ولا دعاء.

وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة ” أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحاً قال: أخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أخرجي حميدة وابشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة، فإذا كان الرجل السوء قال: أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، أخرجي ذميمة وابشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقال فلان… فيقال: لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء. فترسل من السماء ثم تصير إلى القبر “.

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة في المصنف واللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن أبي موسى الأشعري قال: تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحاً من المسك، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون فلان، ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم، فيفتح له أبواب السماء فيصعد به من الباب الذي كان يصعد عمله منه. فيشرق وجهه فيأتي الرب ولوجهه برهان مثل الشمس. قال: وأما الكافر فتخرج نفسه وهي أنتن من الجيفة، فيصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء فيقولون: من هذا؟! فيقولون فلان، ويذكرونه باسوأ عمله، فيقولون: ردوه فما ظلمه الله شيئاً. فيرد إلى أسفل الأرضين إلى الثرى، وقرأ أبو موسى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط }.

وأخرج الطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري وعبد بن حميد وأبو داود في سننه وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في كتاب عذاب القبر عن البراء بن عازب قال ” خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله، وكان على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكث به في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: إنَّ العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأنَّ وجوههم الشمس، معهم أكفان من كفن الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان. فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء وإن كنتم ترون غير ذلك، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت وجه على الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟! فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعه، فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين واعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه في جسده.

فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإِسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله. فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: ابشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالخير؟! فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة حتى ارجع إلى أهلي ومالي.

قال: وإن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده فينتزعها كما يتنزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟! فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تفتح لهم أبواب السماء } فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { ومن يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق – الحج31 } .

فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان، فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه…! فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري…! فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدري…! فينادي مناد من السماء: إن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف في أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: ابشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه، يجيء بالشر؟! فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة “. وأخرج ابن جرير عن مجاهد { لا تفتح لهم أبواب السماء } قال: لا يصعد لهم كلام ولا عمل …. –  من تفسير الدر المنثور للسيوطي ]  

(4) رجوع أنفس المؤمنين وصعودهم للجنة وصعود أنفسهم إلى جنة عدن من سماء الدنيا وتحلل السوءة إلى تراب وسجن المجرمين في سجين بالأرض السفلى :

 بين جنة عدن والهبوط منها إلى الأرض ثم رجوع المؤمنين إليها بعد موتهم وسجن الكافرين في الأرض :

 وكان المستقر لكل هذا الخلق في جنة عدن لما أمرهم الله تعالى إبليس بالسجود لآدم عليه السلام يبين تعالى أن هذه الواقعة كان معه حزبه سجد من سجد من المؤمنين بعلم الله و أبى من أبى مع إبليس أيضاً بعلم الله حتى أصبح  كل حزب يعرف الآخر في جنة عدن وهى جنة الحياة الدنيا والتي قال تعالى فيها : { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا – مريم 61-62 } .

وهنا بكرة وعشيا تؤكد بما لا يدع من شك أنها جنة الحياة الدنيا لقوله تعالى عن فرعون لعنه الله ومن سار على نهجه وتقلد به في معتقده : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ – غافر 46 } .

وأما عن جنة الآخرة فلا يوجد فيها شمساً ولا زمهريرا قال تعالى { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا – الإنسان 13 } .

وهى بالتالي ظلا ظليلاَ كما في قوله تعالى { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا – النساء 57 } .

الفصل السادس :

تجسيد الأعمال في الدنيا ليراها العبد بعد موته ويوم القيامة

تجسيد الأعمال :

  • الأجساد ترى ماصنعته أيديهم من صناعات في الحياة الدنيا والنفس بعد الموت ويوم القيامة ترى أعمالها التي عملتها في الدنيا مجسدة أيضاً .
  • يقول الإمام علي في شعر له عليه السلام :

[ النفس تبكـــي على الدنيا وقد علمت …. ان الســــعادة فيها ترك ما فيها

لا دار للمــــرء بعد المــــــوت يسكــنها …. الا التي كـان قبل الموت يبنيها

اموالنا لذوي الميــــــــــــــــراث نجمعها …. ودورنــا لخــراب الدهر نبنيهـــا

أين الملــــوك التي كانت مسلطنة …. حتى سقاها بكأس المـوت ساقيها فكم مدائـــــــن في الافاق قد بنيت …. أمست خرابا وأفنى الموت اهليها

لا تركنن الى الدنيـــــــــــا وما فيهــا …. فالمــــــوت لا شك يفنينا

ويفنيها المرء يبسطها والدهــــــــــــــر يقبضها …. والنفس تنشـرهاوالموت يطويها

انما المــــــكارم اخـــــلاق مطهـــــــرة …. الدين اولها والعقـــــــــــل ثانيها

والعلـــــــــــــــم ثالثها والحلم رابعها …. والجود خامسها والفضل سادسها

والبر سابعهــــــا والشكــــــر ثامنهــــــا …. والصبــــــر تاسعها واللين باقيها

والنفس تعلــــــــــــــــــــم أني لا اصدقها …. ولست ارشد الا حين اعصيها

واعمــــــــــــــــــــل لدار غدا رضوان خازنها …. والجار احمد والرحمن ناشيها

قصورها ذهـــب والمســــــــــــــك طينتها …. والزعفران حشيش نابت فيها

 انهارها لبن محـــــــــــض ومـــــــــــــــن …. عسل يجري رحيقا في مجاريها

والطير تجري على الاغــــــصان عاكفــــــــــة …. تسبح الله جهرا في مغانيها

من يشتــــــــــري الدار في الفردوس يعمرها …. بركعة في ظلام الليل يحييها – شعر الامام علي ]

كما وهب الله تعالى السوءة القدرة على الإنجاب من ذكر وأنثى كذلك وهب النفس القدرة  على تجسيد الأعمال وخلقها ورؤيتها في القبر ويوم القيامة  يقول تعالى { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ  – الأنعام 31 } .

  • وهنا هذه الأوزار والأحمال أثقال تجسدت يوم القيامة ليحملها العبد فإن كانت صالحة حملته أعماله يوم الزحام والشدة والشمس فوق الرؤوس وذلك لأن أحمال السيئات التييحملها العصاه لابد وأن تكون عكس الأعمال الصاحلة لا يحملها الإنسان فتكون هى الحاملة له والمنجيه له من كل الشدائد والكروبات والأهوال يوم القيامة . وهذه الأوزار في الحياة الدنيا ما هى إلا أفعال أقوال سيئة وظلم  خرجوا  بها على أحكام القرآن العظيم وسنة نبيه الكريم وولاية أهل بيته عليهم السلام والمؤمنين ليخرج لهم عملهم بعد موتهم  .
  • في أقبح وأبشع  صورة لا يتخيلها بشر على قدر عمله الذي عمله في الدنيا تكون بشاعته فكل شيئ عند الله بميزان عدل تصعد بهم الملائكة لتريهم مكانتهم في الجنة لو كانوا أطاعوا الله تعالى ورسوله ثم تنزل بهم ليسجنوا في الأرض كما قال تعالى { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط – الأعراف } وهنا تزداد حسرتهم فيقولون { ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا  } والعكس صحيح إن كان صالحاً جاءه عمله في صورة رجل صالح ليفتح له أبواب الجنان ويمنجيه بإذن الله من الأهوال .

كما أن الجسد الطيني السفلي أو السوءة أو هذا الجسد بيديه وحواسة يصنع الشياء من صناعات مادية تراها عينه كذلك وهب الله تعالى النفس الغير منظورة في الدنيا القدرة على الصناعة والخلق وقد بين الله تعالى بين ثنيا القرآن الكريو آيات تؤكد بأن أعمال بني آدم في الدنيا سيراها محسوسة بعد موته قال تعالى على سبيل المثال { وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون } وهذا تجسيد لأعمالهم التي عملوها في الدنيا وأحصتها عليهم ملائكة الله تعالى وسجلتها لهم صوتاً وصورة في كتاب قال تعالى فيه { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون – الجاثية  29 }

يقول تعالى { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ  أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ  – الأنعام 31 } .

وهنا هذه الأوزار والأحمال أثقال تجسدت يوم القيامة ليحملها العبد فإن كانت صالحة حملته أعماله يوم الزحام والشدة والشمس فوق الرؤوس وذلك لأن أحمال السيئات التييحملها العصاه لابد وأن تكون عكس الأعمال الصاحلة لا يحملها الإنسان فتكون هى الحاملة له والمنجيه له من كل الشدائد والكروبات والأهوال يوم القيامة .  وهذه الأوزار في الحياة الدنيا ما هى إلا أفعال أقوال سيئة وظلم  خرجوا  بها على أحكام القرآن العظيم وسنة نبيه الكريم وولاية أهل بيته عليهم السلام والمؤمنين ليخرج لهم عملهم بعد موتهم

في أقبح وأبشع  صورة لا يتخيلها بشر على قدر عمله الذي عمله في الدنيا تكون بشاعته فكل شيئ عند الله بميزان عدل تصعد بهم الملائكة لتريهم مكانتهم في الجنة لو كانوا أطاعوا الله تعالى ورسوله ثم تنزل بهم ليسجنوا في الأرض كما قال تعالى { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } وهنا تزداد حسرتهم فيقولون { ياليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا}

والعكس صحيح إن كان صالحاً جاءه عمله في صورة رجل صالح ليفتح له أبواب الجنان ويمنجيه بإذن الله من الأهوال .

الفصل السابع :

 القرين

(1) لماذا جعل الله تعالى النجوى وبدأها بالثلاثة وانتهى بالستة ومن هم الستة في قوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) .

– القرارات الإنسانية والوسوسة بين الجسد و النفس و القرين في اجتماع ثلاثي يحضره الملكين رقيب و عتيد والله تعالى أقرب أليهم من أنفسهم وهم لا يشعرون :

يقول عز من قائل عن هذا الإجتماع الثلاثي { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  – المجادلة 7 }

وهنا السؤال العقل يقول والمنطق أن النجوى تبدأ باثنين لا بثلاثة فمابال ربنا عز وجل يبدأ بالثلاثة إلا إذا كان يقصد معنى محدد غاب عن أذهان الكثيرين (إلا ما رحم ربي)  وهؤلاء الثلاثة (الجسد الذي هو السوءة والنفس والقرين) والله تبارك وتعالى رابعهم ولماذا قال خمسة وتوقف عن العد وذلك لأن الخمسة تكتمل بإضافة الملكين (رقيب وعتيد) فيكون سبحانه وتعالى هو سادس الخمسة و لا اجتماع بين الأجساد الظاهرة لبني آدم بعددها أقل أو أكثر إلا وهو معهم سبحانه وتعالى أينما كانوا   .

   أليكم تفصيل هذا الإجتماع الثلاثي بين العبد (جسده أو سوءته)  ونفسه وقرينه  :

يقول تعالى في حديث الإنسان مع نفسه كدليل على الحوار بين السوءة والجسد { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ  إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  – ق16-18} .

والذي يوسوس له القدرة على النقاش والأخذ والرد في مناقشه وجدل للوصول لقرار بين الإنسان و نفسه فيقيض الله تعالى لها قرناء من شياطين الجن كما بينا من قبل وهنا يقول عز وجل : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم مابين أيديهم وما خلفهم- فصلت 25 } و الذي يزين الأعمال معلوم أنه إبليس وجنوده كما في قوله تعالى { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ – الحجر 39 -40}

ويعتمد هنا إبليس والقرناء الشياطين من حزبه على الظن لذلك يقول تعالى محذراً من هذا الظن { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ – سبأ 20-21 } .

ومعنى الظن : [ ظن الشيئ : علمه بشك وبغير يقين و كذب ظنُّه، أخطأ حَدْسه، حدث ما لم يكن يتوقَّعه من شخصٍ أو أمر ] . والظن منه عكس اليقين لذلك يقول تعالى { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ  – الجاثية 32 }

كما أن كل ظن يقوم على نص من كتاب الله  فهو يقين وثقة في الله تعالى وكتابه الكريم لذلك يقول تعالى { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون – البقرة 46 } .

وهنا يبين تعالى لنا أن القرين يستخدم الهوى والرأي والتوقع والخروج على أحكام القرآن الكريم باستخدام ظن السوء الذي قال تعالى فيه { وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا – الفتح 6 } .

وبهذا الظن السيئ في حديثهم مع أنفسهم وقرنائهم إن عملوا بالهوى في مقابل النص القرآني أو أعرضوا عنه بالكلية ولم يعيروا لكتاب الله بالا فهنا يقيض الله تعالى لهم قرناء من شياطين الجن  (تؤزهم أزا ) قال تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا – مريم 83 } [ وتؤزهم : [قال ابن عباس : تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية . وعنه : تغريهم إغراء بالشر : امض امض في هذا الأمر ، حتى توقعهم في النار حكى الأول الثعلبي ، والثاني الماوردي ، والمعنى واحد . الضحاك تغويهم إغواء . مجاهد : تشليهم إشلاء ، وأصله الحركة والغليان ، ومنه الخبر المروي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قام إلى الصلاة ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء وائتزت القدر ائتزازا اشتد غليانها ، والأز التهييج والإغراء قال الله تعالى : ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا أي تغريهم على المعاصي والأز الاختلاط – تفسير القرطبي ] .

وهنا يقترن الشيطان بابن آدم  دون أن يدري كما في قوله تعالى { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ  – الزخرف 36-38 } . والنتيجة هنا سيجد العبد نفسه مقبل على الشر مدبراً عن كل خير  لا تقبل نفسه أي خير أو عمل صالح بسبب ما اقترن به من شياطين

فإذا قرر قراراً أخذ يتخاطب سراً بينه وبين نفسه في اجتمع ثلاثي بين جسده أو (سوءته) المنفذه للأمر سواء كان خيراً أم شر ونفسه المخلوقة من طينة الجنة أو النار وقرينه سواء كان شيطانا أو جنياً مسلماً فإن كانت نفسه طيبة أدلى كل طرف بدلوه وحجته فإن كانت مشكلة ماليه على سبيل المثال :

قالت سوءته لنفسه على سبيل الظنة والتماشاً للمعاذير  : انت فقير وهم أغنياء أو أنت رجل فقير وإخوتك نساء ولهم رجال مسؤولون عنهن مثلاَ  .

وهنا يكون بالظن قد أوقف حكم الله في الميراث فترد عليه نفسه إن كانت طيبة مطمئنة من طينة الجنة والتي قال تعالى فيها {يا أيتها النفس المطمئنة} لا تأكل مالا حراماً وعليك العمل بما أمر الله في الميراث ومجرد سماع القران أو قول نفسه هذا  حرام يسكت القرين مبتعداً  فلا يتكلم إلا إذا فتح باب الظن و ترك العمل بما أنزل الله ونافق نفسه كما في قوله تعالى { انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ – الانعام 24 } وهذا الكذب يقرب منه شيطانه فتتوحد أهوائهما على عصيان الله تعالى والخروج على أوامره عز وجل

و هنا يلقي القرين الشيطاني برأيه بما جمعه ووعاه من معلومات ظنية  فيقيض الله تعالى له شيطاناً قال تعالى فيه { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين – طه}  فإن وقعت في الذنب ثم تابت أسكتت صوت القرين الشيطاني وهذه هى النفس اللوامة التي قال تعالى فيها { لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة}

وأخيراً تقوم السوءة بتنفيذ القرار الذي عزمت عليه من خير أو شر فإن مالت إلى الشر ولم تتب فهى أمارة بالسوء وهى نفس قال تعالى فيها : { إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي }

والبداية هنا كما قلنا تكون بكذب الإنسان على نفسه وهو يعلم بداخله أنه على باطل كما في قوله تعالى { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً – النمل } .

ثم ينتهى التنفيذ بواسطة جسده و الطينة التي خلق منها فهى التي تطوعه نحو الكفر والنفاق والكذب على النفس أو الإيمان والصدق مع النفس وقول الحق وعدم الكذب و القرين إذا رأي الشخص دائما يلتزم بكتاب الله وسكن قلبه واطمئن لما هو حق فهنا يستسلم ولكن بعد مناقشات بين الأخذ والرد وباستمرار المواقف يفهم كلاهما الآخر ( النفس والقرين) فإما أن يتحول إلى شيطان مريد أو يسلم فلا  يأمر صاحبه إلا بخير كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله. [.. لكل بني آدم قرينه من الجن.. الحديث ] .

وهنا يتحول الإنسان إلى سوءة أو جسد شيطاني إنسي مقترن به قرينه الشيطان الجني يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا كما في قوله تعالى : { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ – الأنعام 112   }

وهذا الزخرف من القول بينه وبينه نفسه وقرينه الشيطاني او مجموعة من شياطين الإنس مقترنين بشياطين جنية وهنا يمكن أن تتصورها مجالس عصيان الله تعالى من النميمة والغيبة و جلسات الهمر والميسر والفواحش و المؤتمرات والجلسات التي لا يعمل فيها بما أمر الله تعالى … إلخ  .

وهذا الاجتماع الثلاثي و ابن آدم أمامك سارح في بحر من الافكار و لا يدري أحداً ممن حوله بما يدور في ضميره ثم ينضم لهذه الجلسه الثلاثية لو كانت اجتماع أو مجلس عائلي أو ماشابه عدة أشخاص آخرين في حوار و مناجاة سرية ليدور التحاور بينهم حول موضوع معين وهنا يبرز دور القرناء في صورة أراء تقوم على الظنه فتحدث التكتلات في الآراء وهذه نجوى ومناجاة جماعية سرية قال تعالى فيها : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ – المجادلة } .

وهنا (يقولون في أنفسهم) اثنين شخص يحدث نفسه اثنين و ثالثهم القرين الذي قال تعالى فيه { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين – طه}  وهؤلاء الثلاثة الذين يظهرون في صور ة شخص واحد أمامك بجسده هم الوارد ذكرهم في قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  – المجادلة 7 } .

وهذه الاحاديث السرية والمناجاة بين الشخص و نفسه آو بينه وبين آخرين  هى سر الله تعالى أعلم به وما هو أخفى من السر لأنهم لا يعلمون في ضمائر بعضهم بعضا و لا يعلمون ما هو السر و ما هو أخفى منه قبل خطرات قلوبهم لذلك يقول تعالى { وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى – طه 7 } .

وفي مناجاتهم أو في أحاديثهم مع أنفسهم ملكان لا يشاهدانه ولا يشعران بهما كل مهامهم هو كتابة خطراتهم ونياتهم وأعمالهم إن كانت خيراً أو شراً لذلك يقول تعالى عن عقاب الناس وثوابهم بالنية ولو لم يعملوا أي عمل : { لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – البقرة 284 } . وذلك لأن النية تسبق العمل ويثيب الله تعالى عليها ويعاقب قال النبي صلى الله عليه وآله [ إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى – البخاري ] .

ثم يضاف الى الاجتماع الثلاثي بين السوءة والنفس والقرين ملكين في اجتماع خماسي لا يشهدانهما ولكنهما حاضران مع كل نفس منفوسة و لذلك يقول تعالى في هؤلاء { ولاخمسة إلا هو سادسهم} .

وهاذين الملكين هما رقيب و عتيد قال تعالى { ما يلفظ من قول ألا لديه رقيب عتيد – ق } وهؤلاء القرناء المصاحبون للإنسان قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله [ لكل بني آدم قرينه من الجن  .. الحديث ] ومن هنا لابد للمرء أن يختار خليله وصديقه وزملائه و جلسائه خوفاً من أنفس السوء وقرناء السوء من شياطين  الجن لذلك  قال صلى الله عليه وآله محذراً  : [ ” المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل .. الحديث ] وذلك لأن الصديق والخليل سيكون معيناً للمرء على الخير أو الشر .

وهكذا كل قرارت بني آدم أو حروبه أو تدبيره للمكائد وسلوكه في عالم الدنيا يخضع لهذا السلوك الحواري الذي يدفعه نحو اقتراف الجريمة والكفر بالله تعالى أو الإيمان بالله تعالى ورسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام و السكينة والعمل الصالح و الذي يدور الحوار فيه بين هذه الأطراف الثلاثة وبهذا المنطق الحواري بينهم .

ولنشر الفضيلة والخلق الحسن أو السيطرة على أنفس هؤلاء قبل الحرب معهم أو للسيطرة عليهم من حكومة أو قبيلة أو جماعة لابد من دراسة الحلال والحرام واستخدام وسائل الإعلام الحديثه والإقناع في بيان مضار الكذب و مآل ترك العمل لأن النفس تقنع نفسها وتتحاور مع سوءتها بما تحويه بداخلها ووعته من معلومات عن كل شيئ سلبياته بإيجابياته لتستخدمه في إقناع نفسها بنفسها والمعلومات الصادقة تساعد النفس على حسن القرار لأسبقة علمه بمآل كل فعل في الدنيا قبل الآخرة .

وهى وسيلة لتغذية النفس بالمعلومات الصادقة التي سيحتاجها الجسده الإنساني عند أخذ قرار معين وستجادله نفسها بما جمعته ووعته من معلومات من داخل اسرته أو  المجتمع حوله  أو المسجد والكنيسه والزملاء والجيران والأصدقاء وحديثاَ وسائل الإعلام .  .

ومن هنا يمكن القول بأن كل الجرائم على الأرض والحروب مسؤول عنها هؤلاء الثلاثه :

 ابن آدم و طينته المخلوق منها نفسه والتي اقترنت بسوءته في عالم الدنيا و هذا الجسد له بصيرة و عقل يلهمه الله تعالى الخير و الشر بغير نبي و لا كتاب منزل قال تعالى : { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها } وقال تعالى أيضاً { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقلى معاذيره } أي أنه لا عذر للناس يوم القيامة بعد أن خلق الله تعالى لهم عقلاَ يميز به بين الأشياء إن كانت خيراً ومنفعة أو شراً ومضرة قال صلى الله عليه وآله .
وفي الحديث : [ أولُ ما خلق اللهُ العقلَ فقال له : أقبلْ ، فأقبل ، ثم قال له : أدبر ، فأدبر ، فقال : وعزتي ما خلقت خلقًا أكرمَ عليّ منك فبك آخذُ وبك أعطي وبك الثوابُ وبك العقابُ . وروي : لما خلق اللهُ العقلَ – أخرجه ابن ماجه في سننه  ] .
[  … قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك بك آخذ وبك أعطي، وبك أثيب، وبك أعاقب) ، قال الشيخ نجم الدين راويه رحمه الله تعالى: استدل به على أن العقل متهيئ لقبول الوحي والإيمان به، وفي رواية: وبك أعبد، إذ كان هو أول من اختص من الله بالوحي، والخطاب والمحبة والمعرفة، والعبادة والعبودية والنبوة بإنباء الحق تعالى إذ نبأه عن معرفة نفسه ومعرفة ربه، وإذا أمعنت النظر، وأيدت بنور الله تحقق لك أن المعرفة بالعقل، والموصوف باختصاص الوحي والخطاب والمحبة والمعرفة والعبادة والعبودية والنبوة هو روح حبيب الله، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الذي قال: أول ما خلق الله روحي، وفي رواية: نوري فروحه جوهر نوراني، ونوره هو العقل، وهو عرض قائم بجوهره، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد أي لم يكن يعد روحا ولا جسدا، ومن هنا قال: من عرف نفسه، فقد عرف ربه; لأنه عرف نفسه بتعريف الله، إذ قال له: ما خلقت خلقا أحب إلي منك، وعرف الله أيضا بتعريف الله نفسه إياه; إذ قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحب إلي منك، فعرف أنه الإله الذي من صفاته العزة والجلال، والخالقية، والمحبة وهو المعروف لكل عارف وله القدرة والحكم على الأخذ والعطاء والثواب والعقاب، وهو المستحق للعبادة، وقد جاء عن بعض الكبراء من الأئمة، أن أول المخلوقات ملك كروبي يسمى العقل، وهو صاحب القلم بدليل توجه الخطاب إليه في قوله: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر، ولما سماه قلما قال له: أخبر بما هو كائن إلى يوم القيامة، وتسميته قلما كتسمية صاحب السيف سيفا، ولا يبعد أن يسمى روح النبي صلى الله عليه وسلم، ملكا لغلبة صفات الملكية عليه كما يسمى جبريل عليه السلام روحا لغلبة الروحانية عليه، كقوله: فلان شعلة نار لحدة ذهنه، ويسمى عقلا لوفور عقله، وقلما لكتابة المكونات، ونورا لنورانيته، وقد يكون العقل في اللغة، بمعنى العاقل فعلى هذا التقدير والتأويل يكون روح النبي صلى الله عليه وسلم، هو المخلوق الأول، ولكنه بهذه الاعتبارات ملك وعقل، ونور وقلم، والقلم قريب المعنى من العقل، قال الله تعالى: علم بالقلم جاء في التفسير عن بعضهم: أي بالعقل; لأن الأشياء تعلم بالعقل، وفي قوله: أقبل، إلخ، إشارة إلى أن للعقل إقبالا وإدبارا فورث إقباله المقبلون وهم السابقون المقربون من الأنبياء، والأولياء، وهم أصحاب الميمنة، وهم أهل الجنة، وورث إدباره المدبرون، وهم أصحاب المشأمة، وهم أهل النار، يدل عليه قوله تعالى : وكنتم أزواجا ثلاثة الآية، والله أعلم اهـ. كلامه سقته بتمامه; لارتباط بعضه ببعض، ولما فيه من الفوائد .

أخرج ابن عساكر في تاريخه فقال: وأخبرنا أبو العز أحمد بن عبد الله، أخبرنا محمد بن أحمد بن حسنون، أخبرنا أبو الحسين الدارقطني، حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق، حدثنا الحسين بن يحيى الخشني، عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح، عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إن أول شيء خلق الله القلم، ثم خلق النون، وهي الدواة، ثم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما يكون وما هو كائن من عمل أو أثر أو رزق، أو أجل، فكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، فذلك قوله: ن والقلم وما يسطرون ، ثم ختم على القلم فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، ثم خلق العقل، فقال: وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت” – الترمذي .
– إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين
 »ربع العبادات »كتاب العلم »الباب السابع في العقل وشرفه وحقيقته وأقسامه »]  .

[ قال أبو عبد الله (عليه السلام): لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، بك آخذ، وبك أعطي، وعليك أثيب. – المجلسي ح1 ص 97 ] .

وبالتالي هؤلاء الثلاثة :

  • قرينه من الجن الكافر بالله تعالى من ذرية إبليس والذي يدفعه لارتكاب الجريمة ويزين له الكبائر والجرائم و كل مانهى الله تعالى عنه وهؤلاء ذرية إبليس التي قال تعالى فيها { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا } .
  • نفسه الدافعة له و تحرضه متدفعه وتقدم له المعاذير والاسباب على حتمية فعل الجريمة وهذه هى النفس الأمارة بالسوء والتي قال تعالى فيها { إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي – يوسف} وهذه النفس تراجع نفسها في الدنيا كما في قوله تعالى { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ – الأنبياء 63-65} ويوم القيامة يقولون لأنفسهم { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا – الأحزاب 66}

فإن كانت نفسه أمارة السوء هنا دافعة له لترك العمل بكتاب الله واقتراف المعاصي   في الدنيا فقد اقترنت بشيطان جني بعد أن أطاع نفسه في دفعها له دفعاً نحو الكفر والفسوق والعصيان لأنها مخلوقة من جهنم وطوعته للجريمة والكبيرة كما في قوله تعالى عن ابني آدم لما قتل أخيه : { فطوعت له نفسه قتل أخيه فاصبح من الخاسرين – المائدة }

و نفسه هنا الإنسان الآخر المختفي بين سوءته التي يمشى بها في الدنيا ومعه قرين السوء من شياطين الجن ممن كفروا بالله تعالى وهؤلاء الثلاثة ساء من اقترن بهم   كما في قوله تعالى { ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قرينا- النساء 38 } .

  • القرين الذي يوسوس للناس كما في قوله تعالى { الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس } وهذه الوسوسة قال تعالى فيها { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  – ق 16-18 }

و هذه الوسوسة يحضرها ملكين غير منظورين لهم ولمن حولهم وهما رقيب وعتيد وقد بينا ذلك من قبل أن هذه الوسوسة بين الجسد والنفسه و يحضرها القرناء .

  • و معنى القرين لغة :
  • [ : قرن الشيئ بغيره قرناً : شده إليه وكلاً منهما قرين أي مصاحب واقترنت الأشياء أو الأشخاص اصطحبت وانضم بعضها إلى بعض وكل منها مقترنْ و الجمع  مقترنون  – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والنون ] .

قال تعالى { وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ – ق21-30 } وهذا القرين هنا هو قرين الجن الذي اقترن بأهل النار .

وهنا جهنم لأنه قال تعالى في إثبات أنهم خلقوا من طينة جهنم ومرجعهم إلى جهنم وهى  شجرة نسب خلقوا منها وإليها مرجعهم كما في قوله تعالى { أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ – الصافات 62-69  }

فإذا رجعوا للجحيم قرنهم الله تعالى بالأصفاد كما في قوله تعالى { وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ – إبراهيم 49-50 }

ويلقوا إلى جهنم من مكان ضيق كما في قوله تعالى { وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا – الفرقان 13 } .

 (2) أعمال العباد حسب الطينة التي خلقوا منها ودور القرين :

قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ  يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ  إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ – الانبياء } .

وهنا يبين تعالى أنه من بين الناس خلق خلقهم الله تعالى من طينة الجنة فلن يعملوا بغير ماخلقوا منه ولو اجتمع عليهم شياطين الأرض وهم المخلصين الذين قال عنهم  إبليس { إلا عبادك منهم المخلصين } وهؤلاء لا يحزنهم الفزع الأكبر وقد ابعدهم الله تعالى عن كل عذاب وكل شر وبين تعالى أن علامة هؤلاء أنهم الوارثون الأرض من بعد هلاك ظالميها في الدنيا ثم يرثون جنة عدن من بعد الموت وبعد القيامة يرثهم الله تعالى الفردوس الأعلى .

  • وفي الدنيا لما بدت هذه السوءة

وبدأ الإنسان خروجه لهذا العالم بالطريقة العادية من اجتماع ذكر وأنثى أخفى هذا الجسد الطيني السفلي حقيقة النفس إن كانت طيبة أو خبيثة  والطينة التي خلقوا منها لا يعرف أحداً منهم الآخر إلا بعمله فلا يعلم أحدهما من هم أهل الجنة الذين خلقهم الله تعالى من طينتها و الذين خلقوا من طينة جهنم فلا يعرف أحدهما الآخر إلا من خلال الأعمال التي تشير إلى ما خلق الله تعالى منه ومع نفسه فهى التي تخاطبه وتحدثه وتحرضه على العمل الصالح أو ارتكاب الفواحش والجرائم فهى التي تجعل الإنسان يتحاور ويخاطب نفسه دون أن يعلم أحد و لا نعلم ما في داخلها إلا بعد ظهور أعماله التي هى انعكاس لما دار في عقله بينه وبين قرينه أو بينه وبين نفسه وكلا العمل والتخاطب الذي يدور بين الإنسان وقرينه قال تعالى فيه { لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة 284 } .

وهنا يغفر لمن يشاء إن كانت نفسه طيبة مخلوقة من طينة الجنة وأقلعت عما يوسوس لها الشيطان ويعذب التي أطاعت نفسها في عصيان الله تعالى .

وما يدور في خلد الإنسان وعقله فتوجهه نفسه أو يقنعه قرينه بالفكرة ويتخاطب معه في داخله كأنه إنسان آخر يتكلم معه ويحادثه سراً دون أن يدري أحد حوله فيما يفكر هذا يعلمه الله تعالى ولا يعلمه الخلق إلا إذا خرج أمامهم في عمل صالح أو طالح  .فإذا ترسخت الفكرة  اندفع إنسانه الداخلي لتحريك هذا الجسد نحو الشر أوالخير لذلك قال تعالى عن ابني آدم { فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين- المائدة } .

فإما أن تدفعه نفسه للعمل الصالح إن كانت من طينة الجنة  فتقول له في نفسه وبين جنبات عقله لماذا لا تصلي قم إلى الصلاة أو لا تظلم أحد أو ساعد هذا الفقير أو اعمل صالحاً ةهذا هو القرين المسلم الذي قال فيه صلى الله عليه وآله

 

[  عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن)) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: ((وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأَسْلَمَ، فلا يأمرني إلا بخير))، غير أن في حديث سفيان: ((وقد وُكِّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة)) صحيح مسلم  (9 /17 /157 النووي ]

 

[ وعن عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرتُ عليه، فجاء فرأى ما أصنع؛ فقال: ((ما لكِ يا عائشة أغرتِ؟)) فقلت: وما لي لا يُغارُ مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقد جاءك شيطانك؟)) قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال:((نعم))، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: ((نعم)) قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: ((نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أَسْلَمَ)) – النووري على مسلم  (9 /17 /158] .

[ لكل بني آدم قرينه من الجن قالوا وأنت يارسول الله قال نعم ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير .. الحديث ] .

وهنا لا يأمره إلا بخير لحادث شق صدر رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لا يعمل جسده في الدنيا إلا لله تعالى فقط ولا سلطان عليه قال تعالى { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } .

وحادث شق الصدر حدث مع النبي ثلاث مرات في طفولته وعند المبعث وفي الإسراء والمعراج :

[ ثبت شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات : الأول في طفولته عند حليمة ‏لنزع العلقة التي قيل له عندها هذا حظ الشيطان منك، والحديث في ذلك ثابت صحيح ‏أخرجه مسلم وغيره ولفظ مسلم “عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى ‏الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج ‏القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب ‏بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه – يعني ظئيره- فقالوا إن ‏محمداً قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: أرى أثر المخيط في صدره”. والظئير ‏المرضعة وهي هنا حليمة كما هو معلوم ” .‏ – (رواه مسلم في صحيحه: كِتَاب الإِيمَانِ، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات) .

الثانية : عند مبعثه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير قال ‏الحافظ في الفتح عند شرحه لحديث باب المعراج من البخاري قال: وثبت شق الصدر عند ‏البعثة كما أخرجه أبو نعيم في الدلائل.‏ وقد ذكر هذه الشقة أصحاب السير.‏

والثالثة: عند الإسراء والمعراج ليتأهب للمناجاة. قال الحافظ ويحتمل أن تكون الحكمة في ‏هذا الغسل لتقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه ‏وسلم وقد ثبتت هذه المرة في الصحيحين وغيرهما.‏- نور اليقين للخضري ص:19 – 20 ] .

لذلك لا يقرب جسده صلى الله عليه وآله شيطاناً بعد أن غسل سيدنا جبريل (عليه السلام) قلبه كما بينا لا قبل الوحي ولا بعده كما هو وارد بالسيرة النبوية.

و أما :

إن اعتادت النفس الشر تحولت قرينه إلى شيطانا يحرك حواسه نحو الكفر و الفسوق والعصيان فلا يقبل خير أبداً ويضرب الله تعالى السواد على قلبه كما في قوله تعالى [ { بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون – المطففين 14 } –  عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ الْعَبْدَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فإنْ تابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ، فإنْ زَادَ زَادَتْ فَذلكَ قَوْلُ اللهِ: ( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )  – تفسير بن الطبري  ] .

وذنب على ذنب يتحول إلى مكذب بآيات الله قال تعالى : { ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء أن كذبوا بآيات الله – الروم } .

  • وأما عن القرين الشيطاني من ذرية إبليس :

فهو الذي يقوم بإقناعه للإنطلاق به نحو الشر فإذا اقنعه في داخله بالفكرة قامت نفسه السيئة  بدفع الجسد (السوءة) وتطويعها نحو الكبائر والجرائم و الشر كأن تقول له قم اقتل أو اسرق أو اضرب أو ازني أو أهدم بيوت الناس أحرق أكذب فهذا حقك طبعا بغير نص من كتاب الله ليكون من الهالكين وبعد ترسح الفكرة في أخذ وعطاء كأنها محكمة داخلية أطرافها ثلاثة يقوم الجسد أو السوء بالعمل مباشرة وهنا يحكم عليه إن كان مؤمناً او غير مؤمن بعمله الذي بدى منه بعد اختفاء .

وذلك بعد أن قام القرين بتبرير الجريمة أو الكبيرة  الكبائر وهؤلاء هم قرناء شياطين الجن الذين يقومون بتزيين الأعمال المنكره فلا يعرف الناس بعضهم بعضاً بعد ذلك إلا من خلال تلك الأعمال  بعد أن تبرز للوجود  .

  • مكر القرين و فوائد ذكر الله :

كن على حذر من نفسك إن كانت أمارة بالسوء و قرينك المحرض لها على الشر وأنت تتحدث مع نفسك وتنظر بعينك لمن حولك وتظن أن الله ومن حولك لا يعلمون بما يدور في خلدك .

فأما الله تعالى فهو يعلم ما ستفعله قبل خلقك ويعلم ما تفعله وكتبه عليك رقيب وعتيد وأما الخلق فسيعرفون ما يدور بعقلك من فلتات لسانك قال الإمام علي (ع)  [مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ – المستطرف في كل فن مستظرف & موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ – محمد الريشهري – ج ١٠ – الصفحة ٢٠٤ ]

من أكبر المكائد التي يوقع فيها القرين ابن آدم وسوسته ومناقشاته مع نفس الإنسان فتجد كل شخص ذاهب إلى مكان ما او عمل ولكن عقله في حالة انشغال مستمر يناقش ويتكلم وفق مايهوى فيضمر في نفسه السوء فيسب في نفسه أصدقاؤه أو يناقشه في تدبير مكيدة أو تلفيق تهمة أو إحداث مخالفة ما أو ويلعن هذا ويسب ذاك في نفسه وهذا مما يشعر به قرين الآخر فيحدث التنافر والخلاف وربما التشاجر والمواقف الحادة بين الناس وهذه الحوار بين الشخص ونفسه وقرينه سيحاسب الله عليه العبد وفق نيته قال تعالى { لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – البقرة 284 }

ولقد قدم لنا القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وآله علاجاً لهذه المشكلة حتى لا يحتسب علىى المسلم ذنوباً بنيته السوء والتي قد تدفعه للوقوع في الذنوب والكبائر والجرائم بينه وبين نفسه أولاً ثم تبدو أمام الناس في صورة كلمة بذيئة أوسبه أو غيبة ونميمية أو مكيدة وكلها تبدأ بحديث بين الجسد ونفسه وقرينه  وهنا يحذر الله تعالى مبيناَ للناس أن كلام ابن آدم كله ونجواه مع نفسه أو الآخرين عليه لا له وسيأتي عليه بالذنوب والكبائر إلا ماكان لله تعالى ورضاه قال تعالى { لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا – النساء 114 } .

أي لا تتكلم إلا بمعروف أو خير وإصلاح بين الناس أو اصمت واشغل نفسك بذكر الله يقول صلى الله عليه وآله[ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ،

مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ. – رواه مسلم  ] 

و كان يقول صلى الله عليه وآله [  ” أمرني ربي بتسع ” ( أي : خصال ) ” خشية الله ” ) بالجر ويجوز أختاه ، أي : خوفه المقرون بالعظمة ( ” في السر والعلانية ” ) أي : في القلب والقالب ، أو في الخلا والملا ( ” وكلمة العدل في الغضب والرضا ” ) بالقصر أي : في الحالين ( ” والقصد ” ) أي : الاقتصاد في المعيشة ، أو التوسط بين الصبر والشكر ، غير خارج عنهما بالجزع والطغيان ( ” في الفقر والغنى ، وأن أصل من قطعني ” ) أي : من ذوي الأرحام أو غيرهم ، وهذا غاية الحلم ونهاية التواضع ، ( ” وأعطي من حرمني ” ) وهذا كمال الكرم والجود ( وأعفو عمن ظلمني ) أي : مع قدرتي على الانتقام ، هذا نتيجة الصبر ، وقضية الشكر ، ورعاية الإحسان والرحمة على أفراد الإنسان ، ( ” وأن يكون صمتي فكرا ” ) أي : في أسمائك ، وصفاتك ، ومصنوعاتك ، ومعاني آياتك ( ” ونطقي ذكرا ” ) أي : بتسبيحك وتحميدك ، وتقديسك وتمجيدك ، وتكبيرك وتوحيدك ، وتلاوة كتابك ، وموعظة عبادك ( ” ونظري عبرة ” ) أي : في الآفاق والأنفس وملكوت السماوات والأرض ، ( وآمر بالعرف ، وقيل بالمعروف ) أي : بدلا من عن العرف بالضم والسكون ، ولم يقل : وأنهى عن المنكر اكتفاء ، أو العرف يشمل المعروف في الشرع ارتكابا واجتنابا . – مشكاة المصابيح – كتاب الاداب ]

  • محاجاة بني آدم و أنفسهم وقرنائهم وتبرأ الكبراء وتابعيهم بعضهم من بعض يوم القيامة :

الإنسان ونفسه وقرينه هؤلاء الثلاثة يوم القيامة سيتبادلون إلقاء التهم فيما بينهم ليبعدوا عذاب الله تعالى عن أنفسهم فيقول القرين الشيطاني عن جسد الكافر { ربنا ماأطغيته ولكن كان في ضلال بعيد – ق }  ويخاطب الجسد الطيني نفسه وقرناء السوء حوله قائلا { وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أن زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار }

وكذلك سيتحاورون مع جلودهم التي كانت تحوي أنفسهم السيئة في الدنيا حينما كان في عالم الدينا   كما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ – فصلت 19-21 } .

ويقول إبليس كما بينا من قبل { ماكان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي – إبراهيم } .

وعن الحوار بين الكبراء والمستضعفين  أيضاً سيتبرأ بعضهم من بعض تابعين ومتبوعين كبراء ومستضعفين كما في قوله تعالى { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا – البقرة } وقال تعالى في هذا النص الحواري بين الكبراء والمستضعفين { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم ۖ بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ۚ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ – فصلت 31-33 } .

وهنا كلمة مهمه للجنود المؤمنين المحاربين لهؤلاء لابد من الحرب أن تكون باللسان والسنان أي بالأذكار لوقف النفس عن الدفع والقرين عن التحريض وذلك باذكار محددة من كتاب الله  ليس مكانها الآن .

وهنا يتوقف سلاح العدو عن العمل أو يفر هارباً بلا نصير بعد ان حرضه الشيطان كما في قوله تعالى { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ – الأنفال 48 }

ثم تكون الهزيمة المنكرة لحزب الشيطان و إعلاء كلمة الله .

ويبين تعالى في كتابه الكريم لمنع الإختلاف بين الناس عليهم العمل بما أمر الله تعالى  درأَ للإختلاف و والتغلب على الشياطين كما في قوله تعالى { يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله } فإذا تحاورت لا تقدم على كتاب الله شيئ لأنه أحسن الحديث كما قال تعالى { وقل لعبادي يقولوا التي هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم } والأحسن هو القرآن الكريم كما في قوله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابها- الزمر } وقال تعالى أيضاً { اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ريكم } . وهنا ينصرف الشياطين والقرناء وتسكت أنفس السوء عن الجدال فلا يكون أمامهم غير قولهم (سمعنا وأطعنا) ومن خالف وشاقق وشذ فقد شذ إلى النار .

وبالتالي عودً على بدأ :

ظهور النفس الطيبة في جنة عدن بالسماء هو الجسد الطيني العلوي الذي سجد لآدم  و الذي أبى السجود لآدم عليه السلام فهم ممن اقترنت أنفسهم بقرناء سوء من طينة جهنم { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط }  .

كما بينا فهم مسجونون في الأرض لا تصعد أنفسهم منها كما بينا ولا يرفع لهم دعاء و كلا الفريقين أو الحزبين قبل النزول للدنيا و الإمتحان فيها كان يعرف كلاً منهما الآخر في جنة عدن فهذا إبليس وحزبه وهذا آدم وحزبه المؤمنين و كلاهما منظر إلى يوم البعث والقيامة وكلاً منهما يعرف الآخر وذريته ويتخاطب كلاهما بالوصف الحقيقي والنداء كما ورد في كتاب الله ب يا آدم و يا إبليس في  جنة عدن بسماء الحياة الدنيا عندما كان إبليس من المنظرين حيث أخفى الله عز وجل بين جنبات الجسد الطيني العلوي السوءة التي سيعيش بها ابن آدم في الدنيا إذا هبط منها كما فصلنا من قبل .

  • ذكر الله ووحدة النفس والجسد علاجاً للأمراض النفسية وثبات الجند عند لقاء العدو : 

من أهم فوائد ذكر الله تعالى هنا :

أولاً : الوحدة بين الجسد والنفس الداخلية أو الإنسان الداخلي وهنا أعلى درجات القناعة و الرضا بين العبد ونفسه  وهذه أهم أسباب العلاج النفسي كما أخبر علماء النفس وذلك بعد أن يكون قد شغل نفسه وقلبه و لسانه بذكرالله  فلا يفكر ولا يذكر اي شخص بالسوء ولو في داخله ولا يضيع وقته عبثاً وسدى إلا في عمل يفيده في الدنيا أو ذكراً لله أو مساعدة ضعيف او إعاثة ملهوف من أعمال تنفعه في الآخرة .

ثانياً : الفائدة الثانية هنا للمجاهدين في سبيل الله إيمان و إسلام قرينه لكثرة ذكر الله تعني أنه صادق القول و العمل وبالتالي لا يفر في معركة ولا يهاب الموت ولذلك يقول تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ –الأنفال 45 } وهنا يبين تعالى ان ذكر الله يثبت المقاتل في سبيل الله و العكس صحيحاً إن كان لا يعير لذكر الله بالا فهو إلى الفرار من الزحف أقرب قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ – آل عمران 155 } .

وذكر الله تعالى وتلاوة القرآن قال تعالى فيه { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا – الإسراء 45 } وهنا الحجاب كيف والأجساد متلاحمة في المعركة أو في اي موضع كان في مواطن السلم او الحرب هذا الحجاب يكون ساتراً للمؤمن والمجاهد عن قرناء السوء والشياطين الغير منظورة بالعين فإذا حدثت الحرب عميت تلك المخلوقات فلا تستطيع الوحي لأوليائهم بالحقيقة فيقعوا في نقطة عمياء عما يددور حولهم فيفر الشيطان إذا راي ملائكة العذاب ببركة القرآن وتلاوتة وذطر الله تعالى عند لقاء العدو قال تعالى { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ – الأنفال 48 } .

ومن :

ذكر الله فضائله وأنواعه من موقع الكلم الطيب :

[ فضل الذكر

عن معاذ بن جبل  قال: قال رسول الله :  [ ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم ( قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ) ذكر الله عز وجل   رواه أحمد].

وفي صحيح البخاري عن أبي موسى، عن النبي  قال : ( مثل الذي يذكر ربه، والذي لايذكر ربه مثل الحي والميت )

وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ( يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ).

وقد قال تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً  [الأحزاب:41 ]، وقال تعا لى:  وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ  [الأحزاب:35] ، أي: كثيراً. ففيه الأ مر با لذكر بالكثرة والشدة لشدة حاجة العبد إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين.

وقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: ( لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل ).

ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. فإذا ترك الذكر صدئ، فإذا ذكره جلاه.

و صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.

قال تعالى:   وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُط   الكهف:28] .

فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.

أنواع الذكر

 الذكر نوعان:

أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى، وهذا

أيضاً نوعان:

أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه، نحو ( سبحان الله عدد خلقه ).

النوع الثاني: الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك: الله عز وجل يسمع أصوات عباده.

وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله  من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل. وهذا النوع أيضاً ثلاثة أنواع:

فالحمد لله الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضا به، فإن كرر المحامد شيئاً بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجداً.

وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد:  الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  قال الله: ( حمدني عبدي)، وإذا قال:  الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ  قال: ( أثنى عليّ عبدي )، وإذا قال:  مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  قال: ( مجّدني عبدي )رواه مسلم].

النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه: وهو أيضاً نوعان:

أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا، ونهيه عن كذا.

الثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة.

فهذا الذكر من الفقه الأكبر، وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية.

و من ذكره سبحانه وتعالى: ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضاً من أجل أنواع الذكر.

فهذه خمسة أنواع، وهي تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر. وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة، وهي الدرجة الثالثة.

فأفضل الذكر: ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.

الذكر أفضل من الدعاء

الذكرأفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟

ولهذا جاء في الحديث: ( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين ).

ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته، وقد أخبر النبي  أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه الثناء والذكر، وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجاباً.

فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وإفتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل.

قراءة القرأن أفضل من الذكر

قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر إلى كل منهما مجرداً.

وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه، فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك الذكر عقب السلام من الصلاة – ذكر التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد – أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن.

وهكذا الأذكار المقيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القران، مثاله: أن يتفكر في ذنوبه، فيحدث ذلك له توبةً واستغفاراً، أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن، فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه.

فهكذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجراً.

وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، فيعطي كل ذى حق حقه، ويوضع كل شيء موضعه.

ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.

فهذا أصل نافع جداً، يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها، فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها وإن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثواباً وأعظم أجراً، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزيله في مرتبته.

من فوائد الذكر

وفي الذكر نحو من مائة فائدة.

إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.

الثانية: أنه يرضي الرحمن عز وجل.

الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.

الرابعة: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.

الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.

السادسة: أنه ينور الوجه والقلب.

السابعة: أنه يجلب الرزق. الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.

التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام.

العاشرة: أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان.

الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل

الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه.

الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة.

الرابعة عشرة: أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله.

الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى:  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ   البقرة:152].

السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.

السابعة عشرة: أنه قوة القلب والروح.

الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صدئه.

التاسعة عشرة: أنه يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.

العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعا لى.

الحادية والعشرون: أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة.

الثانية والعشرون: أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.

الثالثة والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.

الرابعة والعشرون: أنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.

الخامسة والعشرون: أنه سبب إشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل.

السادسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين.

السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.

الثامنة والعشرون: أن الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين.

التاسعة والعشرون: أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.

الثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.

الحادية والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه و معا ده.

الثانـية والثلاثون: أنه ليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله.

الثالثة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط.

الرابعة والثلاثون: أن الذكر رأس الأمور، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل.

الخامسة والثلاثون: أن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل.

السادسة والثلاثون: أن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب. فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وعزومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوات حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة، ويبعد القريب إليه وهي الدنيا.

السابعة والثلاثون: أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سباته. الثامنة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون.

التاسعة والثلاثون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتو فيق.

الأربعون: أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.

الحادية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره.

الثانية والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره.

الثالثة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى.

الرابعة والأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه.

الخامسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها.

السادسة والأربعون: أنه جلاب للنعم، دافع للنقم بإذن الله.

السابعة والأربعون: أنه يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر.

الثامنة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.

التاسعة والأربعون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ليس لهم مجالس إلا هي.

الخمسون: أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.

الحادية والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، أو بدنية مالية.

الثانية والخمسون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.

الثالثة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه.

الرابعة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه.

الخامسة والخمسون: أن الذاكرين الله كثيراً هم السابقون من بين عمال الآخرة.

السادسة والخمسون: أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، ومن صدقه الله تعالى رجي له أن يحشر مع الصادقين.

السابعة والخمسون: أن دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.

الثامنة والخمسون: أن الذكر سد بين العبد وبين جهنم.

التاسعة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق.

الستون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.

الحادية والستون: أن الجبال والقفار تتباهي وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.

الثانية والستون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق.

الثالثة والستون: أن للذكر لذة عظيمه من بين الأعمال الصالحة لا تشبهها لذة.

الرابعة والستون: أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة – موقع الكلم الطيب ] .

[ فوائد وثمرات ذكر الله وتلاوة القرآن :

فضل ذكر الله في القرآن:

(1) قال الله تبارك وتعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾  البقرة: 152].

(2) قال الله عز وجل: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 205].

(3) قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

(4) قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]

(5) قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9، 10]

فضل ذكر الله في السنة:

(1) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم …)) [البخاري حديث: (7405)، مسلم حديث: (2067]

 

(2) روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت))؛ [البخاري حديث: (6407)، مسلم حديث: (779]

(3) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده))؛ [البخاري حديث: (6406)، مسلم حديث: (2072]

(4) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر))؛ [البخاري حديث: (6405)، مسلم حديث: (2691]

(5) روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عبدالله بن قيس، ألا أدلُّك على كنز من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [البخاري حديث: (4205)، مسلم حديث: (2704]

(6) روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عَدْلَ عشر رقاب، وكُتبت له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حِرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك))؛ [البخاري حديث: (3293]

(7) روى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض …))؛ [مسلم حديث: (223]

(8) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفَّتهم الملائكة، وغشِيَتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))؛ [مسلم حديث: (2700]

 

(9) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس))؛ [مسلم حديث: (2072]

(10) روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيعجِز أحدكم أن يكسِب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسِب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة، فيُكتب له ألف حسنة، أو تُحطُّ عنه ألف خطيئة))؛ [مسلم حديث: (2698]

(11) روى الترمذي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: (2757]

(12) روى الترمذي عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبَّث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: (2688]

(13) روى ابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مما تذكرون من جلال الله: التسبيح، والتهليل، والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهن دويٌّ كدويِّ النحل، تذكِّر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له – أو لا يزال له – من يذكِّر به؟))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن ابن ماجه للألباني، حديث: (3071] .

 

أفضل الذكر: تلاوة القرآن:

 

القرآن الكريم:

 

القرآن: هو كلام الله تعالى حقيقة، المنزَّل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يقظة لا منامًا، بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبَّد بتلاوته، المعجز بلفظه، والمتحدَّى بأقصر سورة منه، المكتوب في المصاحف، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس. فائدة مهمة:

يجب أن نعتقد أن الله تعالى يتكلم كلامًا يليق بجلاله وعظمته، دون تشبيه أو تمثيل أو تكييف أو تعطيل، وكل ما يدور بعقولنا، فكلام الله عز وجل بخلافه.

  • قال الله تبارك وتعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]
  • قال جل شأنه: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]
  • قال سبحانه: ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾ [البقرة: 253].

فضل تلاوة القرآن:

(1) قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]

(2) قال سبحانه: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]

(3) قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9].

(4) قال سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

(5) قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن: 1، 2].

(6) قال جل شأنه: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]

(7) قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]ٍ.

فضل تلاوة القرآن في السنة:

(1) روى البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))؛ [البخاري حديث: (5027]

(2) روى الترمذي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ﴿ الم ﴾ حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن الترمذي للألباني، حديث: (2327]

(3) روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الماهر بالقرآن مع السَّفَرَةِ الكرام البَرَرَةِ، والذي يقرأ القرآن ويَتَتَعْتَع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران))؛ [البخاري حديث: (4937)، مسلم حديث: (798]

(4) روى مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اقرؤوا القرآن؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ [مسلم حديث: (804]

(5) روى مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يُؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدُمه سورة البقرة وآل عمران، كأنهما غمامتان – أي: سحابتان – أو ظُلَّتان سوداوان بينهما شَرْقٌ – أي: ضياء ونور – أو كأنهما حِزقان – أي: قطيعان – من طير صوافٍّ – أي: باسطات أجنحتها في الطيران – تُحاجَّان – أي: تدافعان – عن صاحبهما))؛ [مسلم حديث: (805]

(6) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))؛ [مسلم حديث: (870]

(7) روى مسلم عن عامر بن واثلة: ((أن نافع بن عبدالحارث لقي عمر رضي الله عنه بعُسْفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: مَنِ استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أَبْزَى، قال: ومَن ابن أبزى؟ قال: مولًى من موالينا، قال: فاستخلفتَ عليهم مولًى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين))؛ [مسلم حديث: (817]

(8) روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: (1300]

(9) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))؛ [مسلم حديث: (2699].

(10) روى ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ في ليلة مائة آية لم يُكتب من الغافلين، أو كُتب من القانتين))؛ [حديث صحيح، السلسلة الصحيحة للألباني، حديث: (643]

(11) روى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن ابن ماجه للألباني، حديث: (178]….  – الشيخ صلاح نجيب الدق – شبكة الألوكة ]

 

الفصل الثامن :

  • سماء الدنيا أرضها وسماء الآخرة وأرضها وهى الجنة :

مع ظهور السوءة من بعد اختفاء برز أيضاً معها كوناً آخر سماءه بأرض الدنيا و و سماء الدنيا التي قال تعالى فيها { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ – الصافات 6-10 }

وهنا سماء الدنيا أي أنها ليست سماء الآخرة وما هى إلا كجلد ابن آدم الذي يحوي نفسه الطينية العليا بداخل سوءته التي برزت وهبط بها إلى الأرض الدنيوية وسماءها وما الفرق بين الجلد و ما تحوية نفسه إلا كنفس المساحة والقياس بين حجم الإنسان والكون الفسيح اللانهائي وذلك لأن سماء الدنيا على ذلك كجلد ابن آدم الذي يحوي نفسه هكذا سماء الدنيا كلها غلاف الولوج لسماء وأرض الآخرة

ولذلك يؤكد القرآن الكريم أن هذه السماء وهذه الأرض هى سماء الدنيا وليست الآخرة قال تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ  وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – فصلت 9-12 } .

وهذه الأراضين والسماوات هنا ليست أرض الدنيا التي نعيش فيها ولا سمائها لأنه تعالى فصل بينها وبين سماء الدنيا كما في قوله تعالى { ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا – فصلت 11-12 } .

وهنا سماء الدنيا هى السماء المقترنة بالأرض ويراها الناس ويعيشون تحت شمسها فهى التي زينها الله تعالى بالكواكب وجعلها حفظاً لغلاف السماء الذي هو كجلد ابن آدم الحافظ لنفسه كذلك كل هذه الساء اللانهائية في المساحة كجلد ابن آدم الذي بداخله نفسه فإذا خرجت منها خرجت للعالم الفسيح كذلك السماء لا تعدوا كونها غلاف السماء الآخرة وأرض الآخرة قال تعالى { رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ  لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ –الصافات 5- 10 } .

و هذه أرض الدنيا بسمائها سجن والحبس لأهل النار من بعد موتهم كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ – الأعراف 40 }

  • و بين الكونين قبل الهبوط من الجنة ثم الخروج منها والهبوط إلى الأرض ثم الموت ورجوع أهل الجنة إليها وسجن الكافرين في الأرض يتحرك الإنسان بجسده و نفسه معه وهى الإنسان الداخلي و الجسد المخلوق من الطين العلوي بالجنة أو الأرضي من النار في جنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض ثم العودة إليها مرة أخرى حتى يوم القيامة فإذا هبط الإنسان عاش بجسده الطيني السفلي الذي بدا بعدما أكل نبي الله آدم من الشجرة وهى أطلق عليها القرآن الكريم سوءة في قوله تعالى { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ  وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ – طه 121 } .
  • وعن إبليس وحزبه لما هبط الى الأرض أصبح له قدرات على جسد بني آدم وسيطرة كاملة عليه إن ابتعد عن ذكر الله والإيمان به ولذلك يقول فيه صلى الله عليه وآله [ إن الشَّيْطَانَ يَجْرِي من ابن آدم مَجْرَى الدَّمِ،.. ] الحديث فإذا ذكر الله تعالى خرج من جسده وانصرف قال تعالى لذلك { واذكر ربك إذا نسيت } ومن نسى ذكر الله قيض الله تعالى له شيطانا يصبح له قربن قال تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين } . فلما هبط إلى الأرض أصبح يطلع على بني آدم بطرق لا يراه منها قال تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } أي أنه ينظر للإنسان من أماكن لا يمكن للإنسان أن يراه فيها إلا في الحروب فإن الله تعالى بين حضوره وحزبه بصورته الارضية الدنيوية ثم يفر هارباً من المعركة كما في قوله تعالى { فلما تراءت الفئتان نكص على عقبية وقال إني بريئ منكم إني أرى مالا ترون إن أخاف الله والله شديد العقاب } .

وهنا يفر بقية حزبه مهما حملوا من أسلحة متقدمة وتقنية وذلك لأن إمامهم والمحرض له هرب وتركهم فتتحطم نفوسهم وينهار جيشه ويهزم ومن هنا قال تعالى في المؤمنين مهما قل عددهم وعدتهم { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } .

  • عناصر الحياة في الدنيا الماء اوالهواء وفي الآخرة النور والماء :

نور رسول الله صلى الله عليه وآله :

بين تعالى أن سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) كان نوراً قبل الخلق وأنزل الله تعالى عليه كتاب الله تعالى وهو نوراً من الله تعالى لذلك قال تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } .

ويبين تعالى بعد ذلك أن عنصري الحياة في الجنة من بعد الموت هما النور والماء و لذلك سيطلبهما أهل النار من أهل الجنة ليحيوا فيها  وتكون لهم النجاة من النار ومن عذاب الله تعالى فيها كما في قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ  فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ  – الحديد 13-15 } وعن طلبهم الماء من أهل الجنة يقول تعالى { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50-51 } أي أن عناصر الحياة في الآخرة هنا التلي طلبوها من أهل الجنة كانت بين الماء و النور  والنور كما بينا من قبل نزل في متاب الله على نور من الله وهو سيدنا رسول الله بما يعني أن العامل بكتاب الله تعالى في الدنيا وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام ثم المؤمنين فهو الذي يموت ويبعثه الله تعالى على نور من ربه يمشي به في الدنيا وفي الآخرة هو من أهل الجنة  .

يقول تعالى في خلق بني آدم وكل شيئ حي من الماء   { وجعلنا من الماء كل شيئ حي } . وقد خلق خلقه تعالى في الدنيا على ثلاثةأصناف منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على أرجل اربع ومنهم الإنسان الذي يمشي على رجلين وما شابه من مخلوقات الله تعالى كما في  قوله تعالى

{ والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع – النور 45 }

والهواء وتدرج انعدامه كلما صعدت إلى السماء { فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ  – النعام 125 }  .

(3) ترك العمل بكتاب الله في الدنيا يمنع نور وماء الحياه في الآخرة  :

لما تركوا العمل بما أنزل الله منع عنهم نور حياتهم فيما بعد الموت :

قال تعالى عن أهل النار لما تركوا العمل بما أنزل الله وهذا النور المنزل عليهم ليعشوا به في الجنة  { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ – الحديد 13}

ويطلبون ماء الحياة الذي أحيا به الله تعالى أجسادهم في الجنة فلا يجدوه قال تعالى في طلبهم ذلك من أهل الجنة : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50-51 }.

[   قال الحسن : الجان إبليس و هو أبو الجن . وقيل : الجان واحد الجن ، والمارج اللهب ، عن ابن عباس ، وقال : خلق الله الجان من خالص النار . وعنه أيضا من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال الليث : المارج الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد . وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر –  تفسير الطبري ] .

وهنا اقتران خلق الإنسان من صلصال والجان من مارج من نار تبين أن أجساد الجن هى التي خلقت من النار ولهبها ولهم طبيعة رؤية بني آدم من أماكن لا يقدرون على رؤيتهم من خلالها قال تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم }

ولذلك علم الله تبارك وتعالى وحصن نبيه آدم وذريته بأن علمه الأسماء كلها وكيف يتعوذ بالله من كيد الشيطان قال تعالى { وعلم آدم السماء كلها } وقال تعالى { فاستعذ بالله } هذه الكلمات طاقة تخرج من فم المؤمن لتحرق الشيطان فينصرف عن  الشخص و المكان  .

الجن :

قال تعالى : { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون – يس }

ومما تنبت الأرض هو الماء والتراب ومنه خلق الله تعالى الجسد الطيني العلوي الأول الذي عاش به آدم في جنة عدن و معه إبليس وقد كان خلق من قبل من النار فلما هبطوا جميعاً وتحورت أجسادهم بما يتناسب والعيش في الحياة الدنيا بجسد يستوجب الغسل والنظافة لكلا الثقلين وهنا أنزل الله تعالى لذلك كتبه السماوية وخاتمها القرآن الكريم على خاتم النبيين لتبين للثقلين طريق مرضاة الله تعالى وأوامره التي ستنفعهم  وما فيه صلاح دنياهم وأخراهم .

فإن ماتوا بدت أنفسهم المخلوقة أول مرة  وعاشوا بها في جنة عدن إن كانوا صالحين   وإن كانوا مجرمين سجنتهم الملائكة في سجين بالأرض السابعة .

الفصل التاسع :
 مرحلة ما يعد القيامة
  • سماء الدنيا أرضها وسماء الآخرة وأرضها وهى الجنة :

مع ظهور السوءة من بعد اختفاء برز أيضاً معها كوناً آخر سماءه بأرض الدنيا و و سماء الدنيا التي قال تعالى فيها { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ – الصافات 6-10 }

وهنا سماء الدنيا أي أنها ليست سماء الآخرة وما هى إلا كجلد ابن آدم الذي يحوي نفسه الطينية العليا بداخل سوءته التي برزت وهبط بها إلى الأرض الدنيوية وسماءها وما الفرق بين الجلد و ما تحوية نفسه إلا كنفس المساحة والقياس بين حجم الإنسان والكون الفسيح اللانهائي وذلك لأن سماء الدنيا على ذلك كجلد ابن آدم الذي يحوي نفسه هكذا سماء الدنيا كلها غلاف الولوج لسماء وأرض الآخرة

ولذلك يؤكد القرآن الكريم أن هذه السماء وهذه الأرض هى سماء الدنيا وليست الآخرة قال تعالى { قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ  وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ – فصلت 9-12 } .

وهذه الأراضين والسماوات هنا ليست أرض الدنيا التي نعيش فيها ولا سمائها لأنه تعالى فصل بينها وبين سماء الدنيا كما في قوله تعالى { ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا – فصلت 11-12 } .

وهنا سماء الدنيا هى السماء المقترنة بالأرض ويراها الناس ويعيشون تحت شمسها فهى التي زينها الله تعالى بالكواكب وجعلها حفظاً لغلاف السماء الذي هو كجلد ابن آدم الحافظ لنفسه كذلك كل هذه الساء اللانهائية في المساحة كجلد ابن آدم الذي بداخله نفسه فإذا خرجت منها خرجت للعالم الفسيح كذلك السماء لا تعدوا كونها غلاف السماء الآخرة وأرض الآخرة قال تعالى { رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ  لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ –الصافات 5- 10 } .

و هذه أرض الدنيا بسمائها سجن والحبس لأهل النار من بعد موتهم كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ – الأعراف 40 }

  • و بين الكونين قبل الهبوط من الجنة ثم الخروج منها والهبوط إلى الأرض ثم الموت ورجوع أهل الجنة إليها وسجن الكافرين في الأرض يتحرك الإنسان بجسده و نفسه معه وهى الإنسان الداخلي و الجسد المخلوق من الطين العلوي بالجنة أو الأرضي من النار في جنة عدن قبل الهبوط إلى الأرض ثم العودة إليها مرة أخرى حتى يوم القيامة فإذا هبط الإنسان عاش بجسده الطيني السفلي الذي بدا بعدما أكل نبي الله آدم من الشجرة وهى أطلق عليها القرآن الكريم سوءة في قوله تعالى { فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ  وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ – طه 121 } .
  • وعن إبليس وحزبه لما هبط الى الأرض أصبح له قدرات على جسد بني آدم وسيطرة كاملة عليه إن ابتعد عن ذكر الله والإيمان به ولذلك يقول فيه صلى الله عليه وآله [ إن الشَّيْطَانَ يَجْرِي من ابن آدم مَجْرَى الدَّمِ،.. ] الحديث فإذا ذكر الله تعالى خرج من جسده وانصرف قال تعالى لذلك { واذكر ربك إذا نسيت } ومن نسى ذكر الله قيض الله تعالى له شيطانا يصبح له قربن قال تعالى { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين } . فلما هبط إلى الأرض أصبح يطلع على بني آدم بطرق لا يراه منها قال تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } أي أنه ينظر للإنسان من أماكن لا يمكن للإنسان أن يراه فيها إلا في الحروب فإن الله تعالى بين حضوره وحزبه بصورته الارضية الدنيوية ثم يفر هارباً من المعركة كما في قوله تعالى { فلما تراءت الفئتان نكص على عقبية وقال إني بريئ منكم إني أرى مالا ترون إن أخاف الله والله شديد العقاب } .
  • وهنا يفر بقية حزبه مهما حملوا من أسلحة متقدمة وتقنية وذلك لأن إمامهم والمحرض له هرب وتركهم فتتحطم نفوسهم وينهار جيشه ويهزم ومن هنا قال تعالى في المؤمنين مهما قل عددهم وعدتهم { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } .

(2) عناصر الحياة في الدنيا الماء اوالهواء وفي الآخرة النور والماء :

  • نور رسول الله صلى الله عليه وآله :
  • بين تعالى أن سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) كان نوراً قبل الخلق وأنزل الله تعالى عليه كتاب الله تعالى وهو نوراً من الله تعالى لذلك قال تعالى { قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين } .
  • ويبين تعالى بعد ذلك أن عنصري الحياة في الجنة من بعد الموت هما النور والماء و لذلك سيطلبهما أهل النار من أهل الجنة ليحيوا فيها وتكون لهم النجاة من النار ومن عذاب الله تعالى فيها كما في قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ  فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ مَأْوَاكُمُ النَّارُ ۖ هِيَ مَوْلَاكُمْ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ  – الحديد 13-15 } وعن طلبهم الماء من أهل الجنة يقول تعالى { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50-51 } أي أن عناصر الحياة في الآخرة هنا التلي طلبوها من أهل الجنة كانت بين الماء و النور  والنور كما بينا من قبل نزل في متاب الله على نور من الله وهو سيدنا رسول الله بما يعني أن العامل بكتاب الله تعالى في الدنيا وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام ثم المؤمنين فهو الذي يموت ويبعثه الله تعالى على نور من ربه يمشي به في الدنيا وفي الآخرة هو من أهل الجنة  .
  • يقول تعالى في خلق بني آدم وكل شيئ حي من الماء { وجعلنا من الماء كل شيئ حي } . وقد خلق خلقه تعالى في الدنيا على ثلاثةأصناف منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على أرجل اربع ومنهم الإنسان الذي يمشي على رجلين وما شابه من مخلوقات الله تعالى كما في  قوله تعالى
  • { والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع – النور 45 }
  • والهواء وتدرج انعدامه كلما صعدت إلى السماء { فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ – النعام 125 }  .

 (3) ترك العمل بكتاب الله في الدنيا يمنع عن الثقلين نور وماء الحياه في الآخرة  :

  لما تركوا العمل بما أنزل الله منع عنهم نور حياتهم فيما بعد الموت :

قال تعالى عن أهل النار لما تركوا العمل بما أنزل الله وهذا النور المنزل عليهم ليعشوا به في الجنة  { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ – الحديد 13}

ويطلبون ماء الحياة الذي أحيا به الله تعالى أجسادهم في الجنة فلا يجدوه قال تعالى في طلبهم ذلك من أهل الجنة : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50-51 }.

[   قال الحسن : الجان إبليس و هو أبو الجن . وقيل : الجان واحد الجن ، والمارج اللهب ، عن ابن عباس ، وقال : خلق الله الجان من خالص النار . وعنه أيضا من لسانها الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال الليث : المارج الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد . وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر –  تفسير الطبري ] .

وهنا اقتران خلق الإنسان من صلصال والجان من مارج من نار تبين أن أجساد الجن هى التي خلقت من النار ولهبها ولهم طبيعة رؤية بني آدم من أماكن لا يقدرون على رؤيتهم من خلالها قال تعالى { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم }

ولذلك علم الله تبارك وتعالى وحصن نبيه آدم وذريته بأن علمه الأسماء كلها وكيف يتعوذ بالله من كيد الشيطان قال تعالى { وعلم آدم السماء كلها } وقال تعالى { فاستعذ بالله } هذه الكلمات طاقة تخرج من فم المؤمن لتحرق الشيطان فينصرف عن  الشخص و المكان  .

الجن :

قال تعالى : { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون – يس }

ومما تنبت الأرض هو الماء والتراب ومنه خلق الله تعالى الجسد الطيني العلوي الأول الذي عاش به آدم في جنة عدن و معه إبليس وقد كان خلق من قبل من النار فلما هبطوا جميعاً وتحورت أجسادهم بما يتناسب والعيش في الحياة الدنيا بجسد يستوجب الغسل والنظافة لكلا الثقلين وهنا أنزل الله تعالى لذلك كتبه السماوية وخاتمها القرآن الكريم على خاتم النبيين لتبين للثقلين طريق مرضاة الله تعالى وأوامره التي ستنفعهم  وما فيه صلاح دنياهم وأخراهم .

فإن ماتوا بدت أنفسهم المخلوقة أول مرة  وعاشوا بها في جنة عدن إن كانوا صالحين وإن كانوا مجرمين سجنتهم الملائكة في سجين بالأرض السابعة .

(4) النشأة الجديدة فيما لا يعلمون :

يبين تعالى أن هناك طور من أطوار الخلق بعد يوم القيامة منفي العلم بها بنصوص القرآن الكريم ويبدأ بتبديل الأرض والسماء بأرض جديدة وسماء جديدة قال تعالى فيهما { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار – إبراهيم 48  } وهذه نشأة دائماً تأت في كتاب الله بنفي العلم عنها كقوله تعالى { على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون – الواقعة 61 }

ولذلك يقول تعالى عما أخفى للمؤمنين في هذا الطور فيما بعد القيامة { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون – السجدة 17 } ولذلك يقول تعالى { ويخلق مالا تعلمون – النحل } . وفي الحديث لذلك يقول تعالى أعددت لعبادي مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .. الحديث ] و لم يخطر على قلوب البشر إلا ما أعلمهم إياه حينما قال تعالى في نبي الله آدم عليه السلام { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ – البقرة 31-33 } وهنا يكون قد بين الله تعالى لنا أن كل ما علمته البشرية منذ خلق آدم أبوهم إلى يوم الثيامة هو ما أراده لهم من علم ومرحلة ما بعد القيامة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا في الفردوس الأعلى والذي ورد في كتاب الله مقترناً بلفظ ميراث في قوله تعالى { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون –المؤمنون 11 } وهذا الميراث يكون بعد ميراث الخالق عز وجل لسماواته وأرضه كما في قوله تعالى { ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير – آل عمران 180 }

أهـ

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

الفهرست الجديد

 مقدمة :

الفصل الأول

(1) قصة الخلق الأول :

(2)  مرحلة الخلق من العدم و اللاشيئ  .

(3) خلق الله الكون وحاسب وأدخل الجنة والنار في لحظة واحدة  .

(4) رسول الله صلى الله عليه وآله كان قبل خلق السماوات والأرض من كتاب الله  .

(5)  خلق نفس رسول الله (ص) والمرسلين والمؤمنين من نور الله تعالى .

الفصل الثاني :

مراحل خلق الإنسان (جسده ونفسه المركبة فيه) وأعمارهم والدور الشيطاني

1- خلق الأنفس قبل الأجساد

2- كل بني آدم خلقوا دفعة واحدة

3- مراحل خلق الإنسان ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم .. الآية)

4- الخلق من طينة الأرض على اختلاف الونهم والمؤمن من طينة الجنة .

5- أعمار سواءات بني آدم .

6- عمر النفس الإنسانية أو الجسد الطيني العلوي المركب داخل جسد الإنسان او سوءته .

الفصل الثالث :

الأطوار الأربعة لخلق الثقلين من العدم حتى رجوعهم إلى الجنة أو النار من بعد موت السوءة في الدنيا من خلال قوله تعالى (الذي خلق الموت الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)

(أ) النشأة الأولى (هو الذي خلق الموت والحياة) .

(ب) ثلاث أوامر إلهية أمر الله تعالى عبادة بها في جنة عدن قبل هبوط آدم وزوجه عليهما السلام .

(ج) إبليس يخلق شياطين في الأرض تدفع لعدة جرائم اقترفتها الأمم من قبل وتتكرر آخر الزمان .

(د) الطور الثاني من الخلق .

(هـ) والطور الثالث  .

 الفصل الرابع : إبليس وبني آدم :

(1) بعد إباء إبليس السجود لآدم ولعن الله تعالى له عمى و أسود وجهه وتعرى كما وعد الله تعالى أهل النار

(2) جسد الإنسان على الأرض هو سلالة الإنسان الذي خلق من طين في الجنة قبل الهبوط إلى الأرض .

(3) بداية الطور الثاني ومشاركة الشيطان أو الملاك لتلك النطفة منذ وضعها في رحم الأم من يومها الأول .

(4) جلود الناس في الدنيا (سوءاتهم) تخفي بداخلها أهل النار و أهل النار فلا يعرف أحدهما الآخر إلا بعمله  .

(5) القاعدة القرآنية العامة التي تقول بأن الصالح يلد صالحاً والكافر يلد كافرأً وخصوصية القاعدة .

(6) مرحلة الهم با الحسنة أو السيئة بين الثواب و العقاب و الحدود .

 (7) الوعد والوعيد للأنفس يبدأ من سكرة الموت جسد المؤمن أو سوءته ترجع للتراب وجسد الكافر والمنافق  يعذب في الدنيا فإذا قامت القيامة خرجوا من الأجداث كجراد منتشر وتكون سوءة الكافر (جسده) شاهدة عليهم  .

الفصل الخامس  :

أنواع الأنفس البشرية الثلاثة .

  • معرفة أهل الحنة والنار في الدنيا بظواهر أعمالهم لجهلهم ما تحويه أنفسهم من ضمائر وطينة حقيقية خلقوا منها
  • السوءة و أنفس السوء الذين خلقوا من طينة النار يرجعون إلى الأرض ولا تفتح لهم أبواب السماء.
  • رجوع أنفس المؤمنين وصعودهم للجنة وصعود أنفسهم إلى جنة عدن من سماء الدنيا وتحلل السوءة إلى تراب وسجن المجرمين في سجين بالأرض السفلى .

الفصل السادس

تجسيد الأعمال في الدنيا ليراها العبد بعد موته ويوم القيامة

الفصل السابع : القرين

(1) لماذا جعل الله تعالى النجوى وبدأها بالثلاثة وانتهى بالستة ومن هم الستة في قوله تعالى (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) .

(2) القرارات الإنسانية والوسوسة بين الجسد و النفس و القرين في اجتماع ثلاثي يحضره الملكين رقيب و عتيد والله تعالى أقرب أليهم من أنفسهم وهم لا يشعرون .

(3) مكر القرين .

(4)   محاجاة بني آدم و أنفسهم وقرنائهم وتبرأ الكبراء وتابعيهم بعضهم من بعض يوم القيامة

(5) ذكر الله ووحدة النفس والجسد علاجاً للأمراض النفسية وثبات الجند عند لقاء العدو .

الفصل الثامن:

(1)سماء الدنيا أرضها وسماء الآخرة وأرضها وهى الجنة .

(2) عناصر الحياة في الدنيا الماء والهواء وفي الآخرة النور والماء .

(3) ترك العمل بكتاب الله في الدنيا يمنع نور وماء الحياه في الآخرة .

الفصل التاسع : مرحلة ما يعد القيامة
(1)سماء الدنيا أرضها وسماء الآخرة وأرضها وهى الجنة

(2) عناصر الحياة في الدنيا الماء اوالهواء وفي الآخرة النور والماء

(3) ترك العمل بكتاب الله في الدنيا يمنع عن الثقلين نور وماء الحياه في الآخرة

(4) النشأة الجديدة فيما لا يعلمون  .