شفقنا :
نظرا إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة في غرب آسيا، فان الكثير من دول المنطقة وخاصة الدول العربية قررت إعادة النظر في أسس سياستها الخارجية بشكل جوهري من منطلق الظروف المستجدة، والسير نحو توسيع نطاق العلاقات مع الأقطاب العالمية الناشئة مثل الصين والهند وروسيا.
وفي النظام الجديد قد تكون الإمارات من الدول الاوائل في إعادة تعريف علاقاتها بالقوى الجديدة، وهذه القضية أدت إلى ظهور سؤال في الأوساط العلمية والأكاديمية مفاده هل ستخرج الإمارات من مدار الولايات المتحدة وبشكل عام الكتلة الغربية أم لا؟
الالتفاف حول العقوبات الغربية لصالح موسكو
ان بداية أزمة أوكرانيا صارت ذريعة حتى تتضح مدى الخلافات والانقسامات بين الدول العربية مثل السعودية والإمارات مع الكتلة الغربية أكثر من ذي قبل، مع ان بداية العمليات العسكرية الروسية اتخذت الإمارات العربية المتحدة موقفا محايدا وأكدت على الحلول الدبلوماسية للأزمة، لكنها لعبت أدوارا مختلفة عند تقديم العون لروسيا.
مع ان موقف أبو ظبي في تأييد موقف روسيا حول خفض إنتاج النفط اليومي في أوبك بلس قد تغير بضغط سياسي غربي، لكن الامارات ما زالت تعد من الطرق الرئيسية للالتفاف حول العقوبات التي فرضتها واشنطن وبروكسل على روسيا، وهذه القضية لم تتغير رغم زيارات المسئولين الغربيين المتتالية إلى أبو ظبي.
بعد تصاعد الأزمة الأوكرانية وزيادة العقوبات الغربية على الأصول والممتلكات المتعلقة بالحكومة الروسية والأوليغارشية الروس، توجه التجار الروس إلى أجزاء أخرى من العالم، وخاصة دبي. اتهمت وزارة الخارجية البريطانية منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس وزراء الإمارات العربية المتحدة، بمساعدة الأوليغارشية الروس مثل أبراموفيتش، المالك السابق لنادي تشلسي.
بلغ عدد رجال الأعمال والمسئولين المرتبطين بالحكومة الروسية الذين زاروا دبي 38 شخصا. قام هؤلاء الأشخاص بتحويل ملايين الدولارات من ممتلكاتهم مثل السفن أو اليخوت والطائرات الخاصة والعملات المشفرة وما إلى ذلك إلى الإمارات العربية المتحدة. وزادت هذه القضية من الحساسيات في الغرب ووضعت ” FATF” الإمارات على قائمة الدول الخاضعة للمراقبة في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
توسيع العلاقات الإستراتيجية مع الصين
ان القضية الأخرى من القضايا المثارة للخلافات بين أبو ظبي وواشنطن هي توسيع العلاقات الإستراتيجية بين الصين والإمارات العربية المتحدة. تماشيا مع رؤية 2031 و2071، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تنويع مصادر دخلها والانتقال من اقتصاد “قائم على الكربون”، بالاعتماد على قدرة موانئ دبي وأبو ظبي وقدرة شركات القطاع الخاص مثل موانئ دبي العالمية، وتتطلع الإمارات إلى توسيع مظلة التحكم في الموانئ الإستراتيجية، وخاصة في الخليج وخليج عدن والقرن الأفريقي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. تعتمد دورة العلاقات الاقتصادية بين بكين وأبو ظبي على الركائز الأربع أي الموارد الهيدروكربونية، والعبور والاتصالات، والتقنيات الجديدة وخطة “الحزام والطريق الواحد”.
في عامي 2015 و2018 وبعد زيارة ولي العهد الإماراتي آنذاك محمد بن زايد إلى الصين وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات، تطورت العلاقات بين البلدين إلى مستوى المشاركة الإستراتيجية الشاملة، وفي السنوات الأخيرة شهدت العلاقات بين البلدين مسارا تطوريا في الجانب الاقتصادي، وبحسب الإحصائيات، بلغ حجم العلاقات الاقتصادية بين بكين وأبو ظبي في عام 2021 75.6 مليار دولار بنمو 27٪ (مقارنة بالعام السابق). وتأتي الإمارات بعد السعودية في المرتبة الثانية بين أكبر شركاء الصين في العالم العربي بنسبة 20٪، وتقدر قيمة التبادلات غير النفطية بين البلدين بـ 57.71 مليار دولار. وحاليا، تعمل 4000 شركة و200 ألف مواطن صيني في دولة الإمارات العربية المتحدة كبوابة لسوق المنطقة البالغ عددهم 100 مليون.
ان العلاقات الإستراتيجية بين الإمارات والصين أدت إلى إثارة حساسية المسئولين الامنين في الولايات المتحدة للسيطرة على علاقات البلدين، وكما أفادت وسائل إعلام عربية فان الفرق الأمنية الأمريكية لها حضور نشط في مطار دبي وأبو ظبي، وإنها تقوم بتفتيش البضائع التي ترسل من الصين متجهة إلى الإمارات، وزادت هذه الحساسية عندما ادعت وكالة المخابرات المركزية بان الإمارات سمحت للصين بإنشاء منشآت ذات استخدام ثنائي.
تحسين العلاقات مع إيران
بعد بلوغ الحرب الخفية بين إيران والكيان الصهيوني في مياه الخليج وبحر عمان ذروته، قام المستشار الأمني للأمارات طحنون بن زايد بزيارة إلى طهران، وحاول إعادة الأمن مرة أخرى إلى الفجيرة وجبل علي، وإبعاد الإمارات عن ساحة الحروب بالنيابة، هذا وبعد الهجمات التي شنها أنصار الله من اليمن على مطار ومنشآت أبو ظبي ودبي تمت البرهنة على دور وساطة طهران لإيقاف الهجمات التي تنطلق من اليمن.
في مثل هذه الظروف حاولت الإمارات بمنح امتيازات مثل زيادة الاستثمار الإيراني والتعاون مع إيران للالتفاف حول العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب، وبيع نفط إيران بالنيابة وتوفير العملة للجارة الشمالية؛ الخروج من المدار الأمريكي المعارض لإيران وذلك بشكل خفي.
وتعتبر زيادة التحركات الدبلوماسية بين أبو ظبي ودمشق بهدف إعادة هذا البلد إلى جامعة الدول العربية من أهم الإنجازات في تحسين العلاقات بين إيران والإمارات. تأتي زيادة الزيارات المتبادلة للمسئولين الإماراتيين والسوريين في وقت تعد الولايات المتحدة أحد المعارضين الرئيسيين لعودة دمشق إلى العالم العربي وتهدد الدول الأخرى بإبداء ردة الفعل أي فرض العقوبات التي عرفت بقانون قيصر. ويرى الخبراء، بان دور الوساطة الإماراتية كان له تأثير مهم في ذوبان الجليد في علاقات دمشق مع العديد من الدول، وخاصة المملكة العربية السعودية.
الولايات المتحدة تخدع أبو ظبي في مجال الأسلحة
على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة تعتبر الوجهة الرابعة لسوق الأسلحة الأمريكية، إلا أن هذا البلد لا يزال في قائمة الانتظار لشراء مقاتلات إستراتيجية من طراز اف 35. وفقا لخبراء شؤون غرب آسيا ووسائل الإعلام الغربية، كان أحد شروط أبو ظبي الرئيسة لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني والانضمام إلى اتفاقية إبراهيم للسلام هو الحصول على مقاتلات وأنظمة دفاع من الجيل الخامس مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود وسهم 3. لكن واشنطن وتل أبيب لم يكونا صادقين تماما في الوفاء بهذا الوعد.
وعلى الرغم من توقيع الإمارات عقدا لشراء 50 طائرة من طراز اف 35 و18 طائرة بدون طيار إستراتيجية وغيرها بقيمة 23 مليار دولار في عام 2020، إلا أن مسئولي هذا البلد هددوا بالانسحاب من العقد بسبب ما وصفوه بصعوبة العمليات الأمنية الأمريكية. تعتقد وسائل الإعلام والمعاهد التي تركز على قضايا غرب آسيا أن سرقة أو بيع التقنيات الأمريكية للدول المنافسة والحفاظ على التفوق الجوي للكيان الصهيوني كانا متغيرين مخربين في عملية تنفيذ الاتفاقية العسكرية بين الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تسبب عدم تأييد الغرب التام للتعاون مع الإمارات في أزمة اليمن إلى تحرك هذه الدولة الخليجية نحو توسيع التعاون مع روسيا والصين والانسحاب من اليمن أخيرا، مع الأخذ في الاعتبار الأمن القومي لكل من أبو ظبي ودبي. في مثل هذه الحالة، بالإضافة إلى الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع واشنطن، يضع محمد بن زايد أيضا تطوير العلاقات مع القوى العالمية الناشئة على جدول أعماله. بعبارة أخرى، لن تتواجد الإمارات في المنظومة الأمريكية فحسب، بل ستقوم بتعريف بناء علاقة مماثلة مع الجهات الفاعلة الأخرى.
آخر الكلام
في النظام الدولي-الإقليمي الذي يمر بمرحلة الانتقال، فان الإمارات العربية المتحدة ومن خلال مراقبة التطورات باستمرار تبحث عن أداء دور مختلف في العلاقات التي تجمعها بالقوى العالمية وتطوير مكانتها في معادلات غرب آسيا المستقبلية. ان ضرورة اتخاذ هذه السياسة الخارجية ناجمة عن ابتعاد أبو ظبي عن أمريكا والتقرب من مدار القوى الناشئة مثل الصين وروسيا.غني عن القول بان هذا الأمر لا يعني خروج أبو ظبي من مدار واشنطن كاملا، لكنه يدل على رغبة الإمارات بتعريف علاقات متميزة مع لاعبين مؤثرين، في يومنا هذا يجب ان نتريث لنرى ما إذا كانت تؤيد أمريكا هذا التغيير في مقاربة الإمارات أم إنها تبدي ردة فعل عنيفة للحؤول دون انجاز هذه العملية.
المصدر: راهبرد معاصر