طارق الهاشمي لـ”الخليج الجديد”: محاولات توحيد البيت السني فشلت وأطالب بموقف خليجي موحد إزاء العراق (2/2)

{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ -الأنعام 65 }

الخليج الجديد :

نواف السعيدي :

طالب نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي، دول الخليج بصياغة موقف موحد لمعاونة العراقيين على تجاوز الكثير من التحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية، وحث جميع المثقفين في بلاده من العرب السُنة والشيعة والكرد على أخذ زمام المبادرة ووضع خارطة طريق جديدة لإنقاذ العراق تكون مبنية على “المعايير النبيلة”.

جاء ذلك في الحلقة الثانية والأخيرة من المقابلة الحصرية التي أجراها “الخليج الجديد” مع الهاشمي بمناسبة الذكري العشرين لسقوط بغداد في 9 أبريل/نيسان 2003، ويبثها الموقع كاملة عبر منصته على “يوتيوب”.

ودعا الهاشمي إلى عقد مؤتمر وطني برعاية دولية من أجل إنهاء الأزمة العراقية، مستبعدا تماما أن يأتي الحل من قِبل السياسيين العراقيين الذين قال إن بعضهم “منتفعين من هذا الوضع، ويرغبون في استمراره، لأنهم يستفيدون ماديا. لذلك، أنا لا أعوّل على السياسيين، وإنما أعوّل على المثقفين والمفكرين”.

وأضاف: “أنا أخشى في النهاية، في ظل الوضع المُضطرب، أن يحدث تدخلا دوليا، رغم أن البعض يرى أن عام 2023 ليس كمثل 2003، لكن المواقف الدولية تتغير عندما تتغير الحقائق على الأرض؛ فاليوم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مشغولون بأوكرانيا، لكن حرب أوكرانيا حتما ستنتهي في يوم من الأيام”.

وفي الوقت الذي أكد فيه أنه لا يطالب بالتدخل الدولي، لفت نائب الرئيس العراقي الأسبق، إلى أن حل الأزمة عند المثقفين العراقيين أنفسهم الذين يتعين عليهم “وضع أجندة معينة، ووصفة للعلاج، لكن هذه الوصفة يقينا لن تُنفذ بسبب الوضع الحالي ما لم تكن برعاية المجتمع الدولي”.

وحذّر من أن الخلافات السياسية الحالية يمكن أن تعيد الاقتتال إلى الشارع العراقي، خاصة في ظل “التنافس الموجود اليوم بين الفصائل المسلحة”، مُستشهدا بأن محافظة ديالى “يجتمع فيها 61 فصيلا مسلحا، رغم أنها محدودة المساحة، وعدد المقاتلين بها قرابة 30 ألفا شخص يتنافسون على تجارة المخدرات، وسلب الأراضي، وتجارة الأدوية منتهية الصلاحية، وما إلى ذلك”.

وواصل حديثه بالقول: “الوضع الذي يعيشه العراق في ظل تنوع الميليشيات، وتعدد ولاءاتها، والانفلات في حمل السلاح، يوحي بأن العراق فوق بركان لا يُعلم متى ينفجر، لأن هذا الوضع غير طبيعي بالمرة؛ فقد أصبحت هذه الميليشيات بهذا السلاح أقوى من مؤسسات الدولة، وهذه خطورة كبيرة للغاية”.

ورأى الهاشمي أن تحالف “ائتلاف إدارة الدولة” لا يصلح أن يكون إطارا جامعا للقوى السياسية المختلفة في ‏العراق؛ لأن هذا التحالف برأيه استبعد المعارضة النشطة في الداخل وفي الخارج، مضيفا: “هذا تحالف ظرفي، وسيتلاشى بعد تصادم المصالح بين الأطراف المختلفة”.

وفي يوم 25 سبتمبر/أيلول 2022، تشكل “ائتلاف إدارة الدولة” الذي يضم جميع القوى الرئيسة في البرلمان العراقي باستثناء “التيار الصدري” الذي أعلن في 12 يونيو/حزيران الماضي سحب نوابه الـ 73 وتخليه عن مشروعه بتشكيل حكومة أغلبية وطنية ما فتح الباب واسعا أمام قوى “الإطار التنسيقي” لتشكيل الحكومة الجديدة رغم خسارتها الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وتاليا، نص الحلقة الثانية من المقابلة الحصرية مع “الخليج الجديد”:

أيهما أفضل وضعا في العراق اليوم، السُنة أم الشيعة؟

الجميع يعاني، نحن نعاني في ملف حقوق الإنسان، أما إخواننا الشيعة في الجنوب فيعانون من سوء توزيع الثروات، ومن غياب العدالة الاجتماعية؛ فهناك فقر في المحافظات الجنوبية، وهناك جوع، ومرض، وإذا قورنت الأوضاع في جنوب العراق بالأوضاع في سوريا لكانت الأوضاع في سوريا أفضل في هذا الجانب.

“المادة 4 إرهاب” موجهة ضد العرب السُنة ويتم انتهاك حقوق الإنسان بواسطتها، بينما الفساد يدفع ثمنه الشيعة في الجنوب؛ فالجميع متضررون من الحكم الحالي.

ما صحة ما يُقال حول وجود تحركات جارية لإلغاء مذكرات القبض التي صدرت بحق المسؤولين السابقين؟

لا أستطيع أن أجزم بشيء في هذا الموضوع؛ فهناك محاولات كثيرة، وهناك عناصر سياسية وطنية محترمة تريد أن تضع نهاية لهذه المأساة، وتحاول العمل على غلق هذه الملفات، لكن حتى اللحظة تواجه تحديات، وضغوط، ولا ننسى الفساد والابتزاز أيضا الذي يعرقل المساعي في هذا الاتجاه.

اليوم لا تُقدَم خدمة في العراق إلا مقابل ثمن، وهذه مشكلة كبيرة جدا؛ فعندما نتحدث عن النبل والشهامة والعدالة وغير ذلك.. من الصعب أن تجد ترجمة لهذه المعاني في واقع الحال في العراق الآن مع الأسف الشديد.

 

 

العودة إلى العراق

في حال عودتك إلى العراق، هل ستعود إلى العمل السياسي مرة أخرى؟

لكل حادث حديث؛ فقضيتي اليوم أن أتمتع بحريتي، وأن أعود إلى خدمة بلدي، ويقينا سأقضي بقية سنوات حياتي في خدمة أهلي، لكنني لست طامعا في منصب سياسي، والآن أنتظر اللحظة التي تُرفع عني فيها القيود، وأرجع إلى بلدي وأنظر للمشهد على أرض الواقع، وبعد ذلك أقرر: أين يمكنني خدمة بلدي أكثر، وسأختار المجال الذي أخدم فيه أكثر، وليس ما يرضي طارق الهاشمي.

لقد وصلت إلى منصب رفيع في الدولة العراقية، ولم أكن أتطلع لهذا المنصب، ولم أسع له، واليوم موضوع العودة للمنصب مرة أخرى لا يشغلني. ما يشغلني هو استعادة حريتي، وأن أكمل المسيرة التي بدأتها في خدمة أهلي، ويشغلني العراق كله، وسأكون في المكان الذي أخدم فيه شعبي وبلدي أكثر.

وهل يُفهم من ذلك عدم وجود أي نشاط سياسي لك وأنت خارج البلاد؟

النشاط السياسي موجود، لكنه يختلف كثيرا عن ممارسته من الداخل؛ ففي الداخل يكون التأثير والفاعلية أكثر بكثير عما يكون في الخارج، لكن النشاط السياسي لم يتوقف أبدا.

وما موقفكم من الصراع على زعامة البيت السني؟

أنا لست طرفا في هذا الموضوع، ولا ينبغي أن ينصرف السياسيون نحو هذه المسألة.

قضية الزعامة لا تعد أن تكون قناعة المكون السني نفسه، وأنا لم أعرض نفسي في يوم من الأيام لأكون قائدا لا للحزب الإسلامي أو رمزا من رموز السُنة، وإنما قدرا نظر الناس إلى إنجازاتي، ومواقفي، وتضحياتي فرفعوني إلى المنصب الذي أنا فيه.

وهذه المسألة ينبغي أن تُترك للجمهور، والجمهور مَن يقرر بناء على معطيات ومخرجات العمل السياسي نفسه؛ فالناس إذا وجدوا مَن يخدمهم قدموه، لكن إذا رأوا السياسيين يلهثون خلف المناصب من أجل منافع شخصية فلن يكون هناك رمزا ولا قائدا للسُنة.

ولا ينبغي أن يتنافس الأخوة في الداخل حول هذه المسألة، وينبغي أن تُترك للجماهير؛ فالمواقف هي التي ترفع الإنسان وليس العكس.

 

 

وضع السنة في العراق

ما الذي تحتاجه زعامة البيت السني في الوقت الراهن؟

القضية الأساسية تكمن في الواجب على مَن يتصدر المشهد السياسي بأن يضع مصلحة الناخبين فوق مصالحه الشخصية، وأن يكون القرار قرارا عراقيا وطنيا، وليس قرارا خارجيا، ولا بنفوذ وتأثيرات هذه الدولة أو تلك.

والمسألة المهمة أن يتعفف عن المال العام، وألا يتنافس الناس على السيادة وعلى التصدر؛ فهذه قضايا لا قيمة لها مقارنة بالفاجعة التي حلت بنا منذ سنوات ولا زالت، وعلى مَن يستطيع أن يقدم شيئا لأهل وطنه فليفعل، بدلا من إهدار الجهد في النزاع والصراع على قيادة البيت السني وغير ذلك.

إلى أين وصلت مسألة ترتيب البيت السُني في العراق؟

الجميع يعرف أن الشيعة لديهم ترتيبات، ولديهم مرجعية، كما أن للأكراد حزبين، ويسيطران على الوضع السياسي، أما عن السُنة: فنحن نعيش دون ترتيب لهذا البيت، ومن ثم أصبح (بيتنا) مُفككا ومُبعثرا.

الناس تريد النصيحة، والتذكير، وتريد المنهج، والعمل المشترك؛ ليس ضد المكونات الأخرى، وإنما لكي يكون لهذا المكون القدرة على الفاعلية في المشهد السياسي، وهو ليس كذلك الوقت الحاضر.

المسألة التنظيمية حدثت في الماضي، وإذا تكررت في المستقبل فلا غبار عليها، لأنها عبارة عن عمل يستهدف استنهاض الهمم من أجل خير العراق، وليس استهداف الشيعة أو استهداف الكرد؛ فمن مصلحة العراق أن تكون هذه المكونات مُنظمة ومُرتبة، وتلتقي كل هذه المكونات تحت الهوية، والمظلة الوطنية، ولا تخرج عنها.

وهل قطعتم شوطا في هذا المضمار؟

الحوار جارٍ مع الجميع، وهناك ندوات ولقاءات لتبادل الآراء، وهناك قناعة بأهمية الأمر، والمطالبات بذلك موجودة في الداخل وليست من الخارج؛ فالجميع يشعر بالحيرة والضياع، ونتساءل: لماذا لا نرتب البيت السُني؟ لماذا لا نلتقي ونتبادل الرأي، ونضع برامج للمستقبل، ونكون عناصر فاعلة في هذا الوطن، ونؤدي الذي علينا بدلا من الانعزال بينما تواجهنا هموم مشتركة.

قضية حقوق الإنسان، على سبيل المثال، قضية مشتركة، لكن كيف نتصدى لها؟ هل من المعقول أن يتصدى لها السياسي بطريقة، ورجل الأعمال يتصدى لها بطريقة ثانية، ورجل الدين بطريقة ثالثة.. هذا ليس منطقيا، بالرغم من كونها قضية واحدة يعاني منها الجميع.

نحن نحتاج لجمع كل الآراء، لتُترجم في إطار أجندة عمل مشتركة، ومُتفق عليها، وعندما تُقدم للطرف الآخر أو الحكومة يكون لها داعمين من الجمهور العربي السُني هو داعم؛ فالمسألة تنظيمية لا أكثر.

لذا، فالوضع الذي نعيشه مؤذ لنا، ومؤذ للوطن، وهذا التشتت قد يؤدي لمفاجآت لا يُتوقع ضررها.

فلو كان المجتمع العربي السني مُنظما ومُوحّدا لما ظهرت “داعش” وغيرها، ولما حدثت كل هذه المفاجآت على الإطلاق، لكن هذا المجتمع سهل اختراقه، ومن ثم حدثت كل هذه التغييرات، التي لا تؤثر على المكون نفسه بقدر تأثيرها على الآخرين أيضا، لذا لا ينبغي على الآخرين متى ما حدثت عملية تنظيمية أن يتحسسوا منها؛ فهي عملية ذات طابع اجتماعي، وإصلاحي، وخيري للمكون وللوطن.

 

 

تركيا والبيت السني العراقي

هل تركيا تلعب دورا ما في إعادة ترتيب البيت السني؟

تركيا دولة لا تحصر مصالحها ولا اهتماماتها بالمكون السُني؛ فتركيا مفتوحة على كل المكونات العراقية، وتؤيد أمن واستقرار العراق، وتؤيد كل عمل من شأنه ذلك، خاصة أن العملية التنظيمية المنشودة ليس لها طابع سياسي، وهي نقطة أساسية بالموضوع.

وحتى النقاشات الجارية لا تحمل طابعا سياسيا، وإنما هو طابع نهضوي، وإصلاحي، لمداواة الجراح، وإغاثة الناس ومساعدتهم وتأهيلهم، وليس من أجل تشكيل حزب أو كيان سياسي أو منافسة هذا الطرف أو ذاك؛ فكل هذه الأمور بعيدة عن الأذهان، لكنها تُعني بكل الأنشطة الأخرى مستقبلا.

هل أنت متفائل بنجاح جهود إعادة ترتيب البيت السني؟

المحاولات الماضية فشلت، لكن هذا لا يمنع أن نستفيد من دروس الماضي، وأن نمضي في هذا السبيل؛ فالعراق بحاجة إلى ترتيب كل البيوت، وعندما يترتب هذا البيت تكون الخطوة التالية المهمة هي ترتيب البيت العراقي؛ فلا ينبغي أن تقف الجهود عند هذا الحد.

لكن البداية بالممكن وبعدها نتوسع إلى البيت الأوسع لنصل لنهاية المشروع، وهو البيت العراقي الذي يضم العرب سواء كانوا سنة أو شيعة أو الأخوة الكرد والتركمان؛ فأهم ما خسرناه بعد الغزو عام 2003 هو انقسام الشعب العراقي، ليس انقساما على مستوى المكونات وفقط، بل انقسام حتى على مستوى الهويات الفرعية، وبالتالي لا صلاح للعراق ولا لمستقبله إلا بوحدة النسيج العراقي.

هل أنت على تواصل مع السلطات العراقية بأي صورة من الصور؟

في الوقت الحالي لا، ليست لي علاقة بالسلطة.

كيف تقيم أداء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني؟

هناك مؤشرات طيبة من الحكومة الحالية برئاسة السوداني، وأعلم أن هناك ضغوطا كبيرة على السوداني، لكن نحن “متفائلون بحذر”؛ أقول: “متفائل”، لأن الرجل أنجز أعمالا استدعت قرارات صعبة، وأقول “بحذر” لأنه حتى اللحظة لم يعتنِ بمطالب العرب السُنة؛ فنحن لدينا مطالب أساسية، وبعد مرور ما يزيد على 4 أشهر لم يحرك ساكنا في هذه الملفات برغم حساسيتها، في حين اهتم بملفات أخرى.

هل تلقيت اتصالات خلال فترة بقائك خارج البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر من السلطة أو المُقربين من السلطة؟

لا تربطني أي علاقة مع السلطة الحالية، وإن كنت تقصد رئيس الحكومة محمد السوداني؛ فلم يسبق لي أن تعرفت عليه، لكن على مستوى السياسيين فهناك تواصل مع سياسيين في الداخل، ونتبادل الاستشارات من حين لآخر.

 

 

شبح الاقتتال الأهلي

البعض يرى أن الخلافات السياسية الحالية يمكن أن تعيد الاقتتال إلى الشارع العراقي.. ما ‏تعقيبكم؟

أعتقد هذا الأمر وارد.

سأضرب لك مثالا حول التنافس الموجود اليوم بين فصائل تحمل السلاح.. في محافظة ديالى وهي منطقة محدودة مساحتها 18 كيلومتر مربع، وهذه المنطقة يجتمع فيها 61 فصيلا مسلحا، عدد المقاتلين قرابة 30 ألفا يحملون السلاح، كل هؤلاء يعيشون في منطقة محصورة يتنافس الجميع فيها على تجارة المخدرات، وسلب الأراضي من الناس، وتجارة الأدوية منتهية الصلاحية، وتتاجر وتتنافس على كل شيء يمنعه القانون، وكل هذا التنافس من أجل المال.

فإذا كان التنافس بين هذا العدد من المسلحين في منطقة محدودة، وعلى موارد محدودة، وفي نفس التجارة، فما المتوقع منه؟

الوضع الذي يعيشه العراق في ظل تنوع الميليشيات، وتعدد ولاءاتها، والانفلات في حمل السلاح، يوحي بأن البلد فوق بركان لا يُعلم متى ينفجر، لأن هذا الوضع غير طبيعي بالمرة؛ فقد أصبحت هذه الميليشيات بهذا السلاح أقوى من مؤسسات الدولة (أقوى من الجيش، والأجهزة الأمنية)، وهذه خطورة كبيرة للغاية.

بالطبع لا أتمنى نشوب حرب أهلية، لا بين الشيعة والشيعة، ولا بين الشيعة والسُنة، لكن عندما تغيب الحكمة، ولا يسمع الناس لمناشدات السياسيين في الخارج بضرورة الإصلاح العاجل، عندها سيغيب القانون، وستصبح شريعة الغاب هي السائدة، وسيكون السلاح المنفلت، والمال الفاسد، والإعلام الموجّه الفاسد هو الذي يحكم الساحة، ومن ثم تصبح مخرجات هذا الوضع مجهولة.

هل ممارسات المكونات العراقية في الداخل تُقرّب من هذا الانفجار الذي تُحذّر منه؟

واقعنا اليوم “كل يُغني على ليلاه”، والغائب هو العراق، والمصلحة الوطنية.

لذا التناحر الذي نشهده ليس لخدمة العراق، وإنما من أجل المصلحة الذاتية؛ فكل ميليشيا أو حزب أو كيان يقاتل من أجل مصلحته، وفي النهاية لا بد من التصادم الذي لا أتمنى حدوثه.

هل تحالف “ائتلاف إدارة الدولة” يصلح أن يكون إطارا جامعا للقوى السياسية المختلفة في ‏العراق؟

لا أعتقد ذلك؛ لأنه استبعد المعارضة، والمعارضة ناشطة في الداخل وفي الخارج، لذا فإن هذا التحالف هو تحالف ظرفي، وسيتلاشى بعد تصادم المصالح بين الأطراف المختلفة.

هل التهديد الأمني من “داعش” لا يزال قائما حتى الآن في العراق أم تم القضاء على ‏التنظيم بالكامل؟

عندما تغيب العدالة تبرز المنظمات الإرهابية، أفشوا العدالة ينتهي الإرهاب.

 

 

تركيا وملف المياه بالعراق

السوداني خلال زيارته الأخيرة لتركيا بحث ملفات الحدود والمياه.. فكيف ترى ‏العلاقات التركية العراقية؟

العلاقات التركية العراقية جيدة، وستبقى جيدة؛ فالعراق لديه مصالح لدى تركيا، وتركيا لديها مصالح في العراق، ومن خلال المصالح المشتركة ستكون العلاقات ممتازة بين الطرفين.

تركيا موقفها مرن للغاية فيما يتعلق بقضية المياه، وأعتقد أن تلك الزيارة كانت ناجحة، وأن الأتراك سيمارسون كرمهم فيما يتعلق بملف المياه.

البعض يقارن بين موقف تركيا وموقف إيران فيما يتعلق بشح المياه؛ فإيران حجبت عن العراق 450 نهرا كان يجري داخل الأراضي العراقية، واليوم تركيا تُرشد المياه، وبالطبع كمية المياه قلت بسبب إقامة السدود وغيرها، لكن العراقيين أيضا لا يتكلمون عن الهدر المستمر لماء الشرب؛ فنهرا دجلة والفرات يلتقيان عند القرنة ثم تذهب المياه الصالحة للشرب إلى الخليج العربي دون أن يستفيد منها أحد.

العراقيون لا يتكلمون عن عدم ترشيد المياه منذ عقود من الزمن، واليوم ينتقدون تركيا، وأنا لا أريد الدفاع عن موقف تركيا؛ فتركيا تدافع عن موقفها، لكن لدي سجل في هذه المسألة، فعندما كنت نائبا لرئيس الجمهورية تدخلت 3 مرات لبحث زيادة تدفقات المياه باتجاه العراق، لكن الأتراك كان لديهم سؤال واحد: إذا زاد تدفق المياه فأين سيذهب الفائض منها؟ سيصب في الخليج العربي، والعراق لديه فائض لا يستفيد منه، فإشكالية العراق هي الترشيد.

العراق في الماضي لم يبنِ سدودا وخزانات كافية، وضاعت الفرص، واليوم لا يجب المطالبة بزيادة الكميات وإنما بترشيد استخدام العراق للمياه الصالحة للشرب.

 

 

العلاقات العراقية الخليجية

وماذا عن رؤيتكم للعلاقات بين العراق ودول الخليج؟

العلاقات باتت أفضل مما كانت عليه سابقا، ومن مصلحة الدول الخليجية أن يكون العراق آمنا ومستقرا، والأمل في التقاء هذه الدول على توحيد موقفها مع العراق، ولا تستقل كل دولة بموقف مغاير عن الدولة الأخرى؛ لأن هذا من شأنه تعقيد المشهد العراقي.

نريد من مجلس التعاون الخليجي أن يكون له رأي مُتفق عليه، وقابل للتنفيذ أيضا، ونحن ممتنون للمساعدات التي تُقدم من السعودية، والإمارات ومن دولة قطر، وأملي أن تتوسع هذه المساعدات والعون، وأن يساعدوا العراقيين على تجاوز الكثير من التحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية، والخليج قادر على تقديم يد المعونة.

أشعر اليوم أن العلاقات تعود تدريجيا إلى سابق عهدها، وكلي أمل بأن يكون العراق في المستقبل جزءا من المنظومة الخليجية؛ ليستفيد من تجاربهم، كما أتمنى أن يصبح العراق دولة مستقرة ومزدهرة، ويعمّ خيره على إخوانه وجيرانه.

هل الخليج يدعم ويساند العراق في محنته على غرار دعمه وتأييده لبعض الأنظمة على غرار النظام المصري؟

لا، الخليج لا يساعد ولا يدعم العراق مثلما يساعد النظام المصري الحاكم؛ لأن النظام العراقي الحاكم الآن مُتهم بأنه بيد إيران، ومحسوب على طهران، وإيران موقفها من الخليج واضح. لذا، لا يمكن أن يكون موقف الخليج من العراق كموقفه من مصر.

ولا ننسى أنه في عام 2005 أُطلقت مبادرة سعودية لمساعدة العراق بمليار دولار لكنها لم تصل العراق؛ فقد التقيت الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، حينئذ، وقال المبلغ موجود ومستعدون لإرساله ليغطي مشاريع إعمار المحافظات التي دمرها الغزو وفي مقدمتها المحافظات الغربية والموصل وغيرها، لكن كان هناك رفض في الداخل لأي معونة من الخليج؛ فنظام الحكم الذي تصدر بعد 2003 لم يكن عروبيا والجميع كان يعرف توجهاته.

وعندما عرضت السعودية مرة ثانية مشروع المليون نخلة في بغداد قوبل بالرفض، ودولة قطر أيضا كان لديها مشروع عملاق تريد إقامته في محافظة الأنبار، وهو مشروع زراعي حيواني كان سيوفر آلاف من فرص العمل، ويكون مصدرا للمواد الغذائية في العراق كله، ويصدر الفائض منه، ووُضعت له المخططات لكنه تلاشى في النهاية.

حتى في قضية الكهرباء والطاقة: السعودية عرضت أكثر من مرة تغذية العراق بالطاقة عن طريق مد خطوط الكهرباء، فكانت الاتهامات جاهزة: “مد خطوط الطاقة يعني مد النفوذ السعودي” وتصدت الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي حينها للمشروع؛ فهم يواجهون التقارب حتى لو كان في مصلحة الشعب العراقي.

الإشكالية في العراق هي رفض أي نوع من أنواع التنسيق أو التعامل العربي، هذه هي الإشكالية الوازنة، وهذا الموقف ينبغي أن يتغير، ولابد من الانفتاح على الإخوة الخليجيين؛ لنستفيد من خبرتهم في التنمية.

الدول العربية المحيطة بنا أصبحت أيقونة في التقدم، والازدهار، والعمران، فاليوم الدوحة، والرياض، ودبي، وأبوظبي، والبحرين.. أصبحت مثار اهتمام العالم كله، والعراق ينبغي أن يستفيد بهذه التجارب، ولن يستطيع أن يحقق ذلك دون عودة العلاقات بشكل طبيعي مع دول الخليج.

هل طارق الهاشمي على تواصل مع بعض الدول الخليجية في الوقت الراهن؟

أنا مقيم في قطر حاليا، وبالتأكيد لدي علاقات مع الخليج.

وهل تتواصل بشكل واضح مع السعودية؟

نعم، لدي علاقات أيضا مع السعودية.

وهل بينكم تفاهمات أو ثمة رؤى مشتركة لكيفية إنهاء الأزمة العراقية؟

حتى هذه اللحظة لم ترقِ لمستوى المفاوضات؛ فالسعودية دولة لها رؤيتها، ولديها مصالحها، ونحن نقدر هذه المسألة، ولا خلاف في ذلك، وبقية الدول أيضا لها رؤيتها، ولديها مصالحها، لذا نحن نشرح موقفنا للجميع –ليس السعودية فقط- ونتفهّم أوضاع الجميع؛ فكل الدول العربية تريد أن تخدم الشعب العراقي، ومن مصلحة العراق أن يفتح الأبواب لهذه الدول حتى تساعده على معالجة همومه ومواجهة تحدياته اليومية.

 

 

الاتفاق السعودي الإيراني

إلى أي مدى سينعكس الاتفاق السعودي الإيراني على الأزمة العراقية؟

السلام لا بديل له، وتسعدني مثل هذه المقاربات؛ فهي أفضل بكثير من القطيعة والحروب، ويبدو أن السعودية وإيران وجدتا أرضية مشتركة بالإمكان البناء عليها رغم الخلاف بين الطرفين، والشعور المتبادل بأن الطرف المقابل يُشكّل تحديا له.

السعودية قامت بتوقيع الاتفاق بعد توسع النفوذ الإيراني في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، وأنا لا أعلم تفاصيل هذا الاتفاق، لكن ما قرأته أن الاتفاق جاء بناءً على مصالح وقضايا موضوعية تُعنى بالدولتين.

ولا أعلم إذا كانت المناطق التي توسعت فيها إيران مشمولة بهذا الاتفاق أو لا، لكني أتمنى ذلك؛ لأن نفوذ إيران في هذه الدول يُشكّل تحديا للسعودية، وهذه القضية واضحة، وهذه المسألة لا تغيب عن السياسي السعودي ولا بد أنها أُخذت بعين الاعتبار، بينما ليست لي التفاصيل حول أبعاد ذلك.

العراق لعب دورا بشكل ما في الاتفاق السعودي الإيراني، كيف تقيم دور العراق في التقريب بين طهران والرياض؟

أنا سعيد بقيام العراق بهذا الدور، في تلطيف الأجواء وفي جمع المختلفين في المنطقة العربية؛ فقد كنّا في السابق دولة محورية بالشرق الأوسط، وآمل أن يستعيد العراق دوره ومكانته، وأن يصبح دولة محورية، ويتعرف على المشاكل البينية بين الدول لإيجاد حلول توفيقية لها، لكن النجاح النهائي في هذا الملف يتوقف على النجاح في الداخل، فلكي تكون فاعلا في الخارج عليك أن تكون فاعلا في الداخل أولا.

عليك في البداية أن تحل مشاكلك في الداخل لتقف الدولة العراقية على أرجلها بقوة، ويتوحد شعب العراق خلف أجندة معينة، في وجود حكومة واعدة غير فاسدة، وقوية تحافظ على السيادة، وغير طائفية يلتف حولها شعب العراق، وبعد أن تتعافى الدولة من الداخل تكون قادرة على أن تلعب دورا متميزا ورائدا في الخارج.

بغداد وأربيل

قبل أيام، تم التوصل إلى اتفاق “شامل” بين بغداد وأربيل بعد أشهر من الجمود ‏والخلافات.. فما سر هذه الانفراجة؟ وهل ستصمد مستقبلا؟

أرى أنه لا ينبغي استخدام المال من أجل الضغط السياسي. الخلافات السابقة -ولا زالت هناك خلافات- بين الإقليم والمركز تتعلق بالنفط والغاز، وتتعلق بعوائد المنافذ، وتتعلق بالرقابة على الصرف، وبالمناطق المتنازع عليها، ومسألة كركوك، وكلها خلافات لم تحل إلى الآن.

لكن في النهاية لا ينبغي أن تؤثر تلك الخلافات على ميزانية كردستان خصوصا الميزانية التشغيلية، لأنك في هذه الحالة ستعاقب مواطنين عراقيين على خلفية خلافات سياسية بينك وبين إدارة الإقليم.

لذا، أشعر بالرضا، وأشعر بالسعادة لانتهاء هذا الملف، وأن أزمة الرواتب في كردستان قد حُلت، وأتمنى ألا تُكرر مستقبلا، لكن في نفس الوقت علينا أن نعجل بحل جميع الملفات التي لا تزال مُعلّقة منذ سنوات.

 

 

الأزمة السياسية العراقية

من وجهة نظركم، ما السبيل لحل دائم ونهائي للأزمة السياسية في العراق؟

رغم تعقد المشهد السياسي، لكن لو بات هناك توافق على بعض المعايير، واتفقنا على العدالة، التي لا تعني فقط حقوق الإنسان وإنما لقمة العيش، وحق المواطن العراقي في التوظيف، وحقه في الأمن والاستقرار بدون ضغوط، وعدم التعدي على مصالح الناس، فستتغير الأمور.

لو اتفقنا على معيار العدالة، ووضعنا كل الآليات لتنفيذها، وأعدنا النظر في صلاحيات السلطات وممارستها فستنتهي مشاكل العراق.

ربما يتم ذلك من خلال مؤتمر عراقي وطني برعاية دولية أو من الأمم المتحدة، وأدعو المثقفين (من غير السياسيين) من العرب السُنة، والشيعة، والكرد، ليأخذوا زمام المبادرة ويضعوا هم وصفة جديدة للعراق مبنية على بعض المعايير النبيلة، مثل العدالة التي هي ركيزة النجاح في العراق، حتى ما يتعلق بالنفوذ الأجنبي، والولاءات الخارجية، والتفريط في حق الوطن سببه غياب العدالة.

أنا أخشى في النهاية في ظل الوضع المضطرب أن يحدث تدخلا دوليا، رغم أن البعض يرى أن عام 2023 ليس كمثل 2003، لكن المواقف الدولية تتغير عندما تتغير الحقائق على الأرض؛ فاليوم الولايات المتحدة وأوروبا مشغولون بأوكرانيا، لكن حرب أوكرانيا حتما ستنتهي في يوم من الأيام.

اليوم هناك تركيز على العراق، لأن جميع الدول المحيطة بالعراق تقريبا مستقرة ومزدهرة باستثناء سوريا، بل أصبح العراق عبئا على الآخرين، بعد أن بات ممرا لتجارة المخدرات إلى السعودية، وسوريا، وتركيا، والأردن؛ فالوضع المرتبك في العراق لم يعد ضرره على العراقيين فقط، وإنما على الدول المجاورة كذلك.

السياسيون منتفعون من الأزمة

أنا أتجنب في الحل تعقيدات المشهد السياسي، لأن بعض السياسيين منتفعين من هذا الوضع، ويرغبون في استمراره لأنهم يستفيدون ماديا.

ولنترك الحل للجناح الثقافي، والمثقفون من جميع المكونات يلتقون برعاية دولية، ويضعون خارطة طريق جديدة لإنقاذ العراق، ويصدر قرار إلزامي من قِبل مجلس الأمن بتغيير الوضع في العراق بناءً على توصيات المجتمع الثقافي الذي يمثل كل الأعراق والمذاهب والأديان في العراق.

القضية إذا انطلقت في الجانب السياسي فسوف تطول، والجانب السياسي اليوم -كما ذكرت- لديه المال الفاسد، ولديه السلاح المنفلت، ولديه الإعلام، ومُسيطر على القضاء.. فكيف يحصل الإصلاح والتغيير، فالمهمة ستكون صعبة.

لكن مهما كانت الطرق ينبغي أن نحظى بدعم المجتمع العربي أو الدولي لعملية التغيير المنتظرة في العراق.

نحن لا نستهدف أحدا، لكن من العار والعيب أن بلدا عمره آلاف السنين يعيش المواطن فيه بحاجة إلى حبة الدواء أو إلى لقمة العيش، أو يبحث عن لقمة العيش في القمامة.

المواطن اليوم إما مسلوب الإرادة، أو شبابه مهجر، ولا فرص للعمل، وهذا الوضع عار على كل السياسيين في العراق، وبالتالي التغيير حتمي ولا مناص منه.

هل التدخل الدولي ربما يحمل حلا أفضل مما هو عليه العراق الآن؟

أنا لم أطالب بالتدخل الدولي. أنا أقول إن هذه المسألة حلها عند العراقيين أنفسهم، ليس السياسيين منهم وإنما المثقفون؛ لوضع أجندة معينة، ووصفة للعلاج، لكن هذه الوصفة يقينا لن تُنفذ بسبب الوضع الحالي ما لم يتدخل المجتمع الدولي.

فلو جرى هذا الموضوع برعاية الأمم المتحدة، وبعد ذلك صدرت هذه التوصيات مقترنة بقرار من مجلس الأمن، فإن العراق مُجبر على تنفيذ هذه المسألة، وهذا هو الطريق الصحيح: نضع الوصفة، لكن بحاجة إلى المجتمع الدولي لدعمها.

وقبل أن ننتقل إلى نيويورك لننتقل إلى مكة المكرمة، أو الرياض، أو مجلس التعاون الخليجي، الأمل أن ينطلق هذا الدعم والتفاهم من العرب أولا قبل أن ننتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب، لكن الوصفة في النهاية وصفة عراقية.

 

 

لماذا لا تأخذ خطوات عملية في هذا الصدد؟

الخطوات العراقية العملية سوف تصطدم بوجود طبقة سياسية فاسدة مستفيدة من هذا الوضع، وستمنع أي نوع من التغيير أو الإصلاح.

لذلك، أنا لا أعوّل على السياسيين، وإنما أعوّل على المثقفين والمفكرين؛ فهم مستقلون، وغير منحازين، وغير مستفيدين من هذا الوضع البائس الذي نعيشه؛ فالمثقفون لديهم القدرة على تقديم أفكار ورؤى للمستقبل، يلتقون معا لكن تبقى هناك حاجة، ووسيلة للضغط، هذه الوسيلة إما أن تكون عربية، أو دولية إذا عجز العرب عن تقديم يد العون لإخوانهم لإصلاح واقعهم.

 

المصدر | الخليج الجديد

About مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمستقبل العالم الإسلامي و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم على الكلمة وتفاصيل مواردها ومراد الله تعالى منها في كل موضع بكتاب الله في أول عمل فريد لن يتكرر مرة أخرى .

Check Also

أول رد لصنعاء على العري حول مجسم الكعبة في الرياض

YNP : ردت حكومة صنعاء ، على مشاهد العري التي ظهرت حول مجسم للكعبة ، …