السورة بصيغة ملفات pdf :

سورة المرسلات 31

السورة بصيغة ملفات ورد :

سورة المرسلات

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم 

[ أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة المرسلات بمكة.

وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ” بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزلت عليه سورة والمرسلات عرفاً، فإنه يتلوها وإني لألقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها إذا وثبت عليه حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها فابتدرناها فذهبت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقيت شركم كما وقيتم شرها “.

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ” نزلت { والمرسلات عرفاً } نحو ليلة الحية. قالوا وما ليلة الحية؟ قال: خرجت حية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اقتلوها، فتغيبت في حجر. فقال: دعوها فإن الله وقاها شركم كما وقاكم شرها “.

وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنزلت عليه { والمرسلات } فأخذتها من فيه وإن فاه لرطب بها فلا أدري بأيها ختم { فبأي حديث بعده يؤمنون } أو { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون }

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أم الفضل سمعته وهو يقرأ { والمرسلات عرفاً } فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.

وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد العزيز أبي سكين قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا الظهر وقرأ قراءة همساً بالمرسلات والنازعات وعم يتساءلون ونحوها من السور…
وأخرج ابن الأنباري في الوقف والابتداء والحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” أنزل القرآن بالتفخيم. قال عمار بن عبد الملك: كهيئته عذراً ونذراً والصدفين وألا له الخلق والأمر وأشباه هذا في القرآن “.- الدر المنثور للسيوطي ] .

التفسير :

يقول تعالى :

  • والمرسلات عرفا (1)

هنا :

(و)

يقسم الله تعالى هنا بالمرسلات في قوله تعالى { و المرسلات عرفا} وهى الملائكة كقسمه تعالى بهم وبنزعهم نفوس الآدميين والخلق في قوله تعالى { و النازعات وَالنَّازِعَاتِ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا– النازعات } وكقسمه تعالى بالملائكة إذا اصطفت ومنهم الزاجرات والتاليات ذكرا  في قوله تعال {  وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا  فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا – الصافات 1-3 } ةهنا يقسم تعالى أيضاً بتوع من الملائكة المرسلات كما سنبين قال تعالى { و المرسلات عرفا }

وفي التفاسير :

[عن ابن عباس في قوله تعالى { وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً } يقول أقسم الله بالملائكة كثيراً كعرف الفرس ويقال هم الملائكة الذين أرسلوا بالمعروف يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } وأقسم بالرياح العواصف الشديدة والعصف ما ذرت من منازل القوم { وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } بالمطر يعني وأقسم بالمطر ويقال بالسحاب الناشرات بالمطر ويقال هم الملائكة الذين ينشرون الكتاب { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } وأقسم بالملائكة الذين يفرقون بين الحق والباطل ويقال هي آيات القرآن التي تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام ويقال هؤلاء الثلاث هن الرياح { فَٱلْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } وأقسم بالمنزلات وحياً { عُذْراً } لله من جوره وظلمه { أَوْ نُذْراً } لخلقه من عذابه ويقال عذراً حلالاً أو نذراً حراماً ويقال عذراً أمراً أو نذراً نهياً ويقال عذراً وعداً أو نذراً وعيداً أقسم بهذه الأشياء { إِنَّمَا تُوعَدُونَ } من الثواب والعقاب في الآخرة { لَوَاقِعٌ } لكائن نازل بكم ثم بيَّن متى يكون فقال { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } ذهب ضوؤها { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } انشقت { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } – تفسير القرآن للفيروز أبادي ] .

وفي تفسير البحر الوحيط :

[ قال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو صالح ومقاتل والفرّاء: { والمرسلات } : الملائكة ، أرسلت بالعرف ضد النكر وهو الوحي، فبالتعاقب على العباد طرفي النهار. وقال ابن عباس وجماعة: الأنبياء، ومعنى عرفاً : إفضالاً من الله تعالى على عباده – تفسير البحر المحيط لأبو حيان التوحيدي ] .

وأما :

(المرسلات)

والمرسلات كلمة اصلها أرسل ويرسل رسالة قال تعالى { وإني مرسله إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون – النمل  35} والله تبارك وتعالى يصطفي لرسالاته رسلاً من الملائكة والناس قال تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير – الحج 75 } .

ومن هذه الرسل الملائكية :

  • رسلاً حفظة للخلق وأخرى لقبض الأرواح قال تعالى فيهما { وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون – الأنعام 61 }.
  • ملائكة لإنزال الرزق للعباد قال تعالى فيها { وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين – االحجر 22 } وهذا بواسطة ملائكة ومنهم ميكائيل عليه السلام .
  • رسلاً لإنزال العذاب على الظالمين لورود لفظ أرسل في قوله تعالى { فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – النكبوت 40 } وقال تعالى في قوم فرعون { فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين – الأعراف 133 } وينزل الله تعالى العذاب على من بدلوا دينهم كما في قوله تعالى  { فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون – الأعراف 162 }  وهذا يتم بواسطة ملائكة العذاب لقوله تعالى في قوم لوط لعنهم الله { فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط – هود 70 } وقال تعالى أيضاً { قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين – الحجر 58 } .

ويرسل الله تعالى رسلاً من الناس ليبشروا المؤمنين وينذرون العصاة والكافرين ويبلغون الناس رشالة ربهم قال تعالى { الذين يبلغون رسالات ربهم ويخشونه ولا يخشون أحداَ إلا االله – الحزاب 39 } وهذا البلاغ بيكون بلغة ككل أمة كما في قوله تعالى { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم – إبراهيم 4} ولا يأت رسول بآية إلا بإذن الله كما

في قوله تعالى  { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب – الرعد 38 }

ثم يبين تعالى أنه أرسل سيدنا محمد ليعلم الناس مالم يعلموه قال تعالى { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون – البقرة 151 }

ثم يعظهم الله تعالى بأن يسيروا في الأرض لينظروا كيف كان عاقبة الذين كفروا بربهم فيقول تعالى{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون – يوسف 109 }  وكما بعث الله تعالى في الأمم من قبل رسلاً كذل أريل لهم خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى {   إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا  -المزمل 15 }

ثم يقول تعالى لقريش والعرب والأعراب الذين بعث فيهم صلى الله عليه وآله و الأمم التي ستأتي من بعدهم إلى ماقبل يوم القيامة { أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر- القمر } . وهنا يبشر الله تعالى بأن دينه سيظهر على كل ديانات الأرض قبل يوم القيامة فيقول تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – الصف 9 } .

وحيث أنه قال تعالى { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي – المجادلة } فتكون أماكن بعثة المرسلين من قبل هى مناطق سيظهر فيها دين الإسلام على الدين كله وهى مناطق مابين اليمن والعراق ومرواً بالشام والجزيرة ومصر وسيظهر من هذه البقاع إمام آخرالزمان الذي يقيم الحجة على الناس ومعه نبي الله عيسى عليهما السلام لإقامة الحجة على الناس لذلك يقول تعالى { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 } وقال تعالى أيضاً { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15}

وبالتالي لذلك يبين تعالى هنا هذه الأنواع من المرسلين الملائكة والناس منهم المرسلين بالرسالة وهى المعروف ومنهم العاصف والمدمر ومنهم ناشروا الرحمة ومنهم الناصر لرسول الله والأئمة من بعده وآخرهم إمام آخر الزمان وهو وعد واقع قال تعالى هنا { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ – المرسلات 1-7 }

وورد في التفاسير  لذلك مايلي  :

[ أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال: هي الملائكة، أرسلت بالمعروف.

وأخرج ابن جرير من طريق مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال: الملائكة.
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الرياح ثمان: أربع منها عذاب، وأربع منها رحمة، فالعذاب منها العاصف و الصرصر و العقيم و القاصف ، والرحمة منها الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات. فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب، ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب، ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب، فتدر كما تدر اللقحة، ثم تمطر، وهي اللواقح، ثم يرسل الناشرات فتنشر ما أراد “.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق أبيّ العبيدين أنه سأل ابن مسعود { والمرسلات عرفاً } قال: الريح { فالعاصفات عصفاً } قال: الريح { والناشرات نشراً } قال: الريح { فالفارقات فرقاً } قال: حسبك.

وأخرج ابن راهويه وابن المنذر وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب والحاكم وصححه عن خالد بن عرعرة رضي الله عنه قال: قام رجل إلى عليّ فقال: ما العاصفات عصفاً. قال: الرياح.

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما { والمرسلات عرفاً } قال: الريح { فالعاصفات عصفاً } قال: الريح { فالفارقات فرقاً } قال: الملائكة { فالملقيات ذكراً } قال: الملائكة.

وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما { والمرسلات عرفاً } قال: الملائكة { فالفارقات فرقاً } قال: الملائكة، فرقت بين الحق والباطل { فالملقيات ذكراً } قال: الملائكة بالتنزيل.

وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال: الريح { فالعاصفات عصفاً } قال: الريح { والناشرات نشراً } قال: الريح.

وأخرج عبد الرزاق وعبد حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { والمرسلات عرفاً } قال: هي الريح { فالعاصفات عصفاً } قال: هي الريح { فالفارقات فرقاً } يعني القرآن ما فرق الله به بين الحق والباطل { فالملقيات ذكراً } هي الملائكة تلقي الذكر على الرسل، وتلقيه الرسل على بني آدم عذراً أو نذراً. قال: عذراً من الله ونذراً منه إلى خلقه.

وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً } قال: الملائكة.

وأخرج ابن جرير عن مسروق { والمرسلات عرفاً } قال: الملائكة.

وأخرج عبد بن حميد وابن الشيخ في العظمة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه { والمرسلات عرفاً } قال: هي الرسل ترسل بالمعروف { فالعاصفات عصفاً } قال: الريح { والناشرات نشراً } قال: المطر { فالفارقات فرقاً } قال: الرسل.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من وجه آخر عن أبي صالح { والمرسلات عرفاً } قال: الملائكة يجيئون بالأعارف { فالعاصفات عصفاً } قال: الريح العواصف { والناشرات نشراً } قال: الملائكة ينشرون الكتب { فالفارقات فرقاً } قال: الملائكة يفرقون بين الحق والباطل { فالملقيات ذكراً } قال: الملائكة يجيئون بالقرآن والكتاب عذراً من الله أو نذراً منه إلى الناس وهم الرسل يعذرون وينذرون. – الدر المنثور للسيوطي ] .

وفي تفسير البرهان :

[ قوله تعالى: { وَٱلْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً }- إلى قوله تعالى-{ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } [1- 27]
11294/ [1]- علي بن إبراهيم، قال : الآيات يتبع بعضها بعضا، { فَٱلْعَاصِفَاتِ عَصْفاً } قال: القبر{ وٱلنَّاشِرَاتِ نَشْراً } قال: نشر الأموات { فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } قال: الدابة { فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ذِكْراً } قال: الملائكة. – البرهان للسيد هاشم البحراني ]

 

وأما :

(عرفا)

والعرف ضد النكر كما أن المعروف ضد المنكر قال تعالى { وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون – يوسف 58 } والإنكار على ذلك جهل بالشيئ مع شك أي أنه رفض مقترن بشك في الأمر كما حدث في واقعة إخوة يوسف وخولهم عليه عليه السلام و يكون الإنكار على ذلك لبعض ما أنزل الله في إمامة أهل البيت عليهم السلام مع الشك وعد اليقين في رفض إمامتهم  لذلك قال تعالى { وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ – الرعد 36 } وبعضه إمامة أهل بيت النبي عليهم السلام والتي حذر الله تعالى وأنذر من تركها وهى بعضاَ مما أنزل الله قال تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون – المائدة 49 }

وأول من سيعرفه أهل الكتاب هو النبي صلى الله عليه وآله الذي قال تعالى فيه { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون – الأنعام 20 }  وأهل الأعراف هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الشهود على الأمة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) و الذين يعرفون كلاً من أهل الجنة فيشهدون لهم وأهل النار يشهدون عليهم كما في قوله تعالى { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ  -الأعراف 44-51 } .

وفي آخر الزمان مع بعثة إمام آخر الزمان ونبي الله عيسى عليهما السلام تظهر علامات في السماء  سيعرفها الناس بغير عالم وبغير فقيه قال تعالى { وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون – النمل 93 } . وكل هذه الأحداث بالتالي من بعثة نبي يعرفه أهل الكتاب وأئمة يشهدون على الناس وعلامات الساعة وظهور علامات سيعرفها الناس كلها موكول بها ملائكة قال تعالى فيهم هنا { والمرسلات عرفا } .

ثم يقول تعالى :

  • فالعصافات عصفا (2)

[ والعصف وعصف : الحسي فيه حطام البيت المتكسر والعاصف ما يحطمه وعصف الريح كضرب وتذكر صفتها وتؤنث عاص عاصفة – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الصاد والفاء ] . قال تعالى { هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين – يونس 22 } .

وهذه الريح العاصف كعقوبة على الأمم الظالمة موكل بها نبي الله سليمان إلى يوم القيامة لورود هذه الاية في كتاب الله والتي ستستمر مابقى كتاب الله وإلى يوم القيامة قال تعالى { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين – الأنبياء 81 }

وهذه الريح غدوها شرقاً ورواحها غرباً حول العالم في شهر قال تعالى لذلك { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير – سبأ 12 } .

[ والعصف : الحطام المتكسر ] وكان من هذا العذاب الطير البابيل التي ارسلها الله تعالى على جيش إبرهة عندما أراد هدم بيت الله الحرم قال تعالى { فأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول – الفيل } وبالتالي القسم هنا بالعاصفات عصفاً الملائكة الموكول لها تدمير القرى الظالمة بالريح القاصف العاصف ومعهم نبي الله سليمان عليه السلام الموكول له الريح  بنص الآية الكريمة { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين – الأنبياء 81 }

ومن هذه العواصف القواصف وعد وعده الله تعالى لقريش الآخرة وعاد الآخرة قال تعالى بعد ذكر كفر قريشاً الأولى { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ– فصلت 5 } قال تعالى بعد ذلك { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم  – فصلت 9-12 }

ثم قال تعالى عن قريش الآخرة وعاد الآخرة وهما أمتان ستسيران على نهج عاداً الأولى وثمود الأولى في الكفر بالله تعالى والظلم وهنا قال تعالى فيهما { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ – فصلت 13} ولذلك يدعوا عليهم النبي قائلاً [ عن عبد الله بن عباس : اللهم كما  أذقت أول قريش نكالاً فأذق آخرها نوالاً  – أخرجه الترمذي (3908) واللفظ له، وأحمد (2170) ] . [ ونوالا : أعطاه نوالاً أي نصيبًا ونال وصل لطلبه ] المعنى هنا ينالونه من ثواب وعقاب بما اختاروه لأنفسهم . ويرد لفظ نال وينالهم في كتاب الله في قوله تعالى : {  فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – الأعراف 37 } . وبمعتقدات مكذوبة على النبي في آخر الزمان هنا توعدهم الله عز وجل بصاعقة قال فيها { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ – فصلت 13} . وهذه الصاعقة تتم بواسطة ملائكة قال تعالى فيهم { والعاصفات عصفا} بالمفعول المطلق بم ينم عن شدتها الكبيرة كقوله تعالى في طهارة أهل البيت عليهم السلام وطهارتهم وذريتهم بالمفعول المطلق قال تعالى { ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 } .

 ثم يقول تعالى :

  • والناشرات نشرا (3)

[ والنشر : هو البسط والإنتشار وهو ضد طواه ] قال تعالى { وإذا الصحف نشرت – التكوير 10 } وقال تعالى أيضاً { خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر – القمر 7 } وقال تعالى

والنشر يكون رحمة من الله تعالى بعد هلاك الظالمين بالعصف وهذه الرحمة موكول بها ملائكة  قال تعالى { وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد  – الشورى 28 } وبهذه الرحمة يحى الله تعالى الأرض بعد موتها قال تعالى { والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون –الزخرف 11 } وكما ينبت الزرع كذلك النشور يوم القيامة قال تعالى { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ كَذَٰلِكَ النُّشُورُ – فاطر 9 } . ولذلك قال تعالىى هنا عن نشر حمة الله في الدنيا بواسطة ملائكة ونشور البشر من بعد الموت { والناشرات نشرا } .

ثم يقول تعالى :

  • فالفارقات فرقا (4)

[ وفرقت بين الشيئين : فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة

و فِرق : الفِرق : القطعة من الماء منفصلة و مرتفعة. ﴿ فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم – الشعراء 63 ﴾  و الفرق : القسم من كل شيء . و القطيع الكبير من الغنم . فرق الفرق يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق، والفرق يقال اعتبارا بالانفصال. قال تعالى: ﴿وإذ فرقنا بكم البحر – البقرة 50 ﴾  ، والفرق : القطعة المنفصلة، ومنه : الفرقة للجماعة المتفردة من الناس، وقيل : فرق الصبح، وفلق الصبح. قال: ﴿فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم – الشعراء 63 ﴾  ، والفريق : الجماعة المتفرقة عن آخرين، قال: ﴿وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب – آل عمران 78 ﴾  ، ﴿ ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون – البقرة 87 ﴾  ، ﴿فريق في الجنة وفريق في السعير – الشورى 7 ﴾  ، ﴿إنه كان فريق من عبادي – المؤمنون 109﴾  ،   ﴿وتخرجون فريقا منكم من ديارهم – البقرة 85 ﴾  ، ﴿وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون – البقرة 146 ﴾  ] .

ومن هنا الفرقان هو القرآن الكريم الذي فصل الله تعالى به بين الحق والباطل قال تعالى { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا – الإسراء 106 }

وتبارك الذي نزل الفرقان ليكون للناس نذيرا قال تعالى { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا – الفرقان 1 }

وقد أمر الله تعالى بالإعتصام بهذا الكتاب ونهى عن التفرق عليه ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وولايتهم الحق قال تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون  -آل عمران 103 }

وإذا كان الإعتصام بكتاب الله هو ولايته تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله  فإن الله تعالى بين أن الوصية التي أوصى بها نبي الله نوحاً وإبراهيم عليهما السلام هى نفسها في أمة محمد صلى الله عليه وآله وهى جزء من شرع الله والخروج عليها عملاً بالهوى شرك قال تعالى { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورى 13-15 } ولذلك قال نبي الله موسى في دعائه لما عمل قومه بالهوى وعبدوا العجل { قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين – المائدة 25 }

وبالتالي إن توحدت الأمة على ولاية أهل بيته عليهم السلام عملاً بقوله تعالى وما نزل في أمير المؤمنين علي عليه السلام بغدير خم { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة } لنزلت عليهم الملائكة بالنصر والفرقان بينهم وبين أهل الباطل ولذلك يقوول تعالى { لو تزيلو لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما- محمد } والتزيل بالمعتقد و السكنى بالخروج من بين أظهر المشركين حتى يفرق الله تعالى بين الحق وأهله والباطل وأهله قال تعالى { والفارقات فرقا} وهى تنزل في يوم ملحمة كيوم بدر الذي قال تعالى فيه { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىٰ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ   – الأنفال 41-42 } وبهذا الفرقان تنزل من السماء ملائكة تفرق بينهم ليحيي الله من حيا عن بينه ويهلك من هلك عن بينه كما أخبر القرآن الكريم بذلك في كتابه الفرقان الذي قال تعالى فيه {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا – الفرقان 1 } .

ثم يقول تعالى :

  • فالملقيات ذكرا (5)

والملقيات ذكرا ملائكة الله تعالى التي تنزل بالذكر والوحي ومنهم سيدنا جبريل عليه السلام لقوله تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون – الأنبياء 50 } وهذا الذكر نزل به الروح الأمين كما فيقوله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ – الشعراء 192-195 } وهذا الذكر مبارك يبارك الله تعالى كل من آمن وعمل به قال تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون – الأنبياء 50 } والذين كفروا أنكروا هذا التنزيل قال تعالى { ءألقى الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر – القمر 25-26 } ومن هنا يبين تعالى أن القرآن المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله فيه فرقاناً بين الحق والباطل قال تعالى هنا { فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا } .

وأما :

(فالملقيات)

والملقيات هنا هى المللائكة تلقي الذكر بعد تلقيه من الله تعالى لقوله تعالى { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم – النمل 6 }  ويقول تعالى { رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق – غافر 15 } وهذه الروح يقوم بها رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته من بعده الذين هم أهل الذكر  وهذا هو القول الثقيل الذي قال فيه تعالى  { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا – المزمل 5 } ولا ينفع يوم القيامة وهو اليوم القيل الذي قال تعالى فيه { إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا – الإنسان 27 } إلا لقول الثقيل وهو القرآن الكريم والعمل بأحكامه لذلك يقول تعالى عن هذا القول الثقيل يوم القيامة { وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون – الجاثية 28 } وهذه الكتب السماوية وخاتمها القرآن الكيم هنا هو القول الثقيل ولا ينفع أو ينجي من عذا يوم القيامة غيره .

وأما :

(ذكرا)

وهذا الذكر هو القرآن الكريم لقوله تعالى { وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون – الأنبياء 50 } وهذا الذكر له مبين وهو النبي صلى الله عليه وأهل بيته أهل الذكر لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون – النحل 43-44} ومن تولى هؤلاء بهذه الولاية لله الحق وهى له تعالى ولرسوله وأهل بيته من بعده فهؤلاء هم الذين سيرثون الأرض بعد هلاك الظالمين قال تعالى { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون – الأنبياء 105 } . ويبدأ هذا الفرقان بألقاء الذكر على رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى هنا { فالملقيات ذكرا }

ثم يقول تعالى :

  • عذراً أو نذرا (6)

[ قوله تعالى: { عُذْراً أَوْ نُذْراً } أي أعذركم و أنذركم بما أقول، وهو قسم و جوابه { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِعٌ } ،- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا :

(عذرا)

و [ العذر : محو الإساءة وطمسها بالحجة ولا عذر لأحد بعد أن أودع في الإنسان بصيرة يعرف بها الخير والشر بغير أنبياء وكذلك بنزول القرآن وخروج بيان لهذا الكتاب مع إمام آخر الزمان انتفت معاذيرهم لذلك يقول تعالى  قال تعالى { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لَا وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ  – القيامة 6-19 } . وبعد العقل والبصيرة و النقل عن كتاب الله تعالى المنزل على رسوله صلى الله عليه وآله لا عذر لأحد في موته على كفر أو نفاق أو فسوق وعصيان فلا يؤذن لهم بالإعتذار { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون – المرسلات 35-36 } و كما لا تنفع هؤلاء شفاعة ولا يؤذن لهم في الإعتذار كذلك لن يقبل لهم معذرة كما في قوله تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57} وقال تعالى أيضاً { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار – غافر 52 } .

وأما :

(أو نذرا)

والنذر جمع إنذار

والإنذار : إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور.  وقد نذرت. أي: علمت ذلك وحذرت   قال تعالى: ﴿فأنذرتكم نارا تلظى – الليل 14 ﴾  ، والأنذار تأت به رسل الله تعالى إلى قومهم كقوله تعالى في قوم عاد ، ﴿ واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم – الأحقاف 21 ﴾  ، وقال تعالى في قوم فرعون ﴿ولقد جاء آل فرعون النذر –القمر 41 } ﴾ وقال تعالى في أمة ثمود { كذبت ثمود بالنذر – القمر 23 } وعن قوم لوط يقول تعالى { كذبت قوم لوط بالنذر – القمر 33 }

ويبين تعالى أن في السماوات والأرض آيات داله بالعين تدل على أنه الخالق سبحانه وتعالى المستحق للعبادة وهذه الآيات لن تهدي قوم كفروا به تعالى كما في قوله عز وجل { قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون – يونس 101 } ويبين تعالى أنه بعث في أ/ة العرب نبياً بنذر من النذر الأولى قال تعالى فيه { هذا نذير من النذر الأولى – النجم 56 }

والنذير: المنذر هنا هو رسول الله صلى الله عليه وآله  قال تعالى فيه   ﴿إني أنا النذير المبين –الحجر 89 ﴾  ،وقال تعالى  ، ﴿وجاءكم النذير – فاطر 37 ﴾  وهذا الإنذار الذي بعث به النبي صلى الله عليه وآله للناس كافة قال تعالى، ﴿نذيرا للبشر –المدثر 36 ﴾ . وهذا الإنذار لم يبعث ب نبياً من العرب من أبناء نبي الله إسماعيل عليه السلام قبل لينذرهم كما في قوله تعالى ﴿لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون – يس 6 ﴾ .

والإنذار هنا للعرب وقريش إنذارين الأول قال تعالى فيه  ﴿لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع – الشورى 7 ﴾ .

 وهذا الإنذار إنذارين

الأول :

يبدأ بعذاب قريب يلحق بهم الموت بجهنم فإذا بعثوا من بعد الموت قالوا ياليتنا كنا ترابا كما في قوله تعالى : { إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا – النبأ 40 } وقريباً أي قريب من موته صلى الله عليه وآله قبل رحيله عن الدنيا وبعد ذلك لقوله تعالى { ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد – الرعد 31 }

 والعذاب الثاني :

آخر الزمان يلقى عليهم بكفرهم وفسوقهم وحربهم لله تعالى ورسوله في أهل بيته عليهم السلام والمؤمنين فيلقى عليهم ما يشبه القنبلة النووية الآن قال تعالى ﴿فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13﴾ وهنا (مثل) أي ليست صاعقة إلهية من الله بل من الله تبارك وتعالى أيضاً ولكنها من صنع بشر من بني آدم تتشابه مع صواعق الله تعالى التي نزلت على قوم عاد وثمود لذلك قال تعالى { ممثل صاعقة ععاد وثمود} ومثل من صنع بشر لأن لفظ (مثل) ورد في قوله تعالى عن صناعات المراكب الحديثة {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلم المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون – يس 41-42}  وخلقنا الله هو الخالق لأنها من صناعة بشر بعقول بشر الله تعالى خالقهم فنسب الصناعات الحديث لذه له تبارك وتعالى  .

ثم يقول تعالى :

  • إنما توعدون لواقع (7)

وهنا :

(إنما)

أداة حصر وردت في حصر الولاية لله تعالى ورسوله صلى الله عليه و للإمام علي و أهل البيت عليهم السلام  قال تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55} وللمشككين في الآية ورد هذا اللفظ في أهل بيت النبي صراحة الذين قال تعالى فيهم {     إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا – الأحزاب 33 }

والدليل الأكبر أن أداة الحصر هنا المقصود منها الإمام علي عليه السلام ما نزل فيه وفي أهل البيت عليهم السلام  {  ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 }

والذين تفرقوا على هذه الولاية فقد فرقوا يدنهم وتحولوا شيعاً قال تعالى فيهم  { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون – الأنعام 159 } وبالتالي وعد الله هنا بالنصر والغلبة لمن تولوا الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام في الدنيا والجنة في الآخرة وممن ناوءهم وعاداهم وقاتلهم فالله تعالى ضرب عليه الخززي ةالعذاب في الدنيا والآخرة وهذا وعد من الله تبارك وتعالى قال فيه  { إنما توعدون لصادق – الذاريات 5 } وهو وعد واقع لا محالة قال تعالى فيه { إنما توعدون لواقع – المرسلات }

 وأما :

(توعدون لواقع)

وهنا وعود الله تعالى في الدنيا والآخرة

أولاً عن وعد الله تعالى في الآخرة :

فقد وعد الله تعالى المؤمنين والمؤمنات مغفرة وأجراً عظيما قال تعالى { وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم – المائدة 9 } وهذا الأجر هو الجنة كما في قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا – النساء 122 } ووعد الله تعالى أيضاً المنافقين والكافرين نار جهنم كما في قوله تعالى { وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم – التوبة 68 }  وهنا أعلن كفار قريش ومن انتهج نهجهم في الحياة الدنيا  بأن هذه الوعود اساطير الأولين قال تعالى { لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين – النمل 68 } وهنا توعدهم الله تعالى بالهلاك في الدنيا ثم دخول النار فقالوا { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين – النمل 71 }  وهنا قال الله تعالى لهم { قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا – الجن 25 } ولكن يبين الله تعالى أنه سيوفيهم حقهم في الحياة الدنيا وسيتركهم يتمتعون فيها سنين قليلة ثم يأتيهم وعد الله تعالى بعذاب في الدنيا ثم الآخرة قال تعالى  { أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جائهم ما كانوا يوعدون – الشعراء 205-206 } ثم يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله والمؤمنين { فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون  -الزخرف 83 } .

فلما أهلكهم الله تعالى ثم بعثوا من بعد الموت قالوا ياويلنا قال تعالى { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون – يس 52 } ولما بعث الله تعالى المؤمنين ورأوا الجنة والنعيم المقيم حمدوا الله تعالى على ذلك كما في قوله تعالى { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين – الزمر 74 } وهنا تقول لهم الملائكة { هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ – ق 32-35 } .

وهذه الوعود واقع سيقع في الآخرة على كلا الفريقين المؤمنين والكافرين بوعد وعده الله تعالى لهم قال تعالى فيه { إنما توعدون لواقع } ووعد الله صدق قال تعالى { إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع – الذاريات 6} .

ثانياً وعد الله تعالى في الدنيا للمؤمنين والكافرين :

وهنا يبين تعالى أنه وعد المؤمنين بالإستخلاف في الأرض بعد هلاك الظالمين قال تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور 55 }  وهو عد آت قال تعالى فيه { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين – الأنعام 134 }

ومن هذه الوعود وعد بهلاك الظالمين من بني إسرائيل آخر الزمان وقال تعالى في ذلك { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء }

وهذه وعود الله تعالى ولن يخلف الله وعده كما في قوله تعالى { وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الروم 6 } .

وأما :

(لواقع)

[ قَعَّ : (فعل) قَعَّ قَعًّا قَعَّهُ : اجْتَرَأَ علَيْهِ بالكلام و أَوقَعَ : (فعل) أوقعَ / أوقعَ بـ يُوقع ، إيقاعًا ، فهو مُوقِع ، والمفعول مُوقَع أَوْقَعَ المُغَنِّي : بَنَى أَلحانَ الغِناء على مَوقِعها وميزانها و أَوْقَعَ فلانٌ بالأَعداء : بالَغَ في قتالهم و أوقعَ الشَّيءَ: أَسقطه ، جَعَله يقع و أوقع الإناءَ فانكسر و أوقع الرُّعبَ في قلبه : ألقاه و أوقع به : دبَّر له مكيدة ، أصابه بمكروه و أوقع العقوبةَ على المذنب: فَرَضها، أَوْجبها، حكم بها و أوقع القاضي حكمًا على القاتل أوْقَعَهُ فِي الْمِصْيَدَةِ: جَعَلَهُ يَقَعُ فِيهَا، يَسْقُطُ فِيهَا أوْقَعَهُ فِي شِبَاكِهِ أوْقَعَ بِالعَدُوِّ  و أوْقَعَ بِهِ الدَّهْرُ : جَعَلَهُ يَعِيشُ فِي وَطْأتِهِ وَشِدَّتِهِ و أوْقَعَهُ فِي الخَطَإِ : أضَلَّهُ، خَدَعَهُ و أوْقَعَ بِهِ شُرُوراً لَمْ يكُنْ يَتَوَقَّعُهَا : أنْزَلَهَا بِهِ أوقعه في شباكه: أغراه ] .

والوقوع يأت على عذاب من الله تعالى على الظالمين قال تعالى فيه { إن عذاب ربك لواقع – الطور 7 } وهذا العذاب وعد والله صادق بأن يحاكم كل إنسان بعدله وما يدين به لله أو لغير الله تعالى كما في قوله تعالى { إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع – الذاريات 5-6 } ويبدأ هذا العذاب قريباً من موت النبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ – المعارج 1-3 } .

وهنا في سبب نزول الآية : [لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغدير خم ما بلغ، وشاع ذلك في البلاد ، أتى الحارث بن النعمان الفهري وفي رواية أبي عبيد: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري فقال: يا محمد ! أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وبالصلاة، والصوم ، والحج، والزكاة ، فقبلنا منك، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شي منك أم من الله؟! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والذي لا إله إلا هو إن هذا من الله. فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر ، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله تعالى : (سأل سائل بعذاب واقع . .) الآية . أورده كلاً من – 1 – الحافظ أبو عبيد الهروي المتوفى بمكة 223 هـ في تفسيره ( غريب القرآن ) 2 – أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي المتوفى 351 هـ في تفسيره ( شفاء الصدور ) 3 – أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري التوفي 427 هـ في تفسيره ( الكشف والبيان ) 4 – الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب ( أداء حق الموالاة ) 5 – أبو بكر يحيى القرطبي المتوفى 567 هـ في تفسيره 6 – شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 هـ  في تذكرته 7 – شيخ الإسلام الحمويني المتوفى 722 هـ روى في فرائد السمطين في الباب الثالث 8 – شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ] .

ثم يبين تعالى وعده بعذاب آخر الزمان يبدأ من بعد موته صلى الله عليه وآله وفي آخر الزمان يبدأ ببعثة إمام يكون في زمانه نهاية أجل الظالمين في الوعد الثاني والآخر لأ،ه قال تعالى فيهم { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } و العذاب الثاني كما بينا يبدأ ببعثة إمام آخر الزمان وهذا الإمام هو الدابة التي تكلم عليها القرآن الكريم في قوله تعالى { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون – النمل 82 }

وهنا كان أمير المؤمنين جالساً يأكل تمراً وعسل فلما سأله أحد الصحابة عن الاية فقال إنها دابة تأكل التمر والعسل ورد في الكافي : [عن الباقر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام ولقد أعطيت الست علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب وإنّي لصاحب الكرات ودولة الدول وانّي صاحب العصا والميسم والدابّة التي تكلّم الناس ». وعن الصادق عليه السلام قال : « قال رجل لعمّار بن ياسر : يا أبا يقظان إنّ آية في كتاب الله أفسدت قلبي وشككتني. فقال وأيّة آية هي ؟ قال قوله عزّوجلّ ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ … ) فأيّة دابّة هذه ؟ قال عمّار : والله ما اجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى اُريكها. فجاء عمّار مع الرجل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال : يا أبا اليقظان هلمّ فاقبل عمّار وجلس يأكل معه فتعجّب الرجل فلمّا قال عمّار قال الرجل : سبحان الله انّك حلفت أن لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتّى تُرينى الدابّة ؟ قال عمّار قد أريتكها ان كنت تعقل ».]

ويقول تعالى في هذا الإمام آخر الزمان من أهل بيت النبي عليهم السلام  : {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ – يونس 46 – 53 }

وهذا وعد واقع بهم قال تعالى فيه {إنما توعدون لواقع – المرسلات 7 } وتنتهي هذه الوقائع بواقعة يوم القيامة التي قال تعالى فيها { إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباءاً منبثا- الواقعة } .

وبعد ذلك لا يكونأمام الظالمين إلا النار والمؤمنين الجنة وهذا وعد وعده الله تعالى لبنيآدم قال تعالى فيه { ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير – الشوورى 22 } .

ولذلك بدأت الآيات بعد ذلك تتكلم عن يوم الواقعة التي قال تعالى فيها { إذا وقعت الواقعة }

يقول تعالى هنا في تفصيل هذه الواقعة :

  • فإذا النجوم طمست (8)

وهنا :

(فإذا النجوم)

أي أنه يقول تعالى { وإذا النجوم انكدرت – التكوير 2 } [ وانكدرت : انحدرت وتساقطت وقيل أظلمت وذهب نورها – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الدال والراء ]  ويبدأ تناثرها وتساقطها بطمسها كما في قوله تعالى هنا { فإذا النجوم طمست } .

وأما :

(طمست)

[ قوله تعالى: { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } قال: يذهب نورها و تسقط – قال: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله: { فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } ” طمسها: ذهاب ضوئها ” و أما قوله: إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ يقول: ” منتهى الأجل “.

– علي بن إبراهيم : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } قال: تنفرج و تنشق { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } أي تقلع – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وفي تفسير الدر المنثور : [وأخرج ابن المنذر عن الضحاك { فإذا النجوم طمست } قال: تطمس فيذهب نورها.- الدر المنثور للسيوطي ] .

 

وطمس النجوم مرحلة قبل انفراج السماء والتي قال تعالى فيها { فإذا النجوم طمست وإذا السماء انفرجت – المرسلات 8-9 } و [ الطمس يكون إما للعين وهو ذهاب بصرها والوجوه وقلبها على أنها الجوارح والوجوه والطمس للوجهاء والروؤساء قلب حالهم وطمس النجوم ذهاب ضوءوها – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل الميم والسين ] .

وطمس العين ذهاب ضوءها كقوله تعالى { ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذووقوا عذابي ونذر – القمر 37 } والطمس هنا لأعينهم كان بواسطة ملائكة العذاب من قبل الله تعالى لإهلاك قوى قوم لوط وبعد طمس أعينهم تم طمس قراهم وقلبها رأساً على عقب برفعها للسماء ثم قلبها وتناثرها على الأرض .

ويبدأ الطمس آخر الزمان بملاحم وردت في  كتب السنن عن النبي صلى الله عليه وآله وتفاصيلها مع الروم والدجال تنزل في هذه الملاحم ملائكة لهلاك الدجال وأعوانه ممن آمنوا به ونصروه وصدقوه ولذلك قال تعالى هنا في السورة { فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ  وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ  وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ –المرسلات 8 -19 } وكما طمس الله تعالى أعين قوم لوط قبل هلاكهم كذلك توعد مجرمي آخر الزمان ممن تحالفوا مع الدجال الآكبر وآمنوا  به وصدقوه فقال تعالى لهم متوعداً { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا – النساء 47 } .

وهذا الطمس يكون مع الساعة أو قريب منها و التي تبدأ بملاحم الروم .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا السماء فرجت (9)

وهنا :

(وإذا السماء )

وانفراج السماء هنا هو المرحلة الرابعة من مراحل تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وذلك لأن هذه المراحل كما يلي :

  • مرحلة أولى : تتحول فيها السماء إلى اللون الأحمر كالمهل ثم تبدأ في الإنصهار كالمعادن قال تعالى { يوم تكون السماء كالمهل – المعارج 8 } .
  • مرحلة ثانية : اضطراب السماء وتحركها : قال تعالى { يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا – الطور 9-10 } .
  • مرحلة ثالثة : بداية تشقق السماء و تصدعها بعد اضطرابها قال تعالى { وإذا السماء انفطرت – الأنفطار 1 } و [ انفطرَ ينفطر ، انفطارًا ، فهو مُنفطِر انْفطَرَ الشيءُ : انشقّ و اِنْفَطَرَ قَلْبُهُ حُزْناً : تَصَدَّعَ، وَاهْتَزَّ فَطَرَ: (فعل) فطَرَ يَفطُر ، فَطْرًا ، فهو فاطِر ، والمفعول مَفْطور فطَر الشَّيءَ : اخترعه، أوجده، أنشأه، ابتدأه ] أي أن الإنفطار بداية التشقق تعقبة مرحلة الإنفراج وهى أكثر اتساعاً من  إنفطارها .
  • مرحلة رابعة : إنفراج السماء والتي قال تعالى فيها {وإذا السماء فرجت – المرسلات 9 }
  • مرلاحلة خامسة : تشققها هو اتساع الإنفراج إلى تشقق قال تعالى فيه { وانشقت السماء فهى يومئذٍ واهية – الحاقة 16 } .
  • مرحلة سادسة : كشط السماء لقوله تعالى { وإذا السماء كشطت – التكوير 11 } وكشطها مرحلة تؤدي إلى إزالتها وتبدلها كما في قوله تعالى { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزو لله الواحد القهار – إبراهيم } .

وأما :

(فرجت)

و [فرَج بين الشَّيئين :جعل بينهما فُرْجةً أو شقًّا وسَّع بينهما و فَرَجَ الْبَابَ : فَتَحَهُ و فَرَجَ الْغُرْفَةَ : وَسَّعَهَا ] .  وبالتاي الفروج فتحات قال تعالى { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج – ق 6 } والفروج جمع فرج كقوله تعالى في فروج الرجال والنساء { والذين هم لفروجهم حافطون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين – المؤمنين } وبالتالي فروج السماء هنا في قوله تعالى { وإذا السماء فرجت } فتحات فيها مختلفة الأحجام بين الكبير والصغير وهو بداية لتصدعها ثم انشقاقها و كشطها وتبدلها  .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الجبال نسفت (10)

وهنا :

(وإذا الجبال)

أي أنه يقول تعالى هنا { وإذا الجبال نسفت } فإذا نسفت سارت بعد ان تصبح هباءاً منثورا قال تعالى لذلك  { وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ – التكوير 3 }

وأما :

(الجبال نسفت )

و هنا إذا كان الله تعالى يقول { والجبال نسفت } أي أنه بنسف الجبال تتحول إلى كثيباً مهيلا فيختل توازن الأرض كما في قوله تعالى { و يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعاً صفصا لا ترى فيها عوجاً ولا أمتى  – طه 105-106 }  . وبنسف الجبال ترجف الأرض كما في قوله تعالى { يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا – المزمل 14 } ورجفات الأرض لأنه تعالى جعل الجبال أوتاداً لحفظ توازن الأرض كما في قوله تعالى { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا والجبال أوتادا – النبأ 6-7} وهذه الأوتاد وردت على فرعون وصروحه التي بناها والتي هى الأهرامات كما في قوله تعالى { وفرعون ذي الأوتاد – الفجر} ولأنه قال تعالى عن الجبال  أوتاداً وتتصف بقاعدة عريضة ثم ترتفع إلى قمة مدببة ومن هنا نقول بأن الأوتاد هى الأهرامات التي بناها قوم عاد والفراعين من بعدهم ولما قال تعالى عن الجبال أنه تعالى سينسفها نسفا مع القيامة الكبرى { والجبال نسفت } فإن بداية القيامة يكون بدايتها نسف هذه الأهرامات وهو ما ورد في تفاسير أهل البيت عليهم السلام في تفسير سورة يوسف [ أن الإمام يهدمها لإستخراج كنوزها – البرهان للسيد هاشم البحراني  ] .

ثم يقول تعالى :

  • وإذا الرسل أقتت (11)

وهنا بالتقديم والتأخير لكي نعلم مراد الله تعالى من الرسل لابد للبحث عن مراده تعالى في لفظ أقتت ولذلك سنبدأ ببيان لفظ أقتت ثم الرسل

يقول تعالى :

(أقتت)

وأوقتت : [ حدد لها زمن معين ووقت محدد لوقوعها فيه والوقت مقدار من الزمن – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل القاف والتاء ]

و [ أُقِّتت:  جُعل لها وقت واحد قيل : هو يوم القيامة . أو جعل لها وقت واحد للفصل في القضاء بين الأمة. وقت الوقت: نهاية الزمان المفروض للعمل، ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو قولهم: وقت كذا: جعلت له وقتا ] .

[{ وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } الطبرسي، قال الصادق (عليه السلام): ” أقتت، أي بعثت في أوقات مختلفة –تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ]

وفي تفسير الدر المنثور : [ وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن إبراهيم النخعي في قوله: { وإذا الرسل أقتت } قال: وعدت., وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد { أقتت } قال: أجلت.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس { أقتت } قال: جمعت.- الدر المنثور للسيوطي ] .

قال تعالى في توقيت يوم القيامة والحساب والفصل بين الخلائق { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ – الحجر 34-38 } وقال تعالى { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ – ص  77-81 }

وهذا اليوم أقتت فيع الرسل للشهادة على قومهم كما في الآية هنا { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل – المرسلات } وهذا اليوم حدد له الله تعالى ميقاتاً قال فيه { إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا – النبأ 17-18} وهنا يتبين لنا أن هذا الميقات ممتد منذ نفخة الخلق الأولى والتي قام بها الكون والخلائق تتلوها نفخة الصور لإهلاك أفراد وجماعات وقبائل ودول وأم ظالمة فإذا اقتربت الساعة رفع عنهم العقاب لإضلالهم بظلمهم وحتى لا يعتقدوا أنه لا حساب ولا عقاب وهى فترة إمهال لهم حتى يرجعوا وفي هذه الفترة بين تعالى أنهم سيتركهم ويرفع عنهم النصرة والبركة وتتسلط هذه الأمم بعضها على بعض ويموج بعضا في بعض فيهلك بعضهم بعضاً بذنوبهم وبإذن الله تعالى وهذه فترة ظهور علامات الساعة الصغرى وغيبة الأئمة ورفع العلم ثم يرجعون إلى الله تعالى أفواجاً وجماعات قبائل ودول وعائلات ومناطق وفي أزمنة مختلفة بظلمهم ثم تكون النفخة الأخيرة للصورة والتي يجمعهم فيها الله تعالى جميعا بالمفعول المطلق فلا يغادر ولا ينجوا من العالم أحد قال تعالى { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا – الكهف 88} . وهنا يبين تعالى أنه قد جعل لكل أمة أجل ووقت للفصل بينهم قال تعالى فيه { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – يونس } ثم القيامة فلا ينجوا منها أحد كما في قوله تعالى { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا – الكهف 47} وذلك لأنه تعالى جمعهم جمعا وهو يوم القيامة و توقيته الذي لا يعلمه إلا الله تعالى له وهو وقت جمعهم الذي قال تعالى فيه { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين – الدخان 40 } .

وأما :

(وإذا)

أي إذا جاءت القيامة كما في قوله تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ – النازعات 34-41 } وقال تعالى { فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ  – عبس 33-42 } . وهذا هو يوم القيامة و الساعة وهى مرحلة ماقبل القيامة الكبرى هنا قال تعالى { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون – الأنعام 31 } والرسل هنا وقت الله تعالى خروجهم في كل زمن والمرهون بهم هلاك أمتهم أو نجاتها من عذاب الله تعالى في الدننيا والآخرة قال تعالى هنا { وإذا الرسل أقتت } .

وأما :

(الرسل)

وهنا يبين الله تعالى أنه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس قال تعالى { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير – الحج 75 } ورسل الملائكة لسكان السماء و من الناس لأهل الأرض لقوله تعالى { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال – الرعد 15 } ومن هذه الملائكة رسلاً تنزل على أنبياء الله تعالى في الأرض كالروح الأمين وكتتبه الأعمال ورقيب وعتيد وفي الآخرة لأنها دار جزاء هذه الرسل لخدمة المؤمنين أو لعذاب الكافرين . وفي كل زمان ولكل أمة بعث الله تعالى فيهم رسلاً واحدا تلو الآخر تترى كما قال تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 }

ثم يختم الله تبارك وتعالى النبوة نهائياً استعداداً للقيامة الكبرى بالنبي محمد صلى الله عليه وآله و الرسالة صنفين رسالة الله إلى الناس بالنبوة والكتاب وهذه قد ختمت به أيضاً صلى الله عليه وآله ورساله خاصة بفهم وبيان لشرع الله تعالى وتأويل الكتاب يقوم به أئمة أهل البيت عليهم السلام به تنزل الملائكة وبه تأت النصرة وبمخالفته الهلاك وبين النبوة والرسالة يقول عز وجل :  { ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين – الأحزاب } ولاحظ هنا قوله تعالى خاتم النبيين وليس المرسلين وذلك لأنه تعالى قد جعل رسالته لأئمة أهل البيت من بعده لينذروا الأمة ويهدونهم إلى الصراط المستقيم ولن يعذب الله تعالى أمة إلا بعد بعثة إماماً من أهل بيت النبي عليهم السلام قال تعالى { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء 15 } وقال تعالى أيضاً {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 } . وهل هناك رسل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فلا يقول بذلك إلا مجنون أو معتوه ولكنها الإمامة التي قالها النبي للإمام علي عليه السلام في حديث المنزلة [عن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعلي : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ) . متفق عليه  ] .

وبالتالي أجل الأمة كلها مرتهن ببعثة إماماً من أهل بيت النبي عليهم السلام على المستوى العام قال تعالى لذلك { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ ۚ آلْآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ  -يونس 46-53 } . وعلى المستوى الخاص ظلم أياً منهم يوقع البلاء على ظالميهم قال صلى الله عليه وآله [ عن علي أبي طالب يقول : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: نحن بنو عبد المطلب ما عادانا بيت إلا وقد خرب ، وما عادانا كلب إلا وقد جرب، ومن لم يصدق فليجرب – البحار ج 107 ص 31  ] . ومن خلا فهم هذه القاعدة الدقيق للأمم قبل بعثة النبي بالفعل كانوا يتطيرون منهم أي يتشاءمون وذلك لأنهم كلما كادوهم شيئاً ارتد عليهم فاعتبروا تواجدهم وحديثهم طيرة يتطيروا بها .

وفي آخر الزمان وعد الله تعالى بظهور دين الإسلام على كل الديانات وهو من علامات الساعة قال تعالى {  هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا – الفتح 28 } وقال تعالى أيضاً { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون – الصف }

وكل هذه الأحداث من بعثات الأنبياء والمرسلين ثم الأئمة ثم القيامة لها رسلها التي وقت الله تعالى لها الآجال فغذا بعثهم الله تعالى فلا يمكن لأمة أو للعالم أن يتقدم أو يتأخر قال تعالى لذلك هنا { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذٍ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات 11-17 } .

ثم يقول تعالى :

  • لأي يوم أجلت (12)

وهنا :

(ل)

أي أنه من خلال هذا الحرف يبين الله تعالى لنا أنه يوم الجمع الذي قال تعالى فيه {ربنا إنك جامع الناس ل يوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد – آل عمران 9 } وهذا هو يوم المحكمة الكبرى التي قال تعالى فيه { ونضع الموازين القسط ل يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين – الأنبياء 47 }

وأما :

( أي)

وهنا يسأل الله تعالى الكفار والمنافقين من الإنس والجن في  استنكار على كفرهم بنعم الله تعالى فيقول عز وجل  { فبأي آلاء ربكما تكذبان – الرحمن 16 }

فإذا كان يوم القيامة وهو وقت شهادة الرسل الذين قال تعالى فيهم  { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت} وفي هذا اليوم الله تعالى ورسله شهداء على الخلق قال تعالى { قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم  – الأنعام 19 } وفي هذا اليوم توعد فيه الله تعالى الظالمين قائلا { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون – الشعراء 227 } وفي هذا اليوم يسأل الله تعالى القتلة والمقتولين { وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت – التكوير 8-9 } .

وأما :

(يوم)

اليوم هو يوم القيامة لقوله تعالى { الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا – النساء 87 } وهذا هو اليوم الذي أقتت فيه الرسل للشهادة وهو يوم الدين الذي يحاسب الله تعالى فيه كل إنسان على ما دان به نفسه في الدنيا قال تعالى {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب – المائدة 109 }

وفي هذا اليوم  يطمع نبي الله إبراهيم غفران ذنوبه من الله تعالى كما في قوله تعالى ليعلم أمته بأن يلتزموا بهذا الدعاء في الدنيا كما فيقوله تعالى { والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين – الشعراء 82 } وفي هذا اليوم تبيض وجوه وتسود وجوه قال تعالى { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 }

والمؤمنين مصدقين بهذا اليوم ويعملون له الأعمال الصالحة كما في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ – المعارج 26-35 } .

وفي هذا اليوم يكون حساب إبليس وحزبه ونهاية الوقت الذي أمهله الله تعالى له قال تعالى { وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين – ص 78 } وأما عن حزبه الملعونين المكذبين بهذا اليوم ممن أنكره أو لم يعمل الصالحات لهذا اليوم قال تعالى { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ وَقَالُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ  وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ – الصافات 11-24 } .

واليوم يأتي على يوم نزول العذاب في الدنيا على الظالمين قال تعالى { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون – هود 8 } . وهذا العذاب لا ينزل بأمة إلا بعد بعثة رسول منهم يقيم عليهم الحجة قال تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا – الإسراء } ويوم هلاكهم هنا موقت له وقت لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون وبداية يوم القيامة أحداث بين فيها القرآن الكريم أنها أراط الساعة وعلما للساعة قال تعالى فيه { وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم – الزخرف 61 } وتبدأ علامات الساعة ببعثة إمام آخر الزمان وفيه ترفع التوبة وتنزل الملائكة بالعذاب على الكفار والمنافقين قال تعالى متوعداً { هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ – الأنعام 158 } وهو زمن

عودة السيد المسيح أيضاً آخر الزمان لورود هذا للفظ في قوله تعالى عن نبي الله عيسى عليه السلام { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا – مريم 15 }

لذلك قال تعالى هنا في هذه المواقيت كلها والأحداث التي سيمر بها الخلق حتى يوم القيامة { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل } .

وأما :

(أجلت)

والتأجيل يكون لأجل حدده الله تعالى للقضاء على الظالمين لذلك يرد في قوله تعالى  {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين – آل عمران 145 } . وكل أمة لها أجل محدد لا تسبقه ولا تتقدمة كما في قوله تعالى { ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون – المؤمنون 43 } وهنا يبين تعالى هلاك الظالمين تترا قال تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 } فإذا جاء يوم القيامة حشرهم الله تعالى جميعاً إنسهم وجنهم  قالوا بلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال تعالى { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم – الأنعام 128 } وهذا الأجل هنا هو الذي حدده للبعث والحساب وهو يوم الوقت المعلوم والذي يبدأ بالمون الفردي لبني آدم أو جماعات في انتقام جماعي من أمم كفرت بالله تعالى لورود هذا للفظ عن موت بني آدم فرادى في قوله تعالى { ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون – المنافقون 11 }

وموتهم جماعات قال تعالى { ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون – الأعراف 34 } وقال تعالى أيضا { وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال  – إبراهيم 44-45 } .

قال تعالى فيه { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل } وفي هذا اليوم يقول تعالى {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ  – هود 103-108 } . وهذا هو يوم الفصل في الآخرة

لقوله تعالى هنا :

  • ليوم الفصل (13) وما أدراك ما يوم الفصل (13)

وهنا :

[.. أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { ليوم الفصل } قال: يوم يفصل الله فيه بين الناس بأعمالهم إلى الجنة وإلى النار { وما أدراك ما يوم الفصل } قال: يعظهم بذلك { ويل يومئذ للمكذبين } قال: ويل لهم والله ويلاً طويلاً.

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود قال: ويل واد في جهنم يسيل فيه صديد أهل النار فجعل للمكذبين والله أعلم.– الدر المنثور ] .

(ليوم)

أي أنه يقول تعالى { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 } وقال تعالى أيضاً { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد – آل عمران 9 } وهذا هو يوم القيامة الذي قال تعالى فيه { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين – لأنبياء 47 } وهو يوم الحساب كما في قوله تعالى عن أهل الجنة {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ  مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ هذا ما توعدون ليوم الحساب – ص 50-53 } ومن أراد رضا الله والجنه فليتخد سبيلاً إلى الله تعالى وهو ولايته تعالى وورلية رسوله وأهل بيته عليهم السلام من بعده قال تعالى { ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا – النبأ 39 } وأما إن كان من الكافرين المنافقين والظالمين فقد قال تعالى فيهم {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار –إبراهيم 42 } وبالتالي هذا يوم عظيم قال تعالى فيه : { ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون ليَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ – المطففين 4-26 } .

  وهذا هو يوم القيامة وهو يوم الفصل الذي قال تعالى فيه هنا { ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل }

وأما :

(يوم الفصل)

وهنا

يوم الفصل هو يوم القيامة بين أئمة أهل البيت الإبراهيمي عليهم السلام وذريته التي اصطفاها الله تعالى للنبوة و الرسالة والإمامة عليهم السلام وخصومهم ولهم معركة فصل آخر الزمان مع خصومهم وهو الفصل الأول في الدنيا والذي قال تعالى فيه هنا :{ الرُّسُلُ أُقِّتَتْ لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ لِيَوْمِ الْفَصْلِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – الممرسلات11-19 } وهذا هو يوم الفصل الأول في الدنيا وفيه هلاك كفار ومنافقي وظظلمة آخر الزمان ينتقلون بعده إلى يوم الفصل وهو يوم القيامة وفيه الفصل بين الأمم و الديانات والمعتقدات والملل والنحل قال تعالى { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد – الحج 17 } وقال تعالى أيضاً : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ ۖ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ- السجدة 23-25}

وقبل هذا اليوم بين الله تعالى أن له يوماً محددً مؤقتا سيفصل فيه بالدنيا قبل الآخرة ولولاه لقضى بينهم و ذلك لما كذبوه على الله تعالى وشرعوا للناس مالم يأذن به الله فاختلفوا واقتتلوا على تلك المكذوبات والتي امتد فيها كل حزب وفرقة رجالها وأئمتها قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 } أي أن لهم موعداً لهلاكهم ليوفيهم نصيبهم في الحياة الدنيا غير منقوص قال تعالى فيه { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا – الكهف 59 }

وكلمة الفصل هنا له توقيت وقته الله تعالى لهم جميعاً كما في قوله تعالى { إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين – الدخان 40 } وقال تعالى أيضاً في هذا اليوم وميقاته المحدد لهم { إن يوم الفصل كان ميقاتا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا لِّلطَّاغِينَ مَآبًا لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا  – النبأ 17-28 }ولذلك يقول تعالى مبيناً ان كل أمة لها أجل وأجلها مرهون ببعثة إمام لها من أهل بيت النبوة قال تعالى في أمتنا { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ  -يونس 46-49 }

ويكون الفصل ظ هنا له توقيت محدد بينه الله تعالى للفصل بين الأمم والديانات والمذاهب فيما اختلفوا فيه وفيما كذبوه على الله تعالى وما اقترفوه من ظلم في حق أنفسهم وفي حق المظلومين والمستضعفين قال تعالى { وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذٍ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات } وفي هذا اليوم لا ينفع فيه أرحام ولا ينفع فيه إلا العمل الصالح قال تعالى { لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير – الممتحنة 3 }  ويقال لهم في هذا اليوم { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون – الصافات 21 }

وأما :

(وما أدراك)

و [ أدرى فلانًا بالأمر: أَعْلَمه وأخبَره به] ولا يخبر بالوحي الذي لا يعلمه أحد من خلقه غير الله تبارك تعالى ومن بعد إذنه ولكن مايميز لفظ درى و يدري و (ماأدراك) تستخدم دائما في أمر خاص بالله تعالى دون رسله كقوله تعالى { وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم – المطففين 19-20} وقال تعالى أيضاً في أمره المنزل في ليلة القدر { وما أدراك ما ليلة القدر- القدر 2 } وهذه أمور لا شأن لمخلوق بها ولا رسول ولا نبي لذلك جاءت بلفظ (وما أدراك) لقوله تعالى أيضاً للتأكيد على تلك القاعدة عن الساعة ويوم القيامة يقول تعالى { يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا – الأحزاب 63 }  .

كما أنه لفظ يأتي في الأمور التي فيها عذاب أو انتقام إلهي كأن الله تعالى فصل بأن النبي والرسول والأئمة والمؤمنين مستبعدون عن هذا العذاب بهذا اللفظ قال تعالى { وما أدراك ما الحاقة – الحاقة 3 } وقال تعالى { وما أدراك ما سقر – المدثر 27 } وقال تعالى &{ وما أدراك ما يوم الدين – الإنفطار 17 }&{ وما أدراك ما سجين – المطففين 8 }&{ وما أدراك ما الطارق – الطارق 2 }&{ وما أدراك ما العقبة – البلد 12 }&{ وما أدراك ما القارعة – القارعة 3 }&{ وما أدراك ما هيه نار حامية – القارعة 10-11 }&{وما أدراك ما الحطمة – الهمزة 5 } وقال تعالى لذلك هنا عن عذاب يوم القيامة ويوم الفصل و يستبعد منه كما قلنا حزبه المؤمنين { الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب – الشورى 17 } .

وأما قوله تعالى { وما يدريك لعله يزكى – عبس } وذلك لأن الإيمان بالله والهدى كالموت الله فقط هو الذي يهدي أولا لورود لفظ الأيمان في قوله تعالى { وماكان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون – يونس 100} أي أنه كالموت في قوله تعالى { وماكان لنفس أن تموت إلا بإذن الله – آل عمران 145} ولذلك قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين  -القصص 56} وبالتالي المؤمنون برسلهم وأنبيائهم مستبعدون عن عذاب يوم القيامة بلفظ {وما أدراك} كما في قوله تعالى هنا { وما أدراك ما يوم الفصل – المرسلات 14 } ووراء يوم الفصل في الدنيا عذاب الساعة وعلاماتها وعذابها وعذاب يوم القيامة قال تعالى { يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا – الأحزاب 63 } .

ثم يقول تعالى عن هذا اليوم :

  • ويل يومئذٍ للمكذبين (15)

وهذه الآية تكررت اثنتا عشرة مرة في كتاب الله تعالى منها عشر مرات في هذه السورة الكريمة وواحدة في سورة الطور الآية رقم (11) بإضافة فاء (فويل) والثانية عشرة في سورة المطففين رقم (10) للتأكيد على اثنتا عشرة واقعة تمر بها أمة الإسلام يكون فيها هلاك الظالمين ورفع فريضة من الفرائض يقتل عليها المستضعفين من المسلمين حتى يبقى عجاجة من الناس وقلة مؤمنة ( ثلة من الاولين وثلة من الآخرين- الواقعة ) آخرها نصر المسلمين بإمامة أهل بيت نبيهم (عليهم السلام) على الكفار والمنافقين ثم  القيامة :

و الآيات { ويل يومئذ للمكذبين – 19} { ويل يومئذ للمكذبين – 24} { ويل يومئذ للمكذبين – 28} { ويل يومئذ للمكذبين – 34} { ويل يومئذ للمكذبين – 37} { ويل يومئذ للمكذبين – 40} { ويل يومئذ للمكذبين – 45} { ويل يومئذ للمكذبين – 47} { ويل يومئذ للمكذبين – 49} .

ولأنه قال تعالى { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7} وقال صلى الله عليه وآله [ عن أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا-  رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في “المقاصد الحسنة” (149)، والألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم/599) ] . [ .. ولن تخلو الأرض قط من إمام حي قائم إما ظاهر مكشوف وإما باطن مستور – الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص 192 ] .

وبناءاً عليه يقوم هؤلاء الدعاة إلى الله تعالى من أهل بيت النبي (عليهم السلام) بإقامة الحجة على هذه الأمة والعالم حتى يأتي القرن الثاني عشر الهجري و معه بداية الفجور الكبير والإنحلال عن الدين واكتمال كل العلامات الصغرى متواكبة مع الثورة الصناعية وبروز الثورة الوهابية وأمريكا والدولة الإسرائيلية للعالم والتي قال تعالى فيها { فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء } وهنا تكون بداية الساعة والأحداث الجسام التي هى قبل يوم القيامة وتبدأ باستخدام العالم للحروب النووية الحديثه و فيها قصف يتشابه مع الصيحة الإلهية التي أهلك الله تعالى بها قوم عاد وثمود ولوط وشعيب أو هى صيحة مثيلة لها تتشابه معها في القوة وليس الأصل كقوله تعالى في وعيدة لأمتان في العالم آخر الزمان إحدهما من العرب ستقلد قوم ثمود في سفك دماء أهل بيت النبي (عليهم السلام)  وأخرى ستقلد أمة عاد في قولهم  ” من أشد منا قوة” قال تعالى  { فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون – فصلت 15 }  وهنا قال تعالى في هؤلاء ووعيده تعالى لهما { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت 13 } وهذه لم تنزل على العالم حتى الآن  وهنا لاحظ هنا وانتبه لقوله تعالى (مثل)  أي أنها ليست صاعقة مباشرة من  الله تعالى ينزل بها جبريل عليه السلام بل هى مثلها من صناعة بشر والويل يومئذ للمكذبين .

وهنا :

(ويل)

[ والويل : كلمة عذاب ودعاء بالشر تقال لمن يستحق الهلكة لسوء فعله – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل الياء واللام ] قال تعالى { فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين – المائدة 31 } وقال تعالى { قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب – هود 73 } وقال تعالى في الذين تمنوا الدنيا وأن يكونوا مكان قارون وحبهم للحياة الدنيا دون الآخرة فقال لهم أهل اعلم من المؤمنين ويلكم قال تعالى { وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون –القصص 80 }

والويل في الدنيا و الآخرة أعده الله تعالى لأصناف من الثقلين وهم :

  • الكافرين بالله تعالى كما في قوله تعالى { فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون – الذاريات 60 } وقال تعالى { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار – ص 27 } .
  • المكذبين بالدين ويوم الدين ممن أنكروه أو لم يعملوا الصالحات استعداداً لهذا اليوم وخاضوا جدلاً فيه ليدحضوا به الحق قال تعالى فيهم { فويل يومئذ للمكذبين الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ  يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا  هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ– الطور 11-14 }
  • الطغاة في الدنيا لقوله تعالى { قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين – القلم 31 }

الظلمة لقوله تعالى فيهم { ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن ياويلنا إنا كنا ظالمين – الأنبياء 46 }

  • المحرفين لكتاب الله و الذين كذبوا على الله تعالى ورسوله وعملوا بالرأي قال تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون – البقرة 79 }
  • كل من سمع آيات الله تعالى ولم يعمل بها كأنه لم يسمعها قال تعالى { ويل لكل أفاك أثيم يسمع آياتنا تتلى عليه ثم يصر كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقر – الجاثية 7-8 } .
  • الذين يستحبون الحياة الدنيا ويعملون لها قال تعالى { الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد – إبراهيم 2-3 } .
  • المختلفين على أهل بيت نبيهم وولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وهؤلاء هم الذين كفروا بالله تعالى وكتابه وظلموا أو قدموا الهوى والرأي على كتاب الله تعالى و قال تعالى فيهم { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم – الزخرف 65} وقال تعالى { فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم – مريم 37 } وهؤلاء سيقولون في الآخرة عند الحساب { قالوا ياويلنا إنا كنا ظالمين – الأنبياء 14 } . وسيقولون أنهم كانوا في غفلة من هذا كما في قوله تعالى { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين – الأنبياء 97 }
  • الويل للمشركين والذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة كافرون قال تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ – فصلت 6-7 } والمشركين لهم شركاء وهم الذين شرعوا للناس بالرأي والقياس والهوى بمالم يأذن به الله تعالى كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } وهؤلاء الويل لهم
  • الذين يلحدون في أسماء الله تعالى وينسبون لله تعالى ما يكرهون كما في قوله تعالى { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون – الأنبياء 18 }

وهؤلاء يبين تعالى أن رجلين من أصحابة هما من فتح باب الرأي والعمل بالهوى قال تعالى فيهما { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا – الفرقان 27-31 } .

وهؤلاء جميعاً ممن تركوا العمل بآيات الله تعالى على اختلاف أصنافهم إذا كان يوم القيامة وبعثوا من بعد الموت قالوا { قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون – يس 52 } وسيقولون أيضا عندما يتيقنون بأنه يوم الحساب ويوم الدين { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين – الصافات 20 } وهنا يجدوا كتاب أعمالهم حاضرة فيشفقون منها ويقولون ياويلتنا قال تعالى { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا – الكهف 49 } والويل في هذا اليوم للقاسية قلةبهم من ذكر الله كما في قوله تعالى { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين – الزمر 22 } . وهؤلاء جميعا مكذبين كما سنبين قال تعالى هنا { ويل يومئذٍ للمكذبين }

وأما :

(يومئذٍ)

وهنا ورد لفظ يومئذٍ على حرب فارس والروم قبل الإسلام ومادامت وردت في القرآن الكريم بتنكير فارس والتصريح بلفظ الروم فكأنه يقول تعالى بأن فاس ستسلم وسيظل الروم محاربين للمسلمين لذلك ورد ذكرهم في كتاب الله كحدث سيظل الصراع بينهما إلى آخر الزمان في زمن الملحمة الكبرى قال تعالى { غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سينين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم – الروم } وهذه الحروب آخر الزمان من علامات الساعة وقبل هذه الملاحم يرفع الله تعالى نصرته عن المسلمين بذنوبهم فيتلاطمون كالموج الذي يضرب بعضه بعضاً حتى يوم الجمع وذلك قبل يوم القيامة لقوله تعالى { وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا – الإسراء 58 } ولذلك قال تعالى عن هذه المرحلة والتي ستنتهي بالقيامة الكبرى والجمع لكل الخلائق { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا –الكهف 99 } . وهنا إذا رأوا ملائكة الموت والعذاب قالوا حجراً محجورا قال تعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا – الفرقان 22 } وهذا هو يوم وقوع الواقعة التي قال تعالى فيه { فيومئذ وقعت الواقعة – الحاقة 15 } وهنا يتفرقون إلى تابعين ومتبوعين مستكبرين ومستضعفين تابعين لهم قال تعالى { ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون – الروم 14 } ولذلك قال تعالى أنهم في العذاب مشتركون لانهم تبع بعضهم بعضا ولم يتبعوا لله تعالى ورسوله قال تعالى لذلك { فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون – الصافات 33 }  وينبوء الإنسان بما عمل في الدنيا لقوله تعالى { ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر – القيامة 13 } وفي هذا اليوم قال تعالى { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله  -الإنفطار 19} فيقول الإنسان عند ذلك { يقول الإنسان يومئذ أين المفر – القيامة 10 }

وفي هذا اليوم لن تنفعهم معذرتهم كما في قوله تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 } . وفي هذا اليوم يود الذين عصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض كما في قوله تعالى { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا – النساء 42 }

وفي هذا اليوم يفرق الله تعالى فيه بين المؤمنين أصحاب الوجوه الضاحكة المستبشرة والكافرين أصحاب الوجوة المسودة المغبرة قال تعالى { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106} وقال تعالى في هؤلاء وهؤلاء يومئذٍ { وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولائك هم الكفرة الفجرة – عبس 38-42 } والويل يومئذٍ للمكذبين كما فيقوله تعالى هنا { فويل يومئذٍ للمكذبين } .

وأما :

(المكذبين)

 أولا :

المكذبين الأوائل فهم قريشاً الأولى وصناديد كفرهم الذين قال تعالى فيهم { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66}  ولذلك يقول تعالى لرسوله لا تطعهم في كفرهم قال تعالى : { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ – القلم 8-15 } وهؤلاء منهم المترفون الذين تركوا العمل بكتاب الله تقليداً لآبائهم وهؤلاء مكذبين قال تعالى فيهم { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ – الزخرف21-25 } وهؤلاء طواغيت قال تعالى فيهم وما فعله الله تعالى فيهم بالأمم من قبل قال تعالى { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – النحل 36 } . وهؤلاء قال تعالى للناس بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيفكان عاقبتهم { قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين – آل عمران 137 } فلما مات صلى الله عليه وآله ارتد فريق منهم ووقال تعالى في ذلك { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين – آل عمران 144 } . وهنا بدأت المرحلة الثانية من الكذب على الله تعالى ورسوله .

ثانيا :

وجاء خلفهم من المنافقين ممن كذبوا على الله تعالى ورسوله وهم يدعون الإسلام كما في قوله تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام – الصف 7 } وهؤلاء منهم من كذب على الله تعالى ووضع الحديث كذباً على رسول الله بعلم وليس بجهل قال تعالى { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون- آل عمران 78 } . وفي سبيل ذلك تولوا قوماً غضب الله تعالى عليهم من قريشاً المحاربة للنبي وأهل بيته وطائفة من أهل الكتاب لذلك يقول تعالى { ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون – المجادلة 14 } .

وهذا الكذب عن طائفة من أهل الكتاب قال تعالى فيه وفيما فعلوه { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون – آل عمران 72 }

وعن الكذب الذي نشرته قريش ونبي الله على قيد الحياة قال تعالى فيهم { ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا – النساء 81 } وهنا شرعوا بمالم يأذن به الله تعالى حتى يومنا هذا وإلى أن يشاء الله أن يرفع هذه المكذوبات قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى } .

ثم ظهر ثلاثة أنواع من الكذبة فريق كذب على الله تعالى ورسوله وآخر ادعى النبوة وأنه يوحى إليه وفريق ثالث زعم أولياؤه بأن القرآن ينزل موافقاً لرأيه مخطئاً للنبي صلى الله عليه وآله قال تعالى هنا { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون – الأنعام 93 } .

ثم جاء من بعدهم  جيل آخر من علماء كحاطب ليل ينقلون ما صح ومالم يصح عن النبي صلى الله عليه وآله في مناقب الرجال خاصة فنشأت مدرسة الرأي وبالرأي أحلوا حرماً وحرموا حلالاً  وأخرجوا الكثير من ولاية أهل بيت النبي لولاية غيرهم ولذلك قال تعالى منذراً { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون – النحل 116 } وهؤلاء جادلوا عن نحلتهم في تقديم غير أهل بيت النبي عليهم الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبجدالهم كذبوا نصوصاً من كتاب الله تعالى وقال تعالى هنا { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ – الواقعة 77 -82 } . وهؤلاء يبعثهم الله تعالى مع المكذبين أيضاً . فإذا أراد الله تعالى هلاكهم بعث الله فيهم إمام آخر الزمان بتأويل لكتاب الله يجهلة الجميع فيه هلاكهم قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون – الأعراف 53 } وما نسوه هنا هو بيان القرآن للقرآن وبيان أهل بيت النبي وتأويلهم لكتاب الله الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله [ ياعلي تقاتلهم على التأويل كما قاتلتهم على التنزيل ] وهو تأويل لم تحط به الأمة علماً لذلك قال تعالى في تكذيبهم به وهلاكهم سيكون في زمانه قال تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 } وهنا يقول تعالى بأن الله تعالى سيعاقبهم بالدمار وبواسطة معارج ذي ثلاث شعب من الله تعالى والويل لهم كما في قوله تعالى هنا :{ انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 29-34} .

ثالثاً : المحاربين المكذبين من أهل الكتاب :

وهؤلاء قال تعالى فيهم { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون – المائدة 70 } ولذلك يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله بأن الأمم الكافرة من قبل فعلت نفس هذه الأفعال المجرمة من تكذيب ومحاولات قتل لرسل الله وقتل أنبيائه قال تعالى { وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير – فاطر  25 } .

رابعا :

تاركوا العمل بكتاب الله مكذبين لقوله تعالى في قوم حملهم الله تعالى أمانة العمل بالتوراة فتركوها وهنا قال تعالى فيهم أنهم مكذبين إذا لو صدقوا وعد الله ووعيده لعملوا ليوم الحساب ولذلك اعتبرهم الله تعالى مكذبين كما في قوله تعالى {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 } وهكذا كل من ترك العمل بكتاب الله تعالى اعتبره القرىن الكريم مكذباً والويل له كما قال تعالى هنا{ ويل يومئذٍ للمكذبين }

وهؤلاء المكذبين من قريشاَ الأولى ثم المنافقين المحاربين لأهل بيت النبي ثم تحالف أهل الككتاب ضد أهل الإسلام لهم وقائع عشرة تنتهي بمعركة فيها معارج إنسية ومعارج إلهية ربانية ترمي بشرر كالقصر وذلك وفقاً لتكرار تلك الآية عشر مرات في الآيات رقم (19) & ( 24)& (28)& (34) &( 37) &(40) &(45) &(47) &(49) . وهذا بيانهم هنا قد بيناه وكأنه يقول تعالى الويل لثلاث طوائف ستظظل تحارب الله تعالى ورسوله وأهل بيته حتى قيام الساعة

  • قريش الأولى وذريتهم الذين سيتولونهم وسيقتلونأهل بيت النبي في كل زمان ومكان نصرة لهم ولرجالهم ووهم قريشاً الآخرة .
  • المنافقين من أصحاب مدرسة الرأي والتاركين لدينهم المستمتعين بالحياة الدنيا الذين لا يعيرون بالا لحلال أم حرام وكأنهم لا دينيين مع ادعائهم زوراً و زيفاً أنهم مسلمون .
  • أهل الكتاب المحاربين للمسلمين وأهل بيت النبي عليهم السلام .وهؤلاء لهم وقائع عشرة بعدد الآيات { ويل يومئذٍ للمكذبين} .

ثم يقول تعالى :

  • ألم نهلك الأولين(16) ثم نتبعهم الآخرين (17)

وهنا :

(ألم)

يقول تعالى { ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم – التغابن 5 } وهذه الأمم هى قوم عاد وثمود وقوم نوح والذين من بعدهم كفروا برسلهم كما في قوله تعالى { ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – التوبة 70 }  وآخر هؤلاء أصحاب الفيل الذين قال تعالى فيهم { { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيراً ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول – الفيل } وهؤلاء هم الأولين والأخرين من الأمم الذين قال تعالى فيهم { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين } وما كان هلاك هؤلاء إلا بكفرهم وتبديلهم نعمة الله تعالى عليهم وأولها نعمة الدين والأمان قال تعالى مبيناً أن ذلك سبب بوارهم وهلاكهم في قوله تعالى { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار – إبراهيم 28 } .

وأما :

(ألم نهلك)

يقول تعالى هنا مبيناً أنه لن يهلك قرية إلا بعد أن يرسل إليها رسل منذرين قال تعالى { وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون – الشعراء 208 }  وقال تعالى { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 }

ثم يبين تعالى الحوار الذي دار بين رسل الله تعالى وكفار كل زمان فيقول تعالى : { ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ  وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ – إبراهيم 9-17 } . ويبين تعالى أن هذه الأمم من قبل مكنهم الله أكثر ممن جاءوا من بعد فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم وأنشأ من بعدهم قرناً آخرين قال تعالى { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين – الانعام 6 } ويبين الله تعالى أنه لم يظلمهم قال تعالى { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون – هود 117 } وقد جعل الله تعالى لمهلكهم موعداً لن يخلفوه قال تعالى { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا – الكهف 59 } .

وأما :

(الأولين ثم نتبعم الآخرين)

ورد في التفسير عن : [ شرف الدين النجفي، قال: روي بحذف الاسناد مرفوعا إلى العباس بن إسماعيل، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، في قوله عز و جل: { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } ، [قال]: ” يعني الأول و الثاني { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } قال: الثالث و الرابع و الخامس { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } من بني أمية، و قوله: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } بأمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) محمد بن يعقوب: عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)، قال: قلت { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }؟ قال: ” يقول: ويل للمكذبين – يا محمد – بما أوحيت إليك من ولاية علي { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } ، قال: الأولين: الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } ، قال: من أجرم إلى آل محمد و ركب من وصيه ما ركب “.

قلت:{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ }  [المرسلات: 41]؟ قال: “نحن و الله و شيعتنا، ليس على ملة إبراهيم غيرنا، و سائر الناس منها برآء”. – البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

– تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

يقول تعالى { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَىٰ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ – الزخرف 5-8 } وببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله بين تعالى أن أظلم خلق الله تابعي قوم عاد وثمود وفرعون في كفرهم  ويوم القيامة يتبع بعضهم بعضا في دركات جهنم  قال تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ – الأعراف 37-39 } .

وببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله بين

أولاً :

أن بني إسرائيل سيفسدون فس الأرض مرتين مرة في زمن النبي وسيسلط عليهم مؤمنين يهجمون عليهم في ديارهم ويخرجونهم من جزيرة العرب والوعد الآخر في آخر الزمان وسيسوي الله تعالى بيوتهم وبلادهم بالأرض قال تعالى في الوعدين الأول والآخر إذا الإسدوا في الأرض وسفكوا الدم الحرام { وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا – الإسراء 4-7 } .

ثانيا ً:

ستظهر آخر الزمان قوتان ظالمتان إحداها من العرب تسير على نهج قوم صالح عليه السلام في قتلهم ناقة النبي صالح عليه السلام وهؤلاء في آخر الزمان يشتهرون ببغضهم أهل بيت النبي وسفكهم للدماء ولذلك ضرب الله تعالى بهم مثلاً وأمة أخرى ستقلد قوم عاد في بطشهم وصناعاتهم وبناياتهم الشاهقة التي قال تعالى فيها { أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون – الشعراء } و هؤلاء قال تعالى فيهم { فإن أعرضوا فقل أنذرتكم بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود – فصلت} وكما أهلك الله تعالى عاداً وثمود الأولى كذلك سيهلك عاداً وثمود الآخرة فقال تعالى فيهما  { وأنه أهلك عاداً الأولى وثمود فما أبقى – النجم 50 } .

وأما :

(ثم)

أي أنه يقول تعالى لهؤلاء المجرمين { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين – الأنعام 11} وهؤلاء هم الأمم قبلنا لذلك يقول تعالى  { ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين – الأعراف 103 } ثم جعل الله تعالى أمة محمد خلائف لهؤلاء لينظر ماذا سيفعل العرب بدينهم والعالم قال تعالى { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون –يونس 14 } فإن لم يتوبوا فقد بين الله تعالى أنه سيصيبهم ببعض العذاب كما في قوله تعالى {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون – يونس 46 } . ثم ينجي الله تعالى المؤمنين من عذاب الدنيا والآخرة لقوله تعالى { فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ ۚ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ  ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين – يونس 102-103 }

وعن محكامتهم يوم القيامة على كفر من كفر منهم  وكذبهم على الله تعالى ورسوله وعدم ولايتهم لله الحق يقال لهم أين شركائكم ؟ فيحلفون بالله كذباً أنهم لم يكونوا مشركين قال تعالى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ – الأنعام 21-24 }  وهؤلاء يدخل معهم قريش وقوماً من بنس إسرائيل أنكروا نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون – الأنعام 91 }

ومنهم الذين تفرقوا على ولاية أهل بيت نبيهم إلى شيع وفرق قال تعالى فيهم { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون – الأنعام 159 } هؤلاء إن لم يتوبوا فسيهلكهم الله تعالى كما أهلك الأولين ولهم موعد في عذاب الله تعالى مرتين كوعد بني إسرائيل الأول في زمن النبي صلى الله عليه و آله والثاني قبل يوم القيامة مع بني إسرائيل حال تحالفهم معاً في مصالح دنيوية مشتركة ضد الإسلام والمسلمين و أهل بيت النبي عليهم اسلام قال تعالى في هؤلاء الذين في أطراف جزيرة العرب من جميع الإتجاهات : { وممن حولكم من الأعراب منافقون و من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم– التوبة 101 } وهنا ممن حولكم أي ماحول مكة والمدينة (الحجاز)  شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً .وهنا يكون الله تعالى قد أهلك الأولين ثم الآخرين كما في الاية هنا { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين } .ويوم القيامة يخزيهم الله تعالى كما في قوله عز وجل { ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين – النحل 27 } .

وأما :

(نتبعهم)

أي أنه يقوله تعالى هنا في إهلاك هذه الأمم تباعاً { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 } .

وأما :

(الآخرين)

والآخرين هم أهل آخر الزمان والمؤمنين سيكونون فيه قلة قال تعالى فيهم { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين – الواقعة 14 } وهؤلاء القلة في آخر الزمان سيبعث الله تعالى فيهم غماماً من أهل بيت النبي دعا له نبي الله إبراهيم في كتاب الله حيث قال تعالى { واجعل لي لسان صدق في الآخرين – الشعراء 84} وفي زمانه يكون وعد الآخرة الذي توعد به الله تعالى بني إسرائيل إذا كفروا بالله وظلموا وأفسدوا في الأرض قال تعالى { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا – الإسراء 7 } وقال تعالى أيضاً { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء 104 } .

ثم يقول تعالى :

  • كذلك نفعل بالمجرمين (18)

وهنا :

(كذلك نفعل بالمجريمين)

وهنا يقول تعالى عن الأمم من قبل { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين – يونس 13 } ويقول تعالى للمؤمنين بأن يسيروا في الأرض ليروا بأعينهم آثارهم البائدة وكيف أهلكهم الله تعالى لم تكن لهم باقية قال تعالى { قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين – النمل 69 } .

وبعد هلاك الأمم من قبل يبين تعالى أنه قد جعل لكل نبي عدواً من المجرمين في كل زمن قال تعالى { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين – الفرقان 31} وهؤلاء المجرمين شياطين من الإنس والجن الذين قال تعالى فيهم {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – الأنعام 112 } ويبين تعالى  أنه بين وفصل في كتابه الكريم سبيل هؤلاء المجرمين  قال تعالى { و كذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين  -الأنعام 55 } وهؤلاء هم الذين كفروا بالله تعالى ولم يسلموا له عز وجل قال تعالى لذلك { أفنجعل المسلمين كالمجرمين – القلم 35} ومن المجرمين قوم تركوا الصلاة والزكاة والصدقات و خاضوا بالباطل في آيات الله وكذبوا بيوم الدين كما في قوله تعالى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ المدثر 38-47 }

وهؤلاء المجرمين دائماً يكونون من كبراء القوم  يمكروا بالبلاد والعباد لا يعيرون حلالاً ولا حراماً  إلا شهواتهم ومتعهم كما قال تعالى { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد } وهؤلاء مستكبريهم يمكرون لمصلحتهم الدنيوية وشهواتهم فيقعوا في دائرة السوء وعذاب الله تعالى ويكونون قد مكروا بأنفسهم قال تعالى : {وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – الأنعام 123 } . ومن هؤلاء المجرمين قوم أعرضوا عن ذكر الله تعالى والعمل بما امر الله تعالى ووقال تعالى فيهم { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون – السجدة 22 } .

وهنا يتولى الظالمين بعضهم بعضاً من دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام على مصالح ومتع الحياة الدنيا قال تعالى { و كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون – الأنعام 129 } ثم يتوعد الله تعالى أمتنا وينذرهم مبيناً أنهم فعلوا كما فعلت الأمم من قبل في قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون – النحل 33 } وهؤلاء لا يرد بأسه تعالى عنهم في الحياة الدنيا لقوله تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين – يوسف 110 }

وما كان نزل عذاب الله تعالى عليهم في الدنيا والآخرة إلا باستكبارهم على الله تعالى و كلمة لا إله إلا الله واتهامهم الرسول بالشعر والسحر والكهانة فاستوجبوا نزول العذاب عليهم في الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى : {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ و َيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  – الصافات 22-39} .

وأما :

(نفعل)

هنا يبين تعالى ان هؤلاء المجرمين في كل زمان يحاولون دائما قتل رسل الله تعالى فيحال بينهم وبين ما يشتهون ويمنع الله تعالى رسله ويعصمهم من الوصل إليهم قال تعالى {وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب – سبأ54 } ثم ينزل بهم عذاب الله تعالى كما فعل بالأمم منقبل وذلك قوله تعالى هنا { كذلك نفعل بالمجرمين } .

ثم يقول تعالى :

  • ويل يومئذٍ للمكذبين (19)

سبق بيان الاية

ثم يقول تعالى :

  • ألم نخلقكم من ماءٍ مهين (20)

وهنا :

(ألم)

يبين تعالى هنا قدرته من خلال هذا اللفظ كقوله تعالى { ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير – المائدة 40} وقال تعالى أيضاً { ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا – نوح 15 } .

وعن خلق الإنسان من ماء مهين هنا وهو كما قال تعالى من مني يمنة قال تعالى فيه { أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ – القيامة 36-40 } . وقال تعالى أيضاً في خلق الإنسان { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ  -البلد 8-18 } .

وأما :

(نخلقكم)

وهنا يبين تعالى أن خلق الإنسان من ذكر وأنثى ونطفة منهما قال تعالى فيها { أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج – الحج 5 } وهذا الخلق بنطفة بين الذكر والأنثى قال تعالى فيها { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير – الحجرات 13 } وهذان الذكر والأنثى أزواجاص قل تعالى فيهما { وخلقناكم أزواجا – النبأ 8 }  و كل نسمة خلقها الله تعالى بعد هبوط الإنسان إلى الأرض من ماء مهين و نطفة تختلط بين هاذين الزوجين الذكر والإنثى قال تعالى لذلك هنا { ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين } .

وأما :

(من ماء)

يقول تعالى في الماء وعموم خلق الخلق منه { أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون – الأنبياء 30} وخلق من الماء بشرا فجعل منهم نسباً وصهرا قال تعالى { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهرا – الفرقان 4 } . وهنا يقول صلى الله عليه وآله في الإمام علي والسيدة فاطمة عليهما السلام [ خير النسب نسبي وخير الصهر صهري .. الحديث ] .

وهنا يبين تعالى أن هذا البشر خلق من ماء وهو جزء كبير من مني الزوجين جعله الله تعالى ليكون هيناً سهل وميسر الإنزال ليخلق الله تعالى منه الولد قال تعالى { ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين  إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون – المرسلات 20-23} .

وأما :

(مهين)

[ ومهين : من هان هوناً أي سهل وتيسر ] قال تعالى { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه – الروم 27 } وقال تعالى أيضاً { قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا – مريم 8-9 }

ومن معاني هذه الكلمة أيضا الذلة وهو الهوان قال تعالى في عرب الجاهليه إذا رزقه الله تعالى بالأنثى  { أيمسكه على هون أم يدسه في التراب – النحل 59 } وهذا الهوان في الآخرة لا يكون إلا لمن وضع نطفته في حرام أو خالف وعصى الله تعالى ورسوله فيعذبه الله تعالى لقوله عز وجل { ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين – النساء 14 } وهذا العذاب يقع عليهم بكفرهم وإعراضهم عن ذكر الله واستكبارهم في الأرض بغير الحق وبفسوقهم يضرب الله تعالى عليه الذلة والهوان قال تعالى {  ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون –الأحقاف 20 } .

ثم يقول تعالى :

  • فجعلناه في قرار مكين (21)

وهنا :

(فجعلناه)

أي أنه يقول تعالى { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا – الإنسان 2 } وهذه الأمشاج من تلك النطفة جعلها الله تعالى في قرار مكين قال تعالى {  فجعلناه في قرار مكين } .

وأما :

(في قرار مكين)

[ والقرار : المكان الذي يقر فيه ويثبت فيه ولم يغادره – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الراء والراء  ] قال تعالى مبيناً أن الدنيا فيها قرار مؤقت قال تعالى فيه { الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين غافر64 } فإذا فنى الجسد تحول الإنسان للآخرة وفيها دار القرار والخلود قال تعالى أيضاً  { وإن الآخرة هى دار القرار – غافر 39 } . ومكين [ أي استقر في مكانه لا يتزلزل ] قال تعالى { إنك لدينا اليوم مكين أمين – يوسف} . وهنا يبين تعالى بأن الله تعالى أودع النطفة بمكان ثابت مكين قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ- المؤمنون 12-16 } .

وأما :

(قرار)

يقول تعالى هنا { أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أئله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون – النمل 61 } ولأنه قال تعالى هنا في الأنهار وأنها أحد أوصاف و علامات مصر كما هو وارد في قوله تعالى { ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون – الزخرف 51 } و من هنا يبين تعالى أن الشجرة الخبيثة سيجتثها الله تعالى بفروعها من مصر آخر الزمان قال تعالى { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار – إبراهيم 26 } .

وأما :

(مكين)

التمكين أيضاً هنا يشير إلى مصر في قوله الملك عن عزيز مصر وقوله  لنبي الله يوسف (عليه السلام) { إنك اليوم لدينا مكين أمين – يوسف } وبالتالي عندما يقول تعالى متوعداً الكفر والنفاق آخر الزمان بالزوال وتمكين المسلمين سيكون من مصر لقوله تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور 55 } . وبالتالي قوله تعالى هنا { فجعلناه في قرار مكين } هى نطفة من ذرية أهل بيت النبي (عليهم السلام) ستكون في رحم طاهر من أرحام السادة الأشراف آخر الزمان ستكون في قرار مكين برحم هذه الأم وفي قرار مكين من بلاد الدنيا وهى مصر وفي زمانها يكون خلافة آخر الزمان وهلاك الظالمين . وكما مكن الله تعالى ليوسف (عليه السلام)  في الأرض من مصر  كذلك سيكون آخر الزمان كما في قوله تعالى { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين –يوسف 56 } ولذلك  ورد آثار أهل بيت النبي (مرفوعا) أن المهدي فيه سنة من يوسف

[ عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (في صاحب هذا الامر أربع سنن من أربعة أنبياء ، سنة من موسى ، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فأما من موسى فخائف يترقب ، وأما من يوسف فالسجن ، وأما من عيسى فيقال له : إنه مات ولم يمت ، وأما من محمد صلى الله عليه وآله فالسيف) . – 1ـ الأمامة والتبصرة ـ للصدوق ـ ص94 . 2 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ ص158 . 3 ـ الغيبة ـ للطوسي ـ ص60 . 4 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج51 ص217 . 5 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ـ الشيخ الطبرسي ـ ج2 ص233 ] .

و [ عن أبى بصير قال: سمعت أبا جعفر الباقر(عليه السلام) يقول: ( في صاحب هذا الامر سنن من أربعة أنبياء سنة من موسى وسنة من عيسى وسنة من يوسف وسنة من محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فقلت: ما سنة موسى؟ قال: خائف يترقب قلت: وما سنة عيسى؟ فقال: يقال فيه ما قيل في عيسى، قلت: فما سنة يوسف؟ قال: السجن والغيبة قلت: وما سنة محمد(صلى الله عليه وآله)؟ قال: إذا قام سار بسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه يبين آثار محمد ويضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر هرجا هرجا حتى يرضى الله، قلت: فكيف يعلم رضا الله؟ قال: يلقى الله في قلبه الرحمة) 1 ـ الغيبة ـ للنعماني ـ باب ما روي في غيبة الأمام المنتظر . 2 ـ كمال الدين وتمام النعمة ـ للصدوق ـ باب ما اخبر به ابو جعفر محمد بن علي ص329. 3 ـ بحار الأنوار ـ للمجلسي ـ ج52 ص347 ] .

ثم يقول تعالى :

  • إلى قدر معلوم (22)

وهنا :

(إلى)

أي أنه يقول تعالى هنا { ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور – آل عمران 109 } وهنا يقول تعالى فيما بين الرجل وزوجته { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا – النساء 21 } فإذا أفضى الزوج إلى زوجته وقدر الله تعالى بينهما نسمة خلقها الله تعالى من ماء مهين وأودعه في قرر مكين وخرج إلى الدنيا بقدر معلوم كما في قوله تعالى { ألم نخلقكم من ماءٍ مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون – المرسلات } .

 وأما :

(قدر)

[ وقدر الشيئ : حدد مقداره أو امتداده وقدر الله الأمر : قضى به أو حكم بأن يكون وقدر الله الشيئ : جعله بحيث ينهج منهجاً صالحاً له في حياته وقدر في الأمر : تمهل وتروى في إنجازه – معجم ألفاظ القرآن باب القاف فصل الدال والراء ] .قال تعالى { قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا – الإنسان 16 } أي [زجاج من فضة, قدَّرها السقاة على مقدار ما يشتهي الشاربون لا تزيد ولا تنقص – التفسير الميسر ] .وهكذا كل الكون قدره الله تعالى تقديراً وفق حكمته قال تعالى { الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا – الفرقان 2 } وقال تعالى أيضاً { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم – يس 38-39 } وهكذا كل شيئ علمناه أم لم نعلمه قدره الله تعالى فأحسن تقديره قال تعالى { إنا كل شيء خلقناه بقدر – القمر49 } ومن هذه الأقدار خلق الإنسان في رحم أمه لقوله تعالى { قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ  مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ – عبس 17-22} . وهذا تقدير قال تعالى فيه {سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى – الأعلى } ومما قدره الله تعالى هنا ماهو مخلوق ومكتوب على الإنسان وهو في بطن أمه وشقي أم سعيد قال تعالى { ألم نخلقكم من ماءٍ مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون – المرسلات }

ويبين تعالى أن الذين كفروا ما قدروا الله حق قدره كما في قوله تعالى { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون – الأنعام 91 } وهؤلاء لهم عذاب أليم إن خرجا علة ولاية الله الحق وهنا توعدهم الله تعالى بعذاب قريب قال تعالى فيه { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ – المؤمنون 93-95} فإن لم يرجعوا ويتوبوا فالله تعالى توعدهم بالعذاب و الإختلاف حتى يتسلط بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً حتى يرجعوا قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون – الأنعام 65 } .

فإن لم يتوبوا وحل زمان تمكن الطواغيت من الأرض هنا يكون قد حل زمان العذاب الكبير مع القيامة وتلذي قال تعالى فيه { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون- يونس 24 } . وهنا يقول تعالى { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 20-24} .

وأما :

(معلوم)

ومعلوم ضد مجهول قال تعالى { والذين في أموالهم حق معلوم  للسائل والمحروم – المعارج 24-25} وقال تعالى في الحج { الحج اشهر معلومات – البقرة 197 } والقدر المعلوم لحمل المرأة وفصال الطفل وفطامه عامين أو ثلاثون شهرا قال تعالى { وحمله وفصاله في عامين – لقمان 14  } وقال تعالى { وحمله وفصاله ثلاثون شهرا – الأحقاف 15 } والفرق بين عامين وهم أربع وعشرون شهراً وثلاثون شهراً ستة اشهر وهى أقل فترة حمل لأي امرأة والباقي فترة رضاع الطفل قبل فصاله وفطامه وهذا قدر معلوم كما في الآية هنا { إلى قدر معلوم} .

وقد جعل الله تعالى وقتاً معلوماً أنظر فيه إبليس قبل يوم القيامة قال تعالى فيه { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ – الحجر 34-43 }

 

وكذلك كل أمة كفرت في زمانها إلى يوم القيامة لها وقت معلوم قال تعالى فيه : { وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم – الحجر 4 } وهذا الكتاب مرتهن ببعثة رسول أو إمام له مكانة رسول برسالة من النبي صلى الله عليه وآله وهم أئمة أهل البيت عليهم السلام قال تعالى لذلك { وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون – القصص 59 } .وهنا إذا قال تعالى { قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم – الواقعة 49-50 } فيكون ذلك الجمع أولا علاماته بعثةإمام آخر الزمان في زمن نبي الله عيسى عليهما السلام . وهذا من القدر المعلوم عند الله تعالى .

ثم يقول تعالى :

  • فقدرنا فنعم القادرون (23)

وهنا :

(فقدرنا فنعم القادرون)

أي أنه يقول تعالى { الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا – الفرقان 2 } وهذا التقدير وفقاً لحكمه تعالى نعم التقدير كما في قوله تعالى هنا { فقدرنا فنعم القادرون } ويبين تعالى من خلال ذا اللفظ أن الكفار والمنافقون لم يقدروا الله حق قدره كما في قوله تعالى { ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز – الحج 47 } ولذلك يقول تعالى أنه قادر على أن يبدل خيراً منهم فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي توعدهم الله تعالى به قال تعالى { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ لَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۚ ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ – المعارج 40-44 } ويقول تعالى لرسوله أنه عز وجل قادر على أن ينزل بهم عذابه تعالى فيأمره عز وجل بالإستعاذه من الشيطان الرجيم ويفصل له وللمؤمنين ما سيحدث لهم حال موتهم قال تعالى { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ  وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ- المؤمنون 95-104} .

فإن لم يتوبو فقد يضرب الله تعالى عليهم العذلب ويبث بينهم الخلاف والإقتتال بخروجهم على ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه و أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون  -الأنعام 65 }

وفي آخر الزمان إذا ظن هؤلاء أنهم قادرون على الأرض وأهلها من حصار وظلم وتقدير سيئ يحكمه شياطين الإنس والجن هنا يظهر الله تعالى لهم قدرته فيهلكهم بما صنعوا قال تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون  -يونس 24 }

وفي نفس الوقت القادر تعالى على العذاب قادر على رزقهم وبث الحياة في العالم قال تعالى {   وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون – المؤمون 18 } وبين الموت الحياة وما بين نزول الرزق وزواله ونزول نقمة الله تعالى وعذابه وانتقامه قدر الله تعالى الأقدار وفقاً لحمته تعالى التي قال تعالى فيها { فقدرنا فنعم القادرون } .

وأما :

(فنعم)

[ ونعم : كلمة تقال في المدح بإزاء بئس للذم – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل العين والميم ] قال تعالى { ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون – الصافات 75 } وقال تعالى { ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب – ص 30 } . والله تعالى نعم المولى ونعم النصير قال تعالى { وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير – الأنفال 40 } .

وهنا نعم بكسر النون كأن الله تعالى يقول للمؤمنين في كل زمان ومكان توكلوا على الله تعالى خالقكم ومدبر أمركم وأمر هذا الكون وفقاً لحكمته فهو نعم الوكيل قال تعالى { حسبنا الله ونعم الوكيل } ولذلك يأمر تعالى بولايته والجهاد في سبيله تعالى و التوكل عليه فإن توكلوا عليه نصرهم وانتقم من عدوهم قال تعالى { وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير – الحج 78 } .  فإذا جاء يوم القيامة كافئ الله تعالى المؤمنين العاملين الصالحات ونعم الأجر للعاملين في طاعته تعالى كما في قوله عز وجل { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين – العنكبوت 58 } . وبين الثواب والعقاب الله تعالى يحكم بعلمه وحكمته وقدرته لذذلك قال تعالى هنا { فقدرنا فنعم القادرون } .

ثم يقول تعالى :

  • ويل يومئذٍ للمكذبين (24)

وهنا كأنه يقول تعالى في الويل الأول للكافرين والظالمين والمنافقين بميلاد النبي صلى الله عليه والإئمة من بعده قال تعالى هنا { ويل يومئذٍ للمكذبين } أي بالنبي والأئمة من أهل بيته من بعده عليهم السلام .

ثم يقول تعالى :

  • ألم نجعل الأرض كفاتا (25)

وهنا :

(ألم نجعل الأرض)

أي أنه يقول تعالى { ألم نجعل الأرض مهادا – النبأ 6 } أي [ ألم نجعل الأرض ممهدة لكم كالفراش؟ – التفسير الميسر ] وهذا التمهيد للأرض بجمع وضم بعضها إلى بعض كما في قوله تعالى هنا  { ألم نجعل الأرض كفاتا – المرسلات 25 } .

وأما :

(الأرض)

يقول تعالى هنا أنه خلق الناس من الأرض { والله أنبتكم من الأرض نباتا – نوح 17 } ثم استعمرهم فيها كما في قوله تعالى { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب – هود 61 } .

فإذا ماتوا عادت أجسادهم إلى الأرض كما في قوله تعالى : { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا – نوح 17-20 } .

وبالتالي الأرض كفاتا للأحياء وأجساد الأموات كما في قوله تعالى هنا { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياءاً وأمواتا – المرسلات 25-26} .

وأما :

(كفاتا)

[ وكفت الأشياء يكفتها كفتاً : جمعها وضم بعضها إلى بعض والكفات ما تجتمع فيع الأشياء أو الناس يقال البيوت كفات الأحياء والقبور كفات الأموات – معجم ألفاظ القرآن باب الكاف فصل الفاء والتاء ] قال تعالى { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياءأً وأمواتا} .

ورد في التفسير : عن [ علي بن إبراهيم: { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } قال: أخرت { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } ، قوله: { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } قال: منتن فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ قال: في الرحم، قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } قال: الكفات: المساكن، وقال: نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجوعه من صفين إلى المقابر، فقال: “هذه كفات الأموات” أي مساكنهم، ثم نظر إلى بيوت الكوفة، فقال: “هذه كفات الأحياء” ثم تلا قوله تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً }.

– محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضال، عن بعض أصحابه، عن أبي كهمس، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تبارك و تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً }

ابن بابويه … عن سليمان بن داود المنقري، عن حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: نظر إلى المقابر، فقال: ” يا حماد، هذه كفات الأموات ” و نظر إلى البيوت فقال: ” هذه كفات الأحياء ” و تلا { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً }.وروي أنه دفن الشعر و الظفر –تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

ثم يقول تعالى :

  • أحياءاً وأمواتا (26)

وهنا كفاية الأرض للأحياء والأموات قال تعالى فيها { قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون  -الأعراف 25 } أي أن الأرض كفاتاً للأحياء والأموات كما في قوله تعالى هنا { ألم نجعل الأرض كفاتا أحياءأ وأمواتا} .

ثم يقول تعالى :

  • وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا (27 )

[ وفي التفسير عن [ علي بن إبراهيم: قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ } قال: جبال مرتفعة { وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } أي عذبا، و كل عذب من الماء فهو فرات، – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

وهنا :

(وجعلنا فيها رواسي)

و [ رسى الشيئ يرسوا رسواً : ثبت أصله ورسخ فهو راس وهى راسية وهن راسيات ورواس جمع  : جمع راس وراسية وأرساه جعله ثابت أصل راسخاً – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل السين والواو ]  وهذه الرواسى هى الجبال قال تعالى { وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها – هود 41 } وكأن الجبال جعلها الله تعالى لثات الأرض واستقرارها قال تعالى

{ والجبال أرساها– النازعات 32 }  وهنا أرساها حتى لا تميد بهم  (أي تميل بهم ) كما في قوله تعالى { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون –الأنبياء 31 } وقال تعالى {خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم – لقمان 10 } .

وجعل بينها أنهاراً وسبلا كما في قوله تعالى { وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون – النحل 15 } .

وأما :

(شامخات)

و [ شمخ الجبل كفتح يشمخ شموخاً : علا وارتفع  وجبل شامخ وجبال شوامخ وشامخات – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل الميم والخاء ] قال تعالى { وجعلنا فيها رواسى شامخات – المرسلات 27} وهذا اللفظ مما ليس ه مرادف في كتاب الله .

وأما :

(وأسقيناكم ماءاً)

وهنا يبين تعالى أن هذا الماء منزل من السماء قال تعالى { وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين – الحجر 22 }  وقال تعالى أيضاً مبيناً أن هذا الماء طاهراً مطهراً في قوله تعالى { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا – الفرقان 48-49 } وهو ماءاً عذباً فراتا قال تعالى فيه هنا { وأسقيناكم ماءاً فراتا – المرسلات} ويبين تعالى أن هذا الماء آخر الزمان يغور في الأرض ويشح بظلم الناس وشركهم قال تعالى في سوورة الكهف { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا – الكهف 39-42 } ولذلك يقول تعالى عن آخر  الزمان وشح المياه بظلم العباد { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين – الملك 30 } وفي هذه الآيام الويل يومئذ للمكذبين قال تعالى { ويل يومئذٍ للمكذبين }

وأما :

(فراتا)

[ الفرات من الماء : العذب  وقيل الفرات : أشد الماء عذوبة – معجم ألفاظ القرآن باب الفاء فصل الراء والتاء ]  قال تعالى { وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا – الفرقان 53 }

{ وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون – فاطر 12 }  .

ثم يقول تعالى :

  • ويل يومئذٍ للمكذبين (28)

أي أنه تعالى يقول ويل يومئذ للمكذبين إذا شح الماء على الأرض قبل القيامة في آخر الزمان وهو مقدمة لحروب كبرى تنتهي بنزول ملائكة بمعارج تقصف شياطين الإنس والجن جنود الدجال الأكبر  بقذائف حجمها كالقصر أو الجمال الصفر  .

يقول تعالى :

  • انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون (29) انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب (30)

وهنا :

(انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون انطلقوا)

[ وانطلق : من طلق وأطلق الناقة : حل عقالها وانطلق : ذهب لما لا قيد فيه ولا استثناء – معجم ألفاظ القرآن باب الطاء فصل اللام والقاف ] . قال تعالى { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا – الكهف 71 }  وقال تعالى { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا – الكهف 74 } وقال تعالى أيضاً {   فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا – الكهف 77 }

ولفط الإنطلاق يأتي في كتاب الله على أفعال كفار  قال تعالى { فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين– القلم 23-24 } . وقال تعالى { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد – ص 6 }

وبانتشار منع حق الله تعالى للفقراء والمساكين وترك العمل بما أنزل الله تعالى من حلال وحرام وحرب أهل الديانات الأخرى مع كل المسلمين وحرب حكام المسلمين المنافقين مع كل من آمن بالله تعالى وعمل بما أنزل الله  هنا يكونوا قد حكموا على بلدانهم بالخراب ورفع البركة يعقبها زمن الملاحم وتسلط العدو عليهم ثم الملاحم ونزول الملائكة للإنتقام من الظالمين بعد أن يكونوا قد ملئت الأرض بهم .قال تعالى هنا {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون – المرسلا 29} وما كذبوا به هنا عذاب ينزل عليهم من الله تعالى بمعارج ذي ثلاث شعب لم ينجوا منها أحداً من الظالمين قال تعالى { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات30-31 } .

وفي التفسير عن [عن علي بن ابراهيم  :{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } [المرسلات: 30] قال: فيه ثلاث شعب من النار، قوله تعالى: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ }[المرسلات: 32]، قال: شرر النار كالقصور و الجبال، قوله تعالى:كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } [المرسلات: 33]، أي سود.- تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

 

وأما :

(ما كنتم)

أي أنه يقول تعالى من خلال هذه الآيات أنه عذاب ينزل عليهم بكفرهم قال تعالى فيه { فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – آل عمران 106 } فإذا ماتوا دخلوا النار قال تعالى { ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون – الأنعام 30 } وينزل العذاب ايضاً على المنافقين المتأولين القائلين بالهوى والرأي في دين الله تعالى قال عز وجل { اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون  – الأنعام 93 } وهذا عذاب يغشهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون  – العنكبوت 55 } ويقول تعالى هل يجزون إلا ما كانوا يعملون قال تعالى { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون – النمل 90 } . ويقال لهم في هذا اليوم وهو يوم الفصل في الحياة الدنيا { إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ– الدخان 40-50 } .

وأما :

(به)

وهنا كأنه يقول تعالى { وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل – الأنعام 66 }

{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون –البقرة 121 } .

{ يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون – البقرة 217 } ومن هؤلاء المستحقي العذاب قبل يوم القيامة المشركين والله تعالى لن يغفر لهم إن ماتوا على ذلك قال تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا –النساء 116 } وكذلك أهل المعاصي والسيئات ممن لم يتوبوا من قريب قال تعالى { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا – النساء 123 }

وهؤلاء جميعا من الذين كفروا به من قريشاً الأولى والآخرة  والمشركين والعصاة ممن لم يتوبوا والمحاربين من أهل الكتاب جميعاً توعدهم الله تعالى جميعا بعذاب قال تعالى فيه { انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات30-31 } .

وأما :

(تكذبون)

والتكذيب منه ترك العمل بما أنزل الله تعالى لقوله تعالى عن بني إسرائيل { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين – الجمعة 5 } وبالتالي تكذيب العالم آخر الزمان وقبل القيامة إما بتركهم العمل بكتاب الله تعالى فيكونون قد كذبوا بالساعة أو جادلوا بالباطل أنهم خير أمة ولا تقوم الساعة قال تعالى { بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا – الفرقان 11 }

والساعة قبلها يوم الفصل بنزول عذاب عليهم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة وفيه الفصل وهذا كذبوا به وتركوا العمل بما انززل الله استعداداً لهذا اليوم قال تعالى إذا نزل بهم العذاب فيقال لهم {  هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون  -الصافات 21 } فإذا نزل بهم عذاب الآخرة قيل لهم {  وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون – السجدة 20 } .

وقبل نزول العذاب في كل أمة يبعث الله تعالى فيهم رسولا ً منهم فيكذبونه وبعدد بعثة سيدنا محمد خاتم النبيين يبعث الله تعالى إماماً وكل أمة كذبت رسولها كما في قوله تعالى { ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون – المؤمنون 44 } فإذا كان قبل يوم القيامة بعث الله تعالى للعالم إماماً منأهل بيت النبي عليهم السلام بعلم غير مسبوق فيكذبونه كما كذبت الأمم من قبل  قال تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين – يونس 39 } ومالم لم يحيطوا به هو علماً لدنيا لكتاب الله تعالى ومن كتاب الله قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون  – الأعراف53 } وما افتروه هو كذبهم على الله تعالى ورسوله كما في قووله تعالى ناهياً و منذراً كل من فعل ذلك فيقول تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون – النحل 116 } وهذا في الحلال والحرام وأما عن مناقب الرجال فقد رووا ماملئ الخافقين في حسن وجمال وتقوى وورع رجالهم لصرف الناس عن ولاية النبي صلى الله عليه وولاية أهل بيته عليهم السلام قال تعالى { ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا – النساء 49-50 }

وهذه المكذوبات والمفتريات والمدائح لرجالهم دونت في كتب ظن الناس أنها من عند الله وما هى من عند الله حتى اجترأوا على الله تعالى بفسوقهم وعصيانهم بأن منهم الخليفة عمر ينزل القرآن موافقاُ لرأيه مخالفاً لرأي النبي في ثلاث مواضع آية الحجاب والأسرى وخلق الإنسان في سورة المؤمنين وكل ذلك تم تدوينه في كتب على أنها علم ظن الناس أنه أنه من عند الله وما هو من عند الله تعالى كما في قوله عز وجل { وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون – آل عمران 78 } و هؤلاء شرعوا للناس من الدين مالم يأذن به الله وموعدهم يوم الفصل آخر الزمان كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 } .

ولا يوجد أظلم من هؤلاء الذين فرقوا الأمة وحكموا بكفر مخالفيهم بعلوم ظن الناس أنها من عند الله وما هى من عند الله قال تعالى { ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين – الصف 7 } .

والويل لهم جميعاً إذا حل زمان بعثة إمامهم قال تعالى { ويل يومئذٍ للمكذبين } ومما كذبوه هنا عدم تصديقهم بنزول عذاب الله تعالى عليهم قال تعالى . { انطلقوا إلى ماكنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات30-31 }

وأما :

(انطلقوا إلى ظل)

[ والظل الظلام الناجم عن حائل دون مصدر الضوء – معجم ألفاظ القرآن باب الظاء فصل اللام واللام ] .

فإن وقف الإنسان أو أي جسم حائلاً دون الضوء تمدد ظله قال تعالى { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا – الفرقان 45 } وبالتالي كل مخلوق تحت ضوء الشمس له ظلالاً تتمدد على الأرض قال تعالى { والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون – النحل 81 }

وظلال الأشجار والنخيل والزروع قال تعالى فيها بالجنة { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا _الإنسان 14 }

والظل يتحرك في حركة دائرية من الفجر يميناً إلى الشمائل حتى المغرب من الغدو للآصال قال تعالى { أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون – النحل 48 }

وهذا وهذا الظل الذي تنزل به ملائكة العذاب ذات الثلاث شعب لا يتظلل به العباد من حرارة الشمس ولا يمنع عنهم عذاب الله تعالى على الناس قبل يوم القيامة   قال تعالى { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب  }  وهذه تنزل آخر الزمان كما في قوله تعالى { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور  – البقرة 210 } وهذه الملائككة لا تنززل إلا بظهور آيات مع إمام آخر الزمان قال تعالى فيها { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون –الأنعام 158 }

وأما :

(ذي)

وذي بمعنى صاحب قال تعالى مبيناً أنه أمر تعالى بعبادته وعدم الإشراك به والإحسان للوالدين واليتامى والمساكين والجار ذي القربى قال تعالى { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا – النساء 36 } ويبين تعالى أن سيدنا إبراهيم دعا لفرعاَ من ذريته يسكن عند بيته المحرم كما في قوله تعالى { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون – إبراهيم 37 } ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أنزله قرآناً عربياً في قوله تعالى { قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون – الزمر 28 } وهذا القرآن نزل على رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش كما في قوله تعالى {  إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذي قوة عند ذي العرش مكين – التكوير 15-20 }

و أمر بالعدل والإحسان وبذي القربي وأولهم قربات النبي صلى الله عليه وآله كما في قوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون – النحل 90 } وفي إشارة إليهم أيضاً يقول تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب – الحشر 7 } .

ويبين تعالى أنه شديد العقاب لكل من  خرج على ولاية الله الحق و كفر بالله تعالى ونافق و ظلم قال تعالى { غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير – غافر 3 }  والله تعالى هو العزيز ذو الإنتقام كما في قوله تعالى { ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام – الزمر 37 }

ولما أنكروا ولاية الإمام علي  وأهل بيت النبي كما في قوله تعالى { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج 1-3 } و المعارج إسم فعل عرج يعرج معراجاً وهى ما يصعد به إلى السماء الأولى بالنسبة لبني آدم حيث قال تعالى {  ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون – الزخرف 33 }وهذا المعارج ما يصعد به للسماء الأولى في الدنيا ومعارج الله تعالى تعرج بها ملائكة للسماء السابعة قال تعالى { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدارة خمسين ألف سنة }

وعن الآية { سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج 1-3 } تبين أن ملائكة من الله تعالى تنزل بعذاب على الكافرين لرفض الأمة ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام :

[ عن أبي بصير في قصة الحارث الفهري لعنه الله وفيه نزلت الآية الكريمة لكفره بولاية أمير المؤمنين عليه السلام : فغضب الحارث بن عمرو الفهري، فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فأنزل الله عليه مقالة الحارث، و نزلت هذه الآية: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ». ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا بن عمرو، إما تبت، و إما رحلت ؟ فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يدك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم؟ فقال له النبي (صلى الله عليه و آله) : ليس ذلك إلي، ذلك إلى الله تبارك و تعالى. فقال يا محمد، قلبي ما يتابعني على التوبة، و لكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها، فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة، فرضت هامته، ثم أتى الوحي إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ بولاية علي لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ». – تفسير البرهان للسيد هاشم البحراني ] .

ورد في تفسير الكشف والبيان :

[.. وسئل سفيان بن عيينة عن قول الله سبحانه: {سَأَلَ سَآئِلٌ} فيمن نزلت، فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك.

حدّثني أبي عن جعفر بن محمد عن آبائه، فقال: “لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير خم، نادى بالناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال: مَنْ كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.

فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان القهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتّى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه منك، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا بالحجّ فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، فهذا شيء منك أم من الله تعالى؟
فقال: والّذي لا إله إلاّ هو هذا من الله فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهمّ إن كان ما يقوله حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله سبحانه: {سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ  لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} – الكشف والبيان للثعلبي ] ” .

وهذا العذاب قال تعالى أنه من الله ذي المعارج وهذه المعارج لها ثلاث شعب قال تعالى فيها هنا { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب – المرسلات 30 }

وأما :

(ذي ثلاث)

ثلاث شعب يبين تعالى هنا أنها ملائكة بأجنحة ثلاثية قال تعالى فيها { الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى و ثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير – فاطر 1 } وهذه ملائكة أطلق الله تعالى عليها معارج لأنها تظهر في زمان صعود الإنسان بمعارج إلى السماء قال تعالى فيها {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون – الحجر 14-15} وهنا إذا ظن أهلها أنهم قادرون عليها بعث الله تعالى فيهم إمام آخر الزمان بتأويل تنزل به هذه الملائكة قال تعالى فتنزل ملائكة ذات ثلاثة شعب على عدة بدر والي ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين – آل عمران 124 } وهذه الملائكة ذات ثلاث شعب قال تعالى فيها هنا : { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب – المرسلات 30 } ويوجد آيه تشير إلى أن هذا الإنتقام الإلهي من الظلمة سيستمر ثلاثة أيام لورود لفظ لاثة أيام في قوله تعالى عن قوم ثمود : { فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب – هود 65 } . وقوله تعالى { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار – آل عمران 41 } .

وأما :

(شعب)

[ والشعب الصف من الناس تجمعه وحدة نسب والشُعبة : الفرقة والفرع وجمعها شُعَب – معجم ألفاظ القرآن باب الشين فصل العين والباء ] قال تعالى { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شُعَب – المرسلات 30 } وهنا يبين تعالى أن هذه الملائكة ذات الثلاث شعب أو هذه المعارج عبارة عن جيوش إلهية تتكون من ثلاث فرق و جماعات لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا – الحجرا ت13 } ومن ثلاثةة أتجات قال تعالى فيها { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين – الأعراف 17 } وما بين أيديهم أي في حياتهم عن أيمانهم وعن شمائلهم و البعد الثالث من فوقهم وأسفل منهم لقوله تعالى { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونا – الأحزاب 10 } .

ثم يقول تعالى :

  • لا ظليل ولا يغني من اللهب (31)

وهنا :

(لا ظليل)

[ والظليل : ما يتظلل به ] قال تعالى {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون – النحل 81 } أي أنه لا ظل يتظللون وينعمون بل ظل فيه لهب  يلقى عليهم قال تعالى فيه { لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر } .

وأما :

(لايغني)

أي أنه ظل لكنه ليس بظل يتظللون به ولا ينجيهم وينقذهم من اللهب والشرر الملقى عليهم وبالتالي لن يغني عنهم كيدهم للإسلام والمسلمين وأهل بيت النبي عليهم السلام في هذااليوم قال تعالى { يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون – الطور 46 } وفي هذا اليوم لا يستطيع مولى أن ينصر من تولى غير الله تعالى الحق قال تعالى { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون – الدخان 41 } وفي هذا اليوم هنا تأتيهم ملائكة في معارج لها ظل يلقي عليهم الشرر كالقصر أو في حجم الجمال الصفر كما في الاية هنا { لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر } .

وأما :

(من)

وهنا لفظ من يشير إلى أنها غاشية من عذاب الله تعالى تغشاهم قبل يوم القيامة كما في قوله تعالى { أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون – يوسف 107 } . وهذه الغاشية هنا قال تعالى فيها { لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالة صفر } . فإذا كان يوم القيامة بعد هلاكهم تبرأ الذين اتبوعوا من الذين اتبعوا قال تعالى { وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص – إبراهيم 21 } .

وأما :

( اللهب)

[ واللهب ما يرتفع من النار كأنه لسان أو هو اضطرام النار واشتعالها – معجم ألفاظ القرآن باب اللام فصل الهاء والباء ] قال  تعالى { سيصلى ناراً ذات لهب – المسد } أي أن هذا اللهب الذي ستلقيه عليهم الملائكة ممن تولى قريشاً الأولى في عداوتها للنبي صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام في آخر الزمان قال تعالى { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 29-34 }

ثم يقول تعالى :

(32) إنها ترمي بشرر كالقصر (32)

وهنا :

(إنها)

أي أن فيها نار قال تعالى فيها { كلا إنها لظى نزاعة للشوى – المعارج 15-16} وهذه الواقعة من علامات الساعة الكبرى لقوله تعالى { إنها لإحدى الكبر – المدثر 35 } تكون فيها نار مؤصدة مغلقة عليهم لا يستطيعون الإفلات منها قال تعالى {  إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ في عمد ممدة – الهمزة }  .

وأما :

(ترمي)

والرمي [ رمى يرمي رميا ك ألقاه – معجم الفاظ القرآن باب الراء فصل الميم والياء ] قال تعالى عن أصحاب الفيل قال تعالى { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ- الفيل } وهذا الرمي من الله تعالى يقتل به الظالمين كما قال تعالى : { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم – الانفال 17 } .

وأما :

(بشرر)

[ الشرر : ماتطاير من النار ] .قال تعالى هنا مبيناً أن هذه الشرارة في حجم قص ر من القصور كدلالة على هول القصف الإلهي الذي سيزيل مدناً ودولاً بأكملها إلا ما رحم الله تعالى { إنها ترمي بشرر كالقصر – المرسلات 32} واللفظ لا يوجد له مرادف يبينه إلا اللغة العربية .

وأما :

(كالقصر)

وهنا يصف الله تبارك وتعالى حجم شرارة هذا القصف وليس القصف نفسه وهذه الشررة في حجمها كالقصر وذلك لورود هذا اللف في قوله تعالى { فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد – الحج 45 } .

 

ثم يقول تعالى :

(33) كأنه جمالة صفر (33)

وهنا :

(كأنه)

وهنا بعد وصف حجم الشرر وهو في حجم القصر يصف الله تعالى اللون هنا بأنه كما قال تعالى { كأنه جمالة صفر} وكأن هنا للتشبية كما قال تعالى { كأنهم حمرٌ مستنفرة فرت من قسورة – المدثر 50 }  ويبين تعالى أنهم سيهلكون بصيحة كما فعل الله تعالى بقوم عاد في قوله تعالى { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ  تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ – القمر 18-21 } أي أنها ترميهم بنيران لها شرر في الحجم كالقصر وفي اللون كالجمالة الصفر تقتلع الناس من مواضعهم على الأرض فتجعلهم كأعجاز نجل منقعر أو كما قال تعالى { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر – القمر 31 } أي كأنهم هشيم محتظر .أي [ إنا أرسلنا عليهم جبريل, فصاح بهم صيحة واحدة, فبادوا عن آخرهم, فكانوا كالزرع اليابس – التفسير الميسر ] .

وأما :

(جمالة)

[ الجمل : الذكر من الإبل إذا بلغ سناً معينة وجمعه جمال وجمالة وورد الجمع في القرآن الكريم عى جمالة – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الميم واللام ] . قال تعالى { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين – الأعراف 40 }   و [ جمالة : جمع جمالات جمع جمل – تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي ]

و [ الجُملَة : جماعة كل شيئ بكماله – معجم ألفاظ القرآن باب الجيم فصل الميم واللام ] أي كأنه رتل من الجمال الصفر المتتابعة وهنا كأنه يقول تعالى أن هؤلاء المكذبين المستكبرين آخر الزمان في كل الديانات سيسلط عليهم ملائكة تنتقم منهم بمعارج من السماء تقصفهم بقذائف كالقصر ولونها كالجمالة الصفر  قال تعالى هنا {إنها ترميهم بشرر كالقصر كأنها جمالة صفر } .

ولذلك لا تعجب أن ترى التفجيرات النووية عبارة عن زوايا محدبه كأقتاب الجمال كما في الصورة  .

وأما :

(صفر)

وهنا صفر هو اللون الأصفر ومن خلاله يبين تعالى لنا موضوعاً في غاية الأهمية عن قصة بقرة بني إسرائيل الصفراء والتي قال تعالى فيها { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين – البقرة 69} .

وهنا كأنه يقول تعالى لنا عندما يعلن بنوا إسرائيل إعدادهم للبقرة الصفراء أو الحمراء على سبيل الحقيقة أو المجاز وفقاً لما يعدون التي سيذبونها بعد هدم المسجد الأقصى أنه سيكون علامة من علامات زوالهم من الدنيا هم ومن تعاون معهم من أصحاب الفكر الصهيوني الإستيطاني في العالم وليس مصادفة أيضاً أن يطلق على اليوروانيوم النووي المستخدم في الحروب بالكعكة الصفراء : [ ما هي الكعكة الصفراء؟

هي ركازة خام اليورانيوم، يطلق عليها اسم “الكعكة الصفراء”؛ للونها الأصفر، وهي مسحوق مُركَّز من اليورانيوم يُصنع بإزالة الشوائب من اليورانيوم الخام –سبق 13 يناير 2022] .

فيبدأ الله تعالى مخاطبتهم برسائل صامتة يرونها بأعينهم لعلهم يتوبون من قريب وهذه الرسالة ريحاً شديدة تتسلط على بلدانهم في كل مكان تفسد عليهم زروعهم ومعايشهم  قال تعالى { ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون – الروم 51 } . ويكون هذا علامة من علامات نهاية العالم كما قال تعالى عن عمر الحياة الدنيا { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور – الحديد 20 } . وهنا يبين تعالى أنهم إن لم يتوبون من قريب فسينتقم منهم بمعارج تنزل بها ملائكة من عند الله تعالى أو هى معارج من صناعة إنسية يقودها رجال من أهل بيت النبي تنزل معهم ملائكة كما نزلت في غزوة بدر ترميهم بشرر كالقصر قال تعالى هنا { انطَلِقُوا إِلَىٰ مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ انطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ لَّا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 29-34 } .

ثم يقول تعالى عن هذا اليوم :

(34) ويل يومئذٍ للمكذبين (34)

ثم يقول تعالى :

(35) هذا يوم لا ينطقون (35)

وهنا :

(هذا يوم)

أي أنه يقول تعالى { هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين – المرسلات 38 } و في هذا اليوم لا ينطقون كما في قوله تعالى هنا { هذا يوم لا ينطقون – المرسلات 35 }. وهذا هو يوم الفصل وهو يوم الدين الذي قال تعالى فيه { وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين – الصافات 20 } وهو يوم البعث الذي قال تعالى فيه { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون – الروم 56 } . وهو يوم عسير على الكافرين غير يسير  يقولون فيه كما قال تعالى : { مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر – القمر 8 }

وهو يوم ينفع الصادقين صدقهم قال تعالى { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم  – المائدة 119 }  .

وأما :

(لا ينطقون)

[ ونطق ينطق نطقاً ومنطقاً : لفظ بصوت ذي حروف ومقاطع يدل على مراده والنطق يكون من الإنسان ومن في معناه كالجني والمَلَك – معجم ألفاظ القرآن باب النون فصل الطاء والقاف ]  قال تعالى { علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيئ – النمل 16 } أي أن الكلام صوت فيه بيان الكلام ومراد المتكلم منه قال تعالى { قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُون ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ  – الانبياء 63-65 } و يوم القيامة لا ينطقون كما في قوله تعالى { ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون – النمل 85 } ولا يؤذن لهم فيعتذرون كما في قوله تعالى { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيتعتذرون – المرسلات } ولا ينطقون في هذا اليوم لأنه تعالى سيخرج لهم يوم القيامة كتاباً ناطقاً بما عملوه في الحياة الدنيا قال تعالى فيه { ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون – المؤمنون 62 } وإلى جانب الكتاب الناطق هناك ملائكة كانت تستنسخ ما يفعله العباد قال تعالى { هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون  -الجاثية 29 } .

ثم يقول تعالى :

(36) ولا يؤذن لهم فيتعتذرون (36)

وهنا :

(ولا)

{واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون – البقرة 123 } وهنا { ولا يؤذن لهم فيعتذرون – المرسلات 36} وفي هذا اليوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون – البقرة 254 } .

وأما :

(يؤذن لهم)

[ وأذن له : أطلق له فعله وأباحه – معجم ألفاظ القرآن باب الهمزة فصل الذال والنون ] قال تعالى { فلما استيئسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين – يوسف 80 } وقال تبارك وتعالى في إذنه تعالى { قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون – يونس 59 } ويوم القيامة لا يؤذن للذين كفروا  كي يتعتذروا قال تعالى { ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون – النحل 84 } . وهنا رفض الإذن لهم باإعتذار عما بدر منهم في الآخرة لأنهم في الددنيا عملوا بالرأي والهوى وهو مالم يأذن به الله تعالى كما في قوله عز وجل {  أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم – الشورى 21 }

وأما :

(فيعتذرون)

ومعنى العذر مايراد به محو الإساءة وطمسها بالحجة التي يمكن بها ذلك والمعذرة : الخروج من الذنب وهى الإسم من عذر – معجم ألفاظ القرآن باب العين فصل الذال والراء ] قال تعالى { فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون – الروم 57 } وهؤلاء لا يستعتبون ينفعهم عذرهم هنا و لهم اللعنة وسوء الدار كما في قوله تعالى { يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار – غافر 52 } وعدم قبول معذرتهم لأن الله تعالى أودع فيهم بصيرة يميزون بها بين الحق والباطل بين الخير والشر قال تعالى { بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره – القيامة 14-15 } وبداية رفع العذر عنهم في الدنيا بآخر الزمان ظهور بعض آيات الله تعالى مع إمام آخر الزمان  قال تعالى { هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون – الأنعام 158 } .

ثم يقول تعالى :

(37) ويل يومئذٍ للمكذبين (37)

ثم يقول تعالى عن يوم الفصل الثاني وهو القيامة بعد الفصل الأول في الدنيا وفيه هلاك الظالمين في العالم .

(38) هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين (38)

وهنا :

(هذا يوم)

أي أنه يقول تعالى { وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين } وهو يوم البعث الذي قال تعالى فيه { فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون – الروم 56 } وهو يوم عسير لقوله تعالى { مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر –  القمر 8} وهذا هو يوم الفصل الذي كذبوا به كما في قوله تعالى { هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون – الصافات 21 } .

وأما :

(الفصل)

وهنا يقول تعالى الويل للأولين والآخرين ممن كفروا بالله تعالى وتركوا شرعته الكريمة قال تعالى { وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ – المرسلات 14-19 } أي أنه يوم جمع للأولين والآخرين كما في الآية هنا { هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ ۖ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ – المرسلات 38-39 }

وأما :

(جمعناكم)

وهنا يبين تعالى أن هذا هو يوم الجمع لا ريب فيه والذي قال تعالى فيه { فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون – آل عمران 25 } فإذا نفخ في الصور جمعهم الله تعالى جميعاً أولين وآخرين كما في قوله تعالى { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا – الكهف 99 } فإذا جاء يوم الجمع أهلك الله تعالى فيه كل جيوش العالم العسكريين ممن عملوا بطاعة الفرد في مقابل طاعة الله وقالوا بنظرية العبد المأمور في كل أرجاء العالم ويكون هذا يوم جمعهم وزوال حكمهم من الدنيا إلا مارحم الله وقليل ماهم ولا ينجوا منهم إلا كهمل النعم قال تعالى : { فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ  – الشعراء 94-102 } .

وذلك يوم التغابن الذي قال تعالى فيه { يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم – التغابن 9 } أي : [ اذكروا يوم الحشر الذي يحشر الله فيه الأولين والآخرين, ذلك اليوم الذي يظهر فيه الغُبْن والتفاوت بين الخلق، فيغبن المؤمنون الكفار والفاسقين: فأهل الإيمان يدخلون الجنة برحمة الله، وأهل الكفر يدخلون النار بعدل الله. ومن يؤمن بالله ويعمل بطاعته, يمح عنه ذنوبه, ويدخله جنات تجري من تحت قصورها الأنهار, خالدين فيها أبدًا, ذلك الخلود في الجنات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده – التفسير الميسر ] .

وأما :

 (والأولين)

وهنا يقول تعالى { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ  قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ – الأعراف 37-39 } وما كسبوه جميعاً كان تقليدهم آبائهم وولايتهم من دون الله ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام .

ويبين تعالى أن الآخرين سيكون المؤمنون فيهم قلة قال تعالى فيهم { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين – الواقعة } ويكون هنا زمان هلاكهم كما في قوله تعالى { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين – المرسلات 16-17 } .فإذا جاء يوم الفصل جمعهم الله تعالى جميعا إلى يوم القيامة كما في قوله تعالى { قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم – الواقعة 49-50 } .والويل يومئذٍ للمكذبين

ثم يقال لهم :

(39) فإن كان لكم كيد فكيدون (39)

وهنا :

(فإن كان لكم)

وهنا قوله تعالى (فإن كان) أي أن الحديث عن طائفة من البشر تندس بين المؤمنين وتتربص بهم ليكيدوهم وهؤلاء هم المنافقون الذين يتلونون بالوسط الذي يعيشون فيه أو من يقال فيهم (الطابور الخامس) المجرم الذي آذي المسلمين منذ ظهور الإسلام وبروزهم في كتاب الله تحت مسمى المنافقين وإلى الآن ممن يعملون مع الأجهزة الأمنية المختلفة حول العالم ممن لا هدف لهم إلا الإيقاع بالمسلمين و تدمير دينهم و دولتهم وهو دور يختلف بينهما بين الحماية لبلاد المسلمين من أجهزتها الأمنية  والغير ممن لا هدف له إلا هدم دين ودولة المسلمين كما في قوله تعالى { الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا – النساء 141} . وهنا كأن الله تبارك و تعالى يقول لهم لا كبير في هذا اليوم تعملون لصالحة إلا هو سبحانه وتعالى فمن سينصرونه على الله تبارك وتعالى ولذلك يقول تعالى لهم هنا { فإن كان لكم كيد فكيدون } .

وأما :

(كيد فكيدون)

[ وكاده يكيده كيداً : احتال في إلحاق الضرر به وكاد الله لنبيه أو لأحد من عباده الصالحين أي دبر له أموره وهيأ له ما هو خير له ويسند هذا الفعل إلى الله تعالى و أكثر ما يكون ذلك بعد إسناده إلى الكفار وحينئذٍ يكون معنى كيد الله : إحباط تدبير الكفار أعداء الله وأعداء رسوله أو إفساد كيدهم أو أنه سيجزيهم على كيدهم – معجم ألفاظ القرآن باب الكف فصل الياء والدال ] .

وهذا التعريف منقوص :

ينقصه الدقة والتفرقة بين كيد الله في الدنيا بإفساد كيد الكفار والمنافقين وإنزال العقوبة بهم في الآخرة  وهو كيد أولا باستسلامهم ثانياَ لن يجدون أكبر ولا أقوى من خالقهم فيكون قد أبطل كيدهم ثالثاً كيد الله تعالى بهم بنسيانهم وحاشا لله تعالى أن ينسى قال تعالى { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون السجدة 14 } .

والكيد هنا كيدان :

الأول :

إحباط كيد الكفار في الدنيا بالصبر وتوقى الله عز وجل ثم إنزل العذاب بأعداءه تعالى في الدنيا :

بداية يقول تعالى للمؤمنين بأن الصبر على طاعة الله تعالى والبلاء وتقواه عز وجل تحبط هذا كيدهم في الدنيا لقوله تعالى { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط – آل عمران 120 } ولذلك قال تعالى في كيد النساء  العظيم بنبي الله يوسف عليه السلام { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم – يوسف 34 } وفي سيدنا إبراهيم يقول تعالى { وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين – الأنبياء 70 } أي أنه يتقواه لله تعالى وصبره أبطل كيدهم و كذلك نبي الله موسى قال بأن المتعزز المستعلي بالله تعالى ينصره عز وجل قال تعالى { فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى – طه 64 }

و هكذا أنبياء الله تعالى نجاهم الله تعالى بتقواهم كما في قوله تعالى عن نبي الله هود عليه السلام { قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تنظرون – هود 53-56 } وبالتالي الذين كفروا هم المكيدون أي الواقع عليهم كيدهم والذي سيرتد عليهم لأن الله تعالى { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون – يوسف } قال تعالى { أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون – الطور 42} ولذلك يقول تعالى  { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا – الطارق } والله تعالى لا يقدر أحداً على الكيد له عز وجل إنما بين تعالى أن الحرب على أنبيائه ورسله أهل بيته والمؤمنين حرباً على الله فكلما كادوا لهم كاد الله تعالى نصرة لحزبه كما أخبرت الآية الكريمة .

ثانياً : الكيد بهم في الآخرة :

وعن بداية الكيد لهم عذاب الله تعالى لهم في الحياة الدنيا  ثم إلحاقهم بعذاب الآخرة :

  • كيد الله تعالى لهم في الآخرة عذابه لهم لقوله تعالى في نزول العذاب عليهم في آخر أيامهم بالحياة الدنيا وقبل تحولهم لعذاب الآخرة وهو الأكبر قال : { وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ – الطور 44-49} ولكي ينتقم الله تعالى منهم يسلط عليهم شياطينهم حتى تعمي قلوبهم عن رؤية الحقائق فيعملون بكل ما يهلكهم ويزين الشيطان لهم أعمالهم فيعتقدون أن إمهال الله تعالى لهم رضا من الله تعالى وما هو إلا استدراج قال تعالى فيه { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ – القلم 44-45} ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله في الحديث [ ” إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ” … الحديث  ] .
  • كيد الله تعالى لهم بظهور قوته تعالى و الوهيته على الخلق حتى يقول عز وجل { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار – الزمر }
  • كيد الله تعالى لهم خذلانهم في الآخرة لقوله تعالى فيهم { فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون – السجدة 14 } وحاشا لله تعالى أن ينسى .
  • كيد الله تعالى لهم في الآخرة عدم إجابة دعواتهم كما في قوله تعالى { قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال – غافر 50 }
  • احتجاب الله تعالى عنهم لقوله تعالى { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون – المطففين 15 } . ولذلك قال تعالى { إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا – الطارق }

 كيد الشيطان الضعيف و كيد النساء  العظيم :

يقول تعالى في كيد الشيطان { الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا  -النساء 76 } وضعف كيده أنه ليس له دوراً على بني آدم إلا الوسوسة ثم يستخدم دائماً النساء كرأس حربة له في إغواء بني آدة لقوله تعالى { زين للناس حب شهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضية … الآية آل عمران } ولذلك كيد النساء أعظم لأن منهن من تترك شرع الله تعالى حلاله وحرامه فتكون من أعوانه الذين قال تعالى فيهم {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم – يوسف 28 } وعظم كيدهن لأن المرأة حاكمة على الرجال بالهوى و الشهوة .

ثم يقول تعالى في هذا الكيد هنا بالآخرة  الويل لمن تركوا العمل بكتاب الله تعالى وكادوا لنبيه صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام والمؤمنين  :

(40) ويل يومئذٍ للمكذبين (40)

  ثم يقول تعالى عن المؤمنين الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام وناصروا ددين الإسلام على ذلك :

(41) إن المتقين في ظلال وعيون (41)

وهنا :

(إن المتقين)

أي أن { إن المتقين في مقام أمين – الدخان 51 } وهذا المقام جنات وعيون { إن المتقين في جنات وعيون – الحجر 45 } وهم منعمون فيها لقوله تعالى { إن المتقين في جنات ونعيم – الطور 17 }

{ إن المتقين في جنات ونهر – البقرة 54 } وفي هذ الجنة أنهار تجري من تحتهم وظلال وعيون قال تعالى { إن المتقين في ظلال وعيون – المرسلات 14 } .

وأما :

(المتقين)

[ ووقاه المكروه يقيه إياه وقاية : حماه وحفظه أن يناله ويكون ذلك المكروه في الدنيا وفي المكروه في الآخرة من العذاب واتقى : أصله تقى والوصف متق ويجيئ لما يأتي أ- اتقى الشيئ استقبله وجعل بينه وبينه حاجزا ب- ويقال اتقاه : تحفظ منه وتصون وعمل على أن يصيبه منه ضرر ومن ذلك  اتقاء الله فهو تجنب عذابه وذلك بالعمل بما أمر الله والإنتهاء عما نهى – معجم ألفاظ القرآن باب الواو فصل القاف والياء ] .

وبالتالي التقوى اتقاء عذاب الله في الدنيا والآخرة بالعمل الصالح ولذلك يقول الإمام علي (عليه السلام في تعريفها) :

[.. سئل علي رضي الله تعالى عنه عنها قال : هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. وقبله قال : وقال رجل لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ما التقوى ؟ قال: أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال: نعم. قال: كيف صنعت ؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى & سبل الهدى والرشاد للصالحي تلميذ الإمام السيوطي رحمهما الله ج1 ص 421 ] .

وبالتالي التقوى أولا لها كلمة بشروطها وهى لا إله إلا الله محمد رسول الله وهى النفي للألوهية والطاعة عمن هو دون الله تعالى وإثبات الطاعة له تعالى ولرسوله ثم إمامة أهل بيته عليهم السلامم قال تعالى في هذه الكلمة {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما – الفتح 26 } .

والتقوى بعد هذه العملة تكون بالعمل الصالح وفق ما نزل في كتابه الكريم واجتناب المعاصي والموبقات لذلك يقوول تعالى { وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب – البقرة 197 } .

وبعد العمل الصالح ولاية الإمام علي عليه السلام والأئمة من ذريته صلى الله عليه وآله وليست الإمامة على المشاع لكل من هب ودب من الملل والبلاد الأخرى التي هدمت وتهدم في عقائد وبلاد المسلمين قال تعالى { و الذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون – الزمر 33 } وهذه الآية نزلت في  الإمام علي عليه السلام :

[ وردت الروايات والمأثورت من طرق أهل البيت (عليهم السلام)  أكمل مَن تصدقُ وتنطبقُ عليهم الآيةُ المباركة، فأكملُ مَن جاء بالصدق على الإطلاق هو النبيُّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأكملُ من صدَّق بالصدق على الإطلاق هو أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) ويؤكِّد ذلك ما ورد مستفيضاً من طرق الفريقين بألسنة متقاربة عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه: (إنّ سُبّاق الأُمم ثلاثةٌ لم يكفروا طرفة عين : عليّ بن أبي طالب ، وصاحب ياسين، ومؤمن آل فرعون، فهم الصدِّيقون، وعليّ أفضلهم) –  بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 38 ص230 ، مجمع الزوائد – الهيثمي – ج 9 ص102، المعجم الكبير – الطبراني – ج 11 ص77، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 ص292 ] .

و [ كذلك ما ورد مستفيضاً من طرق الفريقين -كما في سنن النسائي وسنن ابن ماجه والآحاد والمثاني والمصنَّف والسنَّة لابن أبي عاصم والمستدرك على الصحيحين وغيرها [  عن عليٍّ (عليه السلام): (أنا عبدُ الله وأخو رسولِه (صلَّى الله عليه وآله وسلم) وأنا الصدِّيقُ الأكبر، لا يقولُها بعدي إلا كاذباً، صلَّيتُ قبل الناس بسبعِ سنين) – السنن الكبرى – النسائي – ج 5 ص107، سنن ابن ماجة – محمد بن يزيد القزويني – ج 1 ص44، الآحاد والمثاني – الضحاك – ج 1 ص149 ] .

[ وورد في كتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة نقلا عن تفسير محمد بن العباس بسنده عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه﴾ قال: (الذي جاء بالصدق: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصدَّق به: عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام))  .- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة – السيد شرف الدين علي الحسيني الأستر آبادي -ج2 ص517 ] .

[  أورد ابن شهر آشوب عن علماء أهل البيت (عليهم السلام عن الباقر والصادق والكاظم والرضى ، وزيد بن علي (عليهم السلام) في قوله تعالى: ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ قالوا: (هو عليٌّ (عليه السلام)) –  مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب- ج2 ص288 ] .

[  قال ابن عباس: والذي جاء بالصدق محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصدَّق به عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)   – روضة الواعظين – الفتال النيسابوري- ص104 ] .

و [ أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل من أكثر من طريق عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ قال: (هو النبي جاء بالصدق، والذي صدَّق به عليُّ بن أبي طالب) –  شواهد التنزيل لقواعد التفضيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 ص181 ] .

و [ أخرج من طريقٍ عن أبي الطُّفيل عن عليٍّ قال: (والذي جاء بالصدق رسولُ الله. وصدَّق به أنا، والناس كلُّهم مكذِّبون كافرون غيري وغيره)-  شواهد التنزيل لقواعد التفضيل – الحاكم الحسكاني – ج 2 ص181 ] .

[ وفي الدرِّ المنثور للسيوطي قال: (وأخرج ابنُ مردويه عن أبي هريرة : والذي جاء بالصدق قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدَّق به قال عليُّ بن أبي طالب) – الدر المنثور في التفسير بالمأثور – جلال الدين السيوطي – ج 5 ص328 ] .

[ وذكر الآلوسي في تفسيره روح المعاني قال: (قال أبو الأسود ومجاهد في روايةٍ وجماعة من أهل البيت وغيرهم، الذي صدَّق به هو عليٌّ كرم الله تعالى وجهه. وأخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)-  تفسير الآلوسي – الآلوسي – ج 24 ص3 ] .

وبالتالي قوله تعالى { و إنه لتذكرة للمتقين – الحاقة 48 } أي الذين تولوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه ثم أهل بيته عليهم السلام وهؤلاء لهم جنات النعيم .قال تعالى { إن المتقين في جنات وعيون – الذاريات 15 } .

وأما :

(في ظلال)

أي أنهم منعمون في ظلال الجنة التي قال تعالى فيها { والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا – النساء 57 } .

وهذا يختلف عن ظل ملائكة العذاب والمعارج التي قال تعالى فيها وفي عذابها المنززل على المجرمين آخر الزمان { لا ظليل ولا يغني من اللهب – المرسلات } . وهذه الظلال هنا لأشجار أهل الجنة  الدانية القريبة منهم والمثمرة التي قال تعالى فيها { ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا  – الإنسان 14}

وأما :

(وعيون)

وهنا يبين تعالى ان هذه العيون منها عين يشرب بها عباد الله قال تعالى { عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا – الإنسان 6 } وفيها جنتان بهما عينان تجريان وعينان نضاختان لعباد الله المتقين المحسنين وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان قال تعالى { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ  فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ  فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ  فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ – الرحمن 50-66 } . وهذه هى الظلال والعيون وأزواجهم من الحور العين قال تعالى هنا { إن المتقين في ظلال وعيون – المرسلات 41} .

ثم يقول تعالى :

(42) وفواكه مما يشتهون (42)

وهنا :

(وفواكه)

أي أنه يقول تعالى { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ – يس 55-58 } أي أنهم كما قال تعالى عن المتقين من أهل الجنة {إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون – الرسلات 42 } .

وأما :

(مما يشتهون)

{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ – الطور 17-28 } أي أن المتقين لهم فيها مايشتهون قال تعالى {لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون – الأنبياء 102 } .

ثم يقول تعالى :

(43) كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون (43)

وهذه الآية مكررة بآية سورة الطور: { كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ – الطور 19 }

وهنا :

(كلوا واشربوا هنيئاً)

أي أنه يقول تعالى { كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية – الحاقة 24 }

[ وهنُوء الشيئ يهنؤ هناءة : تيسر بلا مشقة وعناء والوصف من ذلك هنئ : يقال طعام هنيئ لا يعقب تخمة وشراب هنيئ يلذ الشارب – معجم ألفاظ القرآن باب الهاء فصل النون والهمزة ] قال تعالى { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا – النساء 4 } وفي الجمة ميلذ من المأكل والمشرب قال تعالى فيه {  كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون – الطور 19 }

 وأما :

(بماكنتم تعملون)

أي أنه يقول تعالى { من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون – النحل 97 } وهذا الجزاء هنا قال تعالى فيه { إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون  كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون – المرسلات 41-43} وذلك في الجنة دار السلام  كما في قوله تعالى {  لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون – الانعام 127 } .

 وذلك جزاء المحسنين كما في قوله تعالى :

(45) إنا كذلك نجزي المحسنين (45)

وهنا :

(إنا كذلك نجزي المحسنين)

{ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – الصافات 75-80 }

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ  -الصافات 103-109 } .

{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – الصافات 114-121 }

{ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – الصافات 123-131 }

وفي الآيات كلها يقول تعالى { وتركنا عليه في الآخرين} الترك ورد في قوله تعالى {  إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون – يوسف 37 } أي أنه ترك من ذرية الأنبياء ثلة مؤمنة آخر ازمان تعمل الصالحات وتتولى الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام ’بائهم وأعمامهم سواء علموا أم لم يعلموا جذور انسابهم التي حددها القرآن الكريم هنا يعملون الصالحات لورود لفظ الترك على حسرة من مات على كفر ونفاق في قوله تعالى { لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون – المؤمنون 100 } . وهؤلاء قلة قال تعالى فيهم { ثلة من الأولين وثلة من ىلآخرين – الواقعة } وذلك جزاء من الله في الدنيا للمحسنين من الله تعالى لأنبيائه بأن يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله تعالى ورسوله وستولة أهل بيته عليهم السلام من أرجاء المعمورة على الأرض وفي الآخرة جزائهم الجنة كذلك يجزي الله المحسنين كما في قوله تعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ  وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ – المرسلات 41-44 }

ثم يقول تعالى :

(45) ويل يومئذٍ للمكذبين (45)

 ثم يقول تعالى :

(46) كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون (46)

وهنا :

(كلوا وتمتعوا)

أي أنه يقول تعالى أن هذا سلوك كل من كفر بالله تعالى ورسوله يعيشون بلا طاعة لله تعالى ولا دين ولا إيمان فأصبحوا لا يسمعون ولا يفهمون ولا ينطقون  كالأنعام قال تعالى { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد 12 } وحيث أنهمم يقول تعالى في الأنعام وهى تسجد لله وتصلي له كبقية المخلوقات قال تعالى { وإن من شيئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ولذلك يبين تعالى أن الإنسان إذا كفر ونافق فالأنعام أرقى وأفضل منه عند الله تعالى لقوله تعالى في تنزيه الأنعام عن الكفار والمنافقين { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون – الأعراف 179} .

وأما :

(قليلاً)

وهنا يبين تعالى أن الدنيا التي تمتعوا بها ومنأجلها قاتلوا وتركوا العمل بما أمر الله تعالى في كتبه المنزلة وختامها القرآن الكريم قال تعالى { متاع قليل ولهم عذاب أليم – النحل 117 } ويقال لهم { كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون – المرسلات 46 } وقال تعالى مبيناً أن التمتع بالدنيا وعدم شكر الله تعالى على نعمائه وشكره طاعته أحد أسباب هلاك القرى كما في قوله تعالى { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين  -القصص 58 }

وإذا كان الله تعالى هنا أولا خاطب المتمتعين بالدنيا التاركين للعمل بما أنززل الله فقد بين أنواعهم في كتاب الله كما يلي :

(2) قريشا الذين اتهموه صلى الله عليه وآله بالسحر والشعر والكهانة قال تعالى { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون – الحاقة 41 } وقال تعالى أيضاً { ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون –الحاقة 42 }

(3) الذين كتبوا كتباً فيها مدرسة رأي وهوى بعيدة عن ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون – البقرة 79}

(4) الذين كفروا بالله تعالى كما في قوله تعالى { قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره – البقرة 126 } .

(5) الذين يكتمون الحق قال تعالى { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم – البقرة 147 } .

(6) الفارين من الزحف من الذين يخذلون الأنبياء والمرسلين وائمة المسلمين لقوله تعالى {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا – الأحزاب 16 } وقال تعالى أيضاً في بني إسرائيل ونقضعهم لعهد ونصرة أنبياء الله تعالى ورسله { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا و أبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين – البقرة 246} .

(7) الناقضين للعهد لقوله تعالى { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم – آل عمران 77 }

(8) المنافقون الذين قال تعالى فيهم { إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا – النساء 142 } .

(9) الخارجون على ولاية الله تعالى ورسوله وأهل بيته التي أمر بها الله تعالى في كتابه الكريم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون – الأعراف 3}

(10) المفسدون في الأرض لقوله تعالى { فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين – هود 116 } .

(11) التاركون لبعض ما أنزل الله تعالى لقوله تعالى { ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا – الإسراء 74 } .

(12) الذين عملوا السيئات وماتوا على ذلك لقوله تعالى { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون – غافر 58 } وهؤلاء هم الذين ماتوا على سيئات وهؤلاء لا توبة لهم كما في قوله تعالى { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا – النساء 18 } .

(13) المكذبين بآيات الله من أولي النعمة وهم المترفين قال تعالى { وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا – المزمل 11 }

وهنا كأنه يقول تعالى بأن معنى قوله تعالى { كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون } هم أصحااب الكبائر الذين ماتوا عليها بغير توبة .

وأما :

(إنكم مجرمون)

والمجرمون عكس المسلمون أي أنهم التاريكن لشرع الله تعالى الذين يعملون السيئات وقال تعالى فيهم لذلك { أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون – القلم 35-36 }   ومن هؤلاء المجرمين أعداء الأنبياء الذين قال تعالى فيهم { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا – الفرقان 31 }

وهؤلاء هم الذين كفروا بالله تعالى ولم يؤمنوا بألوهية الله تعالى وحكومته على الخلق قال تعالى { إِنَّا كَذَٰلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – الصافات 34-39 }  ومن هؤلاء المجرمين قوم لم يؤمنوا ويعملوا ليوم الدين و تركوا الصلاة بشروطها من ترك الخلال والحرام لأنه [ ” من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ” ] قال تعالى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ – المدثر 37 -46 } وهؤلاء هم الذين تركوا كتاب ربهم ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بأحكامه لقوله تعالى { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذَٰلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ – الشعراء 198-201 } ويبين تعالى أنه أهلك الأمم من قبل بتلك الجرائم وسيهلك كل من فعلها إلى يوم القيامة في نة لا تتبدل ولا تتغير قال تعالى فيها { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين – يونس 13 } ولا يرد بأسه عن هؤلاء المجرمين في أي زمان ومكان قال  تعالى {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين – يوسف 110 } .

فإذا ما ماتوا على كفرهم وجرائمهم أو قامت القيامة يساقون إلى جهنم زرق العيون والأجساد قال تعالى   { يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا – طه 102} ويردون جهنم وردا لقوله تعالى : { ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا – مريم 86 } ويساقون وهم مقرنون في الأصفاد كما في قوله تعالى {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد – إبراهيم 49 } . وهنا قبل نزول العذاب عليهم يقول تعالى لهم { كلوا واشربوا قليلاً إنكم مجرمون } .

ثم يقول تعالى :

(47) ويل يومئذٍ للمكذبين (47)

ثم يقول تعالى :

(48) وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون (48)

وهنا :

(وإذا قيل لهم)

أي أنه بقول تعالى لهؤلاء في الدنيا أنهم

منهم المفسدون : {  وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون –البقرة 11 } ومانوا يستهزءون بالمؤمنين يتهمونهم بالسفه كما في قوله تعالى { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون – البقرة 13 } .

ومنهم طائفة من أهل الكتاب زعموا الإيمان بكتابهم وهم كاذبون لأن كتابهم فيه البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء والمرسلين قال تعالى :{  وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين – البقرة 91 }.

ومنهم  مقلدة الآباء من كفار قريش ومن قلدوا آبائهم و من تولوا غير أهل بيت النبي عليهم السلام ممن قالوا بفكرة السلف الصالح لضرب خط ولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون – البقرة 170 } وقال تعالى فيهم أيضاً { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون – المائدة 104 } ومن هؤلاء القرشيين الأوائل من كفروا بالله تعالى والنبي وقالوا في كتاب الله تعالى أنه أساطير الأولين قال تعالى { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين – النحل 24 }

ومنهم المنافقون الذين قال تعالى فيهم : { وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا – النساء61 } وفي إعراضهم عن الله تعالى و رسول الله صلى الله عليه وآله قال تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون –المنافقون 5 }

ومنهم التاركون لكتاب الله تعالى النافرون منه وقال تعالى فيهم { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير – لقمان 21 } وقال تعالى فيهم أيضاً :{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا –الفرقان 60 } .

وهؤلاء كانوا في الدنيا لا يطيعون الله تعالى ورسوله وفي الآخرة إذا دعوا للركوع لا يركعون ولا يستطيعون قال تعالى هنا : { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون – المرسلات49 } .

وأما :

(اركعوا لا يركعون)

[ وركع يركع ركوعاً : طأطأ رأسه وانحنى فهو راكع وهم راكعون وركع ويطلق الركوع على الخشوع والتواضع – معجم ألفاظ القرآن باب الراء فصل الكاف والعين ] .

قال تعالى في ركوع الصلاة { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون – الحج 77 } وقال تعالى مشيراً إلى ولاية الإمام علي عليه السلام بعد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ما نزل فيه من قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 }

وهذه الآية نزلت حيث تصدق الإمام علي بخاتمه وهو راكع وذكر ذلك أصحاب هذه المصادر :

[1. راجع : التفسير الكبير « للرازي » / المجلّد : 12 / الصفحة : 25 ـ 31 / الطبعة : 3.

  1. راجع : نور الأبصار « للشبلنجي » / الصفحة : 86 ـ 87 / الناشر : دار الفكر.
  2. راجع : الكشّاف عن حقايق التنزيل وعيون الأقاويل « للزمخشري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 624 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت.
  3. جامع البيان في تفسير القرآن « للطبري » / المجلّد : 6 / الصفحة : 186 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت / الطبعة : 2.
  4. راجع : الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 359 ـ 363 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية.
  5. راجع : أسباب النزول « للنيسابوري » / الصفحة : 113 ـ 114 / الناشر : دار الكتب العلميّة ـ بيروت / الطبعة : 5.
  6. راجع : كنز العمال « للحسام الدين الهندي » / المجلّد : 13 / الصفحة : 108 / الناشر : دار الكتاب العربي ـ بيروت / الطبعة : 3.
  7. راجع : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد « للهيثمي » / المجلّد : 7 / الصفحة : 16 ـ 17 / الناشر : دار الكتب العربي ـ بيروت / الطبعة : 3.
  8. راجع : ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى « للمحب الدين الطبري » / الصفحة : 102 / الناشر : مؤسسة الوفاء ـ بيروت.
  9. راجع : الرياض النضرة « للمحب الطبري » / المجلّد : 3 / الصفحة : 178 / الناشر : دار الكتب العلمية ـ بيروت ] .

وبالتالي الكلمة تشير هنا إلى رفض هؤلاء في الدنيا طاعة الله تعالى ورسوله وولاية أهل بيت النبي عليهم السلام .

والركوع يعني الطاعة المجملة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله والعمل وفق ما أمر الله تعالى كشروط لقبول الصلاة والتي قال تعالى فيها { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر – العنكبوت 40 } وعلى ذلك يكون معنى قوله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين – البقرة 43 } أي أطيعوا الله تعالى مع الطائعين العاملين بكتاب الله وسنة رسوله وولاية أهل بيته عليهم السلام التي أمر الله تعالى بها في كتابه الكريم . وهذا ما رفضوه في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا يستطيعون الركوع لكفرهم بالله تعالى كما في قوله تعالى  : { واركعوا مع الراكعين – المرسلات} ولا يستطيعون السجود على ساق واحدة بعد أن التفت الساق بالساق يقول تعالى { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ – القلم 42-43}  كذلك هنا في الآخرة برفضهم ولاية أهل بيت النبي عليهم السلام لا يستطيعون الركوع ولا السجود بعد أن التفت الساق بالساق فأصبحت ساق واحدة يساقون على وجوههم بعدها إلى جهنم .(راجع تفسير الآية) .

ثم يقول تعالى بعد رفضهم أوامر الله تعالى وولايته وولاية رسوله وأهل بيته عليهم السلام

(50) فبأي حديث بعده يؤمنون (50)

أي أنه يقول تعالى بعد تركهم لآيات الله المتلوة المنزلة على رسوله فبأي حديث بعده يؤمنون { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون – الجاثية 6 } . وكذلك من لم تهديه آيات الله تعالى المشاهدة بأعينهم في السماء وهى تهدي للخالق عز وجل بغير نبي فبأي آيات الله تعالى يؤمنون قال تعالى { أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون – الأعراف 185}

وأما :

(حديث)

والحديث هو القرآن الكريم الذي قال تعالى فيه {  الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء جه ومن يضلل الله فما له من هاد – الزمر 23 } ومن كذب بهذا الحديث وترك العمل بع سيستددرجهم الله تعالى من حيث لا يعلمون قال تعالى { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون  وأملي لهم إن كيدي متين – القلم 44-45 } .

وهذا الحديث له تأويل آخر الزمان قال تعالى فيه { هل ينظرون إلا تأويله – الأعراف } وهو تأويل يجعله سيجهله علماء الأمة قال تعالى فيه { بل كذبوا مالم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله – يونس }

وهنا يقول تعالى لهم بعد إقامة الحجة عليهم { فبأي حديث بعده يؤمنون } .

وأما :

(بعده)

وهنا هذا اللفظ يشير إلى علم كبير في تأويل آخر الزمان لورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم – لقمان 27 }  وهذا التأويل ينزل على إمام فيه سنة من نبي الله يوسف لورود هذ1ا اللفظ في قوله تعالى { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب – غافر 34 } وهو تأويل تنزل به ملائكة وجنوداً من السماء قال تعالى فيهم { وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين – يس 28 }  وفي هذا التأويل انتقام من الظالمين و نصرة للمؤمنين ورحمة لهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم – فاطر 2 } وهنا تكون الآيات مؤدية لنفس ماذكرته الآيات فيها منن قبل حيث قال تعالى { ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين – المرسلات 16-18}

و بعد هذا العلم و تأويل آخر الزمان وما فيه من علم كبير وأسرار سيكشفها الله تعالى لا يعلمونها وغير مسبوقة سيكفرون بها وفيها هلاكهم يقول تعالى هنا { فبأي حديث بعده يؤمنون } .

وأما :

(يؤمنون)

والإيمان تصديق قال تعالى فيه لبيان المعنى { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين – يوسف } والإيمان في كتاب الله تصديق ولكنه مقترناً بالعمل قال تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات –العصر }

والإيمان يكون تصديقا بالغيب و بكتاب الله تعالى والكتب من قبل قال تعالى : { ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ –البقرة 2-4} وقد أنزل الله تعالى آخر كتب الله تعالى لينذرأم القرى ومن حولها كما في قوله تعالى { وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون – الأنعام 92 }

ومن آمن بالله تعالى وكتبه شرط صحة إيمانه التحاكم إلى القرآن الكريم كتاب الله تعالى الخاتم وقد نفى الإيمان عن كل من ترك التحاكم لكتابه الكريم في قوله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما – النساء 65 }

ومن آمن بالله تعالى فليتولى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه والإمام عللي من بعده لما نزل فيه من آية الولاية في قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – المائدة 55 } .(سبق أن أوردنا المصادر فلتراجعها )

ومن خرجوا على تلك الولاية لله الحق اتباعاً لمكذوبات كذبها منافقون من قبل فهؤلاء غير مؤمنين قال تعالى فيهم وفيما افتروه على الله تعالى ورسوله : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون – النحل105 } وهؤلاء زين لهم الشيطان أعمالهم كما في  قوله تعالى {   إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون – النمل 4 } وأخطر هذه الطائفة قوماً ضلوا بتقديم أراء وأهواء علمائهم على نصوص كتاب الله فضلوا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا قال تعالى { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون – الزمر 45 } والويل لهم بسماعهم آيات الله تعالى تتلى عليهم فيقدمون الهوى على النص القرآني قال تعالى {   تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  – الجاثية 6-8 } .

ولو كانوا يؤمنون بالله تعالى ورسوله لودوا أهل بيت نبيهم عليهم السلام الذين قال تعالى فيهم { قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى – الشورى } والمؤمنون الذين آمنوا بالله تعالى سيودوا بعضهم بعضاً على ولاية أهل بيت النبي كما في قوله تعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا – مريم 96 }

ولو كانوا يؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر لما ودوا أو اتبعوا أو تولوا أو اقتادوا بغيرهم قال تعالى لذلك { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون – المجادلة 22 } .

ومنآمن بالله تعالى وتولاه حث ولايته ورسوله صلى الله عليه وآله فالله تعالى سيدافع عنهم في الحياة الدنيا لقوله تعالى {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور – الحج 38 } وقد وعدهم الله تعالى بالإستخلاف في الدنيا كما في قوله تعالى { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون – النور 55} .

وسيدخلهم الله تعالى في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار قال تعالى فيها { إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير – الحج 23 } .

وهنا تكون هذه الآية { فبأي حديث بعده يؤمنون} قد اختصرت كل مراد الله تعالى من السورة عن يوم الفصل في الدنيا والآخرة .

هذا وبالله التوفيق

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت

وإليه أنيب وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

انتهى العمل من هذه السورة الكريمة في 14 صفر سنة 1421هـ الموافق 18 مايوم سنة 2000للميلاد

أهـ .

خالد محيي الدين الحليبي