تتضارب أنباء المعارك الطّاحنة التي تسود العاصمة والعديد من المناطق السودانيّة الأُخرى بين وحَدات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس ما يُسمّى بمجلس السيادة السوداني وميليشيات قوّات التدخّل السّريع بقِيادة نائبه المُتمرّد الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حيث يدّعي كُلّ طرف سيطرته على مواقعٍ استراتيجيّةٍ مِثل المطارات ومحطّة التلفزيون، والقصر الجُمهوري ومقرّ قيادة الجيش.
هذا الصّراع على السّلطة في بلدٍ يُواجه انهيارًا اقتصاديًّا، وحالة من الفوضى وانقسام حاد داخل جيشه، وبين الجيش والقِوى المدنيّة، وانعدام الأمن والاستقرار، وغيابٍ كاملٍ للدّولة ومُؤسّساتها، هذا الصّراع كان مُتوقّعًا في ظلّ وجود رأسين للمؤسّسة العسكريّة سرَقا السّلطة، والتدخّلات الخارجيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة والإقليميّة التي تنحاز إلى هذا الطّرف أو ذاك وهدفها الحقيقيّ هو تدمير هذا البلد وتفكيكه.
كان واضحًا أن الفريق أوّل دقلو، أو حميدتي، الذي تآمر مع رئيسه الجِنرال البرهان للإطاحة بنظام الرئيس السّابق عمر البشير في انقلابٍ عام 2019 يُخطّط للاستِيلاء على الحُكم في السودان بعد أن عزّز قوّاته التي يَبلُغ تِعدادها أكثر من 100 ألف جندي، وبعد أن سيطر على صناعة الذّهب وتِجارة الماشية التي تدرّ عليه، وأسرته، ما يَقرُب من عشرة مِليارات سنويًّا، في بلدٍ يُنتج حواليّ 90 طُنًّا من الذّهب كُل عام.
الجِنرالان البرهان ودقلو تآمَرا سويًّا للانقِلاب على اتّفاق نقل السّلطة إلى الحُكم المدنيّ عام 2021، وخانَا العهد، ونكثَا بالوعود، بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكيّة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي، وطعَنا الجار المِصري الشّمالي بخنجرٍ مسمومٍ في الظّهر، عندما وقفا في الخندق الإثيوبي، وأيّدا استِئثاره بمياه النيل، والمُضيّ قُدمًا في مَلء خزّانات سدّ النهضة بالمِياه في مراحله الأربع وبما يُهدّد بتجويعِ أكثر من مِئة مِليون مِصري.
المؤسّسة العسكريّة السودانيّة كانت، وما زالت، من أكثر المؤسّسات فسادًا في العالم، فقد فرّط قادتها بأكثر من ثُلُث الأراضي السودانيّة عندما انخدعوا بالوعود الأمريكيّة الكاذبة بالرّخاء والازدهار، وقبلوا تقسيم البِلاد، وانفِصال الجنوب الغنيّ بالنفط، ولم يتّعظ ويتعلّم هؤلاء “القادة” مُطلقًا من أخطائهم تلك، ووقعوا في المِصيدة الأمريكيّة ووعودها الكاذبة، بالمُضيّ قُدُمًا في التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي مُقابل رفع البِلاد من قائمة الإرهاب، والحُصول على مُساعداتٍ ماليّةٍ سخيّةٍ، ولم يحصلوا إلا على الوهم والتّجويع والدّمار.
السودان الذي يُوصف بأنّه سلّة غذاء العالم باتَ شعبه الطيّب المِضياف يُعاني من الفقْر والجُوع، وتحوّل جيشه إلى ميليشيات مُرتزقة، تُقاتل في اليمن، وتشاد، وليبيا، ولمن يدفع لجِنرالاته الفاسدة والجِنرالين البرهان ونائبه دقلو والدّائرة المُصغّرة القريبة منهما.
إنها مُؤامرةٌ أمريكيّة إسرائيليّة على هذا البلد العربيّ الأصيل، تهدف إلى تفتيته وتركيع شعبه الطيّب الأصيل عِقابًا له على وقوفه إلى جانب القضايا العربيّة العادلة، وخاصَّةً قضيّة فِلسطين، ودعم مُقاومة الشّعب الفِلسطيني المشروعة ضدّ الاحتِلال الإسرائيلي.
المؤسّسة العسكريّة السودانيّة التي قادت البلد إلى حالةٍ الانهِيار والتّفكيك الحاليّة نتيجة انقِلاباتها العسكريّة وصِراعات جِنرالاتها على الحُكم هي التي تتحمّل المسؤوليّة الكُبرى عن كُل هذه الكوارث المُتناسلة، وإيصال البلاد إلى هذا الوضع المُؤسف والمُؤلم، ولهذا لا بُدّ من ثورةٍ شعبيّةٍ للإطاحةِ بها، وتقديم جميع جِنرالاتها الفاسدين إلى القضاء بتُهمة خِيانة الأمّة والأمانة.
لا يهمّنا من يخرج فائزًا في هذا الصّراع على السّلطة، البرهان أو دقلو، فكِلاهُما فاسدٌ وخائنٌ للأمانة والعُهود، وللوطن والشعب السوداني، ولا يستحقّان الرّتب العسكريّة والنجوم التي يُزيّنان بها أكتافهما، وحانَ الوقت لكيّ يستأنف الشعب السوداني ثورته للإطاحة بهما وكُل الجِنرالات الفاسِدين الآخرين، مرّةً أُخرى وإلى الأبد، واستِعادة الحُكم المدني الذي حافظ طِوال العُقود الماضية على أمن السودان ووحدته واستِقراره ورخائه ودولته، وبناء جيش وطني جديد تكون مَهمّته الدّفاع عن الوطن وشعبه وثرواته الوطنيّة.
*“رأي اليوم”