السورة بصيغة PDF :
السورة بصيغة الورد :
(سورة ق)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ق والقرآن المجيد (1)
ورد في تفسير الدر المنثور :
[ .. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : خلق الله تعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له { ق } السماء الدنيا مترفرفة عليه، ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له ق السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات، قال: وذلك قوله { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر – لقمان 27 } .
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو الشيخ والحاكم عن عبد الله بن بريدة في قوله { ق } قال: جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كتفا السماء. وأخرج ابن أبي الدنيا في العقوبات وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: خلق الله جبلاً يقال له { ق } محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها، فمن ثم تحرك القرية دون القرية. وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال : { ق } جبل محيط بالأرض. – الدر المنثور للسيوطي ] .
وفي تفسير البرهان :
[ عن الصادق (عليه السلام)، و سئل عن معنى ق؟ قال: “ (ق) فهو الجبل المحيط بالأرض، و خضرة السماء منه، و به يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها”.
– و عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: “ (ق) جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر و خضرة السماء من ذلك الجبل”.
– و عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: “إن الله عز و جل جبلا محيطا بالدنيا من زبرجدة خضراء، و إنما خضرة السماء من خضرة ذلك الجبل، و خلق خلقه لم يفترض عليهم شيئا مما افترض على خلقه من صلاة و زكاة، و كلهم يلعن رجلين من هذه الأمة”. – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
التفسير :
(ق و) القرآن المجيد)
وهنا لكي نفهم مراد الله تعالى من حرف واحد في كتاب الله يجب علينا معرفة ما قبل الواو وما بعدها في الآية هنا (ق و القرآن المجيد) من خلال حروف مقطعة في آيات أخرى من كتاب الله تعالى .
وأولا :
و هنا (ق) كحرف من الحروف المقطعة في كتاب الله يبين تعالى أن كل حرف آية من آيات الله تعالى كما في قوله عز وجل { طسم تلك آيات الكتاب (و) قرآن مبين – النمل 1}
ثانيا :
(و القرآن) هنا يبين تعالى أن ما قبل الواو آيات من أم الكتاب وما بعدها آيات القرآن الكريم التي أنزلت على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وأم الكتاب آيات نزل منها آيات كقوله تعالى في طسم أنها آيات من الكتاب قال تعالى { طسم تلك آيات الكتاب (و) قرآن مبين – النمل 1} و ما بعد الواو أيضاً آيات القرآن الكريم والتي أنزلت من أم الكتاب كقوله تعالى { طس تلك آيات القرآن و كتاب مبين – النمل 1 } وبالتالي قوله تعالى هنا { ق (و) القرآن المجيد } أي أن ق آيات من أم الكتاب .
أي أننا أمام أم الكتاب و كتاب القرآن المنزل من أم الكتاب إلى سماء وحياة الدنيا بما فيها من حلال وحرام وأحكام للجهاد والطهارة من النجاسات وهذا ليس في الحنة بما يبين تعالى أن الجنة لها أحكام وهى :
1- عبادة الله تعالى لقوله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }
2- إن الشيطان لكما عدو مبين .
3- لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين .
ولذلك أم الكتاب فيها كل ما هو كائن إلى يوم القيامة وهذه الحروف المقطعة منه وفيها مراد الله تعالى من كل السورة وهذه الحروف من أم الكتاب نزلت كما هى لورود حرف الواو في قوله تعالى ” { (و) إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الزخرف 4}
ويبين تعالى لنا بأن أم الكتاب آيات محكمات فيها أحداث ووقائع محكمة وما نزل إلينا من قرآن هو الآيات المتشابه لنفهم مراد الله تعالى من خلال بيان بعضها ببعض قال تعالى { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب (و) أخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب – آل عمران 7 }
والمتشابه في كتاب الله تعالى كقوله عز وجل { (و) عندهم قاصرات الطرف عين – الصافات 48} { (و) عندهم قاصرات الطرف أتراب – ص 52 } ولذلك يقول تعالى في هذا التشابه ومافيه من حكمة بيان مراد الله تعالى من كتابه الكريم { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء و من يضلل الله فما له من هاد – الزمر 23}
وأما المحكم من آياته تعالى قال تعالى فيه لدينا في قوله تعالى { (و) إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم – الزخرف 4 } .
وهل انتبهت أخي المسلم بأن القرآن الذي بين أيدينا يتكلم عن أمم سالفة هى الآن ما بين جنة عدن و جهنم في سجين ولا يطلع عليه إلا أهل الجنة و الملائكة . ومن خلال حرف واحد كآية من آيات الله تعالى في أم الكتاب يعرفون مراد الله تعالى من خلاله في الجنة لأن الجنة لا لغوا فيها و لا جدالاً ولا تأثيما كما في قوله تعالى { لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلاً سلاماً سلاما – الواقعة 25 } ولله المثل الأعلى فإن هذه الحروف المقطعة كحرف من حروف كومبيوتر في زماننا هذا مجرد الضغط عليه يدخلك إلى عالم كبير من المعلومات …
وأما :
(القرآن)
وهنا يبين تعالى أن هذا القرآن تلقاه النبي صلى الله عليه وآله من حكيم عليم سبحانه وتعالى كما في قوله عز وجل {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم – النمل6 }
وأنزل إلى سماء الدنيا في ليلة القدر جملة واحدة من شهر رمضان ثم نزل على قلب رسول الله منجماً على أسباب نزول كما في قوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان – البقرة 185 }
وهو قرآن منزل من الكتاب المكنون وهو أم الكتاب كما في قوله تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ – الواقعة 77-80 } وهذا الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ الوارد ذكره في قوله تعالى { بل هو قرآن كريم في لوح محفوظ – البروج 21-22} .
وأما :
(مجيد)
[ مجد يمجد مجادة فهو ماجد ومجيد : اتسع كرمه وشرفه وقرآنن مجيد : كثير الفوائد الدنيوية والأخروية وعالي الطبقة بين الكتب في النظم والمعنى ومن أسمائه تعالى المجيد وهو الكثير التفضل والإحسان العلي فوق كل ذي سلطان – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الجيم والدال ] .
قال تعالى في بيان أن المجد والشرف للقرآن الكريم في قولهتعالى هنا { ق والقرآن المجيد – ق } وهو منزل من صاحب العرش المجيد سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى { ذو العرش المجيد – البروج 15} والمجد والشرف في الدنيا والآخرة بعد القرآن المجيد رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 } .
ثم يقول تعالى عن هذا الشرف والمجد الذي جعله الله تعالى لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام :
- بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب (2)
وهنا :
(بل)
[ (بل) : حرف إضرابٍ عمّا قَبْلَها، وإثباتٍ لِما بعدَها ].
وهنا بعد عجبهم قالوا مجنون لعنهم الله قال تعالى { أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون – المؤمنون 70 } وهنا يقول تعالى لهم لعنهم الله { أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد – سبأ 8 }
وقد أنكروا البعث والحساب كما في قوله تعالى { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 11} { بل الذين كفروا يكذبون – الإنشقاق 22 } وقال عالى أيضاً { بل الذين كفروا في تكذيب – البروج 19 } ويبين تعالى أنهم كذبوا تكبراً وتعززاً على الله تعالى ورسوله كما في قوله تعالى { بل الذين كفروا في عزة وشقاق – ص 2 } ويبين تعالى أنه قد أرسل إليهم رسولاً بالحق من عنده تعالى قال عو وجل : { بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون – المؤمنون 90 }
وهذا التكذيب والكفر بالله تعالى فعلته الأمم من قبل فقالوا مثل قولهم كما في قوله تعالى
{ بل قالوا مثل ما قال الأولون قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ – المؤمنون 81-89} .
ويبين تعالى أنهم ما حاربواالله تعالى ورسوله إلا سيراً على تقليد الآباء في قوله تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون – البقرة 170 } . وفي آخر الزمان أيضاً سيكذبون إمام آخر الزمان وما سيأتيهم به من علم قال تعالى فيه { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 } .
ومنه هنا كان تعجبهم الذي قال تعالى فيه هنا { بل عجبوا أن جائهم منذ منهم وقال الكافرون هذا شيئ عجيب } .
وأما :
(عجبوا أن جائهم منذ منهم وقال الكافرون هذا شيئ عجيب )
[ والعَجَب يكون مما خفى سببه والعجب : النظر إلى شيئ غير مألوف ولا معتاد فهو حالة تعرض للإنسان عند الجهل لسبب الشيئ ويكون إنكاراً لما يرد عليه مما يقل اعتياده والشيئ الذي يكون كذلك عجيب وعجيبة أو أو أعجوبة وعجاب – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الجيم والباء ] . قال تعالى { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون – النجم } وهنا يبين تعالى تعجبهم من بعثة نبي منهم حسداً قال تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص4 } وعن تعجب بقية الناس والأمم الأخرى قال تعالى { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين – يوسن 2 }
فقال لهم الله تبارك وتعالى { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون – الأعراف 69 } ويقول تعالى لهم أيضاً { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون – الأعراف 63 }
وورود هذا اللفظ هنا في قوله تعالى { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 }
ليس مصادفة وكأن ربنا تبارك وتعالى يشير من خلاله أنهم تعجبوا ليس من القرآن الكريم و النبوة وبيتها المنزل فيه من بني هاشم وعبد المطلب فقط بل من إمامة أهل بيته عليهم السلام أيضاً من بعده و المكانة التي شدد عليها القرآن الكريم منذ أول آيات نزلت في بداية الوحي وهم يعلمون ذلك و هى قوله تعالى في أوائل نزول الوحي { وأنذر عشيرتك الأقربين – الشعراء } إلى آواخر ما نزل في كتاب الله تعالى من آية الولاية وقوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } وقوله تعالى أيضاً في آية البلاغ { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }وكذلك آية أكمال الدين في قوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } حتى وفاته ومنع كتابة وصيته في حديث رزيو يوم الخميس والذي قال فيه ابن عباس [ الرزية كل الرزية من منع رسول الله وكتابة وصيته … الحديث ] ومن هنا ورد لفظ التعجب في معرض حديثه تعالى عن أهل بيت النبي عليهم السلام في قوله تعالى عن القرآن الكريم و النبوة والإمامة لأهل البيت عليهم السلام عند قوله تعالى : { قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73 } . وهنا قالوا { هذا شيئ عجيب } .
وأما :
( أن جائهم)
وهنا يبين تعالى أنهم تعجبوا وقالوا ساحر قال تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص 4 } وقال تعالى أيضاً فيهم { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين – الأحقاف 7 } ثم يبين تعالى أنهم أعلنوا أن هذا سحر وأنهم كفار بهذه الدعوة قال تعالى { ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون – الزخرف 30 } كما يبين تعالى أنهم أخذوا يضحكون مستهزئين بهذا الدين قال تعالى { فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون – الزخرف 47 } وما كان هذا الكفر والإستهزاء والضحك إلا نصرة لآبائهم وأجدادهم حرباً على رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى – النجم 23 }
ولشدة تكذيبهم كأنهم على يقين مما هم فيه من ضلال استعجلوا و طلبوا من الله تعالى إنزال عقابه وعذابه عليهم كما في قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون – العنكبوت 53 }
وعن أهل الكتاب كذلك يقول تعالى في طائفة منهم كفرت به صلى الله عليه وآله ونبذت كتاب ربها المنزل عليهم وراء ظهورهم وهم يعلمون بنبوته والتي قال تعالى فيها { وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين – الصف 6 } وهنا يبين تعالى انهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم قال تعالى { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون – البقرة 146 } ولذلك يقول تعالى في هؤلاء { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون – البقرة 101 }
وقال تعالى في مثل ضربه الله تعالى عن أمم آخر الزمان والتي ستفعل نفس ما فعلته الأمم من قبل { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون – النحل 112-113 } .
وأما :
(منذر منهم(
يبين تعالى هنا أنه عز وجل بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليتحاكم الناس إليه تعالى ولكن الإختلاف دائما يظهر بعد نزول الكتاب حسداً لهم ورفضاً لحكم الله تعالى كما في قوله عز وجل { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم – البقرة 213 }
وهؤلاء الرسل حتى لا يكون للناس حجة عند الله تعالى بعد إرسالهم إلى الناس قال تعالى { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما – النساء 165 } و يبين تعالى أنه لا يستوي من أحياه الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح ولا الأموات الذين كفروا بكتاب الله و كل أمة خلا فيها نذير قال تعالى{ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ – فاطر 22-26 }
ثم نزل الروح الأمين على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله بخاتم الكتب على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله بلسان عربي مبين كما في قوله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ – الشعراء 192- 194 }
وهنا تعجب كفار قريش واتهموه صلى الله عليه وآله بالسحر والكذب لعنهم الله قال تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص 4 }
وببعثته صلى الله عليه وآله بدأ التكذيب والجدل ليدحضوا به الحق حسداً من عند أنفسهم فكل امرئ منهم يطمع بأن تكون الرسالة والنبوة في عائلته أو قبيلته قال تعالى { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفاً منشره –المدثر 52 } وعن هذا الجدال يقول تعالى { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا – الكهف56 }
وهنا يقول تعالى لهم أنه صلى الله عليه وآله من المنذرين وما أمر إلا بأن يتلوا عليهم آيات الله تعالى قال عز وجل { وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين – النمل 92 }
ويبين تعالى أنه قد صرف له صلى الله عليه وآله رسلاً من الجن رسلاً لإبلاغ قومهم إذا رجعوا إليهم قال تعالى { وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين – الأحقاف 29 } وهنا صرفنا بمعنى تحولوا من طبيعتهم التي خلقهم الله بها ليكون الحديث مشافهة بين النبي ورجال الجن .
ويقول تعالى مبيناً أنه من آمن وأصلح فلا خووف عليهم ولا هم يحزنون قال تعالى : { وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون – الأنعام 48 } .
ثم يبين تعالى لأنه صلى الله عليه وآله خاتم النبيين ونزل عليه خاتم الكتب السماوية فلن يبعث بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أئمة هداة مهديين من أهل بيته عليهم السلام ولذلك يقول صلى الله عليه وآله لسيدنا علي عليهم السلام [ أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ] ولذلك يقول تعالى هنا رداً على كفار قريش لما طلبوا آية تنزل على النبي صلى الله عليه وآله غير القر آن الكريم فقال تعالى لهم إن الآية نزلت على رسول الله وهى في كتابه الكريم وخليفته سيكونون هداة مهديين وأولهم الإمام علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 } .
نزول الآية في الإمام علي عليه السلام في مذهب أهل السنة :
السيوطي – الدر المنثور :
[ وأخرج إبن جرير وإبن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وإبن عساكر وإبن النجار قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلي : منكب علي (عليه السلام) فقال : أنت الهادى يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدى.
– وأخرج إبن مردويه ، عن أبي برزة الأسلمي (ر) سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يقول : إنما أنت منذر ، ووضع يده على صدر نفسه ، ثم وضعها على صدر علي ويقول : لكل قوم هاد.
– وأخرج إبن مردويه والضياء في المختارة ، عن إبن عباس (ر) في الآية : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المنذر والهادي علي بن أبى طالب (عليه السلام)
– وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وإبن أبى حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وإبن مردويه وإبن عساكر ، عن علي بن أبى طالب (عليه السلام) في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر وأنا الهادى وفى لفظ والهادي رجل من بنى هاشم يعنى نفسه.- السيوطي – الدر المنثور – الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 45 ) ]
تفسير الطبري :
[ حدثني : الحسن ، قال : ، ثنا : محمد وهو إبن يزيد ، عن إسماعيل ، عن يحيى بن رافع ، في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد قال : قائد ، وقال آخرون : هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) – إبن جرير الطبري – جامع البيان – الجزء : ( 13 ) – رقم الصفحة : ( 142 ]
الطبراني – المعجم الأوسط – باب الألف :
يذكره الراوي بالتنكير
[ حدثنا : أحمد قال : ، نا : عثمان بن أبي شيبة قال : ، نا : مطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي ، في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المنذر والهاد : رجل من بني هاشم ، لم يرو هذا الحديث عن السدي إلاّ المطلب ، تفرد به : عثمان. –
الطبراني – المعجم الأوسط – باب الألف ]
الطبراني – المعجم الأوسط – باب العين يذكره الراوي بالتنكير :
[حدثنا : الفضل بن هارون قال : ، نا : عثمان بن أبي شيبة قال : ، نا : المطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي ، في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المنذر ، والهاد : رجل من بني هاشم ، لم يرو هذا الحديث عن السدي إلاّ المطلب بن زياد ، تفرد به : عثمان بن أبي شيبة.
8004 – حدثنا : محمد بن جعفر بن سام ، نا : عثمان بن أبي شيبة ، نا : المطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي ، في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله المنذر ، والهاد : رجل من بني هاشم ، لم يرو هذا الحديث عن السدي ، إلاّ المطلب بن زياد ، تفرد به : عثمان. – الطبراني – المعجم الأوسط – باب العين ]
– إبن عساكر – في تاريخ مدينة دمشق يذكره بالتنكير :
يذكره الراوي بالتنكير :
– وأخبرنا : أبو القاسم بن الحصين ، أنا : أبو علي بن المذهب قالا : ، أنا : أبوبكر القطيعي ، نا : عبد الله بن أحمد ، حدثني : عثمان بن أبي شيبة ، نا : مطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر ، والهادي رجل من بني هاشم.- – إبن عساكر – تاريخ مدينة دمشق – الجزء : ( 42 ) – رقم الصفحة : ( 358 ) ] .
إبن عساكر – تاريخ مدينة دمشق يذكره بالتصريح :
– أخبرنا : أبو العز بن كادش ، أنا : أبو الطيب طاهر بن عبد الله ، أنا : علي بن عمر بن محمد الحربي ، نا : أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، نا : عثمان بن أبي شيبة ، نا : المطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي في قول الله عز وجل : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر ، والهادي علي.
– أخبرنا : أبو طالب علي بن عبد الرحمن ، أنا : أبو الحسن الخلعي ، أنا : أبو محمد بن النحاس ، أنا : أبو سعيد بن الأعرابي ، نا : أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي ، نا : حسين بن علي الأشقر ، نا : منصور بن أبي الأسود ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله عن علي قال : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال علي : رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر وأنا الهاد.
– وأخبرناه : أبو طالب ، أنا : أبو الحسن ، أنا : أبو محمد ، أنا : أبو سعيد بن الأعرابي ، أنا : أبو العباس الفضل بن يوسف بن يعقوب بن حمزة الجعفي ، نا : الحسن بن الحسين الأنصاري في هذا المسجد وهو مسجد حبة العرني ، نا : معاذ بن مسلم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن إبن عباس قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أنا المنذر وعلي الهادي بك يا علي يهتدي المهتدون. – إبن عساكر – تاريخ مدينة دمشق – الجزء : ( 42 ) – رقم الصفحة : ( 359 ) ] .
إبن عساكر – تاريخ مدينة دمشق :
– أخبرنا : أبو عبد الله بن أبي العلاء ، أنا : أبي أبو القاسم ، أنا : أبو محمد بن أنصر ، أنا : خيثمة بن سليمان ، نا : إبراهيم بن سليمان بن حزازة ، نا : الحسن بن الحسين الأنصاري ، نا : علي بن القاسم ، عن إبن مجاهد ، عن أبيه في قوله عز وجل : والذي جاء بالصدق وصدق به قال : الذي جاء بالصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصدق به علي بن أبي طالب ، وفي قوله تعالى : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال : الهادى علي بن أبي طالب. – إبن عساكر – تاريخ مدينة دمشق – الجزء : ( 42 ) – رقم الصفحة : ( 360)] .
إبن الأعرابي – المعجم – حديث الترقفي :
1992 – نا : أبو سعيد الحارثي ، نا : حسين بن علي الأشقر ، نا : منصور بن أبي الأسود ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عباد بن عبد الله عن علي قال : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال علي : رسول الله المنذر ، وأنا الهاد.
إبن الأعرابي – المعجم – حديث الترقفي :
[ نا : معاذ بن مسلم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن إبن عباس قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أنا المنذر وعلي الهادي ، بك يا علي يهتدي المهتدون ].
الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل :
[ – عن إبن عباس قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي وضرب بيده إليّ صدر علي ، فقال : أنت الهادي بعدي يا علي بك يهتدي المهتدون.
– أخبرنا : أبو يحيى الحيكاني قال : ، أخبرنا : أبو الطيب محمد بن الحسين بالكوفة قال : ، حدثنا : علي بن العباس بن الوليد ، قال : ، حدثنا : جعفر بن محمد بن الحسين قال : ، حدثنا : حسن بن حسين ، قال : ، حدثنا : معاذ بن مسلم الفراء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ، عن إبن عباس قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده إليّ صدره فقال : أنا المنذر ولكل قوم هاد ثم أشار بيده إليّ علي ، فقال : يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي. الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 381 -382 )
[ أخبرنا : أبوبكر إبن أبي الحسن الهاروني قال : ، أخبرنا : أبو العباس إبن أبي بكر الأنماطي المروزي ، أن عبد الله بن محمد بن علي بن طرخان حدثهم ، قال : ، حدثنا : أبي قال : ، حدثنا : عبد الأعلي بن واصل قال : ، حدثنا : الحسن الأنصاري – وكان ثقة معروفاً يعرف بالعرني قال : ، حدثنا : معاذ بن مسلم بياع الهروي قال عبد الأعلى : وهذا شيخ روى عنه المحاربي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ، عن إبن عباس في قوله : إنما أنت منذر ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا المنذر وعلي الهادي [ ثم قال : يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي.
[ حدثني : أبو القاسم بن أبي الحسن الفارسي قال : ، أخبرنا : أبي قال : ، أخبرنا : محمد بن القاسم المحاربي قال : ، حدثنا : القاسم بن هشام بن يونس قال : ، حدثني : حسن بن حسين قال : ، حدثنا : معاذ بن مسلم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ، عن إبن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنما أنت منذر ، ووضع يده على صدره ، ثم قال : ولكل قوم هاد ، وأومى بيده إلي : منكب علي ثم قال : يا علي بك يهتدي المهتدون. – الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 384 ) ]
[ حدثني : أبو سعد السعدي قال : ، أخبرنا : أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ ببغداد ، قال : ، أخبرنا : أبو محمد جعفر بن محمد بن القاسم ، قال : ، حدثنا : إسماعيل بن محمد المزني قال : ، حدثنا : حسن بن حسين به سواء ، قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا يا علي المنذر ، وأنت الهادي ، بك يهتدي المهتدون بعدي.
403 – وأخبرنا : أبو سعد قال : ، أخبرنا : أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ ببغداد قال : ، حدثني : أبوبكر محمد بن الفتح الخياط ، قال : ، حدثنا : أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب ، قال : ، حدثني : أحمد بن داود ، إبن أخت عبد الرزاق ، قال : ، حدثني : أبو صالح ، قال : ، حدثني : بعض رواة ليث ، عن ليث ، عن سعيد بن جبير : ، عن إبن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ليلة أسري بي ما سألت ربي شيئاًً إلاّّ أعطانيه ، وسمعت منادياً من خلفي يقول : يا محمد : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قلت : أنا المنذر فمن الهادي ؟ ، قال علي الهادي المهتدي ، القائد أمتك إلى جنتي غراء محجلين برحمتي. – الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 385 ) ] .
[حدثنا : الجوهري قال : ، حدثنا : المرزباني قال : ، أخبرنا : علي بن محمد الحافظ قال : ، حدثني : الحبري قال : ، حدثنا : حسن بن حسين قال : ، حدثنا : حبان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح : ، عن إبن عباس في قوله تعالى : ولكل قوم هاد ، قال : هو علي (عليه السلام).
وقال : ، حدثنا : إسماعيل بن صبيح ، قال : أنبأني أبو الجارود ، عن أبي داود ، عن أبى برزة ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يقول : إنما أنت منذر ، ثم يرد يده إلى صدره ، ثم يقول : ولكل قوم هاد ، ويشير إلى علي بيده.
– أخبرنا : عقيل بن الحسين ، قال : ، أخبرنا : علي بن الحسين ، قال : ، حدثنا : محمد بن عبيد الله ، قال : ، حدثنا : محمد بن الطيب السامري بها ، قال : ، حدثنا : إبراهيم بن فهد ، قال : ، حدثنا : الحكم بن أسلم ، قال : ، حدثنا : شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : ، عن أبي هريرة في قوله تعالى : إنما أنت منذر ، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وفي قوله : ولكل قوم هاد ، قال : سألت عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال : إن هادي هذه الأمة علي بن أبي طالب. الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 386 ) ] .
[حدثنا : الحاكم أبو عبد الله الحافظ إملاءًً وقراءة ، قال : أخبرني : أبوبكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة ، قال : ، أخبرنا : المنذر بن محمد بن المنذر بن سعيد اللخمي من أصل كتابه ، قال : ، حدثني : أبي قال : ، حدثني : عمي الحسين بن سعيد ، قال : ، حدثني : أبي سعيد بن أبي الجهم ، عن أبان بن تغلب ، عن نفيع بن الحارث قال : ، حدثني : أبو برزة الأسلمي قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يقول : إنما أنت منذر ، ووضع يده على صدر نفسه ، ثم وضعها على يد علي ، وقال : لكل قوم هاد ، قال الحاكم : تفرد به المنذر بن محمد القابوسي بإسناده وهو من حديث أبان عجب جداً. – الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 387 ) ] .
408 – أخبرناه : أبو عبد الله الشيرازي ، قال : ، أخبرنا : أبوبكر الجرجرائي ، قال : ، أخبرنا : أبو أحمد البصري ، قال : ، حدثنا : أحمد بن عباد ، قال : ، حدثنا : زكريا بن يحيى ، قال : ، حدثنا : إسماعيل بن صبيح ، قال : ، حدثنا : أبو الجارود زياد بن المنذر ، عن أبي داود : ، عن أبي برزة الأسلمي قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يقول : إنما أنت منذر ، ثم ضرب يده إلى صدره : ولكل قوم هاد ، ويشير إلى علي (عليه السلام)
409 – أخبرنا : الحاكم الوالد ، قال : ، أخبرنا : أبو حفص ، قال : ، حدثنا : أحمد بن محمد بن سعيد ، وعمر بن الحسن ، قالا : ، أخبرنا : أحمد بن الحسن ، وأخبرنا : أبوبكر بن أبي الحسن الحافظ أن عمر بن الحسن بن علي بن مالك أخبرهم ، قال : ، حدثنا : أحمد بن الحسن الخراز ، قال : ، حدثنا : أبي قال : ، حدثنا : حصين بن مخارق ، عن حمزة الزيات ، عن عمر بن عبد الله بن يعلي بن مرة ، عن أبيه ، عن جده قال : قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنما أنت منذر ، ولكل قوم هاد ، فقال : أنا المنذر ، وعلي الهادي. لفظاً واحداً – الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 388 ) ] .
[أخبرناه : أبو عبد الله الثقفي ، قال : ، حدثنا : أحمد بن جعفر بن حمدان ، قال : ، حدثنا : محمد بن إسحاقالمسوحي قال : ، حدثنا : إبراهيم بن عبد الله بن صالح ، قال : ، حدثنا : المطلب قال : ، حدثنا : السدي ، عن عبد خير : ، عن علي في قوله : إنما أنت منذر ، قال : المنذر النبي ، والهادي رجل من بني هاشم ، يعني نفسه.
[ ورواه أيضاً بهذا السند والمتن محمد بن علي بن الحسين في الحديث الأخير من المجلس : ( 46 ) من أماليه ص 228 ) قال : ، حدثنا : محمد بن إبراهبم بن إسحاق ، قال : ، حدثنا : أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى البصري ، قال : ، حدثنا : المغيرة بن محمد ، قال : ، حدثني : إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي سنة ستة عشرة ومائتين ، قال : ، حدثنا : قيس بن الربيع ومنصور بن أبي الأسود ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله ، قال : قال علي : ما نزلت من القرآن آية إلاّّ وقد علمت فيمن نزلت قيل : فما نزل فيك ؟ ، فقال : لولا إنكم سألتموني ما أخبرتكم ، نزلت في هذه الآية : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، فرسول الله المنذر ، وأنا الهادي إلى ما جاء به.- الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 390 ) ] .
[ حدثني : أبو الحسن الفارسى ، قال : ، حدثنا : أبو محمد عبد الله بن أحمد الشيباني ، قال : ، حدثنا : أحمد بن علي بن رزين الباشاني ، قال : ، حدثنا : عبد الله بن الحرث ، قال : ، حدثنا : إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، قال : ، حدثني : أبي ، عن حكيم بن جبير : ، عن أبي برزة الأسلمي قال : دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالطهور وعنده علي بن أبي طالب ، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيد علي بعد ما تطهر فألزقها بصدره ، فقال : إنما أنت منذر ، ثم ردها إلى صدر علي ثم قال : ولكل قوم هاد ، ثم قال : إنك منارة الأنام وغاية الهدى وأمير القراء كذا ، أشهد على ذلك أنك كذلك. – الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 392 ) ] .
[أخبرنا : أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الحرضي ، قال : ، حدثنا : يحيى بن منصور القاضي ، قال : ، حدثنا : محمد بن إبراهيم العبدي ، قال : ، حدثنا : هشام بن عمار ، قال : ، حدثنا : عراك بن خالد قال : ، حدثنا : يحيى بن الحارث قال : ، حدثنا : عبد الله بن عامر ، قال : أزعجت الزرقاء الكوفية إلى معاوية فلما أدخلت عليه ، قال لها معاوية : ما تقولين في مولى المؤمنين علي فأنشأت تقول :
صلى الإله على قبر تضمنه نور * فأصبح فيه العدل مدفونا
من حالف العدل والإيمان مقترنا * فصار بالعدل والإيمان مقرونا
فقال لها معاوية : كيف غرزت فيه هذه الغريزية فقالت : سمعت الله يقول في كتابه لنبيه : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، المنذر رسول الله ! ، والهادي علي ولي الله. – الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 394 ) ] .
[ أخبرنا : السيد أبو منصور ظفر بن محمد الحسيني قال : ، حدثنا : إبن ماتي قال : ، حدثنا : الحبري قال : ، حدثنا : حسن بن الحسين العرني قال : ، حدثنا : علي بن القاسم : ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه في قول الله عز وجل : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال محمد المنذر ، وعلي الهاد ي.- الحاكم الحسكاني – شواهد التنزيل – الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 395 ) ].
[ أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي.- القندوزي – ينابيع المودة – الجزء : ( 2 ) – رقم الصفحة : ( 73) ]
[ الحديث الخمسون : عن إبن عباس (ر) قال : لما نزل قوله : إنما أنت منذز ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون ، رواه صاحب الفردوس.-
القندوزي – ينابيع المودة – الجزء : ( 2 ) – رقم الصفحة : ( 246) ] .
[ حدثنا : عبد الله ، حدثني : عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا : مطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي في قوله : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : المنذر والهاد رجل من بني هاشم.- مسند أحمد – مسند العشرة المبشرين بالجنة – مسند الخلفاء الراشدين – ومن مسند علي بن أبي طالب (عليه السلام)] .
[ أخبرنا : أبو عمر وعثمان بن أحمد بن السماك ، ثنا : عبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي ، ثنا : حسين بن حسن الأشقر ، ثنا : منصور بن أبي الأسود ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي ، عن علي : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، قال علي : رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر ، وأنا الهادي ، هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. مستدرك الحاكم – كتاب معرفة الصحابة (ر) – كان علي (عليه السلام) إمام البررة – حديث رقم : ( 4702 ) ] .
[ إبن حجر – فتح الباري شرح صحيح البخاري – كتاب تفسير القرآن – سورة إبراهيم – باب قوله :
كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين – رقم الصفحة : ( 226 ) ] .
[ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ] .
– قوله : ( وقال إبن عباس : هاد داع ) …. ما أخرجه الطبري بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير ، عن بن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) على صدره وقال : أنا المنذر وأومأ إلى علي ، وقال : أنت الهادي بك يهتدي المهتدون بعدي ، فإن ثبت هذا فالمراد بالقوم أخص من الذي قبله أي بني هاشم. ]
[ الشوكاني – فتح القدير – تفسير سورة الرعد – تفسير قوله تعالى : وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد -الجزء : ( 1 ) – رقم الصفحة : ( 32 ) [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ] .
[ وأخرج إبن جرير وإبن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وإبن عساكر وإبن النجار ، عن إبن عباس قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل هاد ، وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلي : منكب علي ، فقال : أنت الهادي يا علي بك يهتدى المهتدون من بعدي. – أبي نعيم الإصبهاني – معرفة الصحابة – معرفة أعلام النبي ]
[ حدثنا : الطبراني ، قال : ، ثنا : الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا : أحمد بن يحيى الصوفي ، ثنا : حسن بن حسين العرني ، ثنا : معاذ بن مسلم ، بياع الهروي عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن إبن عباس ، قال : لما نزلت : إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، أومأ بيده إلى منكب علي ، فقال : أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدي من بعدي.
[ تفسير إبن أبي حاتم – سورة الرعد – قوله لكل قوم هاد :
[حدثنا : علي بن الحسين ، ثنا : عثمان بن أبي شيبة ، ثنا : المطلب بن زياد ، عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي : ولكل قوم هاد ، قال : الهاد رجل من بني هاشم ، قال إبن الجنيد : هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وروي عن عبد الله بن عباس في إحدى الروايات ، وعن أبي جعفر محمد بن علي ، نحو ذلك] .
[ المتقي الهندي – كنز العمال : أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي.- المتقي الهندي – كنز العمال – فضائل علي (عليه السلام) – الجزء : ( 11 ) – رقم الصفحة : ( 620 ) ]
الزرندي الحنفي – نظم درر السمطين :
– [ وعن أبي برزة الأسلمي (ر) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرأ إنما أنت منذر ووضع يده على صدر نفسه ، ثم وضعها على يد علي وهو يقرأ : ولكل قوم هاد ، وقال إبن عباس (ر) : لما نزلت : إنما أنت منذر ، قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أنا المنذر وعلي الهادي وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي – الزرندي الحنفي – نظم درر السمطين – رقم الصفحة : ( 89 ) ].
وفي روايات أهل البيت :
[كمال الدين عن بريد بن معاوية العجلي: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما معنى (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)؟ فقال: المنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلي الهادي، وفي كل وقت وزمان إمام منا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) – كمال الدين: ٦٦٧ / ١٠ ]
[ الإمام الباقر (عليه السلام) – في قول الله تبارك وتعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) -: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا المنذر، وعلي الهاد، وكل إمام هاد للقرن الذي هو فيه – تفسير العياشي: ٢ / ٢٠٤ / ٧ عن حنان بن سدير ] .
[الكافي عن أبي بصير: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)؟ فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنذر، وعلي الهادي. يا أبا محمد، هل من هاد اليوم؟ قلت: بلى جعلت فداك، ما زال منكم هاد بعد هاد حتى دفعت إليك، فقال: رحمك الله يا أبا محمد، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل، ماتت الآية، مات الكتاب! ولكنه حي يجري فيمن بقي، كما جرى فيمن مضى – الكافي: ١ / ١٩٢ / ٣، بصائر الدرجات: ٣١ / ٩ وراجع تفسير العياشي: ٢ / ٢٠٣ / ٦ ] .
[الإمام الصادق (عليه السلام) – في قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) -: المنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والهادي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعده الأئمة (عليهم السلام)
– تفسير القمي: ١ / 359، تأويل الآيات الظاهرة: 1 / 229 / 3 كلاهما عن أبي بصير.]
)منهم)
وهنا منهم أي من أنفسهم كما في قوله تعالى عن دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم – البقرة 129 } . ولما أجاب الله تعالى ددعاء نبي الله إبراهيم قال تعالى { هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – الجمعة 2 } وهنا ببعثته صلى الله عليه وآله بين تعالى أن منهم من آمن ومنهم من صد عنه وكفر به حسداً من عند أنقسهم قال تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا – النساء 54-55 } ولذلك حسداً اعترضوا على الإختيار الإلهي لرسالته أن تكون في بني هاشم ورسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى فيما ذكروه : { أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر – القمر 25 } ولذلك كان تعجبهم قال تعالى هنا { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 } .
وأما :
(فقال الكافرون)
وهنا يبين تعالى أن الذين كفروا في كتاب الله لهم أقوال ومعتقدات عبروا بها بألسنتهم منها :
- قولهم في كتاب الله أنه إفك قال تعالى { وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا – الفرقان 4 }
- زعمهم أنهم يريدون كتاباً كاملاً بين دفتين ليطلعوا عليه مبدين رأيهم فيه وهذا تنطع وكذب لعلمهم أن مانزل على رسول الله هو الحق قال تعالى { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا –الفرقان 32 }
- أنكروا أن يكون هناك بعث من بعد الموت قال تعالى { وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون –النمل 67 } ولذلك قالوا أيضاً { وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد –سبأ 7 }
- أنكروا أن يكون هناك ساعة وقيامة وحساب قال تعالى { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين – سبأ 3}
- وقالوا بتقليد الآباء وأنهم أفضل من النبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين -سبأ43 }
- قالوا بأن رسول الله ساحر ومعه سحر يسحر به الناس قال تعالى { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – الأنعام 7 } وقال تعالى أيضاً { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين- الاحقاف 7 } ويبين تعالى أن الأمم من قبل اتهمت رسلهم أيضاَ بالسحر فقال تعالى في أمة عيسى عليه السلام { إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين – المائدة 110 }
- هناك فريق منهم يريد تحقيق مصالح من أي فريق كفار أو مؤمنين قال تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا – مريم 73 } .
تدابير اتخذها الكفار احتياطاً ضماناً لاستمرار دولتهم :
- زعمهم وإعلانهم أمام السفهاء بأنه لو كان فيه خير لكان هؤلاء الكبراء والمترفين أسبق الناس إليه
وكأنهم معيار ومرجع للعلم والفهم والدين والوحي ولذلك قال تعالى هنا فيما ززعموه لعنهم الله في كل زمان ومكان { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم – الأحقاف 11 } .
- إعلانهم صراحة أنهم لن يؤمنوا بهذا القرآن ولا بالأحكام التي بين يديه قال تعالى { وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين -سبأ 31 }
- أقناع المؤمنين بأنهم سيتحملون تبعة الكفر عنهم ليخرجوهم من ولاية الله الحق قال تعالى { وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون – العنكبوت 12 }
- تهديدهم المؤمنين بالطرد من ديارهم قال تعالى { وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين – إبراهيم 13 } .
- منعهم حقوق الفقراء من العمل والرزق وحصارهم اقتصادياً ثم زعمهم لو أن لهم إلهاً حقاً فسيخلصهم من حصار هؤلاء المجرمين قال تعالى { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه إن أنتم إلا في ضلال مبين – يس 47 } .
- أمرهم المشدد منع سماع القرآن واللغو فيه ونشر المكذوبات حوله ومناقب رجالهم لدحض ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته وجعلها في رجالهم قال تعالى { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون – فصلت 26 } .
- ثم أعلنوا حر ب الإتهامات للنبي فقالوا فيه ساحر كما بينا قال تعالى { وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب – ص 4 } وقال تعالى أيضاً { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين – يونس 2 }
وهنا يبين تعالى أنهم اتهموا رسول الله صلى الله عليه وآله بعدة اتهامات وهى الكذب والسحر والكهانة والشعر قال تعالى { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ – الصافات 36 } وهذه الأمور كلها من نزول وحي وحرب بين معسكر الكفر والنبي صلى الله عليه وآله جعلتهم يتعجبون كما في قوله تعالى هنا { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2 }
وهنا :
(هذا)
وهنا يقول تعالى عن هذا القرآن الكريم { و هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون – الأنعام 92 }
وهنا أعلن كفار قريش أنهم لن يؤمنوا بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه كما في قوله تعالى { وقال الذين كفروا لن نؤمن ب هذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين – سبأ 31 } ويبين تعالى هنا أيضاً قولهم أنه سحر مبين قال تعالى { ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – الأنعام 7 } و قالوا أيضاً بأنهم يستطيعون أن ينزلوا مثل هذا القرآن كما في قوله تعالى { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين – الأنفال 31 } . ويبين تعالى أن هذا القرآن ما كان أن يفترى من دون الله تعالى كما في قوله تعالى { { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين – يونس 37 } .
وأما :
(شيئ)
وهنا كأنه يقول تعالى { أيشركون مالا يخلق شيئاً وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون – الاعراف 191-192 } ولذلك لا حجة لهم عقلية و لا نقلية من شرع الله أو كتاب منزل فلم العجب وهم مخلوقون ممن خلق كل شيئ كما في قوله تعالى { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل – الزمر 62 }
ثم يخاطبهم الله تعالى بأن يعملوا العقل فهل استطاعوا أن يخلقوا خلقاً كخلق الله فتشابه عليهم بل الله تعالى خالق كل شيئ قال تعالى هنا { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار – الرعجد 16 } ويقول لهم بعذ ذلك بأن الله خالق كل شيئ فكيف يؤفكون عن خالقهم عز وجل قال تعالى { ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون – غافر 62 }
وها يقول تعالى فلم العجب والله تعالى خالق كل شيئ قال تعالى { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب – ق 2} .
ثم يقول تعالى:
(3) أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد (3)
وهنا :
(أئذا كنا تراباً)
أي أنهم قالوا { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون – السجدة 10 } وقالوا أيضاً مكذبين بالحياة من بعد الموت قال تعالى { ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا – مريم 66 } وكذبوا برفات الموتى كيف يحيه الله تعالى كما في قولهم { ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا – الإسراء 98 } وقالوا بأن آباؤهم وأجدادهم سمعوا ووعدتهمأنبياء من قبل وما هذا إلا أساطير الأولين قال تعالى { قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ – المؤمنون 82-83 } وفذ ذلك تكذيب وإنكار للبعث كما في قولهم { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون – الصافات 16 } وكذبوا بالحساب والثواب والعقاب وهو الدين قال تعالى { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون – الصافات 53 } وقالوا هذا رجع بعيد أي أنه مستحيل قال تعالى { أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد – ق 3 } وهنا يقول تعالى لهم بأن الأولين والآخرين لمجموعون من بعدم موتهم سيحييهم الله تعالى ويحاسبون بجهنم على كفرهم بالله تعالى قال عز وجل { وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ – الواقعة 47-56 }
وأما :
(ذلك)
أي أنه يقول تعالى عن خلق الإنسان وموته ثم بعثه من بعد الموت { ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ -المؤمنون 14-16 } وذلك من آيات الله تعالى التي أنلها الله ع وجل على رسوله في كتاب الله والتي كفر ت بها قريشاً الأولى ولذلك يقول تعالى عن هذه الآيات { ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم – آل عمران 58 } وفي الذكر لحكيم أنباء عن عالم الغيب من قبل خلق الإنسان وما بعد موته حتى تفاصيل ما سيحدث لهم في الجنة والنار وذلك غيب قال تعالى فيه { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك – آل عمران 44 } وبداية الخلق و نهايته ذلك على الله تعالى يسير قال تعالى { أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير – العنكبوت 19} فإذا نفخ في الصور بعثوا من بعد موتهم لقوله تعالى { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج -ق 42 }
وأما :
(رجع)
والرجع هنا هو الرجوع إلى الله تعالى بعد الموت كما في قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون – العنكبوت 57 } وقال تعالى أيضاً { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون – البقرة 28 } ويأمر تعالى بتقوى الله تعالى استعداداً للقاء الله تعالى { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – البقرة 281 } ومن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها قال تعالى { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون – الجاثية 15 } وهذا الرجوع إلى الله تعالى كذبت به قريشاً الأولى ومن سار على نهجهم وهنا يكون رجوعهم فليس إلى الله تعالى بل إلى الجحيم قال تعالى { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم – الصافات 68 } والذين آمنوا وعملوا الصالحات رجوعهم إلى الله تعالى في رضوانه تعالى والجنة قال تعالى { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون – البقرة 46 }
وأما :
(بعيد)
والبعد هنا هو بعدهم عن كتاب الله تعالى حتى أصبحوا هم في شق وكتاب الله تعالى في شق آخر وهذا هو الشقاق الذي قال تعالى فيه { إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا – النساء 167 } وقال تعالى مبيناً أن الظالمين في شقاق بعيد قال تعالى { وإن الظالمين لفي شقاق بعيد – الحج 53 } ومن أضل ممن هو في شقاق بعيد قال تعالى { قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد – فصلت 52 }
ثم يقول تعالى :
- قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ (4)
وهنا :
(قد علمنا)
أي أنه تعالى يعلم الأمم من قبل أن يخلقها من المتقدمين والآخرين قال تعالى { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين – الحجر 24 } وهو تعالى يعلم ما تنقص الأرض منهم قال تعالى { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ – ق 4 }
وأما :
(ماتنقص)
ونقص الأرض منهم هنا تحلل أجسادهم من بعد الموت قال تعالى في الموت وفيه نقص الأنفس { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين – البقرة 155} وبالتالي نقص الأحساد هنا تحللها في الأرض من بعد موتهم فإذا نقصت بالموت فالله تعالى يعلمها ويعلم مكانها ومقدارها ووقت إحيائها بإذنه تعالى كما في قوله تعالى هنا { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم }
وأما :
(الأرض)
ونقص الأرض هنا تغييبهم فيها بنفس المعنى الوارد في اللفظ السابق لقوله تعالى { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون – السجدة 10 }
وأما :
(وعندنا )
أي أنه يقول تعالى { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم – الحجر 21 } وهذا في كتاب حفيظ قال تعالى فيه هنا { وعندنا كتاب حفيظ – ق 4}
وأما :
(كتاب)
وهنا يقول تعالى مبيناً علمه تعالى بكل شيئ خلقه في كتاب مبين قال تعالى فيه { وما من غائبة في السماء و الأرض إلا في كتاب مبين – النمل 75 } وهذا الكتاب فيه كل شيئ عن سماءه وارضه وما بينهما قال تعالى { ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير – الحج 70 } فإذا كان يوم القيامة حضر النبيين وكتب رب العالمين للمحكمة الإلهية الكبرى والتي قال تعالى فيها { وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون – الزمر 69 } وحضرت كتب أعمال العباد وفيها كل صغير وكبير مستطر قال تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا – الكهف 49 }
وأما :
(حفيظ)
وحفظ الشيئ : يحفظه حفظاً : رعاه وصانه فهو حفيظ وحافظ فهو جفيظ وهم حافظون وهى حافظة وهن حافظات – معجم الفاظ القرآن باب الحاء فصل الفاء والظاء ] قال تعالى { أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون – يوسف 12 } والله تعالى خير حافظا لعباده كما في قوله تعالى { قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين – يوسف 64 }
والله تبارك وتعالى حفيظ على كل شيئ خلقه علمناه أم لم نعلمه رأيناه أم لم تراه أعيننا قال تعالى {وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ – سبأ 21} وقال تعالى أيضاً { إن ربي على كل شيئ حفيظ – هود 57 } ومما حفظه الله تعالى في الدنيا كتبه المنزلة والتي قال تعالى فيها { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون – الحجر 9 } .
وقد وكل الله تعالى ملكين لكتابة أعمال كل عبد من عباده في الدنيا كما في قوله تعالى {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين – الانفطار 10 -11 }
فإذا كان يوم القيامة أخرج كتاب حفيظ فيه كل شيئ عن خلقه و منها أعمال خلقه و محياهم ومماتهم قال تعالى هنا { ولدينا كتاب حفيظ – ق 4 } وهذا الكتاب له أصل في اللوح المحفوظ الذي قال تعالى فيه { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ في لوح محفوظ – البروج 22 } .
ثم يقول تعالى :
- بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج (5)
وهنا :
(بل كذبوا)
يقول تعالى في قريش والذين عبدوا آلهة غير الله تعالى : { بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ –المؤمنون 90-91 } وهؤلاء كذبوا بالحق لما جائهم وبالساعة والحساب قال تعالى : {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 7-11 } وقال تعالى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ – المدثر 38-47 } وقال تعالى أيضاً { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ- الإنفطار 6-9 } وفي آخر الزمان يكونون في أمر مختلف مضطرب وهو المريج هنا قال تعالى فيه { بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج – ق 5 }
وهنا سيكذبون بتأويل آخر الزمان كما في قوله تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 } .
وأما :
(كذبوا)
التكذيب ترك للعمل بشرع الله تعالى وكتابه الكريم لقوله تعالى في بني إسرائيل { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين -الجمعة 5 } ولذلك يبين تعالى أن العمل بالهوى في مقابل كتاب الله تعالى تكذيب قال تعالى { وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر – القمر 3 }
وأما :
( وكذبوا بالحق)
أي أنه يقول تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 }
وأما :
(بالحق)
الحق في كتاب الله تعالى وهو نزل مصدقاً لما بين يديه من كتب قال تعالى { نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل – آل عمران 3 } ولذلك يقول تعالى للناس { يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما – النساء 170 } وهذا الحق له تأويل آخر المان يأتي به إمام بما جهلته الأمة ونسته عبر أجيال وفترة من الزمن طويلة قال تعالى لذلك { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 }
ثم يبين تعالى إذا جاء آخر الزمان وأصبح الناس في أمر مريج مختلف مضطرب في قووله تعالى { بل كذبوا بالحق لما جائهم فهم في أمر مريج – ق}
وهنا يأتيهم الله تعالى بتأويل آخر الزمان و فيه الحق من الله ينزل على إمام من أهل بيت النبي عليهم السلام في زمن نبي الله عيسى عليه السلام لم يؤتاه أحداً غيرهم من الأمة وهو تأويل من الله يحقق مراده عز وجل الله في الدنيا و الآخرة لذلك يقول تعالى لكل العالم ممن خرجوا على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ – يونس 35 } وهنا يحق الله الحق ويبطل الباطل و لو كره المجرمون كما في قوله تعالى { ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون – الأنفال 8 } ويقول تعالى أيضاً { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون – الأنبياء 18 } .
وأما :
(لما جائهم)
وهنا يبين تعالى أنهم لكا بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله كفر به طائفة من أهل الكتاب وهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم قال تعالى { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين – البقرة 89 } وقال تعالى أيضاً { ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون – البقرة 101 } وأما عن قريش فقال تعالى فيهم { ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون – الزخرف 30 }
ويبين تعالى أن هؤلاء بكفرهم توعدهم الله تعالى قائلاً أنهم سيأتيهم أنباء ما كانوا به يكذبون قال تعالى { فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون – الأنعام 5 }
وهذه الأنباء ستأتيهم في زمن المعارج التي سيصنعها الإنسان آخر الزمان ويصعد بها إلأى السماء الأولى قال تعالى { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بَلْ مَتَّعْتُ هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – الزخرف 26-35 } .
وأما :
(فهم في)
أي أنهم في أمر مريب مترددون مرتابون من كتاب الله وعده ووعيده عز وجل قال تعالى { إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون – التوبة 45 } ولذلك قال تعالى في هؤلاء آخر الزمان سيكونون في أمر مريج أي مختلف مضطرب قالت تعالى هنا { فهم في أمر مريج – ق 5} .
وأما :
(أمر)
وهنا يبين تعالى من خلال هذا اللفظ اختلاف هذه الأمة وتنازعها وفشلها آخر الزمان لذلك يقول تعالى { فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون – المؤمنون 53 } وقال تعالى أيضاً { وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون – الأنبياء 93 } وهؤلاء فرقوا دينهم شيعاً باختلافهم حول رجالهم بعدما نشروا مكذوبات في مناقب غير أهل بيت النبي عليهم السلام والذين قال تعالى فيهم
{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا – النساء 59 } ولكي يصرفون الناس من حول أهل بيت النبي عليهم السلام أوولي الأمر رووا المناقب في رجالهم لصرف الناس عن ولايةأهل بيت نبيهم وهنا قال تعالى في هذه الجريمة { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 } وليت الأمر سيتوقف عند ذلك بل وصل بهم الفجور في الخصومة إلى إلقاء التهم بأهل بيت النبي كما كان يقول معاوية [ من يأتيني بنقيصة في علي وزنته ذهباً – مروج الذهب للمسعودي ] وذلك منهي عنه في كتاب الله مصداقاً لقوله تعالى { ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا – النساء 112 }
وهنا فرقوا دينهم شيعاً بعد أن حولوه لتذكية ززيد وعمر من الناس وابتعدوا وشسع البون بينهم وبين كتاب الله تعالى قال تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون – الأنعام 159 } وهذا التفرق فيه فشل لقوله تعالى { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا و منكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين – آل عمران 152 } وهذا هو الأمر المريج هنا الذي قال تعالى فيه {فهم في أمر مريج } .
وأما :
(مريج)
[ ومرج الشيئ ومريج : قلِق واضطرب فهو مارج ومريج – معجم ألفاظ القرآن باب الميم فصل الراء والجيم ] . قال تعالى { وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا – الفرقان 53 } وهذان البحران يقول تعالى فيهما { مرج البحرين يلتقيان بينهما يرزخ لا يبغيان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان – الرحمن 19-21 } .
والبحر ماء قال تعالى فيه { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا – الفرقان 54 } وهنا يقول صلى الله عليه وىله في التفسير [ خير النسب نسبي وخير الصهر صهري ] وذلك في زواج الإمام علي بالسيدة فاطمة الزهراء أي أن ظاهر الأمربحر وباطنه الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء واللؤلؤ والمرجان ظاهرهما اللؤلؤ والمرجان المعدنين النفيسين وباططنهما الإمام الحسن والحسين لورودهما في قوله تعالى { ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون – الطور 24 } وقال تعالى أيضاً { ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا –الإنسان 19 } . وبالتالي { فهم في أمر مريج } هنا أي في أمر مختلف فيه وفي ولاية أهل بيت النبي عليهم وهذا هو باطن المعنى في هذه الكلمة .
ثم يقول تعالى :
- أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج (6)
وهنا :
(أفلم)
أي أ،ه يقول تعالى { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب – سبأ 9 } .
وأما :
(ينظروا إلى السماء)
أي أنه يقول تعالى { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون – الأعراف 185 } وفي ملكوت السماء بناها الله تعالى و مالها من فروج قال تعالى { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج – ق 6 } .
وأما :
(فوقهم)
وهنا يبين تعالى أنه بنى فوقنا سبع سماوات شداداً قال تعالى فيها { وبنينا فوقكم سبعا شدادا – النبأ 12 } وهذا البناء أسقف فوق بعضها قال تعالى فيها { قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون – النحل 26 } وهذا السقف له طرق قال تعالى فيها { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين – المؤمنون 17 } .
ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن طور سيناء { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا – النساء 154 } وبناءاً عليه فإن طرائق السماء من هذه البقاع المباركة قال تعالى فيها { سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله – الإسراء } وهذه الأماكن ما بين الحجاز ومصر و الشام بقاع مباركة نزلت التوراة والألواح في سيناء بمصر والإنجيل بالشام والقرآن بالجزيرة العربية و بالتالي هذه أماكن بها طرائق للسماء إجابة للدعوة وصعود الملائكة بالأعمال وهبوطها بالبركات أو العقاب كما حدث مع أصحاب الفيل أو قوم عاد وثمود وفرعون وشعيب فقد كانوا بين هذه البقاع الثلاثة أيضاً بما يؤكد أن هذه البقاع بها طرائق إجابة الدعوة وصعود الأعمال ونزول اللعنات والعقاب .
وأما :
(كيف)
أي أنه يقول تعالى { ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا – نوح 15 } ويبين تعالى أنه قد بعث في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت قال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 }
ثم يقول تعالى للناس { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين – الأنعام 11 } ويقول تعالى للناس ألم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة كفرهم وكذلك سيعاقب الله تعالى كل من تقلد بهم قال تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها – محمد 10 } .
وأما :
(بنيناها)
وهنا يقسم الله تعالى بسماءه تعالى التي بناها وأرضه التي طحاها قال تعالى { والسماء وما بناها والأرض وما طحاها – الشمس 5-6 } ثم يقول تعالى أن هذه السماء خلقها عز وجل وزينها وأتقن صنعها بحيث لا ترى فيها فروج أو تسققات أو فتحات قال تعالى هنا { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج – ق 6 } . وليس ذلك فحسب بل أنه تعالى بين أن هذه السماء اللا نهائية ليست جامدة كما يتوهم الناس أو أنها متوقفة بل فيها روح و حركة وأنها في حالة من النمو و الإتساع كما في قوله عز وجل :{ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون – الذاريات 47 } ثم يقول تعالى للثقلين من الإنس والجن { أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها – النازعات 37-41 } .
وأما :
(وزيناها)
وهنا يبين تعالى أنه لما خلق سبع سماوات من سماوات الدنيا بالتحديد وذلك لأن سماء الدنيا خلفها سماوات أخرى لا ترى بالعين ولذلك قال تعالى { سماء الدنيا} وهى سماء زينها الله تعالى بالكواكب والبروج قال تعالى { فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم – فصلت 12 } وقال تعالى { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير – الملك 5 } وقال تعالى أيضاً { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب – الصافات 6 } وقد جعل الله تعالى فيها بروجاً وزينها للناظرين كما في قوله تعالى { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين – الحجر 16 } وهذه السماء هنا مالها من فروج قال تعالى { زيناها ومالها من فروج } .
وأما :
(ومالها)
وهنا يبين تعالى أن السماء عندما خلقها عز وجل كانت على أحسن ما تكون من خلق ولا تزال قال تعالى { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج – ق 6 }
فإذا قامت الساعة تفطرت وتشققت كما في قوله تعالى { إذا السماء اننشقت – الإنشقاق} وذلك إذا نفخ في الصور وبدأت نفخة الصعق كما في قوله تعالى { وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق – ص 15 } وبهذه الصيحة كما تتشقق السماء تتزلزل بها الأرض كما في قوله تعالى { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ – الزلزلة }
وأما :
( من فروج )
والفروج تشققات و : [ الفرج شق بين شيئين ومنه الفرج مابين الرجلين وكنى به عن السوأة والثغور التي بين المواضع المختلفة تسمى فروجاً وورد من المادة في الحسي بمعنى الشق أو السوأة من الرجال والنساء مفردا وجمع – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والجيم ] . قال تعالى { وإذا السماء فرجت – المرسلات 9 } أي أنها ستتشقق عند القيامة وقبل ذلك لن تتشقق ومالها من فروج كما في الآية هنا { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج – ق 6 } .
ثم يقول تعالى :
(7) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج (7)
وهنا :
( والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي)
أي أنه يقول تعالى أنه قد مد الأرض وألقى فيها رواسي وأنبت فيها بالميزان كل شيء يحتاجه الخلق قال تعالى : { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون – الحجر 19 }
وأما :
(والأرض)
وهنا يبين تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام قال تعالى { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين – هود 7} . وهذه السنة ايام منها يومين للأرض قال تعالى فيهما { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين – فصلت 9 } .
ولما خلقهما الله تعالى أسلما له عز وجل كما في قووله تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون – آل عمران 83 } .
ولما خلق الله تعالى الأرض مدها وبعدما مدها عز وجل ألقى فيها الجبال رواسى أن تميد بهم أي تميل بهم كما في قوله تعالى { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 }
وبالتالي جعلها مهداً كما في قوله تعالى { الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون – الزخرف 10 } . أي انه تعالى فرشها وومهدها للخلق كما في قوله تعالى {والله جعل لكم الأرض بساطا – نوح 19 } أي أنه تعالى مد الأرض كالفراش أو كالبساط قال تعالى { وإذا الأرض مدت – الإنشقاق 3 } وبعدما مدها أي مهدها كمهد الصبي قال تعالى { والأرض فرشناها فنعم الماهدون – الذاريات 48 } . وهنا فرشها ومهدها كالبساط في قوله تعالى {
وكما أن السماء تنموا و تتمدد كذلك الأرض أيضاً مدها الله تعالى كما في قوله عز وجل { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون – الحجر 19 } وقال تعالى أيضاً هنا { والأرض مددناها وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج – ق7 }
وبالتالي الأرض مهدها الله تعالى فجعلها بيضاوية كالدحية وليست كروية قال تعالى { والأرض بعد ذلك دحاها – النازعات 30 } يتخللها جبال رواسي قال تعالى فيها هنا { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج – ق 7 }
وقبل قيام الساعة تبدأ في النقصان من أطرافها فيتسارع الليل والنهار وتغرق سواحل الأرض من أقصى الشرق وأقصى الغرب قال تعالى { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب – الرعد 41 } ثم تقوم الساعة ويصعق من في السماوات والأرض إلا من شاء الله تعالى وهم حزبه من الأنبياء والمرسلين واهل بيت النبي والمؤمنين قال تعالى
{ ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون – الزمر 68 }
وكما قلنا من قبل عن السماء أنها سماء الدنيا و خلفها سماء الآخرة كذلك الأرض خلفها أرض أخرى لا يمكن لأجساد البشر بسوءاتهم الإطلاع عليها و لذلك يقول تتعالى عن الأرض الجديدة { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار – إبراهيم 48 }
ويبين تعالى أنه خلق السماووات والأرض ما مسه تعالى من لغوب (وهو أشد التعب) { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب – ق 38 }
وأما :
(ألقى فيها رواسى)
ولما خلق الله تعالى الأرض مدها وبعدما مدها عز وجل ألقى فيها الجبال رواسى أن تميد بهم أي تميل بهم كما في قوله تعالى { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون – النحل 15 }.و قال تعالى{ وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون – الرعد 3 } : وقال تعالى أيضاً { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون – الأنبياء 31 }
{ خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم – لقمان 10 }
وأما :
(وأنبتنا فيها من كل زوج)
أي أنه يقول تعالى { خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم – لقمان 10 } وقال تعالى { أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ – الشعراء 7-8 } .
وأما :
(بهيج)
[وبهيج : حسن المنظر يسر الناظرين ] أي أنه يقول تعالى لمن كفروا به عز وجل وتركوا العمل بكتابه الكريم إعراضاَ أو جحوداً أواستكباراً : { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أئله مع الله بل هم قوم يعدلون – النمل 60 } .
ثم يقول تعالى عن هذه الآيات :
- تبصرة وذكرى لكل عبد منيب (8)
وهنا :
(تبصرة)
تبصرة [ وبصر به : رآه ويطلق البصر على العلم القوي المضاهي لإدراك الرؤية فيقال بصر بالشيئ : علمه عن عيان فهو بصير به والبصيرة : نور القلب الذي به يستبصر كما أن البصر نور العين الي به تبصر ومن المجاز : البصيرة : البيان والحجة الواضحة زالعبرة التي بها يعتبر بها و الشاهد وجمع بصيرة بصائر – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل الصاد والراء ] .
والبصر يكون بالعين لقوله تعالى {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون – يونس 67 } وقال تعالى أيضاً { ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون – النمل 86 } .
ويبين تعالى أنه ما خلق السماوات والأرض و الجبال الرواسي و الزروع والليل والنهار إلا ليبصر بها الناس فيتذكروا خالقهم فينيبون إليه ويرجعوا قال تعالى { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب – ق 6-8 } وقال تعالى أيضاً { يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار – النور 44 }
وعدم الإتعاظ بخلق الله تعالى عمى في البصيرة وليس في البصر أو الحواس فقد يكون الناس مبصرين بالعين يسمعون بالأذن ولكن قلوبهم عمية لا تبصر كما في قوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور – الحج 46 } .
والتوبة استبصار قال تعالى فيها { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون – الأعراف 201 } وهؤلاء الذين اتقوا هم أهل بيت النبي عليهم السلام الذين رفعهم الله تعالى على كل البيووت وهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكرالله قال تعالى { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار – النور 36-37 } .
وهذه البيوت هى بيوت الله تعالى في الأرض وهى المساجد على عموم اللفظ وهى أماكن رفعها الله تعالى كما في أسباب النزول وعلى الخصوص ورد أنها بيوت أهل بيت النبي عليهم السلام :
[ عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا : قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله ” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ” فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام ، قال: نعم من أفضلها – كنز جامع الفوائد ص 185 – وشواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ]
[ و عن محمد بن الحسن بن علي عن أبيه عن جده عن محمد بن الحميد عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز وجل ” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ” قال: بيوت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم بيوت علي عليه السلام منها – كنز جامع الفوائد: ١٨٥ ]
[و عن ابن عباس قال : كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قرأ القاري ” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ” الآية، فقلت: يا رسول الله ما البيوت؟ فقال: بيوت الأنبياء، وأومأ بيده إلى منزل فاطمة عليها السلام – الروضة: ١٢٢. زاد في هامش : وقال : انه منها ] .
وأما :
(وذكرى)
أي أن في ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد قال تعالى { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد – ق 37 } ومن تذكر عمل بذكر الله تعالى كما في قوله تعالى { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا – الإنسان 29 } .
وأما :
(لكل عبد)
أي أن كل شيئ خلقه الله تعالى بين السماء والأرض فيها تذكرة لمن أراد أن يرجع وينب إلى الله تعالى خالق كل شيئ قال تعالى : { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب – سبأ 9} .
وأما :
(منيب)
وأناب : رجع إلى الله قال تعالى { و الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه – الزمر 17-18 } والإنابة إلى الله تعالى تكون بالتوبة إليه تعالى والإستسلام لأوامره تعالى كما في قوله عز وجل { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون -الزمر 54 } . وبالتالي الذكرى لكل من تاب وأناب وأسلم إلى الله تعالى .
ثم يقول تعالى :
(9) ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد (9)
وهنا :
(ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا)
أي أنه يقول تعالى { خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم – لقمان 10 } وهذا الماء مباركاً قال تعالى فيه هنا { ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد – ق 9}
وأما :
(مباركاً)
والبركة : الخير والنماء والمبارك : الكثير الخير قال تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون – الأعراف 96 } وهذه البركات هنا أحد أسبابها الماء المبارك المنزل من السماء قال تعالى هنا { ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد – ق 9 } .
وأما :
(فأنبتنا به)
وهنا يقول تعالى (أئله مع الله) { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أئله مع الله بل هم قوم يعدلون –النمل 60 } أي أنه يقول تعالى في الماء المنزل من السماء { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ – عبس 24-32 } .
وأما :
(جنات وحب)
أي أنه يقول تعالى { وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا – النبأ14-16 } وهنا يبين تعالى أن هذه الجنات من الثمار والحبوب والزروع يحصدها الزراع كما في قوله تعالى هنا { جنات وحب الحصيد – ق 9 } .
وأما :
(الحصيد)
و[ الحصيد : المستأصل المقطوع عند نضجه ] قال تعالى { وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين – الأنعام 141} .
ثم يقول تعالى :
- والنخل باسقات لها طلع نضيد (10)
وهنا :
(والنخل باسقات لها طلع نضيد)
[ وبسق الشيئ كخرج يسبق بسوقاً : طال فهو باسق وهى باسقة – معجم ألفاظ القرآن باب الباء فصل السين والقاف ] قال تعالى هنا { والنخل باسقات لها طلع نضيد } واللفظ ليس له مرادف في كتاب الله تعالى وأما [ طلع الأكمة : ما إذا علوته منها رأيت ما حولها ونخلة مطلعة : مشرفة على ما حولها وطلع النخل نوره وهو الطلع – معجم ألفاظ القرلآن باب الطاء فصل اللام والعين ] قال تعالى {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ – لشعراء 146-148 }
{ وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون – الأنعام 99 } و[ القنوان : هو العزق وهو ما تجمع فيه الرطب على النخلة متراكباً وهو عنقود العنب وجمعه قنوان – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل النون والواو ] أي أنه يقول تعالى [ والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل شيء, فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر, ثم أخرج من الزرع حَبًّا يركب بعضه بعضًا, كسنابل القمح والشعير والأرز, وأخرج من طلع النخل (وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب) عذوقًا قريبة التناول, وأخرج سبحانه بساتين من أعناب, وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكلا وطعمًا وطبعًا. انظروا أيها الناس إلى ثمر هذا النبات إذا أثمر, وإلى نضجه وبلوغه حين يبلغ. إن في ذلكم – أيها الناس – لدلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى ويعملون بشرعه.- التفسير الميسر ] .
وأما :
(نضيد)
[ ونضد الشيئ ينضده نضداً : جعل بعضه فوق بعض في اتساق وانتظام – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الضاد والدال ] . قال تعالى { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود – الواقعة 27-30 } والطلح المنضود هنا هو فاكهة الموز المعروفة باتساق وانتظام بعضها فوق بعض كطلح النخل النضيد هنا في قوله تعالى { والنخل باسقات لها طلح نضيد – ق 10} .
ثم يقول تعالى :
(11) رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج (11)
وهنا :
(رزقاً)
هذا الرزق أنزله الله تعالى من السماء مع المطر الذي تنبت به الزروع كما في قوله تعالى { هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب – غافر 13 } وبهذا الماء يخرج الله تعالى به من كل الثمرات رزقاً للعباد قال تعالى { جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون – البقرة 22 } وهذا الرزققال تعالى هنا انه للعباد الذين يعبدون الله تعالى ومن كفر به تعالى يمنع عنهم القطر من السماء ويضيق عليهم الرزق حتى يتويوا قال تعالى هنا { رزقاً للعباد } .
وأما :
(للعباد)
أي أن هذا الرزق لكل عبد منيب قال تعالى { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب – سبأ 9 } أي كما قال تعالى هنا { رزقاً للعباد } وبالإضافة إلى هذا الرزق الإستخلاف في الحياة الدنيا بعد هلاك الظالمين { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور 55 }
وأما :
(وأحيينا به بلدة ميتاً كذلك الخروج)
وهنا أنه يقول تعالى { والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون –الزخرف 11 } وإحياء الموتى من بعد الموت والنشور يكون كخروج الزرع من الأرض بعد نزول الماء علي الأرض من السماء قال تعالى { والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور – فاطر 9 }
وأما :
(كذلك)
أي أنه يقول تعالى : { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون – الروم 19 } وقال تعالى أيضاً { والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون – الزخرف 11 }
وأما :
(الخروج)
أي أنه يقول تعالى { يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج – ق 42} وكما يحيي الله تعالى الأرض بعد موتها بالماء فتنبت الزرع كذلك الخروج من القبور عند البعث كما في قوله تعالى { يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون – الروم 19 } فإذا دعاهم الله تعالى دعوة من الأرض بعثوا للحساب قال تعالى { ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون –الروم 25 } وهنا يخرجون من الأرض كما في قوله تعالى { قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون – الأعراف 25 } .
ثم يقول تعالى :
- كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود (12) وعاد وفرعون وإخوان لوط (13) وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد (14)
وهنا انتقاء هذه الأمم دو غيرها في التاريخ والذي قال فيه تعالى { ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما – النساء 164} يتبين لنا أن هذا الإنتقاء لجرائم محددة اقترفتها هذه الأمم فيه دليل على أنها ستتكرر في أمم آخر الزمان ولذلك جاء ذكرها مع تمييز القرآن الكريم بذكر قوم عاد الذين لم تذكر سيرتهم من قبل بصناعاتهم و بنائهم للمباني الشاهقة وتجبرهم في الأرض وقوم نوح بصلفهم عنادهم ومدح رجالهم وثمود واختيارهم العمى على الهدى وقتلهم ناقة الله و تقليد أمة من العرب بهم في قتلهم الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام كما سنبين وأصحاب الرس وجريمتهم وهن السحاقات وقوم لوط وفعلهم الشنيع وقوم شعيب وبخسهم الميزان وقوم فرعون وابتداعم وترسيخهم لأساليب الهدم الحديثة لدين الله تعالى على الأرض والحرب مع أوليائه وتعذيبهم واستخدام الحملات الإعلامية التضليلية قبل الحدث .
وهنا :
(كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وعاد وثمود)
وهنا يبين تعالى أن هذه الامم من قبل كذبت رسل الله وجادلت بالباطل وهموا بقتلهم وفشلوا في ذلك بأمر الله ونصرته لرسله قال تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب و كذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار – غافر 5-6 } .
والأحزاب من بعدهم قال تعالى فيهم هنا { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط و أصحاب الأيكة أولائك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق – ص 12-15 }
{ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد – ق 12-14 } .
وقال قوم نوح لعنهم الله أنه مجنون وزجروه عليه السلام قال تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر – القمر 9 } و بالتالي إن يكذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله خاتم النبيين فقد كذبت قبلهم الأمم من قبل قال تعالى { وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود – الحج 42 } وكما أهلك الله تعالى هذه الأمم فسيهلك كل من تقلد بهم في آخر الزمان كما في قوله تعالى { ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر – القمر 41-43 }
وأما :
(وأصحاب الرس)
[ والرس : البئر المطوية وقيل أنها قرية باليمامة يقال لها فلج كذب أهلها نبيهم ورسوه في بئر أو رموه فيها حياً حتى مات – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل السين والسين ] .
وهذه المنطقة قريبة من الرياض الآن بالجزيرة العربية وورد أنهم كانوا يحبون السحاق وهو زنا مابين النساء [ عن أبي عبد الله سأل رجل عن هذه الآية { كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس }فقال بيده هكذا فمسح إحداهما بالأخرى قال : هن اللواتي باللواتي يعني النساء بالنساء – البرهان للسيد هاشم البحراني ج2 ص 217 ] وفي [ مجمع البيان ج5 ص 143 قيل كان سحق النساء في اصحاب الرس وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ]
قال تعالى :{ وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا – الفرقان 37-40 } وأصحاب الرس هم أصحاب البئر وأممًا كثيرة بين قوم نوح وعاد وثمود وهم الأحزاب كما بينا
وأما :
(وثمود)
وثمود أمة قتلت ناقة الله تعالى بلا ضغوط أو حر من أي أمة أخرى إنما خيروا فاختاروا الكفر على الإيمان وسفكوا دم الناقة قالت عالى { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى – فصلت } والعرب وقريش سيقلدون هذه الأمة ولذلك يقول صلى الله عليه وآله [ يا علي أتدري من هو شر الأولين وشر الآخرين قال لا يارسول الله فقال : شر الأولين قاتل ناقة صالح وشر الأولين قاتلك ياعلي … الحديث ] ولذلك توعد الله تعالى هؤلاء بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود قال تعالى فيها { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13 }
وأما :
(وعاد)
وعاد أمة كانت تبطش بالأمم الضعيفة بطشة جبارين وكانوا يبنون المباني الشاهقة في السماء التي يطلق عليها الآن (ناطحات السحاب) وويتخذون المصانع للبطش بالأمم لعلهم يخلدون قال تعالى فيهم { أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين – الشعراء – الشعراء 128-129 } وعاد هذه هى عاد الأولى وطالما سمعت الأولى فهناك الآخرة قال تعالى في الأمتان الظالمتان عاد وثمود وأنه تعالى سيهلك من تقلد بهما آخر الزمان { وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى – النجم 50-51 }.
وأما :
(وفرعون)
وهنا يقول تعالى في قوم فرعون مبيناً أهم جريمة اقترفها فرعون هى جريمة قوله { أنا ربكم الأعلى – النازعات 24 } وهى إشارة إلى عصر السيططرة الكاملة والدعوة إلى الطاعة المطلقة للحكام والنظام العسكري آخر الزمان والذي لا شأن له بدين وهؤلاء الأوائل كذبوا الرسل كما في قوله تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد – ص 12 }
و من جرائم فرعون أنه جعل البلاد شيعاً متنافرة متناحرة ليسهل السيطرة على أهلها كما في قوله تعالى { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين – القصص 4-5 } . ولذلك جعله الله تعالى وملئه أئمة للكفرة حتى قيام الساعة كما في قوله تعالى { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون –القصص 41 }
و في آخر الزمان سيمن الله تعالى على المستضعفين في آخر الزمان إن عملت الدول بالننهج الفرعوني في إدارة البلاد .
وأما :
(وإخوان لوط)
وهنا يبين تعالى أن نبي الله لوط دعاهم للإيمان بالله تعالى والإسلام له وتقوى الله كما في قوله عز وجل { كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون- الشعراء 160-161 } ولرود لفظ إخوان في قوله تعالى { وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون – الأعراف 202 } يشير إلى أن من قوم لوط كفروا بالله تعالى و كانوا يدفعون الناس للكفر بالله تعالى والغي وهؤلاء هم الذين كفروا وقال تعالى فيهم هنا { وإخوان لوط}
وأما :
( لوط)
وهنا يبين تعالى أن هذه الأمة المجرمة جاءت بجريمة لم تفعلها الأمم من قبل قال تعالى { ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين – العنكبوت 28 } .
وهؤلاء أهلكهم الله تعالى كما في قوله تعالى { قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب –هود 81 } وقال تعالى أيضاً {ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد – هود 89 }
وكذلك كل أمة ستفعل فعلهم فالله تعالى سيفعل بهم ما فعله بالأمم من قبل كما في قوله تعالى بعد ذكر هذه الأمم في سورة القمر قال تعالى { أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر – القمر }
وأما :
(وأصحاب الأيكة)
[ وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب وكان موقعهم فلسطين الآن والأيكة : الشجرة الملتفة وأصحاب الأيكة هم قوم شعب وكانت مساكنهم كثيفة الأشجار ]
قال تعالى فيهم أنهم كانوا ظالمين قال تعالى { وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين – الحجر 78 }
وظلمهم هنا لأنهم كذبوا رسل الله تعالى ورسله شعيب عليه السلام من آمن به والرسل من قبل كما في قوله تعالى { كذب أصحاب الأيكة المرسلين إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين و أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنو بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين – الشعراء 176-183 } ولذلك استحقوا الوعيد كالأمم من قبل قال تعالى { وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ- ق14 }
وأما :
(وقوم تبع)
[ عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل وفيه لم يسمي تبع تبعا لأنه كان غلاماً كاتباً يكتب لملك كان قبله وكان إذا كتب : كتب بسم الذي خلق سحبأً و ريحاً فقال له الملك أكتب باسم ملك الرعد فقال له لا أبدأ باسم إلهي ثم اعطف على حاجتك فشكر الله له ذلك فأعطاه ذلك الملك فأتبعه الناس على ذلك فسمى تبعاً – تفسير كنز الدقائق للقمي المشهدي ج12 ص 372 ]
وهؤلاء هنا لكا كذبوا أهلكهم الله تعالى كما في قوله عز وجل { أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين – الدخان 37 } وإضافة تبع إلى جماعة المرسلين هنا في قوله تعالى { وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد – ق14 } تبين أنه كان من المرسلين وكل هذه الأمم بين جزيرة العرب و الشام و مصر كذبت رسلهم فحق وعيد .
وأما :
(فحق)
اي أنهم جميعاً كذبوا رسلهم فاستحقوا العقاب قال تعالى { إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب – ص 14 } .
وأما :
(وعيد)
أي أنه قال تعالى { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا – طه 113 } وهذا القرآن الكريم لما تركوه وكذبوا به استحقوا هذا الوعيد الذي قال تعالى فيه هنا { كل كذب الرسل فحق وعيد } وهذا الوعيد فيه إشارة لتحالف بين أربعة أمم أمة سستقلد بقوم عاد وهى عاد الآخرة وأمة تكون على نهج أمة ثمود وأمة ستكون على نهج أمة فرعون وسيكونون مسيطرون على حركة المال ببخس الميزان والربا كقوم شعيب وسيشتهرون بعمل قوم لوط وسحاق النساء وكلها ستكون علامات هلاكهم وزوالهم من الدنيا .
ولهؤلاء لهم وعيد من الله تعالى وهو يوم الفصل آخر الزمان كما بينا لقوله تعالى { ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد – ق20 }.
ثم يقول تعالى :
(15) أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد (15)
وهنا :
(أفعيينا بالخلق)
[ وعييى يعيا عياً : التعثر لعجز يلحق بالإنسان ] وهذا منفي عن الخالق عز وجل في خلقه الأول والآخر لقوله تعالى { أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعى بخلقهن بقادر على ان يحى الموتى بلى إنه على كل شيئ قدير- الأحقاف 33 } والله تعالى هنا لم يعى بالخلق الأول ولا الخلق الآخر الجديد كما في قوله تعالى هنا { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد – ق15 } .
وأما :
(الأول)
والحلق الأول هو خلق الإنسانفي الحياة الدنيا كما في قوله تعالى { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون – الأنعام 94 } وقال تعالى أيضاً { قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم – يس 79 } ولذلك يقول تعالى عن هذا الخلق الأول {وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا – الكهف 48 }
وهذه النشأة الأولى في الحياة الدنيا من طين ثم من نطفة ذكر وأنثى قال تعالى فيها { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون – الواقعة 62 } وهذا الخلق في الدنيا أيضاً له أول وله آخر قال تعالى { وأنه أهلك عادا الأولى – النجم 50 } أي ان هناك عاد آخرة والأولى والآخرة قس الحياة الدنيا فيهما قلة من المؤمنين قال تعالى فيهما { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين – الواقعة }
وهذه الثلة المؤمنة كانت في زمن رسول الله فهذا وعد أول قال تعالى فيه { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر – الحشر } وفي هذا الزمان سيكون فيه الوعد الأول الذي قال تعالى فيه { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا – الإسراء 5 } فإذا جاء وعد الآخرة قال تعالى فيه { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا – الإسراء 7 } وفي ذلك الزمان سيكون هلاك عاد وثمود الآخرة وهما أمتان ستسيران على نهج تلك الأمم الغابرة في كفرهم واستعلائهم في الأرض قال تعالى { وأ،ه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى -النجم }
وهذا يكون في آخر الزمان وما فيه من إمام آخر الزمان و المؤمنين وهم الخلق الآخر و الجديد و سيكون الناس في لبس من هذا الخلق ووعد الله تعالى بالتمكين للمؤمنين في هذا الزمان كما في قوله تعالى { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد – ق 15 }
وكلا من الأولى و الآخرة يحكمهما لله تعالى وهو خالقهما ومالكهما كما في قوله عز وجل { فلله الآخرة والأولى – النجم 25 } .
وأما :
(بل هم)
وهنا يقول تعالى { أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أئله مع الله بل هم قوم يعدلون – النمل 60 } ويقول تعالى للخلق أيضاً { قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون – الأنبياء 42 } ومع كل هذه الأدلة على انه خالق السماوات والأرض ورازقهم وممينتهم ومحييهم يشكون في الله ولقاءه تعالى والآخرة قال تعالى { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون –السجدة 10 }
{ بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون – النمل 66 } وقال تعالى أيضاً { رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ – الدخان 7-9}
وبعدما شكوا و فشلوا في معرفة الله تعالى بواسطة خلقه في سماواته وأرضة أيضاً كفروا برسل الله تعالى ورفضوهم ودعوتهم إلى الله عز وجل كما في قوله تعالى عنهم لعنهم الله { أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب – ص 8 }
وهؤلاء بين تعالى أنهم أضل من الأنعام وأحط من الحمير والخنازير عند الله تعالى بعدما أبطلوا العمل بحواسهم لمعرفة خالقهم وخالق السماوات والأرض قال تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون – الأعراف 179 }
ومثل هؤلاء الذين كفروا بالله تعالى ورسله قوماً أعلنوا الإسلام ولكنهم عملوا بالهوى وهؤء أيضاً أضل من الأنعام كما في قوله تعالى { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا – الفرقان 43-44}
وهؤلا في الآخرة هم مستسلمون كما في قوله تعالى { بل هم اليوم مستسلمون – الصافات 26}
وأما :
(في لبس)
[ ولبس الشيئ هنا : خلطه وعماه وجعله مشكلاً وخفى عليهم الشبهة ] قال تعالى {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون – البقرة 42 } وبهذا التلبيس المتعمد منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وقوله تعالى { فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول – النساء } وقال تعالى أيضاً { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون – آل عمران 72 } تم قلب حقائق عن الدين أصبحت ضعيفة السند ينكرها الكثير وأهمها ولاية اهل بيت النبي التي تم التغطية عليها بمكذوبات مزيفة عن مناقب رجال من قبائل أهرى لصرف الناس عن ولاية النبي وأهل بيته عليهم السلام لذلك يقول تعالى { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 } .
ومن هنا خرجت أجيال في لبس من ولايتهم واختلاف إلى شيع متقاتلة متحاربة قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 } وهؤلاء المختلفين في لبس من إمامة أهل بيت النبي وميراثهم للأرض بعد هلاك الظالمين لذلك قال تعالى قوله هنا { بل هم في لبس من خلق جديد } .
وبالنسبة للكفار بالله تعالى من عبدة الصنام أيضاً في لبس من البعث كما قال تعالى عنهم { وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا – الإسراء 49 } .
وأما:
(خلق جديد)
أولاً :
والخلق الجديد هنا : خلقاً سيأتي به الله تعالى آخر الزمان لنصرة دينه وبقيادة وولاية أهل بيت النبي عليهم السلام وهذه مشيئته تعالى كما فيقوله عز وجل { ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد – إبراهيم 19 }و قال تعالى أيضاً { إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد – فاطر 16 } وهذا الخلق الجديد آخر الزمان أيضاً هم فيه في لبس قال تعالى فيه { بل هم في لبس من خلق جديد – ق15} .
الثاني :
خلقاً جديداً في الآخرة و هذا الكفار منه في شك وكفروا به لقوله تعالى { وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون – السجدة 10 } وهذا الخلق هم منه في شك ولبس و بالتالي هم بلقاء ربهم كافرون .
ثم يقول تعالى :
(16) ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد (16)
وهنا :
(ولقد خلقنا الإنسان)
أي أنه خلق الله تعالى الإنسان من سلالة من طين قال تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين – المؤمنون 12} وقال تعالى أيضاً أنه خلق من صلصال من حمأ مسنون قال تعالى { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون – الحجر 26 } أي [ ولقد خلقنا آدم مِن طين يابس إذا نُقِر عليه سُمع له صوت, وهذا الطين اليابس من طين أسود متغيِّر- التفسير الميسر ] ولما خلقه الله تعالى جعله في أحسن تقويم كما في قوله تعالى { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين – التين } ولما هبط من الجنة قال تعالى أنه سيكون في كبد قال تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ – البلد 4 } أي في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. ولذلك قال تعالى أنه يعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد كما في قوله تعالى هنا { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد – ق 16 } .
وأما :
(ونعلم)
أي أنه تعالى يقول { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير –آل عمران 29 } والله تعالى يعلم مافي القلوب كما في قوله تعالى { والله يعلم مافي قلوبكم وكان الله عليماً حليما – الأحزاب 51 } وبالتالي كل ما توسوس به نفسه أو ما يخطر على قلبه وعقله ويدور في نفسه الله يعلمه كما في قوله تعالى هنا { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد – ق 16 }
وأما :
(ما توسوس)
[ ووسوس تكلم بكلام خفي ويقال من هذا الوسوسة حديث النفس وهو ما يخطر بالبال ويهجس به الضمير لإغراء الشيطان الإنسان بالشر وتزيينه له .. والوسواس بفتح الواو : الشيطان الذي يوسوس لغيره وهوفي الأصل إسم للوسوسة وأطلق على الشيطان مبالغة – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل السين والواو والسين ] .
والوسوسة إما من الشيطان كما في قوله تعالى { فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين – الأعراف 20 } وقال تعالى أيضاً { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى – طه 120 } .
وهذه الوسوسة الشيطانية يقوم بها الشيطان فيوقعها في صدور الثقلين من الإنس والجن كما في قوله تعالى { قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس .
والوسوة أيضاً تكون من النفس الإنسانية الأمارة بالسوء قال تعالى هنا { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد – ق 16 }
وأما :
(به نفسه)
وهنا يبين تعالى أن النفس موضع سر الإنسان لذلك يقول تعالى عن سيدنا يوسف عليه السلام وإخوته { قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون – يوسف 77 } وقال تعالى في فرعون وملئه { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – النمل 14 } وما في النفس من خير وشر يعلمه الله تعالى ويحاسب عليه كما في قوله تعالى { لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير – البقرة 284 } والله تعالى كان عليماً بما في أنفسهم من قبل أن يخلقهم قال تعالى { إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما – الأحزاب 54 } .
وأما :
(ونحن أقرب إليه)
اي أنه يقول تعالى أنه أقرب إلى خلقه من حبل الوريد و لكن لا يبصرون بعين أجسادهم التي هى سوءاتهم المانعة إياهم من رؤية كل عالم الغيب لذلك قال تعالى : { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون – الواقعة 85 } فإذا كشف عنهم الغطاء أصبح بصره حاداَ يرى أكثر مما كان يرى في الحياة الدنيا لقوله تعالى { لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد – ق 22 } .
وأما :
(من حبل الوريد )
[ والحبل : الرباط الذي يشد به ويجمع على حبال وحبل الوريد : عرق الوريد ] قال تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون آل عمران 103 } وإذا كان حبل الله هو كتابه الذي يضم آياته وكل سوره فإن حبل الوريد هنا هو الذي يجتمع فيه كل أوردة جسم الإنسان قال تعالى هنا { ونحن أٌقرب إليه من حبل الوريد – ق} ومن عمل بحبل الله تعالى وهو كتابه الكريم حفظ عليه جسمه ودمه وأوردته لذلك يقول تعالى مبيناً أن من الشفاء كتاب الله تعالى إلى جانب التداوي فلكل داء دواء لذلك يقول تعالى في القرآن الكريم { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا – الإسراء 82 } .
وأما :
(الوريد)
و[ ورد وروداً بلغه ووصل إليه – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل الراء والدال] قال تعالى { ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون القصص 23 } – وبالتالي الوريد هو الذي يرد إليه كل دماء أوردة جسم الإنسان كما بينا من قبل في لفظ حبل .
و [ الوريد هو أحد الوريدين وهما عرقان مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه والوريد وهنا مثل مضروب في فرط قرب الإنسان من الله لأن الوريد بظاهر الجلد والله تبارك وتعالى أقرب للإنسان منه – معجم الفاظ القرآن باب الواو فصل الراء والدال ] قال تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد – ق 16 }
ثم يقول تعالى :
(17) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد (17)
[ وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته . وإنما قال : قعيد ولم يقل قعيدان وهما اثنان ; لأن المراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ؛- تفسير القرطبي ] .
[ عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: “ما من قلب إلا و له أذنان، على إحداهما ملك مرشد، و على الاخرى شيطان مفتن، هذا يأمره و هذا يزجره، الشيطان يأمره بالمعاصي، و الملك يزجره عنها، و هو قول الله عز و جل: { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ”.
– و عنه: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الفضل بن عثمان المرادي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك يهم العبد بالحسنة فيعملها، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته، و إن هو عملها كتب الله له عشرا، و يهم بالسيئة أن يعملها، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء، و إن هو عملها اجل سبع ساعات، و قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات، و هو صاحب الشمال: لا تعجل، عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها، فإن الله عز و جل يقول:{ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ- هود 114 } أو استغفار، فإن [هو] قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب و الشهادة، العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، ذا الجلال و الإكرام، و أتوب إليه، لم يكتب عليه شيء، و إن مضت سبع ساعات و لم يتبعها بحسنة و لا استغفار، قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات: أكتب على الشقي المحروم”.
– و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة و ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: “لا يكتب من الدعاء و القراءة إلا ما أسمع نفسه”.
– و عنه: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: “لا يكتب الملك إلا ما سمع، و قال الله عز و جل}: وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً – الأعراف: 205 } فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله لعظمته”.
– و رواه الحسين بن سعيد في كتاب (الزهد): عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: “لا يكتب الملك إلا ما يسمع قال الله عز و جل:{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً-الأعراف: 205} “ قال: “لا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس العبد غير الله تعالى”.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .
وهنا :
(إذ)
وهنا يبين تعالى أنه أخذ الميثاق على أنبياء الله تعالى ورسله للإيمان بخاتمهم وإمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { و إذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين – آل عمران 81 } ولقد من الله تعالى على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم قال تعالى { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164}
والشاهد على الناس يوم القيامة لذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وآله والنبيين الذين أخذ منهم الميثاق كما في قوله تعالى { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا – النساء 41 }
وبالتالي ميزان الطاعة والمعصية للملكين هو طاعة الله تعالى ورسوله وفق ما أمر الله تعالى في كتابه الكريم ويبدأن بمصاحبة الإنسان منذ تخلقه وهو جنين ثم خروجه من بطن أمه قال تعالى { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض و إذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى – النجم 32 } فإذا كان يوم القيامة كما في قوله تعالى { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون –الأنعام 30 } وهنا بعدما تلقى المتلقيان يشهدان على العبد وما فعل بالحياة الدنيا كما في قوله تعالى { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد – ق }
وأما :
(يتلقى المتلقيان)
وتلقى هنا المتلقيان بمعنى أخذوا عن الإنسان ما يصدر عنه وفقاً للمنهاج الموضوع لهما والميزان الذي يقسيون به أعمال العباد وفقاً للقرآن الكريم وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم – النمل 6 } ومن عمل صالحاً وفقاً لما أمر الله تعالى فهم الذين يظنون أنهم ملاقوا الله تعالى فتكتب أقوالهم و أفعالهم بواسطة ملك اليمين رقيب قال تعالى لذلك في هؤلاء { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ,انهم إليه راجعون – البقرة } وأما الذين كفروا أو نافقوا وعملوا بخلاف كتاب الله تعالى فهم من الذين قالوا { أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر – القمر 25 } وهنا تكتب أعمالهم وأقوالهم بواسطة ملك الشمال عتيد كما في قوله تعالى { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد – ق }
وأما :
(عن اليمين )
وهنا عن اليمين أي من جهة اليمين كما في قوله تعالى كما في قوله تعالى { قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين – الصافات 28 } . أي أن هذا الملك عن يمين الإنسان لقوله تعالى { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ – المعارج 36-38 } أي أنهم متفرقين [يقول : عن يمينك يا محمد، وعن شمالك متفرّقين حلقا ومجالس، جماعة جماعة، معرضين عنك وعن كتاب الله.- تفسير الطبري ] ومن كان عاملاً للصالحات وفق ما أمر الله تعالى فهو من أصحاب اليمين وهم أهل الجنة الذين قال تعالى فيهم { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح – منضود – الواقعة 27-28 } .
وأما :
(وعن الشمال)
وهنا يبين تعالى أن هذا الملك لكتابه أعمال وأقوال أهل الشمال وهو عن شمال بني آدم لقوله تعالى عن الجهة { ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال – الكهف 18 } وهذه الجهة من كل إنسان فيها ملك لكتابة أعماله وأقواله السيئة إذا كان من أهل الشمال لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم حميم وظل من يحموم لابارد ولا كريم – الواقعة 41-44 } .
وأما :
(قعيد)
[ والقعود جلوس وقعيد : جليس ] قال تعالى { وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون – يونس 12 } وقاعد على التراخي وأما القعيد [ بمعنى الذي لا يبرح مكانه أو بيته ] قال تعالى { إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد– ق } .
ثم يقول تعالى :
(18) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)
وهنا :
(ما)
وهنا يبين تعالى أنه أخذ الميثاق على النبيين بنصرة رسول الله والإيمان به كما في قوله تعالى { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ل ما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق ل ما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين –آل عمران 81 }وقد أمر الله تعالى باتباع ملة إبراهيم حنيفاً كما في قوله تعالى { قل %